الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني

                        الترويح في عدد ركعات التراويح

 

                                   كتابة: الطاهر زياني

    

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله وبعد:

فَهذا مبحث في استحباب صلاة التراويح بعشرين ركعة، ومطلق العدد في صلاة التهجد والقيام، وقد قسمته إلى ثمانية مطالب:

المطلب الأول: مناقشة شبه الخصوم في تبديعهم لِمطلق القيام والزيادة على إحدى عشرة ركعة: وقد رددت عليهم بعدة أوجه، كلها عبارة عن مسائل.  

المطلب الثاني: ذكر الأدلة العامة الدالة على مشروعية مطلق القيام بأي عدد مختار.

المطلب الثالث: ذكر الأدلة الخاصة الدالة على استحباب القيام بأي عدد مختار:

المطلب الرابع: ذكر ما جاءنا عن الصحابة من القيام بأي عدد مختار:

المطلب الخامس: ذكر استحباب صلاة التراويح بعشرين ركعة عن الصحابة: وفيه أربعة مسائل:

المسألة الأولى: ذكر العمومات في مطلق قيام رمضان وأن الأصل في التراويح كان التوقيف :

المسألة الثانية: ذكر أن الصواب في تراويح عمر: هو العشرون ركعة بإجماع الصحابة والسلف وتواتر الأدلة :

المسألة الثالثة: ذكر ما ورد عن أعيان من الصحابة بعد عمر، في صلاتهم بعشرين ركعة بحضرة جميع المسلمين:

المسألة الرابعة : ذكر ما ورد عن عامة الصحابة في صلاة التراويح بعشرين ركعة بحضرة جميع المسلمين :

المطلب السادس : ذكر استحباب صلاة التراويح بعشرين ركعة عن التابعين:

المطلب السابع : ذكر من صلاها بأكثر من العشرين من غير تبديع:

المطلب الثامن : ذكر البيان أن هذا من اختلاف التنوع, مع البيان أنه لم يقل أحد من السلف باستحباب أقل من عشرين ركعة، وفيه:

مسألة: بيان أنه لا يوجد من السلف من استحب التراويح بأقل من العشرين، من غير تبديع أثيم :

وأخيرا الخاتمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الأول: مناقشة شبه الخصوم في تبديعهم الزيادة على إحدى عشرة ركعة:

ذلك أنهم ذهبوا من غير سلف لهم إلى بدعية الزيادة مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ", مع حديث مالك: " صلوا كما رأيتموني أصلي", وليس في هذا حجة لما قالوه أصلا لأمرين:

أحدها: أن حديث مالك إنما يفيد وجوب التقيد به عليه السلام في الهيئات الواجبة, إذ ليست جميع أفعاله عليه السلام في الصلاة واجبة بإجماع السلف, فمنها الواجب والمسنون والمستحب والجائز اتفاقا ، فمن الواجب مثلا تفسير المجملات، كبيان وقت الصلوات، وعدد الركعات، وهيأة الركوع والسجود ونحو ذلك، ومن المستحبات صفة وضع اليدين ورفعهما في التكبيرات ، ونحو ذلك مما هو معروف ، فبطل تعلقهم بهذا.  

والأمر الثاني: أنّ حديث عائشة رضي الله عنها هو حجة عليهم لوجوه :

الوجه الأول: أن عائشة رضي الله عنها لم تُبَدّع الزيادة ولا نهت عنها أصلا كما يفعلون فخالفوها بذلك، لأنها قد حدثت بما رأت من فعله عليه السلام في صلاة الوتر لا قيام الليل ، وقد أطبق العلماء كافة على أن أفعاله عليه السلام للإستحباب لا لوجوب التقيد بها.

الوجه الثاني: أن راوي الحديث أعلم بما روى ، ولم تفهم منه عائشة ما فهموا ، بل قد حملت أمُّنا عائشة هذا الحديث على صلاة الوتر ، لا قيام الليل كما سيتبين في :

الوجه الثالث: أن عائشة وعلماء السلف والشافعية وغيرهم حملوا حديث عائشة على صلاة الوتر، وهي غير صلاة القيام , فكان عليه السلام لا يزيد في وتره على هذا العدد استحبابا, لأنه القائل: " فمن شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث..", أو أكثر، وبذلك بوب النسائي وأبو بكر وعبد الرزاق وغيرهم, وخرج النسائي1727 عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة فلما كبر وضعف أوتر بتسع", يؤيد التفريق بين الوتر وصلاة القيام ما خرجه مسلم في الصحيح (139) عن زرارة أن سعد بن هشام... وفيه: فقلت ـ لعائشة ـ أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : ألست تقرأ يا أيها المزمل ؟ قلت: بلى, قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة, قال: قلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة...", وهو نص صريح في التفريق بين قيام الليل وأنه غير مقيد بعدد, وبين الوتر الذي يُصَلَّى على الأكثر إحدى عشرة ركعة استحبابا, ولا يفسر مراد عائشة إلا بما فسرته هي في هذا الحديث :

يزيد ذلك بيانا ما خرجه مسلم 512 عن عائشة قالت:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت"، وهو نص صريح في الإستمرارية  والتفريق بين الوتر والقيام، وأن أم المؤمنين لم تر هنا عدد صلاة القيام لأنها كانت نائمة، وإنما أيقظها عليه السلام لصلاة الوتر التي رأت كيفيتها وعدد ركعاتها .

يؤكد ذلك ما خرجه ابن نصر كما في مختصر القيام عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يوتر قبل أن ينام ، فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يريد أن يصلي ".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" إِذا صليتُ العشاء صليتُ بعدها خمس ركعات، ثم أنام، فإن قمتُ صلَّيتُ مَثْنى مثنى ، وإن أصْبحتُ أصبحتُ على وتر",

وخرج أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِه(4/4) ثَنَا أَبُو سَلَمَة الْخُزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي ثنِي نَافِعُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْر قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْعِشَاءَ رَكَعَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ بِسَجْدَةٍ، ثُمَّ نَامَ، حتى يصلي بَعْدَهَا صَلَاتَهُ باللَّيْلِ"،

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِه ثم قال: "وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلاَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ "، هذا وقد اختلفت الرواة في صفة وتره عليه السلام عن عائشة اختلافا كثيرا جدا كما سيأتي .

الوجه الرابع: أن الترمذي قد قال :" وأكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، وأقل ما وصف من صلاته بالليل تسع ركعات",

ألا فليمنعوا من الإنقاص عن تسع أو سبع ويقولوا أنها بدعة، كما فعلوا في الزيادة, فإنهما سواء ، وكذلك فليفعلوا فيما صححه الألباني من طريق عاصم عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالنهار ست عشرة ركعة ", ألا فليمنعوا من الزيادة عليها في النهار ويُبَدّعوها, وأخشى أن يفعلوا فكل تبديع عندهم ممكن ، فإن قالوا: قد جاءت أخبار قولية عامة تدل على جواز الإنقاص من ذلك , قلنا لهم أن هذه الأخبار نفسها لأدل على جواز الزيادة من دلالتها على جواز الإنقاص كما سيتبين :

 الوجه الخامس: وحتى لو حُمل حديث عائشة على على صلاة القيام لما كان لهم فيه أدنى حجة, ذلك أن هذا الحديث مجرد فعل رأته أمنا رضي الله عنها, لا يصح أصوليا أن يطلق عنه أنه تقييد, وقد رآه غيرها يصلي أكثر من ذلك ثلاث عشرة ركعة ورآه بعضهم يصلي بتسع أو سبع .

الوجه السادس : أنه من المعلوم عند الأصوليين وعامة العلماء أن مجرد الفعل لا يدل على وجوب ولا تحريم، ولا تقييد به أصلا, لأن من صيغ التحريمِ : النهيُ الجازم, فأنى لهم النهي عن الزيادة من هذا الحديث, إذ النبي صلى الله عليه وسلم صلى أحد عشرة ركعة لكنه لم ينه أمته من الزيادة على ذلك أصلا, بل أرشدها إلى مطلق القيام ولم يضيق عليهم في هذا الباب أصلا،

الوجه السابع: أنه ثبت عنه عليه السلام:" أنه كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة "، وأنه كان يختار الأمر اليسير القليل حتى لا يحرج أمته، لذلك أجمع العلماء على جواز القيام من غير عزيمة ولا تحديد لعدد, نقل ذلك كثير من أهل العلم, وقال الشافعي:" وليس في شئ من هذا ضيق، ولا حد ينتهى إليه لأنه نافلة"، وقال ابن تيمية كما في الفتاوى (2/114):" كما أن نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عددا معينا، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة لكن كان يطيل الركعات فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث...",

الوجه الثامن: أنه من المعلوم أن رمضان له خصوصية زائدة على غيره في الإكثار من العبادات، ونوافل الصلوات، فقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها "، وفي الصحيح عنها:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله", وعن علي مثله, وفيهما دليل واضح على أنه كان يزيد في العشر الأواخر على عادته، يؤكد ذلك ما خرجه الترمذي (794) عن عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي قال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال: ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول:" التمسوها في تسع يبقين أو في سبع يبقين أو في خمس يبقين أو في ثلاث أواخر ليلة", قال: وكان أبو بكرة رضي الله عنه يصلى في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة فإذا دخل العشر اجتهد",

الوجه التاسع: دعواهم أن حديث عائشة مقيد لغيره ، وسيأتي إبطال هذه الدعوى الباردة، كما ستأتي أوجه أخرى في الرد عليهم.

العاشر: أن المقرر في الأصول أن القول مقدم على الفعل، لأن الفعل محتمل للخصوصية، ورؤية خلافه، أو جزء منه، وغير ذلك، بخلاف القول فإنه تشريع بَيِّن لعموم الأمة، ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حج قارنا وهذا من فعله , بينما حث أمته قوليا على التمتع وهو الأفضل, وكلك أوتر بإحدى عشرة ركعة وحث أمته على مطلق القيام، بل قد تواترت السنن القولية العامة والخاصة على أن صلاة القيام من النوافل المطلقة التي لا عد فيها ولا عزمة، كما في المطالب التالية :

المطلب الثاني: ذكر الأدلة العامة الدالة على مشروعية مطلق القيام بأي عدد مختار :

1/ خرج مسلم 174 عن أبي هريرة قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول :" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر على ذلك ",

2/ وعن عبد الله بن سلام وابن عمرو وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام ، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»،

3/ وعن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو مقربة لكم إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم »،

4/ وخرج مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي قال:كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال لي: سل, فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة, قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك, قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود ", وخرج نحوه من حديث ثوبان وأبي الدرداء وزاد :" فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة "،

5/ ولأبي داود (1314) عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ما من امرىء تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة ",

6/ وللنسائي 1785 عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كانت له صلاة صلاها من الليل فنام عنها كان ذلك صدقة تصدق الله عز وجل عليه وكتب له أجر صلاته", وهو صحيح،

7/ ولابن ماجة 1344 عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم فيصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى, وكان نومه صدقة عليه من ربه", ولعل الموقوف أصح،

8/ وعن عمر مرفوعا: من نام عن حزبه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل", وورد موقوفا وهو الأصح،

9/ وعن أبي أمامة: جاء رجل إلى النبي فقال: أي الصلاة أفضل؟ فقال:" جوف الليل الأوسط", قال: أي الدعاء أسمع؟ قال: دبر الصلوات المكتوبات",

10/ وقد روي عن ابن عباس :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام الليل حتى قال ولو بركعة ",

11/ ولما سئل عن صلاة الليل قال:" صلاة الليل مثنى مثنى.."،

وغير ذلك من الأدلة العامة.

وقد زعم زاعمون أن حديث عائشة رضي الله عنها السابق مقيد لهذه الأحاديث فيحمل المطلق على المقيد، وهذا خطأ شنيع لوجوه :

أحدها: أنه لم يقل بهذا أحد من السلف ولا فهمه أحد منهم، وما كان هذا شأنه فحريّ أن لا يُلتفت إليه أبدا .

والوجه الثاني: أن لفظ الحديث جاء بصيغة الشرطية:" من قام رمضان.. من أتى فراشه..., وغير ذلك، وكل هذا من صيغ العموم باتفاق الأصوليين, ولفظ القيام شامل لركعة فما فوقها بلا حصر,

فعُلم بهذا أن حديث عائشة في الإحدى عشرة ركعة إنما هو فعل يدل على أنه جزء من أفراد العموم, فلا يعد تخصيصا له اتفاقا, لأنه مجرد فعل رأته أمنا رضي الله عنها في صلاة الوتر, وقد حدثت بما رأت, وحدث غيرها بأكثر, وجاءت أحاديث أخرى تؤكد صحة مذهب السلف وهي صريحة في المطلوب, كلها تحث عموم الأمة على مطلق القيام, والصلاة بأيّ عدد وذلك في:

المطلب الثالث : ذكر الأدلة الخاصة الدالة على استحباب القيام بأي عدد مختار:

المسألة الأولى: الأحاديث القولية:

الدليل الأول: خرجاه في الصحيح من حديث القاسم عن عبد الله بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا أردْت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت ", قال القاسم : ورأينا أناسا منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإن كلاّ لواسع أرجو أن لا يكون بشيء منه بأس", واللفظ للبخاري (948), وقد ذكره في "باب كيف صلاة الليل وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل", وقال ابن حجر:" أنه الأفضل في حق الأمة لكونه أجاب به السائل وأنه صلى الله عليه وسلم صح عنه فعل الفصل والوصل",

ومن المعلوم أن راوي الحديث أعلم بما روى، وقد صح التخيير في العدد نصا عن عبد الله بن عمر راوي هذا الحديث وهو أفهم لما روى، وكذلك ذكر القاسم نصا :" وإن كلا لواسع "، فواعجبًا لمنتحل فهم السلف، فها هو فهم السلف لكن القوم يتعصبون، وعن السلف يبتعدون ، وهذه طائفة أخرى من أقوال السلف :

الدليل الثاني : وفيه وما بعدهُ التفريقُ بين الوتر وصلاة القيام : قال ابن حجر (2/481) :" وروى محمد بن نصر من طريق سعيد بن الحارث أنه سأل ابن عمر عن ذلك فقال : إذا كنت لا تخاف الصبح ولا النوم، فاشفع، ثم صَلِّ ما بدا لك، ثم أوتر، وإلا فَصَلِّ وِتْرَكَ على الذي كنت أوترت ", ومن طريق أخرى عن ابن عمر أنه سئل عن ذلك ؟ فقال: أما أنا فأصلي مثنى فإذا انصرفت ركعت ركعة واحدة، فقيل: أرأيت ان أوترت قبل أن أنام ثم قمت من الليل فشفعت حتى أصبح ؟ قال: ليس بذلك بأس", وفي رواية عنه :" فإني إذا صليت العشاء الآخرة صليت ما شاء الله أن أصلي مثنى مثنى .."، وستأتي في مطلب فعل الصحابة لذلك .

الدليل الثالث: خرجه ابن نصر كما في مختصر القيام عن عائشة رضي الله عنها عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يوتر قبل أن ينام ، فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يريد أن يصلي ",

وصل مثْلَه لكن مرسلا مرفوعا: بقيُّ بن مخلد كما قال ابن حجر في التلخيص (2/23):" قال بقي: حدثنا محمد بن رمح ثنا الليث عن ابن شهاب عن ابن المسيب: أن أبا بكر وعمر تذاكرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: فأنا أصلي ثم أنام على وتر فإذا استيقظت صليت شفعا حتى الصباح, فقال عمر : لكني أنام على شفع ثم أوتر من السحر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: حذر هذا, وقال لعمر: قوي هذا ",

تابعه ابن بكير عن الليث،

ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني ابن شهاب عن سعيد مثله مرسلا,

وكذلك رواه الشافعيّ عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد ،

فإذ قد أرسله عن سعيدٍ كلٌّ من الليث وابن جريج وروايةٌ عن ابن عيينة، فقد خالفهم معمر فرواه عن الزهري مرسلا لم يذكر فيه سعيد، بينما وصله الزبيري عن ابن عيينة،

فقال الدارقطني:" رواه محمد بن يعقوب الزبيري عن ابن عيينة وقال فيه عن أبي هريرة, وغيره يرويه عن ابن عيينة ولا يذكر أبا هريرة، يرسله عن سعيد وهو الصواب ".

ولم يتفردْ بوصْله الزبيري: فقد قال أبو نعيم في الحلية نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة ني أبو الطيب محمد بن حمدان النصيبي ثنا أبو الحسين الرهاوي ثنا يحيى بن آدم عن مسعر عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضى الله تعالى فذكر نحوه"، قال أبونعيم: "هذا حديث غريب من حديث مسعر وسعد عنهما متصلا"،

وهو إسناد متصل رجاله أئمة ثقات إلا ابن حمدان فلم أعرفه, وأظنه محمد بن أحمد بن حمدان الذهلي الإمام والله أعلم,

وقد خالفه مصعب بن المقدام فرواه عن مسعر عن سعد عن سعيد وأبي عبد الرحمن مرسلا "، كذلك هي رواية شعبة عن سعد عن أبي سلمة وسعيد مرسلا ، وهو الصواب،

وخرج البيهقي (3/36) عن عمرو بن مرة أنه سأل سعيد بن المسيب عن الوتر؟ فقال: "كان عبد الله ابن عمر يوتر أول الليل فإذا قام نقض وتره ثم صلى ثم أوتر آخر صلاته أواخر الليل، وكان عمر يوتر آخر الليل وكان خير مني ومنهما أبو بكر يوتر أول الليل ويشفع آخره يريد بذلك يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره"، أوله متصل وآخره مرسل، ومراسيل ابن المسيب قوية صحاح عندهم، كيف ومعه أبو سلمة، ولأصل حديثهما شواهد منها حديث عائشة المصدر به، وللحديث شواهد أخرى منها :

الدليل الرابع وما بعده : خرجه أبو داود 1434 من حديث أبي قتادة، وخرجه أحمد 3/309  من طريق عبد الله بن محمد عن جابر بن عبد الله نحوه، وكلاهما حسن،

وفي الباب شواهد أخرى كما قال ابن القطّان الفاسي في بيان الوهم (2/354):" وَقد روى من طَرِيق غير هَذَا الطَّرِيق، مِنْهَا صَحِيح وَمِنْهَا مَا لَا يَصح ، فَمن صحيحها حَدِيث أبي قَتَادَة (الماضي) "،

الدليل الخامس: قال ابن القطان: وَمن الحسان فِي هذا الْبَاب حَدِيث ابْن عمر، قَالَ الْبَزَّار : حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم نا مُحَمَّد بن عباد ثنَا يحيى بن سليم عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَنه قَالَ لأبي بكر: مَتى توتر؟ قَال: أوتر ثمَّ أَنَام ، قَال: " بالحزم أخذت"، وَقَالَ لعمر:" مَتى توتر ؟ " قَال: أَنَام ثمَّ أقوم من اللَّيْل فأوتر، قَالَ: " بِالْقُوَّةِ فعلت "،

قَال البزار : وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر إِلَّا يحيى بن سليم، قال ابن القطان: وَيحيى بن سليم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَمن ضعفه لم يَأْتِ بِحجَّة ، وَهُوَ صَدُوق عِنْد الْجَمِيع"،

وقال ابن نصر (46) حدثنا محمد بن عباد المكي ثنا يحيى بن سليم مثله.

الدليل السادس: ثم ذكر ابن القطان بعض الشواهد التي فيها ضعف يسير ومنها قوله": حَدِيث عقبَة بن عَامر، ذكره ابْن سنجر من رِوَايَة ابْن وهب عَن ابْن لَهِيعَة عَن الْحَارِث بن يزِيد عَن أبي المصعب الْمعَافِرِي عَن عقبَة أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم سَأَلَ أَبَا بكر:" مَتى توتر ؟ قَالَ: أُصَلِّي مثنى مثنى، ثمَّ أوتر قبل أَن أَنَام، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :" مُؤمن حذر" ، وَقَالَ لعمر: "مَتى توتر؟" قَالَ : أُصَلِّي مثنى مثنى، ثم أَنَام حَتَّى أوتر من آخر اللَّيْل، فَقَالَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم :" مُؤمن قويّ"،

لكن رواية ابن وهب عن ابن لهيعة فيها قوة فصح الحديث مع ما مضى، وقد سمعه ابن لهيعة من مشرح ،

فخرج الروياني نا ابن إسحاق نا ابن أبي مريم نا ابن لهيعة نا مشرح بن هاعان المعافري أنه سمع عقبة بن عامر فذكره سواءا،

وفي الباب عن جابر،

وفي هذا الحديثِ الصحيحِ سنةٌ تقريرية منه عليه السلام لأبي بكر وعمر في أنهما كانا يقومان من الليل ما يشاءان، ثم يوتر أبو بكر ثم يقوم الليل مرة أخرى شفعا شفعا حتى الصباح, والله المستعان على من زعم أنه بدعة .

الدليل السابع: وجاء الحثُّ على مطلق القيام بلفظ أصرح مما مضى: فخرج أبو داود 1277 من حديث عمرو بن عبسة أنه قال: قلت يا رسول الله أي الليل أسمع ؟ قال :" جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس...", وللنسائي:" قلت يا رسول الله هل من ساعة أقرب إلى الله عز وجل من أخرى قال نعم جوف الليل الآخر فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح ثم انته", والحديث صحيح صريح في الزيادة, وهذا نبي الله يحبّب لأمته أن يصلوا كما يشاءون, وهم يقولون : لا تصلوا كما تشاءون, لكن الحمد لله الموسع لما ضيق فيه التبديعيون .

الدليل الثامن: خرجه مسلم (183) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض ، فإذا صلّى وحده فليصل كيف شاء", وفي لفظ :" فليطل صلاته ما شاء",

وهو عام شامل للتطويل في القيام وفي عدد الركعات والحمد لله .

الدليل التاسع: وفيه استحباب القيام بأكثر من إحدى عشرة ركعة نصا :

قال محمد بن نصر في قيام الليل (127) وابن المنذر في الأوسط ثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق ثنا أبي ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة أو أكثر من ذلك", ثم قال ابن نصر :" وفي الباب عن عائشة وميمونة ".

قال الشوكاني في النيل (3/42) : قال العراقي : إسناده صحيح ", وصحّحه ابن القيم في إعلام الموقعين (2/373) , فإنه لمّا ذكر حديثا في الوتر قال: وله شاهد آخر بإسناد صحيح,..", فذكره, ثم قال ابن القيم متعجبا ومحتجا بالحديث:" فردت هذه السنن بحديثين باطلين وقياس فاسد..".

قلت : - والعجب الأكبر أن تُردّ كل هذه السنن بتبديع عالم -،

وأما الحاكم (1/446) فلم يذكر حكمه عنه في النسخة الموجودة, إلا أن يكون قدْ صحَّحه كما في النسخة التي عند ابن القيم والله أعلم, وكل رجاله ثقات إلا طاهر بن عمرو لقبه حبشي فقد روى عنه جمع من الأئمة والثقات هذا الحديث – وغيره - منـهم أبو العباس الأصم وابن نصر والطحاوي وابن المنذر، وكذلك حدث عنه تلميذه أبو عوانة في صحيحه فهو ثقة عنده, وكذلك صحح له تلميذه الطحاوي زيادة من طريقه "من المسلمين – في صدقة الفطر - " وجعلها من باب زيادة الثقة

فقال الطحاوي في مشكله (9/45) :" وحدثنا طاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدثني أبي قال: حدثني يحيى بن أيوب ... ثم قال عن حديثه : " فقد بان بما ذكرنا أن هذا المعنى ثابت في الحديث , أعني: من المسلمين ".

ومع ذلك فقد توبع على حديثه السابق ، لكن موقوفا،

فقد خرج الحديثَ البيهقيُّ (3/31) عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا أبو الحسين طاهر بن عمرو فذكره سواءا.

ثم قال البيهقي: ورواه ابن بكير عن الليث, أخبرنا أبو عبد الله الحافظ نا عبد الصمد بن علي بن مكرم البزار ببغداد ثنا عبيد بن شريك ثنا يحيى بن بكير ثني الليث ثني جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي هريرة قال:" لا توتروا بثلاث, قال: فذكر نحوه موقوفا", وله حكم الرفع قطعا لأنه في مجال العبادات فصح الحديث .

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زار جابرا فقال له:" صل ما استطعت", فليبحث عنه, وأنا بريئ من عهدته.

وجاء من فعله أنه عليه السلام أنه صلى أكثر من إحدى عشرة ركعة كما في:

المسألة الثانية: الأحاديث الفعلية:

الدليل الأول: خرجه البخاري1117عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين", ولمسلم 195عن زيد بن خالد الجهني نحو ذلك, وفي الباب عن أم سلمة وجابر رضي الله عنهم.

الدليل الثاني: قال عبد الله كما في المسند (1/145) حدثني العباس بن الوليد ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال : سئل علي رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان يصلي من الليل ست عشرة ركعة",

هذا حديث متصل رجاله ثقات, وقد توبع عليه أبو عوانة:

فقال عبد الله ثنا أبو عبد الرحمن بن عمر ثنا عبد الرحيم الرازي عن العلاء بن المسيب عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن على رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ست عشرة ركعة سوى المكتوبة",

رجاله ثقات, وأبو عبد الرحمن هو عبد الله مشكدانة الحافظ, وعبد الرحيم بن سليمان هو الأشل الرازي ثقة, وأبو إسحاق قد سمع هذا الحديث من عاصم, وهكذا قال فيه أبو عوانة والعلاء وهما ثقتان:" يصلي من الليل",

وخالفهما شريك ومعمر وسفيان وأبو إسرائيل فقالوا فيه:"من النهار"،

وقد تصح الروايتان معا, فيكون تطوعه من الليل ست عشرة ركعة، وكذلك النهار والله أعلم, وهو الأرجح، لأنَّ لصلاة الليل بهذا العدد شاهد قوي آخر :

الدليل الثالث: قال ابن المبارك في الزهد (1237) أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبع عشرة ركعة من الليل",

هذا حديث مرسل صحيح بما سبق، رجاله ثقات, ومراسيل طاوس كمراسيل مجاهد في القوة كما قال ابن معين، وعليه فيكون عليه السلام قد صلى ست عشرة ركعة والوتر ركعة, والمجموع سبع عشرة ركعة .

حديث رابع: وروى محمد بن المهاجر عن الحكم بن عتبة عن إبراهيم قال: قال علي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربعة عشرة ركعة ثم جلس بعد الفراغ ...",

ولابن ماجة 1388 ضعيفا عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ".

حديث خامس: روي عن ابن عباس قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر",

رواه الناس عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس,

وله شاهد آخر :

حديث سادس: خرجه السهمي في تاريخ جرجان ( 75 و 276 ) ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد القصري الشيخ الصالح حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن العبد الصالح ني محمد بن حميد الرازي حدثنا عمر بن هارون حدثنا إبراهيم بن الحناز عن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عتيك عن جابر بن عبد الله قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فصلى بالناس أربعة وعشرين ركعة وأوتر بثلاثة",

هذا إسناد فيه كلام, محمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف عند الأكثر, ووثقه ابن معين وبعضهم, وعمر بن هارون تركه الأكثر, لكن قال الترمذي سمعت محمدا يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث قال: ورأيته حسن الرأي فيه", وكان أبو رجاء قتيبة يطريه ويوثقه, وذكر عن وكيع أنه ذكره فقال:كان يروي بالحفظ", وأثنى على روايته ابن مهدي، فهو ممن يُستشهد به.

المطلب الرابع: ذكر ما جاءنا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من القيام بأي عدد مختار وهم خير الناس :

وعامة هذه الآثار مع حديث عاشئة السابق فيها التفريق بين صلاة الوتر التي تكون بأقل من إحدى عشرة، وبين صلاة القيام التي تُصلى مثنى مثنى كما يشاء المرء ويقدر:  

الأثر الأول: خرجه ابن نصر عن عائشة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنه كان يوتر قبل أن ينام، فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يريد أن يصلي",

الأثر الثاني: قال البيهقي في سننه (3/36) نا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق ثنا أبو بدر ثنا أبو سنان سعيد بن سنان عن عمرو بن مرة أنه سأل سعيد بن المسيب عن الوتر؟ فقال:" كان عبد الله ابن عمر يوتر أول الليل، فإذا قام نقض وتره ثم صلى ثم أوتر آخر صلاته أواخر الليل، وكان عمر يوتر آخر الليل، وكان خير مني ومنهما أبو بكر يوتر أول الليل ويشفع آخره يريد بذلك يصلي مثنى مثنى ولا ينقض وتره"،

أبو سنان ليس بالقوي، وقد مضت طرق هذا الحديث.

الأثر الثالث: ذكره ابن نصر: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" الوتر ثلاثة من شاء أوتر أول الليل فكفاه ذاك فإن قام وعليه ليل فإن شاء صلى ركعة وسجدتين فكانت شفعا لما بين يديها ثم صلى ما بدا له ثم أوتر إذا فرغ, ومن شاء أخر وتره إلى آخر الليل",

وصله الشافعي كما في مسنده قال نا ابن علية عن أبي هارون الغنوي عن حطان بن عبد الله قال علي رضي الله عنه: الوتر ثلاثة أنواع فمن شاء أن يوتر من أول الليل أوتر ثم إن استيقظ فشاء أن يشفعها بركعة ويصلي ركعتين ركعتين حتى يصبح ثم يوتر فعل وإن شاء صلى ركعتين حتى يصبح وإن شاء أوتر آخر الليل"،

وخرجه البيهقي (3/37) عن شعبة عن أبي هارون الغنوي مثله، ولعبد الرزاق نحوه،

وهو إسناد صحيح من حديث البصريين الثقات وهو صريح في أن يوتر المرء بركعات كما يشاء، ثم ينام ثم يصلي من القيام كما يشاء حتى يصبح والحمد لله.  

الأثر الرابع: خرجه البخاري 4086 ومسلم كما ذكر المزي في ترجمة محمد بن عباد عنه ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن فقال:" يسروا أو بشروا ولا تنفروا..، وفيه:" فتناظرا قيام الليل فقال أبو موسى: أنا أقوم أول الليل وأنام آخره, فقال معاذ: وأنا أنام أول الليل وأقوم آخره فأحتسب نومي كما أحتسب قومي".

الأثر الخامس والسادس: خرج ابن نصر كما في المختصر من كتاب الوتر101 عن أبي مجلز أن ابن عباس رضي الله عنه قال: أما أنا فلو أوترت ثم قمت وعلي ليل لم أبال أن أشفع إليها بركعة ثم أصلي بعد ذلك ما بدا لي ثم أوتر بعد ذلك",

وفي رواية:" إذا أوتر الرجل من أول الليل ثم أراد أن يصلي شفع وتره بركعة، ثم صلّى ما بدا له ثم أوتر من آخر صلاته", وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه بمعناه",

6/ وصلهما أبو بكر بأصح إسناد في الدنيا (2/82) فقال: باب في الرجل يوتر ثم يقوم بعد ذلك: حدثنا وكيع عن عمران بن حدير عن أبي مجلز أن أسامة بن زيد وبن عباس قالا: " إذا أوترت من أول الليل ثم قمت تصلي، فَصَلِّ ما بدا لك واشفع ثم أوتر بركعة ",

قال أبو بكر: حدثنا حفص عن ابن جريج عن عطاء عن بن عباس قال: من أوتر أول الليل ثم قام فليصل ركعتين ركعتين",

ورواه عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس قال:" إذا أوترت من أول الليل فصل شفعا حتى تصبح". وفيه صلاة الوتر ثم القيام بعدها بما بدا له من الركعات,

الأثر السابع: ولابن نصر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار كلاهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قالا سأله رجل عن الوتر فقال:" أما أنا فإني إذا صليت العشاء الآخرة صليت ما شاء الله أن أصلي مثنى مثنى فإذا أردت أن أنام ركعت ركعة واحدة أوترت لي ما قد صليت فإن هببت من الليل فأردت أن أصلي شفعت بواحدة ما مضى من وتري ثم صليت مثنى مثنى فإذا أردت أن أنصرف ركعت ركعة واحدة فأوترت لي ما صليت",

فذكر أنه كان يقوم الليل على مرتين في كل مرة يصلي ما شاء الله له أن يصلي مثنى مثنى،

وقال أبو بكر حدثنا هشيم أنا حصين عن الشعبي عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك",

أي مثل فعل ابن عباس, وهو أثر صحيح,

وروى الثوري عن عبد الله بن دينار عن بن عمر أنه كان يشفع وتره ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر"، وخرج مالك في الموطإ 273 عن نافع أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر بمكة والسماء مغيمة فخشي عبد الله الصبح فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم فرأى أن عليه ليلا فشفع بواحدة ثم صلى بعد ذلك ركعتين ركعتين فلما خشي الصبح أوتر بواحدة ",

قال مالك: من أوتر أول الليل ثم نام ثم قام فبدا له أن يصلي فليصل مثنى مثنى فهو أحب ما سمعت إلي",

الأثر الثامن: وذكر ابن نصر – المختصر - عن عمار بن ياسر وقد سئل عن الوتر فقال :" أمّا أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئا صلّيت شفعا شفعا إلى أن أصبح ",

وصله أبو بكر بإسناد غاية في الصحة فقال: حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن قتادة عن خلاس بن عمرو الهجري عن عمار قال:" أما أنا فأوتر فإذا قمت صليت مثنى مثنى وتركت وتري الأول كما هو ",

ولعبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار ثنا خلاس بن عمرو: قال كنت جالسا عند عمار بن ياسر فسأله رجل فقال يا أبا اليقظان كيف تقول في الوتر فقال عمار:" أما أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئا صليت شفعا شفعا حتى الصبح ".

التاسع: وفيه التفريق بين الوتر وصلاة القيام، خرجه ابن نصر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" إِذا صليتُ العشاء صليتُ بعدها خمس ركعات، ثم أنام، فإن قمتُ صلَّيتُ مَثْنى مثنى ، وإن أصْبحتُ أصبحتُ على وتر",

وصله البيهقي وعبد الرزاق بأصحّ أسانيد المدنيين، فرووه عن مالك وابن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم عن أبي مرة مولى عقيل قال سألت أبا هريرة فقلت حدثني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر فسكت ثم سألته الثانية فسكت ثم سألته الثالثة فقال: إن شئت حدثتك عن أبي هريرة:" أما أنا فأوترها هنا بخمس ثم أرجع فارقد فإن استيقظت صليت شفعا حتى أصبح ",

فأخبر حافظ الأمة أنه يوتر بخمس, ثم يستيقظ فيصلي أيضا شفعا شفعا حتى يصبح",

العاشر: قال ابن نصر: وسئل رافع بن خديج رضي الله عنه عن الوتر فقال أما أنا فإني أوتر من اول الليل فإن رزقت شيئا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح",

وصله عبد الرزاق 4620 عن معمر عن أبي عمرو الندبي سمعت رافع بن خديج يسأل عن الوتر فقال: أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئا من آخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح, أو قال: حتى يدركني الصبح",

وقال أبو بكر 2/258 حدثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة عن بشر بن حرب أبو عمر قال سمعت رافع بن خديج قال: أما أنا فأوتر فإذا قمت صليت مثنى مثنى وتركت وتري", بشر بن حرب صدوق فيه لين، وقد توبع كما مضى.

الحادي عشر: وصح ذلك عن سعد بن أبي وقاص, فقال أبو بكر ثنا غندر عن شعبة عن إبراهيم بن المهاجر عن كليب الجرمي عن سعد قال: أما أنا فإذا أوترت ثم قمت صليت ركعتين ركعتين",

الثاني عشر: خرجه عبد الرزاق (3/20) بإسناد صحيح: عن معمر عن ثابت البناني قال صليت مع أنس وبت عنده قال فرأيته يصلي مثنى مثنى حتى إذا كان في آخر صلاته أوتر بثلاث مثل المغرب".

وخالف مخالفون كل الآيات القرآنية، وجميع تلكم الأحاديث النبوية، وسائر الآثار السلفية، وقالوا: لا تصل بما شئت، ولا تقم بما بدا لك، لأن هذا بدعة، والله المستعان هؤلاء المُصِرِّين من التبديعيين! أَهُمْ أفهم من الصحابة المرضيين؟، وسنزيدهم بما يغيضهم من ذلك عن التابعين:

الأثر 12/ خرجه أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال:« صلاة الليل مثنى مثنى، تسلم في ركعتين إن شئت، وإن شئت صليت خمسين ركعة لم تسلم بينهن وسلمت في آخرهن..."، وهو أثر حسن.

الأثر 13/ خرجه عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج عن عطاء قال يجزيك التشهد وإن صليت مائة ركعة"،

وخرج عبد الرزاق أيضاـ بإسناد صحيح ـ (3/26) عن ابن جريج قال قلت لعطاء: أفصل بين الوتر وبين ما قبله بتسليم؟ قال: كأنكم أعراب أو لست تسلم تسليم الفراق كل شيء فهو يكفيك، فإن شئت فصل مائة ركعة أو فلا تفصل بين الوتر وبين ما قبله من الركوع قال: قلت: والإمام أيضا كذلك في شهر رمضان؟ قال" نعم

فمن ذا يترك سبيل الصحابة والتابعين، ويلتفت إلى غيرهم من المفتونين، إلا كل خاسر مأبون، متهم في دينه غير مأمون، والله المستعان، وسنزيدهم في ذلك من الآثار الكثير والكثير، حتى تستبين سبيل السلف الحقيقيين:

المطلب الخامس: ذكر استحباب صلاة التراويح بعشرين ركعة عن الصحابة: وفيه أربع مسائل:

المسألة الأولى: ذكر العمومات في تكثير ركعات التراويح ، وأنها غير الوتر :

فقد مرّ ذكر الكثير من أدلة ذلك، ومن أدلة مطلق القيام، وعلى أن الأصل في التراويح هو التوقيف عنه صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك أدلة :

الدليل الأول والثاني : صح من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب الناس في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه، فيقول:" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

كما أنّنا أسلفنا بأنّ رمضان له خصوصية زائدة على غيره في الإكثار من العبادات، ونوافل الصلوات :

فقد ثبت عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر يجتهد فيها مالا يجتهد في غيرها"، وفي الصحيح عنها:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله", وعن علي مثله, وفيهما دليل واضح على أنه كان يزيد في العشر الأواخر على عادته، يؤكد ذلك ما في  :

الدليل الثالث : خرجه الترمذي (794) عن عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي قال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة فقال: ما أنا ملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول:" التمسوها في تسع يبقين أو في سبع يبقين أو في خمس يبقين أو في ثلاث أواخر ليلة", قال: وكان أبو بكرة رضي الله عنه يصلى في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة ، فإذا دخل العشر اجتهد",

هذا وقد حث النبي عليه السلام على الاجتهاد في قيام رمضان أكثر من غيره، كما في:

الدليل الرابع: خرج النسائي 2210 عن عبد الرحمن بن عوف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامة إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه "، وفي الصحيحين نحوه .

الدليل الخامس : خرج النسائي 1605 عن أبي ذر قال: صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يقُمْ بنا حتى بقى سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة فقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلت: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، قال: "أنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة"، ثم لم يصل بنا ولم يقم حتى بقى ثلاث من الشهر فقام بنا في الثالثة، وجمع أهله ونساءه، حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح، قلت: وما الفلاح ؟ قال : السحور ".

الدليل السادس : بل قد ورد دليل صحيح صريح في تكثير عدد ركعات التراويح إلى العشرين أو أكثر فتأمله جيّدا :

خرجه أحمد (3/212، 267) بإسناد صحيح قال: حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد حدثني ثمامة عن أنس بن مالك : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوْه ليلة في رمضان ، وصلى لهم فخفّف ، ثم دخل فأطال الصلاة، ثم خرج فصلّى بهم، ثم دخل فأطال الصلاة، ففعل ذلك مرارا، فلما أصبح قالوا: يا رسول الله، أتيناك ففعلت كذا وكذا، فقال: " من أجلكم فعلت ذلك "، وله شاهد آخر :

دليل سابع : خرجه السهمي في تاريخ جرجان ( 75 و 276 ) ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد القصري الشيخ الصالح حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن العبد الصالح ني محمد بن حميد الرازي حدثنا عمر بن هارون حدثنا إبراهيم بن الحناز عن عبد الرحمن عن عبد الملك بن عتيك عن جابر بن عبد الله قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فصلى بالناس أربعة وعشرين ركعة وأوتر بثلاثة",

هذا إسناد ضعيف بمفرده قوي بغيره, محمد بن حميد الرازي حافظ ضعيف عند الأكثر, ووثقه ابن معين وبعضهم, وعمر بن هارون تركه الأكثر, لكن قال الترمذي سمعت محمدا يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث قال: ورأيته حسن الرأي فيه", وكان أبو رجاء قتيبة يطريه ويوثقه, وذكر عن وكيع أنه ذكره فقال:كان يروي بالحفظ", وأثنى على روايته ابن مهدي، فهو إذا ممن يُستشهد به، وله شاهد آخر :  

دليل ثامن : رواه الناس عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا في التراويح :" عشرين ركعة "، وقد سبق ، وله شواهد من فعل الصحابة رضي الله عنها كما سيأتي .

الدليل التاسع : خرج البخاري 1905 ومسلم 759 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، قال ابن شهاب: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنهما "،

وهذا يحتمل معْنَيَيْن: أولاهما أن التراويح لم تكن تُصلى في جماعةٍ دومًا في صدر الإسلام ، حتى سنّها عمر وجعلها عشرين ركعة جماعة،

والثاني: أنها كانت تُصلى بإحدى عشرة في زمنه صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنهما، ثم صارت عشرين ركعة في آخر عهد عمر واستقر الأمر على ذلك بالإجماع، وهذا يحل ما حدث من خلاف في رواية السائب عن عمر بيْن : الإحدى عشرة والعشرين ركعة ،

وهل لفعل عمر أصل في السُنّة ؟ والجواب: نعم، وهي كل الأدلة العامة والخاصة التي مرت سابقا في المطلبين الثالث والرابع، ومما يؤكد أن عمر قد أخذ هذا العدد عن توقيف، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يقومون الليل في أول الإسلام بنحو قيامهم المعروف الآن في شهر رمضان حتى خفف ذلك عنهم في الحكم والعدد، كما قال الطبري في قوله تعالى:" يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا...), ثم خرج من حديث ابن عباس قال: لما نزل أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان، وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة",

وقد جاء قيام رمضان في زمان عمر وما بعده، وعن كل الصحابة بعشرين ركعة, وبيان ذلك في التالي:

المسألة الثانية : ذكر أن الصواب في تراويح عمر هو العشرون ركعة بإجماع الصحابة والسلف وتواتر الآثار:

فقد روى ذلك عنه كلٌّ من السَّائِبِ بْنِ يَزِيد وابن أبي ذباب وأبوالعالية ومحمد بن كعب وغير ذلك من المراسيل الكثيرة المتواترة عنه :

الأثر الأول: وهو رواية السَّائِب بنِ يَزِيد عنْ عمر، وقدْ حدّث بها عنه كلٌّ من مُحَمَّد بْنِ يُوسُف ويزيد بن خصيفة:

فرواها الثقات عن يزيد بن خصيفة بلفظ :" عشرين ركعة "، لم يختلفوا عليه،

بينما اختُلف على محمد بن يوسف في روايته بين الإحدى عشرة والعشرين والثلاثة عشر وعدم الذكر، وقد مرّ كيفيّة فكّ التعارض بينهما ، وإلا نختار طريقةَ الترجيح بين الطريقيْن ، فتكون طريق يزيد هي الأقوى لأنه لم يُختلف عنه،

وأمّا طريق محمد بن يوسف فقد اختلف عليه في ذكر العدد على خمسة أقوال ، مما يدل على أن الإضطراب منه :

أولاها: ما رواه مالك في الموطإ عَنْ مُحَمَّد بْنِ يُوسُف عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَال :" أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً, قَال: وَقَدْ كَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْر", قال ابن عبد البر في الإستذكار (2/68) :" هَكذا قال مالك في هذا الحديث إحدى عشرة ركعة، وغير مالك يخالفه فيقول في موضع إحدى عشرة ركعة, إحدى وعشرين... قال :" إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة، الوهمُ والله أعلم ".

وإنما هذا الوهم والاختلاف صادر من محمد بن يوسف، وليْس من مالك لأنه قد توبع،

وقد اختُلِف عن محمد، فوَرَد عنه أيضا ذكر الحديث بلا عدٍّ ، وورد عن غيره ب " عشرين ركعة "، وقيل :" ثلاث عشرة ركعة "، ولكلٍّ من الروايات متابعات وشواهد ، لكن أيّها أقوى ؟ :

1. شواهد الإحدى عشرة ركعة والاختلاف عن محمد بن يوسف في ذلك :

قال أبو بكر بن أبي شيبة (2/392) وابن شبة : حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن محمد بن يوسف إن السائب أخبره إنّ عمر جمع الناس على أبيّ وتميم، فكانا يصليان إحدى عشرة ركعة",

وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد الله بن محمد ني محمد بن يوسف سمعت السائب بن يزيد يقول :" كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب بإحدى عشرة ركعة "، كذا وجدته مكتوبا فيما جمعته في كراستي التي كتبتها، ولم أتحقق منه بعد، وعبد الله هذا هو الفروي والله أعلم .

وقال إسماعيل بن جعفر في جزئه : نا محمد بن يوسف عن السّائب بن يزيد فذكر مثله .

وهكَذا قال فيه مالك في روايةٍ عنه ، وتابعه يحيى القطان وابنُ جعفر والفروي أربعتهم عن محمد بن يوسف به .

2. وخالفهمْ أبو ذكير وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومالك في رواية ابن وهب عنه فلم يذكروا عددا أصلا :

أمّا رواية أبي ذكير عن محمد بن يوسف: فخرجها ابن شبة في تاريخه (2/713) قال: حدثنا أبو ذكير سمعت محمد بن يوسف الأعرج يحدث عن السائب بن يزيد قال: جاء عمر رضي الله عنه ليلة من ليالي رمضان، إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والناس متفرقون، يصلي الرجل بنفسه، ويصلي الرجل ومعه النفر، فقال: لو اجتمعتم على قارئ واحد كان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب.."،

لم يذكر عددا، وكذلك لم يذكره مالك مرة وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد عن محمد بن يوسف:

فقال ابن شبة: حدثنا أحمد بن عيسى ثنا عبد الله بن وهب حدثني مالك وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد أن محمد بن يوسف حدّثهم عن السائب بن يزيد قال: جمع عمر رضي الله عنه الناسَ على أبيّ بن كعب وتميم الداري ، فكانا يقومان في الركعة بالمئين من القرآن، حتى إن الناس ليعتمدون على العصي من طول القيام، ويتنوط أحدهم بالحبل المربوط بالسقف من طول القيام، وكنا نخرج إذا فرغنا ونحن ننظر إلى بزوغ الفجر ".

ورواه أبو بكر نا وكيع نا أسامة بن زيد عن محمد بن يوسف عن السائب قال عمر:" إنكم تدعون أفضل الليل آخره", ليس فيه ذكر للعدد أصلا، وهذه هي الرواية الثانية عن محمد بن يوسف.

3. بينما رواه محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف فقال فيه: ثلاث عشرة ركعة, خرج روايته أبو بكر النّيسابوريّ في فوائده (23) قال: حدّثنا أبو الأزهر ثنا يعقوب بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن إسحاق ني محمد بن يوسف بالحديث،

وخرجه محمد بن نصر في قيام الليل من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال: كنا نصلى في زمن عمر ثلاث عشرة ركعة", قال ابن إسحاق: وما سمعت في ذلك هو أثبت عندي ولا أحرى من حديث السائب وذلك أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة ",

وهذه الرواية تؤكّد ضبط ابن إسحاق لحديثه , وأنّ الاختلاف إنّما هو صادرٌ عن محمد بن يوسف، وأنه لم يحفظ هذا الحديث ، يؤكّدُ ذلك:

رواية إسماعيل بن أمية عن محمد بن يوسف : حيث ذكر عنه أوّلًا إحدى عشرة ركعة ، فلما استثْبَتَهُ في العدد أحَالَه على رواية يزيد بن خصيفة ، فلما رجع إليه وسأله ، تراجع محمد بن يوسف إلى رواية الإحدى والعشرين ركعة وحدث بها :

فقال أبو بكر النيسابوريّ في فوائده (37) حدّثنا يوسف بن سعيد ثنا حجاج عن ابن جريج حدثني إسماعيل بن أمية أنّ محمد بن يوسف بن أخت السّائب بن يزيد أخبره أنّ السّائب بن يزيد أخبره قال: جمع عمر بن الخطاب الناس على أبي بن كعب وتميم الداري، فكانا يقومان بمائة في ركعة، فما ننصرف حتى نرى أو نشك في فروع الفجر، قال: فكنا نقوم بأحد عشر، قلت(أي إسماعيل بن أمية): أو واحد وعشرين؟! قال: لقد سمع ذلك من السائبِ بنِ يزيدٍ، ابنُ خصيفة، فسألتُ يزيد بن خصيفة، فقال: حسبتُ أنّ السّائب قال: أحد وعشرين، قال محمد (ابن يوسف):  إحدى وعشرين"،

قال أبو بكر: هذا حديث حسن"،

قلت: وفيه تراجع محمد بن يوسف إلى القول بالعشرين ركعة، وصار أخيرا يُحدث بها ، كما في الروايات التالية:

رواية داود بن قيس وغيره عن محمد: حيث روَوْا هذا الحديث عن محمد بن يوسف فقالوا فيه: " إحدى وعشرين ركعة"، خرج روايتهم عبد الرزاق 7730 عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر",

وهذا إسناد صحيح ، وداود بن قيس هو الفراء ثقة فاضل, ومن طعن في حفظ الإمام عبد الرزاق فهو المخطئ، لأن هذا الحديث من كتابه وهو صحيح الكتاب باتفاق المسلمين, وقد رأيت القوم يكثرون من الطعن في هذا الإمام وغيره من غير معرفة، عندها استعنت الله على جمع ورد كل الشبه التي طعنوا فيها على إمامنا الحافظ عبد الرزاق، وكتبت ذلك في مبحث تصحيح تسمية الله بالمحسن والحمد الله, ولعلي أعيدها هنا في الأسفل إن شاء الله (1)،

وإن في اختلاف الرواة على محمد بن يوسف لَدَليل واضح على أنّ الاضطراب صادر منه بلا شك، وأنه تراجع لرواية العشرين كما في رواية ابن أمية السابقة ، وهي الأصح - كما قال ابن عبد البر - لموافقتها روايات سائر الثقات كما سيأتي في :

وأما عن رواية يزيد بن خصيفة عن السائب : فلم يختلف عليه في العدد, فروايته أصح، فقد رواها عنه كل من محمد بن يوسف كما سبق، وابن أبي ذئب ومحمد بن جعفر ثلاثتهم عن يزيد بن خصيفة بلفظ :" عشرين ركعة ",

وتابعه على ذلك كلٌّ من ابن أبي ذباب وأبي العالية ثلاثتهم عن السائب بن يزيد بلفظ:" عشرين ركعة"، كما هي الرواية الأخيرة عن محمد بن يوسف:

أما رواية ابن أبي ذئب : فقد حدث بها عنه كل من علي بن الجعد و يزيد بن هارون:

أما حديث ابن الجعد: فخرجه البيهقي (2/496): اخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الدينورى بالدامغان ثنا احمد بن محمد بن اسحاق السنى انبأ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا عليّ بن الجعد انبأ ابن ابى ذئب عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنها في شهر رمضان بعشرين ركعة قال وكانوا يقرؤن بالمئين وكانوا يتوكؤن على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه من شدة القيام"،

وفيه دليل على استمرارية العشرين ركعة في عهد عثمان أيضا لأنه عطف الكلام على زمن عمر، وقد ضعف الأثرَ بعض من لا يعلم وزعم بأن ابن فنجوية مجهول، وليس كما قالوا، فقد قال البنوري محقق نصب الراية (2/99): رجال هذا الاسناد كلهم ثقات ذكرها المحقق النيموي الهندي في آثار السنن (2/54) رجلا رجلا", وهو كما قال،

لأن ابن حجر ذكر في اللسان من ترجمة الحسن بن محمود عن الحافظ أبي سعد بن السمعاني قال: أما قوله ـ السقطي عن حديث: أدوا الزكاة ـ أن رجال الإسناد كلهم مجاهيل فليس كذلك, بل أكثرهم معروفون,.. والحسين بن عبد الله بن فنجويه حافظ كبير مصنف",

وقال في تاج العروس مادة: فنج:" واستدرك شيخنا هنا ابن فَنْجُويَهْ أَحدُ المُحَدّثين، قال: وهو الحافِظُ أَبو عبد الله الحُسين بنُ محمّدِ...بن فَنْجُويَهْ الثَّقَفيُّ الدِّينَوَريّ ذكره عبدُ الغافرِ الفارسيّ في تاريخ نَيْسَابورَ وأثنى عليه"،

وقال الذهبي في السير(17/ 383):" الشَّيْخُ الإِمَام المُحَدِّث المُفِيْد بَقِيَّةُ المَشَايِخ"، ونقل عن شِيْرَوَيْه فِي تَارِيْخِهِ قوله:كَانَ ثِقَةً صَدُوْقاً، كَثِير الرِّوَايَةِ لِلمَنَاكِير"، أي للأفراد،

وهو راوي كتاب السنن عن شيخه ابن السني المعروف، وحدث عنه بسنن النسائي وغيره، وقال محمد بن عبد الغني البغدادي في تكملته:" ثقة صدوق"، فصح الحديث وبطل قول من جهل هذا الحافظ، وفيه دليل على استمرارية الصلاة بعشرين ركعة حتى في زمن عثمان رضي الله عنه .

وقد خرج البغوي نفسه هذا الخبر في الجعديات (1/413) 2387 فقال: حدثنا علي أنا ابن أبي ذئب عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال:« كانوا يقومون على عهد عمر في شهر رمضان بعشرين ركعة، وإن كانوا ليقرءون بالمئين من القرآن»,

وهذا إسناد صحيح مسلسل بالأئمة الثقات, وقد قرأته على شيخنا عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى فصححه وأعجبه جدا, وقد توبع علي بن الجعد متابعة تامة جيدة:

تابعه يزيد بن هارون : فقال الفريابي في الصيام (1/86): ثنا تميم بن المنتصر نا يزيد بن هارون نا ابن أبي ذئب عن ابن خصيفة عن السائب بن يزيد قال :" كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في رمضان عشرين ركعة ، ولكن كانوا يقرءون بالمائتين في ركعة حتى كانوا يتوكئون على عصيهم من شدة القيام ».

وأما رواية محمد بن جعفر عن ابن خصيفة : فقد خرجها البيهقي في الصغرى (1/235) وفي المعرفة (5409) قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري نا محمد بن عبد الوهاب أنا خالد بن مخلد نا محمد بن جعفر حدثني يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال:« كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعشرين ركعة والوتر»,

وقد جهل بعضهم بعض رواة السند فضعفه وليس كما قال، فقد قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَة: "إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وهو كما قال، لأن رجاله ثقات أجمعهم, فأبو طاهر هو مسند نيسابور العلامة أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي قال عنه الخليلي: "ثقة متفق عليه", وأبو عثمان البصري قال عنه الذهبي في التذكرة:" مسند نيسابور"، وقال في السير (15/ 364):" هو الإِمَامُ القُدْوَة الزَّاهِد الصَّالِح أَبُو عُثْمَانَ عَمْرو بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِرْهَم النَّيْسَابُوْرِي"، قَالَ الحَاكِمُ: لم أرزقِ السَّمَاع مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يحضُر منزلنَا وَأَنبسطُ إِلَيْهِ، وقَالَ لِي أَبِي: صحبته إِلَى رِبَاط فرَاوة وَمَا رَأَيْتُ مِثْل اجْتهَادِه حَضَراً وَسَفَراً"، ومحمد بن عبد الوهاب هو ابن حبيب ثقة, والبقية معروفون.

3. وأما متابعة ابن أبي ذباب لابن خصيفة : فخرجها عبد الرزاق 7733 عن الأسلمي عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن السائب بن يزيد قال: "كنا ننصرف من القيام على عهد عمر وقد دنا فروع الفجر وكان القيام على عهد عمر ثلاثة وعشرين ركعة"،

الأسلمي مهمل, وأظنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي, وعامة أهل الحديث على تركه، لم يوثقه غير الشافعي وابن عقدة وابن الأصبهاني وأثنى عليه ابن عدي، وعليه فيُقبل حديثه في المتابعات كما هنا، وليُعلم بأن لا يوجد اختلاف بين من روى العشرين والثلاث والعشرين، فقد ذكر ابن عبد البر والبيهقي أن من ذكر عشرين ركعة فبغير عدّ ثلاث الوتر, ومن ذكر ثلاثة وعشرين ركعة فبالوتركما في:

4. رواية عمران عن يزيد: رواها عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عمران بن موسى أن يزيد بن خصيفة أخبرهم عن السائب بن يزيد عن عمر قال جمع الناس على أبي بن كعب وتميم الداري فكان أبي يوتر بثلاث ركعات",

وبهذا تجتمع الأحاديث وتتفق, إلا ما جاء من اختلاف عن محمد بن يوسف, ووجه التوفيق بين روايته ورواية غيره على طريقتين لا ثالثة لهما كما في:

المسألة الثالثة: وجه الجمع بين أحاديث عدد التراويح زمن عمر، وذكر يقية الأدلة المرجحة للعشرين:

إما أن نسلك مسلك الجمع وهو على ثلاثة أقوال:

أولاهما: مسلك الجمع بالتدرج, وقد قال به البيهقي حيث قال (2/496) :" ويمكن الجمع بين الروايتين فإنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث والله أعلم", وهذا يوافق رواية الزهري السابقة، وقال ابن عبد البر: إلا أنه يحتمل أن يكون القيام في أول ما عمل به عمر بإحدى عشرة ركعة ثم خفف عليهم طول القيام ونقلهم إلى إحدى وعشرين ركعة يخففون فيها القراءة ويزيدون في الركوع والسجود إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم والله أعلم",

وقال محمد عليش المالكي في منح الجليل على مختصر خليل: وهي ثلاث وعشرون ركعة بالشفع والوتر ، وهذا الذي جرى به عمل الصحابة والتابعين، ثم جُعِلت في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه بعد وقعة الحرة بالمدينة المنورة، فخففوا في القيام وزادوا في العدد لسهولته فصارت تسعا وثلاثين بالشفع والوتر كما في بعض النسخ، وفي بعضها ستا وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر، واستقر العمل على الأول",

والثاني مسلك الجمع بحسب تطويل القراءة وتخفيفها, حيث قال ابن حجر في الفتح (4/253): "والجمع بين هذه الروايات ممكن باختلاف الأحوال، ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس وبذلك جزم الداودي وغيره والعدد الأول موافق لحديث عائشة المذكور بعد هذا الحديث في الباب والثاني قريب منه والاختلاف فيما زاد عن العشرين راجع إلى الاختلاف في الوتر وكأنه كان تارة يوتر بواحدة وتارة بثلاث ".

والثالث مسلك الجمع باختلاف الأفراد في القوة والنشاط وقد أنسيت من ذكره والله أعلم.

وإما أن نسلك الطريقة الثانية وهي طريقة الترجيح كما ذكرنا، وقد قال ابن عبد البر:" إلا أن الأغلب عندي في إحدى عشرة ركعة الوهم والله أعلم", وهذا هو الأظهر لعدة أمور:

فلئن كان قد رجح بعضهم رواية محمد بن يوسف لأن ابن حجر قال عنه : ثقة ثبت", ولأنه ابن أخت السائب, فليس هذا بشئ, لأن يزيد بن خصيفة قال عنه ابن عبد البر: هو الكندي ابن أخي السائب بن يزيد الكندي وكان ثقة مأمونا محدثا محسنا", وابن الأخ أقرب من ابن الأخت, وقد قال عنه ابن معين: ثقة حجة, وهي أرفع من ثقة ثبت, وأما قول أحمد فيه:" منكر الحديث", أي أن له أفرادا كما قال أهل الفن وليست بجرح, فقد قال عنه أحمد نفسه: ثقة, وهو قول كافة أهل الحديث ولا يجوز الطعن في الأئمة بتتبع الأقوال بل الفهوم الشاذة وإلا فلن يسلم أحد من الجرح لا محمد بن يوسف ولا من هو أفضل منه.

ومن أوجه الترجيح لرواية يزيد بالعشرين أن محمد بن يوسف قد اختلف عليه في حديثه واضطرب فيه, فرواه عنه مالك وغيره بلفظ:" إحدى عشرة ركعة", ورواه عنه مالك في رواية أخرى هو وأسامة بن زيد وأبو ذكير والعمري كلهم عن محمد بن يوسف لم يذكروا عددا، ورواه عنه محمد بن إسحاق عن محمد بن يوسف فقال: ثلاث عشرة ركعة, ثم قال ابن إسحاق متثبتا: "هو أثبت عندي ولا أحرى من حديث السائب وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة", بينما رواه عنه داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف فقالوا فيه: "إحدى وعشرين ركعة", وهي الموافقة لتراجعه في رواية اسماعيل عنه ، مع موافقتها رواية يزيد بن خصيفة الذي لم يختلف عليه في حديثه , ورواية من ضبط أولى من رواية من اختلف عليه في حديثه, وقد اتفق الحفاظ على طريق يزيد بعشرين ركعة, ومع الوتر تصير ثلاثا وعشرين ركعة, كما ذكر البيهقي وابن عبد البر وغيرهما,

وأما الوجه الثالث في ترجيح رواية يزيد : فلأنه قد تابعه كلٌّ من ابن أبي ذباب وأبي العالية الرياحي, إضافة إلى كثير من الشواهد لها :

أما متابعة ابن أبي ذباب : فقد خرجها عبد الرزاق وذكرها ابن عبد البر تعليقا كما مرّ .

وأما متابعة أبي العالية: فخرجها الضياء المقدسي في المختارة (1/384) مصححا لها قال: أخبرنا أبو عبد الله محمود بن أحمد بن عبد الرحمن الثقفي بأصبهان أن سعيد بن أبي الرجاء الصيرفي أخبرهم قراءة عليه أنا عبد الواحد بن أحمد البقال أنا عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق أنا جدي إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن جميل أنا أحمد بن منيع أنا الحسن بن موسى نا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن عمر أمر أبيا أن يصلي بالناس في رمضان فقال :إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرؤوا فلو قرأت القرآن عليهم بالليل فقال: يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن فقال: قد علمت ولكنه أحسن, فصلى بهم عشرين ركعة",

وهذا حديث صحيح لغيره, محمود بن أحمد قال عنه تلميذه ابن نقطة: شيخ صالح صحيح السماع"، وسعيد الصيرفي وثقه ابن ماكولا والسمعاني والذهبي في السير 19/622، وقال هو وابن نقطة: حدث بمسند أحمد بن منيع عن عبد الواحد بن أحمد المعلم"، وهذا الحديث منه لأنه ينتهي إلى أحمد بن منيع، ومسنده مفقود، وقال الذهبي عن عبد الواحد:" الشَّيْخُ الجَلِيْلُ الأَمِيْن"، كما ذكر الذهبي في العبر أن عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق الأصبهاني هو الذي روى مسند أحمد بن منيع عن جدّه، وجده ثقة حافظ، كما أن الهندي قد ذكر في كنز العمال (8/409) هذا الحديث ثم عزاه إلى أحمد بن منيع في مسنده، وعليه فإسناد ابن منيع حسن كما قال المحقق، ورجاله ثقات، إلا أبا جعفر الرازي فأقل أحواله أن يكون صدوقا, فقد لينه بعض الحفاظ تليينا يسيرا, فقال ابن خراش: سيىء الحفظ صدوق, وقال أبو زرعة: يهم كثيرا, وقال النسائي: ليس بالقوي, بينما اختلف قول البعض فيه, فقال أحمد: ليس بقوي, وقال مرة: صالح الحديث, وقال الفلاس: فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيىء الحفظ, (وقال الفلاس مرة أخرى ولست متأكدا: ثقة), وجعل الأكثرون حديثه في مرتبة الصحيح, فقال ابن عبد البر: هو عندهم ثقة عالم بتفسير القرآن, وقال الحاكم: هو ثقة, وقال أيضا: أبو جعفر الرازي لم يخرجا عنه وحاله عند سائر الأئمة أحسن الحال", فنقلا ذلك عن سائر الأئمة, وقال إسحاق بن منصور وعباس الدوري وابن الغلابي عن يحيى بن معين: ثقة, وقال أبو بكر بن خيثمة عن يحيى بن معين:صالح, وقال ابن أبي مريم عن ابن معين يكتب حديثه ولكنه يخطئ, وقد ذكر أنه يخطئ في حديث المغيرة فقط, وليس هذا منه, وقال علي بن المديني ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وابن عدي وابن سعد: ثقة, وقال أبو حاتم: ثقة صدوق صالح الحديث",

وقال الهيثمي (4/74):" عيسى بن أبي عيسى ماهان وهو ثقة وفيه كلام لا يضر", وجعله بعضهم في رتبة الحسن, فقال زكريا بن يحيى الساجي: صدوق ليس بمتقن", وخلاصة القول فيه ما قال ابن عدي: له أحاديث صالحة وقد روى عنه الناس وأحاديثه عامتها مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به", وهو من أروى الناس عن الربيع بن أنس وهذا صدوق ثقة لم يجرحه أحد, وهو من أروى الناس عن أبي العالية فصح الحديث, وهو أصح بشواهده الماضية والآتية:

وأما الوجه الرابع من الترجيح لرواية العشرين: فإن لحديث ابن خصيفة مع أبي العالية وابن أبي ذباب شواهد أخرى كثيرة قد تعددت مخارجها وبلدانها، حتى تكاد تتواتر، لذلك فتقبل جزما في الشواهد والمتابعات وهي كثيرة أيضا، إضافة إلى ما سبق :

الأثر الرابع: خرجه ابن نصر عن محمد بن كعب القرظي قال:" كان الناس يصلون في زمن عمر في رمضان عشرين ركعة، يطيلون فيها القراءة, ويوترون بثلاث"،

وهذا خبر قد يكون حسنا على قول من قال أن محمد بن كعب قد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل رآه، وعلى القول الآخر من أنه ولد في خلافة علي، فلم يدرك عمر والحديث منقطع لكنه حسن لغيره، لأن مراسيل محمد بن كعب جياد، وله شواهد أخرى:  

الخامس: خرج أبو داود (1429) نا شجاع بن مخلد عن هشيم عن يونس بن عبيد عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ليلة, ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي،...",

وذكره بعضهم بلفظ:" فكان يصلي لهم عشرين ركعة", ولم أتحققه, وإنما ذكرته ليبحث عنه, والذي وجدته هو ما:

قال ابن أبي الدنيا: ثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم قال منصور نا الحسن قال:" كانوا يصلون عشرين ركعة، فإذا كانت العشر الأواخر زاد ترويحة شفعين"، وهذا مرسل بصري رجاله ثقات وله شواهد من حديث الكوفيين والمدنيين كما في:

الأثر السادس: قال أبو بكر 7764 حدثنا وَكِيع عَن مَالِك بْنِ أَنَس عَن يَحْيَى بْنِ سَعِيد أَنَّ عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَة", هذا سند مدني رجاله ثقات لكنه منقطع وله شاهد مدني آخر منقطع فيه تعيين الرجل المبهم:

أثر سابع: قال أبو بكر 7766 حَدثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن عَن حَسَن عَن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْع قَال: كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَث",

وعبد العزيز ثقة مات سنة ثلاثين ويقال بعدها وقد جاوز التسعين, فيكون قد ولد حوالي سنة أربعين, وقد مات أبي بن كعب على الأكثر سنة اثنتين وثلاثين, وقيل قبلها, فالسند بذلك منقطع, وهو إسناد كوفي، وقد روى هذه السنة المدنيون أيضا:

الثامن: خرجه مالِك عَن يَزِيد بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ قَال: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَة",

هذا خبر منقطع شاهد لرواية ابن خصيفة, ومرسلات أهل المدينة من أصح المراسيل,

وهكذا فقد تواترت الأخبار وتكاثرت، ومع إجماع الأمة اتفقت، مما لا يدع مجالا للشك في تقديم رواية العشرين, مع مشروعية غيرها،

وقد قال ابن عبد البر في الإستذكار:" وهذا كله يشهد بأن الرواية بإحدى عشرة ركعة وهم وغلط، وأن الصحيح ثلاث وعشرون وإحدى وعشرون ركعة والله أعلم", وقال: "وهو قول جمهور العلماء وبه قال الكوفيون والشافعي وأكثر الفقهاء, وهو الصحيح عن أبي بن كعب من غير خلاف من الصحابة",

وقال الترمذي في سننه:"وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَة, وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وقَالَ أَحْمَدُ رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يقض فِيهِ بِشَيْء, وقَال إِسْحاق: بَلْ نَخْتَار إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ",

والعجب أن بعضهم ذكر أن الترمذي والشافعي قد ضعفا أثر عمر، لأنهما قالا:" رُوي..", وليس كما توهموا أصلا لأمور: أحدها أن في زمانهم لم تستقر قواعد المصطلح ولا كانت كلها كقواعد يجب السير عليها, والثاني أن كثيرا من المتقدمين يطلقون :"رُوي على ما هو صحيح عندهم, ويحتجون به, مثل الذي مر سواءا, فقالوا: روي عن عمر ثم يحتجون به, ومن أمثلة ذلك حديث التشهد المشهور (289) فقد قال عنه الترمذي:" حديث ابن مسعود قد روي عن غير وجه, وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد",

ولولا خشية التطويل لذكرت من ذلك أمثلة كثيرة في هذا, ثم ما بالهم في قول أحمد الماضي: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ", ثم لم يقولوا أن أحمد قد ضعف رواية الإحدى عشر، التي تفرد بها محمد بن يوسف مخالفا بها سائر الرواة مع اضطرابه فيها كما مر، ورواية العشرين عنه أصح لتواترها وكثرة رواتها، وموافقة الصحابة لها:  

المسألة الثالثة: ذكر ما ورد عن أعيان من الصحابة بعد عمر، في صلاتهم بعشرين ركعة بحضرة جميع المسلمين:  فإن مما يشهد لرواية العشرين أيضا أن ذلك ورد عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم سار على ذلك التابعون كما في:

الأثر الأول وطرقه: فقد جاء نحو ذلك عن علي رضي الله عنه والحديث عنه حسن لغيره لكثرة طرقه:

1:قال البيهقي في سننه (2/496..): انا أبو الحسن بن الفضل القطان ببغداد انبأ محمد بن أحمد بن عيسى بن عبدك الرازي ثنا أبو عامر عمرو بن تميم ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا حماد بن شعيب عن عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن السلمى عن علي رضى الله عنه قال دعا القراء في رمضان فأمر منهم رجلا يصلى بالناس عشرين ركعة, قال: وكان علي رضى الله عنها يوتر بهم",

فيه علتان, عطاء مختلط, وحماد بن شعيب ضعيف واختلف في قبول حديثه في الشواهد فقال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه, بينما قال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه مع ضعفه, وهو الصواب لأنه لم يتهم, وقد قال البيهقي عن حديثه هذا: وروى ذلك من وجه آخر عن علي", وسيأتي, وقال ابن عبد البر في الإستذكار (2/70): وذكره أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي", أورده في معرض الإستدلال لعشرين ركعة, ولم أجده وابن عبد البر ثقة في نقله، ولهذا الأثر متابعة أخرى من الحسن بن صالح الكوفي وهو ثقة رواها من وجهين: الأول عن أبى سعد البقال عن أبى الحسناء, والثاني عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء:  

2\ أما رواية الحسن بن صالح عن أبى سعد البقال فهي متصلة لأن طبقة الحسن بن صالح كالثوري وأبي أسامة قد سمعوا من البقال وكلهم كوفيون, وهو منهم, خرج روايته البيهقي قال: انبأ أبو عبد الله بن فنجوية الدينورى ثنا أحمد بن محمد بن اسحاق بن عيسى السنى انبأ احمد بن عبد الله البزاز ثنا سعدان بن يزيد ثنا الحكم بن مروان السلمى انبأ الحسن بن صالح عن أبي سعد البقال عن أبي الحسناء أن على بن ابى طالب أمر رجلا أن يصلى بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة",

قال:وفي هذا الاسناد ضعف والله أعلم", وفيه أبو سعد البقال وهو ابن المرزبان مختلف في توثيقه, فوثقه وكيع, وقال الترمذي في علله الكبير: قال البخاري: هو مقارب الحديث", وقال أبو زرعة: لين الحديث مدلس، قيل: هو صدوق؟ قال: نعم كان لا يكذب, وقال أبو أسامة: حدثنا أبو سعد البقال وكان ثقة, وقال ابن حجر في التلخيص عن حديث له في أخذ الجزية من المجوس: قال الشافعي وحديث علي هذا متصل وبه نأخذ, وهذا كالتوثيق منه لسعيد بن المرزبان وهو أبو سعد البقال", وقد ضعفه البخاري مرة وابن معين والفلاس, وقال يحيى القطان: لا أستحل الرواية عنه", وحاصل القول فيه ما قاله ابن عدي: وله من الحديث شيء صالح وهو في جملة ضعفاء الكوفة الذين يجمع حديثهم ولا يترك", وقد عنعن, لكنه قد توبع كما في:

3\ الوجه الثاني: وهو رواية الحسن بن صالح عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء, فقد قال الآجري:  حدثنا ابن مخلد ثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة العتكي ثنا الحكم يعني ابن مروان ثنا الحسن بن صالح عن عمرو بن قيس عن أبي الحسناء أن عليا رضي الله عنه أمر رجلا أن يصلي بالناس في رمضان خمس ترويحات عشرين ركعة»,

4: توبع الحكم متابعة تامة: فقال أبو بكر: نَا وكيع عن حسن بن صَالح عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيس عَنِ أَبي الْحَسْنَاء أَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِهِمْ فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَة",

هذا حديث حسن وعمرو بن قيس هو الملائي الكوفي وفي طبقة ابن صالح الكوفي وهو ثقة, فصار المتفرد بهذا الحديث هو أبو الحسناء, وقد قال عنه الذهبي:لا يعرف, وقال الحافظ: مجهول, لكن قد حسن له الترمذي (1495)، وصحح له الحاكم فقال عن حديث له في التضحية (4/255):" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأبو الحسناء هذا هو الحسن بن الحكم النجعي",

وهو شيخ لشعبة الذي كان لا يروي إلا عن الثقات, فإن قيل إن أبا الحسناء لم يدرك عليا لأنه روى حديث التضحية بواسطتين عنه, والجواب من وجهين: أحدهما أن هذا يحدث لكل الثقات فقد ينزل بعضهم عن شيخه بواسطتين بل أكثر كما هو معروف, والوجه الثاني وهو أن الأصل هو الإتصال إذا ثبتت المعاصرة مع إمكان اللقي, وهما متوفرين هنا, فأما المعاصرة فلما مضى من رواية أبي سعد البقال الكوفي عن شيخه عن أبى الحسناء, وقد أدرك البقال وهو التلميذ مولاه حذيفة رضي الله عنه, وسمع من أنس وأبي هريرة, فيكون شيخه أبو الحسناء قد أدرك طبقة أكبر من هذه بما فيهم علي رضي الله عنه, وأما إمكان اللقي فمتوفر أيضا لأن عليا نزل بالكوفة وأبو الحسناء كوفي فاتصل الحديث وهو حسن بطرقه الكثيرة، وقد قال إسحاق الكوسج في مسائله:" وأما أهل العراق فلم يزالوا من لدن علي رضي الله عنه إلى زماننا هذا على خمس ترويحات".           

ثم إن البيهقي قوى أثر علي بأن ذاك جاء عن شتير بن شكل رضي الله عنه، وقد ذكر ابن حجر في الصحابة أن له رؤية :.ـ

الأثر الثاني: قال البيهقي: وروينا عن شتير بن شكل وكان من أصحاب علي رضى الله عنها أنه كان يؤمهم في شهر رمضان بعشرين ركعة ويوتر بثلاث",

خرج ذلك أبو بكر قال: باب كم يصلي فِي رَمَضَانَ مِنْ رَكْعَةٍ (7762) ثنا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَبِي إِسْحَاق عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ شُتَيْر بْنِ شَكَل أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْر",

الثالث: وصح نحو ذلك عن سويد بن غفلة: وكان سويد قد أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, واختلف في رؤيته, لكن جاء ما يدل على صلاته معه: قال البيهقي: نا أبو زكريا بن أبى اسحاق انبأ أبو عبد الله محمد بن يعقوب ثنا محمد بن عبد الوهاب انبأ جعفر بن عون انبأ ابو الخصيب قال: كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلى خمس ترويحات عشرين ركعة", هذا خبر صحيح كل رجاله ثقات, ويحيى بن أبي إسحاق هو مسند نيسابور في وقته, وقد توبع محمد بن عبد الوهاب بن حبيب على ثقته: فقال البخاري من ترجمة أبي الخضيب: قال يحيى بن موسى نا جعفر بن عون سمع أبا الخضيب الجعفي: كان سويد بن غفلة يؤمنا في رمضان عشرين ركعة", هذا أثر صحيح, وأبو الخضيب ليس هو زياد بن عبد الرحمن المقبول, بل هو نفاعة بن مسلم الذي وثقه ابن معين وأبوحاتم وابن حبان.

الرابع: وصح مثل ذلك عن عبد الرحمن بن أبي بكرة وغيره: قال ابن عساكر في تاريخه(36/13) أخبرنا أبو غالب بن البنا أنا أبو محمد الجوهري أنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن عمران بن حبيش الضراب نا حامد بن محمد بن شعيب البلخي نا سريج بن يونس نا هشيم أنا يونس بن عبيد قال: شهدت وقعة ابن الأشعث وهم يصلون في شهر رمضان وكان عبد الرحمن بن أبي بكرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعيد بن أبي الحسن وعمران العبدي فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ولا يقنتون إلا في النصف الثاني وكانوا يختمون القرآن مرتين",

هذا خبر صحيح كل رجاله أئمة ثقات, أبو غالب هو أحمد بن الحسن بن البنا مسند بغداد كما قال عنه الذهبي, وقال في تاريخه: شيخ صالح كثير الرواية عالي السند, ووثقه تلميذه ابن الجوزي, وأبو محمد هو الحسن بن علي بن محمد الجوهري ثقة كبير من مشايخ الخطيب, والحسين الضراب وثقه الأزهري كما في تاريخ بغداد, وفيه التوثيق لحامد بن محمد, وسريج قال عنه صالح بن محمد جزرة الحافظ:" ثقة ثقة ثقة", وقد تابعه شجاع وهو ثقة مثله:     

قاله ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان: حدثنا شجاع ثنا هشيم نا يونس قال: "شهدت الناس قبل وقعة ابن الأشعث وهم في شهر رمضان ، فكان يؤمهم عبد الرحمن بن أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن أبي الحسن ومروان العبدي ، فكانوا يصلون بهم عشرين ركعة ، ولا يقنتون إلا في النصف الثاني، وكانوا يختمون القرآن مرتين",

الخامس: وروي نحو ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه: فخرج ابن نصر في قيام الليل قال أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا حفص بن غياث عن الأعمش عن زيد بن وهب قال كان عبد الله بن مسعود يصلي لنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل"، قال الأعمش:" كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث", ذكره العيني وهو منقطع.

السادس: وصح نحو ذلك عن طلق بن علي رضي الله عنه، فقد ثبت عنه أنه صلى قيام رمضان بمن نزل عندهم، ثم لما رجع إلى مسجد حيه قام بهم مرة أخرى، فخرج ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما وأبو داود 1439 نا مسدد ثنا ملازم بن عمرو ثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق قال:" زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه حتى إذا بقي الوترُ قَدَّمَ رجلا فقال:" أوتر بأصحابك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لاوتران في ليلة"، صححه الألباني،

ولفظ أحمد 4/23 :" أتانا طلق في رمضان وكان عندنا حتى أمسى فصلي بنا القيام في رمضان وأوتر بنا ثم انحدر إلى مسجد ريمان فصلى بهم حتى بقي الوتر فقدم رجلا..."،

وهذا الحديث الصحيح يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون قد صلى بمن استضافوه صلاة التراويح عشرين ركعة كالمعهود في زمن الصحابة، ثم لما رجع إلى مسجد حيه صلى بهم مرة أخرى بالعشرين، والمجموع له أربعين ركعة، وعلى احتمال أنه صلى أوّلا إحدى عشرة ركعة، ثم صلى في مسجده بعشر، فيكون المجموع عشرون ركعة والوتر، فتعين المراد أيضا، ثم في هذا الحديث ردّ على التبديعيين الذين يقولون بأن من صلى التراويح، فإنه لا يجوز له صلاة القيام التي يفعلها المسلمون اليوم في آخر الليل، وهذا الحديث رد عليهم والحمد لله رب العالمين.

فهؤلاء جماعة كبيرة جدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن كان يصلي التراويح بعشرين ركعةً، أمام الملإ من جميع الصحابة والمسلمين, وسار على هديهم خيرة التابعين ومن بعدهم إلى يوم الدين، لم ينكر هذا أحد من المسلمين, حتى اكتشف هؤلاء أخيرا في هذا الزمان، أن كل السلف كانوا على ضلال، فهل هذا إلا الخزي العظيم، وإن لم تكفهم كل هذه الآثار فإنا والله سنزيدهم من ذلك الكثير والكثير:

المسألة الرابعة: ذكر ما ورد عن عامة الصحابة في صلاة التراويح بعشرين ركعة بحضرة جميع المسلمين من غير تبديع أثيم: فلقد جاءت صلاة التراويح عشرين ركعة عن جميع الصحابة رضي الله عنهم, كما روى ذلك عنهم خيرة التابعين بأصح الأسانيد:

الأثر الأول: قال ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان 49 حدثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم نا عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح قال:« كانوا يصلون في شهر رمضان عشرين ركعة والوتر ثلاثا»,

عبد الملك ثقة ثبت عند عامة أهل الحديث لم يتكلم فيه غير شعبة, وأنكر عليه أهل الحديث صنيعه هذا, وقد توبع هشيم على ثقته:

الأثر الثاني: قال أبو بكر 7770 حَدثَنَا ابْنُ نُمَير عَنْ عَبْدِ الْمَلِك عَنْ عَطَاء قَال: أَدْرَكْت النَّاسَ وَهُمْ يُصَلُّونَ ثَلاَثًا وَعشْرِينَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ",

هذا أثر صحيح, والتابعي الكبير إذا أخبر عمن قبله فإنما هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم,  وقد صح عن عطاء بن أبى رباح قال: أدركت مائتين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وآله وسلم", وبمثل ما نقل عطاء من ذلك جاء مثله صحيحا عن الحسن وهو أيضا تابعي كبير أدرك زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما:

الأثر الثالث: قال ابن أبي الدنيا: ثنا شجاع بن مخلد ثنا هشيم قال منصور نا الحسن قال:" كانوا يصلون عشرين ركعة، فإذا كانت العشر الأواخر زاد ترويحة شفعين", هذا خبر صحيح رجاله ثقات، وقد قال الحسن: أدركت سبعين بدريا"، فالله الله على تبديع ما كان عليه خير الناس وأفضل القرون.

الرابع: خرجه أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم « أن الناس كانوا يصلون خمس ترويحات في رمضان»، ومن المعلوم أن كل ترويحة بأربع ركعات, فيكون العدد عشرين ركعةً.

الخامس: وقال مالك عن داود بن الحصين أنه سمع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان قال فكان القارئ يقوم بسورة البقرة في ثمان ركعات, فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف",

فأخبر هذا التابعي الكبير عمن قبله وهم الصحابة أن قراءة سورة البقرة في اثنتي عشرة ركعة يعد تخفيفا عندهم، فدل على أنهم كانوا يقرأون ويصلون أكثر من ذلك العدد بكثير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب السادس: ذكر استحباب صلاة التراويح بعشرين ركعة عن التابعين:

وعلى مذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه سار التابعون:

فقال أبو بكر 7765 نا وَكِيع عنْ نَافِعِ بْنِ عُمَر قَال: كَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يُصَلِّي بِنَا فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيَقْرَأُ بِحَمْدِ الْمَلاَئِكَةِ فِي رَكْعَة"، وهو أثر صحيح،

وقال أبو بكر 7767 حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ حَجَّاج عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ".

وقال أبو بكر 7768 حَدثَنَا غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ خَلَف عَنْ رَبِيعٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِي أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ فِي رَمَضَانَ وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ". وهو إسناد حسن، وخلف هو ابن حوشب الكوفي.

وخرج أبو بكر 7772 بإسناد صحيح قال: حَدثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْن عَن سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي رَمَضَانَ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ وَيُوتِرُ بِثَلاَثٍ".

وقال أبو بكر 7773 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل عَن وقَاء قَال: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَؤُمُّنَا فِي رَمَضَانَ فَيُصَلِّي بِنَا عِشْرِينَ لَيْلَةً سِتَّ تَرْوِيحَات، فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الأَخَرُ اعْتَكَفَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى بِنَا سَبْعَ تَرْوِيحَات"، تابعه عبد الملك بن محمد الصنعاني نا ثابت بن عجلان :" كان سعيد بن جبير يصلي بنا في رمضان أربعة وعشرين ركعة ويوتر بثلاث"، خرجه عنه الطبراني .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب السابع: ذكر من صلاها بأكثر من العشرين:

وبما أن الأمر واسع عند كل السلف فكان أكثرهم يصليها عشرين استحبابا, وبعضهم صلاها أربعين ركعة أو بين ذلك جوازا, لم يبدع أحد منهم قول الآخر, ومن بدع ما كان عليه الأمر واسعا عندهم كان هو المخالف لسبيل المؤمنين :

قال أبو بكر 7769 حَدَّثَنَا حَفْص عَن الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ الله قال: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ يُصَلِّي بِنَا فِي رَمَضَانَ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِسَبْع".

قال أبو بكر 7771 نَا ابْن مَهْدِي عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْس قَال: أَدْرَكْتُ النَّاسَ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يُصَلُّونَ سِتَّة وَثَلاَثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلاَث"،

وذكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن داود بن قيس قال: "أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث"،

وبه قال الإمام مالك وذكر أنه الأمر القديم عندهم,

وروى ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة قال: أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس", قال ابن أبي ذئب:فقلت: لا يسلمون بينهن؟ فقال: بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعا"،

وابن أبي ذئب ممن روى عن صالح قبل الإختلاط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثامن: ذكر البيان أن هذا من اختلاف التنوع, مع البيان أنه لم يقل أحد من السلف باستحباب أقل من عشرين ركعة:

المسألة الأولى: كلام السلف في عدد الركعات:

قال الأزهري في تهذيب اللغة (1/158):" قال إسحاق بن راهويه : إذا صلى الإمام في شهر رمضان بالناس ترويحةً أو ترويحتين ثم قام الإمام من آخر الليل فأرسل إلى قوم فاجتمعوا فصلَّى بهم بعد ما ناموا فإن ذلك جائز إذا أراد به قيامَ ما أُمر أن يصلَّى من الترويح، وأقلُّ ذلك خمسُ ترويحات ، وأهل العراق عليه"،

وقال الترمذي في سننه:"وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَة, وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا أَدْرَكْتُ بِبَلَدِنَا بِمَكَّةَ يُصَلُّونَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وقَالَ أَحْمَدُ رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يقض فِيهِ بِشَيْء, وقَال إِسْحاق: بَلْ نَخْتَار إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ",

وقال ابن قدامة:" والمختار عند أبي عبد الله (أحمد) رحمه الله فيها عشرون ركعة, وبهذا قال الثوري وأبو حنيفة والشافعي... وهو كالإجماع",

وقال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع:(فصل): وأما قدرها فعشرون ركعة في عشر تسليمات, في خمس ترويحات كل تسليمتين ترويحة وهذا قول عامة العلماء, وقال مالك في قول: ستة وثلاثون ركعة، وفي قول ستة وعشرون ركعة، والصحيح قول العامة لما روي أن عمر رضي الله عنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبي بن كعب فصلى بهم في كل ليلة عشرين ركعة، ولم ينكر أحد عليه فيكون إجماعا منهم على ذلك",

فلم يذكر أحد منهم من قال باختيار أقل من العشرين, مع أن هذا الإختلاف إنما هو في الأفضل والمستحب, وإلا فالأمر واسع عند كل السلف,

فقد قال الشافعي في الأم: فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلى منه ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين، وأحب إلي عشرون لأنه روى عن عمر وكذلك يقومون بمكة ويوترون بثلاث"،

وقال ابن عبد البر في التمهيد (8/113):" واختلف العلماء في عدد قيام رمضان فقال مالك تسع وثلاثون بالوتر, ست وثلاثون والوتر ثلاث, وزعم أنه الأمر القديم, وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وداود ومن اتبعهم: عشرون ركعة سوى الوتر لا يقام بأكثر منها استحبابا",

وقال ابن رشد:"واختلفوا في المختار من عدد الركعات التي يقوم بها الناس في رمضان فاختار مالك في أحد قوليه وأبو حنيفة والشافعي وأحمد ودواد القيام بعشرين ركعة سوى الوتر, وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستا وثلاثين ركعة والوتر ثلاث",

ثم إنني لم أجد بعد بحث طويل عن أحد من السلف من أصحاب القرون الأربعة المفضلة الأولى, بل ولا من بعدهم بزمان ممن قال باستحباب التراويح بأقل من عشرين ركعة نصا, بل قد قال الإمام إسحاق بن راهويه: وأقلُّ ذلك خمسُ ترويحات"، أي عشرون ركعة،

وكذا قال في الإقناع:" فصل التراويح عشرون ركعة, في رمضان يجهر فيها بالقراءة، وفعلها جماعة أفضل ولا ينقص منها ولا بأس بالزيادة نصا", أي عن الإمام أحمد,

بينما قال ابن تيمية في الفتاوى:" والتراويح إن صلاها كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد عشرين ركعة أو كمذهب مالك ستا وثلاثين, أو ثلاث عشرة أو إحدى عشرة فقد أحسن كما نص عليه الإمام أحمد لعدم التوقيف",

وأحمد لم ينص على إحدى عشرة ركعة, بل لم يقض في ذلك بشيء, لأن الترمذي قال: وقَال أَحْمَد: رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يقض فِيهِ بِشَيْء",

ثم أن الإمام أحمد رجع إلى استحباب العشرين كما ذكر أصحابه، أما استحباب صلاتها بأقل من عشرين ركعة فليس العمل عليه عند أحد أبدا، فقد قال ابن حزم في المحلى(2/223) :" ورووا (المالكية) أمر أبيا وتميما أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة في ليالي رمضان، فقالوا: ليس عليه العمل"،

ثم قال:" ورووا أن الناس كانوا يقومون أيام عمر بثلاث وعشرين ركعة في ليالي رمضان، فقالوا: ليس عليه العمل، فخالفوا قضاء عمر وعمل أبي بن كعب وتميم الداري والمهاجرين والأنصار بالمدينة لدعوى زائغة وعمل مجهول، وقالوا: العمل في القيام على تسعة وثلاثين ركعة"، وقد مر عمل أكثر السلف والمهاجرين والأنصار كما ذكر ابن حزم وغيره على استحباب عشرين ركعة، وبقي العمل على أحد عشرة ركعة عاريا عن كل سلف، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف  .

المسألة الثانية: رد دعوى وجود من استحب أقل من العشرين :

اتفق السلف على استحباب العشرين ركعة ، أو أكثر، ولا يصح عن أحد منهم قال بأقل من ذلك، مع الجواز، إلا رواية مكذوبة ذكرها الجوري الشافعي: عن مالك أنه قال: الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إلي وهو إحدى عشرة ركعة, وهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, قيل له إحدى عشرة ركعة بالوتر ؟ قال: نعم، وثلاث عشرة قريب, قال: ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير",

والجواب أن هذه الرواية موضوعة منكرة, لأن بين الجوري ومالك أكثر من ثلاثة قرون كاملة, ولا يدرى من رجاله, وقد خالفه كل أصحاب مالك وهم أعلم به, فنقلوا عنه كما سبق: ستا وثلاثين, وقال ابن القاسم كما في المدونة (1/287):" قال مالك: بعث إلي الأمير وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقومه الناس بالمدينة, ـ قال ابن القاسم : وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر, ست وثلاثون ركعة والوتر ثلاث ـ قال مالك : فنهيته أن ينقص من ذلك شيئا وقلت له : هذا ما أدركت الناس عليه وهذا الأمر القديم الذي لم تزل الناس عليه",

وهذا من أصح الأسانيد عن الإمام مالك عُلُوًّا واتصالًا وثقةً, مع الموافقة لسائر أصحاب مالك, وقد قال ابن عبد البر والباجي المالكيان: "وذكر ابن القاسم عن مالك تسع وثلاثون والوتر ثلاث", وكذلك نقله الترمذي ومعروف سنده الصحيح إلى الإمام مالك, وكذلك نقله سائر المالكية وغيرهم, والعجب كل العجب ممن يترك كل هذه الروايات, الصحيحات الثابتات, ثم يستدل بالغرائب الواهيات, تقليدا بل عبادة منه لهواه، وتعصبا لمذهبه. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاتمة: وفي الختام فإن منهجنا كتاب الله ورسوله على فهم السلف, لا يحل لأحد أيا كان أن يأتي بقول جديد, لم يقل به أحد من السلف الأولين المفضلين, كما قال إمام الجماعة أحمد: لا تقل في مسألة ليس لك فيها إمام", وقد ذكر ذلك كافة أهل العلم في الأصول في باب شروط المجتهد, وعليه فمن أراد أن يتكلم فبسلف عمن مضى, وإلا فكلامه عليه مردود, ولا عبرة به، وهو عليه حجة ووبال عند الله تعالى القائل في كتابه:" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا", ونقول الإجماع كثيرة على جواز أي عدد من الركعات, وإنما اختلفوا في أي العدد أفضل، بينما استكبر وأصر هؤلاء على تبديع ما كان عليه السلف مع مخالفتهم لسبيل كل المؤمنين, تقليدا منهم وعبادة لمجتهد معذور مخطئ في اجتهاده، أفكان يحل لهؤلاء مخالفة سبيل المؤمنين لخطإ بعض المتأخرين، ولئن كان هو معذورا في اجتهاده، فليس العذر مقبولا لهؤلاء حتى يخالفوا سبل المؤمنين، من الصحابة والتابعين، وأهل الفقه في الدين، وقد بوب شيخ الإسلام المجاهد التميمي بابا عظيما قال فيه:" باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرمه ، فقد اتخذهم أربابا من دون الله"، لكن الله هو وحده الهادي إلى سبيل السنة والرشاد .  

                                                   

                              كتبه أبو عيسى الزياني


تعليقات

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار