المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

                                              بسم الله الرحمن الرحيم

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث

 

                                      كتابة الطاهر زياني

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم، وبعد:

تعتبر الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام بنوعيها، وقد اجتمع فيها حقان: حق الله تعالى، وحق الفقراء والمساكين، ولذلك أحببت أن أجمع فيها مبحثا طويلا، أراعي فيه بين القديم والحديث، مقسما إياه على النحو التالي: 

الفصل الأول: زكاة الفطر:

المبحث الأول: وقت زكاة الفطر وعلى من تجب، ولمن؟:

المطلب الأول: الأصناف الذين يستحقون الزكاة، وبيان كم يجوز لهم أن يأخذوا:

المسألة الأولى: من تُدفع لهم الزكاة، وكم يأخذوا:

المسألة الثانية: شرح الأصناف الثمانية، من يأخذ الزكاة منهم، ومن تجب عليه الزكاة:

المسألة الثالثة: كم يأخذ كل صنف من الصدقة:

المطلب الثاني: شروط الزكاة، على من تجب؟ وعمن تجب؟ ومتى:

المطلب الثالث: وقت الوجوب والأداء :

المسألة الأولى: وقت وجوب زكاة الفطر:

المسألة الثانية: زمن أدائها وتعجيلها:

الفرع الأول: وقت الأداء القبلي:

الفرع الثاني: وقت الأداء البعدي:

المبحث الثاني: أصناف ما يُعطى في زكاة الفطر، ومقدارها بالصاع والدينار، وكلام السلف في ذلك:

المطلب الأول: مَن قال أنّ الزكاة لا تكون إلا من الطعام المنصوص عليه:

القول الأول: لا تكون إلا صاعا من التمر والشعير لا غير:

القول الثاني: تكون من التمر والشعير إضافة إلى الزبيب والأقط، على اختلاف في البر:

المطلب الثاني: من قال بجواز إخراج الزكاة من سائر الطعميات مما كان قوتا لأهل البلد :

القول الأول: عموم إخراج الكيل صاعا لكل المطعومات من أي طعام، أو مقداره من الوزن:

القول الثاني: من فرّق بين القمح الغالي فيه نصف صاع، وأما غيره ففيه صاع:

المطلب الثالث: من قال بجواز إخراج القيمة والدينار:

الفرع الأول: تأصيل هذا القول:

الفرع الثاني: أدلة من قال بجواز دفع القيمة في زكاة الفطر أو غيرها:

المسألة الأولى: أدلة المعقول والقياس:

المسألة الثانية: ذكر الأدلة والآثار، على مشروعية التصدق بالقيمة والدينار:

الفرع الأول:  مشروعية الزكاة بالقيمة من الطعميات:

الفرع الثاني: ما ورد في التصدق بالقيمة في العروض والدنانير:

الفرع الثالث: آثار التابعين في إخراج القيمة:

المطلب الثالث: حساب الصاع ومقداره:

الفصل الثاني: زكاة الأموال:

المبحث الأول: زكاة الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية والعروض:

المطلب الأولى: زكاة الذهب والفضة ....

المطلب الثاني: زكاة الحلي: وفيها مسألتان:

المسألة الأولى: تأصيل المسألة وبيان بعض ما ورد في عدم الزكاة في الحلي:

المسألة الثانية: بيان علل أحاديث الأمر بالزكاة في الحلي :

المبحث الثاني: زكاة الأنعام: .......... 

المبحث الثالث: زكاة ما يخرج من الأرض:

المطلب الأول: مواضع الاتفاق والاختلاف فيما يخرج من الأرض، وذكر أدلة كل فريق:

المطلب الثالث: هل تُضم الأصناف المتشابهة لبعضها:

المطلب الرابع: أنصبة الزكاة بين الوسق القديم، والكيل الحديث:

المطلب الخامس: حساب النصاب بالكيل الحالي بالتدقيق:

المبحث الرابع: المتاجرة في الأرض والثمر وانتقال الملكية، وعلى من تجب الزكاة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة: أنواع الزكاة :

هي نوعان، زكاة أموال وزكاة فطر.

الفصل الأول: زكاة الفطر:

المبحث الأول: وقت زكاة الفطر وعلى من تجب، ولمن؟:

في هذه المسألة إشكالات:

ما هي أصناف الزكاة؟ وهل للمتصدق أن يقسمها بين جميع الأصناف؟

أم يحل له أن يعطيها لصنف واحد؟

وهل الترتيب مطلوب؟ أم أن ذلك بحسب حاجة كل شخص؟

أم هنالك فرق بين الحاكم والأفراد ؟

المطلب الأول: الأصناف الذين يستحقون الزكاة، وبيان كم يجوز لهم أن يأخذوا:

المسألة الأولى: من تُدفع لهم الزكاة، وكم يأخذوا:

اتفق أهل العلم على وجوب دفع زكاة الأموال للأصناف الثمانية المذكورين في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) }[التوبة]

كما اتفقوا على وجوب دفع صدقة الفطر إلى الفقراء والمساكين، ثم اختلفوا فيما سواهما

القول1/ ذهب المالكية وابن تيمية إلى دفع زكاة الفطر للفقراء أوالمساكين فقط، يُعطَوْنَ منها على حسب حاجتهم ما داموا فقراء أو مساكين ما لم يبلغوا نصابا.

2/ وذهب الحنفية والحنابلة وابن تيمية إلى إعطائها إلى أي صنف من الأصناف المذكورين في الآية، من غير إلزام بقسمتها مساواة بين جميع الأصناف،

لأن الواو في لغة العرب تفيد الاشتراك ولو من غير تساوي.

قال ابن تيمية في المجموع (19/257) :" وليس في اللفظ ما يدل على التسوية بل على خلافها... لم تكن التسوية في شيء من هذه المواضع واجبة ؟ بل ولا مستحبة في أكثر هذه المواضع سواء كان الإعطاء واجبا أو مستحبا بل بحسب المصلحة...

قال:" وأما هذه المواضع فالأخذ فيها بالحاجة والمنفعة ؛ فلا يجوز أن تكون التسوية بين الأصناف واجبة ولا مستحبة ؛ بل العطاء بحسب الحاجة والمنفعة كما كان أصل الاستحقاق معلقا بذلك ".

3/ وذهب الشافعية والظاهرية إلى أنه يجب على الخليفة والأمير أن يوزع الصدقة بالتساوي بين جميع الأصناف الثمانية المذكورين في الآية، حاشا أهل البيت:

قال ابن حزم في المحلى (6/144) في شأن تقسيم الأمير:" ثمانية أجزاء مستوية: للمساكين سهم, وللفقراء سهم, وفي المكاتَبين وفي عتق الرقاب سهم, وفي سبيل الله تعالى سهم, ولأبناء السبيل سهم, وللعمال الذين يقبضونها سهم, وللمؤلفة قلوبهم سهم".

هذا في الأمير والحاكم بشرع الله.

وأما الشخص المنفرد أو من له عيال: فله أن يعطيها في صنف واحد، فقير أو مسكين وهو الأفضل، أو يعطيها لأحدٍ من الأصناف الثمانية:

المسألة الثانية: شرح الأصناف الثمانية، من يأخذ الزكاة منهم، ومن تجب عليه الزكاة:

الصنف الأول والثاني: الفقير والمسكين:

اختلف العلماء في تحديدهما،

1/ والأقوى أن الفقير هو المعدم هو الذي لا يستطيع العمل، أخذا من فقارات الظهر، فإنها إن كسرت لم يستطع صاحبها العمل، استدلالا بقوله تعالى في وصف الفقراء :{ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ }[البقرة 273]،

وهذا الصنف لا فطرة عليه، إلا أن يُتصدق عليه فوق قوته، ثم يُخرج الزكاة من تلك الصدقات ولو بعد صلاة العيد، ما دام في وقت الأداء إلى غروب الشمس يوم الفطر.

وأما المسكين: فهو العامل الذي لا تكفيه أجرته للقوت كما قال تعالى :{ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ }[الكهف 79]،

فهؤلاء: من كان له منهم فضلة عن قوت يومه طولب بصدقة الفطر.

كما يصح لهم الأخذ من الزكاة أو الفطرة، ما داموا بهذا الوصف حتى يغنيهم الله من فضله، فإن أخذوا بعد ذلك، أو أخذ مريض أو غارم أو ابن سبيل فوق حاجته فهو سحت.

وهو اختار شيخ الإسلام أيضا: لأن مراد الشرع إخراج الفقراء من دائرة الفقر إلى الغنى؛ لحديث قبيصة بن مخارق رضي الله عنه مرفوعاً، وفيه: «وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ»، ولم يقل قوت يوم.

قالوا: فكل من لا يستطيع قوام ضروريات عيشه من دفع إيجار مسكن وتطبّب، أو قوت ضروري، وحتى كتب العلم الضرورية لطالب العلم في سبيل الله تعالى، فيصح إعطاؤها حتى يقوم عيشه ويحسن.

2. وقال قوم من الحنابلة: من له قُوتُ يومه وليلته: لا ينبغي له الأخذ من الزكاة والصدقات، لأنه هو الذي يًصدق الفطرة.

وفي هذا إشكال، لأن الفقير هو المعدم، بينما المسكين بنص هو العامل الذي يلا يكاد ُدرك نفقة عياله الضرورية، والغالب عليه أن يكون له قوت يومه الضروري على حسب خراجه فقط، وإنما لا يستطيع تفضيل المال فوق قوتِه وتطببه، ولا يملك فوق ضرورياته، ولا مال له فضلة حتى يزكي أو يتصدق على غيره، وقد أجاز الله له كالفقير أخذ الصدقات.

خاصة أن هذا الصنف قد لا يتسنى له الأخذ من أموال الصدقات في باقي أيام السنة، لأنه لا يستطيع التسول، ولا يُنتبَه له غالبا إلا في المناسبات.

ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُلَّ يَوْمٍ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَلَ أَكْثَرَ مِنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ السُّؤَالِ: أُبِيحَ لَهُ السُّؤَالُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "،

وأما متى يزكي هؤلاء:

فكل من كان له طعامٌ فاضل عن قوت يومه، بمعنى ليلة العيد ويومه ، فإنه يزكي الفطرة،

كما له أن يأخذ الزكاة أيضا على الصحيح خلافا لأبي مصعب فإنه منع ذلك.

لكن قيل بكراهة أخذِ صدقته بعينها، لأجل المنع من الرجوع في الصدقة.

قال ابن رشد في البيان والتحصيل (2/483):" وأما إِن دفعها إليه المسكين الذي دفَعها هو إليه، فذلك مكروه إن كانت هي بعينها، من أجل الرجوع في الصدقة"؛

ثم رجح جواز أخذ المسكين المتصدِّق للزكاة بسبب فضله وكرمِه فقال:" وإذا جاز دفْعها إليه، فهو أولى من غيره بما تبين من فضله؛ إذ دَفع الزكاة مع مسكنته وحاجته، قال الله عز وجل {ويؤثرون على أنفسهم} الآية".

. وكذلك سائر الأصناف المتبقية، فإنهم يزكون أيضا إن وجدواو. يأخذون من الزكاة والصدقة على الأرجح،

المسألة الثالثة: كم يأخذ كل صنف من الصدقة:

واختلفوا في إعطاء شخص معينٍ ، أكثر من زكاة إنسان:

فمنع من ذلك أبو مصعب فقال:" لا يُعطاها من أخذها، ولا يُعطَى فقيرٌ أكثر من زكاة إنسان "، أي أكثر من صاع، لأنه عليه السلام قال: «أغنوهم [عن السؤال] في هذا اليوم»، فيُعطى لهم قوت يوم العيد فقط.كما أسلفنا

وقيل يجوز ذلك، لأن المراد بالإغناء هنا، هو استغناءهم وتركهم للمسألة طيلة هذا اليوم العظيم وغيره، ثم إن الصاع لا يكفي الفقير ولا يسد حاجته ولو ليومٍ واحد، خاصة إن كان له عيال.

وأما سائر الأصناف: فلا يحل لهم أن يأخذوا من مطلق الصدقات الفطر والمال، فوق حاجتهم ودرجة احتياجهم، لقوله عليه السلام:" مَنْ سألَ النَّاسَ أموالهم تكثُّرًا، فإِنَّما يسألُ جَمْرًا، فليستَقِلَّ أو ليستكثِر ".

فابن السبيل مثلا لا يأخذ إلا ما يقطع به سبيله إلى بلده ولا يزيد، والمريض لا يأخذ إلا بما فيه تطببه ولا يزداد.

والغارم يُغطى له من الزكاة بقدر دفع الدّيْن عن ذمته، حتى ولو كان هؤلاء أغنياء في الأصل.

وأما بيان الشخص المتصدق والمزكي  (المعطي) ففي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: شروط الزكاة، على من تجب؟ وعمن تجب؟ ومتى:

اتفق العلماء على أن زكاة الأموال:لا تجب إلا على غني يملك نصابا.  

واختلف السلف في الفطرة:

والأكثرون على وجوب الفطرة على كل مسلم: واجــدٍ لما زاد عن قوت يومه، منفردا كان بنفسه، أو على من هم تحت مسؤوليته:

فالمتأهل: يزكي عن أسرته، وهم زوجته وأبناؤه القُصّر.

والوصيّ: يزكي عن أيتامه أو مكفوليه ومن هم تحت رعايته.

والسيد: يزكي عن عبيده ورقيقه وجواريه.

يزكي عنهم إذا كانوا تحت مسؤوليته منذ دخول وقت وجوب الزكاة المختلف فيه كما سنذكر،

هل هو قبيل الغروب من آخر يوم في الصوم؟

أم منذ  الغروب من آخر يوم؟

أم منذ طلوع الفجر إلى صلاة العيد؟ بحيث:

أ: إذا خرجوا عن مسؤوليته قبيل دخول الوقت لم يزكِّ عنهم.

ب: وأما إن بقوا تحت مسؤوليته وقد دخل الوقت، كانت الزكاة عليه هو، يزكي عنهم، لثبوتها في ذمته.

ج: وأما إذا دخلوا تحت مسؤوليته بعد خروج الوقت فلا زكاة عليه، وإنما الزكاة على من كانوا تحت مسؤوليته أولا.

وسواء أكان هؤلاء الـمُنْطوون تحته، صغارا أو كبارا لم يستقِلُّوا بأنفسهم، ذُكرانا أو إناثا، أحرارا أو عبيدا، زوجات أو رقيقا، أيتاما أو مكفولين، إذا كانوا من المسلمين:

روى الناس عن الإمام مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الناس صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر وعبد، ذكر وأنثى، [من المسلمين]".

رواه الناس عن نافع بغير ذكر المسلمين،

ورواه مالك والضحاك بن عثمان وعمر بن نافع كلهم عن نافع بزيادة المسلمين، كذلك هي رواية عبد الله بن شوذب عن أيوب عن نافع عند ابن خزيمة 2411 ولم يذكرها أصحاب أيوب.

وإنما تجب على المعيل، يزكي عن عياله، ممن يُموّنهم وهم تحت مسؤوليته:

روى جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على الحر والعبد، والذكر والأنثى ممن تمونون ".

وخرج ابن خزيمة في صحيحه 2396 عن مكحول عن عراك بن مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على المسلم في فرسه، ولا في عبده، ولا وليدته صدقة إلا صدقة الفطر".

وخرج ابن خزيمة 2410عن بكر الكوفي وهو ابن وائل بن داود أن الزهري حدثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن الصعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير عن كل واحد أو عن كل رأس عن الصغير والكبير والحر والعبد  ".

ولابن خزيمة 2415 مرفوعا عن هشام عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤدي زكاة رمضان صاعا من طعام، عن الصغير والكبير والحر والمملوك، من أدى سلتا قبل منه، وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه، ومن أدى سويقا قبل منه ".

أوقفه أيوب عن محمد عن ابن عباس أنه كان يقول: صدقة رمضان صاع من طعام، من جاء ببر قبل منه، ومن جاء بشعير قبل منه ومن جاء بتمر قبل منه، ومن جاء بسلت قبل منه، ومن جاء بزبيب قبل منه وأحسبه قال: ومن جاء بسويق أو دقيق قبل منه ".

وإليك تفصيل من تجب عليهم الزكاة أو عنهم:

الحالة 1/ من تجب عليه الزكاة؟: 

ذكرنا أنها تجب على كل مسلمٍ أو حديثِ إسلام دخله وقت وجوب الزكاة الذي سنبين، واجد لقوت يومه، متزوجا كان أو أعزبا، ولو كان من المساكين أو الأصناف الأخرى المستحقين للزكاة، حاشا الفقير المعدم فلا لازكاة عليه:

وقد مرّ أن المسكين هو الذي يملك فضلةً عن قوت يومه، بحيث إذا أخرج الزكاة بقي له فضلة عن قوت يومه، كما عند المالكية.

قال محمد بن رشد:" زكاة الفطر إنما هي زكاة الرقاب، ليست بزكاة الأموال، فهي تجب على من لا مال له إذا كان عنده فضل عن قوت يومه ، وفيه ما يؤديها منه - قاله ابن حبيب-: وقال غيره : إلا أن يضر ذلك به ، ويؤدي إلى جوعه ، وجوع عياله ؛ ومن ليس له إلا هذا المقدار ، فهو من الفقراء الذين تحل لهم الزكاة "؛

قال:" ولهذا وقع الاختلاف في هذه المسألة، فوجْه قول مالك الأول، هذا ممن تجب عليه زكاة الفطر، فلا يأخذها قياساً على سائر الزكوات؛ ووجه القول الثاني أنه مسكين، فجاز أن يأخذ صدقة الفطرة، قياساً على سائر المساكين، وإن كان هو ممن دفعها ".

وقال ابن حزم:" من كان له مال مما يجب فيه الصدقة, كمائتي درهم .. وهو لا يقوم ما معه بعولته لكثرة عياله أو لغلاء السعر: فهو مسكين, يعطى من الصدقة المفروضة, وتؤخذ منه فيما وجبت فيه من ماله".

بينما يرى الأحناف على أنه لا زكاة على من لم يملك نصابا في زكاة الأموال، أي 85غ ذهبا أو ما يعادلها.

. وأما الفقير المعدَم الذي لا يستطيع العمل، ولا قوت فاضل لديه، فلا يُزكِّي، بل يأخذ الزكاة فقط. الحالة 2/ من تجب عنهم الزكاة؟:

تجب الزكاة على كل مسلم متأهل: يزكي عن أسرته زوجتِه وأبنائه القُصّر،

كما تجب على كل وصي يزكي عن أيتامه أو مكفوليه،

وعلى كل سيد يزكي عن عبيده للأحاديث السابقة.

فأما الأبناء القصر فيزكي عنهم اتفاقا، إلاّ خلافا في الجنين:

أ: فذهب ابن حزم إلى وجوب الزكاة عن الجنين بعد نفخ روحه، وبلوغه أربعة أشهر قبل خروج وقت صلاة العيد وهو اصفرار الشمس وارتفاعها عن الأفق فوق شبر أو ذراع.

ب: وأما الجمهور فيعتدون بالولادة قبل وقت الاصفرار زمن صلاة العيد وما قبلها، فمن وُلد له قبلَئذ فيجب عليه الزكاة عنه، للحديث:" على كل صغير..".

وللقياس على ترك الزكاة في أجِنة الأنعام. وعدم ميراث الجنين حتى يولد.

وأما الزكاة عن الأيتام:

فقد قال ابن القاسم كما في المدونة (1/391):" وقال مالك: يؤدي الوصي زكاة الفطر عن اليتامى الذين عنده من أموالهم وإن كانوا صغارا"،  

وأما الأداء عن الزوجة: فقد قال الإمام مالك:" ويؤدي الزوج عن امرأته من ماله، صدقةَ الفطرِ وإن كان لها مال".

وكذلك يزكي السيد عن عبيده اتفاقا.

شرط أن يكون هؤلاء دخلوا تحت مسؤوليته وقت الوجوب، أو بقوا تحت مسؤوليته حتى دخل زمن الوجوب،

فأما إن صاروا خارج مسؤوليته قبل دخول وقت الوجوب فلا زكاة عليه كما في: 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: وقت الوجوب والأداء :

وقت الأداء: هو الوقت الذي يجوز فيه أداء الزكاة من باب الرخصة، سواء قبل دخول وقت الوجوب، أو بعد خروجه.

وأما زمن وجوب الزكاة: فهو الوقت الذي يتعين عليهالزكاة بشغل ذمته بها،

فهو أشبه بالسبب في الحكم الوضعي، الذي يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم،

المسألة الأولى: وقت وجوب زكاة الفطر:

يظهر تأثير المسألة فيمن أسلم، أو ارتد أو صار له عيال:(زوجة أو مولود، أو أيتام، أو رقيق)، أو فقيرٍ أغناه الله، وقت الوجوب أو قبله أو بعده،إذْ لا يخلو ذلك إذًا إمّا من داخل إلى الدِّين أو تحت المسؤولية، أو خارج عنهما:

1: فأما الأمور الخارجة: كمن خرج عن الدين بِرِدّة، أو أفلَسَ، أو مَاتَ، أو الأمور التي خرجت عن مسؤوليته، كَ: كِبر الولد أو الأيتام أو رِدّتهم، أو بيْنونة المطلقة بانتهاء عدتها،أو تحرر العبيد..

أ: فإذا خرجوا عن مسؤوليته قبل دخول وقت الوجوب لم يزكِّ عنهم. 

ب: وأما إن بقوا تحت مسؤوليته حتى دخل عليه وقت الوجوب، ثم خرجوا منها، كانت الزكاة عليه هو، يزكي عنهم، وليست الزكاة على من انتقلت إليه المسؤولية، لأنهم ما خرجوا منها إلا بعد دخول الوقت عليه وهم تحت ذمّته.

وقيل: يزكون هم عن أنفسهم، أو يزكي عنهم من انتقلت إليه أمر ولايتهم، كالمرأة المطلقة.

والأصوب الأول: عملا بالاستصحاب، ولبقائهم في ذمته بعد دخول الوقت عليه، فإن لم يزكِّ عنهم، زكَّوْا عن أنفسهم ولا بد.

2/ وأما الأمور الداخلة: كمن دخل في الإسلام،أو فقير دخله مال، أو أو صبي أو يتيم دخل في الاستقلالية بنفسه، أو مَن دخلأشخاص تحت مسؤوليته، كمن تزوج حديثا أو وُلد له مولود، أو صار وصيا على أيتام، أو اشترى رقيقا .... 

أ: فإن دخل هو أو دخل أشخاص تحت رعايته بعد خروج وقت الوجوب –وهو انتهاء صلاة العيد على الأصح-فلا زكاة عليه، وإنما الزكاة على من كانوا تحت مسؤوليته.

ب: وأما إذا دخلوا تحت مسؤوليته قبل ذلك، أو أثناء دخول الوقت ما لم يخرج، ففي ذلك تفصيل كما أسلفنا:

لأن في المسألة تمييز بين انتقال المسؤولية، من ابتدائها، لأنه فيها الداخلُ تحت المسؤولية، والخارج عنها، والباقي فيها، مع مراعاة الوقت:

-     فأما الأشياء المستحدَثَة أو الـمُبْتَدَأَة: كمن وُلد له مولودٌ، أو صار وصيّا على أيتام، فإذا دخلوا تحت مسؤوليته أثناء الوقت وما قبله، فيجب عليه أن يزكي عنهم إلا إذا خرج الوقت.

-     وأما الأشياء المنتقلة: كالمرأة كانت عند وليها فتزوجت، أو العكس بأن كانت عند زوجها فبانت منه، أو كالعبد كان عند سيده...، فهنا الزكاة على المالك الأول وليس الثاني، عملا بالاستصحاب وشغل الذمة بدخول جزء من الوقت وهم تحته. 

وإليك الاختلاف في زمن الوجوب:

القول الأول: مذهب المالكية والظاهرية والحنفية: أن وقت الوجوب يبدأ من يوم الفطر المبتدئ من طلوع فجر يوم العيد، انتهاءً بزمن اصفرار الشمس وقت خروج الناس إلى المصلى للصلاة، وقت الصلاة عند العامة.

استدلالا بحديث ابن عمر، ولتسميتها بزكاة الفطر،

خرج البخاري 1503 ومسلم 986 عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»

وفي لفظ:" .. وكان يأمرُنا أنْ نُخرجَها قبلَ الصَّلاةِ ، وكان يُقسِّمها قبلَ أن ينصرفَ،

ولما خرج أبو داود 1609 وابن ماجه 1827 عن سيار ابن عبد الرحمن الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات".

وكان يقولُ : أغنوهُمْ عن الطَّوافِ في هذا اليومِ".

قالوا: وهي زكاة يوم الفطر، واليوم لا يكون إلا بعد طلوع الفجر بعد انقضاء رمضان.

بحيث من أدركه زمن الوجوب فتجب عليه الزكاة، ومن لم يدركه فلا زكاة عليه.

وعليه ينبني الخلاف في الجنين والمولود والداخل في الإسلام،والعبيد، والميتوالبائنة والعبد المعتق ...

وينبغي هنا التمييز بين أمرين:  المقبل على الأمور والداخلة تحت مسؤوليته، والمستدبر الخارج من المسؤولية كما أسلفنا:

الأمر الأول: المقبل على الأمور، والداخلة تحت مسؤوليته: (جانب الايجاب والتحصيل للأشياء)

وذلك كالمقبل على استقبال مولود، أو المقبل على الإسلام حديثا، أو المقبل على الزواج، أو تملّك المال أو العبيد والجواري، أو رعاية الأيتام وهكذا، حيث يقولون:

ح1/ أنّ من أقبل على هذه الأمور ودخلت تحت مسؤوليته [ولم تكن متغيرة الملكية والمسؤولية]:

كمن أسلم أو وُلد لهأو كفل أيتاما... في غضون هذا الوقت قبل خروجه باصفرار الشمس وقت صلاة العيد، فتجب عليه الزكاة عن نفسه، ويزكي عن كل من دخلوا تحت مسؤوليته قبل خروج الوقت وهو اصفرار الشمس، لأنه أدرك جزءا من الوقت، كما أسلفنا، وعليه:

فمن وُجد له مولود، أو صار غنيا، أو وصيّا  على أيتام قبل وقت صلاة العيد، فيجب عليه أن يزكي عنهم.

وهكذا من طرأ له إسلام أو غنى أو وُلد له مولودٌ أو صار تحت رعايته أيتام بعد وقت الصلاة فلا زكاة عليه، لطروئها عليه بعد خروج الوقت الذي تتعلق به الزكاة.

فإن دخلوا تحت رعايته قبل الصلاة فعليه أن يزكي عنهم.

ح2 / وكذلك الأمر فيمن كانت تحت مسؤوليته هذه الأمور قبل ذلك بمدة، واستمرت عنده حتى دخل عليه وقت الوجوب فيزكي عنهم.

فمن كان عنده ولد أو غيره باق عنده حتى دخل عليه الوقت ثم ماتوا له، فيجب عليه  أن يزكي عنهم ...

ح3/ وأما  إذا دخلوا تحت مسؤوليته بعد خروج الوقت: وهو هنا الصلاة، فلا زكاة عليه، وإنما الزكاة على من كانوا تحت مسؤوليته سابقا.

ح4/ من أقبل على هذه الأمور ودخلت تحت مسؤوليته [وكانت متغيرة الملكية والمسؤولية]:

كمن تزوج امرأة كانت تحت مسؤولية وليها، فانتقلت إليه، أو العكس، بأن دخلت تحت مسؤولية وليها بعد تطليق زوجها، أو من اشترى عبدا أو أمة....

أ: فإن كان ذلك بعد خروج الوقت: فلا زكاة على المتزوج ولا المشتري للعبيد، بل هي على المسؤول الأول الأصلي.

فلو تزوجت امرأة بعد صلاة العيد، لوجبت الزكاة على ولــيّها، بينما لو تزوجت قبل وقت الصلاة لوجبت الزكاة على زوجها إلا إذا زكى عنها وليها، وهكذا.

ب: وإن كان ذلك قبل دخول الوقت: فالزكاة على من دخلت تحت تصرفه.

كمن اشترى جارية أو تزوج قبل الفجر، فالزكاة على المشتري وعلى الزوج.

ج: وإن كان ذلك التبادل في وقت الوجوب المشترك بينهما:

مثال ذلك الزوجة تكون عند أبيها، ثم تتزوج فتنتقل إلى تصرف زوجها بعد دخول وقت وجوب الزكاة.

أو العكس كما في حالة الطلاق بأن انتهت عدتها بعد دخول الوقت.

أو العبد يكون عند سيده فيعتقه أو يبيعه لشخص آخر بعد دخول وقت وجوب الزكاة.

فهل الزكاة واجبة على الأخير، باعتبار أنها طرأت عنده وقت الوجوب؟

أم الزكاة واجبة على الأول، لأنها كانت عنده، وتحت مسؤوليته، ثم استمرت كذلك حتى دخل عليه جزء من الوقت وهي تحته، عملا بالاستصحاب؟

والجواب: أن الزكاة واجبة على المالك الأول، لأن لها علاقة بالصوم من جهة، وهم قد صاموا تحت مسؤوليته، إضافة إلى العمل بالاستصحاب:

هذا كله إذا دخل عليه الوقت، وأما لو انفصلوا عن مسؤوليته قبل دخول الوقت فلا زكاة عليه.

ورد في التاج والإكليل: وروى ابن القاسم عن مالك: لا تجب على من هو من أهلها إلا بطلوع الفجر"، قال ابن رشد : وهذا هو الأظهر ".

قال اللخمي: على هذا القول تجب على من كان حيا أو باع أو أعتق أو طلق بعد طلوع الفجر، أو توالد أو أسلم قبل، وتسقط عمن مات أو طلق أو أعتق أو باع قبل طلوع الفجر، أو توالد أو أسلم بعد ذلك ، وتكون الزكاة على المشتري والزوجة والعبد ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأمر الثاني: المستدبر لهذه الأمور، بخروجها عن مسؤوليته: (جانب السلب والترك للأشياء)

وذلك كمن مات  هو، أو مات له وَلد أو زوجة أو يتيم، أو كبر الولد أو اليتيم فخرج عن رعايته، أو كمن طلق امرأته فبانت منه... أو ارتد، أو أفلس، أو أعتق عبيده أو باعهم، كل ذلك لا يخلو من أن يخرجوا عن ملكه قبل دخول الوقت، أو بعده:

ح1/ فإن خرجوا عن مسؤوليته قبل دخول وقت الوجوب، وهو الفجر هنا، فلا زكاة عليه، وعليه:

فمن باع أمَتَه، أو طلق امرأته وانتهت عدتها قبل دخول الفجر، فهنا قد بانت منه قبل زمن الوجوب، فلا يجب عليه أن يزكي عنها، بل تزكي عن نفسها أو يزكي عنها وليها.

وهكذا من مات له ميت قبل دخول الوقت وهو الفجر، فلا يزكي عنه...

ح2/ فإن خرجوا عن مسؤوليته بعد دخول وقت الوجوب عليه، وهو طلوع الفجر، فتجب عليه الزكاة، لدخول وقت الوجوب وهم تحته، وعليه:

فمن مات له أحد بعد دخول الوقت فعليه أن يزكي عنه. 

وكذلك من انتهت عدتها بعد دخول الوقت، فالزكاة على زوجها وهكذا .

جاء في المدونة (1/388):" قلت: أرأيت إذا انشق الفجر يوم الفطر وعند رجل مماليك وأولاد صغار وزوجة وأبوان قد أُلزم نفقتُهم، وخادم أهله، فماتوا بعدما انشق الفجر يوم الفطر، أعليه فيهم صدقة الفطر أم تسقط عنه صدقة الفطر فيهم لما ماتوا؟ فقال: بل عليهم فيهم صدقة ".

وفي التاج والإكليل: وروى ابن القاسم عن مالك: لا تجب على من هو من أهلها إلا بطلوع الفجر.

قال ابن رشد : وهذا هو الأظهر ".

قال ابن حزم:" فمن مات قبل الفجر من اليوم المذكور فلا زكاة عليه"، لأن وقتها لم يدخل بعد.

وقال أبو حنيفة:" فمنْ مات قبل ذلك، أو وُلد بعد ذلك، أو أسلم بعد ذلك فلا زكاة فطر عليه".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المذهب 2/ أنّ وقت الوجوب يبدأ بغروب الشمس من ليلة الفطر إلى الفجر، [ويقال إلى وقت صلاة العيد]: وهو قول اللشافعية ورواية للمالكية، وما قيل هنالك من أحوال يقال هنا:

وعليه:

الأمر الأول: المقبل على الأمور، والداخلة تحت مسؤوليته: (جانب الايجاب والتحصيل للأشياء):

ح1/ أنّ من أقبل على تلك الأمور حديثا ودخلت تحت مسؤوليتهولم تكن متغيرة الملكية والمسؤولية:

كمن أسلم أو غنيَ أو صار وصيا، أو وُلد له بعد الغروب إلى قبل الفجر، فتجب عليه الزكاة، لطروئها عليه بعد دخول وقت وجوب الصوم.

ح2/ وكذلك الأمر فيمن كانت تحت مسؤوليته هذه الأمور قبل ذلك بمدة، واستمرت عنده حتى دخل عليه وقت الوجوب فيزكي عنهم. 

ح3/ وأما  إذا دخلوا تحت مسؤوليته بعد خروج الوقت: وهو هنا الفجر، فلا زكاة عليه، وإنما الزكاة على من كانوا تحت مسؤوليته سابقا.

ح4/ من أقبل على هذه الأمور ودخلت تحت مسؤوليته [وكانت متغيرة الملكية والمسؤولية]:

أ: فلو تزوجت امرأة بعد طلوع الفجر، لوجبت الزكاة على ولــيّها لأن الوقت خرج،

وعلى قول من قال بأن الوقت من الغروب وينتهي بالاصفرار لا الفجر: فلو تزوجت المرأة بعد صلاة الفجر لكانت الزكاة على زوجها لأن الوقت لا يخرج إلا باصفرار الشمس. 

ب: وإن كان ذلك قبل دخول الوقت: فالزكاة على من دخلت تحت تصرفه.

كمن اشترى جارية أو تزوج قبل الغروب، فالزكاة على المشتري وعلى الزوج.

ج: وإن كان ذلك التبادل في وقت الوجوب المشترك بينهما:

مثال ذلك الزوجة تكون عند أبيها، ثم تتزوج فتنتقل إلى تصرف زوجها بعد دخول وقت وجوب الزكاة.

أو العكس كما في حالة الطلاق بأن انتهت عدتها بعد دخول الوقت.

فقد ذكرنا أن الزكاة واجبة على المالك الأول، لأن لها علاقة بالصوم من جهة، وهم قد صاموا تحت مسؤوليته، ودخل الوقت وهم تحته، إضافة إلى العمل بالاستصحاب:

الأمر الثاني: المستدبر لهذه الأمور، بخروجها عن مسؤوليته: (جانب السلب والترك للأشياء)

وذلك كمن مات  هو، أو مات له وَلد، أو زوجة أو يتيم، أو كبر الولد أو اليتيم فخرج عن رعايته، أو كمن طلق امرأته فبانت منه... كل ذلك لا يخلو من أن يخرجوا عن ملكه قبل دخول الوقت، أو بعده:

ح1/ فإن خرجوا عن مسؤوليته قبل دخول وقت الوجوب، وهو الغروب هنا، فلا زكاة عليه،لأن وقت الوجوب لم يدخل، وعليه:

فمن طلق امرأته وانتهت عدتها قبل الغروب، فهنا قد بانت منه قبل زمن الوجوب، فلا يجب عليه أن يزكي عنها، بل تزكي عن نفسها أو يزكي عنها وليها.

ح2/ فإن خرجوا عن مسؤوليته بعد دخول وقت الوجوب عليه، وهو الغروب هنا، فتجب عليه الزكاة، لأنها وجبت في ذمته لحظة دخول الوقت.

جاء في التاج والإكليل للمواق المالكيروى أشهب عن مالك أنها تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر".

قال ابن يونس: وهذا مذهب ابن القاسم في المدونة.

وقال اللخمي: على هذا القول تجب على من مات بعد الغروب، وتسقط عمن توالد، أو أسلم في ذلك الوقت، وتكون -الأمة- في البيع على البائع دون المشتري، وفي الطلاق على الزوج دون الزوجة، وفي العتق على السيد دون العبد إذا كان البيع والطلاق والعتق بعد غروب الشمس انتهى".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المذهب3/ وقت الوجوب يكون بإدراك ولو جزء من الصيام من نهار آخر رمضان متصل بالغروب ولو بجزء من ليلة الفطر ولا بد، جمعا بين الصوم وشوال معا:

وأما الانتهاء فالأظهر أنه وقت صلاة العيد عند اصفرار الشمس جمعا بين الأدلة:

لحديث ابن عباس قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات ".

وعليه: 

الأمر الأول: المقبل على الأمور، والداخلة تحت مسؤوليته: (جانب الايجاب والتحصيل للأشياء)

وذلك كالمقبل على استقبال مولود، أو المقبل على الإسلام حديثا، أو المقبل على الزواج، أو تملّك العبيد والجواري، أو رعاية الأيتام وهكذا:

ح1/ أنّ من أقبل على هذه الأمور ودخلت تحت مسؤوليته حديثا [ولم تكن متغيرة الملكية والمسؤولية] أثناء الوقت:

كمن أسلم أو وُلد له مولود، أو كفل أيتاما... في غضون هذا الوقت :

فتجب عليه الزكاة عن نفسه، ويزكي عن كل من دخلوا تحت مسؤوليته في هذا الوقت المشترك.

ح2/ فإن دخلوا عليه بعد غروب الشمس، فلا يزكي عنهم، لأن صدقة الفطر مرتبطة بالصيام، وقد فات وقته. 

ح3/ من كانت تحت مسؤوليته هذه الأمور قبل ذلك بمدة، واستمرت عنده حتى دخل عليه ولو آخر يوم في الصيام، ثم ماتوا له أو خرجوا عن مسؤوليته قبل الغروب، فلا يزكي عنهم، لأنهم اشترطوا مع آخر اليوم ولو جزءا من ليلة الفطر بعد الغروب.

وأما إن ماتوا له بعد الغروب، فقد لزمته الزكاة، لوجوبها عليه وهم تحت عنايته.

ح4/ من أقبل على هذه الأمور ودخلت تحت مسؤوليته [وكانت متغيرة الملكية والمسؤولية]:

كمن تزوج امرأةً كانت تحت مسؤولية وليها، فانتقلت إليه، أو العكس، بأن دخلت تحت مسؤولية وليها بعد تطليق زوجها، أو من اشترى عبدا أو أمة....

أ: فإن كان ذلك بعد خروج آخر الوقت: وهو هنا وقت صلاة العيد، فلا زكاة على المتزوج ولا المشتري للعبيد، بل هي على المسؤول الأول الأصلي كما أسلفنا. 

ب: وإن كان ذلك قبل دخول الوقت المشترك هذا: وهو هنا آخر يوم في الصيام مع الغروب ليلة الفطر، فالزكاة على من دخلت تحت تصرفه.

كمن اشترى جارية أو تزوج قبل وقتئذ، فالزكاة هنا على المشتري، وعلى الزوج.

ج: وإن كان ذلك التبادل في وقت الوجوب المشترك بينهما:

مثال ذلك الزوجة تكون عند أبيها، ثم تتزوج فتنتقل إلى تصرف زوجها بعد دخول وقت وجوب الزكاة، وهو هنا اللحظات الأخيرة للصيام قبيل الغروب ليلة الفطر.

أو العكس كما في حالة الطلاق بأن انتهت عدتها في هذه اللحظات.

أو العبد يكون عند سيده فيعتقه أو يبيعه لشخص آخر هذا الزمن.

فهل الزكاة واجبة على الأخير، باعتبار أنها طرأت عنده وقت الوجوب؟

والجواب هنا:

أنه إن فرغ من بيع عبده أو أَمَته أو بانت منه زوجته قبل الغروب فلا زكاة عليه، وبالتالي تكون الزكاة على الزوجة المطلَّقَة أ وليها،  وعلى العبد أو مشتريه.        

وأما إن لم يفرغ من الشخص من بيع أمته، أو لم تنته عدة زوجته حتى غربت عليه الشمس وهم تحت ملكه، فيجب أن يزكي عنهم.

الأمر الثاني: المستدبر لهذه الأمور، بخروجها عن مسؤوليته: (جانب السلب والترك للأشياء)

كمن مات أو ماتوا له في هذه اللحظات، أو كبر أولاده،أو بانت منه امرأته المطلَّقة، أو باع عبده أو أعتقه:

ح1/ فإن خرجوا عن مسؤوليته قبل دخول آخر وقت الوجوب، وهو الغروب هنا، فلا زكاة عليه، لاشتراط الغروب عندهم.

وعليه:

فمن باع أمَتَه، أو طلق امرأته وانتهت عدتها قبل الغروب، فهنا قد بانت منه قبل إتمام زمن الوجوب، فلا يجب عليه أن يزكي عنها، بل تزكي عن نفسها أو يزكي عنها وليها.

وهكذا من مات له ميت قبل الغروب، فلا يزكي عنه...

ح2/ فإن خرجوا عن مسؤوليته بعد دخول آخر وقت الوجوب عليه، وهوالغروب، فتجب عليه الزكاة، لانتهاء وقت الوجوب عليه وهم تحته، وعليه:

فمن مات له أحد بعد الغروب فعليه أن يزكي عنه

ومن انتهت عدتها من طلاق بعد الغروب، فالزكاة على زوجها، وإن انتهت عدتها قبل الغروب فلا زكاة على الزوج وهكذا.       

وهو قول الحنابلة والشافعية: فقد أوجبوا الزكاة على من أدرك جزءا من رمضان، مع جزء من ليلة شوال بعد الغروب معا، وهو قول وجيه.

ففي المنهاج القويم لابن حجر الهيتمي الشافعي: "وتجب زكاة الفطر بشروط" منها: "إدراك" وقت وجوبها بأن يكون حيًّا بالصفات الآتية عند "غروب الشمس ليلة العيد" بأن يدرك آخر جزء من رمضان، وأول جزء من شوال؛ لإضافتها إلى الفطر في الخبر، وأيضًا فالوجوب نشأ من الصوم، والفطر منه، فكان لكل منهما دخل فيه، فأسند إليهما دون أحدهما لئلا يلزم التحكم، فلا تجب بما يحدث بعد الغروب من ولد، ونكاح، وإسلام، وغنى، وملك قنّ، ولا تسقط بما يحدث بعده من نحو موت، ومزيل ملك كعتق، وطلاق ولو بائنًا، أو ارتداد وغنى قريب، ولو قبل التمكن من الأداء؛ لتقررها وقت الوجوب. انتهى".

وقال ابن قدامة الحنبلي في الكافي:  الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر؛ لقول ابن عمر: «فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر من رمضان». وذلك يكون بغروب الشمس، فمن أسلم، أو تزوج، أو ولد له ولد، أو ملك عبداً، أو أيسر بعد الغروب، لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا، فعليه فطرتهم؛ لأنها تجب في الذمة، فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار. انتهى

فالحاصل:

أنه في جانب الايجاب والتحصيل: من وُلد له أو أسلم أو تزوج ... قبيل الغروب ولو آخر مساء من أيام رمضان، وأدرك الغروب ولو برهة، فعليه الزكاة.

بخلاف ما يحدث للمزكي بعد الغروب من ولادة أو غنى أو إسلام أو زواج فلا زكاة فيه. 

وأما في جانب العدم: كالعتق والبينونة والموت: فمن مات بعد الغروب فعليه الزكاة، وأما من مات قبله فلا زكاة عليه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: زمن أدائها وتعجيلها:

للأداء وقتان: قبلي وبعددي، فالبعدي: هو أداء الزكاة بعد صلاة العيد. 

الفرع الأول: وقت الأداء القبلي:

وهو الذي يكون قبل وقت الوجوب المختلف فيه، والأظهر أنه قبل الغروب من آخر يوم، وفي تعجيلها خلاف بين السلف الطيب:

1/ فمذهب جماعة من الحنفية أن وقتها موسع منذ الفطر من أول يوم من رمضان، لأنها تجب بسبب الصوم،

2/ وذهب جمع إلى جواز تعجيلها السنة والسنتين، قياسا على حديث العباس في تقديمالزكاة سنتين.

3/ وذهب ابن حزم ومن معه إلى المنع من تقديمها قبل الفجر من يوم العيد، لأن دخول الوقت عنده شرط صحة ووجوب معا، فقال:لا تصح قبل ذلك.

4/ ومذهب المالكية والحنابلة على صحة تعجيلها بيومين أو ثلاثة.

لحديث ابن عمر قال: كنا نؤمر أن نخرجها، قبل أن نخرج إلى الصلاة "،

وقد فسر ابن عمر راوي الحديثَ ذلك:

فقال مالك: وأخبرني نافع أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة".

ولحديث أبي هريرة حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمبيت على صدقة الفطر فأتاه الشيطان ليلة, وثانية, وثالثة"، وهي من رمضان بلا شك، إذ يجب أن تُوزع قبل شوال.

قال أشهب لابن القاسم في المدونة (1/385) :" متى يستحب مالك إخراج زكاة الفطر؟ فقال: قبل الغدو إلى المصلي، قال: فإن أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين لم أر بذلك بأسا. قال: وأخبرني مالك قال: رأيت أهل العلم يستحبون أن يخرجوا صدقة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر من قبل أن يغدوا إلى المصلى "،

قال مالك:" وذلك واسع إن شاء أن يؤدي قبل الصلاة أو بعدها ".

كما اختلفوا في أصناف زكاة الفطر، وهل يصح أن تؤدى من العدل والقيمة؟ أم لا بدّ من الاقتصار على الطعميات؟ وهل لا بد من تعيينها؟:

ذلك أن البخاري خرَّج (1503) عن إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة».

ثم خرجه عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر، أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين».

فهل هذا الحديث للتحديد أم للتمثيل؟

الفرع الثاني: وقت الأداء البعدي: فيه خلاف:

1. ذهب جمع إلى انتهاء وقت الزكاة بمجرد الصلاة لحديث الأمر بها قبل الصلاة.

2. ورخص قوم تأخيرها بعد يوم الفطر، المهم أنه يقضيها.

قال البغوي في شرح السنة:" ورخص ابن سيرين، والنخعي في إخراجها بعد يوم الفطر، وقال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس".

ومذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة أن زمن الأداء يمتد إلى غروب الشمس من يوم عيد الفطر، استدلالا بما يلي:

1. خرج أبو داود 1609 عن عكرمة عن ابن عباس قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات»

وفي لفظ :"أداها"، مع تكراره في الوقتين، دليل على صحة تأديته لها، مع الاختلاف في الأجر، ففي وقت الوجوب يتم الأجر، وفي وقت الأداء ينقص الأجر، كما هو الشأن في وقتي الصلاة الضروري والاختياري.

2/ خرج البخاري 1510 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام»، وقال أبو سعيد: «وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر»

قالوا: فتبين بأن مدة أداء الزكاة هي طيلة هذا اليوم الممتد للغروب.

3/ وقد مضى الحديث:" اغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ".

4/ قال البخاري في الصحيح باب العرض في الزكاة، وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص - أو لبيس - في الصدقة مكان الشعير والذرة ... وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدقن ولو من حليكن» فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها"، ولم يخص الذهب والفضة من العروض".

ثم خرج عن ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم «لصلى قبل الخطبة، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن ومعه بلال ناشر ثوبه، فوعظهن، وأمرهن أن يتصدقن»، فجعلت المرأة تلقي وأشار أيوب إلى أذنه وإلى حلقه ".

وقد كانت هذه الخطبة الحاثة على الصدقة من الحلي وغيره في خطبة عيد الفطر، فتعين حمل الصدقة على حمل صدقة الفطر أداءً كما قال البخاري وفهم وبوّب، وقال مثله الجمهور.

خرج البخاري 7325 عن عبد الرحمن بن عابس قال: سئل ابن عباس: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا منزلتي منه، ما شهدته من الصغر، «فأتى العَلَم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى ثم خطب ولم يذكر أذانا ولا إقامة، ثم أمر بالصدقة» فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، «فأمر بلالا فأتاهن»، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: أصناف ما يُعطى في زكاة الفطر، ومقدارها بالصاع والدينار، وكلام السلف في ذلك:

تعتبر هذه المسألة من المسائل الاجتهادية المختلف فيها بين السلف، ولذلك لا يحل الإنكار فيها ولا التبديع للرأي الآخر كما تفعله التلفية التبديعية.  

وقد اتفق السلف على أن من بدّع في المسائل الاجتهادية فالبدعة به ألصق وهو بها أولى، لمخالفته منهج السلف الأولين في مراعاة آداب الاختلاف،

ولو أن كل واحد أنكر وبدع قول مخالفه، لما خلت غبراء، ولا أرض ولا سماء، من إنكار من الأدعياء، ولا توحّدت أبدا هذه الأمة، بسبب هذه الفتن المفتلعلة الغمة، لأن مسائل الاختلاف أكثر بكثير من مسائل الاتفاق.  

وأهم شيء في هذه المسألة هو أن يكون مالك طاهرا حلالا، لم تأت به عن طريق الغش والتطفيف والرشوة ...

وقد اختلف السلف في تحديد أصناف الزكاة:

هل هي طعام بعينه وهو البر والشعير كما يرى ابن حزم. 

أم هي التمر والشعير والأقط والزبيب كما يرى أبو سعيد الخدري ومن معه.

أم هو من سائر الحبوب كما يرى الشافعية... قياسا على المذكورات.  

أم هو من سائر الطعام كما يرى المالكية والحنابلة قياسا على المذكورات أيضا...

أم تجزئ القيمة قياسا وتعميما ومقاصدا كما سيأتي ..

ويرجع سبب الخلاف إلى أحد الأمور التالية:

أولاها: الاختلاف في فهم الأحاديث، فإنها مروية بالمعنى الذي حدث به الصحابي عبد الله بن عمر وأبو سعيد عن زمان النبي عليه السلام، وأنه فرضها كذا، أو أنهم كانوا يخرجونها كذا وكذا، وليس يوجد نص نبوي من قول النبي عليه السلام أن اخرجوها كذا وكذا فقط، أو لا تخرجوها كذا وكذا ... 

والسبب الثاني: وقوع الاختلاف في هذه الأحديث في الأصناف المزكاة، فبعضها يقتصر على التمر والشعير،

وبعضها يقول الصحابي أو الراوي:" لم نخرج إلا كذا وكذا... بالحصر.

وبعضها يزيد مدان من البر، وبعضها يقول بل صاعا منه ،

وبعضها يزيد الزبيب والأقط، وبعضها ينفي، وبعضها يعمم الطعام،

3/ إضافة إلى الاختلاف في فهم الحديث الصريح في إخراج الحلي والذهب، في قول النبي عليه السلام في خطبة العيد للنسوة:" تصدقن ولو من حليكن..."، ففهم منه البخاري ومن معه، أن ذلك عن صدقة العيد، إما قضاءً لمن لم يؤدها قبل الصلاة، وإما أداءً لأجماع السلف على انتهاء زمن الأداء غروب الشمس من يوم العيد،

بينما فهم الآخرون: أن المراد بذلك هو صدقة النافلة.

4/ وبالتالي اختلفوا في فهم الأحاديث ومنها أحاديث ابن عمر وأبي سعيد،

فمن نظر إلى العين المزكاة والاقتصار عليها قصر الزكاة في الطعميات على اختلاف بينهم في تحديدها وقياس سائر الطعميات عليها أم لا؟

ومن رأى أن العبرة بإعطاء الفقراء حقهم وإغنائهم من التسول في هذا اليوم أجاز النقد والقيمة... 

وأيد ذلك بالقياس على الطعميات ... 

وكذلك من أى بأن العبرة في الزكاة وغيرها هي المقايضات الشائعة في كل زمن أجاز القيمة، لأنه في زمن النبي عليه السلام كانوا يتعاملون بالمبادلات بين السلع والطعميات، وكانت النقود عندهم نادرة كما سنبين.

المطلب الأول: مَن قال أنّ الزكاة لا تكون إلا من الطعام المنصوص عليه:

حيث ذهب هؤلاء إلى الاقتصار على الطعميات، لكن اختلفوا في تحديدها،

هل يُقتصر على التمر والشعير؟

أم نضيف لهما الزبيب والأقط والبُر؟

أم نُعَمّم ذلك قياسا، إلى سائر الحبوب؟

أم نعممه عن طريق القياس إلى كل طعام كان قوتا لأهل البلد؟

القول الأول: لا تكون إلا صاعا من التمر والشعير لا غير:

وهو قول ابن حزم ومن وافقه من أهل الظاهر،

قال ابن حزم في المحلى (4/238) :" ، ولا يجزئ شيء غير ما ذكرنا، لا قمح، ولا دقيق قمح أو شعير، ولا خبز ولا قيمة؛ ولا شيء غير ما ذكرنا "،

وقد استدلوا بحديث ابن عمر، المروي من أوجه:

الدليل 1/ أصحها ما خرجه البخاري في الصحيح (1503) عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:« فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»

فجعل العبرة بالصاع، مع اختلاف الحجم بين التمر والشعير في الوزن.

وقد رواه الناس عن نافع بدون زيادة " من المسلمين"، إلا مالكا الثقة ومن تبعه.

الدليل 2/ خرج البخاري ومسلم (984) عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر، أو عبد ذكر أو أنثى [من المسلمين]»،

وهكذا روى هذه الأجناسَ، الثقاتُ من أصحاب نافع وابن عمر كلهم رووا :" التمر والشعير" فقط وهو الصواب،

وزاد بعضهم فيه أصنافا أخرى:

دليل 3/ خرجه الحاكم (1/568) عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، [أو سلت، أو زبيب]»،

قال الحاكم :" هذا حديث صحيح، عبد العزيز بن رواد ثقة عابد "،

لكن لا يلزم من التوثيق الصحة، بل زيادة هذه الأصناف في حديث ابن عمر وهْمٌ عليه، إذ لم يذكرها سائر الثقات من أصحاب نافع، وهُم الأوثق منه والأكثر عددا كما قال غير واحد من الحفاظ.  

وكذلك قالوا: ما زاد لفظة " من المسلمين" ثقة، غير الإمام مالك، وتبعه عمر بن نافع وغيره.

4/ ورواه عبد الله العمري وهو ضعيف بذكْر :" البر"، وَوَهِم فيه:

قال الحاكم: حدثناه أبو محمد أحمد بن عبد الله بن سليمان بن الحضرمي ثنا زكريا بن يحيى بن صبيح وأخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا أحمد بن الخراز ثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قالا: ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرض زكاة الفطر صاعا من تمر، [أو صاعا من بر]، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين»،

صححه الحاكم ووهم فيه، والحديث باطل، والعمري ضعيف، وقد خالفه الثقات من أصحاب نافع كما مضى ورووه بلفظ :" صاعا من تمر وصاعا من شعير "،

5/ وكذلك زاد فيه ابن شوذب عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال :" فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الحر والعبد والصغير والكبير والذكر والأنثى صاعا من تمر أو صاعا من شعير [أو صاعا من بر ]"، قال: ثم عدل الناس نصف صاع من بر بصاع مما سواه"،

وزيادة البرّ وهْم أكيد، لم يَرْوها الثقات من أصحاب أيوب، ولا مِن أصحاب نافع، ولو كانت في الحديث لما قال:" ثم عدل الناس ...." :

فقد قال أبو جعفر في مشكله (9/17) :" ولا نعلم أحدا من أصحاب أيوبٍ، تابع ابنَ شوذب على زيادة هذا الجنس في هذا الحديث , مع أن كل واحد من حماد بن زيد، ومن حماد بن سلمة حجة عليه في ذلك , وليس هو بحجة عليهما فيه , فكيف وقد اجتمعا جميعا على خلافه في ذلك ",

ثم أعله الطحاوي بعلة قادحة في المتن فقال:" وفي حديثه ما يدل على خطئه فيه , وهو قوله: " ثم عدل الناس نصف صاع من بر بصاع مما سواه ". فكيف يجوز أن يعدلوا صنفا مفروضا ببعض صنف مفروض معه ".

6/ ورواه أبو الأزهر ثنا محمد بن شرحبيل الصنعاني ثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع أنه أخبره عن ابن عمر أنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم في زكاة الفطر نصف صاع من حنطة, أو صاع من تمر».

وهو حديث باطل، وقد ضعف الإمام مالك كل أحاديث النصف صاع .

القول الثاني: تكون من التمر والشعير إضافة إلى الزبيب والأقط، على اختلاف في البر والدقيق:

وهو قول أبي سعيد وبعض الظاهرية، وقال النووي:" وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي غَيْرُ الْمَنْصُوصِ فِي الْحَدِيثِ".

استدلالا بما خرج مسلم والبخاري 1508/1506 وأبو داود (1618) عن الإمام مالك(في الموطإ) وسفيان، عن زيد بن أسلم حدثني عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب »،

ولأبي داود عن سفيان: صاعا من دقيق"، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء، قال: «أرى مدا من هذا يعدل مدين».

قال النسائي: لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث دقيقا غير ابن عيينة.

قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان، قال أبو داود: «فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة»

لكن قال أبو الفضل في روايته عند الدارقطني (3/77): فقال له علي بن المديني وهو معنا: يا أبا محمد أحد لا يذكر في هذا الدقيق , قال: بلى هو فيه ".

قال هؤلاء: وذكر الطعام في هذا الحديث مع الأصناف الأخرى يبين أنه طعام مخصوص، ثم اختلفوا في تعيينه، هل هو البر؟ أم الأقط؟

فقيل: هو الأقط:

لما رواه إسماعيل بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر: صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط» والحارث ضعيف.

وكذلك رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر «صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير»

وقيل هو البر:

لما رواه نصر بن حماد عن أبي معشر المدني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر «صاعا من تمر، أو من شعير، أو من قمح، ويقول أغنوهم عن تطواف هذا اليوم» . وأبو معشر المدني ضعيف.

ورواه النعمان بن رشاد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم «صاعا من بر .."، والنعمان يخلط خاصة في حديث الزهري،

وقد دلسه عنه ابن جريج فرواه عن الزهري.

وقد خالفه همام عن بكر بن وائل بن داود ثنا الزهري عن عبد الله بن ثعلبة، أو ثعلبة بن عبد الله «عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر في صدقة الفطر: صاع تمر، أو صاع شعير على كل واحد، أو صاع قمح بين اثنين»، فجعله نصف صاع.

وذكر البر في حديث ابن عمر باطل كما أسلفنا.

بينما رواه موسى بن إسماعيل ثنا همام بن يحيى عن بكر بن وائل، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر، صاع تمر، أو صاع شعير عن كل واحد» ولم يذكر: " البر .

قال ابن حزم:" فحصل هذا الحديث راجعا إلى رجل مجهول الحال، مضطرب عنه، مختلف في اسمه، مرة: عبد الله بن ثعلبة، ومرة: ثعلبة بن عبد الله ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صعير، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة ".

وروى محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن سعد قال: " ذكرت لأبي سعيد الخدري صدقة الفطر؟ فقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاع زبيب أو صاع أقط، فقيل له: أو مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها، ولا أعمل بها ".

فنفى سائر الطعميات إلا المذكورات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: من قال بجواز إخراج الزكاة من الطعميات أو الحبوب مما كان قوتا لأهل البلد :

1/ فأما الشافعي وأصحابه: فجنحوا إلى إخراج الزكاة من الحبوب فقط.

قال الشافعي:" لا تجزئ القيمة".

وكذلك صرح المانعون بلفظ عدم الإجزاء، ولم يقولوا: لا تجوز، فضلا عن التبديع الأثيم في المسائل الاجتهادية.

بينما صرَّح البغويُّ في شرحه بعدم الجواز، بل قال:" ولا يجوز إخراج الدقيق، ولا السويق، ولا الخبز، ولا القيمة".

2/ وذهب غير الشافعي إلى إخراجها من الطعميات المقتاتة حاشا الفواكه: وهو قول الإمام مالك وأحمد بن حنبل وأتباعهم، لكنهم اختلفوا في الصاع وتنصيفه كما سنذكر:

قال مالك:" ولا يجزئ أن يجعل مكان زكاة الفطر عرضا من العروض".  

ثم اتفقوا وقالوا: وليس ذكر التمر والشعير للتحديد، بل هما مفهوم لقب لِذكر ما كان شائعا وقُوتا في العهد النبوي، ولذلك قدْ وردت أحاديث أُخَر، تحتوي على أصناف أخرى غير التمر والشعير، وأخرى عامة، مما يدل على عدم الاقتصار عليهما، وأن المراد من ذكر هذه الأجناس هو العُرف وطعام وقوت أهل البلد .

لما خرج أبو داود 1609 وابن ماجه 1827 عن سيار ابن عبد الرحمن الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات". وكان يقولُ : أغنوهُمْ عن الطَّوافِ في هذا اليومِ".

ولما ورد في حديث أبي سعيد:" صاعا من طعام"،

ثم اختلف هؤلاء في البر، والحنطة (سنبلة الفرينة) هل يُزكيان صاعا أم نصف صاع على قوليْن؟

القول الأول: يجب إخراج صاع من أي نوع بلا تفريق:

حيث يرى المالكية ومَن معهم ممن قال بعموم إخراج الصاع من أي طعام، بأن العبرة هي الطعمية فقط، من غير التفات إلى الجودة وتباين السعر.

قالوا: والأصل في القيمة هو صاع التمر أو الشعير أو الدقيق أو الطعام من أي نوع.

القول الثاني: النظر في أحوال الناس، فإذا شاع الغنا فهو صاع، وإن غلب الفقر نصف صاع:

روى جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أم المؤمنين قالت " كان الناس يعطون زكاة رمضان نصف صاع، فأما إذ أوسع الله تعالى على الناس فإني أرى أن يتصدق بصاع ".

القول الثالث: التفريق بين الطعام الغالي والزهيد الثمن:

حيث نظر هؤلاء إلى القيمة، ثم فرّقوا بين الغالية الثمن فجعلوا الأطعمة الغالية نصف صاع، مثل البر، بينما جعلوا الزهيدة صاعا.

حتى إن عليا رضي الله لما رخص في زمنه ثمن البر، جعله صاعا مثل غيره، مما يدل على اعتداد الصحابة بالقيمة كما سيتبين في شرح الأقوال:

القول الأول: عموم إخراج الكيل صاعا لكل المطعومات من أي طعام، أو مقداره من الوزن:

بمعنى أن كيل الصاع النبوي الذي يساوي وزن 2.040 كغ قمحا أو شعيرا وما يشبههما في الحجم كالأرز، وهو قريب من نصف" الرّبعي" عندنا في البلد،

لأن الربعي الجزائري يساوي حوالي: 4.5 كغ قمحا أو شعيرا.

فإذا أردنا حساب الصاع الآن، بناءً على الصاع النبوي، فإننا نضع 2.040 كغ شعيرا، في إناء أو في "الرُّبعي"،

ثم ننظر أين حد الامتلاء فنحدّه، ليكون هو المعلم على كيل الصاع.

وفي " الربعي المغاربي"، يصل إلى حدّ النصف، ويسمونه "الصافي".

ثم نملأه من أي طعام أحببنا، أو أي قوت لأي بلد كان، فنملأه إلى ذلكم الحد ليكون هو النصيب المقدر في الزكاة. 

وهو قول علي وابن عباس وأبي سعيد والمالكية والشافعية، استدلالا بما مضى في حديث ابن عباس وابن عمر، وبما يلي: 

دليل أول: مضى ما رواه عبد الرحمن الجمحي ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «فرض زكاة الفطر صاعا من تمر، [أو صاعا من بر]، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين»، صححه الحاكم، وقد مضى أنه باطل، والعمري ضعيف، وقد خالفه الثقات من أصحاب نافع كما مضى، روَوْه بلفظ :" صاعا من تمر وصاعا من شعير "، فقط.

دليل ثاني: خرجه الدارقطني عن مبارك بن فضالة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض على الذكر والأنثى والحر والعبد صدقة رمضان صاعا من تمر أو صاعا من طعام».

ورواه الشجري عن إسماعيل بن يزيد القطان: حدثنا غالب بن فرقد حدثنا المبارك بن فضالة عن أبي أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «فرض صدقة الفطر على الذكر والأنثى، العبد والحر، صاعا من طعام، أو صاعا من بر».

دليل ثالث: خرجه ابن خزيمة في الصحيح 2416 - حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحميدي حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة الفطر، صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من سلت".

والسلت سنبلتُه بيْن الشعير والقمح، وحبها أقل كثافة من القمح، وهو إلى جنس البر (القمح) أقرب.

والحنطة نوع من القمح، لكن سنبلتها شديدة الاسمرار صغيرة السفا.

فإذا سُحقت كاملُ الحبةِ جيدا فهو دقيق القمح. 

فإذا أحرقت سنبلة القمح قبل أن ييبس، ثم طحنت قليلا فهو الفريك، وهو أغلى أنواع القمح.

وإذا طُحن السويداء فقط، أي الجزء الرخو الأبيض الداخلي من الحبوب فهو الدقيق الأبيض أو الفرينة. 

فالفرينة: هي الدقيق الأبيض المسمى ب " الحواري" أو "الدرمك"، والمسمى في الحديث ب"النقي"، يُصنع منها قرصة النقي المشبه بها أرض المحشر. 

الدليل الرابع: وفيه عموم التصدق بصاع من طعام أيا كان، بُرا أو غيره:

خرجه البخاري (1506) (1510) حدثنا معاذ بن فضالة، حدثنا أبو عمر حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عياض بن عبد الله بن سعد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام»، وقال أبو سعيد: «وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر»،

والأقط هو اللبن الجامد.

وقد دل هذا الحديث على صحة الزكاة صاعا من جميع أصناف الطعام، بلا فرق بين المرتفعة والزهيدة الثمن،

كما دل هذا الحديث على أن هذه المذكورات من باب التمثيل ومفهوم اللقب لما كان شائعا، خلافا للظاهرية المقتصرين على التمر والشعير.

الدليل الخامس: وفيه إخراج صاع واحد من جميع أنواع الطعام ولو اختلفوا في الثمن:

خرج مسلم والبخاري 1508/1506 وأبو داود (1618) عن الإمام مالك(في الموطإ) وسفيان، عن زيد بن أسلم حدثني عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب [أو صاعا من أقط »،

[ولأبي داود عن سفيان: صاعا من دقيق] فلما جاء معاوية وجاءت السمراء، قال: «أرى مدا من هذا يعدل مدين».

وفي رواية عن سفيان بالحصر :" لم نخرج إلا صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب، أو صاعا من أقط أو صاعا من دقيق، أو صاعا من سلت ثم شك سفيان فقال: دقيق أو سلت» .

قال النسائي: لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث دقيقا غير ابن عيينة.

قال حامد: فأنكروا عليه، فتركه سفيان، قال أبو داود: «فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة»

لكن قال أبو الفضل في روايته عند الدارقطني (3/77): فقال له علي بن المديني وهو معنا: يا أبا محمد أحد لا يذكر في هذا الدقيق , قال: بلى هو فيه ".

قال أصحاب هذا القول: فذكر في هذه الأحاديث صاعا من أي طعام،

وقال غيرهم: إن ذكر الطعام ضمن هذه الأصناف بحرف العطف والمغايرة والتخيير بيْن أحدها، مما يدل على أنه طعام مخصوص، لكن اختلفوا في تعيينه، هل هو الحنطة (الفرينة) أم البر بأنواعه:

فمن قال هنا بأن المراد من الطعام هنا: هي الحنطة أو القمح، فقد قالوا:" والطعام في كلام العرب البر خاصة كما قال الخليل: وأهل الحجاز إذا ذكروا الطعام أرادوا به البر خاص والبر بالضم هو القمح".

ورد عليهم الحنفية ومن معهم بأمور:

أولاها: أن بعض الأحاديث قد بينت بأن الحنطة أتت في عهد معاوية رضي الله عنه، وأن الأمير معاوية هو من جعلها مدّين.

والثاني: وُرُود بعض الأحاديث المرفوعة بأن البُرّ أيضا يُزَكى نصف صاع، لكن فيها مقال ولم تصح.

والثالث: أنه قد ورد بزيادةٍ تبين بأن من الطعام هنا: الدقيق أو السلت أو الأقط كما مر،

لكن وردت أحاديث بمفردها ذكرت الطعام فقط، وأن زكاته مقدار صاع، وأن الدقيق إنما هو في البر كما قال الخليل والمالكية.

وأيدوا ذلك بما روى سفيان عن ابن عجلان سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري قال :" لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق أو صاعا من أقط أو صاعا من سلت ".

والسلت بيْن الشعير والقمح، وهو إلى جنس البر أقرب، وفيه كالشعير: صاعٌ بالنص، والدقيق أيضا صاع، والظاهر هنا أنه غير دقيق الشعير، لأن الشعير قد ذُكر في نفس الحديث، مما يؤكد بأن السلت والدقيق قد يلتحقان بجنس البُر والحنطة اللذان يُخرج منهما صاع، وهذا بخلاف الأحاديث التي فيها نصف صاع من بر.

لكن ذِكر البُر نصا بخصوصه: قد ورد في أدلة أخرى، واختلف الرواة في ذكره، هل هو مرفوع؟ أو موقوف؟ وهل وُجد في عهد النبي عليه السلام أم لا ؟ كما يستبيّن:

فمن روى: أن معاوية ومن معه هم من جعلوا عدل الصاع مدين قمحا، ضعّفوا كل الأحاديث المرفوعة التي فيها ذكر لصاع البر أو نصف صاع منه إذ لم يوجد ذلك في العصر النبوي، واعتقدوا بأن الصحابة والخلفاء هم أول من بدأ العمل بالعدل.

ومن صحح وجود ذلك في العهد النبوي من المالكية: فكأنه عنده زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، وإنما لم يعلموا بالحنطة لعدم اشتهارها فقط، بينما علم بأمرها آخرون، وحدثوا بما علموا، وأيدوا ذلك بما سبق وبعموم رواية أبي سعيد في زيادة " صاع السلت أو الدقيق"، وبالتالي:

دليل سادس: خرج الحاكم (1/571) عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «من كان عنده طعام فليتصدق بصاع من بر، أو صاع من شعير، أو صاع من تمر، أو صاع من دقيق، أو صاع من زبيب، أو صاع من سلت»

فدل أن المراد بالطعام هو ما يطعمه أهل البلد مما يكال.

دليل سابع: رواه ابن وهب قال: وكتب إلى كثير بن عبد الله بن عمرو المزني يخبر عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجال من أهل البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنا أولو أموال، فهل يجوز عنا من زكاة الفطر؟ قال:" لا، فأدوها عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط"،

وهذا خبر منقطع ضعيف: كثير ضعيف، وربيح فيه جهالة، وقال عنه البخاري: منكر الحديث، ومشاه ابن عدي، ولم يدرك جده أبا سعيد ، والأموال هنا هي الأنعام، ولا تصح فيها زكاة الفطر كما في هذا الحديث.

دليل أو الدليل الثامن: وفيه رفض بعض الصحابة التفريق بين الطعام الجيد والعادي في الكيل:

قال ابن حبان في صحيحه ذكر البيان بأن قول أبي سعيد: صاعا من طعام أراد به صاع حنطة [3306] أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة فيما انتخبت عليه من كتاب الكبير (صحيح ابن خزيمة 2419) قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح قال: قال أبو سعيد الخدري- وذكروا عنده صدقة رمضان- فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاع تمر، أو صاع حنطة، أو صاع شعير، أو صاع أقط، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها ولا أعمل بها".

صححه ابن حبان والحاكم، وقال ابن خزيمة:" ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم.."، وكأنه من عبد الله بن عثمان ففيه جهالة.

دليل تاسع: وفيه مطلق الصاع من الطعام:

خرجه الدارقطني من طريقين عن محمد بن بكر ثنا عمر بن محمد بن صهبان أخبرني ابن شهاب الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا زكاة الفطر صاعا من طعام» , قال: وطعامنا يومئذ البر والتمر والزبيب والأقط ".

تفرد به ابن صهبان وهو ضعيف.

دليل عاشر: وفيه تسوية القمح بغيره، وأن الجميع صاع، على اضطراب في ذلك:

قال الحاكم (1/570) حدثناه أبو الفضل محمد بن إبراهيم المزكي ثنا أحمد بن سلمة ثنا الحسن بن الصباح ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صدقة الفطر: عن كل صغير وكبير، حر أو عبد، صاع من بر، أو صاع من تمر"،

هذا حديث ضعيف الإسناد، منكر الرفع، فقد قال الحاكم : «هكذا أُسند عن علي، ووقفه غيره»

. قال الحاكم: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله العمري ثنا محمد بن إسحاق أنبأ محمد بن عزيز الأيلي ثنا سلامة بن روح عن عقيل بن خالد عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث أنه سمع علي بن أبي طالب يأمر بزكاة الفطر فيقول: «صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من حنطة، أو سلت، أو زبيب»،

دليل 11/ روى حماد بن سلمة ويزيد أن حميدا الطويل أخبرهم عن الحسن قال: خطب عبد الله بن عباس على منبر البصرة فقال :" يا أهل البصرة, ما لكم لا تؤدون زكاة شهركم؟ ثم قال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم " فأمرهم بصاع من شعير أو تمر أو نصف صاع من بر, فلما قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يا أهل البصرة , إن سعركم رخيص , لو جعلتموه صاع بر ",

وهذا خبر منقطع عن علي، وقد ورد البر مرفوعا عن علي:

والإسناد الأول مضطرب، وقد ورد مرة أخرى عن أسماء كما في: 

دليل 12: حديث أسماء في عموم احتساب الزكاة بالصاع أو المدّ: له طرق مضطربة: 

قال ابن خزيمة في صحيحه 2401 - حدثنا محمد بن عزيز الأيلي حدثنا سلامة قال: وحدثني عقيل عن هشام بن عروة عن عروة بن الزبير عن أمه أسماء بنت أبي بكر أنها أخبرته أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة، أو الصاع الذي يقتاتون به يفعل ذلك أهل المدينة كلهم ".

فذكرت وسيلة مقدار الزكاة، وهي الصاع أو المد من غير تفصيل بين المرتفع والزهيد الثمن:

وفيه محمد الأيلي مختلف فيه وقد اضطرب، وفي سماعه من سلامة نظر، وسلامة فيه كلام وقد اختلف عليه في ذكر المد أو المدين:

فقد خرجه الطحاوي عن ابن أبي داود عن سلامة بن روح عن عقيل بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت :" كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين ".

سلامة فيه اختلاف، وقيل لم يسمع من عمه عقيل،  

وهي رواية مجملة لم تبين الصنف الذي يُخرَج منه المُدّان، لتبيين العموم :

وقد خرجه الحاكم (1/571) عن الليث، عن عقيل عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها حدثته، أنهم كانوا «يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت، أو الصاع الذي يقتاتون به، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم»

قال الحاكم:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه

بينما خرجه الطحاوي بالتفصيل:

فقال الطحاوي حدثنا فهد وعلي بن عبد الرحمن قالا: ثنا ابن أبي مريم قال: أخبرني يحيى بن أيوب أن هشام بن عروة حدثه عن أبيه أن أسماء ابنة أبي بكر أخبرته " أنها كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مدين من حنطة، أو صاعا من تمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به "،

فبيّن أن المدين في الحنطة، وأن الصاع في غيرها، لكن يحيى الغافقي فيه لين، واضطرب في سنده ابن أبي مريم: 

فرواه أسد وابن أبي مريم أيضا عن حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن فاطمة ابنة المنذر عن أسماء ابنة أبي بكر قالت: كانت تخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح "، وابن لهيعة ضعيف، وقد رواه عنه ابن المبارك:

. قال أحمد (6/346) حدثنا عتاب بن زياد حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك أخبرنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح، بالمد الذي تقتاتون به "، فاضطرب فيه.

الدليل 12/ وأصح طرق هذا الحديث بهذا اللفظ التالي بذكر الاحتساب بمطلق الصاع أو المد: 

قال الحاكم في المستدرك (1/571) 1499 - أخبرني أبو نصر محمد بن محمد بن حامد الترمذي ثنا محمد بن جبال الصنعاني ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها حدثته: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت، أو الصاع الذي يقتاتون به، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم»

قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وهي الحجة لمناظرة مالك وأبي يوسف رحمة الله عليهما ".

دليل 13/ قال الحاكم (1/569) حدثني محمد بن يعقوب بن إسحاق القلوسي ثنا بكر بن الأسود ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حض على صدقة رمضان، على كل إنسان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من قمح"،

قال الحاكم "« هذا حديث صحيح، وله شاهد صحيح»

وليس كما قال بل هو منكر، فإن سفيان بن حسين ضعيف في الزهري، وقد خولف، واضطرب أيضا كما سيأتي:

الدليل 14: حديث ابن عباس وهو موقوف، ليس بمرفوع:

رواه عبد الله بن الْجراح الْقُهسْتَانِيّ ثَنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي رَجَاء العطاردي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَدّوا صَاعا من طَعَام يَعْنِي فِي الْفطْرَة "،

قال الضياء:" غَرِيب من حَدِيث أَيُّوب وَحَمَّاد لَا يعلم لَهُ رَاوِيا إِلَّا عبد الله بن الْجراح".

وخرجه ابن خزيمة في الصحيح 2415 - حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤدي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك، من أدى سلتا قبل منه، وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه، ومن أدى سويقا قبل منه"،

هكذا رفعه عبد الأعلى عن هشام، وأوقفه غيره، وأيوب:

فخرجه النسائي 2509 - أخبرنا علي بن ميمون عن مخلد عن هشام عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: ذكر في صدقة الفطر، قال: «صاعا من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من سلت».

قال ابن حزم:" فهذا ابن عباس قد خالف ما روي بأصح إسناد يكون عنه ".

وقال ابن خزيمة 2417 - حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن محمد عن ابن عباس أنه كان يقول: صدقة رمضان صاع من طعام من جاء ببر قبل منه، ومن جاء بشعير قبل منه ومن جاء بتمر قبل منه، ومن جاء بسلت قبل منه، ومن جاء بزبيب قبل منه، وأحسبه قال: ومن جاء بسويق أو دقيق قبل منه".

وروي عن ابن عباس مدان كما سيأتي:

الدليل 15/ ما خرج أبو داود 1609 وابن ماجه 1827 عن سيار ابن عبد الرحمن الصدفي عن عكرمة عن ابن عباس قال: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات".

وكان يقولُ : أغنوهُمْ عن الطَّوافِ في هذا اليومِ".

القول الثاني: من فرّق بين القمح الغالي فيه نصف صاع، وأما غيره ففيه صاع:

وهو مذهب الحنفية والحنابلة وجمع من الصحابة:

فالطعام الغالي الثمنِ كالبُرّ نصف صاع، بينما الزهيد صاع، ويُشكل عليه أن هذا السعر أمر غير مضبوط، بل يختلف باختلاف كل زمان ومكان وبلد،

والزبيب في هذا الزمن مرتفع الثمن جدا مقارنة بغيره، فهلا جعلوه نصف مد أو أقل... وهم لا يقولون بذلك.

وقد استدلوا بعدة أحاديث مرفوعة كلها ضعيفة كما قال الإمام ابن القاسم :"وأنكر مالكٌ ما رُوي من الحديث في نصف صاعٍ، ولم يصح عندَه "،

وإنما صح ذلك عن الصحابة موقوفا:

دليل أول: حديث ابن عباس: رُوي مرفوعا وهو موقوف:  

رواه الشاذكوني وغيره عن محمد بن عمر الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن أبي أنس عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو مُدّان من قمح، على كل حاضر وباد، صغير أو كبير، حر أو عبد»،

قال العيني : وَأعله ابن الجوزي بالواقدي، فَمَا لِلْوَاقِدِي ؟ وَهُوَ إِمَام مَشْهُور وَأحد مَشَايِخ الشَّافِعِي"،

والواقدي صدوق فيه لين في الفقه، وقد أفردته بترجمة، فالعلّة من غيره.

. ومن طريق سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو مملوك نصف صاع من بر , أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير»،

قال الدارقطني: سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره "، وإنما الصواب موقوف:

. فقد رَوى حماد بن سلمة أن حميدا الطويل أخبرهم عن الحسن قال: خطب عبد الله بن عباس على منبر البصرة فقال:" يا أهل البصرة, ما لكم لا تؤدون زكاة شهركم؟ ثم قال: من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم " فأمرهم بصاع من شعير أو تمر أو نصف صاع من بر, فلما قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يا أهل البصرة , إن سعركم رخيص , لو جعلتموه صاع بر ",

وفيه دليل لو صح على الاعتداد بالقيمة لا بذات الجنس، فقد قيل أن الحسن لم يسمعه من ابن عباس، بل دلسه عنه تدليس صيغ الأداء...

قال أبو حَاتِم والبزار: الْحسن لم يسمع ابْن عَبَّاس، وقيل بل سمع منه كما فِي حَدِيثٍ عَن الْحسن قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس.

والصواب عن ابن عباس عموم الصاع كما أسلفنا.

دليل ثاني: حديث أبي هريرة وهو موقوف عنه من قوله: 

1. ورد بصاع مطلقا كما مر منرواية الحاكم (1/569) عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حض على صدقة رمضان، على كل إنسان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من قمح"، قال الحاكم "« هذا حديث صحيح، وله شاهد صحيح»

وليس كما قال بل هو منكر، فإن سفيان بن حسين ضعيف في الزهري، وقد خولف، واضطرب أيضا:

2. فقد ورد موقوفا بنصف المد قمحا:

خرجه الطحاوي في المشكل (6/31) عن ابن المبارك قال: أخبرنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة قال :" كان يخرج زكاة الفطر عن كل إنسان يعول من صغير أو كبير أو حر أو عبد وإن كان نصرانيا مدين من قمح، أو صاعا من تمر"،

ابن لهيعة ضعيف مدلس وقد قيل أن ابن المبارك ممن كان ينتقي عن ابن لهيعة، وتابعه على الوقف معمر:

قال الطحاوي في معانيه (2/45) نا أبو بكرة نا حسين بن مهدي ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «زكاة الفطر عن كل حر وعبد , ذكر أو أنثى , صغير أو كبير , غني أو فقير , صاع من تمر , أو نصف صاع من قمح» قال معمر وبلغني عن الزهري أنه كان يرفعه "،

والصواب المتيقن أنه موقوف، ورفعه بلاغ ووهْم، ورفعه سفيان ووَهم فيه لأنه ضعيف في الزهري.

دليل ثالث: حديث ثعلبة الماضي:

رواه أحمد (5/432) عن عبد الرزاق في المصنف حدثنا ابن جريج قال: وقال ابن شهاب: قال عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس قبل الفطر بيومين فقال: " أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على كل حر وعبد، وصغير وكبير "،

دلسه ابن جريج عن النعمان، وأخذه عنه، والنعمان مضعف، وفي زيادة "بين اثنين" نظر وشك:

قال أحمد (5/432) حدثنا عفان: سألت حماد بن زيد، عن صدقة الفطر، فحدثني عن نعمان بن راشد عن الزهري عن ابن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أدوا صاعا من قمح، أوصاعا من بر، وشك حماد، عن كل اثنين، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم، فيرد عليه أكثر مما يعطي ".

وخرجه الطحاوي عن عفان بن مسلم حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر, أو صاعا من شعير, أو نصف صاع من بر - أو قال قمح - عن كل إنسان صغير أو كبير , ذكر أو أنثى , حر أو عبد , غني أو فقير".

هذا حديث ضعيف مضطرب، والنعمان بن راشد ضعيف في الزهري أيضا.

وقد خالفه بكر الكوفي فرواه عن الزهري أنه حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير عن كل واحد , أو قال: عن كل رأس , عن الصغير والكبير , والحر والعبد "،

ولم يذكر مُدّي القمح، وإنّما المُدّان في هذه الطريقِ المرسل، وإنما هو اجتهاد موجود في عهد الصحابة فقط:

. كذلك رواه ابن عيينة عن الزهري عن أبي صعير قال: " كنا نخرج زكاة الفطر على عهد عمر بن الخطاب نصف صاع ".

دليل رابع: أثر ابن جريج: وقد اختُلف عليه فيه:

فرواه عبد الرزاق 5766 - عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر: «زكاة الفطر مدان من قمح، أو صاع من تمر أو شعير، الحر والعبد سواء».

تابعه محمد بن بكر عن ابن جريج وهو متصل موقوف رجاله ثقات. 

.ورواه عبد الرزاق أيضا 5772 - عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: «صدقة الفطر على كل مسلم صغير وكبير عبد أو حر مدان من قمح، أو صاع من تمر، أو شعير»،

وهذا مثله ثقة واتصالا ووقفا، وقد رفعه عمر بن هارون وهو ضعيف:

. فقال الترمذي: وروى عمر بن هارون هذا الحديث عن ابن جريج، وقال عن العباس بن ميناء عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا الحديث"، حدثنا جارود حدثنا عمر بن هارون هذا الحديث.

ورواه ابن جريج عن عمرو بن شعيب، واختلف عليه فيه:

. فرواه النضر أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال: شهدت ابن الزبير وهو يقول على المنبر في صدقة رمضان: «مدان من قمح، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير، والحر والعبد سواء»

هذا موقوف صحيح، وسلك فيه سالم طريق الجادة ووهِم سندا ومتنا:

. فقال التِّرْمِذِيّ 674 - حدثنا عقبة بن مكرم البصري حدثنا سالم بن نوح عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير، مدان من قمح، أو سواه صاع من طعام ". قال :" هذا حديث حسن غريب "،

كذا قال، وَقد أعله ابْن الْجَوْزِيّ بسالم بن نوح، قَالَ عنه ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَتعقبه صَاحب التَّنْقِيح فَقَالَ: صَدُوق، روى لَهُ مُسلم فِي صَحِيحه، وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق ثِقَة، وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان"،

ومع صدقه فقد وهم كما بينا، واختلف على ابن جريج في وصله وسنده ومتنه، مع تدليسه :

فوَصله سالم هذا، وقد توبع من ضعيف:

. خرجه الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن صَالح عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر صائحا فصاح: إِن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب على كل مُسلم مدّان من قَمح "،

قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: عَليّ بن صَالح ضَعَّفُوهُ، قَال العيني: قال صَاحب التَّنْقِيح : هَذَا خطأ مِنْهُ وَلَا نعلم أحدا ضعفه لكنه غير مَشْهُور الْحَال، وَقيل: هُوَ مكي مَعْرُوف، وَهُوَ أحد الْعباد، وكنيته أَبُو الْحسن "، فهو مجهول وقد خولف:

. وقد رواه ابن جرير وعبد الوهاب ثنا ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخا يصرخ على كل مسلم ثم ذكر مثله "،

وهذا المرسل المعضل أصح .

. كذلك رواه عبد الرزاق الثقة أنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث صارخا يصرخ في بطن مكة ألا إن صدقة الفطر .."،

بينما خرجه البزار والدارقطني والحاكم عن داود حدثنا يحيى بن عباد السعدي وكان من خيار الناس عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخا يصرخ في بطن مكة يأمر بصدقة الفطر ويقول: هي حق واجب على كل مسلم ذكر، أو أنثى صغير، أو كبير حر، أو عبد حاضر أو باد، مُدّان من قمح، أو صاع مما سوى ذلك من الطعام "،

قال الحاكم :« هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه الألفاظ»،

لكن في إسناده ومتنه اضطراب شديد، مع عنعنة ابن جريج ، ولم يصح:

دليل خامس: رواه حماد بن زيد واسماعيل عن عبد الخالق الشيباني وهو ابن سلمة عن سعيد بن المسيب قال: " كانت الصدقة تعطى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما نصف صاع من حنطة "،

وهذا حديث مرسل، وقد توبع ابن المسيب:

خرجه الطحاوي في المشكل والمعاني عن عبد الرحمن بن خالد وعقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب [وأبي سلمة وعبيد الله بن عتبة والقاسم وسالم] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر مدين من حنطة ".

دليل سادس: قال حميد في الأموال 2400 أنا علي عن ابن المبارك عن حيوة بن شريح حدثني حميد بن زياد أبو صخر أنه سمع يزيد بن قسيط يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيوم فقال: «زكوا فطركم بمدين من قمح، أو بصاع من تمر» ، قال ابن قسيط: فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم زكاة الفطر، ليصيبوا منه الناس يوم الفطر".

علي هو ابن الحسين بن واقد المروزي ضعفه أبو حاتم والعقيلي وقواه النسائي، وكذلك اختلفوا في شيخه حميد، والحديث مرسل ضعيف.

أثر سابع: رواه الحجاج بن أرطاة قال: ذهبت أنا والحكم بن عتيبة إلى زياد بن النضر, فحدثنا عن عبد الله بن نافع أن أباه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني رجل مملوك , فهل في مالي زكاة؟ . فقال عمر رضي الله عنه: " إنما زكاتك على سيدك , أن يؤدي عنك عند كل فطر , صاعا من شعير , أو تمر , أو نصف صاع من بر" .

أثر ثامن: رواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث قال: خطبنا عثمان رضي الله عنه فقال: " أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة ".

تلكم هي أدلة من قال بالتفريق بين البر وغيره بسبب الاختلاف في القيمة، ولذلك سوى عليٌّ القمحَ بغيره لما رخص السعر، ولا يصح شيء من ذلك:

لكن في عدول هؤلاء عن التسوية بين القمح مع غيره، دليل على أنهم ينظرون إلى القيمة، وأنها تتغير بتغير السلعة والعملة والبلد:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: من قال بجواز إخراج القيمة والدينار في مطلق الزكاة الفطرة أو الأموال:

قالوا: وإنما يزكي كل قوم بناءً على نوع المعاملات والمقايضات التي في بلده وزمنه، ففي عهد النبي عليه السلام كانت معاماتهم بالمقايضات بين السلع والطعميات، حتى انتشرت النقود في عهد التابعين فكانت هي العمدة في المبادلات كما هو الشأن في الديات والربا وسائر المقايضات والمعاملات كما سيأتي.

من غير تفريق بين الزكاتين الفطر والأموال كما تدعيه كذبا جُهّال التلفية التبديعية من غير سلف، حيث يفرقون بين المتماثلات التي جعلها السلف شيئا واحدا والله المستعان...  

وهو قول الأئمة والخلفاء كما قال الزهري، وبه حكم عمر بن الخطاب والمهاجرون ومعاذ وابن عباس وابن مسعود، والتابعون، والخليفة عمر بن عبد العزيز، وأبو حنيفة وأصحابه وفقهاء العراق، وسفيان الثوري، والإمام البخاري، ورواية عن الإمام مالك وأحمد، وبه قال ابن القاسم وأشهب وابن حبيب، وابن زنجويه وابن تيمية وطوائف من الشافعية والمالكية وغيرهم، بل عليها العمل عند المتأخرين منهم:

قال ابن حزم:" وصح أيضا عن طاوس، ومجاهد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير. وهو قول الأوزاعي، والليث، وسفيان الثوري ".

الفرع الأول: تأصيل هذا القول:

ففي عهد النبي عليه السلام كانت النقود قليلة لا يتعاملون إلا بما جاءهم منها من بلاد الروم أو الفرس، ولذلك كان أكثر معاملاتهم بالمقايضة بين السلع، كالتمر بالتمر أو بالشعير ونحوه كما هو معروف في أحاديث الربا وغيرها، وكذلك كان الأمر في عهد الصحابة الذين زادوا أصنافا كثيرة من الطعميات لم تكن منتشرة في المدينة النبوية، حيث فتح الله عليهم البلاد وتوسعت الطعميات، ومع ذلك فقد كانت المعاملات بالنقود قليلة شبه النادرة، بحيث بدأت محاولة سكها في زمن الخليفة عمر، لكنه لم يُشِعْ ذلك ولم يجعله يحل محل النقد الموزون، ثم كان أول من سك العُملة ونشرها رسميا في البلدان هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بعد سنة 65ه، معتمدا على الوزن والدينار الذهبي المذكور في زمن النبي عليه السلام وأحاديثه.  

وبالتالي يخرجها الإنسان بناء على الشيء الذي يتقايض به أهل البلد، وهو في هذا الزمان النقود.

حيث تكون مبنية على القول الراجح، على الاختلاف السابق:

فمن قال بإخراج الصاع من الجميع، فإنها مبنية على الصاع الذي يساوي 2.040 كغ شعيرا، بحيث نضع هذا الوزن في إناء ونحده، ثم نضع في ذلك الحدّ دقيقا أو غيره من أقوات أهل البلد، ثم نحسبه كم يساوي نقودا.

ومن قال: نزكي صاعا من الطعام الزهيد، ونصف صاع من الطعام الغالي، فإنه يحسب بناء على ذلك كما أسلفنا.

قال الإمام حميد بن زنجوية في كتاب الأموال:" القيمة تجزي في الطعام إن شاء الله، والطعام أفضل"،

وقال الإمام حميد: فلما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعا من كل، فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك ".

وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: ما سوى التمر والزبيب والشعير يخرج بالقيمة، قيمة نصف صاع من بر، أو قيمة صاع من شعير أو تمر"،

وقال العيني في شرح صحيح البخاري (9/8) :" اعْلَم أَن الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب أَن دفع الْقيمَة فِي الزَّكَاة جَائِز عندنَا، وَكَذَا فِي الْكَفَّارَة وَصدقَة الْفطر وَالْعشر وَالْخَرَاج وَالنّذر، وَهُوَ قَول عمر وَابْنه عبد الله وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ومعاذ وطاووس ".

وأما المالكية: فقد قال الكثيرون منهم بإخراج الغالب في الاستعمال والمعاملات:

قالوا: على أهل التعامل بالطعام أن يُخرجوا الطعام، وعلى أهل التعامل بالذهب والمال أن يُخرجوا المال وهكذا:

قال ابن رشد (2/486) :" قال أبو زيد : وقال ابن القاسم: في الرجل يكون عليه زكاة حب فيخرج عيناً، قال : أرجو أن تجزئ عنه".

وقال القرطبي في المفهم :" فيخرج الغالب من قوت بلده ؛ قمحا أو شعيرًا، أو تمرًا؛ متمسكًا بعموم قوله:" طعام"؛ فإنَّه يَعُم التمر وغيره، ومستانسًا بأن الشرع قد اعتبر نحو هذا في الدِّيات، ففرض على أهل الإبل إبلاً، وعلى أهل الذهبِ الذهبَ، وعلى أهل الورقِ الورقَ، وكذلك فعل في زكاة الفطر، وقد روي عن مالك رواية شاذَّة: أنه يخرج فيها مكيلة ما حلب من اللبن تمرًا ، أو قيمته، وقد تقدَّم قول أبي حنيفة وزُفر، وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى: يخرج القيمة بالغة ما بلغت،

ثم قال:" وأحسن هذه الأقوال مشهور مذهب مالك؛ لما ذكرناه والله أعلم ".

كما نقل هذه الرواية عن الإمام مالك: القيروانيُّ في الزيادات إذ قال :" قال مالكٌ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يدفع في الفطرةِ ثمناً. وقاله ابن القاسمِ في رواية أبي زيدٍ. قال عنه عيسى: فإن فعل لم أرَ به بأساً".

قال العيني:" وقال الثوري: يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها، وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عن أحمد. ولو أعطى عرضا عن ذهب وفضة، قال أشهب: يجزيه. وقال الطرطوشي: هذا قول بين في جواز إخراج القيم في الزكاة، قال: وأجمع أصحابنا على أنه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه، وكذا إذا أعطى درهما عن فضة عند مالك: وقال سحنون: لا يجزيه، وهو وجه للشافعية، وأجاز ابن حبيب – المالكي - دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين ".

وبالقيمة أيضا قال ابن القاسم صاحب مالك وأشهب وابن رشد وابن تيمية وغيرهم.

فهل هؤلاء السلف لئام؟ كما يزعم تلفية بني علمان، الذين يُنكرون ويُهوّلون على كل من خالف مشايخهم، المغيرين للفتاوى على أهواء ملوكهم ؟!!!

ألا يسعنا ما وسع السلف أهل الإسلام، من احترام الرأي الآخر وعدم تبديعه؟

هؤلاء السلف اختلفوا في هذه المسائل، وتناقشوا، لكن ما بدع أحد مخالفه، فمن بدّع في المسائل الاجتهادية هذه، فالبدعة به ألصق، والضلال به أولى، لا بالسلف الصالح: 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثاني: أدلة من قال بجواز دفع القيمة في زكاة الفطر أو غيرها:

وقد استدل هؤلاء بالقياس والمعقول والمنقول:

المسألة الأولى: أدلة المعقول والقياس:

الدليل الأول: استدلوا بالأدلة السابقة وأن العبرة بمقايضات أهل البلد ةمعاملاتهم، إضافة إلى عدول الصحابة إلى المدين برا، بدل صاع تمر أو شعير، بسبب غلائه كما أسلفنا.

ثم لما انتشرت النقود عدل المسلمون إليها.

الدليل2/. قالوا: والنبي عليه السلام حدد لأصحابه التمر والشعير، لأن الناس وقتئذ كانت جلُّ معاملاتهم بالطعام: التمر والشعير، وكانت الدنانير في بداية نشوء الدولة الإسلامية بالمدينة قليلة شبه منعدمة، وما كانوا يتبايعون غالبا إلا بالمقايضات بين المطعمومات، كما هو معروف، فلما انتشرت الدنانير الذهبية وصكها الوليد بن عبد الملك لأول مرة في عصر التابعين صاروا يتعاملون بها رسميا بعد أن كانت قليلة الانتشار: 

الدليل3/ قالوا: وكذلك حدد النبي عليه السلام لهُم الزكاة في الذهب والفضة قديما، وقد أوجب العلماء الزكاة في الأوراق النقدية الحالية، قياسا عليها بعلة الثمنية؟ أم أن المخالفين لا يزكون في النقود ؟!!! .

4/ قالوا: وكذلك حدد النبي عليه السلام لهُم الكثير من أمور زكاة الأموال والأنعام بأجناسها، وأجاز لهم في نصوص أخرى إخراج القيمة والثمنية، فكذلك زكاة الفطر سواءا كما سيأتي:

5/. وكذلك تُحَدّد زكاة عروض التجارة بالقيمة، وتُخرج بالقيمة لا بالسلع. 

6/. قالوا: وكذلك حدد النبي عليه السلام لهُم الدية بمائة ناقة، وقد أجاز عامة السلف والخلف إخراج الثمنية والقيمة قياسا عليها.

7/. قالوا: وكذلك حدد النبي عليه السلام لهُم في الربا ستةَ أصناف فقط، وهي الذهب والفضة والتمر والشعير والبر والملح، وقد قاس عامة السلف والخلف عليها الدنانير الذهبية والفضية، والأوراق النقدية الحالية، وهي تجري فيها الربا عند العامة بعلة الثمنية . 

8/ قالوا: وكذلك استعمل الشارع الثمنية والعِدل والقيمة في كفارات الحج ونحوها.

كقوله في كفارة متعمدِ الصيد:( فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ) [سورة المائدة: 95]

فالمتعمد للقتل سواء كان ذاكرا لأحرامه، أم ذاهلا عنه، أم غير قاصد لقتل الصيد، فعليه جزاء الصيد المقتول، بـأن ينظر إلى مثل المقتول حجما أو هيئة أو خِلقة، فيُكَفِّر به من الأنعام، كمن قتل غزالا فعليه هدي شاة في الكعبة، ومن قتل أيلا أو بقرا وحشيا فعليه هدي بقرة وهكذا.

وهو قول مالك والشافعي وغيرهما.

وجنح أبو حنيفة لقيمة الصيد مباشرة وقال:" : يُقوم الصيد حيث صيد، فإن بلغت القيمة ثمن هدى تخير بين أن يهدي ما قيمته قيمته، وبين أن يشتري بها –بتلك القيمة- طعاماً، فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من غيره ، وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوماً وإن لم تبلغ تخير بين الإطعام والصوم ".

وقال الجمهور:

فإن لم يجد المثل من الحيوان، فيرى الشافعي وغيره: أنه يُكفّر بإطعام مساكين ما يساوي قيمة ذلك الهدي من غالب قوت البلد فيعطي كل مسكين مداً.

بحيث ينظر كم ثمن هذا الهدي، ثم يُــقوَّم عليه الهديُ طعامًا من قوت أهل البلد، فيتصدق به.

فإذا كانت الشاة مثلا بمبلغ 00025دج، فإنه يشتري بهذا المبلغ طعاما، يتصدق به على المساكين.

لكل مسكين صاع، أو نصف صاع، وقيل: مد.

وقيل: يجزئ أن يُعطي كل الطعام لمسكين واحد.

إذا كان سعر كيس الدقيق عندنا الآن = 1000 دج.

فإن مبلغ 25000 دج يشتري لك 25 كيسا دقيقا، وفي كل كيس 25 كغ، فإنها = 625 كغ

نوزعها على المساكين:

625 كغ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ..مسكين ؟

2.040 كغ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 مسكين

625/2.040  = 306 مسكين

إذًا نقسم قيمة الهدي طعاما بين 306 مسكينا، لكل مسكين صاع أي 2.040 كغ.

فإن لم يقدر على التصدق رجع إلى عِدل أو قيمة ذلك صياما، بحيث يصوم مكان كل صاع يوما.

1 يوما ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2.040 كغ

أ يوم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 625 كغ

نقسم 625/2.040 كغ = 306 صاعا، وهي عدد الأيام التي يصومها المتعمد الصيد بلا تتالي كما في الكفارات الأخرى.

فتحصل لنا هنا نفس النتيجة: فإما أن يطعم 306 مسكينا، لكل مسكين صاع.

أو يُكفّر بعِدْلها صياما، فيصوم 306 يوما.   

 فجعل الشارع هنا إما نحر الهدي، وإما الإطعام على حسب قيمة، وإما عِدل الإطعام من الصيام،

فانتقل من الإطعام إلى قيمته من الصيام،

وبالتالي يجوز في الزكاة الانتقال من الإطعام إلى قيمته من المال كذلك.   

9/ قالوا: وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد، لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة الشافعي ومن تبعه، وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن.

كما استدلوا بأدلة استدل بها الجمهور القائلون بالعدل من الطعميات في الأقوات، مع أدلة أخرى: 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  

المسألة الثانية: ذكر الأدلة والآثار، على مشروعية التصدق بالقيمة والدينار:

وفي هذا فرعان: أولاهما مشروعية الزكاة بالقيمة بناء على الطعميات المنصوص عليها، والثاني: مشروعية الزكاة بالدينار:

الفرع الأول:  مشروعية الزكاة بالقيمة من الطعميات:

حيث ورد مرفوعا من حديث ابن عمر من قوله أن صدقة الفطر في التمر والشعير، وأما غيره فذكروا ذلك في عهد النبي عليه السلام من غير نص مرفوع صراحة...  كما أسلفنا.

الدليل الأول : حديث ابن عمر في اقتصاره على الصنفين، وعمل غيره بالعدل والقيمة من الطعام :

خرجه البخاري ومسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر - أو قال: رمضان - على الذكر والأنثى، والحر والمملوك، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، فعدل الناس به نصىف صاع من بر، فكان ابن عمر رضي الله عنهما،» يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة من التمر، فأعطى شعيرا»، فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان ليعطي عن بني »، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين».

وخرج البخاري عن الليث عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير» قال عبد الله رضي الله عنه: «فجعل الناس عدله مدين من حنطة».

والناسُ هنا هو معاوية باعتباره خليفة ومن تبعه من الناس.

قال الجمهور من أصحاب القول الثاني: المراد بالعِدل هنا من الطعميات المقوتة، لا غير.

بينما قال الأحناف ومن وافقهم :

وفي جعلهم العدل على المنصوص عليه (التمر والشعير)، دليل على جواز إخراج العدل والقيمة من غير الطعميات أيضا في الزكاة. 

قالوا: ولأن عامة المقايضات في العهد النبوي والزمن الأول كانت مبادلة سلعة بسلعة كما هو معروف، وأحاديث الربويات أعظم دليل على ذلك، وأما الدراهم والدنانير فإنها وإن كانت موجودة فهي بقلة، ولذلك أرشدهم النبي عليه السلام إلى الزكاة من الطعميات المتوفرة آنذاك، وهذا تعليل قوي وتوجيه مبني على أسس متينة، وأدلة أخرى:

الدليل الثاني: أخذ العِدل والقيمة في الطعميات، وبيان زيادة أصناف أخرى غير التمر والشعير:

خرجه البخاري عن زيد بن أسلم قال: حدثني عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نعطيها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب»، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء، قال: «أرى مدا من هذا يعدل مدين».

قالوا: والقيمة والأثمان، تعدِلان أيضا الصاع والمد، وهما متوافران الآن .

وقد خرجه مسلم بلفظ:" «كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعا من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من زبيب» فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجا، أو معتمرا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: «إني أرى أن مدين من سمراء الشام، تعدل صاعا من تمر» فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد: «فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه، أبدا ما عشت».

فنظر أبو سعيد ومن معه إلى الكيل، ونظر غيره إلى العِدل والقيمة . 

فكأن أبا سعيد منع إخراج غير هذه المذكورات فقط كما هو قولٌ للظاهرية، وقد ورد ذلك صريحا عنه .

خرجه الطحاوي عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عثمان عن عياض بن عبد الله قال: سمعت أبا سعيد وهو يسأل عن صدقة الفطر ... :" فقال له رجل: أو مدين من قمح؟ فقال: " لا , تلك قيمة معاوية لا أقبلها , ولا أعمل بها "، وابن إسحاق مدلس.

وقد ورد خلاف ذلك عن أبي سعيد وأنه قبل العدل والقيمة :

الدليل الثالث: خرجه الطحاوي ثنا بكار بن قتيبة حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا حماد عن يونس عن الحسن أن مروان بعث إلى أبي سعيد أن ابعث إلي بزكاة رقيقك؟ فقال أبو سعيد للرسول :" إن مروان لا يعلم , إنما علينا أن نعطي لكل رأس عبد كل فطر صاعا من تمر أو نصف صاع من بر "، رجاله ثقات وفي اتصاله نظر .

الدليل الرابع : مر حديث ابن عباس: فلما قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يا أهل البصرة, إن سعركم رخيص , لو جعلتموه صاع بر "،

وهو نص في الاعتداد بتغير الأسعار وقيمة الأشياء.

الدليل 5/وصح عن علي قال:«زكاة الفطر عن كل إنسان تعول، من صغير أو كبير، أو حر أو عبد، وإن كان نصرانيا مدين من قمح، أو صاعا من تمر».

قالوا: وكأن الأشياء المنصوصة لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان، فلا فرق بين الحنطة وغيرها، هذه حجة الشافعي ومن تبعه،

وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن .

قالوا: فلما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعا من كل فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك .

الفرع الثاني: ما ورد في التصدق بالقيمة في العروض والدنانير:

دليل أو الدليل الأول:

1. رواه جمع منهم وكيع وسعيد بن منصور عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر , وقال: «أغنوهم في هذا اليوم».

قال الماوردي" في الحاوي :" والإغناء قد يكون بدفع القيمة ، كما يكون بدفع الأصل".

ولأن المقصود من الزكاة هو إعانة الفقير وسد حاجته ومصالحه .

وقال حميد 2397 أنا أبو نعيم أنا أبو معشر عن نافع عن ابن عمر قال: كنا نؤمر أن نخرجها، قبل أن نخرج إلى الصلاة، ثم يقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المساكين إذا انصرف، وقال: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» .

ورواه ابن وهب: أخبرك محمد بن سعيد عن أبي معشر عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: إذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قسمه بينهم، فقال :" اغنوهم عن طواف هذا اليوم"،

أبو معشر لين وقد توبع : 

الدليل الثاني: قال ابن سعد في الطبقات (1/248): حدثنا محمَّد بن عمر حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي عن الزهري عن عروة عن عائشة (ح)،

قال: وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (ح)

قال: وأخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن جده قالوا: نزل فرض شهر رمضان بعدما صرفت القبلة إلى الكعبة بشهر في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة بزكاة الفطر، وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال، وأن تخرج عن الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأثنى، صاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب، [أو مدان من بر]، وكان يخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيومين، فيأمر بإخراجها قبل أن يغدو إلى المصلى، وقال:[" أغنوهم، يعني المساكين، عن طواف هذا اليوم]، وكان يقسمها إذا رجع ".

الواقدي مختلف فيه، منهم من يتهمه ومنهم من يضعفه ومنهم من يوثقه، وقد أفردته بترجمة مطولة جدا، على هذا الرابط:

http://majles.alukah.net/t118455/

وخلاصة القول فيه أنه ثقة في أحاديث السير والمغازي والتواريخ، صدوق في أحاديث الأحكام إن ميّز، لأنه يُدرج الأحاديث من غير تمييز كما هنا، وهذه الزيادة لم يميز من زادها في تلكم الطرق الثلاثة، 

وله طريق باطلة خرجها الخطيب في المتفق (621) عن الحسين بن زيد عن القاسم بن عبد الله عن يحيى بن سعيد وعيبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أمر رسول الله صلى الله عليه بإخراج صدقة الفطر قبل الصلاة وقال اغنوهم عن السؤال"، والقاسم متروك .

الدليل الثالث: حديث معاذ في أخذ القيمة بالعروض من زكاة الأموال بدل الشعير، وزكاة الفطر مثلها عند السلف، لأنهما حق لله وحق للمساكين :

قال البخاري في الصحيح معلقا له بصيغة الجزم والتعميم بين الزكاتيْن:" باب العرض في الزكاة، وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص - أو لبيس - في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة».

وقد احتج به البخاري في صحيحه، وبوب عليه بلفظ العموم والعروض،

وقد رد هذا الحديث موصولا من غير وجه، وفيه انقطاع:

فقال أبو بكر (ما قالوا في أخذ العروض في الصدقة) (2/404) حدثنا عبد الرحيم عن الحجاج عن عمرو بن دينار عن طاوس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن «فأمره أن يأخذ الصدقة من الحنطة والشعير»، فأخذ العروض والثياب من الحنطة والشعير".

وقال حميد 2233 أنا محمد بن يوسف أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن طاوس قال: قال لهم معاذ باليمن: «ائتوني بعرض آخذه منكم مكان الصدقة؛ فإنه أهون عليكم، وخير للمهاجرين بالمدينة»

قال أبو عبيد: وروي عن عمر، وعلي، مثله في الجزية، أنهما كانا يأخذان مكانها غيرها "،

فدل على جواز أخذ القيمة كما فعل علي وغيره.

2/ وقال سعيد: حدثنا سفيان عن عمرو وعن طاوس قالا: لما قدم معاذ اليمن قال: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير، فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة"،

هذا حديث منقطع رجاله ثقات، وفيه دليل على أنه يؤخذ الأفضل للفقراء طعاما كان أو عروضا. 

3/ روى وكيع وعبد الرزاق (7133) عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن معاذ بن جبل: «أنه كان يأخذ من أهل اليمن في زكاتهم العروض».

تابعه يحيى بن آدم ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس، قال: قال معاذ

قال الدارقطني: هذا مرسل؛ طاوس لم يدرك معاذا ".

إلا أن رواية طاوس عن معاذ قوية، فإنه روى كتب عن معاذ عن الثقات، ونقل فقه معاذ عن اليمنيين الثقات من أصحاب معاذ رضي الله عنه. 

. وقال حميد في الأموال 1422 ثنا يزيد بن هارون ثنا الحجاج عن عمرو بن دينار ثنا حميد عن طاوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «بعث معاذا إلى اليمن فأخذ الثيابَ بصدقة الحنطة والشعير»

الدليل الرابع: أمر النبي عليه السلام النسوة بالتصدق ولو من الحلي، وذلك في خطبة العيد، لأن الفطرة تمتد عندهم حتى الغروب.

وهذا قول الإمام البخاري، فإنه بوَّب في الصحيح معلقا له بصيغة الجزم:" باب العرض في الزكاة، وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص - أو لبيس - في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تصدقن ولو من حليكن» فلم يستثن صدقة الفرض من غيرها، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها، ولم يخص الذهب والفضة من العروض".

ثم خرج عن ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم «لصلى قبل الخطبة، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن ومعه بلال ناشر ثوبه، فوعظهن، وأمرهن أن يتصدقن»، فجعلت المرأة تلقي وأشار أيوب إلى أذنه وإلى حلقه ".

وقد احتج به البخاري في صحيحه، وبوب عليه، وهو ظاهر في جواز التصدق بالحلي والذهب والقيمة، لأن الأمر بالصدقة هنا، كان يوم الفطر، وقد حمله البخاري على صدقة الفطر، وفيه دليل على امتداد وقتها أيضا إلى خطبة العيد، بل إلى الغروب من يوم العيد كما أسلفنا في وقت الأداء.

الأثر الخامس: إخراج الخليفة عمر بن الخطاب للعروض والأموال:

1/ قال حميد: قال أبو عبيد (في الأموال): أنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الخالق بن سلمة الشيباني قال: سألت سعيد بن المسيب عن الصدقة؟ - يعني صدقة الفطر - قال: كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع تمر أو نصف صاع حنطة عن كل رأس، فلما قدم عمر أمير المؤمنين، كلمه ناس من المهاجرين، فقالوا: إنا نرى أن نؤدي عن أرقائنا عشرة كل سنة، إن رأيت ذلك، فقال: نِعمَ ما رأيتم، وأنا أرى أن أرزقهم جريبين كل شهر، وكان الذي يعطيهم أمير المؤمنين أفضل من الذي يأخذه منهم، فلما جاء هؤلاء قالوا: هاتوا العشرة ونمسك الجريبين، لا.. ".

هذا حديث رجاله ثقات، أوله مرسل لأن سعيدا لم يدرك زمن النبي عليه السلام، وأما آخره في قصة عمر فهو أثر صحيح، لأن رواية سعيد بن المسيب عن عمر مختلف في اتصالها، وقد أدركه عدة سنوات، وقوى ابن القيم وجماعة روايته عن عمر، ولحديثه في أخذ العروض عدة متابعات:  

2/ قال حميد 2198 - ثنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن سفيان عن ليث عن عطاء أو غيره، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «كان يضع الزكاة في صنف واحد، ويأخذ العروض»،

وهو عن عطاء : 

قال حميد (1421) أنا أبو نعيم أنا شريك عن ليث عن عطاء عن عمر أنه " كان يأخذ العروض من الصدقة: البعير والغنم من الإبل ".

وقال سعيد بن منصور وأبو بكر (2/404) حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن عطاء أن عمر كان «يأخذ العروض في الصدقة من الورِق [الدراهم] وغيرها».

الأثر السادس: إخراج الخليفة عليٍّ للعروض والأموال:

قال أبو بكر حدثنا وكيع نا سفيان عن ابن سنان أبي سنان عن عنترة أبي وكيع أن عليا كان يأخذ العروض في الجزية من أهل الإبر الإبر، ومن أهل المال المال، ومن أهل الحبال الحبال».

هذا إسناد كوفي صحيح، توارثَ أهل الكوفة هذه السنة بعضهم عن بعض إلى الخليفة علي:

وأبو سنان سعيد بن سنان هو البرجمي الثقة، وعنترة كوفي ثقة، قيل له صحبة.

قال الإمام أبو عبيد عن فعل عمر وعليّ:" فأراهما أرخصا في أخذ العروض والحيوان مكان الجزية، وإنما أصلها الدراهم والدنانير، وكذلك كان رأيهما في الديات، من الذهب والورق والإبل والبقر والغنم والحلل، إنما أرادا التسهيل على الناس، فجعلا على أهل كل بلد ما يمكنهم ".

ومر عن علي أنه جعل المدين برا كالصاع من غيره، ولما تغيرت الأسعار غيّر. 

الدليل السابع: إخراج الصحابة والتابعين للنقود بعد سك العملة وانتشارها :

قال حميد بن زنجويه في الأموال: باب الرخصة في إخراج الدراهم بالقيمة (2455) ثنا محمد بن عمر الرومي أنا زهير أبو خيثمة عن أبي إسحاق الهمداني قال: «كانوا يعطون في صدقة الفطر بحساب ما يقوم من الورِق»،

أبو إسحاق من الطبقة الوسطى من التابعين العراقيين أدرك العشرات من الصحابة،

قال العجلي: كوفي تابعي، ثقة، سمع ثمانية وثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "،

وعليه: فلفظة :"كانوا"، أي من أدركهم من كبار التابعين، وصغار الصحابة الراشدين، الحالين بالعراق، ممن كانوا قبله،كلهم كانوا يُقَوّمون ويُزكون، وهذه سنة عراقية تلقاها عنهم أبو حنيفة وسفيان وفقهاء العراق.

وهذا أثر حسن صحيح:

الرومي مختلف في توثيقه، فوثقه ابن حبان وقد عرفه، وفرق بين من يذكره ابن حبان في الثقات ذكرا، وبين من يصرح بتوثيقه كما قال الحفاظ، قال :" من أهل البصرة كنيته أبو عبد الله يروى عن شعبة وزهير بن معاوية روى عنه أبو موسى الزمن وأهل العراق وهو مولى لآل رباح بن عبيدة "، وقال الإمام أبو حاتم: [صدوق] قديم، وليّنه أبو زرعة الرازي ، وقال الذهبي: لينه أبو داود، وقوّاه غيره،

ولحديثه متابع جيد:

قال أبو بكر (2/398) باب في إعطاء الدراهم في زكاة الفطر حدثنا أبو أسامة عن زهير سمعت أبا إسحاق يقول: «أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام »

وهذا أثر رجاله أئمة ثقات كبار، فصح الحديث، وصح إخراج الزكاة بقيمتها من الدراهم عند التابعين العراقيين.

الدليل الثامن: قال حميد بن ونجويه  باب الرخصة في إخراج الدراهم بالقيمة (2452) أنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال: «أخذت الأئمة في الديوان زكاة الفطر في أعطياتهم »،

وهذا أثر صحيح، والأئمة هم الخلفاء الراشدون والحكام الصالحون وقتئذ، إلى زمن ابن شهاب الزهري، من تبعهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثالث: آثار التابعين في إخراج القيمة:

الأثر الأول: أخذُ الخليفة عمر بن عبد العزيز للقيمة بحضرة التابعين:

قال حميد 2453 - ثنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن عوف قال: قُرئ علينا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة رمضان: «واجعل على أهل الديوان نصف درهم من كل إنسان، يؤخذ من أعطياتهم ".

قال حميد 2451 - ثنا أبو الأسود ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب: يؤخذ من عطاء كل رجل نصف درهم زكاة الفطر "، قال يزيد: فهم حتى الآن يأخذونهم به ".

وروى عبد الرزاق 5778 - عن معمر قال: كتب عمر بن عبد العزيز على كل اثنين درهم - يعني زكاة الفطر - قال معمر: «هذا على حساب ما يعطى من الكيل».

وقال أبو بكر حدثنا وكيع عن قرة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر «نصف صاع عن كل إنسان أو قيمته نصف درهم»

قال أبو بكر حدثنا أبو أسامة عن ابن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يقرأ إلى عدي بالبصرة «يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم، عن كل إنسان نصف درهم».

والخليفة عمر من الصالحين، وقد أقره العلماء على ذلك .

الأثر الثاني: الحسن البصري:

قال حميد 2454 - أنا محمد بن يوسف ثنا يوسف عن هشام عن الحسن قال: «إذا أعطى الدرهم من زكاة الفطر أجزأ عنه» قال سفيان: إذا أعطى قيمة نصف صاع من حنطة أجزأ عنه"،

توبع يوسف فصح الأثر: 

قال أبو بكر (2/398) حدثنا وكيع عن سفيان عن هشام عن الحسن قال: «لا بأس أن تعطي الدراهم في صدقة الفطر»

قالوا: ولأن إخراج القيم في زكاة الأموال كثير، فكذلك في الفطر، ولأن الشارع اعتبر بالمثلية والعدل في كثير من الأمور كجزاء قتل الصيد ومهر المثل والعدل بالصيام والكفارات والزكاة والديات والخراج وغير ذلك كما أسلفنا . 

قال الماوردي في الحاوي :" واستدلوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صدقة الفطر :" أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم"،

والإغناء قد يكون بدفع القيمة، كما يكون بدفع الأصل، وبما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :" في خمس وعشرين بنت مخاض ، فإن لم يكن فابن لبون ذكر " فنص على دفع القيمة.

وبما روي عن معاذ أنه قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم واليا عليهم : " ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير فإنه أهون عليكم، وأنفع للمهاجرين والأنصار بالمدينة " فأمرهم بدفع الثياب بدلا عن الذرة والشعير ، وهو لا يقول ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا توقيفا،

قالوا : ولأنه مال مزكى فجاز إخراج قيمته كمال التجارة .

قالوا : ولأن القيمة مال فجاز إخراجها في الزكاة كالمنصوص عليه، قالوا : ولأنه لما جاز في الزكاة العدول عن العين إلى الجنس ، وهو أن يخرج زكاة غنمه من غيرها جاز ".

وفي عدول الصحابة عن التسوية بين القمح مع غيره، ثم جعل عليٍّ مثله، دليل على أنهم ينظرون إلى القيمة، وأنها تتغير بتغير السلعة والعملة والبلد، ولذلك سوى عليٌّ القمحَ بغيره لما رخص السعر:

3/ قال حميد بن زنجويه في الأموال باب: الرخصة في إخراج الدراهم بالقيمة

2455 - ثنا محمد بن عمر الرومي أنا زهير أبو خيثمة عن أبي إسحاق الهمداني قال: «كانوا يعطون في صدقة الفطر بحساب ما يقوم من الورق». وهو نقل عن التابعين ومن قبلهك كما سبق.

4/ قال حميد 2454 - أخبرنا حميد أنا محمد بن يوسف، ثنا يوسف عن هشام عن الحسن قال: «إذا أعطى الدرهم من زكاة الفطر أجزأ عنه» قال سفيان: إذا أعطى قيمة نصف صاع من حنطة أجزأ عنه".

5/ قال حميد ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني يونس عن ابن شهاب قال: «أخذت الأئمة في الديوان زكاة الفطر في أعطياتهم».

قال حميد: القيمة تجزي في الطعام إن شاء الله، والطعام أفضل

قالوا : وكأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع ما يخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها هذه حجة الشافعي ومن تبعه.

وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالاجتهاد بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن،

ولذلك لما جاء علي ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعا من كل فدل على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: حساب الصاع ومقداره:

مضى أن الأصح مذهب المالكية ومَن معهم ممن قالوا بعموم إخراج الصاع من أي طعام، من غير التفات إلى الجودة وتباين السعر.

قالوا: والأصل في القيمة هو صاع التمر أو الشعير أو الدقيق أو الطعام من أي نوع. 

ومن نظر إلى القيمة فرّق بين الغالية الثمن فجعلها نصف صاع، مثل البر، وبين الزهيدة فجعلها صاعا.

حتى إن عليا رضي الله لما رخص في زمنه ثمن البر، جعله صاعا مثل غيره، مما يدل على اعتداد الصحابة بالقيمة كما سيتبين في شرح القولين:

أمّا بالطعام فهو صاع من قوت أهل البلد، وهو الأفضل، ويجوز أن يُقومَ عِدله من سائر القوت أو الدنانير على الصحيح، لما أسلفنا من نُدرة الدنانير في زمن النبوة، وتعامُلِ الناس وقتئذ بالمبادلات والطعميات كما هو معروف.

ولأن الأحاديث تنوعت في اختيار الطعميات كما بينا:

وقد وردت أحاديث أخرى صاعا في عموم الطعميات: وبها يقول الإمام مالك، وأنكر التفريق بين الصاع ونصف صاع في الطعميات ولو اختلفت الجودة.

استدلالا بالأدلة السابقة واللاحقة وبما في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام»، وقال أبو سعيد: «وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر»،

وهذا الحديث يبين جواز القيمة وأن الأصل في عدّ الصاع هو صاعٌ من هذه الأمور المذكورة ونحوها:

قال ابن رشد (2/492) عن ابن القاسم وغيره:" وسئل مالك فقيل له : أنّ بعض الناس يقول في زكاة الفطر مدان، قال: القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ له الأحاديث الذي تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدين من الحنطة في زكاة الفطر ، فأنكرها وقال عقيل: وتبسم ؟ وقال:" إذا كان الشيء من أمر دينك، فعليك أبداً في أمره بالثقة، وأنه لن ينجيك أن تقول سمعت، وقد كان يقال" كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ".

قال محمد بن رشد: معنى قول مالك: القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أي لا حجة إلا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عنده من قول رسول الله :" الأمر بصاع من بر في زكاة الفطر" .

قال:" ومن الدليل على ذلك، أنه استدل على أنه لا يجزئ من القمح إلا ما يجزئ من غيره، أن ما ذكر في الحديث بعضه أعلى من بعض، والكيْل متفق؛ قال فكذلك الحنطة، وإن كانت أفضل، هذا معنى قوله في كتاب ابن المواز: فلما ذكرت له الأحاديث أنكرها"، قال:" والحديث الذي أنكره وتبسم تضعيفاً لروايته، هو ما رواه عقيل بن خالد وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء قالت: "كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدين من حنطة، أو صاعاً من تمر "، وستأتي دراسة هذه الأحاديث وبيان ضعفها.

وأما الجمهور: فينظرون إلى العدل، مستدلين بفعل الصحابة، كما سيأتي ولحديث عبد الله بن عمر أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير، حر وعبد، صاعاً من شعير ، أو صاعاً من تمر"؛ قال:" فعدله الناس بمدين من الحنطة"، وما سيأتي من أدلة عن الصحابة رضي الله عنهم،

وأجاب المالكية بأن الصحابة اختلفوا ولم يتفقوا: كما سيأتي في حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط"، فقال له رجل: أو مدين من قمح ، فقال أبو سعيد:" لا ، تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ولا آخذ بها"، وبناءً عليه:

فأهل الصحاري والتمر: ممن عندهم التمر بكثرة، يحتسبون صاعا من تمر أو ما يُعادله من الثمن.

وأهل التل والحبوب: يخرجون صاعا من حبوبهم أو دقيقهم أو ما يعادله من الثمن.

فإن غلا سعر مطعومٍ مقابل الدقيق أو الشعير، فإن الجمهور يقومه بحسب هذا الدقيق أو الشعير، كما فعل الصحابة وعلي رضي الله عنه في جعْلهم مدين حنطة تساوي صاعا شعيرا، فإن انخفض سعر المطعوم أرجعوه للصاع وهكذا.

وهكذا زكاة الحمص أو اللوبيا ونحوهما: فلا تكون صاعًا عند الجمهور مثل زكاة الدقيق والشعير، للتباين في السعر، وعليه فينبغي أن نقوّمهما بنصف صاع، وعند مالك: الصاع في الجميع. 

فإن كانت دولةٌ مَا تُتنج كثيرا الأرز أو الحمصَ حتى يصير قوتَـهَا، وبثمن رخيص، فإننا نرجع للتقويم به، واحتسابه صاعا وهكذا عند الجميع.

وباختلاف صنف الزكاة على حسب البلدان -كما ذكرنا- قال الإمام مالك كما في المدونة (1/391) :" قلت: ما الذي تؤدى منه زكاة الفطر في قول مالك؟ قال: القمح والشعير والذرة والسلت والأرز والدخن والزبيب والتمر والأقط. قال: وقال مالك: لا أرى لأهل مصر أن يدفعوا إلا القمح لأن ذلك جل عيشهم، إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فلا أرى بأسا أن يدفعوا شعيرا. قال مالك: وأما ما ندفع نحن بالمدينة فالتمر".

وعندنا في البلد نأخذ صاعا من حِنطةٍ، قمحٍ، أو دقيق، لأنه قوت البلد، ثم نقدّر ما يعادله من المال.

لما صح عن أسماء رضي الله عنهما أنها حدثته: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل البيت، أو الصاع الذي يقتاتون به، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم».

والإشكال المطروح الذي يؤيد قول مالك: أن الأثمان تختلف بين الحبوب ودقيقها:

فعندنا الفريك أغلى، ثم القمح ثم الشعير، لكن في الدقيقِ العكس، فدقيقُ الشعير أغلى من دقيق القمح.

والناس عندنا يستعملون عامةً دقيقَ القمح، فهو إذا قوت البلد، وبه نحتسب الصاع، وبالسعر المقنّن الذي تعينه الدولة.

وسيأتي حساب ذلك في آخر الفصل الثاني من مطلب:" حساب الصاع والنصاب بالكيل الحالي بالتدقيق".

والخلاصة أن الصاع: أربعة أمداد معتدلة،

والمد: أربع حفنات معتدلة = 1 رطلا بغداديا وثلثًا كما عند الجمهور. 

وأن: 1 مد = 510 غ

. وعليه فالصاع = خمسة أرطال وثلث.

ولدينا: 1 صاعا = 4 مدا

نضرب (510 × 4 ) = 2040 غ. بمعنى: 2.040 كلغ، وهي وزن الصاع بالضبط.

ثم نبحث عن عدْلها دقيقا أو قمحا ونحوه بالأوراق النقدية:

ثم نحولها للتر، لمن يزكي به:

لدينا :

1 لتر ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 0.79 كيلو غرام.

أ: لتر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  2.040 كلغ

أ = 1 × 2.040/0.79=  2.582

وهو ما يعادل باللتر ( 2582 ميليلتر) أي:  2.582 لترا.

فإذا كان سعر الدقيق بالتجزئة (بالكيل الواحد) = 50 دينارا للكيل، (وأما بسعر الكيس = 40 دج)، فإننا نحسبه بسعر التجزئة أي بالكيل. 

وعليه: فإن الصاع الذي يساوي 2.040 كيلا والذي نحسبه بسعر التجزئة، ثم نحوله للدنانير:

1 كغ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 50 دج

2.040 ــــــــــــــــــــــــــ أ

أ = 2.040 * 50/1 = 102 دج، وبالعامية: 102*100 = 10.200 دج، وهو النصيب الواجب عن كل فرد.

هذا عند المالكية، وأما عند غيرهم القائلين بنصف صاع في القمح، فالثمن عندهم: نصف ثمن المالكية ويختلف باختلاف السلعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: زكاة الأموال:

إن الأموال التي تجب فيها الزكاة ثلاثة أصناف هي:

زكاة الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية والعروض، وزكاة الأنعام، وزكاة ما يخرج من الأرض، إليك بيانها في المباحث التالية:

المبحث الأول: زكاة الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية والعروض:

المطلب الأولى: زكاة الذهب والفضة .

المطلب الثاني: زكاة الحلي: وفيها مسألتان:

المسألة الأولى: تأصيل المسألة وبيان بعض ما ورد من عدم الزكاة في الحلي :

1. ذهبت الحنفية وأهل العراق والظاهر إلى وجوب الزكاة في الحلي لعموم الأدلة الحاثة على الزكاة فيه، وكذلك هي الأدلة الخاصة التالية .

2. وذهب آخرون إلى أداء الزكاة فيه مرة واحدة فقط، كما روى عبد الرزاق (7045) عن عمر بن ذر الهمداني قال: سألت عامرا الشعبي عن " زكاة الحلي؟ فقال: زكاته عاريته "، قال عمر: وأوصاني أبي أن أزكي طوقا في عنق أختي قال أبي: " وكان يقال: إن الشيء الموضوع إذا زكي مرة فإنه لا يزكى حتى يقلب في شيء آخر ".

وخرج حميد بن زنجويه في الأموال (3/979) أنا علي بن الحسن عن ابن المبارك عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: «إذا كان حلي يعار ويلبس , زكي مرة واحدة ".

تابعه عبدة وعبد الوهاب نا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في الحلي قال: " إذا كان يعار ويلبس فإنه يزكى مرة واحدة "، خرجه عنه البيهقي (4/233).

وهذا قول قوي له محل من النظر، لأنه بزكاته المرة الأولى تبرأ به الذمة ثم يكون مستعملا، وهذا قول يشبه المذهب التالي :

3. حيث ذهب الأكثرون إلى عدم وجوب الزكاة فيه، وهو قول الجماهير من المالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم، لما يلي :

. أنّ عموم قوله جلا وعلا :{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}[التوبة]، مع عموم ما خرجه مسلم (981) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار»، ثم ذكر الإبل والبقر والغنم، وقد بينت السنن أن هذا من العموم المخصوص لا المحفوظ :

ونحن إذا ما تأملنا في هذه الأدلة العامة وأمثالها فإننا نجد فيها جواز استعمال الذهب والفضة وسائر الأموال بأي نوع من أنواع الاستعمال لكن شرط أداء الزكاة، إلا أن السؤال المطروح : هل في كل أنواع المال توجد الزكاة ؟ والجواب أن السنة قد بينت أنه ليس في كل المال تؤدى الزكاة، بل إن الأموال التي تجب فيها الزكاة ثلاثة أصناف :

 زكاة الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية والعروض , وزكاة الأنعام ، وزكاة ما يخرج من الأرض:

ومع ذلك فيبقى الإشكال مطروحا : هل تجب الزكاة في كلّ أجناس هذه الأصناف مطلقا ؟ أم هناك تفصيل ؟ 

والجواب الصحيح هو التفصيل على اختلاف بين السلف الطيب في ذلك :

فأما الصنف الثالث: فنجد أن بعض السلف قد ذهب إلى وجوب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض، وقيل بالاقتصار على الثمار والحبوب، وقيل على المنصوص فقط، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ومع ذلك فقد فرقت السنة بين ما سقي بالنضح وما سقي بالمطر ، وكل هذه الأمور تُضعف العموم .

وأما الصنف الثاني : فذهب العامة إلى الاقتصار على الزكاة في الأنعام فقط، لا في مطلق الحيوان، ومع ذلك فقد اختلفوا : هل في مطلق الأنعام ، أم لا؟ وقد بينت السنة أن الأنعام التي تؤخذ منها  الزكاة هي الأنعام السائمة فقط ، فأنت تلاحظ بأن السنة لم تطلق الباب مفتوحا على مصراعيه في باب الزكاة، بل تقيد وتقيد ، كل ذلك رفقا بالأغنياء ، وتيسيرا على الفقراء ، مما يجعل العموم مخصوصا . 

ونفس الشيء يقال في الصنف الأول : وهو الذهب والفضة على الأرجح، حيث بينت السنة أن هذا الجنس لا يُزكى كله، بل نوع مخصوص منه فقط، وهو المكنوز أو المعد للتجارة ، فأما الملبوس فلا ، لأنه صار أشبه باللباس والمتاع والأشياء المستعملة استعمالا شخصيا .

 فأما المطلقون فقد استدلوا بعموم قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}[التوبة]، وقد أكد ذلك ما خرجه مسلم في الصحيح (981) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار».

إلا أنه قد مر أن السنة جعلت الأمر بعموم الزكاة في الأموال، هو من العموم المخصوص، وهذا ما يُضعف القول بالعموم المحفوظ ، أضف إلى ذلك المخصصات التالية :

أولاها: أنه لما كبر ذلك الوعيد الشديد والتهديد الأكيد، - في الآية السابقة-، على أصحاب رسول الله أتوه شاكين ، على ما خرجه أبو يعلى (الزوائد 1180) والضياء عن عثمان أبي اليقظان وغيلان كلاهما عن جعفر بن إياس عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة: 34]، قال: كبر ذلك على المسلمين فقالوا: ما يستطيع أحد منا أن يترك لولده مالا يبقى بعده، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلقوا وانطلق عمر وأتبعه ثوبان؛ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يفرض الزكاة إلا لما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث في الأموال لتبقى لمن بعدكم »، قال: فكبر عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرك بما يكنز المرء؟! المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته »، وقد قيل أنه يرجع إلى تفرد عثمان فقط، لأن غيلان ربما دلسه عنه ، لكن في الباب مخصصات أخرى :

2. حيث بينت السنة أن الذهب والفضة اللذان يزكى فيهما هما ما كان كنزا أو ما كان عملة ونقودا، لأنهم كانوا يتداولون بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية، وقد ذهب العامة الآن إلى وجوب الزكاة في الأوراق النقدية لأنها بدل عنها، ولأن العلة في الزكاة هي الكنز أو الثمنية فقط، ألا ترى أن النبي عليه السلام قد قال:" ليس فيما دون عشرين دينارا [مثقالا] من الذهب ، ولا فيما دون خمس أواق [مائتي درهم] من الورق صدقة "،

3. ولأن الذهب إن لم يكن أثمانا فهو أشبه بالمتاع واللباس التي يُتزين بها وينتفع، لبسا أو إعارة واستعمالا ولا زكاة في ذلك ، وهو بهذه الصفة ليس بكنز ولا يدخل في الوعيد كما سنبين  في الآثار بعد ذكرنا هذا الدليل الذي استدل به المطلقون :

فخرج ابن ماجه (1787) عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب حدثني خالد بن أسلم مولى عمر قال: خرجت مع عبد الله بن عمر، فلحقه أعرابي، فقال له: قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] قال له ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهورا للأموال "، ثم التفت فقال: ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا، أعلم عدده وأزكيه، وأعمل فيه بطاعة الله عز وجل "، فيه ابن لهيعة مختلف في رواية ابن وهب عنه، لكن له طرق أخرى، وقد علق البخاري بعضه في الصحيح، لكنه ليس صريحا في الزكاة في الحلي الملبوس، لأن ذهَبَ ابن عمر المفترضَ هذا ، لم يكن لللُبس بل ربما كان معدودا للتجارة أو كان مكنوزا ونحو ذلك ، 

وقد وردت أحاديث أخرى عن ابن عمر مختلف في رفعها ووقفها والوقف هو الصحيح ، وكلها تتكلم عن عموم تأدية الزكاة ، لا عن مسألة زكاة الحلي :

فخرج الطبراني في الأوسط (8/163) وابن عدي في الكامل عن سويد بن عبد العزيز عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مال وإن كان تحت سبع أرضين يؤدى زكاته فليس بكنز، وكل مال لا يؤدى زكاته وإن كان ظاهرا فهو كنز» قال: لم يرفع هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا سويد بن عبد العزيز "، قال البيهقي:" وقد رواه سويد بن عبد العزيز وليس بالقوي عن عبد الله بن عمر مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قال ابن عدي: " رفعه سويد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه غيره موقوفا "، فها قد خالفه الناس فأوقفوه وهو الصواب :

فخرج البيهقي (4/139) عن ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال:" كل مال أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض"، ثم قال: هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه جماعة عن نافع وجماعة عن عبيد الله بن عمر".

وخرجه عبد الرزاق 7140 عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: «إذا أديت صدقة مالك فليس بكنز وإن كان مدفونا، فإن لم تؤدها فهو كنز وإن كان ظاهرا »

ثم خرجه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر موقوفا.

وقال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع / أن عمر كان يقول :" كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا، وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا ".

فصار الصواب عن نافع موقوفا وكذلك أوقفه أصحاب ابن عمر إلا رواية أخرى شاذة:

فرواه هارون بن زياد المصيصي ثنا محمد بن كثير عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل ما أدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا تحت الأرض وكل ما لا يؤدي زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا "، قال البيهقي: ليس هذا بمحفوظ وإنما المشهور عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفا ".

وقال الشافعي أيضا أنبأ مالك عن عبد الله بن دينار: سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز؟ فقال:" هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة" قال البيهقي (4/139):" هذا هو الصحيح موقوف ".

فخرجه البخاري في الصحيح (1404) ابن شهاب عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] قال ابن عمر رضي الله عنهما: «من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال ».

وهذا موقوف من قول ابن عمر وتفسيره للقرآن، وهو يتكلم عن مسألة زكاة الذهب والمال عموما، لا عن زكاة الحلي المستعمل، فأما زكاة الحلي المستعمل والملبوس فهي مسألة أخرى ، وابن عمر لا يرى الزكاة فيها ، مما يبين أن هذا من العموم المخصوص :

فرع : لا زكاة في الحلي عند عبد الله بن عمر لأنه ملبوس وليس بكنز : فالحديث الماضي عام في كل مكنوز أو معدود للتجارة، ولا يتكلم عن مسألة الحلي الملبوس ، وأما الحلي الملبوس فإنّ ابن عمر لا يرى فيه الزكاة :

فقد روى إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يزوج المرأة من بناته على عشرة آلاف، فيجعل حليها من ذلك أربعة آلاف. قال: فكانوا لا يعطون عنه. يعني الزكاة "، خرجه أبو عبيد في الأموال (1276) .

وقال مالك في الموطإ حدثنا نافع أن ابن عمر كان يحلي بناته وجواريه، فلا يخرج من حليهن الزكاة » ،

وقال حميد في الأموال 1780 أنا النضر أخبرنا صخر بن جويرية عن نافع قال: قال ابن عمر في الحلي إذا وضع كنزا قال: «كل مال يوضع كنزا ففيه الزكاة ، حتى تلبسه المرأة فليس فيه زكاة»

ورواه كامل بن العلاء عن حبيب يعني ابن أبي ثابت عن ابن عمر قال: " زكاة الحلي عاريته "

وله طرق عدة عن ابن عمر في ترك الزكاة في الحلي المتخذ للّبس .... وكذلك هي الآثار عن الأكثرين :

2/. فخرج حميد بن زنجويه في الأموال (3/979) ثنا يعلى بن عبيد ثنا عبد الملك عن أبي الزبير قال: سألت جابر بن عبد الله: عن الحلي أفيه زكاة؟ قال: لا , قلت إن الحلي يكون فيه ألف دينار؟ قال: وإن كان فيه، يعار ويلبس ".

وخرج ابن زنجويه في الأموال (3/977) أنا النضر بن شميل نا شعبة عن عمرو بن دينار: سمعت جابر بن عبد الله قال: " ليس في الحلي زكاة، قال رجل: وإن كان ألفا؟ قال جابر: ألف كثير , أو قال: كبير ".

3/ وقال حميد أنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن علي بن سليم أنه سأل أنس بن مالك " عن سيف كثير الفضة، أفيه زكاة؟ قال: لا ".

قال: أنا أبو نعيم ثنا شريك عن علي بن سليم قال: سألت أنس بن مالك عن الحلي، أفيه زكاة؟ قال: لا ".

4/ وسيأتي عن فاطمة ابنة المنذر عن أسماء «أنها كانت لا تزكي الحلي وقد كان حلي بناتها قدر خمسين ألفا».

5/ وروى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة: «كانت بنات أخيها يتامى في حجرها , لهن الحلي , فلا تخرج منه الزكاة»

وقال حميد بن زنجويهأنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد أن إبراهيم بن أبي المغيرة أخبره، أنه سأل القاسم بن محمد عن صدقة الحلي، فقال القاسم: «ما رأيت عائشة رضي الله عنها أمرت به نساءها ولا بنات أخيها».

وقال حميد ثنا ابن أبي عباد ثنا عمرو بن قيس قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: عائشة أم المؤمنين تحلي بنات أخيها الذهب في أيديهن وأرجلهن وأعناقهن , ثم لا تزكي منه شيئا "،

وستأتي أدلة أخرى عن عائشة في ترك الزكاة في الحلي، وهي أعلم الناس بذلك ، لأنها كانت زوجةً للنبي عليه السلام وفي بيته ، ولو كان في الحلي زكاة لبين لها ولغيرها هذا الأمر ولما تركهن يفعلن الحرام ، إلا حديثا ضعيفا مضطربا عنها وعن أم سلمة سنذكره في هذا المطلب التالي  .

المسألة الثانية: بيان علل أحاديث الأمر بالزكاة في الحلي :

يظهر للمبتدئ صحة أحاديث الزكاة في الحلي لكثرة شواهدها، إلا أنه بعد النظر والتأمل يتبين أنها كلها معلولة متداخلة المخرج، كما قال ابن حزم في المحلى :"واحتج من رأى إيجاب الزكاة في الحلي بآثار واهية, لا وجه للاشتغال بها ", وكذلك عللها الدارقطني والنسائي وابن الجوزي ... وإليك بيانها:

حديث أول: حديث أم سلمة رضي الله عنها وبيان علله:

وهو من أقوى أدلة القائلين بالزكاة في الحلي ، لكنه معلول ومضطرب ، ورد مرة بلفظ النهي عن الذهب لذاته ، وورد في أخرى النهي عن الذهب المحلق للنساء، ومرة أتى النهي مقيدا بسبب ترك الزكاة، ولم يصح كما سيتبيّن :

فقد رُوي هذا الحديث من طريقيْن :

أولاهما : عطاء عن أم سلمة وهي مضطربة، والثانية : طريق عكرمة عن أم سلمة وهي ضعيفة جدا لا اعتبار بها :

فأما الطريق الأول: وهو طريق عطاء عن أم سلمة : فقد رواه عنه كل من ابن جريج وثابت عن عطاء عن أم سلمة، واختلفا فيه، فأما رواية ابن جريج فمتفق فيها، وأما مخالفة ثابت له فقد اضطربوا عليه فيها ولا اعتبار بها:

أولا : فأما رواية ثابت عن عطاء :

فقد قال أبو داود (1564) حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عتاب عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت :" كنت ألبس أوضاحا من ذهبٍ فقلت : يا رسول الله أكنز هو ؟ قال :" ما بلغ أن تؤدى زكانة فليس بكنز "، وهو معلول بستة أمور :

1. تفرد ثابت به وهو ليّن مختلف فيه، وقد قال عنه الدارقطني بعد أن خرج حديثه هذا :" ضعيف"، وقد أنكر عليه الذهبي هذا الحديث، وقال ابن عبد البر : وهذا الحديث وإن كان في إسناده مقال فإنه يشهد بصحته ما قدمنا ذكره "،

قلت: لا يشهد له غيره لأنه قد اضطرب وحديثه معلول بمخالفة ابن جريج وهو الأوثق كما سنبين:

2. أنه قد اختُلف عن ثابت في حديثه في وصله وإرساله :

3. وقد تفرد بوصله عتاب هذا والأكثرون على تضعيفه وهو سيء الحفظ، ولذلك أعل الحديثَ ابنُ حزم بجهالة عتاب ، والألباني بضعفه .

4. وقد خالفه من همْ أوثق منه وأكثر عددا فأرسلوه وهو الأصح كما يتبين في إسناد الضمائر :

. فرواه عبد الملك بن محمد ومحمد بن مهاجر عن ثابت بن العجلان عن عطاء عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنّها كانت تلبَسُ أوضاحا من ذهب فَسَأَلَتْ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ : أكنز هو ؟ فقال: إلا إذا أديت زكاته فليس بكنز "، قال الحاكم (1/547) :" هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه "،

5. لكن فيه علة قادحة خفية جدا قل من ينتبه إليها ، وهي الإرسال الخفي :

فإن هذه الروايات أتت بهذا الألفاظ :" عن عطاء عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فَسَأَلَتْ نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أكنز هو ؟ "، وهذا مرسل، وعليه: فتقدير الكلام في قول عطاء "عن أم سلمة " أي : عن شأن أم سلمة وقصتها ، ولا يكون التقدير :" عن أم سلمة أني سمعتها "، بدليل إسناد الضمائر فإنها كلها من كلام الراوي لا من كلام أم سلمة، فإنه قال :" أنها كانت تلبس"، " فَسَأَلَتْ نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالت "، فلو كان الحديث موصولا لها لقالت : كنتُ ألبس ، وسألتُ ..فقلتُ "، كما في حديث عائشة وفاطمة الآتييْن .

. ثم وجدت ذلك صريحا فيما نقله الصالحي في سبيل الهدى (9/251) :" روى الدارقطني عن عطاء - رحمه الله تعالى - قال: بلغني أن أم سلمة رضي الله تعالى عنها كانت تلبس ... فقالت: أكنز هو ؟ ...".

وكذلك قال ابن الأثير في جامعه (4/610):" عطاء بن أبي رباح قال : بلغني أن أمَّ سلمة رضي الله عنها قالت: .."، قال : أَخرجه الموطأ "، قال المحقق :" كذا في الأصل والمطبوع : أخرجه الموطأ ، ولم نجده في نسخ الموطأ المطبوعة التي بين أيدينا ، ولعله رواية من بعض نسخ الموطأ "، قلت: ولعله يقصد أيضا كتاب أفراد مالك أو الموطإ "،

. وبهذا بانت علته الأخرى حتى صارت جلية لا خفية والحمد لله، وعطاء لم يسمع من أم سلمة :

وجزى الله خيرا الألباني لما قال :" وقد صرفهم جميعا الاختلاف في ثابت عن الانتباه للعلة الحقيقية في الإسناد ألا وهي الانقطاع ".

قال الشيخ الألباني في الصحيحة (2/94) :" و هذا إسناد ضعيف ، فيه ثلاث علل : الأولى : الانقطاع بين عطاء وهو ابن أبي رباح وأم سلمة ، فإنه لم يسمع منها كما قال أحمد وابن المديني .

الثانية : ثابت بن عجلان فإنه مختلف فيه ..

الثالثة على أني أرى أنه لو ذهب ذاهب إلى إعلاله بعتاب بن بشير بدل ثابت بن عجلان لم يكن قد أبعد عن الصواب "، وقد تقدم مخالفة غيره له .

6. وفيه علة أخرى أشرنا إليها ، فقد رواه ابن جريج وهو الأوثق ولم يذكر فيه زكاة الحلي أصلا، ولا ذكر فيه النهي عن الذهب البعض كما يزعم آخرون ، وابن جريج هو الأوثق، بل إنه أوثق الثقات في عطاء على الإطلاق، وقد قال في اللفظ الأخير الدال على النهي عن الذهب: عن عطاء :"زعموا .."، ولم يصله وهو الأصح على انقطاعه كما في :

ثانيا: رواية ابن جريج عن عطاء :

فقد خرجها أحمد (6/315) عن ابن جريج نا عطاء عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : جعلت شعائر من ذهب في رقبتها فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنها فقلت: ألا تنظر إلى زينتها؟ فقال: عن زينتك أعرض"، قال: زعموا أنه قال ما ضر إحداكن لو جعلت خرصا من ورق ثم جعلته بزعفران "، وهذا الجزء الأخير منقطع كما هو ظاهر، وأما الجزء الأول فهو مثله لكنه خفي، وليس فيه ذكر للزكاة ولا فيه النهي عن الذهب، بل كل ما فيه هو إعراضه عليه السلام عن تزينها، من غير نهي عن ذلك، ولا يُدرى سبب هذا الإعراض؟

ربما لأن الأفضل في حق الصالحين أو آل بيت النبي عليه السلام هو الإعراض عن زينة الحياة الدنيا، وليس في هذا الإعراض أي دليل على تحريم الذهب للنسوة :

فقد خرج أبو داود (4235) عن محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له، فيها خاتم من ذهب فيه فص حبشي، قالت: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معرضا عنه - أو ببعض أصابعه - ثم دعا أمامة ابنة أبي العاص، ابنة ابنته زينب، فقال: «تحلي بهذا يا بنية»، فأنت ترى أنه أعرض عنه، ومع ذلك حلاه لابنة بنته أمامة .

. وفي حديث ثابت بن عجلان السابق علة أخرى لست متأكدا منها، فقد روى ابن عيينة عن ابن عجلان، فإن لم يكن هو محمد، وكان هذا ، فالحديث مضطرب :

. فقال أبو بكر (2/411) حدثنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد أن عمر، سأل رجلا عن أرض له باعها فقال له: «احرز مالك، واحفر له تحت فراش امرأتك» قال: يا أمير المؤمنين أليس بكنز؟ فقال: «ليس بكنز ما أدي زكاته»

. وقال الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع / أن عمر كان يقول :" كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا، وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا ".

فالحاصل أن الحديث مضطرب :

فبعضهم يحمله على الزكاة كما في رواية ابن عجلان، وبعضهم يذكر مجرد إعراض النبي عليه السلام عن زينتها ، بلا نهي عن الذهب، بل فيه إعراض عن زينتها ولم يذكر أي زينة ، وهو ابن جريج، وكأن روايته هي الأصح على انقطاعها أيضا .

وأما رواية قيس عن خصيف التالية فهو وحْده يذكر النهي عن الذهب ولم يبين أهو موجه للذكور أم للإناث.  

وفي قول ابن جريج الماضي : زعموا ..."، فإنه فصّل إرسال هذا الحديث وبيّن وهْم ثابت ، وهو في ذلك يومئ إلى رجوع الحديثِ للرواية التالية، لا الماضية وهي :

الطريق الثاني : طريق عكرمة عن أم سلمة : وهي في النهي عن لبس الذهب لا الزكاة فيه .

خرجه الطبراني في الكبير (ر614) من طريق أبي غسان ثنا قيس عن خصيف عن مجاهد عن عائشة ، وعن عبد الكريم عن عكرمة عن أم سلمة قالت:" إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب"، قلنا: يا رسول الله المسك يصيب الذهب ؟ قال:" لا إلا أن يكون بفضة ثم الطخيه بزعفران "، وهذا حديث باطل بالإسنادين ، ونتكلم الآن عن طريق أم سلمة ، فهو معلول بعدة علل :

1. أنه قد تفرد به قيس وهو الفارسي وقد قال عنه البخاري: فيه نظر"، وهو جرح شديد ،

2. كما تفرد به خصيف عن عبد الكريم ، وخصيفٌ أيضا ضعيف سيء الحفظ،

3. أنه منقطع بين عكرمة وأم سلمة فلم يسمع منها، ولا له عنها رواية والله اعلم .

4. أنّ قيسا عن خصيف هو وحده الذي يذكر النهي عن الذهب لأن الحديثَ يرجع إليه، وبهذا صار الحديث غريبا فردا منكرا لكثرة علله ، وتفرد رواته الضعفاء مع المخالفة . 

5. أن الأصح عن زوجات النبي هو الذي رواه الأئمة الثقات عن حماد بن زيد عن أيوب عن عائشة بنت سعد قالت: أدركت ستا من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أكون معهن فما رأيت على امرأة منهن ثوبا أبيض، وكنت أدخل عليهن وعليَّ الحليّ فلا يعبْن ذلك عليَّ، قيل لها: ما هو؟ قالت: قلائد الذهب ومزيقيات الذهب، فلا يعبن ذلك عليّ ".

حديث ثاني باطل : حديث عائشة : وفيه ثلاثة طرق لكنها منكرة ، لأن الصواب المتواتر أو المشهور عنها هو لبس الحلي وإلباسه، مع ترك الزكاة في الحلي الملبوس ، وما خالف ذلك فهو منكر ثم هو مضطرب :

1/ فقد تقدم ما تفرد به قيس وهو ضعيف عن خصيف وهو ضعيف، عن مجاهد عن عائشة ، وعن عبد الكريم عن عكرمة عن أم سلمة قالت:" إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب"، قلنا: يا رسول الله المسك يصيب الذهب ؟ قال:" لا إلا أن يكون بفضة ثم الطخيه بزعفران "، فهذا مرفوع لا ذكر للزكاة فيه ، وإنما فيه النهي عن لبس الذهب لذاته وهو منكر لما سق، ولثبوت لبس وإلباس الذهب عن أم المؤمنين كثيرا .

2. وروى عبد الوهاب وخالد بن الحارث أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة قالت :« لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته »، وهذا أيضا موقوف وذكر الزكاة فيه منكر ، لتواتر ترك الزكاة في الذهب عن أم المؤمنين نفسها .

ثم أنه قد اضطرب حسين في هذا الحديث كما سيأتي في علل طريق عمرو بن شعيب، والصواب عن عائشة ترك الزكاة في الحلي كما سيأتي بعد هذا ، وقد ورد عنها ما يوافق رواية حسين الموقوفة السابقة في أداء الزكاة لكن هذا مرفوع :

3/ خرجه الحاكم (1/547) وغيره عن عمرو بن الربيع بن طارق ثنا يحيى بن أيوب ثنا عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي سخابا من ورق، فقال: «ما هذا يا عائشة؟» فقلت: صنعتهن أتزين لك فيهن يا رسول الله. فقال: «أتؤدين زكاتهن؟» فقلت: لا، أو ما شاء الله من ذلك. قال: «هي حسبك من النار» قال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "،

وقد رواه جماعة عن عمرو بن طارق فهو المتفرد به عن يحيى بن أيوب الذي تفرد به أيضا عن عبيد الله، ويحيى بن أيوب لين، ليس ممن يحتمل تفرده، كيف وقد خالف  :

وقد قع في سنده أيضا عند الدارقطني محمد بن عطاء وقد قال عنه الدارقطني :" مجهول"، بينما قال البيهقي: هو محمد بن عمرو بن عطاء وهو معروف "، فالله أعلم،

. وعلته القادحة يحيى بن أيوب وقد تفرد به وفيه لين لا يُحتمل منه هذا التفرد ، ولذلك قال ابن حزم في المحلى معللا له :" يحيى بن أيوب ضعيف ",

2. بل حديثه هذا منكر باطل لمخالفته ما تواتر عن الثقات عن عائشة أنها كانت لا تزكي في الحلي كما في :

مسألة : لا زكاة في الحلي المستعمل عند أم المؤمنين عائشة كما مرَّ بيانه :

قال مالك (329) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: أنها كانت تلي بنات أخيها لأنهن كن يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة ".

وقال أبو عبيد نا يزيد عن يحيى بن سعيد عن إبراهيم بن أبي مغيرة قال: سألت القاسم بن محمد عن زكاة الحلي؟ فقال: ما رأيت عائشة أمرت به نساءها، ولا بنات أخيها "، وقال القاسم وعمرة :" «ما رأيت أحدا يفعله "،

. وعن ابن أبي مليكة قال :" كانت عائشة أم المؤمنين تحلي بنات أخيها الذهب في أيديهن وأرجلهن وأعناقهن , ثم لا تزكي منه شيئا " ............ الخ .

وهذا هو الصحيح المشهور عنها كما سيأتي .

أثر ثالث: حديث عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو وهو موقوف :

والصواب عنه أنه موقوف على اضطراب فيه بين الوصل والوقف والانقطاع والاتصال :

فأما الرواية المتصلة : فقد رواها ابن لهيعة والمثنى وحجاج عن عمرو، وثلاثتهم ضعفاء وفيهم تدليس، وتابعهم خالد عن حسين، وقد وهِم :

1.. فأما رواية ابن لهيعة والمثنى : فقد قال الترمذي 637 حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأتين أتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أيديهما سواران من ذهب فقال لهما: «أتؤديان زكاته؟»، قالتا: لا، قال: فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار؟»، قالتا: لا، قال: «فأديا زكاته»، قال الترمذي :" وهذا حديث قد رواه المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب نحو هذا، «والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعفان في الحديث، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء »، فأطلق القول في تضعيف كل أحاديث الزكاة في الحلي .

3. وأما وراية حجاج : فقد قال أحمد (2/178) نا أبو معاوية حدثنا حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أتت النبي صل الله عليه وسلم امرأتان في أيديهما أساور من ذهب فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أتحبان أن يسوركما الله عز وجل يوم القيامة أساور من نار ؟ قالتا: لا، قال: فأديا حق الله في الذي في أيديكما "، وفيه علل : منها سلوك طريق الجادة وهي طريق عمرو عن أبيه عن جده، وهي علة خفية جدا، اللسان والحفظ يسبقان إليها ، والصواب أنه معضل كما سيأتي . 

كما أن ابن لهيعة والمثنى مضعّفان ، وحجاج كذلك ، وهو مدلس كابن لهيعة ، وقدْ عنعنا فيحتمل أن يرجع حديث أحدهما  إلى الآخر أو عن المثنى وهو ضعيف جدا، أو عن حسين، وروايته مضطربة :

4. وأما رواية حسين عن عمرو ففيها اختلاف :

أ. فقد مر ما رواه عبد الوهاب وخالد بن الحارث أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة قالت :« لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته »، وهذا موقوف وذكر الزكاة فيه منكر ، لتواتر ترك الزكاة في الذهب عن أم المؤمنين نفسها كما هو مبين .

ب . وخرجه أبو داود (1563) والنسائي عن أبي كامل وحميد واسماعيل: نا خالد بن الحارث عن حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: «أتعطين زكاة هذا؟»، قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟»، قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز وجل ولرسوله ".

 وقد اضطرب حسين في هذا الحديث ، فمرة ورد عن عائشة، ومرة وصله عنه خالد هذا عن عبد الله، وتابعه ابن أبي عدي، وخالفهما غيرهما :

ج . فأما المعتمر فأعضله جدا وأرسله ، وهذا أولى عند النسائي :

فقال النسائي 2480 أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت حسينا قال: حدثني عمرو بن شعيب قال: جاءت امرأة ومعها بنت لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد ابنتها مسكتان ..، نحوه مرسل، قال أبو عبد الرحمن : «خالد أثبت من المعتمر»، وقال في الكبرى :" خالد بن الحارث أثبت عندنا من المعتمر، وحديث المعتمر أولى بالصواب"،

قلت : وهذا الاضطراب نابع من حسين نفسه لا من تفاوت الحفظ بين خالد والمعتمر :

د. فقد رواه عنه عبد الوهاب بإسناد رابع مغاير موقوف ومميز ، وبإسناد خامس موقوف :

فقال الدارقطني في سننه 1956 - حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة قالت :« لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته»، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلى خازنه سالم:  «أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة»، وهي أحد الروايات عن خالد بن الحارث أنا الحسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عروة عن عائشة كما سبق .

وهذا هو الصحيح والمميز الوارد عن عمرو بن شعيب، وقد اختلط ذلك على غيره ، فأدرجوا رواية حسين عن عمرو عن عروة الأولى ، مع روايته الثانية عن أبيه عن جده، وميز بينهما عبد الوهاب، فكان ذلك دليلا على حفظه ، ووهْم من سلك فيه طريق الجادة . 

. والحاصل أنه قد اضطرب حسين جدا في حديثه، وروايته المرفوعة وهْم، وقد تفرد بوصْله ابن لهيعة وحْده، لتدليس حجاج وشدة ضعف المثنى مع مخالفة الأوثق له ، وفيه علة أخرى  :

. فقد اختلف في هذا الحديث على عمرو بن شعيب، والصواب أنه موقوف، ثم هو منقطع:

5. فقد أعضله أيضا ابن أبي نجيح وأوقفه : فرواه - ابن أبي نجيح - عن عمرو بن شعيب أن عبد الله بن عمرو «حلى ثلاث بنات له بستة آلاف دينار، فكان يبعث مولى له جليدا كل عام، فيخرج زكاته منه»، تابعه جرير :

6. فقال ابن زنجوية في الأموال 1766 أنا خلف بن أيوب ثنا جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب قال: كان عبد الله بن عمر يكتب إلى قهارمته ومواليه «يأمرهم أن يزكوا حلي بناته ونسائه».

وقد قال أبو عبيد :" فإن هذا الحديث لا نعلمه يروى إلا من وجه واحد بإسناد قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا "، وكذلك علله الترمذي وابن حبان وابن حزم وغيرهم ، والصواب انه موقوف مضطرب .

حديث رابع ساقط : فاطمة : وهو حديث لا عبرة به في الشواهد لشدة ضعفه مع شدة اضطرابه:

فروى إسماعيل بن إبراهيم بن غالب الزعفراني ثنا أبي عن صالح بن عمرو عن أبي حمزة ميمون عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« في الحلي زكاة»، أبو حمزة ضعفه الدارقطني وهو متروك ، وقد اضطرب جدا في متنه :

فخرج ابن ماجه (1789) عن يحيى بن آدم عن شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :" ليس في المال حق سوى الزكاة "، هكذا رُوي بالنفي ، ولم يذكر الحلي، وورد بالإثبات :

كذلك رواه بشر بن الوليد والأسود بن عامر وابن الطفيل عن شريك النخعي بهذا الإسناد بلفظ: "إن في المال لحقا سوى الزكاة "، خرجه الترمذي (660) ،

وفيه علة أخرى: قال الترمذي :" وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح ".

وقد ورد للّفظ الأول متابعة باطلة أخرى تؤكد وهاءه:

فقد تابعه أبو بكر الهذلي ثنا شعيب بن الحبحاب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس تقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب, فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة «فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال»، قال الدارقطني: أبو بكر الهذلي متروك ولم يأت به غيره "، وهو حديث موضوع منكر لو كان عند الشعبي لما ترك العمل به كما في :

مسألة : لا زكاة في الحلي عند الشعبي راوي هذا الحديث، لأنه يُعار ويلبس  :

قال أبو عبيد في الأموال 1285 حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: زكاة الحلي عاريته "،

وكذلك رواه مجالد عن الشعبي قال: «ليس في الحلي زكاة؛ لأنه يعار ويلبس».،

وقال حميد في الأموال 1798 - أنا أبو نعيم ثنا عمر بن ذر قال: أخذ الشعبي بيدي يتكيء علي حتى بلغنا دار الصواغين إلى حلي لابنته , فسألته عن زكاة الحلي ؟ فقال: «زكاته عاريته»، وهذا هو الأصح والصحيح عن الشعبي .

أثر خامس : حديث ابن مسعود ويقال جابر وبيان علله : وهذا الصواب فيه الوقف :

خرجه الدارقطني عن حامد بن شعيب حدثنا سريج حدثنا علي بن ثابت عن يحيى بن أبي أنيسة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لامرأتي حليا من عشرين مثقالا؟ قال: فأد زكاته نصف مثقال"، قال الدارقطني : يحيى بن أبي أنيسة متروك , وهذا وهم والصواب مرسل موقوف "،

واضطُرب فيه على يحيى : فرواه عبد الرحيم عن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أيما مال أدي زكاته فليس بكنز "، فاضطرب ووهم في رفعه وسنده أيضا :

وقد رواه القواريري عن يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة وهو مدلس عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال أبو زرعة: "هكذا رواه القواريري والصحيح موقوف".

والحديث يرجع إلى طريق خصيف أو ابن أبي أنيسة وهو متروك، بل قد قال ابن عدي:" وهذا قد أمليته عن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر وليس الحديث بمحفوظ عن ابن أبي أنيسة ولا عن غيره".

وقد رواه سفيان أيضا لكن اختلف عنه في رفعه ووقفه والوقف هو الصحيح :

قال الدارقطني 1958 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد نا أحمد بن محمد بن مقاتل الرازي ثنا محمد بن الأزهر ثنا قبيصة عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن لي حليا وإن زوجي خفيف ذات اليد , وأن لي بني أخ أفيجزي عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم ؟ قال:«نعم»، قال:" هذا وهْم والصواب عن إبراهيم عن عبد الله هذا مرسل موقوف "، قلت: وهو الصواب لِاتفاق الجلة على ذلك، والوهْم في هذا من قبيصة فإنه يهم في حديث سفيان ، وقد خالفه الأثبات عن سفيان فأوقفوه :

قال الدارقطني1959 حدثنا علي بن محمد المصري ثنا عبد الله بن أبي مريم ثنا الفريابي ثنا سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة أن امرأة ابن مسعود سألت عن حلي لها ؟ قال: «إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة», قالت: إن في حجري بني أخ لي أفأضعه فيهم؟ قال: «نعم»، قال :" موقوف "، وهو الصواب، فقد تابعه أيضا ابن مهدي وغيره :

فقال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال: قالت امرأة عبد الله: إن لي حليا، فقال عبد الله : أيبلغ مائتين؟ إذا بلغ مائتين ففيه الزكاة ؟ قالت: عندي بنو أخ لي أيتام، أفأضعه فيهم؟ قال: نعم ".

ورواه سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم أن امرأة عبد الله كان لها طوق فيه عشرون مثقالا من ذهب، فسألته: أؤدي زكاته؟ قال: نعم، أدي زكاته خمسة دراهم. قالت: أعطيها لبني أخ لي أيتام في حجري؟ قال: نعم ".

ورواه عبد الوهاب عن هشام الدستوائي عن حماد عن إبراهيم نحوه.

حديث سادس : حديث يعلى : رواه سفيان واختلفوا في شيخه والأرجح أنه عمر بن عبد الله بن يعلى لا عمرو بن عثمان بن يعلى ، وكلهم ضعفاء جدا أو مجاهيل العيْن لا يُعتبر بحديثهم :

فقد خرجه البيهقي (4/244) عن الوليد ثنا سفيان الثوري عن عمر بن يعلى الطائفي الثقفي عن أبيه عن جده قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي إصبعي خاتم من ذهب فقال: " تؤدي زكاة هذا ؟ " فقلت يا رسول الله , وهل في ذا زكاة ؟ قال: " نعم جمرة عظيمة "، ثم قال :" كذلك رواه جماعة عن الوليد بن مسلم، ورواه أيضا الأشجعي عن الثوري ، وكذلك رواه حفص بن عبد الرحمن عن سفيان :

ثم خرجه عن الحاكم عن علي بن محمد بن سختويه ثنا يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا الأشجعي ثنا سفيان بن سعيد عن عمر بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن جده قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل عليه خاتم من ذهب عظيم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتؤدي زكاة هذا "؟ فقال: يا رسول الله, وما زكاة هذا ؟ قال: فلما أدبر الرجل , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " جمرة عظيمة ".

. بينما خرجه ابن بشران في الأمالي (301) عن ابن الجارود في المنتقى (353) عن إسحاق بن عبد الله النيسابوري يقال له: الخشك أنا حفص بن عبد الرحمن ثنا سفيان بن سعيد عن عمرو الثقفي عن أبيه عن جده قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب عظيم فقال: «أتؤدي زكاة هذا؟» قال: وما زكاته؟ قال: فلما ولى قال: «جمرة عظيمة»

وهذا حديث ضعيف جدا : فلئن كان هو عمرو عن أبيه فهما مجهولاَ العين  : فقد قال عنهما ابن القطان: عمرو بن عثمان لا يعرف كوالده "، ثم هو منقطع ...

ولئن كان عمر هو ابن عبد الله بن يعلى بن مرة فهو جدُّ ضعيف بل متروك اتفاقا، وأبوه تابعي ضعيف وقال الدارقطني: لا يعرف إلا به، ، ثم هو منقطع، لم يلق عمر جده أيضا، وبالتالي لا يصح هذا الحديث في الاعتبار .

حديث سابع : أسماء : حدث به شهر بن حوشب واضطُرب عليه فيه :

1. فقال أحمد (6/461) حدثنا علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قال دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه و سلم وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا تعطيان زكاته؟ فقلنا: لا فقال: أما تخافا أن يسوركما الله أسورة من نار أديا زكاته "، وهذا حديث ضعيف مملوء بالعلل ، قال ابن الجوزي : ففيه شهر بن حوشب، قال ابن عَدِيٍّ: لا يحتجُّ بحديثه، وقال ابن حِبَّان: كان يروي عن الثِّقات المعضلات، وفيه: عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال يحيى بن معين: أحاديثه ليست بالقوية، وفيه: عليُّ بن عاصم، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب، وكان أحمد سيء الرَّأي فيه ، وقال يحيى: ليس بشيءٍ، وقال النَّسائيُّ: متروك الحديث "،

وقد خولف ابن خثيم في حديثه ، والحديث مضطرب ، فجعل هنا سبب الوعيد هو ترك الزكاة في الحلي، وأن أسماء كانت مع خالتها :

2. وخالفه إبراهيم بن عبد الرحمن الشيباني فقال حدثني شهر بن حوشب أنه لقي أسماء بنت يزيد قال: فحدثتني ...وأنه قال لها عليه السلام – وكانت وحدها - :"أيسرك أن تكوني بهذه الحلي قلت : وما ذاك يارسول الله ؟ قال : من تحلى ذهبا أو حلى أحدا من ولده مثل خريصيصة أو رجل جرادة كوي به يوم القيامة ", خرجه عنه الطبراني في الكبير (24/182).

فجعل الوعيد هنا على من تحلى بالذهب من النساء والرجال بلا ذكر للزكاة أصلا، وأن أسماء كانت وحدها ، وفي الحديث اضطراب آخر سنبينه في هذا المبحث الثاني :

وقد ورد عن أسماء أنها كانت لا تزكي في الحلي أصلا :

. فقال حميد 1788 أنا محاضر عن هشام بن عروة عن فاطمة ابنة المنذر عن أسماء «أنها كانت لا تزكي الحلي وقد كان حلي بناتها قدر خمسين ألفا»، ربما هذه أسماء بنت أبي بكر لأنها جدة فاطمة، وهذا أصح والله أعلم .

وإن كانت هي أسماء بنت يزيد السابقة فهذا مما يزيد حديثها السابق عللا، لأنها لم تكن تزكي في الحلي، وهذا يخالف حديث شهر في الزكاة فيها على اضطراب فيه، والله أعلم وهو ولي التوفيق

       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: زكاة الأنعام: .......... 

       ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: زكاة ما يخرج من الأرض:

والكلام عليها في مسائل:

المطلب الأول: مواضع الاتفاق والاختلاف فيما يخرج من الأرض، وذكر أدلة كل فريق:

اتفق السلف على وجوب الزكاة من التمر والبر والشعير، واختلفوا فيما سواها، هل يزكى مثلها؟ أم يزكى زكاةعروض التجارة ؟ أم يُزكى بعد بيعه مع الدنانير ؟:

القول الأول:مذهب ابن حزم:وهو الاقتصار عليها فقط (كما في المحلى 5/209)، وأما غيرها فلا يُزكى إلا بعد بيعه، زكاة دنانير، بشروطها المعروفة.

القول الثاني: مثل القول الأول بإضافة الزبيب، قالوا: ليس في شيء زكاة إلا في التمر، والحنطة، والشعير إضافة إلى الزبيب.

وهو قول ابن سيرين والحسن والثوري وابن أبي ليلى وأحمد ...

قالوا: وأما ما عداها من الثمار وغيرها، فإنما يُقوم بالدنانيربناءً على ثمن الشراء، لــتُزكى عروضا.

1. وقد استدلّوا بما روى الحارث بن محمد ثنا عبد العزيز بن أبان عن محمد بن عبيد الله عن الحكم عن موسى بن طلحة عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: إنما سَنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزكاةَ في هذه الأربعة: الحنطةِ، والشعيرِ، والزَّبيبِ، والتمرِ "، محمد متروك، وموسى لم يدرك عمر، وإنما هو عن موسى عن معاذ منقطعا ووجادة: 

2. فقد قال أحمد في المسند (5/228) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عمرو بن عثمان يعني ابن موهب عن موسى بن طلحة قال: عندنا كتاب معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر "، هذا أقوى أحاديث الباب، لكن موسى لم يلق معاذا، بيد أن الكتاب وجادة جيدة عن معاذ، والضمير في أنه يعود إلى فعل معاذ رضي الله عنه، وأما الرفع فلأصل الكتاب،

وعليه: فإن الزكاة من هذه الأشياء الأربعة ثابت من فعل معاذ رضي الله عنه، ولعله اكتفى بها لأنه ما وجد غيرها والله أعلم، وأما اللفظ النبوي فليس ثابتا في هذا الكتاب، حتى يمكن أن يُعرف هل هو للحصر أم هو لذكر بعض الأمور للتمثيل والقياس كما هو الشأن في الأصناف الربوية الطعمية الأربعة.

3. فإن قالوا: ورد الحصر فيما خرجه الحاكم (1/558) عنأبي حذيفة عن سفيان عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ بن جبل حين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم «لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة، الشعير، والحنطة والزبيب والتمر».

والجواب: أن أبا حذيفة ضعيف، ثم إن مدار الحديث على طلحة وهو صدوق فيه ضعف،وقد اضطرب في المتن، فرواه هنا بالقول النبوي.

بينما خرجه البيهقي (4/210) رواه الأشجعي عن سفيان عن طلحة عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري، ومعاذ - رضي الله عنهما -؛ أنهما حين بعثا إلى اليمن لم يأخذا إلا من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب ". فرواه بفعلهما وهذا أصح.

كذلك رواه وكيع ثنا طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري أنه لما أتى اليمن لم يأخذ الصدقة إلا من الحنطة والشعير والتمر والزبيب "، خرجه عنه البيهقي (4/210).

وهذا فعل وليس قولا كالأول، وعليه: فلعلّه لم يأخذ هنا إلا الأربعة لأنه لم يجد غيرها، والله اعلم، لأن القولَقد يدلُّ على التقييد، بخلاف الفعل فلا يدل على الحصر، بل الفعل أقرب للعموم.

4. واستدلوا بما خرجه ابن منيع وابو يعلى قالا: ثنا أبو الربيع الزهرانينا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار أن معاذا رضي الله عنه قدم اليمن فأخذ الصدقة من أربعة أشياء: من البر، والشعير، والزبيب، والذرة،وقال: ليس في البطيخ، والقثاء، والفاكهة صدقة "، وهذا منقطع مرسل، قد يرجع إلى طرق سابقِيه، ولا يُدرى من القائل: ليس في البطيخ ...".  

5. وروى ابن ماجه 1815 - حدثنا هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد ابن عبيد الله عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم - الزكاة في هذه الخمسة: في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والذرة "، محمد متروك.

وخرج ابن أبي شيبة 3/ 138، من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الكريم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير"، بغير الذرة،وابن أبي ليلى وعبد الكريم ضعيفان.

6. وروىأحمد بن إسحاق بن وهب البندار ثنا موسى بن إسحاق الأنصاري، ثنا محمد بن عبيد المحاربي ثنا صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قالت:" جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة، والوسق ستون صاعا؛ فذلك ثلاثمائة صاع من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة ". صالح ضعيف جدا،

وعليه فلا يمكن تخصيص عموم القرآن بالأدلة الضعيفة أو المحتملة، خاصة وأن ذكر الأربعة مشعر بذكرها على سبيل التمثيل والقياس لا الحصر، كما في الربا وبالله التوفيق.

القول الثالث:مذهب مالك:وهو وجوب الزكاة فقط في كل الحبوب التي تُقتات وتُدخرمعا، لا المؤونة، ومعنى الادّخار أن تمكث مدة من غير أن تفسد: كالحنطة والشعير والزيتون ...

فلا زكاة عنده في الفاكهة، ولا في الخضروات، ولا في الحبوب المؤونة كالحمص والعدس واللوبيا ...، وإنما هي عروض تجارة.

قال الإمام مالك في الموطإ: باب زكاة الحبوب والزيتون:سأل ابن شهاب عن الزيتون؟ فقال: فيه العشر ".

ويشْبهه قول الشافعي وأبي ثور لكنها استثنيا الزيتون.

القول الرابع: وذهبالجمهور إلى أن الزكاة تكون من كل الحبوب الجافة بلا تمييز بين المؤونة ولا غيرها،- فقولهم أعم من قول مالك -، ثم اتفق هؤلاء بأن الثمار الرطبة لا زكاة فيها، كالفاكهة والخضار.

ويُشكل عليهم وجود الزكاة في اللينات: مثل التمر الرطب، وفي الكرم وهو العنب وفي زبيبه بنص الحديث:

وقد استدل هؤلاء بما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في الخضراوات صدقة "، لكنه ضعيف بكل طرقه:

1. فقد خرجه الترمذي 638 عن الحسن عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد عن عيسى بن طلحة عن معاذ: أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الخضراوات وهي البقول؟ فقال: «ليس فيها شيء»

قال: «إسناد هذا الحديث ليس بصحيح، وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا»، ..قال:« والحسن هو ابن عمارة وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه شعبة وغيره، وتركه ابن المبارك»، قلت: وقد اضطرب:

فرواه الحسن بن عمارة مرة أخرى عن الحكم وعمرو بن عثمان وعبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« ليس في الخضراوات زكاة».

. وأما قول الدارقطنيحدثنا أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ حدثنا محمد بن نصر بن حماد ثنا أبي عن شعبة عن الحكم عن موسى بن طلحة عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، فإن نصر بن حماد كذاب .

وهذا الحديث رواه أبو بكر (2/372) حدثنا سهل بن يوسف عن شعبة عن الحكم، قال: «ليس في الخضراوات صدقة» من قوله وهو الصحيح.

2. ورواه موسى بن طلحة واختلفوا عنه:

أ: فرواه عنه عطاء المختلط فاختلط عليه:

. فرواه البزار والطبراني في الأوسط (6/100) عن أبي كامل عن الحارث بن نبهان وهو ضعيف: ثنا عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة [عن أبيه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس في الخضروات صدقة»، قال البزار (ر940):" هذا الحديث رواه جماعة عن موسى بن طلحة مرسلا، ولا نعلم أحدا، قال: فيه عن موسى عن أبيه إلا الحارث بن نبهان ..".

وقال الطبراني: لم يصل هذا الحديث عن موسى بن طلحة عن أبيه إلا عطاء بن السائب ولا رواه موصولا عن عطاء إلا الحارث بن نبهان تفرد به أبو كامل الجحدري ".

. وقد رواه مرسلا: هشامٌ الدستوائيعن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى «أن تؤخذ من الخضراوات صدقة».

كذلك رواه مرسلا: يحيى بن آدم ثنا عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب قال: أراد موسى بن المغيرة أن يأخذ من خضر أرض موسى بن طلحة فقال له موسى بن طلحة: " إنه ليس في الخضر شيء " ورواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال: فكتبوا بذلك إلى الحجاج فكتب الحجاج أن موسى بن طلحة أعلم من موسى بن المغيرة".

كلك أرسله عبد الرزاق (7185 ) عن ابن جريج قال: حدثت عن عطاء بن السائب وغيره عن موسى بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في الخضروات صدقة».

. بينما رواه مروان بن محمد السنجاري حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن موسى بن طلحة عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «ليس في الخضراوات صدقة» فوهم فيه.

ب: بينما رواه محمد بن جابر عن الأعمش عن موسى بن طلحة [عن أبيه] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ليس في الخضراوات صدقة»، وهم فيه محمد بن جابر وهو ضعيف.

ج: ورواه يحيى بن المغيرة ثنا ابن نافع حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة [عن معاذ بن جبل] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر , وفيما سقي بالنضح نصف العشر , يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب»، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفو عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "، إسحاق متروك.

والصواب أنه مرسل كما قال الترمذي والبزار والدارقطني والطبراني.

3. فإن استدلوا بما خرجه البيهقي في الخلافيات (4/354) عن أبيالربيع الزهراني نا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار أن معاذا رضي الله عنه قدم اليمن، فأخذ الصدقة من أربعة أشياء: من البر، والشعير، والزبيب، والذرة، وقال: ليس في البطيخ، والقثاء، والفاكهة صدقة "، وهذا منقطع قد يرجع إلى سابقه، ولا يُعرف من القائل في الأخير.

4. وروى الدارقطني عن عبد الله بن شبيب حدثني عبد الجبار بن سعيد عن حاتم بن إسماعيل عن محمد بن أبي يحيى عن أبي كثير مولى بني جحش عن محمد بن عبد الله بن جحش عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا , ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم , وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة , ولا فيما دون خمس ذود صدقة , وليس في الخضراوات صدقة»،

ابن شبيب واهي متروك.

5. ورواه البيهقي في الخلافيات (4/355) عن الدارقطني عن صالح بن موسى عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة»، صالح منكر الحديث جدا، لا يعتد به.

6. ورواه الصقر بن حبيب قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ليس في الخضراوات صدقة .."،

وهذا موضوع، آفته أحمد بن الحارث متروك، والصَّقر: ضعيفٌ جدا، قال ابن حِبَّان: ليس هو من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما يعرف بإسنادٍ منقطع، فقلبه الصَّقر على أبي رجاء، وهو يأتي بالمقلوبات ".

ويعلم الله أن هذه الأحاديث باطلة منكرة، وما كان الله تعالى ليترك تبيين أهم ركن في الإسلام إلى هؤلاء الهلكى والمتروكين، ولا ينقلها لنا القات المأمومين.

وإن مما يرد هذا القول القائل بوجوب الزكاة في الحبوب الجافة فقط، هو ثبوت الزكاة في التمر والرطب والزبيب والكرم بالاتفاق، مع قول الأكثرين بزكاة الزيتون وهو رطب أيضا.

القول الخامس: وجوب الزكاة من كلِّ شيء من حبوب وفواكه، حاشا الخضروات:

وهذا أعم من سابقه، أضاف عليهم الفاكهة.

قالوا: فقد ورد النص في زكاة التمر والزبيب والكرم، وهي من أجناس الفاكهة، فنقيس سائر الفواكه عليها، كما قِسنا الفاكهة على التمر في الربا:

روى البيهقي في سننه (4/218) عن ابن المبارك عن ابن جريج عن عطاء قال:" لا صدقة إلا في نخل أو عنب أو حب وليس في شيء من الخضر، يعني: والفواكه كلها صدقة ".

بينما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال عطاء: «ليس في البقول، والقصب، والجرجير، والقثاء، والكرسف، والعصفر، والفواكه، والأترج، والتفاح، والجوز، والتين، والرمان، والفرسك، والفواكه يعدها كلها ليس فيها صدقة ...".

القول السادس: وجوب الزكاة من كل ما يخرج من الأرضمن حبوب وبقولوخضروات وفواكه كما هو قول الحنفية.

قال أبو حنيفة: فِي كُلِّ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَيَنْبَغِي بِهِ النَّمَاءُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا يَبْقَى مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ لَا، يُوَسَّقُ أوْ لا ... العشر.

بينما استثنى الصاحبان: أبو يوسف ومحمد الخضراوات والفواكه لأنها رطبة.

روى شعبة عن حماد قال: «في كل شيء أخرجت الأرض العشر، أو نصف العشر»، وهو قول مجاهد وإبراهيم.

القول السابع: وهو وجوب الزكاة في كل ما يخرج من الأرض:

لكن مما يُنبته الماء من الزروع والثمار والحبوب، مما يكال بالوسق، وهذا القول يشبه قول الحنفية السابق، لكنه أضيق منه في الشروط، حيث استدلوا مع الحنفية بعمومات النصوص، التي اشترطت شروطا في كل ما يُزكى: 

. منها أن يكون المزكَّى داخلا في عموم ما أخرجت الأرض: كما في قوله تعالى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ }[البقرة 267]، فأمر تعالى بالإنفاق من الكسب، وهو مال التجارة والنقود،كما أمر بالإنفاق من كل ما أخرجت لنا الأرض الطيبات، واجتناب الخبيث، فدل ذلك على العموم، وهذه السورة وإن كانت مكية، فإن سبب نزول الآية بالضبط يبين أنها مدنية.

ومنها: أن يكون الخارج نباتا، مما يُستنبَت في الجنان: استدلالا بقوله تعالى :{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام 142]، والحصاد هو القطع، والجنات مشتملة على كل أنواع الثمار.

بل قالوا: إن التمر والرطب والزبيب من جنس الفاكهة بلا شك، وكذلك الرمان من الفواكه، وقد قرنته الآية بالزيتون الذي يؤتدم به وبِزَيْته، فيكون من جنس الفاكهة أيضا، وقد نصت الآية على وجوب زكاتهما بعد قطافهما ووزنهما، فكذلك سائر الفواكه.

ومنها: أن يكون الخارج من الأرض ممن ينبت بالسقيا آليا وسماويا: لعموم ما خرجه البخاري (1483) عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر»، فخرجت بذلك المعادن والنفط ... 

ومنها: أن يحتمل هذا الثمرُ الخارج من الأرض التوسيقَ والكيل: استدلالا بما خرج البخاري (1484) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة ".

وخرجه ابن خزيمة 2306 عن عمرو بن دينار قال: سمعته عن جابر بن عبد الله، عن غير واحد، عن جابر بن عبد الله قال: «ليس فيما دون خمسة أوسق [من الحب] صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق [من الحلو] صدقة».

إلا أنّ الزيادتيْن فيهما نظر، لخلوها من سائر الروايات، ولأن عمروا لم يسمعهما من جابر، وفي سماعه لها من غير واحد دليل على قوتها، خاصة وأن عامة أصحاب عمرو بن دينار من الصحابة أو كبار التابعين الثقات.

وخرج الحاكم (1/558) وصححه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على الرجل المسلم زكاة في كرمه، ولا في زرعه إذا كان أقل من خمسة أوسق ».

قالوا: فعمم النبي عليه السلام كل زرع وحب وكرم وحلو، ولم يوجب في الحب صدقة إلا بعد إمكان توسيقه، فإن صاحبه حينئذ مأمور بكيله وإخراج صدقته، فخرجت بذلك الحشائش والقصب ...التي لا تكال ولا توسق، وأخرج الجمهور الخضراوات لأنها عندهم تباع بالحب، والصواب أنها تباع الآن بالكيل والميزان كما هو معروف. 

وكذلك لا زكاة في المعادن والنفط لأنها لا تسقى ولا تكال بالوسق أيضا، وإنما زكاتهازكاة عروض التجارة لا غير.

وهو قول عطاء وداود الظاهري وابن الماجشون المالكي ورواية عن أحمد...

وهو الصواب:فالزكاة إذًا تُخرج من كل الزروع والثمار والحبوب الجافة المقتاتة والمدخرة كالقمح والشعير والأرز ...، وكذلك الحبوب الجافة والمؤونة (القطنيات) كالحمص والعدس والفول واللوبيا ..

ومن ذلك البزور: كبزر الكتان والقثاء والخيار وحب الرشاد والسمسم ...

وكذلك من التوابل ( الأبازير): كالكمون والكراوياوالكسبرةوالشونيز...

ومن الخضراوات: خاصة الثوم والبصل فإنه يدخلهما الكيل، وهُما قوتٌ وادخار، ففيهما الزكاة، وكذلك غيرهما مما يدخله الكيل،

حاشا ما يباع جزافا بالحب، لكبره، كاليقطين والبطيخ ونحوهما، فلا زكاة فيهما والله أعلم.

وهكذا الزكاة في حبوب التفكه: كالتمر والعنب والزبيب والزيتون واللوز والفستق والبندق والرمان. 

وتجب فيالفاكهة: قياسا على الحلو كالتمر والزبيبوالكرم والزيتون، خاصة في هذا الزمان الذي يمكن فيه جعل الفواكه والخضراوات من المدخرات، بواسطة تلكم المبردات.

روى عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليس على الرجل المسلم زكاة في كرمه ولا في زرعه إذا كان أقل من خمسة أوسق "،

. وأما العسل: فلا زكاة فيه لأنه لا يُسقى بالماء، ولا يكال بالوسق، على اختلافٍ فيه، هل يُزكى كزكاة عروض التجارة، أم زكاة ثمار؟ وهل زكاة العشر فيه واجبة أم مستحبة؟

والأصح أن لا زكاة فيه واجبة، لكنها صدقة، وإنما الزكاة فيه تكون عروضا، أو نقودا بعد البيع:  

روى الشافعي: أخبرنا أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم قلت: يا رسول الله، اجعل لقومي ما أسلموا عليه من أموالهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم، ثم استعملني أبو بكر، ثم عمر، قال: وكان سعد من أهل السراة قال: فكلمت قومي في العسل، فقلت له: زكاة، فإنه لا خير في ثمرة لا تزكى، فقالوا: كم؟ قال: فقلت: العشر، فأخذت منهم العشر، فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبرته ما كان، فقبضه عمر فباعه، ثم جعل ثمنه في صدقات المسلمين ".

الحارث مختلف في توثيقه، وقد اختلفوا عنه:

فرواه آخرون عن الحارث بن عبد الرحمن [عن منير بن عبد الله عن أبيه] عن سعد بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم فقلت: اجعل لقومي ما يسلموا عليه. قال: ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعملني عليهم ثم استعملني أبو بكر رضي الله عنه من بعده ثم استعملني عمر رضي الله عنه من بعده قال: فقدم على قومه فقال لهم: في العسل زكاة فإنه لا خير في مال لا يزكى. قال: فقالوا لي: كم ترى؟ قلت: العشر. قال: فأخذ منهم العشر فقدم به على عمر رضي الله عنه وأخبره بما فيه فأخذه عمر فطرحه في صدقات المسلمين "، منير مجهول وقد ضعف البخاري وغيره حديثه هذا.

2. وخرج الترمذي (629) عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العسل: «في كل عشرة أزق زق»، قال الترمذي: «حديث ابن عمر في إسناده مقال»، «ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء»، «والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد، وإسحاق»، " وقال بعض أهل العلم: ليس في العسل شيء»، وصدقة بن عبد الله ليس بحافظ، وقد خولف صدقة بن عبد الله في رواية هذا الحديث، عن نافع ".

3. وروى وكيع وغيره عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي عن سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعي قال: قلت: يا رسول الله إن لي نحلا؟ قال: أدِّ العشر، قلت: يا رسول الله احمها لي قال: فحماها لي"، وهذا حديث منقطع، كما قال أبو عمر ابن عبد البر : " هو حديث مرسل لا يصح أن يحتج به إلا من قال بالمراسيل، لأن سليمان يقول: لم يدرك أحداً من الصحابة " .

4. وخرج حميد بن زنجويه في الأموال (ص 1090) عن عبد الله بن وهب حدثنا اسامة عن عمرو بن شعيب عن عن ابيه عن جده أن بطنا من سهم كانوا يردون الى الرسول الله صلى الله عليه وسلم من نحل عندهم العشر، فذكر حديثا إلى أن قال:" وكتب إليه يعنى عمر رضي الله عنه إلى سفيان بن عبد الله الثقفي :" إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله رزقا الى من شاء، فإن أدوا اليك ما كانوا يؤدون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم واديهم، والا فخَلِّ بين الناس وبينه ".

ورواه حميد في الأموال عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن بني شبابة، بطن من فهم، كانوا يؤدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم من نحل ألف عليهم , من كل عشر قرب قربة , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمي لهم واديين لهم"، فلما كان زمان عمر بن الخطاب استعمل على ما هنالك سفيان بن عبد الله الثقفي , فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا، وقالوا: إنما ذلك شيء كنا نؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب سفيان بذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: إنما النحل ذباب غيث، يسوقه الله رزقا لمن يشاء، فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم وادييهم , وإلا فخل بين الناس وبينهما، فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمى لهم وادييهم ".

وقد دل هذا الحديث على عدم وجوب الزكاة في العشر، لكن من دفعه استحبابا وجب على الحاكم حماية مَنْحَلَتَهُم، إذ لو كان فرضا لما تركهم عمر، ولَأَمَرَ بمحاربتهم كما فعل أبو بكر والصحابة مع مانعي الزكاة.

وإنما تجب الزكاة على ما يخرج من الأرض مما يُسقى من الثمار فقط، ويكال بالكيل والوسق.

المطلب الثالث: هل تُضم الأصناف المتشابهة لبعضها:

1/ ذهب مالك ومن معه إلى ضمِّ الأصناف المتشابهة في تكملة النصاب، كالقمح مع الشعير ..

2/ وذهب الجمهور إلى عدم الضم، لأنها أصناف متغايرة، وإنما تُضم أصناف الشعير مثلا بعضها إلى بعض، ولو صُرمت من عدة أماكن .  

وهو الأصح لعموم الحديث :" ولا يُجمع بين مفترق "،

وأما مَن له شجر أو ثمر ينبت مرتين في السنة، فالزكاة على كل مرة، لأنه لا معنى للحول في الثمار، بل العبرة بالحصاد لعموم قوله تعالى: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الرابع: أنصبة الزكاة بين الوسق القديم، والكيل الحديث:

إذا بلغ الصنفُ الواحد على حِدته من الزروع والثمار خمسة أوسق، ففيه حالتان:

إن كان سُقِي بالمطر أو ساقية من نهر, أو عين, أو كان عثريا ففيه العشر، من غير احتساب تخصيب الأرض وتسميدها وتنقيتها على الأصح.

وهكذا يُخرج العشر من زيتونه حبا أو قيمةً قبل عصره، إذا كان مسقيا بالمطر أو النهر أو الوادي أو الساقية المارّة عليه.

وله أن يتركَه حتى يعصرَه، فإن عصره أخرج العشر من مجموع الزيت المتحصل عليه، من غير احتساب التكاليف.

وإن كان سُقِى من بئر أو بساقية على حسابه، أو سُقي بكُلفة منه، أو ناعورة, أو دلو أو آلة ففيه نصف العشر.

وإذا كان بين هذا وهذا فالعبرة بالأغلب والتأثير في النماء، فما كان أكثر سقيه بالناعورة والسقي ففيه نصف العشر، وما كان أكثره بالسماء والنهر ففيه العشر، إذا بلغ خمسة أوسق لعموم الحديث:" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ".

المطلب الخامس: حساب النصاب بالكيل الحالي بالتدقيق:

مرّ أنّ تحديده بالوزن هو خمسة أوسق، وتساوي الآن بالتدقيق (612 كلغ).

وأما بالحجم عن طريق اللتر فهي : 774.683 لترا.

علما أن اللتر الواحد حوالي  0.79 كيلو غرام.

وليس المراد باللتر هنا هو وزن الزيت المعصور، لأنه بعد العصر والتنقية ينقص أضعافا، بل المراد أن تضع قمحا مثلا بمقدار 0.79 كلغ، في إناء، فيكون الإناء يعادل اللتر، لأن العبرة بالوزن.

للحديث السابق :" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "،

وإليك بيان حساب الأوسق بالوزن والكيل بالتفصيل الدقيق إن شاء الله تعالى:

. لدينا: الوسق = ستون صاعا،

والصاع ــــــــــــــــــــــــأربعة أمداد معتدلة،

والمد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أربع حفنات معتدلة = 1 رطلا بغداديا وثلثًا كما عند الجمهور.

أ. نُحوِّل الصاع إلى الرطل:

قال ابن حزم في المحلى (5/245) :" ووجدنا أهل المدينة لا يختلف منهم اثنان في أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي به تؤدى الصدقات ليس أكثر من رطل ونصف, ولا أقل من رطل وربع، وقال بعضهم: رطل وثلث, وليس هذا اختلافا، لكنه على حسب رزانة المكيل من البر, والتمر, والشعير ".

روى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ذكر أبي أنه عير مد النبي صلى الله عليه وسلم بالحنطة فوجدها رطلا وثلثا في البر, قال: ولا يبلغ من التمر هذا المقدار".

. وعليه: فالصاع = خمسة أرطال وثلث، كيف حسَبنا ذلك؟ .

نحسب الصاع: لدينا :1 صاعا = 4*(1 رطلا +1/3)

ننشر:

4 * 1 + 4 * 1/3

= 4 + 4/3= 5.33 رطلا.

للتأكد من صحة ذلك نذكر ما روى أبو داود عن أحمد بن حنبل قال: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال أبو داود: وهو صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ب. والآن نحوّلُ الرطل إلى الدرهم:

لدينا المعطيات التالية:

ذكر النووي ثلاثة أقوال في الرطل:

الأول : أنه مائة وثلاثون درهما.

والثاني : أنه مائة وثمانية وعشرون، قاله ابن حزم .

والثالث : أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وهي تسعون مثقالا.

. وفي المصباح: الرطل بالبغدادي اثنا عشر أوقية، والأوقية أستار وثلثا أستار، والأستار أربعة مثاقيل ونصف مثقال، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم، والدرهم ستة دوانق، والدوانق ثمان حبات وخمسا حبة، وعلى هذا فالرطل تسعون مثقالا، وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ".

إذًا لدينا:

1رطل بغدادي = 128 درهم وأربعة أسباع درهم،

ج: نحول الدراهم إلى المثقال:تساوي 90 مثقالا.

كيف وجدناها؟

. لدينا: 10 درهم = 7 مثقال، كما قال الجمهور.

10 د ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 7 م

1 د  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ؟ أ : م

أ = 7 * 1/10 = 7/10 مثقال.

إذا: 1 درهم = 7/10 مثقالا.

ثم نضرب: 7/10 * 1 رطلا.

إذن: 1 رطلا = (128+4/7) * 7/10 = 90 مثقالا.

بمعنى: ..128.571 * 7/10

 900/10 = 90 مثقالا.

إذا: 1 رطلا = 90 مثقالا.

د: نحسب الدرهم كم يساوي من غرام؟

لدينا: 1 دينارا ذهبا = 72 حبة شعير، وقال آخرون: 82 حبة شعير، وكأن ذلك يختلف باختلاف الحب من مكان لآخر، فحب الأندلس كبير، وحب المشرق أقل منه والله أعلم.

وهذه الحبات تساوي الآن: 4.25 غراما،

كيف ذلك؟

نبحث عن الدرهم كم يساوي ؟

لدينا: 1 درهم = 7/10 مثقالا. (سبعة على عشرة وهي سبعة أعشار)

1 مثقال = 72 حبة ، وعند ابن حزم: 82 حبة.

7/10 * 72 حبة شعير = 50.4  حبة شعير وهي وزن الدرهم الفضي.

(وأما على قول ابن حزم الأندلسي فوزن الدرهم: 7/10* 82= 57.4 حبة)

ثم نزن هذه الحبات (50.4 )  بالميزان الدقيق الحالي، لنعرف وزن الدرهم.

فيُساوي هذا الدرهم الفضي حاليا: 2.975 غراما على قول الجمهور،

أو 3 غراماعلى قول الأندلسيين.

كيف نؤكد ذلك؟

يؤكد ذلك أن: 1 دينارا ذهبيا =  4.25 غ نضربها * 0.7 = 2.975 غ في الفضة.

(أما على قول ابن حزم والأندلسيين: فالدينار الذهبي = 3 غ / 0.7 = 4.285 غ

نضرب 4.285 * 0.7 لنجد: 2.999 وهي نفسها 3 غ)

ما هي: 0.7 ؟ هي: قسمة 7/10 : لأن الدرهم سبعة أعشار المثقال.

نضرب هذا الوزن: = 2.975 في الرطل، وقد مرّ الاختلاف في الرطل وأنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وهي تسعون مثقالا.

. وعلى هذا فلدينا أن الرطل = 128 درهم وأربعة أسباع درهم،

2.975* 128 درهم وأربعة أسباع درهم، بمعنى:

1 رطل = (128+4/7) * 2.975 غ.

= (380.8 +  11.9/7) = 382.5 غ.

وعليه فالمد هو رطل وثلث: بمعنى :

1 مد = (1 رطل + 1/3)

       = (1+1/3) * 382.5 غ. ثم ننشر:

       = (382.5 * 1) + (382.5*1/3) غ

      = 382.5 + 127.5 = 510 غ. 

1 مد = 510 غ

ولدينا سابقا: 1 صاعا = 4 مدا

(510*4 ) = 2040 غ. بمعنى: 2.040 كلغ، وهي وزن الصاع بالضبط.

نحولها للتر:

لدينا :

1 لتر ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 0.79 كيلو غرام.

أ: لتر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  2.040 كلغ

أ = 1 * 2.040/0.79 = 2.582

وهو ما يعادل باللتر ( 2582 ميليلتر) أي: 2.582 لترا

ثم نبحث عن الوسق وهو 60 صاعا.

(2.040x60) = 122.4 كلغ.

ثم نضربها في خمسة (122.4 x 5) = 612 كلغ.

فمن بلغ ثمره أو حبه أوزيتونه (612كلغ) فعليه الزكاة، وإلا فلا.

وأما باللتر: 2.582 x 60 x 5 =774.683 لترا والله ولي التوفيق .

              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الرابع: المتاجرة في الأرض والثمروانتقال الملكية، وعلى من تجب الزكاة:

لها أربعة صور: بيع، واستئجار، ومزارعة، وهبة:

الصورة الأولى: البيع:

1. بيع الثمار من زيتون وتمر وحبّ قبل خلقه أو نضجه وظهور صلاحه منهي عنه لاحتمال تَلَفِهِ، إلا أن يقْطعه المشتري مباشرة ويستعمله لحاجته قبل نضجه ، لما خرجه مسلم 1536 جابر بن عبد الله : «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه».

2. فإن باع الثمرةَ مع الشجرة أو الأرض جاز تبعا.

3. فإن باع الشجرة وقد أبرها صاحبها أو تشقق ثمرها - وإن لم يبد صلاحها- فثمرتها من ملك البائع وسقايتها عليه، وكذلك زكاتها عليه، فإن لم يتشقق الثمر فهي للمشتريهذا هو قول المالكية والجمهور خلافا للحنفية.

استدلالا بما خرجاه في الصحيح (خ 2204/ م 1543) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع»، وفي لفظ :" فالثمر للذي أبرها، وكذلك العبد، والحرث».

2. أنّ بيعّ الثمر بحبٍّه محاقلةٌ ومزابنة ربوية منهي عنها.

الصورة الثانية: تأجير الأرض والثمر والشجر:

1. إذا كان التأجير بشيء معلوم يخرج منها بعد بدو صلاحه، أو بشيء معلوم من غيرها أو بالدنانير فلا بأس, وكل واحد يزكي من نصيبه، لأنهما منفصلان ليسا بشريكين.

2.إذا كان التأجير بشيء مجهول أو بالثمر المقابل للماء، أو بشيء يخرج منها قبل بدو الصلاح ففيه النهي للجهالة: لحديث مسلم (1547) عن حَنْظَلَة بْنُ قَيْسٍ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: سَأَلْتُ رَافِعَ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِه، إِنَّما كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاولِ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَىءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ، فَلَا بَأْسَ بِهِ