أحكام الأضحية، بالجذعان والماشية . تأليف: الطاهر زياني

                              أحكام الأضحية، بالجذعان والماشية

 

                                        كتابة: الطاهر زياني

وقف لله تعالى، لا أسمح بالسرقة العلمية ولا بالنقول إلا بتبيين المصدر، ولا طبعه إلا بإذن                  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين، الهادي الأمين، المتبع لملة نبي الله إبراهيم، حنيفا وما كان من المشركين، وبعد:

فهذا البحث يتعلق بأهم مسائل الأضاحي، وشروطها وأحكامها، مبرزا الصواب فيها، قد أطيل في بعضها، وأقصر في باقيها، على حسب الحاجة، أذكْر درجة الحديث والحكم عليْه من خلال كلام المــحَدّثين أو تخريجهم، فإن لم أجد اجتهدت رأيي، فما كان من صحيح أو حسن كتبته بالتعريف هكذا " الدليل أو الحديث"، وما شككت فيه أو لم أجده، أو كان محتملا كتبته بصيغة الشك: " دليل أو الدليل "، وما كان من ضعيف كتبته بصيغة التنكير: "دليل"، أو بالكلام في أحد رواته، أو بصيغة التمريض:" رُوي"، مُقَسّما إياه على النحو التالي:

الفصل الأول: الأحكام العامة للأضحية:

المبحث الأول: حكم الأضحية وأحكام الإشراك والاشتراك فيها:

المطلب الأول: حكم الأضحية:

المطلب الثاني: حكم التشارك والإشراك في الأضحية:

المسألة الأولى: القول الأول: يجوز الاشتراك في ثمن الضأن وغيره، وبيان أن هذه الأحاديث لرفع الوجوب وليس لمشروعية التشارك في الثمن:

المسألة الثانية: القول الثاني: لا يصح التشارك لا في الضأن ولا غيره، ولا تشارك الزوجة زوجها، لكن يجوز الإشراك في الثواب بين الأقارب.

المسألة الثالثة: القول الثالث: أن التضحية إنما تكون عن النفس وأهل البيت فقط، حاشا الإبل والبقر:

المبحث الثاني: ما ورد في التضحية بالإبل والبقر عن أهل البيت:

المطلب الأول: عدد المتشاركين:

المطلب الثاني: حكم التشارك مع الأجانب:

المبحث الثالث: أفضل الأضاحي، وبيان أجناسها بالترتيب:

المبحث الرابع: شروط الأضحية المجتمع عليها والمختلف فيها:

المطلب الأول: في شروط الأضحية المجتمع عليها:

المطلب الثاني: الشروط المختلف فيها:

المسألة الأولى: الشروط الراجحة المعتبرة:

المسألة الثانية: الشروط المرجوحة الغير المعتبرة:

المبحث الخامس: أدلة الشروط السابقة: 

المطلب الأول: أدلة الشروط الأربعة الأولى المجتمع عليها:

المطلب الثاني: أدلة الشروط الراجحة المعتبرة:

 المسألة الأولى: ألا تكون بتراء شرقاء، ولا خرقاء: 

المسألة الثانية: ألا تكون الأضحية جذعة:

المطلب الثالث: الشروط المرجوحة الغيرُ المعتبرةِ على الصحيح:

المسألة الأولى: ترك العضباء المستأصلة القرن:

المسألة الثانية: ذكر الخلاف في القرن المكسورة:

المسألة الثالثة: اشترط الجمهور أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام:

المسألة الرابعة: أوصاف أخرى لا تضر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: سن الأضاحي، وأحكام الجذاع:

المبحث الأول: تأصيل المسألة ونقل اختلاف السلف في الجذاع:

المبحث الثاني: المقصود بالجذعة المنهي عنها وبيان سنها:

المطلب الأول: تعريف الجذعة:

المطلب الثاني: أنواع الجذعان من الأنعام:

المسألة الأولى: الجذع من الغنم الضأن والماعز وما في حجمها من ظباء ونحوها:

المسألة الثانية: الجذع من البقر والخيل ومثيلاتها في الحجم:

المسألة الثالثة: الجذاع من الإبل ومثيلاتها:

المبحث الثالث: ذكر أنواع الأدلة الواردة في الجذعان ، واختلاف السلف في حكمها تبعا لذلك :

المطلب الأول: ما ورد في جواز الجذاع مطلقا، وبيان محملها، ومن استدل بها:

المطلب الثاني: ما ورد في إجزاء التضحية بالجذاع من الضأن خاصة: 

المطلب الثالث: ما ورد في مشروعية التضحية بجذعان الماعز وبيان نسخها:

المطلب الرابع: ما ورد في النهي عن سائر الجذعان مطلقا، إلا في حالة الإعسار والعجز وعدم الوجد:

المسألة الأولى: ما ورد في النهي عن سائر الجذعان مطلقا

المسألة الثانية: حديث البراء في النهي عن مطلق الجذعان، وذكر الاختلاف في سبب وروده:

الفرع الأول: ذكر الأدلة الدالة بلفظ العموم على النهي عن مطلق الجذاع، وإن كان سببه في عناق الضأن:

الفرع الثاني: ذكر الأدلة الدالة بلفظ العموم على النهي عن مطلق الجذاع، وإن كان سببه في جذاع الماعز نصا:

الفرع الثالث : ذكر الأدلة الدالة بلفظ العموم على النهي عن مطلق الجذاع، وبيان أن سبب الورود كان في مطلق الجذاع أيضا:

الفرع الرابع: من زعم أن السبب في كان في جذعة شاة، وبيان النهي عن التضحية بجذاع الشياه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول: الأحكام العامة للأضحية:

المبحث الأول: حكم الأضحية و أحكام الإشراك والاشتراك فيها:

اختلف السلف في حكم الأضحية وفي التشارك في الأضاحي، بين الغنم والإبل والبقر:

المطلب الأول: حكم الأضحية:

اتفق الفقهاء على أن المطالب بالأضحية هو المسلم الحر البالغ العاقل المقيم المستطيع، واختلفوا في المسافر والصغير.

كما اتفقوا على تعينها بعد دخول وقتها، والممتد من بعد صلاة العيد، وذهب المالكية إلى أنها تبدأ بعد نحر الإمام، وتنتهي بانتهاء آخر يوم من أيام التشريق قبل الغروب، وزاد المالكية وحدهم كراهية الذبح بالليل..

واختلفوا في درجة الطلب بها:

فذهب الحنفية إلى وجوبها.

وذهب الجمهور إلى سنيتها المؤكدة، ثم اختلفوا في التعيين:

1. فذهبت طائفة إلى أنها كفائية عن الأسرة فقط، بحيث يذبح الولي الكلف عن نفسه وأسرته أهل بيته، ومن هم تحت ولايته فقط من القُصَّر، وهو قول الجمهور. 

2. وذهبت الشافعية إلى أنها سنة كفائية على العائلة القاطنين معا، قالوا: فإن تعدد أهل البيت وسكنوا معا، فإن فعلها واحد من أهل البيت، كفى عن الجميع.

3. وذهبت طائفة إلى أنها عينية على كل قادر، يذبح كل شخص بالغ قادر عن نفسه، وأما الصغير واليتيم فيذبح وليه من ماله إن كان له مال، وإلا سقطت عنه،

4. كما اختلفوا في مسألة الأضحية بما سوى الأنعام، وفي حكم التشارك والإشراك في الأضحية،  على ما سنبين:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: حكم التشارك والإشراك في الأضحية:

الإشراك هو أن يشتري الأضحية مكلف قدر بمفرده، ثم ينحر بنية الأجر عن أهله أو عائلته.

وأما الاشتراك فهو أن يعطي كل فرد من أفراد الأسرة سهما يشترك فيه مع غيره.

وقد اختلف السلف في حكم التشارك أو الإشراك في الأضحية:

فذهبت طائفة إلى جواز الاشتراك في الضأن أو غيره.

ومنع المالكية وآخرون التشارك في البقر أو الإبل أو غيرهما، في ولو كان التشارك بين أفراد الأسرة أو الزوجين، لكن يجوز الإشراك في الثواب بين الأقارب، بأن يضحي المكلف عن أهل بيته ناويا الثواب لهم جميعا.

ومنع الجمهور من الإشراك في التضحية، وإنما يضحي المكلف عن نفسه وأهل بيته فقط، حاشا الإبل والبقر، فيصح فيها الاشتراك، وإليك البيان:

المسألة الأولى: القول الأول: يجوز الاشتراك في ثمن الضأن وغيره، وبيان أن هذه الأحاديث لرفع الوجوب وليس لمشروعية التشارك في الثمن:

وبالتشارك قال الحاكم وجماعة، وزعم الحاكم قائلا في المستدرك(4/255):" الرخصة في الأضحية بالشاة الواحدة عن الجماعة التي لا يحصى عددهم خلاف من يتوهم أنها لا تجزئ إلا عن الواحد، وقد رويت أخبار في الأضحية عن الأموات ".

وقال أبو جعفر الطحاوي: ذهب قوم إلى أن الشاة لا بأس أن يضحى بها عن الجماعة , وإن كثروا ".

واستدل هؤلاء بتضحيته عليه السلام بكبش أو بكبشين أحدهما عن آل البيت، والثاني عن جميع أمته، لكن هذه الأحاديث إما منكرة أو مختلف فيها بسبب الاضطراب، ولا تدل إلا على رفع الأمر من الوجوب إلى السنية، والصحيح منها هو تضحيته عليه السلام بكبش أو كبشين فقط، من غير زيادة تعيين نحره عن الأمة، وإنما أضاف هذه الزيادة الضعفاء. 

لكن صح أنه عليه السلام بعد أن ضحى بكبشه انكفأ إلى أضحية فقسمها بين أصحابه، وفي رواية أنه وزع بينهم الأغنام، وليس فيها أي دليل على التشارك، لأن الأضحية الأولى له، والثانية ذبحها وقسمها بين أصحابة صدقة عليهم أو إكراما لهم، كما في:

الدليل الأول: حديث أبي بكرة في التضحية بكبشين، وتقسيم جذعة بين أصحابه:

خرجه مسلم والنسائي 4389 وابن حزم عن يزيد بن زريع عن ابن عون عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما كان ذلك اليوم قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره وقال: "أتدرون أي يوم هذا" وذكر الحديث وفيه أنه عليه السلام قال: "أليس بيوم النحر" قالوا: بلى ثم ذكر الحديث وفيه :" ثم انكفأ [انصرف] إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا ".

وهذا ليس فيه حجة للتشارك أصلا، ولا على التضحية بجذعة، لأنه ضحى بكبشين، فيكون الزائد صدقة وإكراما لأصحابه:

فقد قال ابن حزم نفسه:" ليس فيه أنه أعطاهم إياها ليضحوا بها، ولا أنهم ضحوا بها، وإنما فيه أنه عليه السلام قسمها بينهم, والكذب لا يحل ".

وأما بقية الأحاديث ففيها انتقاد، ولا تدل على التشارك، بل تدل على أن النبي عليه السلام ذبح عن أمته، رفعا لوجوبها عنهم:

دليل ثاني: حديث أبي سعيد في التضحية عنه، وعن المعسر من أمته، رفعا لوجوبها عنهم:

وقد ورد من وجهيْن:

أ: خرج أحمد والطحاوي في معاني الآثار (4/177) باب الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها؟ حدثنا روح بن الفرج: ثنا أبو إبراهيم الترجماني: ثنا الدراوردي عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن، ثم قال:" اللهم هذا عني، وعمن لم يضح من أمتي ".

ربيح ووالده فيهما جهالة، وزيادتهما منكرة.

ب: والصحيح عن أبي سعيد ما خرجه ابن ماجه 3128 والترمذي 1496 وصححه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: «ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل، يأكل في سواد، ويمشي في سواد، وينظر في سواد». من غير ذكر زيادة التضحية عن الأمة والغير.

دليل ثاني: حديث جابر والاختلاف عنه في عدد الكباش:

1/ فورد بالتضحية بكبش واحد، عنه وعن أمته:

خرج الترمذي (1521) وأبو داود 2810 وسعيد بن منصور وغيرهم من طرق عن يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله.

بينما خرجه الطحاوي في معاني الآثار (4/177) باب الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها؟ عن يونس عن ابن وهب ثني يعقوب بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله، وعن رجل من بني سلمة أنهما حدثاه أن جابر بن عبد الله أخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للناس يوم النحر، فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش, فذبحه هو بنفسه وقال: «بسم الله, والله أكبر, اللهم عني وعمن لم يضح من أمتي»

استغربه الترمذي فقال:" هذا حديث غريب من هذا الوجه"،

و|إنما استغربه لتفرد عمرو بن أبي عمرو به وهو صدوق فيه كلام، وقد رواه عن المطلب ومرة أخرى عن رجل مجهول معه، والمطلب لم يسمع من جابر، فقد قال الترمذي:" والمطلب بن عبد الله بن حنطب يقال إنه لم يسمع من جابر "، وكذلك نقل ابن أبي حاتم في المراسيل عن أبيه:" لم يسمع من جابر"،

وأما ما ورد من سماع في رواية الطحاوي هنا فهو محمول على العطف والجمع في رواية رجل من بني سلمة معه فقط.

كما اختُلف في رواية يحيى، مما يبين أن الجمع بين الروايتين هنا وهْم، وورد بأنه ضحى مبشين بدل كبش:

. فقد رواه ابن المبارك عن يحيى بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجوءين فقرب أحدهما فقال: " اللهم منك وإليك اللهم إن هذا عن محمد وأهل بيته , ثم قرب الآخر فقال: بسم الله اللهم منك وإليك اللهم هذا عمن وحدك من أمتي "،

فأرسله من غير ذكر جابر، وهذا هو الأولى، ورايات الجمع يقع فيها الأوهام.

2/ وقد روى غيره عن جابر: كبشان، كبش عنه عليه السلام، وآخر عن أمته، على خلاف رواية يعقوب:" بكبش واحد":

خرج ابن ماجه 3121 وأبو داود 2795 والدارمي والطحاوي في معاني الآثار (4/177) باب الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها؟ من طرق عن إسماعيل بن عياش وأحمد بن خالد الوهبي ويزيد بن زريع وعيسى بن يونس كلهم محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد. فقال حين وجههما: {وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض} إلى آخر الآية، اللهم منك ولك، عن محمد وأمته، ثم سمى وكبر وذبح "، بالجمع بين الكبشين معا في النية عن الأمة.

وهذا حديث فيه علل توهنُه:

فقد اضطُرب فيه على ابن إسحاق:

فرواه الجماعة السابقة من غير تحديث، ولا بذِكر ابن أبي عمران، وخالفهم الدورقي فرواه بذكره، وبلفظ السماع: 

فقد رواه ابن خزيمة (2899) وأحمد (3/375) عن يعقوب بن إبراهيم حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن [خالد بن أبي عمران] عن أبي عياش عن جابر به.

وفيه علل أخرى:

. فقد تفرد به أبو عياش وهو المعافري المصري مجهول، وليس هو الزرقي كما وقع في بعض نسخ ابن ماجه، فإنها خطأ كما قال المحقق، والصواب المعافري كما جزم المزي والزيلعي وابن حجر، بل ورد مصرحا به عند الروياني في مسنده (ر 1118)

دليل ثالث: ورواه ابن عقيل واخلتفوا عنه في سنده وذكر الصحابي: :

وهو صدوق لين، وقد ذكر ابن حبان هذا الحديث في منكراته:

1: من رواه عن جابر:

روى أبو يعلى 626 وعبد بن حميد والطحاوي (4/177) من طرق عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الرحمن بن جابر عن جابر بن عبد الله قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أقرنين أملحين عظيمين موجوءين فأضجع أحدهما وقال: «بسم الله والله أكبر - اللهم عن محمد وآل محمد» .

ثم أضجع الآخر فقال: «بسم الله والله أكبر عن محمد وأمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ» .

تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو صدوق فيه لين، وقد اختلف عليه فيه أيضا.

قال أحمد بن الحسين البيهقي: وهذا الحديث إنما رواه عبد الرحمن بن محمد بن عقيل، واختلف عليه في إسناده، فرواه عنه الثوري عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة ... ثم نقل تضعيفه عن الشافعي،

قال البيهقي في سننه (9/482):" قال الشافعي رحمه الله: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت مثله أنه ضحى بكبشين، فقال في أحدهما بعد ذكر الله: " اللهم عن محمد وآل محمد "، وفي الآخر: " اللهم عن محمد وأمة محمد ".

وإليك بيان الاضطراب فيه:

. فقد رواه حماد عن عبد الرحمن بن جابر الأنصاري عن أبيه،

2: من رواه عن عائشة أو أبي هريرة:

رواه سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضحى أتي بكبشين أقرنين أملحين موجوءين فيذبح أحدهما عن أمته من شهد لله بالتوحيد وشهد له بالبلاغ , ويذبح الآخر عن محمد وآل محمد "، خرجه عنه البيهقي (9/448) وعبد الرزاق وابن ماجه رقم "3122"، والطحاوي (4/177) من طرق عن سفيان الثوري به.

3: من رواه عن أبي هريرة وحده:

رواه مؤمل بن إسماعيل عنه، فذكره بإسناده نحوه، غير أنه قال: عن أبي هريرة "، ولم يقل: عن عائشة".

كذلك رواه عبد الله بن عياش عن عيسى بن عبد الرحمن بن فروة الأنصاري وهو متروك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

4: من رواه عن أبي رافع:

قال البيهقي:" ورواه زهير بن محمد عن عبد الله عن علي بن الحسين عن أبي رافع فكأنه سمعه منهما"،

ثم خرجه عنه، وزاد:" ثم يطعمها جميعا للمساكين ويأكل هو وأهله منهما , فمكثنا سنين قد كفى الله المؤنة والغرم برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أحد من بني هاشم يضحي ".

وخرج ابن حبان في المجروحين والحاكم والبيهقي (9/436) والبزار وأحمد عن زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد –بن عقيل- عن علي بن حسين/ عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أملحين أقرنين، فإذا خطب وصلى ذبح أحد الكبشين بنفسه بالمدية، ثم يقول: «اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ» ، ثم أتى بالآخر فذبحه وقال: «اللهم هذا عن محمد وآل محمد» ثم يطعمهما المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين قد كفانا الله الغرم والمئونة ليس أحد من بني هاشم يضحي".

وقد تابعه سعيد بن سلمة وعبيد الله بن عمرو الرقي وقيس بن الربيع كلهم عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم"، خرج رواياتهم الطبراني (1/312).

.  وذكر البيهقي والحافظ ابن حجر في الفتح اختلافا آخر:" أن زهير بن محمد وشريكا وعبيد الله بن عمرو كلهم رووه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين عن أبي رافع"، (فتح" "10/ 10).

وقال البيهقي:" وبمعناه رواه عبيد الله بن عمر الرقي , وقيس بن الربيع , عن عبد الله بن محمد بن عقيل , عن علي بن الحسين عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قال أحمد في مسنده وأحمد بن يونس الضبي: حدثنا أبو عامر: حدثنا زهير عن عبد الله بن محمد عن علي بن حسين، عن أبي رافع به،

تابعه سعيد بن سلمة عن ابن عقيل، وقد صححه الحاكم (2/425) وتعقبه الذهبي بتضعيفه لابن عقيل، إضافة إلى اضطرابه وأن علي بن الحسين لم يدرك أبا رافع.

وأما عبيد الله فقد جعله في العقيقة:

ب/ قال أحمد حدثنا زكريا بن عدي قال: أخبرني عبيد الله يعني ابن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: فسألت علي بن الحسين فحدثني، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الحسن بن علي لما ولد أرادت أمه فاطمة أن تعق عنه بكبشين، فقال: " لا تعقي عنه، ولكن احلقي شعر رأسه، ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله "، ثم ولد حسين بعد ذلك فصنعت مثل ذلك ".

والصواب في حديث علي بن الحسين أنه بغير زيادة الأضحية عن الأمة:

كذلك رواه يحيى بن معين قال حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (بن علي بن الحسين) عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يضحي بكبشين أقرنين فجعل يأكل في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ".

خرجه عنه الطبراني في الأوسط 5175 ثم قال:" لم يرو هذا الحديث عن أبي سعيد بهذا اللفظ إلا محمد بن علي بن الحسين تفرد به حفص بن غياث".  

وكذلك الصواب في:

حديث عائشة من غير ذكر زيادة التضحية عن الأمة،

فقد خرجه مسلم في الصحيح 1967 والطحاوي في معانيه (4/176) باب الشاة عن كم تجزئ أن يضحى بها؟ عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد , ويبرك في سواد , فأتي به ليضحي به، ثم قال: «يا عائشة، هلمي المدية»، ثم قال: «اشحذيها بحجر» ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه وقال: «بسم الله, اللهم تقبل من محمد وآل محمد , ومن أمة محمد ثم ضحى به»

وليس فيه أنه عليه السلام ضحى عن أمته، وإنما دعا لنفسه ولأمته بالقبول فقط.

دليل أو الدليل الرابع: حديث حذيفة في التضحية بكبشيْن عنه وعن قرابته وأمّته :

خرجه الطبراني والحاكم (3/686) 6521 -أخبرني عبدان بن يزيد الدقيقي بهمدان ثنا محمد بن المغيرة ثنا يحيى بن نصر بن حاجب ثنا عبد الله بن شبرمة عن الشعبي عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب كبشين أملحين فيذبح أحدهما فيقول: «اللهم هذا عن محمد وآل محمد» ويقرب الآخر فيقول: «اللهم هذا عن أمتي من شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ» عبدان هو الحسن بن يزيد بن يعقوب صدوق، وقد توبع:

فقال الضبي في أخبار القضاة وحَدَّثَنَا حمزة:حَدَّثَنَا يحيى بْن نصر: حَدَّثَنَا ابن شُبْرُمَةَ قَالَ: أتيت منزل الشعبي وكان رجلاً غيوراً فخرج علي عليه ملاءة مورسة فقلت: يا أبا عَمْرو أَخْبَرَنِي عَن قول ابن  عُمَر: لا تجزي نفس إِلَّا عَن نفس".

وعن قول عَائِشَة وابْن عَبَّاس وغيرهما: البقرة عَن سبعة والجزور عَن سبعة" أتجزئ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فخرجت من بيته امرأة ضريرة أو تعشو كأنه يعرفها فَقَالَ: لأن أتصدق على هذه وذواتها بدرهمين أو ثلاثة أحب إِلَيّ من أن أضحى عَن بعض أهلي".

ثم قَالَ: قَال حذيفة: كنا ونحن مع رسول الله لا نتكلف معه الضحايا وكان يقرب كبشين أملحين"، قَال حذيفة: وكان رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرب بكبشين أملحين ويذبح أحدهما فيقول: اللهم هَذَا عَن أمتي ممن شهد لك بالتوحيد وشهد لك بالبلاغ ".

علته ابن حاجب فقد ضعفه الأكثرون، قال الهيثمي:" رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن نصر بن حاجب وثقة ابن عدي وضعفه جماعة ".

دليل سادس: رواية حميد وبيان الصواب فيها:

1. خرجه الشاشي 1074 - حدثنا عباس الدوري نا عبد الله بن بكر نا حميد عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ضحى بكبشين أملحين، فقال عند ذبح الأول: «عن محمد وآل محمد» وقال عند ذبح الثاني: «عن من آمن بي وصدقني من أمتي» .

هذا حديث معضل ضعيف، إسحاق لم يدرك جده، والحديث خطأ،

2. والمحفوظ الصحيح ما وافق رواية الثقات في التضحية بكبشين من غير زيادة التضحية عن الأمة:

خرجه أحمد (3/178) حدثنا سهل عن حميد وعبد الله بن بكر ثنا حميد عن ثابت عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحى بكبشين أملحين "، قال بن بكر: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين "، قال أبي:" أسنداه جميعا عن ثابت عن أنس ".

دليل سابع: حديث أنس في التضحية عن الأهل أو عن الأمة" وبيان الصواب فيه:

1. رواه أبو يعلى حدثنا الحكم بن موسى أبو صالح حدثنا أبو معاوية عن الحجاج عن قتادة عن أنس قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين، فقرب أحدهما فقال: «بسم الله اللهم منك ولك، هذا عن محمد وأهل بيته» وقرب الآخر فقال: «بسم الله، اللهم منك ولك، هذا عمن وحدك من أمتي»

وهذا حديث باطل منكر غريب، حجاج مدلس مضعف،

2. والصحيح عن قتادة هو هذا اللفظ التالي:

فقد خرجه النسائي ثنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمى، وكبر، ووضع رجله على صفاحهما».

وكذلك خرجه البخاري 5558 والترمذي (1494) عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: «ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما»

وخرجه البخاري في الصحيح 5553 عن شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين»

ثم خرجه عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انكفأ إلى كبشين أقرنين أملحين، فذبحهما بيده» قال البخاري: تابعه وهيب عن أيوب، وقال إسماعيل وحاتم بن وردان عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس.

وخرجه هو ومسلم وغيرهما من طرق أخرى كثيرة عن أنس بهذا اللفظ ولفظ :" يسمي ويكبر"

وهو الصحيح المتواتر، وأما غيره بزيادة التضحية عن الأمة، فهو منكر، ولذلك ضعف الإمام الشافعي كل أحاديث تضحيته عن أمته كما أسلفنا.

وكذلك وردت الأحاديث الصحيحة بالتضحية بالكبش، أو بالكبشين السمينين الأملحين الأقرنين من غير ذكر التضحية عن أحد، ولا بذكر الموجوءين إلا في رواية ابن عقيل المضطربة، وأبي الدرداء:

1/ فخرج الترمذي 1520 وصححه عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب، ثم نزل فدعا بكبشين فذبحهما».

2/ وخرج الطبراني عن العوام بن حوشب عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يضحي بكبشين أملحين يضع رجله على صفاحهما إذا أراد أن يذبح ويقول : بسم الله منك ولك اللهم تقبل من محمد ".

3/ وخرج مسلم عن أبي بكرة قال: لما كان ذلك اليوم قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره وقال: "أتدرون أي يوم هذا" وذكر الحديث وفيه أنه عليه السلام قال: "أليس بيوم النحر" قالوا: بلى ثم ذكر الحديث وفيه :" ثم انكفأ [انصرف] إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا ".

4/ وخرج مسلم 1967 عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: «يا عائشة، هلمي المدية»، ثم قال: «اشحذيها بحجر»، ففعلت: ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: «باسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به»، وفيه الدعاء بالقبول عن الأمة، وليس فيه التضحية عنها.

5/ وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال:" ضحى رسول الله بكبش أقرن أعين فحيل ".

وحتى لو صحت أحاديث التضحية عن الأمة، لما كان فيها دليلا على الاشتراك، بل لا تدل إلا على سقوط وجوب الأضحية عن الأمة، أو تدل على الإشراك في الأجر، لا التشارك في جمع ثمن الاضحية كما قال المالكية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: القول الثاني: لا يصح التشارك لا في الضأن ولا غيره، ولا تشارك الزوجة زوجها، لكن يجوز الإشراك في الثواب بين الأقارب:

حيث ذهب المالكية إلى تفضيل الضأن، وجواز الإشراك في الثواب وحملوا الأحاديث السابقة على ذلك، قالوا: وليس في واحد منها التشارك في الثمن، ولكن يضحي الشخص الواجد عن أهله وأقاربه بنية إشراكهم في الثواب، بشروط:

. أن يكون إشراكا في نية الثواب، من الواحد الواجد، لا اشتراكا مع غيره في الثمن ولو مع زوجته.

. لا يجزئ الاشتراك في الشراء مطلقا، بل يشتري الواجد الواحد بمفرده، ثم له أن يُشرك غيره في الثواب وإسقاط الطلب فقط.

. أن يكون الإشراك في الثواب من الرجل لأهل بيته ممن يسكنون معه، أو ممن ينفق عليهم وجوبا أو تطوعا فقط.

. ألا يكون الإشراك في الأجر للأجانب مطلقا.

قال مالك: يجزئ الرأس الواحد من الإبل أو البقر أو الغنم عن واحد, وعن أهل البيت وإن كثر عددهم، وكانوا أكثر من سبعة، إذا أشركهم فيها تطوعا، ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشركة، ولا عن أجنبيين فصاعدا.

وقال مالك في الموطإ: باب ما يكره من الشرك في النسك 1378 - عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يشترك في النسك ".

ثم قال مالك: أحسن ما سمعت في البدنة والبقرة والشاة الواحدة، أن الرجل ينحر عنه، وعن أهل بيته البدنة , ويذبح عنهم البقرة , أوالشاة الواحدة وهو يملكها، أويذبحها، ويشركهم فيها، فأما أن يشتري الرجل البدنة أو البقرة ثم يشترك فيها هو وجماعة من الناس يوم الأضحى يخرج كل رجل منهم حصته من ثمنها , ويكون له حصته من لحمها، فإن ذلك يكره , وإنما سمعت الحديث: أنه لا يشترك في شئ من ذلك وإنما يكون ذلك على أهل البيت الواحد".

قال مالك:" وسمعت بعض أهل العلم يقول: لا يشترك الرجل وامرأته إذا هو أصابها وهو محرم في بدنة واحدة، ليهد كل واحد منهما بدنة بدنة ".

وصح عن محمد بن سيرين: لا أعلم دما واحدا يراق عن أكثر من واحد".

قال ابن حزم:" وصح من طريق ابن أبي شيبة عن أبي معاوية عن مسعر بن كدام عن حماد بن أبي سليمان: لا تكون ذكاةُ نفسٍ عن نفسيْن"، وكرهه الحكم ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثالثة: القول الثالث: أن التضحية إنما تكون عن النفس والزوجة والقُصَّر من أهل البيت فقط، حاشا الإبل والبقر فيصح فيهما التشارك:

وهو قول الجمهور، قالوا: وأهل البيت هم الأسرة، الزوجة والأولاد القُصّر، وربما حتى الوالدان إن كانا يقيمان معه وتحت ولايته، وأما الولد البالغ القادر، أو الزوجة الموسر، أو الواجدون فإنما يضحي كل أحد بعينه عن نفسه، ولا يصح التشارك بين هؤلاء، ولا غيرهم أصلا، في الضأن ومثيله، لكن يشتركون في الإبل والبقر.

قالوا: يضحي إن شاء ببدنة وهي الأفضل وإن شاء ببقرة، وإن شاء بضأن أو أكثر.

وهو قول عبد الله ابن المبارك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وزفر بن الهذيل والحسن بن زياد والثوري والأوزاعي, والشافعي, وأحمد, وإسحاق, وأبي ثور, وداود الظاهري وغيرهم.

. ثم اختلف هؤلاء في التشارك في الإبل مع عشرة فنازلا، بعد أن اتفقوا أن البقر يتشارك فيها سبعة فنازلا:

واستدلوا إضافة لما سبق، بما يلي:

الدليل الأول: في التضحية عن القُصّر من أهل البيت:

قال ابن ماجه في سننه باب من ضحى بشاة عن أهله 3147 - حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا ابن أبي فديك حدثني الضحاك بن عثمان عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، ثم تباهى الناس، فصار كما ترى".

ولأهل البيت الواحد أن يضحوا بأكثر من أضحية من غير اشتراك:

الدليل الثاني: خرج ابن ماجه عن بيان عن الشعبي عن أبي سريحة قال: حملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة، كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين، والآن يبخلنا جيراننا [يقولون: إنه ليس عليه أضحية]".

الدليل الثالث: تضحية الرجل عن جميع أهله:

 وخرج البخاري 7210 وأحمد والحاكم (4/255) وصححه هو والذهبي عن زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير فمسح رأسه ودعا له قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله».

الدليل الرابع: إلزام كل أهل بيت بأضحية وعتيرة:

روى عبد الرزاق، 8159 – عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم عن حبيب بن مخنف عن أبيه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وهو يقول: «هل تعرفونها؟» قال: فلا أدري ما رجعوا عليه قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على كل أهل بيت أن يذبحوا شاة في كل رجب، وفي كل أضحى شاة»،

معل بضعف عبد الكريم وجهالة حبيب بن مخنف وقد توبع من أبي رملة وهو مثله.

ورواه ابن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعرفة: "إن على كل أهل بيت في كل عام أضحى وعتيرة, أتدرون ما العتيرة هي التي يسميها الناس الرجبية" .

الدليل الخامس: الأضحية بالجذعة عن أهل البيت:

خرج أبو عوانة في مستخرجه الصحيح 7805 والطبراني في الشاميين 2817 عن معاوية بن سلام حدثني يحيى (ابن أبي كثيربي أ) حدثني بعجة بن عبد الله أن عقبة أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قسم ضحايا بين أصحابه، فصار لي منها جذعة، فقلت: يا رسول الله، صارت لي جذعة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضح بها»

تابعه هشام بن أبي عبد الله وعلي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن بعجة الجهني عن عقبة بن عامر به.

ورواه عبد الرزاق،8153 - عن الأسلمي عن أبي جابر البياضي عن ابن المسيب عن عقبة بن عامر قال: قسمنا النبي صلى الله عليه وسلم غنما فصار لي منها جذع، فضحيت به عن أهل بيتي، ثم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قد أجزأ عنكم»

ثم روى عبد الرزاق عن الأسلمي، عن يونس بن سيف، عن ابن المسيب قال: ما كنا نعرف إلا بذاك حتى خالطنا أهل العراق يقول: «كان أهل البيت يضحون بالشاة فضحوا هم عن كل واحد شاة»

الدليل السادس: وفيه التضحية عن الأولاد ولو كبارا، إذا كانوا تحته أو عاجزين: 

رواه عبد الرزاق: 8136 أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: «أنه كان لا يضحي عن حبل، ولكن كان يضحي عن ولده الصغار والكبار، ويعق عن ولده كلهم»،

وربما قال بعضهم بمشروعية التضحية عن الكبار من الأولاد وأهل البيت، إن كانوا عاجزين عن طريق إشراكهم في الثواب ورفع الطلب كما عند المالكية فقط.

وروى القاسم عن خالته عائشة قال: «كانت تذبح عن نفسها شاة بمنى، ولا تذبح عنا»

هذا عن الضأن، وأما التشارك في الإبل والبقر فبيانهما في:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: ما ورد في التضحية بالإبل والبقر عن أهل البيت:

المطلب الأول: عدد المتشاركين:

ذهب أكثر هؤلاء إلى جواز التشارك بين سبعة، البقر والإبل سواء، وقيل الإبل عشرة كما في بعض الروايات، والأول أصح:

القول الأول: من قال سبعة فيهما معا:

واستدلوا بأحاديث الرخصة في الاشتراك في الجزور والبقرة عن سبعة، قالوا: فلو كانت الشاة تجزئ في الاشتراك لذُكرت ولَأَجْزأت، بدلا من تكلف الاشتراك في الجزور والبقرة:

قال الطحاوي:" وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الباب الذي قبل هذا, أن رجلا قال له: إن علي ناقة وقد غربت عني , فأمره أن يجعل مكانها سبعا من الغنم فدل ذلك على ما ذكرنا أيضا ".

الدليل الأول: حديث جابر:

خرج مسلم 1318 من طرق عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: «حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة» [فقال رجل لجابر: أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور؟ قال:" ما هي إلا من البدن، وحضر جابر الحديبية، قال: نحرنا يومئذ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة في بدنة"

حديث جابر له طرق كثيرة متواترة عنه بهذا اللفظ، وشذ من روى عنه عشرة في البدنة.

الدليل الثاني صح من طرق كثيرة عن أنس رضي الله عنه قال: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشتركون سبعة في البدنة من الإبل , والسبعة في البدنة من البقر»

الدليل الثالث: خرج ابن حزم عن ابن أبي شيبة في مسنده قال: نا عبد الله بن نمير نا مجالد عن الشعبي قال: سألت ابن عمر عن البقرة والبعير تجزئ عن سبعة؟ فقال: كيفولها سبعة أنفس!، قلت: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين بالكوفة أفتوني فقالوا: نعم، قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر", فقال ابن عمر: ما شعرت ".

تابعه أحمد (5/409) عن عبد الواحد بن زياد ثنا مجالد بن سعيد حدثني الشعبي قال: سألت بن عمر قلت الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة؟ قال: قال: يا شعبي، ولها سبعة أنفس قال قلت: أن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور والبقرة عن سبعة قال: فقال بن عمر لرجل: أكذاك يا فلان؟ قال نعم، قال:" ما شعرت بهذا ".

ثم تراجع ابن عمر إلى القول بالإجزاء في التشارك فيها بعد أن كان يمنعه مطلقا، مما يدل على أن الأصل عدم التشارك.

الدليل الرابع: خرج ابن حزم (7/382) عن ابن أبي شيبة نا محمد بن فضيل عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: أدركت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون كانوا يذبحون البقرة والبعير عن سبعة ".

الدليل الخامس: ومن طريق وكيع عن سفيان عن حماد عن إبراهيم قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: البقرة, والجزور، عن سبعة ".

قالوا: وهي أدلة عامة في نسك الحج والأضحية، لا كما زعمت المالكية من حملها على النسك فقط.

دليل سادس: اشتراك السبعة في ذبح الأضحية، وبيان كيف يمسكونها:

خرج أحمد 3/ 424 والحاكم 4/ 231 وابن أبي عاصم في الآحاد 1384 عن الحوطي بقية بن الوليد ثنا عثمان بن زفر ثني أبو الأسد السلمي عن أبيه عن جده قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فجمع كل رجل منا درهما فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا: يا رسول الله لقد أغلينا بها. قال: «إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنا وأنفسها» قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل، ورجل برجل، ورجل بيد، ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع وكبروا عليها جميعا "

عثمان بن زفر هو الدمشقي وفيه جهالة. وقال عنه معمر:" من أهل الخير والصلاح إن شاء الله "

وقال الهيثمي:" وأبو الأسد لم أجد من وثقه ولا جرحه وكذلك أبوه وقيل : إن جده عمرو بن عبسة ".

الدليل السابع: قال الضبي في أخبار القضاة وحَدَّثَنَا حمزة:حَدَّثَنَا يحيى بْن نصر: حَدَّثَنَا ابن شُبْرُمَةَ قَالَ: أتيت منزل الشعبي وكان رجلاً غيوراً فخرج علي عليه ملاءة مورسة فقلت: يا أبا عَمْرو أَخْبَرَنِي عَن قول ابن  عُمَر: لا تجزي نفس إِلَّا عَن نفس".

وعن قول عَائِشَة وابْن عَبَّاس وغيرهما: البقرة عَن سبعة والجزور عَن سبعة" أتجزئ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فخرجت من بيته امرأة ضريرة أو تعشو كأنه يعرفها فَقَالَ: لأن أتصدق على هذه وذواتها بدرهمين أو ثلاثة أحب إِلَيّ من أن أضحى عَن بعض أهلي".

الدليل الثامن: خرج الطحاوي (4/175) عن يوسف بن عدي قال: ثنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن علي ناقة وقد غربت عني، فقال: «اشتر سبعا من الغنم».

فجعل سبعة من الغنم تعدل إبلا مطلقا. قال الطحاوي:" أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما عدلها بسبع من الغنم , مما يجزئ كل واحدة منهن عن رجل , ولم يعدلها بعشر من الغنم. فدل ذلك على تصحيح ما روى جابر رضي الله عنه في ذلك، لا ما روى المسور ...". كما سيأتي في:

القول الثاني: من قال بالتخيير بين سبعة أو عشرة:

الدليل الأول: رواه ابن حبان في الصحيح (4821) عن غندر: حدثنا شعبة عن سفيان الثوري عن أبيه عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجعل في قسم الغنائم عشرا من الشاء ببعير»، قال شعبة: وأكبر علمي أني سمعته من سعيد بن مسروق، وقال غندر: وقد سمعته من سفيان .

وكذلك خرجه النسائي 4297 عن زائدة عن سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة بن رافع، عن رافع بن خديج نحوه.

قال أبو حاتم: «في هذا الخبر دليل على أن البدنة تقوم عن عشرة إذا نحرت»

لكنه قد يكون في قسمة الغنائم من غير تعدية للهدي والأضاحي والله أعلم.

وفي الباب شواهد أخرى:

دليل أو الدليل الثاني: ورد من ثلاثة أوجه:

أ: رواه أحمد وغيره عن الحسن بن يحيى وغيره عن الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر النحر، فذبحنا البقرة عن سبعة، والبعير عن عشرة"، الحسن بن يحيى فيه كلام،

ب: وقد رواه الحسين بن الحريث بالشك، وقيل بالتخيير وكأنه وارد:

خرجه ابن حبان في الصحيح 4007 عن الحسين بن حريث: حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر النحر، فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي البعير سبعة أو عشرة ".

ج: الاختلاف صادر عن ابن واقد ففيه لين، وقد رواه عنه ابن شقيق بإسقاط علباء:

خرجه الحاكم 4/230 من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن واقد عن عكرمة عن ابن عباس به.

دليل ثالث: في التضحية بالعشرة: روى محمد بن إسحاق عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت , وساق معه الهدي , وكان الهدي سبعين بدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، وكانت كل بدنة عن عشرة ". ابن إسحاق مدلس.

دليل رابع: رواه أبو الجمل اليماني أيوب عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجزور في الأضحى عن عشرة».

دليل خامس: خرجه الحاكم (4/256) عن الليث بن سعد عن إسحاق بن بزرج عن زيد بن الحسن بن علي عن أبيه رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمن ما نجد، البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة، وأن نظهر التكبير وعلينا السكينة والوقار»

قال الحاكم والذهبي:" لولا جهالة إسحاق بن بزرج لحكمت للحديث بالصحة ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: حكم التشارك مع الأجانب:

اختلف هؤلاء في ذلك على قولين:

القول الأول: لا يجزئ التشارك مع الأجانب: لكن بين الأقربين فقط، خاصة إن كانت عدة أسرٍ تسكن معًا في بيت واحد ولو مقسوم:

أ: قال أحمد كما في العلل 1773 حدثنا حسن بن موسى قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق عن سلمة بن كهيل عن حجية عن الشيخ قال زهير والشيخ عندي علي أنه قال:" البقرة عن سبعة من أهل البيت ".

وصدق، فإنه عن علي:

لما روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: الجزور, والبقرة, عن سبعة من أهل البيت لا يدخل معهم من غيرهم      ".

القول الثاني: يصح التشارك بين الأجانب:

روى ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك, وسعيد بن المسيب, والحسن قالوا كلهم: البقرة عن سبعة، والجزور عن سبعة، يشتركون فيها وإن كانوا من غير أهل دار واحدة ".

ولما سبق عن بقية بن الوليد ثنا عثمان بن زفر ثني أبو الأسد السلمي عن أبيه عن جده قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فجمع كل رجل منا درهما فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا: يا رسول الله لقد أغلينا بها. قال: «إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنا وأنفسها... "

قالوا: وما ورد عنه عليه السلام من التضحية عن أمته وأهل بيته هو من خصوصه لرفع الوجوب أو الحرج عن أمته فقط.

قال ابن حزم في المحلى (7/381) :" 984 - مسألة - وجائز ان يشترك في الاضحية الواحدة أي شئ كانت الجماعة من أهل البيت وغيرهم، "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: أفضل الأضاحي، وبيان أجناسها بالترتيب:

1/ يرى مالك وأبو حنيفة والشافعي بأن الأضحية لا تجزئ إلا من الأنعام، واختلفوا في الأفضل:

ومذهب مالك أن الأفضل هي الغنم:

لما روى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى: يا محمد إن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز, وإن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر, وإن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل, ولو علم الله ذبحا هو أفضل منه لفدى به إبراهيم عليه السلام ". وهذا حديث معلول ستأتي علته.

2/ وخالفه الجمهور والشافعي وأبو حنيفة ففضلوا الإبل، فالبقر فالغنم وهو الصحيح:

قالوا: وأن الأفضل للمرء أن ينحر أضحيته بمفرده ولا يتشارك فيها على الترتيب التالي،

3/ أجاز الحسن بن حي وابن حزم وجماعة من الصحابة وغيرهم التضخية بغير الأنعام، خاصة لمن لم يجد سعة، فله أن يضحى ولو بديك.

وذهب جمهور السلف إلى اتباع الترتيب التالي، بداية من الأنعام فما دونها للمعسر:

على ما خرج البخاري 881 ومسلم 850 عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة،

ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة،

ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن،

ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة،

ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

وهذا الحديث من باب التشبيه التمثيلي لجملة بأخرى: بحيث يكون فيه وجه الشبه منتزعا من متعدد، من غير أن يحتاح ذهن السامع فيه إلى كثرة التأمل أو ثقب التفكير للانتقال من المشبّه إلى المشبّه به، وسواء أكان التشبيه حسيّاً أم غير حسيّ، وهذا الاستنباط لا يعقله الحمقى ولا المغفلون..، فتراهم يتعجبون من استدلال الأئمة بهذا الحديث:

ولذلك استدل بهذا الحديث جماهير السلف على ترتيب الأفضلية في نحر الأنعام، أخذا من المشبه به، والذي يكون حكمه معلوما بين أركان التشبيه، بل هو أصل بنفسه في الاستدلال، وهو ما لا يفقهه الجهلة المنكرون.

فقد قال الحافظ ابن رجب في شرح هذا الحديث من كتابه في فتح الباري:" يدل على أن أفضل ما يتقرب به من الهدايا البدن ، ثم البقر ، ثم الغنم ، وهو قول الجمهور ، خلافاً لمالكٍ"،

وقال النووي في شرح مسلم عن هذا الحديث:" وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الإبل وجعل البقرة في الدرجة الثانية وقد أجمع العلماء على أن الإبل أفضل من البقر في الهدايا واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا ...".

وقد بوب عليه الطحاوي في مشكل الآثار (7/17) باب بيان مشكل ما روي في البدن، أمن الإبل هي خاصة أم من الإبل ومن البقر جميعا؟ ثم قال:" فكان فيما روينا في هذا الفصل من هذا الباب ما قد دلنا على أن البدن خلاف البقر لتمييز رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها في الأسماء , وفي الثواب عليها , وإن كان كل صنف منها يجزئ مما يجزئ من الصنف الآخر لا لأنها كلها بدن ولكن لأن البدن هي البدن المعقولة من الإبل والبقر يجزئ مما يجزئ منها لا لأنها بدن , والله نسأله التوفيق ".

وقال أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي في الاستذكار من كتاب الأضاحي:" وقد ذكرنا اختلافهم في الأفضل من الإبل والبقر والغنم في الهدايا والضحايا عند قوله في كتاب الصلاة من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، بما أغنى عن إعادته ها هنا ".

وقال في الاستذكار (2/10) من كتاب الصلاة:" وقد استدل الشافعي وأصحابه بحديث هذا الباب في تفضيل البدن على البقر والبقر على الضأن في الضحايا والهدايا، وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء ".

ثم قال ابن عبد البر:" ومن حجة من ذهب إلى هذا حديث هذا الباب وما كان مثله في تقديم البدن في الفضل مما يتقرب به إلى الله قوله فكأنما قرب بدنة ثم بقرة ثم كبشا حتى الدجاجة والبيضة، وإجماعهم على أن أفضل الهدايا الإبل، فكان هذا الإجماع يقضي على ما اختلفوا فيه من الضحايا، لأنها نسكان: شريعة وقربان، وقد قالوا أيضا {ما استيسر من الهدي} شاة فدل على نقصان ذلك عن مرتبة ما هو أعلى منه، وقد سئل رسول الله عن أفضل الرقاب؟ فقال: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها، ومعلوم أن الإبل أنفس وأغلى عند الناس من الغنم ...".

وهذا الحديث في الرقاب، فتقاس عليه الأنعام أيضا،

وقد خرجه ابن أبي عاصم 1384 - حدثنا الحوطي، ثنا بقية بن الوليد، عن عثمان بن زفر، عن أبي الأسد السلمي، عن أبيه، عن جده قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فجمع كل رجل منا درهما فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا: يا رسول الله لقد أغلينا بها. قال: «إن أفضل الضحايا أغلاها ثمنا وأنفسها» قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل، ورجل برجل، ورجل بيد، ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع وكبروا عليها جميعا "

وحتى المالكية الذين فضلوا الكباش على الإبل والبقر، قد حملوا الحديث التشبيهي السابق على الهدي، وليس الأضحية، كما قال ابن رشد،

ثم قالوا: ويستحب في الكبش أن يكون سمينا أقرن أملح أبيض غالبا، والكبشان أفضل من الكبش، ولم تصح زيادة موجوءين ولا جذعين كما بينا. 

كما أنه يصح لغير الواجد التضحية بغير الأنعام للحديث السابق، ومن زعم من حمقى المتأخرين أن الاستدلال بهذا الحديث على ذبح الدجاج خاصة للمعسر، فليعلم أنه هو الأحمق الجاهل باللغة وكلام السلف:  

2/ فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ضحى بديك. ذكره الحافظ وغيره.

3/ وكذلك صح عن بلال  بلال مثله:

قال ابن عبد البر في الاستذكار (5/206) :" وهذا نحو فعل بلال فيما نقل عنه أنه ضحى بديك ".

روى الدارقطني في المختلف من ترجمة عمران: عن ابن مهدي عن الثوري عن عمران.

ورواه عبد الرزاق 8156 عن الثوري عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة قال: سمعت بلالا يقول: «ما أبالي لو ضحيت بديك، [قال – في رواية ابن مهدي-: وقال سويد] ولأن أتصدق بثمنها على يتيم أو مغبر أحب إلي من أن أضحي بها» قال (في رواية عبد الرزواق): فلا أدري أسويد قاله من قبل نفسه أو هو من قول بلال".

يعني لا أدري من قال الجزء الثاني :" ولأن أتصدق بها..."، كما بينته رواية ابن مهدي عن ثوري.

وقد تابعه ابن الأحوص عن عمران عن سويد بن غفلة قال: قال لي بلال: ما كنت أبالي لو ضحيت بديك، ولأن آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين أحب إلي من أن أضحي ". ولم يشك، وجل الكلام كله من كلام بلال.

خرجه عنه ابن حزم في المحلى (7/358) عن سعيد بن منصور في سننه عن أبي الأحوص أنا عمران بن مسلم الجعفي عن سويد بن غفلة قال: قال لي بلال: ما كنت أبالي لو ضحيت بديك، ولأن آخذ ثمن الأضحية فأتصدق به على مسكين مقتر أحب إلي من أن أضحي".

وهذا أثر صحيح، وعمرَان بن مُسلم شخصان في هذه الطبقة، أحدهما الجعفي الثقة صاحب سويد الراوي هنا، وهو معروف الرواية عن سويد بن غفلة كما في هذه الرواية.

والثاني هو ابن رياح الثقفي الكوفي أيضا، وهو ثقة أيضا، وإن زعم ابن حجر أنه مقبول لجهالته، فقد عرفه غيره ووثقوه، فقد وثقه ابن حبان، وكذلك ذكر ابن أبي حاتم عن يحي بن معين أنه قال عنه: ثقة.

وقال الفسوي في تاريخه عن الراوي هنا: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان عن عمران بن مسلم، لا بأس به"،

وقال عن الآخر: وقال: حدثنا سفيان عن عمران بن مسلم الجعفي ثقة كوفي.

وكذلك وثقه البزار، فقد خرج له حديثا عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة عن بلال، ثم قال: وعمران بن مسلم وسويد بن غفلة يستغنى عن ذكرهما لشهرتهما"،

وقال ابن حزم عن إسناد رواه سفيان عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة. قال:" (1/ 60) إسناده في غاية الصحة".

ومما يؤكد أنه الجعفي الثقة الكبير ما قاله ابن ماكولا في الإكمال من ترجمة:"  عمران بن مسلم بن رياح الثقفى الكوفى، قال عنه:" يروى عن عبد الله بن معقل وعلى بن عمارة، وليس يروى عن سويد بن غفلة "،

وهذا يعني أن الجعفي هو الذي يروي عن سويد بن غفلة، فقد ذكروا في ترجمته أنه من الرواة عنه.

وقبح الله جهولا ينسب الجهل لأصحاب رسول الله؟!.

4/  قال السهيلي في الروض الأنف:" وَأَمّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إبَاحَةِ الْخَيْلِ فَصَحِيحٌ وَيُعَضّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ أَنّهَا قَالَتْ ضَحّيْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِفَرَسِ ".

وذكر السهيلي عن أسماء قالت: "ضحينا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيل"

ومن لم يجد اشترى لحما:

5/ وقال عكرمة بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري له بهما لحما وقال:" من لقيت فقل هذه أضحية بن عباس ".

وروى عبد الرزاق 8146 - عن الثوري، عن أبي معشر، قال أبو بكر: وقد سمعته من أبي معشر، عن رجل مولى لابن عباس قال: أرسلني ابن عباس أشتري له لحما بدرهمين، وقال: «قل هذه ضحية ابن عباس»، بُين المبهم:

فقد رواه ابن حزم عن وكيع نا أبو معشر المديني عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه أعطى مولى له درهمين وقال: اشتر بهما لحما ومن لقيك فقل: هذه أضحية ابن عباس ".

6/ كما استدلوا بالعِدل في نسك الحج، وأنه يكون بكل حيوان مثيل كما هو معروف، والحج علاقته بالأضحية كبيرة.

قال ابن حزم:" والأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع, أو طائر, كالفرس, والإبل, وبقر الوحش, والديك, وسائر الطير والحيوان الحلال أكله".

قال:" والحسن بن حي يجيز الأضحية ببقرة وحشية، عن سبعة, وبالظبي أو الغزال، عن واحد ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الرابع: شروط الأضحية المجتمع عليها والمختلف فيها:

المطلب الأول: في شروط الأضحية المجتمع عليها:

أما المجتمع عليها فهي الأربعة المذكورة في حديث البراء:

1/ ألا تكون عرجاء بينة العرج أو الكسر، مشت أو لم تمش،إلا إذا حدث لها عيب، بعدما بلغت المنسك أو مكان المذبح عند مشتريها.

2/ أن لا تكون مريضة بينة المرض أو الجرب، وسائر الأمراض البينة.

 فإن كان ذلك مختفيا لا يَبِينُ أجزأت.

3/ ألا تكون عجفاء هزيلة رقيقة لا تنْقَى، أي لا شحم فيها، والنقي هو الشحم، أو من أنقى إذا صار ذا نقي، أي: ذا مخ، فالمعنى: التي ما بقي لها مخ من غاية العجف. قاله السندي.

4/ ألّا يكون في عينيها شيء ظاهر من النقص أو العور أو المرض.

وهذه الأربعة في حديث البراء متفق عليها، كما قال ابن عبد البر في الاستذكار :" أما العيوب الأربعة المذكورة في هذا الحديث فمجتمع عليها لا أعلم خلافا بين العلماء فيها ومعلوم أن ما كان في معناها داخل فيها فإذا كانت العلة في ذلك قائمة آلا ترى أن العوراء إذا لم تجز في الضحايا فالعمياء أحرى ألا تجوز وإذا لم تجز العرجاء فالمقطوعة الرجل أحرى ألا تجوز وكذلك ما كان مثل ذلك كله ".

قال:" وفي هذا الحديث دليل على أن المرض الخفيف يجوز في الضحايا والعرج الخفيف الذي تلحق به الشاة في الغنم لقوله:" البين مرضها والبين ظلعها"، وكذلك النقطة في العين إذا كانت يسيرة لقوله العوراء البين عورها وكذلك المهزولة التي ليست بغاية في الهزال ".

5/ ويدخل في ذلك ألا يُتشارَكَ في ثمن الضأن، بل يضحي الواجد عن نفسه وعياله أهل بيته، بماله الخاص، لا تشاركه حتى زوجته فيها كما سنبين.

المطلب الثاني: الشروط المختلف فيها:

فمنها شروط راجحة معتبرة، وأخرى مرجوحة غير مطلوبة:

المسألة الأولى: الشروط الراجحة المعتبرة:

1/ ألّا تكون بتراء: بمعنى لا قطع في أحد أعضائها، لا في أذنها كما قال الجمهور، ولا في أحد أعضائها، لا في ذيلها ولا إليتها ولا رجلها ولا غير ذلك على الأرجح، لعموم النهي عن " البتراء"، على خلاف في حدّ البتر، وفي السكاء التي خلقت بلا أذن أو عضو معين.

2/ ألا تكون خرقاء: والخرق هو الثقب النافذ من جهة إلى أخرى في العضو، خاصة الخرق العمد في الأذن.

ويدخل في ذلك من كان فيها خرق في رجلها لعموم الحديث " ولا خرقاء".

3/ ألا تكون الأضحية جذعة، بل ثنية فصاعدا لعموم الحديث الصحيح:"لا تذبحوا إلا مسنة ..." كما سنبين على الصحيح.

المسألة الثانية: الشروط المرجوحة الغير المعتبرة: على الصحيح والله أعلم، وهي:

1/ ألا تكون مستأصلة، وهي مكسورة القرن، ثم اختلف هؤلاء في حجم الكسر، وكأن الأرجح أن كسر القرن أو السنّ لا يدخل في حكم البتر كما سنبين، وبالتالي تصح المكسورة والله أعلم.

وكذلك مكسورة السن تجزئ، إلا أن يكون الكسر بسبب مرض، فلا تجزئ كما قالت المالكية.

لحديث سلمة عن حجية قال: "كنا عند علي فأتاه رجل فقال: البقرة. قال: عن سبعة. قال: مكسورة القرن؟ قال: لا يضيرك. قال: العرجاء. قال: إذا بلغت المنسك أمرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن".

2/ اشترط مالك وغيره أن تكون من بهيمة الأنعام كما بينا، وهو الأفضل، والقول الصحيح هو الجواز بكل حيوان مباح، خاصة في حالة الإعسار، وغلاء الأسعار..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الخامس: أدلة الشروط السابقة: 

المطلب الأول: أدلة الشروط الأربعة الأولى المجتمع عليها:

الدليل الأول: حديث البراء:

خرجه ابن الجارود في المنتقى (907) وابن خزيمة في الصحيح (2912) والترمذي وصححه وابن ماجه 3144 عن شعبة سمعت سليمان بن عبد الرحمن سمعت عبيد بن فيروز قال: قلت للبراء بن عازب: حدثني بما كره أو نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا بيده، ويدي أقصر من يده :" أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي".

قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص، أو في القرن نقص، أو في الأذن نقص! قال: فما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد ".

بينما خرجه الحاكم (4/248) عن أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن عبد الله بن عامر عن يزيد بن أبي حبيب عن البراء بن عازب، رضي الله عنه أن رجلا قال له: إنا نكره النقص في القرون والأذن، فقال له البراء: اكره لنفسك ما شئت ولا تحرمه على الناس. قال البراء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربع لا يجزي في الضحايا: العوراء البين عورها، والمكسورة بعض قوائمها بين كسرها، والمريضة بين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى".

وهذا بلفظ المكسورة مما يتفرد به أيوب بن سويد وفيه ضعف، واللفظ الأول أصح.

وفي إجازة الصحابي للنقص في الأُذن وسائر الأعضاء، إنما هو محمول على صغر الأذن أو العضو خِلقة فتجزئ به الأضحية، بخلاف بترها أو ثقبها بفعل طارئ فلا تجزئ به الأضحية.

قال ابن خزيمة:" ... إذ النبي صلى الله عليه وسلم لما أعلم أن أربعا لا تجزئ، دلهم بهذا القول أن ما سوى ذلك الأربع جائز ".

وقال ابن حزم :" ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فإنها تجزي به الأضحية كالخصي, وكسر القرن دمي, أو لم يدم، والهتماء (المكسورة السن)، والمقطوعة الألية, وغير ذلك، لا تحاش شيئا غير ما ذكرنا ".

وأما بقية الأدلة فهي موجودة أيضا في المطالب التالية:

المطلب الثاني: أدلة الشروط الراجحة المعتبرة:

المسألة الأولى: ألا تكون بتراء ولا شرقاء ولا سكاء، ولا خرقاء:

فالخرقاء التي لها ثقب نافذ فيها خاصة في أذنها، وأما السكاء، فهي المخلوقة بغير أذن، وقد منع منها مالك،

وأما البتراء: فهي الشرقاء المقطوعة،

ثم اختلف هؤلاء في أمرين:

أولاهما:  في تعيين العضو المبتور، والثاني: في حد البتر الذي لا تجزئ به الأضحية:

فأما تعيين العضو المبتور الذي لا تجزئ به الأضحية:

القول الأول: ألا تكون بتراء الأذن: قاله ابن حزم وجماعة، لأن الله ذم المشركين في تبكيت آذان الأنعام وجعل ذلك من فعل الشيطان، فقال:{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}[النساء 119]

القول الثاني: والأرجح عدم إجزاء المبتورة في أي عضو من أعضائها الأصلية مطلقا، سواء في ذيلها أو إليتها أو لسانها أو جدعاء في أنفها أو في غير ذلك على الأرجح عند الجمهور، لعموم النهي عن " البتراء ، ولا يدخل في ذلك الإخصاء، 

وقيل: لا يحزئ كل بتر، ولو كان في العضو الزائد

وقد عمم المالكية والحنفية والشافعية كل بتر في الأعضاء الأصلية،

وأما الأمر الثاني: فهو الاختلاف في حد البتر:

ثم اختلفوا في حد البتر بين الثلث كما عند المالكية، وبين النصف والربع كما هو مذهب الحنفية، ولم يُجز مالك والشافعي من خُلقت بغير أذن وهي السكاء. 

وإذ لا يوجد نص صريح على حد البتر، فالصحيح مذهب الشافعية في اشتراط عدم البتر مطلقا في أي عضو، مهما كان حجم العضو المبتور، فكل بتر طبيعي أو عمدي فهو مانع من إجزاء الأضحية.

قال الطحاوي:" فالمقطوعة الأذن أحرى أن لا تجزئ. وكذلك في النظر عندنا، كل عضو قطع من شاة، مثل ضرعها أو أليتها، فذلك يمنع أن يضحى بها إذا قطع بكماله".

ثم نقل اختلاف أصحابه في حجم القطع فقال:" فأما إذا قطع بعضه، فإن أصحابنا رحمهم الله يختلفون في ذلك " أي بين الربع والنصف.

ومن الدليل على عموم النهي عن كل بتراء مطلقا حديث علي لكنهم اختلفوا عنه في السند والرفع:

الدليل الأول: حديث حجية عنه، وفيه التركيز على سلامة العين والأذن:

رواه ثلاثة أئمة عن حجية:

قال ابن ماجه في سننه 3143 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ".

وخرجه الحاكم (1/640) وصححه عن شعبة أن سلمة بن كهيل أخبره قال: سمعت حجية بن علي الكندي، يقول: سمعت عليا، رضي الله عنه، يقول: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن»

وخرج الحاكم عن وهب بن جرير ثنا أبي عن أبي إسحاق الهمداني عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي أن رجلا سأل عليا رضي الله عنه عن البقرة، فقال: عن سبعة. قال: القرن، قال: العرج قال: إذا بلغت المناسك، قال: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستشرف العين والأذن»

وهو مبين في لفظ:" قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْبَقَرَةِ , فَقَالَ: عَنْ سَبْعَةٍ , فَقَالَ: الْقَرْنُ قَالَ: لَا يَضُرُّكُ قَالَ: الْعَرَجُ قَالَ: إِذَا بَلَغَتِ الْمَنْسَكَ قَالَ: «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ»

وكذلك خرجه ابن حبان في صحيحه 5920وابن خزيمة في صحيحه، والضياء في المختارة مع تصحيح الحاكم والترمذي، لكن فيه حجية فيه اختلاف والأكصرون على توثيقه، وقد قال الحاكم:" هذه الأسانيد كلها صحيحة ولم يحتجا بحجية ابن عدي وهو من كبار أصحاب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه "، وقد توبع:

دليل ثاني: وفيه استشراف العين والأذن فصاعدا إلى كل الأعضاء الظاهرة:

خرج الطبراني في الأوسط (7973) وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائده على المسند (1/132) عن محمد بن بكار عن أبي وكيع عن أبي إسحاق الهمداني عن هبيرة بن يريم عن علي بن أبي طالب، قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن فصاعدا ".

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق عن هبيرة إلا أبو وكيع تفرد به محمد بن بكار، ورواه الناس عن أبي إسحاق عن شريح بن النعمان".

يعني كأنه من أوهام ابن بكار، لمخالفة الثقات له كما في: 

الدليل الثالث: حديث أبي إسحاق عن شريح في ترك البتراء والخرقاء مطلقا:

وقد اختلفوا فيه على أبي إسحاق:

فخرج الترمذي 1498 وصححه، والحاكم (4/249) وصححه والنسائي عن إسرائيل وزكريا بن أبي زائدة وشريك عن أبي إسحاق السبيعي عن / شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة, ولا بمدابرة, ولا بتراء, ولا خرقاء".

وكذلك خرج أبو داود عن زهير بن معاوية نا أبو إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان وكان رجل صدق عن علي بن أبي طالب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين, والأذن, ولا نضحي بعوراء, ولا مقابلة, ولا مدابرة, ولا خرقاء, ولا شرقاء ". قال زهير: قلت لأبي إسحاق: ما المقابلة؟ قال: تقطع طرف الأذن, قلت: فما المدابرة؟ قال تقطع مؤخر الأذن, قلت: فما الشرقاء؟ قال: تشق الأذن, قلت: فما الخرقاء قال: تخرق أذنها السمة "،

وفي رواية قال: المقابلة ما قطع طرف أذنها، والمدابرة ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء المشقوقة، والخرقاء المثقوبة ".

هكذا رواه الجماعة عن أبي إسحاق عن شريح، لكن لم يسمعه أبو إسحاق عن شريح، بينهما سعيد بن الأشوع وهو ثقة، على ما رواه قيس بن الربيع بزيادته:

قال الدارقطني في العلل: 380 هو حديث يرويه أبو إسحاق السبيعي واختلف عنه فرواه إسرائيل وزهير وزياد بن خيثمة ويونس بن أبي إسحاق وشريك وأبو بكر بن عياش وعلي بن صالح وحديج بن معاوية وغيرهم عن أبي إسحاق عن شريح بن النعمان عن علي، ولم يسمع هذا الحديث أبو إسحاق من شريح ".

خرج ذلك الحاكم والدارقطني عن مظفر بن مدرك نا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق السبيعي عن شريح بن النعمان عن علي بن أبي طالب في الأضاحي قال قيس: قلت لأبي إسحاق: سمعته من شريح قال: حدثني عنه سعيد بن أشوع.

قال الدارقطني:" ورواه الجراح بن الضحاك عن أبي إسحاق عن سعيد بن أشوع عن شريح بن النعمان عن عي مرفوعا وكذلك رواه قيس بن الربيع عن بن أشوع سمعه منه مرفوعا ".

قال: ورواه الثوري عن بن أشوع عن شريح عن علي موقوفا ويشبه أن يكون القول قول الثوري والله أعلم، ثنا الشافعي حدثنا معاذ ثنا مسدد ثنا يحيى عن سفيان حدثني بن أشوع عن شريح بن النعمان قال كنت عند علي فسأله رجل عن الاضحية فقال: لا مدابرة ولا مقابلة ولا شرقاء سليمة العين والأذن ".

وكذلك قال البخاري في التاريخ من ترجمة شريح: قال لنا أبو نعيم وقال وكيع عن سفيان عن سعيد بن أشوع سمعت شريح بن النعمان الصائدي يقول: لا مقابلة ولا مدابرة ولا شرفاء سليمة العين والاذن ". ثم قال:" ولم يثبت رفعه ".

لكن قال أبو حاتم في العلل: رأيت في كتاب عمر بن علي بن أبي بكر الكندي ، عن أبيه ، عن الجراح بن الضحاك الكندي عن أبي إسحاق عن سعيد بن أشوع عن شريح بن النعمان ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وهذا أشبه ".

وهذا المرفوع من هذا الوجه هو الصحيح كما قال أبو حاتم، وسعيد بن أشوع ثقة, وشريح صدوق سمع عن علي، فقد قال عنه تلميذه أبو إسحاق: وكان رجل صدق، وهو أعلم الناس به، ووثقه ابن حبان، فلا يلتفت إلى تجهيله، وكلام الترمذي يشعر بتوثيقه، مع تصحيحه لحديثه، وفي كتاب «المعجم» للمرزباني: كان من خيار أصحاب علي وشهد معه مشاهده كلها"

والحديث صححه من ذكرنا الحاكم والترمذي والضياء والعيني وابن حزم في المحلى (6/11)،.

دليل رابع: أدلة فيها الرخصة بالتضحية بالأبتر، لكن إن طرأ العيب بعد الشراء:

خرج الطحاوي عن أبي عوانة وشريك عن جابر عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اشتريت كبشا لأضحي به , فعدا الذئب عليه , فقطع أليته , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ضح به».

وهذا لم يصح بسبب جابر الجغفي، ثم هو محمول على الرخصة فيمن طرأ عنده العيب، لا من اشترى به أوَّلا كما أسلفنا.

وروى عبد الرزاق (4/386): أخبرنا معمر عن الزهري قال: «إذا اشترى الرجل أضحيته فمرضت عنده، أو عرض لها مرض فهي جائزة».

فإن قيل: روى الحجاج بن أرطاة عن بعض شيوخه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أيضحى بالبتراء قال: لا بأس بها"،

وهذا باطل لم يصح.  

المسألة الثانية: ألا تكون الأضحية جذعة:

لعموم الحديث :"لا تذبحوا إلا مسنة"، أي ثنيا فصاعدا، وهذا ما سنبينه في فصل مستقل لطوله وبالله التوفيق.

المطلب الثالث: الشروط المرجوحة الغيرُ المعتبرةِ على الصحيح:

المسألة الأولى: ترك العضباء المستأصلة القرن:

. خرج ابن خزيمة شهر بن حوشب قال: العضب القرن الداخل ".

وقال أبو زيد: فإن انكسر القرن الخارج، فهو أقصم، والأنثى: قصماء، وإذا انكسر الداخل، فهو أعضب، والأنثى عضباء، قال أبو عبيد: وقد يكون العضب في الأذن أيضا، فأما المعروف، ففي القرن، وهو فيه أكثر، وأما ناقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت تسمى عضباء، فليس من هذا، إنما ذاك اسم لها سميت به".

والمستأصلة: هي مكسورة القرن، واختلفوا في المقدار، فقيل كله، وقيل نصفه أو ربعه أو ثله، وكأن الأرجح أن المستأصلة هي مكسورة القرن مطلقا، وقد اختلفوا في كسره:

المسألة الثانية: ذكر الخلاف في السن أو القرن المكسور (الهتماء والعقصاء والمستأصلة):

الهتماء أو الثرماء مكسورة السن، والمستأصلة والعقصاء، هي مكسورة القرن، وفيهما خلاف:

القول الأول: لا يضر كسر القرن والسن ما لم يضر باللحم أو يغيّره: وهو قول البراء والشافعية والظاهرية وغيرهم، لأنه عضو غير مأكول ولا مهم، ولا به كبير غرض، ما لم يضر باللحم أو يغيّره، ثم هي مثلها مثل الجماء التي لا قرن لها أصلا، فتجزئ، بخلاف الأعضاء اللحمية الأخرى، فإنها إذا نقصت ولو خِلقة لم تجزئ،كما في منْع مالك من السكاء بلا أذن خِلقة:

ولما قاله عبيد قال: قلت للبراء: فإني أكره أن يكون في السن نقص، أو في القرن نقص، أو في الأذن نقص! قال: فما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد ".

وروى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي قال: "كنا عند علي فأتاه رجل فقال: البقرة. قال: عن سبعة. قال: القرن. قال: لا يضيرك. قال: العرجاء. قال: إذا بلغت المنسك أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن".

ورواه حسن بن صالح عن سلمة وفيه قال: "مكسورة القرن، قال: لا يضرك".

وقد مر أن النقص في الأذن هنا محمول على صغر الأذن خِلقة فتجزئ، بخلاف بترها أو عدم وجودها فلا تجزئ.

القول الثاني: المنع من الهتماء مكسورة السن، بينما تصح مكسورة القرن: وهو قول الحنفية.

القول الثالث: قال مالك:"إن كان القرن ذاهبا لا يدمى أجزأت, فإن كان يدمى لم تجز".

القول الرابع: لا تصح العضباء التي ذهب أكثر من نصف قرنها أو أذنها. وهو قول سعيد بن المسيب والحنابلة.

الفرع الأول: أدلة المانعين من المكسور:

دليل أول: حديث عتبة السلمي: فيه جهالة واضطراب، وفيه زيادة النهي عن المستأصلة مكسورة القرن:

حدث به ثور عن الرعيني وهو مجهول العين، واختلفوا عنه في ذكر مستأصلة القرن، كما اختلفوا في السند على وجهين:

1/ رواية عيسى بن يونس عن ثور: رواها عن الرعيني عن [يزيد المصري] عن عتبة الصحابي:

خرجها أبو داود 2803 عن عيسى عن ثور حدثني أبو حميد الرعيني أخبرني يزيد ذو مصر قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت: يا أبا الوليد، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فكرهتها فما تقول؟ قال: أفلا جئتني بها. قلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني. قال: نعم، إنك تشك ولا أشك، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة، والمستأصلة، والبخقاء والمشيعة، وكسرا"، والمصفرة: التي تستأصل أذنها حتى يبدو سماخها، والمستأصلة: التي استؤصل قرنها من أصله، والبخقاء: التي تبخق عينها، والمشيعة: التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا، والكسراء: الكسيرة "

الثرماء التي طاح أو سقط بعض أسنانها، وقيل هِيَ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْ أَسْنَانهَا الثَّنِيَّة وَالرَّبَاعِيَّة.

وقال الخطابي في غريبه:" قوله: المصفرة تفسيره في الحديث أنها المستأصلة الأذن وأراها سميت مصفرة لأن صماخيها قد صفرا من الأذنين أي خلوا يقال صفر الوعاء إذا خلا والعرب تقول نعوذ بالله من صفر الإناء، وقرع الفناء وقد تكون المصفرة الهزيلة التي خلت من السمن، قال: والمشيعة التي لا تزال تتبع الغنم عجفا يريد أنها لا تلحق الغنم فهي أبدا تشيعها أي تكون من وراء القطيع والبخقاء التي بخقت عينها. "

ومن هذا الوجه خرجه الحاكم (4\250) عن عيسى بن يونس ثنا ثور بن يزيد حدثني أبو حميد الرعيني حدثني يزيد بن خالد المصري قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي، فقلت: يا أبا الوليد إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فكرهتها فما تقول؟ قال: أفلا جئتني بها فقلت: سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني؟ قال: نعم إنك تشك ولا أشك إنما «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والنحفاء والمشيعة والكسراء» والمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي أخذ قرنها، والنحفاء التي تنحف عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا، والكسراء الكسير".

قال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وليس كما قال، فقد عللوه بجهالة الرعيني عن يزيد المصري معا، مع الاضطراب في ذكر يزيد رواية كما في:

2/ رواية صدقة وإبراهيم الرؤاسي عن ثور: رواها عن الرعيني عن عتبة الصحابي مباشرة.

قال الحاكم (1\641) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عيسى التنيسي ثنا عمرو بن أبي سلمة ثنا صدقة بن عبد الله الدمشقي عن ثور بن يزيد عن أبي حميد الرعيني قال: كنا جلوسا إلى عتبة بن عبد السلمي فأقبل يزيد ذو مصر المقرائي، فقال لعتبة: يا أبا الوليد، إنا خرجنا آنفا في التماس جدْيِ نُسك، فلم نكد نجد شيئا ينقى، غير أني وجدت ثرماء سمينة، فقال عتبة: فلو ما جئتنا بها، فقال: اللهم غفرا أتجوز عنك، ولا تجوز عني؟ قال: نعم، قال: ولم ذاك؟ قال: إنك تشك ولا أشك، قال: ثم أخرج عتبة يده، فقال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خمس: عن الموصلة، والمُصْفَرّة، والبخقاء، والمُشَيَّعَة، والكِسراء"، قال: والموصلة المستأصلة قرنها، والمصفرة المستأصلة أذنها، والبخقاء البين عورها، والمشيعة المهزولة أو المريضة التي لا تتبع الغنم [عجفا ضعفا]".

وقال البخاري في التاريخ:" وقال لي الصلت بن محمد اخبرني ابراهيم بن حميد الرؤاسى عن ثور عن ابى حميد عن عتبة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والكسير".

دليل ثاني: حديث علي في النهي عن أعضب القرن والأذن والتسوية بين قطع المأكول كاللحم والغير المأكول كالعظم:

1/ قال أبو داود الطيالسي: عن أبي عوانة عن جابر عن عبد الله بن نجي عن علي رضي الله عنه، قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عضباء الأذن والقرن»

جابر الجعفي ضعيف، وابن نجي مثله فيه كلام، ولم يسمع من علي، فيرجع حديثه للتالي:

2/ خرج ابن خزيمة في صحيحه (4\293) والحاكم (1\641) (4\246) وصححه عن شعبة وسعيد عن قتادة قال: سمعت جري بن كليب الزهري يحدث عن علي رضي الله عنه، «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بأعضب القرن والأذن» قال قتادة: فذكرت لسعيد بن المسيب قال: " العضب: النصف فما فوق ذلك ومنها "

لكن ضعفه ابن حزم وغيره بجهالة جري بن كليب، وذكر أنه لم يسمعه عن علي فقال:" ولا يصح, لأنه من طريق جري بن كليب, وليس مشهورا عمن لم يسم، عن علي "

وقال الألباني: إسناده ضعيف لجهالة جري، وفي الحديث الذي قبله ما يشعر بخلاف هذا الحديث فتأمل ".

وجري بن كليب السدوسي البصري، والأرجح أنه نفسه النهدي، وربما وهِم من فرق بينهما، لأنهما في نفس الطبقة والبلدة ونفس الشيوخ، ولا دليل على التفريق بينهما والله أعلم، وفيه لين وجهالة، وقد روى عنه ثلاثة من الثقات أبو إسحاق ويونس بن أبي إسحاق وقتادة وكان يثني عليه،

وإن كان غير النهدي فهو مجهول العين، ولذلك قال أبو حاتم: شيخ لا يحتج بحديثه، وقال علي بن المدني، جري بن كليب مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه غير قتادة، نقله المنذري متعقبا الترمذي وتصحيحه للحديث.

وفي هذا قال الطحاوي في معانيه (4/170) " فإن قال قائل: فأنت لا تكره عضباء القرن, وفي حديث جري بن كليب عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها. قيل له: إنما تركنا ذلك لأن عليا رضي الله عنه لم ير بذلك بأسا فيما قد روينا عنه في حديث حجية بن عدي, فعلمنا بذلك أن عليا رضي الله عنه لم يقل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده ".

وقد ورد أنه لم يسمعه عن علي كما نقلنا عن ابن حزم فبطل الحديث.  وقد خالفه الأوثق فيما سبق وما يلحق:

الفرع الثاني: أدلة المجيزين لكسر العظم:

الدليل الأول: جواز التضحية بالمكسور:

خرجه الترمذي مصححا له عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي عن علي قال: البقرة عن سبعة، قلت: فإن ولدت؟ قال: اذبح ولدها معها، قلت: فالعرجاء، قال: إذا بلغت المنسك، قلت: فمكسورة القرن، قال: لا بأس «أمرنا، أو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينين والأذنين».

وما رواه أحمد عن زهير في حديث علي، قال:" قلت لأبي إسحاق: أذكر عضباء؟ قال: لا ".

الدليل الثاني: ما صح من حديث عبيد: قلت للبراء: فإني أكره أن يكون في السن نقص أو في القرن أو في الأذن نقص قال: فما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد ".

الشرط الثاني: اشترط الجمهور أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام" وقد مر أن ذلك للأفضلية فقط، مع جواز غيرها من الحيوانات.

المسألة الثالثة: أوصاف أخرى لا تضر.

وهي الخصي، واختلف السلف في أفضلية الخصي أو الفحيل، والصواب الفحيل، ولم يصح حديث تضحيته عليه السلام بالخصي الموجوء كما أسلفنا، مع جوازه، والثابت عنه عليه السلام أنه ضحى بكبش أملح أقرن فحيل.  

وتصح الجلالة وهي التي تأكل العذرة، شرط أن يحبسها عن أكلها ثلاثة أيام قبل ذبحها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: سن الأضاحي، وأحكام الجذاع:

المبحث الأول: تأصيل المسألة، ونقل اختلاف السلف في الجذاع:

اتفق المسلمون على عدم إجزاء الجذعان من الماعز، ثم اختلفوا فيما سواها:

كما اختلفوا في تحديد الأضاحي المجزئة، وفي مسألة التضحية بسائر الجذاع من غير الماعز، هل تجزئ أم لا؟،

وعلى قول من قال بالإجزاء، ما هي الأنواع التي تجزئ من عدمها؟

قال القاضي عياض: أجمع العلماء على الأخذ بحديث أبي بردة، وأنه لا يجوز الجذع من المعز، واختلف في الجذع من الضأن "،

1. فذهب جماعة إلى عدم إجزاء الجذعة من الماعز فقط لحديث أبي نيار التالي، ومشروعية سائر الجذاع، قلم يعمموا سبب الحديث، ولا قاسوا جذعان الإبل والبقر على الماعز.

2. وذهب جمهور الحنفية والشافعية والمالكية إلى عدم إجزاء الجذعة في الماعز، ويلتحق بها الإبل والبقر بجامع عدم البلوغ ولا القدرة على الإنزاء -الجماع-، بينما أجازوا الأضحية في العيد بالجذعة من الضأن فقط فصاعدا، لقدرتها على النزو.

والجذعة المجزئة عندهم هي الثني التي بلغت سنة، وقيل سنتين كما سنبين، وقيل سنة في الضأن وسنتان في الماعز.

قال الدردير في الشرح الكبير للمالكية:"وهي بجذع ضأن، وثني معز، وثني بقر وإبل"،

قال الماتن:[ذي سنة] قال الشارح:" راجع لجذع الضأن، وثني المعز، فلا بد من أن يوفى كل منهما سنة، لكن يشترط في ثني المعز أن يدخل في الثانية دخولا بينا كشهر، بخلاف الضأن فيكفي فيه مجرد الدخول"،

واستدل هؤلاء على التفريق لغة وطبيعة، إذ أن بلوغ الضأن هو في مرحلة كونها جذعة، بخلاف غيرها فإنها لا تبلغ ولا تنزو -الجماع- إذا كانت جذاعا. 

قال الإمام ابن الأعرابي: المعز والإبل والبقر لا تضرب فحولها إلا أن تثني، والضأن تضرب فحولها إذا جذعت، قال الحربي: لأنه ينزو من الضأن ويلقح، ولا ينزو إذا كان من المعز".

فكأنهم نظروا إلى الجذع بأنه القوي الملقِّح، فجذع الضأن يُلقح وينزو فيجزئ، وجذع الماعز والبقر والإبل لا يلقح ولا ينزو. 

قال البغوي في شرح السنة (4/329) :" أما الجذع من الضأن فاختلفوا فيه، فذهب أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم إلى جوازه، غير أن بعضهم يشترط أن يكون عظيما "،

وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند الحديث (1963): الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه ".

3. وقال آخرون بعدم إجزاء سائر الجذعان، لا من الضأن ولا من الماعز ولا من غيرهما، لأن العبرة غالبا بالسن، لا بالإنزاء -التلقيح - والقوة، وهو قول ابن عمر وعلي والزهري وعمر بن عبد العزيز والظاهرية ورواية عن أبي حنيفة وجماعة من السلف،

استدلالا بعموم الحديث :"لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ".

وقال عمر بن عبد العزيز: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء ".

وقال البغوي :" وقال الزهري: لا يجوز من الضأن إلا الثني فصاعدا، كالإبل والبقر

ثم اختلف هؤلاء في أمرين:

الأمر الأول: في التضحية بالسن الأصغر من الجذع كالفصيل والجدي:

أ: فأجازه ابن حزم لأن الممنوع هو الجذع فقط،

ب: وقال الأكثرون: لا بد من التضحية بالثني فصاعدا، بدليل الخطاب والمعنى وهو الأرجح.

قالوا: وقد صح في الحديث " لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"

والمسنة: هي الثنية أو الثني من الإبل والبقر والغنم، مما فوق الجذعة فصاعدا، وعلامته ظهور الثنايا المستديمة، بعد سقوط أسنان الحليب كما سنبين.

قال عمر بن عبد العزيز: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء ".

وقال البغوي :" وقال الزهري: لا يجوز من الضأن إلا الثني فصاعدا، كالإبل والبقر

الأمر الثاني: الاختلاف في الذي لم يجد إلا الجذاع:

أ: فمنع من ذلك طائفة مطلقا، ولو في حالة الإعسار، أو عدم الوجدان للثني، وهو قول مرجوح: قال النووي:" وابن عمر والزهري يمنعانه – جذع الضأن - مع وجود غيره، وعدمه ".

ب: وأجازت طائفة أخرى التضحية بالجذع من الضأن إذا أعسر أو لم يجد الثني وما فوقه ترخصا، للحديث :" لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: المقصود بالجذعة المنهي عنها، وبيان سِنّها:

المطلب الأول: تعريف الجذعة:

الجذع في اللغة هو الشاب القوي الفتي البالغ، كما في قول ورقة للنبي عليه السلام:" يا ليتني أكون فيها جذعة فأنصرك".

والجذع الشيء الجديد، قال الأزهري:" والدهر يسمى جذعا؛ لأنه جديد الدهر ".

والجذعة ما قوي من الغنم والأنعام.

ويظهر من هذه التعاريف اللغوية أن العبرة في الإجذاع هي البلوغ والقوة.

وأما الفقهاء فقد اختلفوا في تحديد الجذعة إلى قولين عموما ، إما بناء على البلوغ، أو اعتمادا على السن، ثم اختلفوا في التضحية بها:

القول الأول: أن العبرة بالجذعة هي البلوغ والقوة الحجم والسمن، وبيان علاماته:

وهو قول الجمهور المستدلين باللغة والطبيعة، ففي أول بلوغ الأنعام وطراوة لحمها يُمتنع التضحية بها تعبُّدا حتى تصير مسنةً ثنيةً، بأن تنبث ثناياها على الاستدامة، بعد سقوط أسنان الحليب.

قال أكثرهم: والغنم تجذع سريعا قبل سائر الأنعام، ولذلك تجزئ جذعتها، بخلاف غيرها.

قالوا: ومن علامات الإجذاع ومعايير التحكم فيه:

أ.على حسب السلالة وجنس النعم وقوة الأبوين وانتقال الصفات الوراثية: التي يصير بها الضأن قويا.

ب: أو على حسب السمن: وذلك في حالة توفر الطعام ومواد التسمين، وخصوبة العام، حتى تسمن الجذعة والله أعلم،

ج. النظر إلى الأبوين وتنوع السلالة: حيث يُبكر الإجذاع بالنظر إلى الصفات الوراثية في أبويها، فإن كانا سمينيْن عظيمين، أجذعت باكرا، وإلا فلا.

. وقد يكون الإجذاع بإسقاط مقدم أسنان الحليب، ولو قبل السنة، لكن مع السّمن.

د. الإنزاء والتلقيح: وهو الفحيل، ومن هنا قال بعضهم:" الإجذاع مع إمكانية التلقيح تظهر مبكرا في الغنم ولذلك أجازها الجمهور، بخلاف سائر الجذعان فلا تنزو مبكرا فمنعوها حتى تنزو وتصيرا ثنيا مسنة...

كما مضى عن ابن الأعرابي، وقال: "الإِجْذَاعُ" وقت وليس بسن، فالعناق "تُجْذِعُ" لسنة وربما "أَجْذَعَتْ" قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع "إِجْذَاعُهَا" فهي "جَذَعَةٌ"،

ومن الضأن إذا كان من شابَّين "يُجْذِعُ" لستة أشهر إلى سبعة، وإذا كان من هرمين "أَجْذَعَ" من ثمانية إلى عشرة "

قال الأزهري: فابن الأعرابيّ فرَّق بين المعزى والضأن في الإجذاع، فجعلَ الضأنَ أسرعَ إجذاعاً"،

قال الأزهري: وهذا الذي قاله ابن الأعرابيّ إنما يكون مع خِصب السنة وكثرة اللبن والعُشْب ".

وقال الأزهري: وسمعت المنذرِي يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول في الْجَذَع من الضأن قال: إذا كان ابن شابَّين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر، وإذا كان ابن هَرِمَين أجذعَ لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر".

وقال الأصمعي في الشاء:" فإذا تحرك الجدي، ونبت قرناه فهو عتود، وجمعه عتدان، فإذا أدرك السفاد فهو عريض، وجمعه عرضان، فإذا أتت عليه ثمانية أشهر، أو تسعة أشهر، أو نحوها، قيل قد أجذع، وهو جذع، وهي جذعة".

فاعتد بالعلامات وليس بالسن كما في البشر.

وهذا قول قوي فيه الجمع بين الأقوال المختلفة: فالأصل أن الإجذاع أشبه بالبلوغ، وهو غالبا ما يقع في الضأن من قبيل السنة، إلى طيلة السنة الثانية، وإنما يكون ذلك بعلامات الإجذاع والبلوغ التالية كما يحدث في البشر كما أسلفنا سابقا: 

القول الثاني: من ذهب إلى الاعتداد بالسن:

ثم اختلفوا فيه، على حسب تنوع الأنواع بين الضأن والبقر والإبل، وفرقوا بين المعنى اللغوي والفقهي:

قال الأزهري في تهذيب اللغة (1/226) :" وأما الجذَع فإنه يختلف في أسنان الإبل والخيل والبقر والشاء، وينبغي أن يفسَّر قولُ العرب فيه تفسيراً مُشْبَعاً، لحاجة الناس إلى معرفته في أضاحيهم وصَدقاتهم وغيرها ".

وهذا ما سنبينه في هذا المطلب:

المطلب الثاني: أنواع الجذعان من الأنعام:

في هذا مسائل:

المسألة الأولى: الجذع من الغنم: الضأن والماعز وما في حجمها من ظباء ونحوها:

المذهب 1/ مر أن الجمهور من أهل اللغة والظاهرية والشافعية والحنفية وجماعة من المالكية على أن الجذع يبتدئ مع البلوغ والقدرة على الإنزاء والسمن أو عظم البدن، وإذا كان قبل ذلك في الأشهر الأولى فليس جدعا وإنما تبيع أو فصيل....

والجمهور يمنعون من التضحية به لصغره، بدليل الخطاب الأولوي .. وقال ابن الملقن:" ولا يجوز في الأضاحي دون الجذع من الضأن ...". 

بينما الظاهرية يتركون الجذعة فقط، ويجيزون الفصيل والجدي الصغير، لأنه لا يسمى جذعا، قال ابن حزم:" يجزي ما فوق الجذع, وما دون الجذع"، وهو قول مرجوح.

ثم اختلفوا متى يبتدئ وينتهي الإجذاع بالسنوات:

فأما ابتداء الإجذاع والبلوغ، ونهايته ودخوله الثنايا في الضأن:

1/ فقيل: يبتدئ الجذع بعد سنة أشهر، فأما ما قبلها فلا يجزئ لصغره، ثم لا يزال جذعا حتى يكمل سنة، فإذا أكملها ودخل في بداية السنة الثانية صار ثنيا.  

قالوا: والثني ما أنبت الثنيتيْن، وإنما تنبت السن الثانية، أثناء السنة الثانية والله أعلم.

قال ابن الملقن:" والجذعة ما قوي من الغنم قبل أن يحول عليه الحول، فإن حال صار ثنيا"، ثم قال:" ولا يجوز في الأضاحي دون الجذع من الضأن، وهو ما كمل سنة على الأصح ".

وقال الدردير في الشرح الكبير في الضأن وثني المعز:" فلا بد من أن يوفى كل منهما سنة، لكن يشترط في ثني المعز أن يدخل في الثانية دخولا بينا كشهر، بخلاف الضأن فيكفي فيه مجرد الدخول"،

2/ وقيل: يبدأ الإجذاع بعد بلوغه سنة كاملة، ودخوله في الثانية، ثم لا يزال جذعا طيلة السنة الثانية، من بدايتها إلى نهايتها، فإذا ما ختم السنتين، ودخل في الثالثة فهو ثني.

وبه قال بعض المالكية وابن حزم وغيرهما

قال ابن سيده:" وقيل: الجذع من الغنم لسنة، والجمع جذعان وجذعان وجذاع".

وقال الحموي في المصباح (53) :"و"أَجْذَعَ" ولد الشاة في السنة الثانية "،

قال الأزهري: وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: والجَذَع من الغنم لسنة، ومن الخيل لسنتين، ومن الإبل لأربع سنين. قال: والعَنَاق تُجذِع لسنة، وربّما أجذعت العَناقُ قبل تمام السنة للخصب، وتَسمَن فيُسرع إجذاعها، فهي جَذَعة لسنة، وثنيّة لتمام سنتين ".

وروى الأزهري:" روى أبو عبيد عن أبي زيد في أسنَان الغنمِ فقال في المِعزَى خاصّةً: إذا أتى عليها الحولُ فالذكر تَيْسٌ والأنثى عَنْز، ثم يكون جَذَعاً في السنة الثانية والأنثى جَذَعة، ثم ثنيّاً في الثالثة، تمّ رباعياً في الرابعة، ولم يذكر الضأن"،

وقال ابن حزم في المحلى (7/361):" ولا تجزي في الأضاحي جذعة، ولا جذع أصلا لا من الضأن، ولا من غير الضأن ويجزي ما فوق الجذع, وما دون الجذع",

قال: والجذع من الضأن والماعز والظباء والبقر: هو ما أتم عاما كاملا، ودخل في الثاني من أعوامه, فلا يزال جذعا حتى يتم عامين ويدخل في الثالث، فيكون ثنيا حينئذ. هكذا قال في الضأن والماعز الكسائي, والأصمعي, وأبو عبيد, وهؤلاء عدول أهل العلم في اللغة, وقاله ابن قتيبة وهو ثقة في دينه وعلمه. وقاله العدبس الكلابي, وأبو فقعس الأسدي, وهما ثقتان في اللغة. 

وقال ذلك في البقر والظباء أبو فقعس, ولا نعلم له مخالفا من أهل العلم باللغة ".

فجعل ابن حزم تبعا لأبي عبيد والكسائي والأصمعي، الجذع مطلقا طيلة السنة الثانية من بدايتها إلى نهايتها.

وقال ابن سيده: قيل: الجذع الداخل في السنة الثانية "،

3/ وزعم آخرون منهم الحنفية والحنابلة أن الإجذاع مختلف: كالبلوغ عند الإنسان، قد يبدأ مبكرا من ثمانية بل من سبعة أو ستة أشهر، ومن علاماته السمن والنزو وسقوط أسنان الحليب، ثم يمتد إلى نشوء الثنايا، والعبرة لست بالسن الغير المطرد، بل بسقوط ثنايا الحليب، ثم إنبات الثنايا المستديمة، وبالتالي يصير ثنيا مجزئا بالإجماع كما أسلفنا.

قالوا: والأسنان هي علامة على السن،

أولاها أسنان الحليب الثمانية البيضاء الصغيرة الناصعة تكون في الفصيل، ثم يكون جذعا حتى تبرز أسنان الثنايا وتكتمل.

والثانية: أسنان الثنايا: وتبدأ في النمو بعد مرور سنة وشهرين فأكثر، حيث يبدأ الخروف بتبديل الأسنان الأمامية بأسنان دائمة وكبيرة نسبيا، مبتدئا بأسنان الوسط المسماة بالثنايا، والتي تنمو خلال هذه السنة الثانية، على حسب صحة الحيوان وجنسه وطعامه، ليكتمل نموها إلى قفل هذه السنة الثانية ودخول في السنة الثالثة ليصير ثنيا مسنا مجزئا في الأضحية.   

المسألة الثانية: الجذع من البقر والخيل ومثيلاتها في الحجم

والجذع من البقر ونحوها لا يجزئ عند عامة السلف، وقد اختلفوا في تحديد سنة، والعبرة بالعلامات السابقة، والجذع من البقر لا يستطيع النزو، فلا يجزئ حتى يبلغ، وقد اختلفوا في سنة ذلك. :

1/ زعم بن حزم أن البقر يُجذع كالضأن عنده، طيلة السنة الثانية، من بدايتها إلى نهايتها، وبالتالي تصير ثنية مجزئة بدخولها في العام الثالث،

ونسبه ابن حزم إلى أبي فقعس اللغوي وقال:" ولا نعلم له مخالفا من أهل العلم باللغة ".

قال الأزهري:" وأما الْجذَع من البقر فإن أبا حاتم روى عن الأصمعي أنه قال: إذا طلعَ قرن العجل وقُبِضَ عليه فهو عَضْب. ثم بعد ذلك جَذَع، وبعده ثَنِيٌّ وبعده رَبَاع "،

قال الأزهري: وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: والجَذَع من الغنم لسنة، ومن الخيل لسنتين". والخيل كالبقر.

بمعنى أن المُسنة المجزئة من ابتداء السنة الثالثة، لأن الرباع بعدها، مع بداية من السنة الرابعة.

2/ وجعل الجمهور الجذع من البقر طيلة السنة الثالثة من بدايتها إلى نهايتها، بمعنى أن الثني المسنة تكون ابتداء من السنة الرابعة.

هذا مع إمكانية الإجذاع لبعض البقر مبكرا، إذا ظهرت العلامات التي أسلفنا في الضأن.

قال الأزهري :" وأمّا الجَذَع من الخيل فإنّ المنذريّ أخبرني عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: إذا استتمَّ الفرس سنتين ودخل في الثالثة فهو جَذَع، وإذا استتمَّ الثالثة ودخل في الرابعة فهو ثَنِيّ.

وقال عتبة بن أبي حكيم: لا يكونُ الْجذَع من البقر حتّى يكون له سنتان وأول يوم من الثالث. قلت – الأزهري - : ولا يَجزِي الجَذَع من البقر في الأضاحي ".

وقال الحموي في المصباح (53) :"و"أَجْذَعَ" ولد الشاة في السنة الثانية، و"أَجْذَعَ" ولد البقرة والحافر في الثالثة و"أَجْذَعَ" الإبل في الخامسة فهو "جَذَعٌ"،

قال الأزهري:" وأمّا الجَذَع من الخيل فإنّ المنذريّ أخبرني عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: إذا استتمَّ الفرس سنتين ودخل في الثالثة فهو جَذَع، وإذا استتمَّ الثالثة ودخل في الرابعة فهو ثَنِيّ ".

قلت: يمكن إجذاع البقر قبل الثالثة في السنة الخصبة بناء على العلامات السابقة، فيكون قول ابن حزم ومن معه محمولا على ذلك والله أعلم.

المهم أنه لا يصح عند الأكثرين ما دون سن الإجذاع، وفي سنه، حتى يبلغ البقر ويصير ثنيا بإمكانية النزو وبروز الثنايا التي تبرز غالبا بعد دخولها السنة الرابعة، ولو ظهرت هذه العلامات في السنة الخصبة، وبدت ثناياها لعملنا بقول ابن حزم ومنت معه بأن تكون البقرة والفرس ثنيا مجزئا بعد دخولهما السنة الثالثة والله أعلم ...

المسألة الثالثة: الجذاع من الإبل ومثيلاتها:

أما الإبل: فتجذع بمجرد الدخول في السنة الخامسة من بدايتها إلى نهايتها عند العامة كما أسلفنا. فَإِذا مَضَت الْخَامِسَة وَدخل فِي السّنة السَّادِسَة وَألقى ثنيته فَهُوَ ثني وَالْأُنْثَى ثنية مجزئة في الأضاحي....

قَالَ الْأَصْمَعِي:" إِذا وضعت النَّاقة وَلَدهَا سَاعَة تضعه سليل قبل أَن يعلم أذكر هُوَ أم أُنْثَى، فَإِذا علم فَإِن كَانَ ذكرا فَهُوَ سقب وَأمه مسقب، وَقد أذكرت فَهِيَ مُذَكّر وَإِن كَانَ أُنْثَى فَهِيَ حَائِل وَأمّهَا أم حَائِل، فَإِذا مَشى فَهُوَ راشح وَالأُم مرشح، فَإِذا ارْتَفع عَن الراشح فَهُوَ جادل فَإِذا جمل فِي سنامه شحما فَهُوَ مجذوم كعر وَهُوَ فِي هَذَا كُله حوار، فَإِذا اشْتَدَّ قيل ربع وَالْجمع أَربَاع وَربَاع وَالْأُنْثَى ربعَة، فَلَا يزَال ربعا حَتَّى يَأْكُل الشّجر ويعين على نَفسه، ثمَّ هُوَ فصيل وهبع وَالْأُنْثَى فصيلة وَالْجمع فصلان وفصلان لِأَنَّهُ فصل عَن أمه، فَإِذا اسْتكْمل الْحول وَدخل فِي الثَّانِي فَهُوَ ابْن مَخَاض وَالْأُنْثَى بنت مَخَاض، فَإِذا اسْتكْمل السّنة الثَّانِيَة وَدخل فِي الثَّالِثَة فَهُوَ ابْن لبون وَالْأُنْثَى بنت لبون، فَإِذا اسْتكْمل الثَّالِثَة وَدخل فِي الرَّابِعَة فَهُوَ حِينَئِذٍ حق وَالْأُنْثَى حقة، سمي بِهِ لِأَنَّهُ اسْتحق أَن يحمل عَلَيْهِ ويركب، فَإِذا مَضَت الرَّابِعَة وَدخل فِي الْخَامِسَة فَهُوَ جذع وَالْأُنْثَى جَذَعَة، فَإِذا مَضَت الْخَامِسَة وَدخل فِي السّنة السَّادِسَة وَألقى ثنيته فَهُوَ ثني وَالْأُنْثَى ثنية ....".

وقال الأزهري في تهذيب اللغة (1/226):" فأمَّا البعير فإنّه يُجذِع لاستكماله أربعة أعوام ودخوله في السنة الخامسة، وهو قبل ذلك حِقٌّ ".

وقال الحموي في المصباح (53) :"و"أَجْذَعَ" ولد الشاة في السنة الثانية، و"أَجْذَعَ" ولد البقرة والحافر في الثالثة و"أَجْذَعَ" الإبل في الخامسة فهو "جَذَعٌ"،

قال ابن حزم:" والجذع من الإبل ما أكمل أربع سنين ودخل في الخامسة, فهو جذع إلى أن يدخل السادسة فيكون ثنيا هذا ما لا خلاف فيه ".

والخلاصة: عدم إجزاء الجذعان مطلقا إلا خلافا في جذعان الضأن، والأولى اشتراط ما فوق الجذع وهو الثني المسن فصاعدا في كل شيء والله أعلم .

وأن المسن أو الثني أو الثنية المجزئة من الضأن والماعز ونحوهما كالضباء والغزال ... هو ما أنبت الثنايا، وذلك يكون من بداية دخولها السنة الثانية فصاعدا على حسب درجة نمو الضأن والإنزاء.

وأما البقر ومثيلاتها كالبقر الوحشي والفرس وفرس النهر ... فالأوْلى أن الثني المجزئ منها يكون بداية من السنة الرابعة، وقد يكون قبل ذلك من بداية السنة الثالثة في السنة الخصبة، مع حسن السلالة ..

وأما الإبل ومثيلاتها من الحيوانات الضخمة فاتفقوا على أن الثني منها يكون بداية من السنة السادسة. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: ذكر أنواع الأدلة الواردة في الجذعان، واختلاف السلف في حكمها تبعا لذلك :

لقد تعارضت الأدلة الواردة في هذا الباب وتنوعت تنوعا كبيرا أدى إلى اختلاف السلف،

فمنها طائفة قد تدل على إجزاء كل أنواع الجذعان،

ومنها طائفة أخرى تدل على إجزاء نوع بعينه،

وأخرى تدل على المنع من جميع الجذاع.

المطلب الأول: ما ورد في جواز الجذاع مطلقا، وبيان محملها، ومن استدل بها:

وقد استدل بها من أجاز التضحية بالجذعان، لكنه استثنى جذعان الماعز فهي ممنوعة بالإجماع.

كما استدل بها المانعون للجذاع حاشا جذاع الضأن، وحملوا أحاديث جواز الجذعان على جذعة الغنم فقط، وهم أسعد الناس بهذه الأدلة:  

الدليل الأول: وفيه ذبح الكبش، ثم قسمة جذعة الغنم بين الأصحاب والضيوف:

خرجه مسلم في الصحيح (1679) عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: لما كان ذلك اليوم قعد النبي صلى الله عليه وسلم على بعيره وقال :" أتدرون أي يوم هذا" وذكر الحديث، وفيه أنه عليه السلام قال :" أليس بيوم النحر؟ قالوا: بلى، ثم ذكر الحديث وفيه:" ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما، وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا ".

والغنم اسم جنس يطلق على الضأن غالبا، كما يطلق على الماعز أيضا، ثم ليس فيه أن هذه الجذيعة كانت هي أضحية العيد، بل كانت شيئا زائدا وراء الأضحية، لأجل اللحم والله أعلم .

قال ابن حزم في المحلى :" ليس فيه أنه أعطاهم إياها ليضحوا بها, ولا أنهم ضحوا بها وإنما فيه أنه عليه السلام قسمها بينهم, والكذب لا يحل، وأيضا فاسم الغنم يقع على الماعز كما يقع على الضأن, فإن كان حجة لهم في إباحة التضحية بالجذاع من الضأن فهو حجة في إباحة التضحية بالجذاع من المعز, وإن لم يكن حجة في إباحة التضحيُة بالجذاع من الماعز فليس حجة في إباحة التضحية بجذاع الضأن, والنهي قد صح عاما في أن لا تجزئ جذعة بعد أبي بردة ".

ومما يؤكد أنها كانت لأجل اللحم لا الأضحية، اشتراك الصحابة فيها وفي قسمتها، والاشتراك في الغنم لا يصح عند الجمهور،

وقد ورد الحديث بلفظ آخر، لكن الله أعلم إن كان يرجع إليه أم أنه حديث منفصل آخر؟:

الدليل الثاني: وفيه البيان والتفسير للجذعة السابقة وبيان أنها من الغنم:

خرجه أبو عوانة في مستخرجه على مسلم (5/73) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، فوجد ريح لحم، فقال: «من كان ضحى، فليعد» ، فقام إليه رجل من الأنصار، فذكر هنة، أو هية من جيرانه، كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عذره، فقال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة هي أحب إلي من شاتي لحم، فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري جاوزت رخصته غيره أم لا؟، وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين أملحين فذبحهما، وانكفأ الناس إلى غنيمة فتوزعوها، أو قال: تجزعوها".

فأخبر أنس بأن الصحابة رضي الله عنهم هم الذين اشتركوا في الغنيمة وتوزعوها فيما بينهم، ومن المعلوم أن الاشتراك لا يجزئ في أضحية الغنم ، بل في البقر والإبل فقط، ويحتمل أن يكون النبي عليه السلام هو من ذبحها، ثم تقاسمها أصحابه كما في الحديث السابق.

دليل ثالث: حديث سنان في عموم التضحية بالجذيعة السمينة:

حدث به الحجاج واختلف عنه :

1. فخرجه البيهقي في الكبرى (9/458) عن أحمد بن منيع ثنا عباد بن العوام ثنا عمر بن عامر ثنا الحجاج بن الحجاج عن سلمة بن جنادة عن سنان بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الله أحق بالفتاء والوفاء , اشترها جذعة سمينة فأنسك بها عنك "، توبع ابن منيع:

قال البغوي في الصحابة من ترجمة سنان: حدثني جدي نا عباد بن العوام أخبرنا عمر بن عامر ثني الحجاج بن أبي الحجاج عن سلمة بن جنادة عن سنان بن سلمة: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله! إن لي سليقة تبلغ ثمن جذعة سمينة وثمن مسنة مهزولة أي ذلك تختار؟! قال: خذ السمينة الله أحق بالوفاء والثنا [.....] بها جذعة سمينة وانسك بها عنك ".

قال أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عُثمان الذّهَبيّ الشَّافعيّ في المهذب (8/3856) :" عمر بن عامر: متوسط، وهذا إسناد حسن".

علله بعضهم بأن سنان متأخر الولادة بعد حنين، لم يدرك ولا أضحية عن النبي عليه السلام، لما روى وكيع عن ابن سنان بن سلمة عن أبيه «أن جده سنان بن سلمة ولد يوم حنين، فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فتفل في فيه، ومسح على وجهه، ودعا له بالبركة».

لكن الصحيح أن حديثه صحيح، ويلتحق بالصحابة لبركة بصاق ودعاء النبي عليه السلام له.

فعلته: تفرد الحجاج به، ولم أعرفه، وقد اضطرب فيه:

فرواه عباد عن عمر بن عامر - مختلف فيه، وهو صدوق له أوهام كما قال عنه الحافظ -، عن الحجاج عن سلمة بن جنادة وهو مجهول الحال عن سنان به،

2. وقد خالفه في السند والمتن: قزعة وهو ضعيف، فرواه عن الحجاج عن سلمة بن جنادة عن حنش عن أبي هريرة وجعل الجذع من المعز:

فخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين:ج4/ص253 ح7545 عن أسد بن موسى ثنا قزعة بن سويد ... وأبو يعلى (الزوائد 625) حدثنا بشر بن الوليد حدثنا قزعة عن الحجاج بن الحجاج عن سلمة بن جنادة عن حنش بن الحارث عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا فجاء رجل فدخل بجذع من المعز سمين سيد، وجذع من الضأن مهزول خسيس، فقال: يا رسول الله، هذا جذع من الضأن مهزول خسيس، وهذا جذع من المعز سمين سيد وهو خيرهما أفأضحي به؟ قال: «ضح به فإن لله الخير »،

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "،

ولم يصح بسبب جهالة سلمة بن جنادة، مع الاختلاف في سنده، ولو صح فيكون منسوخا بالنهي عن جذعان الماعز.

أثر رابع موقوف: في الهدي بجذاع البدن:

خرجه ابن حزم في المحلى (7/367) من طريق وكيع ويحيى بن سعيد القطان قالا: نا علي بن المبارك عن أبي السوية التميمي قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: عليَّ بدنة، أتجزي عني جذعة ؟ قال: نعم", وفي رواية وكيع " جذعة من الإبل ؟ قال: نعم ".

أبو سوية إن كان هو البصري فمختلف في اسمه، يقال سهيل أو سهل وهو راو مجهول وليس بصحابي، إلا أنه هنا هو التميمي وهو مجهول العين والله أعلم، ولا يُدرى سماعه من ابن عباس فبطل الحديث.

المطلب الثاني: ما ورد في إجزاء التضحية بالجذاع من الضأن خاصة:

وقد استدل بها الجمهور وجعلوها أدلة خاصة مستثناة من عموم النهي عن الجذعان كلها:

وقد مر أنهم نظروا إلى الجذع بأنه القوي الملقِّح، فجذع الضأن يُلقح وينزو فيجزئ، وجذع الماعز والبقر والإبل لا يلقح ولا ينزو فلا يصح استدلالا بما يلي:  

الدليل الأول: مضى ما خرجه أبو عوانة في مستخرجه على مسلم (5/73) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، فوجد ريح لحم، فقال: «من كان ضحى، فليعد» ، فقام إليه رجل من الأنصار، فذكر هنة، أو هية من جيرانه، كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عذره، فقال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة هي أحب إلي من شاتي لحم، فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري جاوزت رخصته غيره أم لا؟، وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين أملحين فذبحهما، وانكفأ الناس إلى غنيمة فتوزعوها، أو قال: تجزعوها".

دليل ثاني: حديث أبي الدرداء أو بلال: حدَّث به كل من ابن أبي ليلى وبلال :

1. فأما رواية ابن أبي ليلى: فهو ضعيف وقد اضطرب فيه أيضا، ووهِم في ذكر عبادة، وزيادة الجذعين:

. فخرجه البيهقي وابن أبي شيبة نا ابن مسهر عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبادة بن أبي الدرداء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين جذعين "، لفظ البيهقي: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كبشان جذعان أملحان فضحى بهما ".

2. وأما رواية بلال: فقد خرجها أبو بكر وأحمد (5/196) عن أبي شهاب الحناط ويزيد عن الحجاج بن أرطاة عن بلال بن النعيمان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين [جذعين] [خصيين]".

وقال الحجاجِ بنِ أرطاة مرة: عن يعلى بنِ النعمانِ، عن بلالِ بنِ أبي الدَّرداءِ، عن أبيه قالَ: ضحَّى رسولُ اللهِ بكَبشينِ جَذعينِ خَصيِّينِ ".

3. ورواه بعضهم عن الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين جذعين".

وهذا حديث ضعيف باطل بزيادة [ جذعين ]، تفرد بها بلال وهو مجهول، والحجاج لين مدلس وقد اضطرب، ولا يوجد ذكر لشخص اسمه عبادة :

فقال ابن أبي حاتم في العلل (1601) :" قال أبي: ما أدري ما هذا! لا أعرف لأبي الدرداء ابنا يقال له: عبادة، وهذا من تخاليط ابن أبي ليلى ".

وقال الدارقطني في العلل (1077) :" يرويه بن أبي ليلى عن الحكم عن عبادة بن أبي الدرداء عن أبيه، ورواه الحجاج بنأرطأة واختلف عنه، فقال أبو شهاب الحناط عن حجاج بن أرطأة عن يعلى عن النعمان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه،وقال عباد بن العوام عن حجاج عن بن نعمان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه، وقال أيضا عباد عن الحجاج عن يعلى ولم ينسبه عن أبيه عن أبي الدرداء "،

ثم قال الدارقطني:" ولا يثبت لأن الحجاج وابن أبي ليلى ليسا بحافظين ".

قلت: وقد خالفهما الكثير من الحفاظ الأثبات في السند والمتن، لم يذكر أحد منهم زيادة " جذعين "، فهي شاذة ولو صدرت من ثقة، فكيف وقد صدرت من ضعيف وقد اضطرب.

وإنما حديث الحكم هو: ما خرجه أبو داود (2790) والترمذي (1495) عن شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش عن علي أنه كان يضحي بكبشين، أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه، فقيل له: فقال: أمرني به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أدعه أبدا "،

قال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك وقد رخص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحى عنه ",

وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى، وليس لذكر الجذعين في هذا الحديث أصل.

فقد خرج هذا الحديثَ البخاريُّ في الصحيح 5553) ومسلم وغيرهم من طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين».

وكذلك رواه جمع كبير من الحفاظ عن أنس وغيره لم يذكر أحد منهم " الجذعين ". كما مر.

وقد خرجه أبو عوانة (5/61) عن أبي قسيط عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر بكبشين أقرنين يطآن في سواد، وينظران في سواد، ويبركان في سواد .."،

وفي الباب غير ذلك كثير ، لم يذكر أحد منهملفظة" الجذعين " أصلا .

دليل ثالث: حديث أم بلال: وهو حديث ضعيف ومرسل وفيه اضطراب على محمد بن أبي يحيى:

1. فأما رواية يحيى القطان عنه: فقد قال الإمام أحمد في مسنده (6/368) ثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن أبى يحيى حدثتني أمي عن أم بلال [ امرأة من أسلم وكان أبوها يوم الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ضحوا بالجذع من الضأن فإنه جائز"،

تابعه الحفاظ عن يحيى القطان به مثله .

فقد خرجه ابن أبي عاصم في الآحاد (/541) حدثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد

والطبري: حدثني أبو عاصم مروان بن محمد الأنصاري نا يحيى.

وكذلك خرجه البيهقي في السنن (9/454) عن محمد بن أبي بكر ثنا يحيى نحوه.

2. وكذلك رواه إبراهيم الحزامي عن أنس أبي ضمرة عن محمد بن أبي يحيى عن أمه قالت: أخبرتني أم بلال بنت هلال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يجوز الجذع من الضأن أضحية ".

قال البيهقي: أخبرناه أبو بكر بن الحارث أنبأ أبو محمد بن حيان ثنا عبيد الله بن محمد بن سواد ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا أبو ضمرة فذكره، قال البيهقي في المعرفة:" وليس فيه عن أبيها، وهو الصحيح"،

وقد أعله ابن حزم بجهالة كل من أم يحيى، وأم بلال، وهذه قد قال عنها الذهبي:" لا تعرف، وقد وثقها العجلى"، وذكرها بعضهم في الصحابة، فبقيت العلة في جهالة أم يحيى.  

وقد ورد بزيادة أبيها الصحابي.

3. فقد رواه ابن وهب وعبد الرحمن الدمشقي (ابن ماجه) وعلي بن بحر (أحمد 6/368): ثلاثتهم قالوا: حدثنا أنس أبو ضمرة قال: حدثنا محمد بن أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه قالت أخبرتني أم بلال ابنة هلال [عن أبيها] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجوز الجذع من الضأن ضحية "،

فزاد فيه "عن أبيها "، وهو وهْم، وإنما أبوها مذكور أنه شهد الحديبية فقط، لا أنه روى هذا الحديث، فغلط في ذلك ربما أبو نضرة ظنا منه أنه هو الراوي، وقد يكون الغلط والاضطراب من طرف أم يحيى لأنها مجهولة.

4. بينما رواه المزني عن الشافعي أنبأنا أنس بن عياض الليثي عن محمد بن أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه قالت: أخبرتني أم بلال ابنة هلال [عن ابنها] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يجزئ الجذع من الضأن ضحية» . قال أبو جعفر: هكذا قرأه المزني علينا عن ابنها وإنما هو عن أبيها "، وإنما هو تصحيف "،

خرجه عنه البيهقي في معرفة السنن والآثار (14/28-29) عن أبي جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي به .

ورواه ابن أبي مريم نا أنس بن عياض قال: حدثني محمد بن أبي يحيى عن أمه قالت: أخبرتني أم بلال الأسلمية [عن أبيها] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يجوز الجذع من الضأن ضحية".

وقال الطبراني في الكبير 397 - حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ثنا أبي ثنا أنس بن عياض ح ، وحدثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد كلاهما عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي حدثني [أبي] عن امرأة يقال لها أم بلال وكان أبوها يوم الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" ضحوا بالجذع من الضأن فإنه جائز "،

وهذه رواية وهم فيها الزبيري وقد خالفه كل من سبق ذكره، وكذلك هي الرواية التالية :

فقد قال ابن قانع في الصحابة حدثنا يحيى بن صاعد نا هارون بن موسى نا أنس بن عياض عن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن [أبيه ] قال: حدثتني أم بلال بنت هلال الأسلمي عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يجوز الجذع من الضأن في الأضحية ».

والحاصل أنه حديث مرسل وضعيف ومضطرب أيضا، فقد اختلف على محمد بن أبي يحيى عن أمه في هذا الحديث، وذكر أبيه، ولعل هذا الاضطراب صادرٌ عن أمه لأنها مجهولة، أو نرجّح فنقدم رواية يحيى القطان من غير ذكر [ عن أبيها] كما رجح البيهقي .

وهو الأظهر لاتفاق عامة أصحاب يحيى القطان على ذلك، وللاختلاف على أبي ضمرة في ذكر "أبيها"،

وقد وافقهم الحزامي عن أبي نضرة على ذلك كما في الرواية السابقة.

دليل بل أثر رابع: أثر أبي هريرة موقوف عليه في تفضيل الأضحية بجِذعان الضأن: كما قالت المالكية:

روى هذا الحديثَ الضعفاءُ مرفوعا، ورواه الثقات موقوفا وهو الصحيح.

1/ طريق هشام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة :

قال الحاكم (4/247): 7526 - أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا أبو الوليد محمد بن أحمد بن برد الأنطاكي ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: نزل جبريل عليه الصلاة والسلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل كيف رأيت عيدنا؟» فقال: لقد تباهى به أهل السماء. اعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز، وأن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر، وأن الجذع من الضأن خير من السيد من الإبل، ولو علم الله ذبحا خيرا منه فدى به إبراهيم عليه الصلاة والسلام"،

وكذلك خرجه البزار (الزوائد 1207) ، والبيهقي 9/271 من طريق محمد بن أحمد بن الوليد عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... وذكر قصة، وفيها أن جبريل قال: إن الجذع من الضأن خير من السيد من المعز.

قال الحاكم :« هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وقد وهم رحمه الله.

فقد تعقبه الذهبي فقال: إسحاق هالك "، وكذلك ضعفه ابن حزم بهشام، وضعفه البزار والبهقي وغيرهم..

وقال البيهقي: وإسحاق ينفرد به، وفي حديثه ضعف".

وقال البزار: " وهذا الحديث لا نعلم رواه عن هشام بن سعد عن زيد عن عطاء عن أبي هريرة إلا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ولم يتابعه عليه غيره بهذه الرواية، وإنما أتى في أحاديث رواها لم يتابع عليها لأنه لما كف بصره وبعد عن المدينة فصار إلى الثغر حدث بأحاديث عن أهل المدينة فأنكر بعضها عليه"، وقال العقيلي :" لا يتابع عليه "،

وقال ابن طاهر :" وهذا لا يرويه عن هشام غير إسحاق، قال البخاري: حديثه عن هشام فيه نظر "،

وهو كما قالوا، لضعف إسحاق الحنيني وتفرده به، مع اضطرابه ومخالفته لغيره، وفيه هشام بن سعد لين الحديث.

وقد اضطرب فيه الحنيني، فورد عنه من وجه آخر:

2. رواه علي بن زيد الفرائضي ثنا إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن داود بن قيس عن أبي ثفال عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجذع من الضأن خير من السيد من المعز»، خرجه عنه الحاكم 7544 - حدثنا أبو بكر بن عبيدة ثنا علي بن زيد الفرائضي به .

3. ورواه غيره كما مر عن هشام عن زيد عن عطاء عن أبي هريرة، والصواب أنه موقوف:

4. روى ذلك يحَيى بْنُ صَالِح ثنا حَمَّاد ثنا حَبِيبُ بْن أَبِي ثَابِت عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «تُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ فِي الْأَضَاحِي»، وهو الأصح.

وذكر ابن حزم عن أبي هريرة قال:" لا بأس بالجذع من الضأن في الأضحية ".

2/ طريق ثاني: طريق أبي ثفال[ عن رباح بن عبد الله] عن أبي هريرة :

تفرد به أبو ثفال وهو ضعيف وقد اضطرب :

1. فأما رواية داود بن قيس المرفوعة عنه :

فقد قال الحاكم 7544 - حدثنا أبو بكر بن عبيدة ثنا علي بن زيد الفرائضي ثنا إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن داود بن قيس عن أبي ثفال عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجذع من الضأن خير من السيد من المعز»، وقد اضطرب فيه الحنيني كما بينا ،

وقد تابعه عبد الله هنا :

خرج متابعته أحمد في المسند (2/402) نا عتاب نا عبد الله نا داود بن قيس حدثني أبو ثفال المري/ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الجذع من الضأن خير من السيد من المعز "، لم يذكر داود الواسطة بين أبي ثفال وأبي هريرة ، وهي رباح ، وقد ذكره الداروردي :

2. فأما رواية الداروردي ففيها اختلاف بين الرفع والوقف :

قال الحاكم (4/252) حدثناه الشيخ أبو بكر أنبأ عبيد بن شريك البزار ثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أبي ثفال [عن رباح بن عبد الله] عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دم عفراء أحب إلي من دم سوداوين»،

هكذا رفعه التنوخي وقتيبة عن الداروردي، ووقفه عنه خالد بن يوسف،

3. وأما رواية عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال عن خالد عن أبي هريرة فهي موقوفة كما قال الدارقطني .

ولعل هذا الاضطراب ناشئ من أبي ثفال فإنه ضعيف، وقد اضطُرب عليه في زيادة رباح، وفي الوقف، وخالفه غيره فأوقفوه، وهو الصواب :

4. قال البيهقي في الكبرى (9/458) :ورواه الثوري عن توبة العنبري عن سلمى, يعني ابن عتاب قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: لدم بيضاء أحب إلي من دم سوداوين.

قال البخاري: ويرفعه بعضهم ولا يصح ".

وقال الدارقطني في العلل (2038) :" يرويه أبو ثفال واختلف عنه، فرواه الدراوردي عن أبي ثفال عن رباح بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رفعه عنه قتيبة بن سعيد، وخالفه خالد بن يوسف عن الدراوردي فوقفه، وكذلك رواه عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال عن خالد عن أبي هريرة موقوفا.

ورواه داود بن قيس وعبد الله بن عبد العزيز عن أبي ثفال عن أبي هريرة مرفوعا، ولم يذكر بينهما أحدا غير أن لفظ حديث داود بن قيس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الجذع من الضان أحب إلي من الثنية من المعز " يعني: بالسيد الجليل، وهذا لفظ غير الاول ".

4/ . وخرج سعيد بن منصور أنا هشيم أنا حصين، هو ابن عبد الرحمان قال: رأيت هلال بن يساف يضحي بجذع من الضأن فقلت: أتفعل هذا فقال: رأيت أبا هريرة يضحي بجذع من الضأن"،

قال ابن حزم في المحلى (7/362) :" فهذا حصين قد أنكر الجذع من الضأن في الأضحية ".

3/ طريق أبي كباش: خرجه الترمذي في سننه (1499) وفي العلل (2/646) وغيره عن عثمان بن واقد عن كدام بن عبد الرحمن عن أبي كباش قال: جلبت غنما جذعانا إلى المدينة فكسدت علي، فلقيت أبا هريرة فسألته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعم الأضحية الجذع من الضأن»، قال: فانتهبه الناس"،

وقد ضعفه الترمذي بقوله: حديث أبي هريرة حديث غريب. وقد روي هذا عن أبي هريرة موقوفا، وعثمان بن واقد هو: ابن محمد بن زياد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن الجذع من الضأن يجزئ في الأضحية ".

وقال في العلل :" سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : روى هذا الحديث عثمان بن واقد فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه غير عثمان بن واقد عن أبي هريرة موقوفا ، قلت له : ما اسم أبي كباش ؟ قال : لا أعرف اسمه ".

وكذلك ضعفه ابن حزم في المحلى وقال:" عثمان بن واقد وهو مجهول، عن كدام بن عبد الرحمن ولا ندري من هو؟ عن أبي كباش الذي جلب الكباش الجذعة إلى المدينة فبارت عليه. هكذا نص حديثه, وهنا جاء ما جاء أبو كباش وما أدرك ما أبو كباش ما شاء الله كان ",

يشير إلى أنه مجهول، وقد اتهمه بوضع هذا الحديث حتى يبيع جذعانه البائرة .

وقد خالفه الناس فأوقفوه ولم يرفعوه كما قال الترمذي والبخاري والدارقطني:

فروى أبو يوسف في الآثار (63) عن أبي حنيفة عن أبي كباش أنه جلب كباشا جذعانا إلى المدينة، فجعل الناس لا يشترون، فجاء أبو هريرة رضي الله عنه فجسها وفرها، ثم قال: «نعم الأضحية الجذع السمين. فاشتراها الناس»، وهذا أصح.

دليل رابع: تفضيل الجذاع من الضأن على ثني الماعز:

رواه سعيد بن منصور عن عيسى بن يونس عن إسماعيل بن رافع عن شيخ من أهل حمص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل: "يا محمد إن الجذع من الضأن خير من المسن من المعز"،

وهذا حديث باطل شبه الموضوع لا عبرة به .

دليل خامس: رواه سليمان بن موسى عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضحوا بالجذعة من الضأن والثنية من المعز "، هكذا ذكره ابن حزم من دون إسناد وهو مرسل.

أثر سادس : موقوف عن عمران: وفيه اضطراب :

1.خرجه البيهقي (9/455) عن البغوي ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال :"لو يرد علينا ألف من الشاء، لما أضحي إلا بجذع من الضأن".

2. ورواه عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عمران بن حصين قال :" لأن أضحي بجذع أحب إلي من أن أضحي بهرمٍ، اللهُ أحق بالغنى والكرم، وأحبهن إلي أن أضحي به أحبهن إلي أن أقتنيه "،

وورد بلفظ آخر في استحباب الثني لا الجذاع:

. خرجه البيهقي (9/458) عن يزيد بن الهيثم أن إبراهيم بن أبي الليث حدثهم ثنا الأشجعي عن سفيان عن عاصم بن سليمان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: الثني أحب إلي من الهرم , الله أحق بالفتاء والكرم، أحبه إلي من الثني أحبه إلى أن أضحي به "   .

أثر سابع : قول علي في إجزاء جذاع الضأن:

قال ابن حزم (7/365) :" ذكروا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال: يجزي من الضأن الجذع "،

وروي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال: يجزي من البدن ومن البقر ومن المعز الثني فصاعدا ".

وهذا منكر لم يصح عن علي رضي الله عنه ، بل الصحيح عنه ما سيأتي من قوله :" واشتر ثنيا فصاعدا "،

أثر ثامن: مقطوع عن سعيد بن المسيب:  وبيان الاختلاف فيه هل هو عن أم سلمة أو عن غيرها:

له عنه عدة طرق مختلفة ومضطربة، ولم يحدث به الثقات الحفاظ من أصحاب سعيد:

أولا: من رواه عن سعيد عن زوج النبي عليه السلام

1 الطريق الأول: أثر ابن قسيط عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوف عنها :

خرجه البيهقي (9/455) عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط أن سعيد بن المسيب حدثه أن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقول: " لأن أضحي بجذع من الضأن أحب إلي من أن أضحي بمسنة من المعز ". موقوفا:

. وقال الحاكم (4/252) حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن سلمان بن عقيل عن ابن قسيط عن سعيد بن المسيب عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن أضحي بجذع من الضأن أحب إلي من أن أضحي بمسنة من المعز »،

قال الحاكم:" رواه محمد بن إسحاق القرشي عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، وسمى الصحابية أم سلمة".

. ثم قال الحاكم 7542 - حدثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو المثنى ثنا مسدد ثنا عبد الأعلى ثنا محمد بن إسحاق ثنا يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «لأن أضحي بجذع من الضأن أحب إلي من أن أضحي بمسنة من المعز ». موقوفا.

وكذلك خرجه ابن حبان في صحيحه (5899) عن محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب عن أم سلمة به،

وابن قسيط مع صدقه فليس بذاك القوي عند التفرد والمخالفة :

فقد ورد الأثر عن ابن المسيب من أوجه أخرى:    

طريق ثاني: رواية معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني وهو مجهول عن سعيد بن المسيب مرسلا لكن عن عقبة، وهذا بيانه في:

دليل تاسع: حديث عقبة :رواه معاذ الجهني عن سعيد بن المسيب عن عقبة: وقد حدث به عنه بكير وأسامة :

1. فأما رواية بكير عن معاذ: فهي بغير ذكر سعيد، فهي إذا منقطعة ومضطربة ثم هي مروية بالمعنى، وهي وهْم منه، وقد اضطرب في حديثه سندا ومتنا :

خرج روايته ابنُ حبان (1048) والطحاوي في مشكله (14/410) عن ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج حدثه: أن معاذ بن عبد الله الجهني حدثه عن عقبة بن بن عامر قال: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجذع من الضأن "،

معاذ مجهول، ولم يسمعه عن عقبة، فبينهما سعيد بن المسيب، ولم يصح بهذا السياق والمتن - بذكر الضأن -، وقد علله ابن حزم بقوله :" معاذ بن عبد الله بن حبيب وهو مجهول".

وقال الطحاوي : مع أنا قد اعتبرنا هذا الحديث، فوجدناه فاسد الإسناد، مقصرا عن عقبة .

2. كما حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد حدثني معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني قال: [سألت سعيد بن المسيب] عن الجذع من الضأن؟ فقال: ما كان سنة الجذع من الضأن إلا فيكم، سأل عقبة بن عامر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع من الضأن، فقال: " ضح به "،

وهذا مرسل، أرسله ابن وهب، ووصله وكيع والواقدي :

فرواه وكيع والواقدي: ثنا أسامة بن زيد الليثي عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن ابن المسيب عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يضحي بجذع من الضأن "،

هذا حديث منكر مضطرب، وقد أعله ابن حزم بقوله:" أسامة بن زيد وهو ضعيف جدا عن مجهول، وهو معاذ،

وفيه علل أخرى:

فقال فيه الطحاوي :" فعاد هذا الحديث إلى معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهني عن سعيد بن المسيب بذكر ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضحية بالجذع من الضأن، فعاد منقطعا، وعاد الحديث المتصل عن عقبة الحديث الذي بدأنا بذكره "، أي بذكر الماعز كما سيأتي.

. وقد رواه سفيان عن أسامة عن رجل متصلا وبلفظ آخر، وهو وهْم أيضا :

خرج روايته البيهقي (9/453) عن الفريابي ثنا سفيان عن أسامة بن زيد عن رجل عن سعيد بن المسيب [عن رجل من جهينة] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الجذع من الضأن يجزي في الأضاحي "،

الرجل الأول المبهم هو معاذ وقد اضطرب، والرجل الثاني أي الصحابي هو عقبة الجهني، ويقال هو زيد،

. فقد رواه ابني أبي شيبة عثمان وأبو بكر قالا: ناوكيع عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن سعيد بن المسيب عن عقبة بن عامر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع من الضان ؟فقال : ضح به" ، خرجه عنهما الطبراني (954) .

والحاصل أن رواية معاذ بن عبد الله بن حبيب عن سعيد بن المسيب عن عقبة وهْم منه واضطراب، وقد خولف فيها سندا ومتنا،

والصواب من هذا الحديث أنه عتود من الماعز على ما سيأتي من رواية البخاري ومسلم وغيرهما عن الليث عن يزيد عن عقبة أعطاه النبي عليه السلام غنما يقسمها على صحابته ضحايا، فبقي عتود، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ضح به»، وفي بعض الزيادات:"ولا رخصة لأحد فيها بعدك "

وكذلك ورد من أوجه أخرى عن سعيد بن المسيب نفسه على ما سيأتي:

هذا ما استدل به الجمهور المبيحون لجذعان الضأن فقط، وكلها أحاديث ضعيفة مضطربة، ولا يصح منها إلا بعض الموقوف، وليس فيها النهي عن بقية أنواع الجذعان الأخرى، والله أعلم. 

قال ابن حزم في المحلى:" لو صحت كلها بالأسانيد التي لا مغمز فيها لما كان لهم في شيء منها حجة; لأن الأضحية كانت مباحة في كل ما كان من الأنعام بلا شك, وقد كان نزل حكمها بلا شك من أحد قبل قصة أبي بردة, وضحى أبو بردة وقوم معه بيقين قبل أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تجزي جذعة عن أحد بعدك. فلو صحت هذه الأخبار كلها لكان قوله عليه السلام: "لا تجزي جذعة عن أحد بعدك" , ناسخا لها بلا شك, ومن ادعى عودة حكم المنسوخ فقد كذب إلا أن يأتي على ذلك ببرهان, فكيف وكلها باطل لا خير في شيء منها".

وأما حديث سعيد بن المسيب الماضي في الضأن فقد ورد من أوجه أخرى:

المطلب الثالث: ما ورد في مشروعية التضحية بجذعان الماعز، وبيان نسخها:

الدليل الأول: حديث سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد الجهني : وهو :

الطريق الرابعة: وهي رواية بن عبد الله بن طعمة وهو مجهول عن سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد:

فقد قال بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن عمارة هو ابن عبد الله بن طعمة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد الجهني قال:" قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا فأعطاني عتودا من المعز, فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إنه جذع؟ فقال: ضح به "،

صرح ابن إسحاق بالتحديث:

خرج ذلك ابن حبان في صحيحه (5899) عن يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن بن إسحاق: حدثني عمارة بن عبد الله بن طعمة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن خالد الجهني قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنما للضحايا، فأعطاني عتودا من المعز، فجئته به، فقلت: يا رسول الله، إنه جذع، فقال: "ضح به"،

وهذا المتن بذكر الماعز بدل الضأن هو الصواب، لأن له شواهد أخرى :

الدليل الثاني: حديث عقبة: خرجه البخاري (5555) (2300) ومسلم (1965) والترمذي 1500) وغيرهم من طرق عن الليث عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا، فبقي عتود، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ضح أنت به»،

لفظ أبي داود (2798) قال:" قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا، فأعطاني عتودا جذعا. قال: فرجعت به إليه، فقلت له: إنه جذع. قال: «ضح به» فضحيت به ".

قال ابن حزم :" العتود هو الجذع من المعز بلا خلاف "

ثم خرجه مسلم عن يزيد عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن بعجة بن عبد الله بن بدر عن عقبة بن عامر قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا ضحايا، فأصابني جذع، فقلت: يا رسول الله، إنه أصابني جذع، فقال: «ضح به»،

وهذا الجذع من الماعز كما بينته الرواية السابقة، لا أنه اضطراب كما زعم الطحاوي .

فقد خرجه - الطحاوي - من هذا الوجه عن ابن المبارك أخبرنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن بعجة بن عبد الله عن عقبة بن عامر قال:" قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا بين أصحابه، فأصاب عقبة منها جذعة "، فقلت: يا رسول الله، أضحي بها قال: " نعم "،

ثم قال:" وكان في هذا الحديث ذكر الجذعة مطلقا من غير ذكر الضأن. قلنا: هذا حديث لا يتصل بعقبة؛ لأن بعجة بن عبد الله لا لقاء له لعقبة، فعاد الحديث المتصل عن عقبة إلى ما رواه أبو الخير عنه، والجذعة التي في هذا الحديث، وفي حديث أبي الخير: هي من المعز، وهي على الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بها لعقبه لا على ما سوى ذلك ",

دليل ثالث: حديث أبي هريرة في الأضحية بجذاع الماعز السمينة:

قال أبو يعلى (الزوائد 625) حدثنا بشر بن الوليد حدثنا قزعة عن الحجاج بن الحجاج عن سلمة بن جنادة عن حنش عن أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا فجاء رجل فدخل بجذع من المعز سمين سيد، وجذع من الضأن مهزول خسيس، فقال: يا رسول الله، هذا جذع من الضأن مهزول خسيس، وهذا جذع من المعز سمين سيد وهو خيرهما أفأضحي به؟ قال: «ضح به فإن لله الخير »، توبع بشر :

فقال الحاكم حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا قزعة بن سويد حدثني الحجاج بن الحجاج عن سلمة بن جنادة عن حنش بن الحارث حدثني أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن مهزول خسيس وجذع من المعز سمين يسير فقال: يا رسول الله هو خيرهما أفأضحي به؟ فقال: «ضح به فإن الله أغنى»، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ".

وقد مر أن عباد عن عمر بن عامر وهو صدوق له أوهام، رواه عن الحجاج عن سلمة بن جنادة وهو مجهول الحال فجعله عن سنان بن بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الله أحق بالفتاء والوفاء , اشترها جذعة سمينة فأنسك بها عنك ".

قال البغوي في الصحابة من ترجمة سنان: حدثني جدي نا عباد بن العوام أخبرنا عمر بن عامر ثني الحجاج بن أبي الحجاج عن سلمة بن جنادة عن سنان بن سلمة: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله! إن لي سليقة تبلغ ثمن جذعة سمينة وثمن مسنة مهزولة أي ذلك تختار؟! قال: خذ السمينة الله أحق بالوفاء والثنا [.....] بها جذعة سمينة وانسك بها عنك ".

دليل رابع: ابن عباس: ما جاء في الأضحية بتيس:

خرجه ابن عدي ف الكامل والطبراني في معجمه الكبير (11/224) 11561 عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي وفيه لين عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بغنم إلى سعد بن أبي وقاص يقسمها بين أصحابه وكانوا يتمتعون، فبقي تيس فضحى به سعد بن أبي وقاص في تمتعه ".

أثر خامس: وفيه مشروعية الضأن والماعز، إلا أن الضأن أفضل من الماعز:

قال ابن حزم :" رواه سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله هو الطحان - عن عبد العزيز بن حكيم سمعت ابن عمر يقول: لأن أضحي بجذعة سمينة عظيمة تجزي في الصدقة أحب إلي من أن أضحي بجذع المعز "،

ففاضل بينهما، واختار أحسنهما عنده، وهو جذعة الضأن شرط ان تكون سمينة .

وأما سنده ففيه عبد العزيز قال عنه الذهبي :" لا يعرف، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى "، ففيه إذا لين يسير ،

المطلب الرابع: ما ورد في النهي عن سائر الجذعان مطلقا، إلا في حالة الإعسار والعجز وعدم الوجد:

وهو قول ابن حزم ومن معه، وقد استدلوا بأدلة صريحة في النهي عن كل الجذاع إلا في حالة الإعسار فقط، وهو رواية عن علي وابن عمر وعمر بن عبد العزيز والزهري والظاهرية وجماعة من السلف كما مضى،

روى سعيد: نا هشيم: نا مغيرة عن إبراهيم ومجاهد، قالا:" الصيام ثلاثة أيام، والصدقة: على ستة مساكين، والنسك شاة فصاعدا "، وعن الحسن مثله.

وقد ذهبوا إلى تضعيف الأدلة السابقة، أو حملها على النسخ لما في الأدلة اللاحقة:

المسألة الأولى: ما ورد في النهي عن سائر الجذعان مطلقا

الأثر الأول: حديث علي في التضحية بثني فصاعدا:

قال ابن حزم في المحلى (7/361):" روينا من طريق وكيع نا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن هبيرة بن يريم عن علي بن أبي طالب قال: إذا اشتريت أضحية فاستسمن فإن أكلت أكلت طيبا, وإن أطعمت أطعمت طيبا, واشتر ثنيا فصاعدا "، صرح أبو إسحاق بالتحديث :

فقال عبد الرزاق نا معمر عن أبي إسحاق السبيعي نا هبيرة بن يريم قال: قال علي بن أبي طالب: ضحوا بثني فصاعدا, وسليم العين والأذن ". هبيرة صدوق وقد توبع:

خرج البيهقي في الكبرى (9/458) عن يوسف بن يعقوب القاضي ثنا عمرو بن مرزوق أنبأ شعبة عن أبي إسحاق سمع هبيرة وعمارة بن عبد قالا: سمعنا عليا رضي الله عنه وهو يقول: ثنيا فصاعدا واستسمن , فإن أكلت أكلت طيبا, وإن أطعمت أطعمت طيبا ".

الأثر الثاني: أثر ابن عمر في التضحية بثني فصاعدا:

قال ابن حزم :" ومن طريق عبد الرزاق نا سفيان الثوري عن جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول: ضحوا بثني فصاعدا, ولا تضحوا بأعور ".

ومن طريق عبد الرزاق نا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا تجزي إلا الثنية فصاعدا ".

دليل ثالث: قصة أبي بردة بن نيار من رواية سهل، وفي روايته أنها عنزة:

 قال الطبراني في الأوسط (9/69) 9149 -حدثنا مسعدة بن سعد ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا محمد بن صدقة الفدكي ثنا محمد بن يحيى بن سهل بن ابي حثمة عن عمة أبي عفير بن سهل بن أبي حثمة أن أباه قد اخبره أن أبا بردة بن نيار ذبح ذبيحة بسحر، فلما انصرف ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" من ذبح قبل الصلاة فليست تلك الاضحية، إنما الأضحية ما ذبح بعد الصلاة، فاذهب فضح"، فقال: يا رسول الله ما أجد شيئا للأضحية وما عندي الا جذع من المعز، قال اذهب فضح بها وليس فيها رخصة لأحد بعدك".

وهذا إسناد غامض مجهول .

وقد ذهب بهذا جماعة من السلف إلى أن سبب وروده كان في جذع الماعز، وبالتالي فإن عموم قوله عليه السلام "«فضح بها، ولا تجزي عن أحد بعدك »، فالنهي عندهم محمول على جذعة الماعز فقط ، وجواز ما سواها . 

وقاس آخرون جذاع الإبل والبقر على جذاع الماعز بجامع عمد البلوغ والاشتداد فيها، وفرقوا بين جذاع الغنم فإنها تبلغ وتنزو.

وخالفهم الظاهرية وجماعة أخرى من السلف فقالوا: لا يهم سبب ورود الحديث، أهو في الماعز أم في الضأن أم في مطلق الجذاع، ولذلك اختلفت الرواة في ذلك، وأكثرهم أهمله أو أطلق الجذع ولم يبينه، بل منهم من قال بأنها جذعة شاة، وكل هذا لا يؤثر في المعنى.

لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص الورود كما هو مقرر في الأصول، حيث أنه ورد كثيرا بلفظ :" «فضح بها، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك»، وهذا لفظ  في العموم، لأنه نكرة في سياق النفي فيعم .

ومما ينبغي الإشارة إليه أن الحديث ليس بحجة أصلا للجمهور المانعين لجذاع الماعز والبقر والإبل معا إلا الضأن ، فإن هذا الحديث حجة عليهم لا لهم ، كما سيتبين :

دليل رابع: مرسل إبراهيم وبيان أن سببه في عتود ماعز

رواه أبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن أبا بردة بن نيار رضي الله عنه ذبح شاة قبل الصلاة، وذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا تجزئ عنك»، فقال له: عندي جذع من المعز، فقال: «يجزئ عنك، ولا يجزئ عن أحد بعدك» وهو مرسل بل ومعضل .

دليل خامس: حديث جابر وبيان أن سببه في عتود ماعز:

خرجه أحمد (14927) وأبو يعلى (1779) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 172) وابن حبان (5909) من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير عن جابر: أن رجلا ذبح قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم عتودا جذعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ عن أحد بعدك" ونهى أن يذبحوا حتى يصلوا".

دليل سادس: حديث سهل وبيان أن سببه في عتود ماعز:

 قال الطبراني في الأوسط (9/69) 9149 -حدثنا مسعدة بن سعد ثنا ابراهيم بن المنذر ثنا محمد بن صدقة الفدكي ثنا محمد بن يحيى بن سهل بن ابي حثمة عن عمة أبي عفير بن سهل بن أبي حثمة أن أباه قد اخبره أن أبا بردة بن نيار ذبح ذبيحة بسحر فلما انصرف ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" من ذبح قبل الصلاة فليست تلك الاضحية إنما الأضحية ما ذبح بعد الصلاة فاذهب فضح"، فقال: يا رسول الله ما أجد شيئا للأضحية وما عندي إلا جذع من المعز، قال:" إذهب فضح بها وليس فيها رخصة لأحد بعدك".

وهذا إسناد غامض مجهول .  

دليل ثامن: حديث جابر:

خرجه أحمد (14927) وأبو يعلى (1779) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 172) وابن حبان (5909) من طريق حماد بن سلمة عن أبى الزبير عن جابر: أن رجلا ذبح قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم عتودا جذعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجزئ عن أحد بعدك" ونهى أن يذبحوا حتى يصلوا"،

وهذا متن مروي بالمعنى والاختصار، ولعله أراد أنه سيضحي بالعتود لا أنه ضحى به .

الدليل التاسع: حديث أنس:

مضى ما خرجه أبو عوانة في مستخرجه على مسلم (5/73) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أضحى، فوجد ريح لحم، فقال: «من كان ضحى، فليعد» ، فقام إليه رجل من الأنصار، فذكر هنة، أو هية من جيرانه، كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عذره، فقال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة هي أحب إلي من شاتي لحم، فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أدري جاوزت رخصته غيره أم لا؟، وانكفأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبشين أملحين فذبحهما، وانكفأ الناس إلى غنيمة فتوزعوها، أو قال: تجزعوها".

الدليل العاشر: حديث البراء في النهي عن مطلق الجذعان، وذكر الاختلاف في سبب وروده :

وبيانه في:

المسألة الثانية: حديث البراء في النهي عن مطلق الجذعان، وذكر الاختلاف في سبب وروده:

الفرع الأول: ذكر الأدلة الدالة بلفظ العموم على النهي عن مطلق الجذاع، وإن كان سببه في عناق الضأن:

اختلف العلماء في معنى العناق الواردة في الحديث، هل هي الماعز فقط كما قال الشافعي ومن معه؟ أم قد تدخل فيها الضأن كما قال ابن حزم وغيره؟ وأيا كان فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

1/ خرج مسلم في الصحيح (1961) عن عبد الواحد يعني ابن زياد حدثنا عاصم الأحول عن الشعبي حدثني البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نحر، فقال: «لا يضحين أحد حتى يصلي»، قال رجل: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، قال: «فضح بها، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك»

ففي قوله " ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك " نص عام في النهي عن مطلق الجذاع، بغض النظر عن سبب ورود الحديث، أهو في جذع الماعز أم الشياه أم غير ذلك، لأنه من المتقرر في الأصول أن سبب النزول أو الورود لا تأثير له في الحكم،

ولو أنه عليه السلام أراد النهي عن جذع الماعز فقط أو جذع الماعز مع جذع الإبل أو البقر لبينه لنا، ولما أغفله ربنا جل وعلا، ولكان قد قال :"لا تجزئ جذعة من الماعز ... أو نحو ذلك .

ومن الدليل الأكبر على أن سبب الورود هنا لا يهم، ولا تأثير له في الحكم اختلاف الرواة في سببه أهو في مطلق الجذاع كما هي رواية الأكثرين ؟

أم أن ذلك في جذع الماعز كما هي رواية بعضهم ؟

أم أن ذلك في جذع الشياه كما قال آخرون؟

2/ خرج أبو يعلى (1661) وأبو عوانة في مستخرجه الصحيح على مسلم (5/69) عن عبد الوهاب بن عطاء قال: ثنا داود بن أبي هند عن عامر عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: «لا تذبحوا حتى أصلي» ، فقال خالي: يا رسول الله، هذا يوم اللحم فيه، مكروه، فذبحت نسكي، فأطعمت أهلي، وجيراني، أو قال: أهلي، وأهل داري، شك داود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن فعلت فأعد ذبحا آخر» ، فقال: يا رسول الله إن عندي عناق لبن، هي خير من شاتي لحم، أفأذبحها، قال: «نعم، وهي خير نسيكتيك، ولن تقضي جذعة عن أحد بعدك»

والنكرة في سياق النفي تعم.

3/ وكذلك خرجه أبو عوانة عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن عاصم الأحول عن الشعبي عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في يوم نحر: «لا يضحين أحد، حتى يصلي؟» ، فقال رجل: عندي عناق لبن، هي خير من شاتي لحم، قال: «فضح بها، ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك».

4/ وقال النسائي (4394) أخبرنا هناد بن السري عن ابن أبي زائدة قال: أنبأنا أبي عن فراس عن عامر عن البراء بن عازب قال: وأنبأنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن البراء، فذكر أحدهما، ما لم يذكر الآخر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى، فقال: «من وجه قبلتنا، وصلى صلاتنا، ونسك نسكنا فلا يذبح حتى يصلي»، فقام خالي فقال: يا رسول الله، إني عجلت نسكي لأطعم أهلي، وأهل داري أو أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعد ذبحا آخر»، قال: فإن عندي عناق لبن هي أحب إلي من شاتي لحم، قال: «اذبحها، فإنها خير نسيكتيك، ولا تقضي جذعة عن أحد بعدك»

5/ / خرجه مسلم (1961) عن هشيم عن داود عن الشعبي عن البراء بن عازب أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن هذا يوم اللحم فيه مكروه، وإني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعد نسكا»، فقال: يا رسول الله، إن عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، فقال: «هي خير نسيكتيك، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك»

وقال ابن الجارود 908 - حدثنا محمد بن يحيى ثنا يزيد بن هارون نا داود بن علي عن الشعبي عن البراء ... :" وعندي عناق خير من شاتي لحم أفأذبحها؟، قال: «نعم ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك، وهي خير نسيكتيك»

6/ وقال الروياني 365 - نا محمد بن بشار نا الحجاج بن المنهال نا يزيد بن زريع نا داود عن عامر عن البراء بن عازب قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال: «لا يضحي أحد قبل أن يصلي» فقام خالي أبو بردة فقال: يا رسول الله، هذا يوم اللحم فيه مكروه، وإني عجلت نسيكتي قبل أن أطعم أهلي وأهل داري وجيراني، قال: قد فعلت، قال: «فأعد ذبحا آخر» قال: يا رسول الله، عندي عناق وهي خير من شاتي لحم؟ قال: «اذبحها مكانهما، ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك ".

7/ قال الروياني 370 - ونا محمد بن بشار نا ابن أبي عدي عن داود عن عامر عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تذبحن قبل أن نصلي» فقال خالي: يا رسول الله، إن هذا يوم اللحم فيه مكروه، وإني عجلت نسيكتي لأطعم منها أهلي وأهل داري وجيراني؟، فقال: «قد فعلت، أعد ذبحا» فقال: عندي عناق لحم وهي خير من شاتي لحم، قال: «اذبحها وهي خير نسيكتك، ولا تقضي جذعة عن أحد بعدك».

8/ وقال الطحاوي في معانيه (4/172) حدثنا أبو بكرة ثنا أبو المطرف بن أبي الوزير ثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن الشعبي عن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله , إلا أنه قال:" اذبحها , ولا تزكي جذعة بعد".

9/ وكذلك رواه الطحاوي عن المزني قال: حدثنا الشافعي حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن البراء بن عازب ... , فقال: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم، فقال: " هي خير نسيكتيك، لن تجزئ جذعة عن أحد بعدك "

10/ ورواه البيهقي (9/440) عن هشيم عن داود عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذا يوم اللحم فيه مكروه , وإني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعد نسكا ". فقال: يا رسول الله، إن عندي عناقا لهي خير من شاتي لحم. فقال: " هي خير نسيكتك ,ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك ".

11/ وكذلك خرجه البيهقي عن يزيد بن هارون أنبأ داود بن أبي هند عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يذبحن أحد قبل أن يصلي ". فقام إليه خالي فقال: يا رسول الله إن هذا اليوم فيه اللحم كثير , وإني ذبحت نسيكتي ليأكل أهلي وجيراني, وإن عندي عناق لبن خير من شاة لحم، فأذبحها؟ قال: " نعم، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك، وهي خير نسيكتك ".       

12/ وخرجه في المعرفة عن أبي الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، ثم قال: «من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم» قال أبو بردة بن نيار: يا رسول الله والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقد فعلت فأعد ذبحا آخر» قال: يا رسول الله إن عندي عناقا لي خير من شاتي لحم أفأذبحها؟ قال: «نعم وهي خير نسكك، ولا تقضي جذعة عن أحد بعدك».

13/ وخرجه البيهقي عن عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم النحر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لا يذبحن أحدكم حتى يصلي قال: فقام خالي فقال: يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه مقروم، وإني ذبحت نسيكتي فأطعمت أهلي وجيراني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قد فعلت فأعد ذبحا آخر» فقال: عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم فقال: «هي خير نسيكتيك ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك» قال الشافعي: قال عبد الوهاب: أظن أنها ماعز.

وقال المزني: قال الشافعي رحمه الله: والعناق هي ماعز كما قال عبد الوهاب، إنما يقال للضانية: رخل "، وهو قول جماعة من أهل اللغة ، وخالفهم آخرون فعدوها إلى الضأن أيضا : 

فقال ابن حزم في المحلى :" قلنا: نعم, والعناق اسم يقع على الضانية كما يقع على الماعزة، ولا فرق، وقال العدبس الكلابي وأبو فقعس الأسدي وكلاهما مما نقل الأئمة عنهما اللغة: الجفر, والعناق, والجدي, من أولاد الماعز إذا بلغ أربعة أشهر, وكذلك من أولاد الضأن ".

وسواء أكان هذا أم ذاك فلا تأثير للسبب في الحكم، لأنه سبب ورودٍ غير مؤثر في عموم الحكم واللفظ:" ولا تقضي جذعة عن أحد بعدك "، كما أسلفنا .

الفرع الثاني: ذكر الأدلة الدالة بلفظ العموم على النهي عن مطلق الجذاع، وإن كان سببه في جذع الماعز نصا :

حيث استدل بها  من حمل الحديث على النهي عن جذاع الماعز فقط، كما استدل بها الجخمهور المانعين على جذاع الماعز زما يلتحق بها كالبقر والإبل بجامع عدم البلوغ والقوة على النزو :

طريق أول: قال الروياني في مسنده (287) نا محمد بن إسحاق نا ابن الأصبهاني أنا شريك عن أبي إسحاق عن البراء قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عندي جذعة من المعز سمينة فتجزي عني؟ قال: «نعم ولا تجزي عن أحد بعدك»

تابعه إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء به ، وأبو إسحاق مدلس وقد توبع متابعة ضعيفة :

طريق ثاني: قال أحمد (4/282) حدثنا سفيان أخبرنا أبو جناب عن يزيد بن البراء عن أبيه خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: " إن أول نسككم هذه الصلاة " فقام إليه أبو بردة بن نيار خالي، قال سفيان: وكان بدريا، فقال: يا رسول الله، كان يوما نشتهي فيه اللحم، ثم إنا عجلنا، فذبحنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فأبدلها " قال: يا رسول الله، إن عندنا ماعزا جذعا، قال: " فهي لك، وليس لأحد بعدك ".

وخرجه عن معاوية بن عمرو حدثنا زائدة حدثنا أبو جناب الكلبي حدثني يزيد بن البراء بن عازب عن البراء بن عازب قال: كنا جلوسا في المصلى يوم أضحى، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على الناس، ثم قال: " إن أول نسك يومكم هذا الصلاة "، قال: فتقدم، فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم استقبل الناس بوجهه، وأعطي قوسا، أو عصا، فاتكأ عليه، فحمد الله، وأثنى عليه، وأمرهم، ونهاهم، وقال: " من كان منكم عجل ذبحا، فإنما هي جزرة أطعمه أهله، إنما الذبح بعد الصلاة " فقام إليه خالي أبو بردة بن نيار، فقال: أنا عجلت ذبح شاتي يا رسول الله ليصنع لنا طعام نجتمع عليه إذا رجعنا، وعندي جذعة من معزى هي أوفى من الذي ذبحت، أفتفي عني يا رسول الله؟ قال: " نعم، ولن تفي عن أحد بعدك   

وخرجه الروياني 332 نا يونس بن عبد الأعلى نا سفيان بن عيينة عن أبي جناب ن يزيد نحوه .

أبو جناب ضعيف، ويزيد بن البراء وإن كان من خيرة الأمراء، فحاله في الضبط مجهولة وإن وثقه العجلي وابن حبان كعادتهما.

طريق ثالث: قال الدارمي 2005 - أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور وزبيد عن الشعبي عن البراء بن عازب أن أبا بردة بن نيار ضحى قبل أن يصلي، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم دعاه، فذكر له ما فعل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما شاتك شاة لحم». فقال: يا رسول الله، عندي عناق جذعة من المعز هي أحب إلي من شاتين، قال: «فضح بها، ولا تجزئ عن أحد بعدك»، رواه شعبة عنهما بلفظ " جذعة " فقط ، وكذلك رواه الناس عن منصور .

وقال مسلم وحدثنا قتيبة بن سعيد وهناد بن السري، قالا: حدثنا أبو الأحوص، ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن جرير كلاهما عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، ثم ذكر نحو حديثهم"، أي حديث أصحاب شعبة عنه بلفظ :" عندي جذعة خير من مسنة ".

الطريق الرابع :خرجه البخاري 5556 ومسلم 1961 عن مطرف عن عامر عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شاتك شاة لحم» فقال: يا رسول الله، إن عندي داجنا جذعة من المعز، قال: «اذبحها، ولن تصلح لغيرك» ثم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين»،

ثم قال:" تابعه عبيدة عن الشعبي وإبراهيم، وتابعه وكيع عن حريث عن الشعبي، وقال عاصم وداود عن الشعبي: «عندي عناق لبن» وقال زبيد وفراس عن الشعبي: «عندي جذعة»، وقال أبو الأحوص: حدثنا منصور: «عناق جذعة» وقال ابن عون: «عناق جذع، عناق لبن ».

وكذلك رواه زكريا بن عدي، قال: ثنا حفص بن غياث عن داود وعاصم عن الشعبي عن البراء بن عازب قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم النحر: «من كان ذبح قبل الصلاة، فليعد» ، قال: فقال: أبو بردة بن نيار: يا رسول الله إن عندي عناق جذعة من المعز، أفأضحي بها؟، قال: «نعم، ولا يضحي بها أحد بعدك» خرجه عنه أبو عوانة .

إلا أن هذا السبب حتى ولو جعلناه مؤثرا في الحكم لكان الأسعد به من منع من جذعان الماعز فقط، وأجاز ما سواه.

فإن قالوا : لفظ النبي عليه السلام عام، فقد تناقضوا في حمل العموم على الجميع واستثناء الضأن فقط، لأن العموم يشمل كل شيء .

ولذلك قال ابن حزم في المحلى :" وإنما يحتج برواية مطرف هذا من لم يمنع من الجذع إلا من الماعز فقط, وأما من منع من الجذاع كلها مما عدا الضأن فلا حجة له في شيء من هذا الخبر, بل هو حجة عليه وبالله تعالى التوفيق ".

قال ابن حزم:" والعجب أنهم لم يجدوا في النهي عن الجذاع من الإبل والبقر خبرا أصلا إلا هذا اللفظ فمن أين خصوا به جذاع الإبل والبقر دون جذاع الضأن ".

فإن قالوا: قسنا جذاع الإبل والبقر على جذاع الماعز بجامع عدم القدرة على النزو؟

فقد يعترض عليهم بالقول: وهلا قستموها على جذاع الضأن أيضا, بجامع الدخول في مسمى الجذاع والسن أيضا.

وما الذي جعل قياس الإبل والبقر على الماعز أولى من قياسها على الضأن؟ لا سيما وأن الجذع من الإبل والبقر يجزيان في الزكاة, فهلا قاسوا جوازها في الأضحية على جوازها في الزكاة، فلاح أنهم لا النص اتبعوا, ولا القياس عرفوا ". المحلى بتصرف يسير.

الفرع الثالث : ذكر الأدلة الدالة بلفظ العموم على النهي عن مطلق الجذاع، وبيان أن سبب الورود كان في مطلق الجذاع أيضا:

1/ كذلك خرجه البغوي في شرح السنة (4/327) عن سليمان بن حرب نا شعبة عن زبيد عن الشعبي عن البراء، قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، قال: " إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك، فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن نصلي، فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء "، فقام خالي أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، أنا ذبحت قبل أن أصلي، وعندي جذعة خير من مسنة، قال: «اجعلها مكانها»، أو قال: «اذبحها ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك» قال البغوي :" هذا حديث متفق على صحته،

2/ وخرجه البخاري (955) عن جرير عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما... وفيه قال: يا رسول الله، فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين، أفتجزي عني؟ قال: «نعم ولن تجزي عن أحد بعدك».

كذلك خرجه النسائي (1581)عن قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن منصور مثله .

3/ وخرجه البخاري 965 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا زبيد: سمعت الشعبي عن البراء بن عازب، قال: ... فقال رجل من الأنصار يقال له أبو بردة بن نيار: يا رسول الله، ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة، فقال: «اجعله مكانه ولن توفي أو تجزي عن أحد بعدك» ،

وكذلك خرجه النسائي (1563) بهز قال: حدثنا شعبة أخبرني زبيدبه .

وقال ابن الجعد وأبو داود (779) حدثنا شعبة عن زبيدمثله .

وخرجه النسائي في الكبرى (2/299) عن عفان عن شعبة عن منصور وداود وابن عون وزبيد ومجالد خمستهم عن الشعبي عن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر، فمن فعل، فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل ذلك، فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» قال: وذبح خالي أبو بردة بن نيار، قال: يا رسول الله، ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة، قال: «اجعلها مكانها ولم تجزئ أو توف عن أحد بعدك»

وقال حجاج: حدثنا شعبة أخبرني سلمة بن كهيل عن أبي جحيفة عن البراء قال: ذبح أبوبردة بن نيار قبل الصلاة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد مكانها، فقال: يا رسول الله، عندي جذعة خير من مسنة، فقال: «اذبحها ولن تجزئ أو توفي عن أحد بعدك»

لم يختلف الرواة عن شعبة في روايته الحديث بلفظ :"عندي جذعة "،

وخالفهم أبو عامر العقدي فقال حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت أبا جحيفة وهبا السوائي يحدث عن البراء بن عازب أن خالي ذبح قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "شاتك شاة لحم، وليس من النسك في شيء" فقال: يا رسول الله، فعندي عناق جذعة هي خير من مسنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توفي عنك ولا توفي عن أحد بعدك ".

4/ ورواه محمد بن طلحة عن زبيد بلفظ :" عندي جذعة "، كما روى الحفاظ عن شعبة .

5/ وكذلك رواه أحمد بن أبي بكر عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعيد أضحية أخري، قال أبوبردة: لا أجد إلا جذعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن لم تجد إلا جذعا فاذبحه".

6/ ورواه فراس عن الشعبي عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من وجه قبلتنا، وصلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فلا يذبح حتى يصلي"، فقال خالي أبو بردة: يا رسول الله، إني نسكت عن بن لي، قال: "ذاك شيء عجلته لأهلك"، قال: فإن عندي جذعة، قال: "ضح بها عنه، فإنها خير نسكه ".      

7/ وخرجه البخاري 954 عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ذبح قبل الصلاة، فليعد»، فقام رجل فقال: هذا يوم يشتهى فيه اللحم، وذكر من جيرانه، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم صدقه، قال: وعندي جذعة أحب إلي من شاتي لحم، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم، فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا ".

الفرع الرابع: من زعم أن السبب في كان في جذعة شاة، وبيان النهي عن التضحية بجذاع الشياه:

وهو قول الظاهرية وجماعة من السلف، وقد استدلوا بما يلي:

الدليل الأول: حديث البراء نفسه وبيان من روى السبب أنه في جذاع الضأن، والنهي عنها بذاتها:

1/ ذلك أن هذا الخبر نفسه قد خرجه مسلم في الصحيح (1961) عن زكريا عن فراس عن عامر عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، ووجه قبلتنا، ونسك نسكنا، فلا يذبح حتى يصلي»، فقال خالي: يا رسول الله، قد نسكت عن ابن لي، فقال: «ذاك شيء عجلته لأهلك»، فقال: إن عندي شاة خير من شاتين، قال: «ضح بها، فإنها خير نسيكة»

2/ وخرجه أبو عمرو الأصبهاني عن عفان حدثنا شعبة حدثنا زبيد ومنصور وداود بن أبي هند وابن عون ومجالد عن الشعبي حدثنا البراء بن عازب في مسجد الكوفة عند أسطوانة، لو كنت ثم لأريتكموها, قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: «إن أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي , ثم نذبح , فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا , ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم قدمه لأهله», فقام إليه خالي أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله , إني ذبحت نسكي ليأكل منه أهلي , وعندي شاة خير من شاتي لهم , فقال: «اذبحها , فهي خير , ولن تجزئ عن أحد بعدك» .

ومما يرجح هذه الرواية أن صاحب القصة والأضحية نفسه روى هذا الحديث وأنه طلب السماع له بالتضحية بجذع الضأن، فأذن له خاصة، ثم نهى الأمة عن الجذاع:

الدليل الثاني: حديث أبي بردة نفسه في أن الجذع من الضأن وبيان النهي عنها، وأن الرخصة فيه خاصة به بسبب عدم وجود الثنية والمسنة:

1. قال الإمام أحمد (4/45) حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بشير بن يسار مولى بني حارثة عن أبي بردة بن نيار قال: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخالفت امرأتي حيث غدوت إلى الصلاة إلى أضحيتي فذبحتها وصنعت منها طعاما، قال: فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفت إليها، جاءتني بطعام قد فرغ منه، فقلت: أنى هذا؟ قالت: أضحيتك ذبحناها وصنعنا لك منها طعاما لتغدى إذا جئت، قال: فقلت لها: والله لقد خشيت أن يكون هذا لا ينبغي، قال: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: " ليست بشيء، من ذبح قبل أن نفرغ من نسكنا فليس بشيء فضح، قال: فالتمست مسنة فلم أجدها، قال: فجئته، فقلت: والله يا رسول الله لقد التمست مسنة فما وجدتها، قال: " فالتمس جذعا من الضأن فضح به "، قال: فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجذع من الضأن، فضحى به حين لم يجد المسنة ".

هذا حديث حسن صحيح رجاله ثقات، لكن قال ابن عبد البر في "التمهيد" 23/180: يقال: إن بشير بن يسار لم يسمع من أبي بردة ".

والأظهر أنه سمع منه، فكلاهما أنصاري مدني، ومن نفس الطبقة.

فأما أبو بردة فقد مات سنة إحدى وقيل اثنتين وأربعين وقيل خمس وأربعين، وقال الواقدي: توفي في أول خلافة معاوية بعد شهوده مع علي حروبه كلها".

وأما بشير فقد قال عنه ابن سعد: كان شيخًا فقيهًا كبيرًا قد أدرك عامة الصحابة".

فعلى هذا يصح الحديث وقد صححه ابن حبان 5905. وذكر في الثقات أنه يروي عن أبي بردة.

وكذلك أثبت الرواية عنه كل من ابن ناصر الدين في المشتبه، والمزي وابن حجر وذكروا أنه أدرك عامة الصحابة,

لكن اختلف في وصله:

فوصله ابن إسحاق عن بشير كما مضى.

2. ورواه يحيى بن سعيد عن بشير واختلفوا عنه:

أ. فرواه النسائي 4468 عن عمرو وعبيد الله عن يحيى القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح موصولا، قال عمرو: عندي عناق جذعة هي أحب إلي من مسنتين قال: «اذبحها» في حديث عبيد الله فقال: إني لا أجد إلا جذعة فأمره أن يذبح "، وهذه أصح.

ب: ورواه مالك مرة مرسلا إرسالا خفيا: فقال أبو مصعب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود بضحية أخرى، قال أبو بردة: لا أجد إلا جذعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد إلا جذعا، فاذبحه ".

. ورواه معن بن عيسى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح قبل أن يذبح رسول الله يوم الأضحى فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود بأضحية أخرى فقال أبو بردة : لا أجد إلا جذعا قال : وإن لم تجد إلا جذعا فاذبحه "، خرجه عنه أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق القاضي في جزء حديث مالك عن علي بن المديني عن معن به بأصح الأسانيد.

كذلك رواه متصلا: الدوري حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار ..  

فإذ قد اختلف على مالك، ورواه يحيى القطان موصولا، فإن هذا الموصول هو الصحيح كما رجح علي بن المديني.

قال علي:" وقد رواه محمد بن إسحاق عن بشير بن يسار سمعه منه فقال كما قال مالك ويحيى بن سعيد ( .. .. .. ) عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار ".

3. ورواه سعيد بن أبي هلال موصولا ومرسلا: فقال عن عمر بن السائب عن بشير بن يسار  أن أبا بردة بن نيار ضحى قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إني خرجت بضحيتي إلى المصلى فذبحتها قبل الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صح بغيرها فالتمست من المعز فلم أجد فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضحي بجذع من الضأن"،

لكن في قول سعيد: قال أبو بردة: يدل على روايته عنه لا أنه أرسله إرسالا خفيا، ولذلك خرجه ابن حبان في صحيحه 1054 من هذا الوجه. 

الدليل الثالث: حديث أبي زيد في أن الجذعة من الضأن، ولعله قصة أخرى في النهي عن جذاع الشياه:

قال الإمام أحمد (5/77) حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا خالد عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي زيد الأنصاري قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر ديارنا، فوجد قتارا، فقال:" من هذا الذي ذبح؟ " قال: فخرج إليه رجل منا، فقال: يا رسول الله، كان هذا يوما الطعام فيه كريه، فذبحت لآكل وأطعم جيراني، قال: " فأعد "، قال: لا والذي لا إله إلا هو، ما عندي إلا جذع من الضأن، أو حمل، قالها ثلاث مرات، قال: " فاذبحها، ولا تجزئ جذعة عن أحد بعدك ".

تابعه وهب بن بقية أنا خالد عن خالد الحذاء ،

وخرجه الطبراني (17/29) عن وهب بن بقية أنا خالد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن سلمة أو عن أبي المهلب عن أبي زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر يوما بين ظهور ديار الأنصار فوجد فتارا فقال : "من ذبح قبل أن نذبح ؟، فخرج رجل فقال: ها أنا يا رسول الله هذا يوم الطعام فيه كريه، قال : "فأعد"، قال فوالله الذي لا اله الا هو ما عندي الا جذع من الضأن أو حمل قال:" فأذبحه ولا تجريء جذعة عن أحد بعدك ".

تابعه يحيى الحماني ثنا عبد الوارث بن سعيد عن خالد الحذاء ، كذلك هي رواية اسماعيل بن ابراهيم وعبد الأعلى كلهم عن خالد الحذاء به .

الدليل الرابع: حديث جابر في النهي عن كل الجذع إلا في حالة الإعسار فتصح جذاع الضأن:

خرجه الإمام مسلم في الصحيح نا أحمد بن يونس نا زهير بن معاوية نا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ".

قد كان على قوم أن يستحيوا من جهلهم قبل أن يتطاولوا على تضعيف صحيح مسلم، بدعواهم هنا بأن أبا الزبير قد دلسه، وقد اتفق كل الرواة عنه بروايته هنا عن جابر بلا واسطة، بل قد سمعه عنه:  

فقال أبو عوانة في مستخرجه الصحيح على مسلم (5/74) حدثنا ابن المنادي ثنا يونس بن محمد ثنا أبو خيثمة، وحدثنا الصغاني ثنا حسن بن موسى الأشيب ثنا زهير بإسناده مثله، ورواه محمد بن بكر عن ابن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول وذكر الحديث ".

ومما يدل على أن المراد بأحاديث التضحية بجذعان الضأن إنما يكون في حالة الإعسار فقط حديث عاصم:

الدليل الخامس: حديث عاصم بن كليب عن أبيه: وهو صريح في النهي عن جذعان الضأن إلا في حالة الإعسار والعجز، فيرخص في الجذاع :

1/ قال أبو بكر في مصنفه ومسنده 933 (ص409) نا عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا في المغازي ولا يؤمر علينا إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا بفارس وعلينا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مزينة، فغلت علينا المسان، حتى كنا نشتري المسنة بالجذعتين والثلاثة، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الجذعة توفى مما يوفي فيها الثني».

2/ ورواه أبو الجهم نا يوسف هو ابن يعقوب القاضي نا أبو الربيع هو الزهراني نا حبان بن علي عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا يؤمر علينا في المغازي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر علينا رجل من الأنصار فقال: إني شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا اليوم يعني يوم النحر فطلبنا المسن، فغلت علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الجذع يفي مما يفي منه المسن".

3/ وقال الحاكم (4/251) أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أنبأ موسى بن إسحاق الأنصاري أنا عبد الله بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن إدريس ثنا عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا نؤمر علينا في المغازي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكنا بفارس فغلت علينا يوم النحر المسان فكنا نأخذ المسنة بالجذعين والثلاثة، فقام فينا رجل من مزينة فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابنا مثل هذا اليوم فكنا نأخذ المسنة بالجذعين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني»

قال:" رواه الثوري عن عاصم بن كليب وسمى الصحابي فيه مجاشع بن مسعود السلمي ".

4/ قال الحاكم 7539 - حدثنا محمد بن صالح بن هانئ ثنا السري بن خزيمة ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع مجاشع بن مسعود السلمي في غزاة فغلت الضحايا فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني»

وكذلك خرجه عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مجاشع من بني سليم فأمر مناديا ينادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الجذع توفي مما توفي منه الثنية".

وخرجه البيهقي (5/377) عن قبيصة ثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه فقال: كنا في غزاة معنا , أو علينا مجاشع بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزت الغنم, فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يوفي الجذع مما يوفي منه الثني "

قال الحاكم :" رواه شعبة عن عاصم بن كليب ولم يسم الصحابي ".

5/ ثم قال الحاكم: حدثنا أبو بكر بن إسحاق أنبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من مزينة أو جهينة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قبل الأضحى بيوم أو يومين أعطوا جذعين وأخذوا ثنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الجذعة تجزئ مما تجزئ منه الثنية»

قال الحاكم:" هذا حديث مختلف فيه عن عاصم بن كليب وهو مما لم يخرجاه الشيخان رضي الله عنهما، وقد اشترطت لنفسي الاحتجاج به، والحديث عندي صحيح بعد أن أجمعوا على ذكر الصحابي فيه، ثم سماه إمام الصنعة سفيان بن سعيد الثوري رضي الله عنه ".

هذا هو الصواب والله أعلم وبالله التوفيق وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                           كتبه أبو عيسى الطاهر زياني                                                                       

 

 

 

تعليقات

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني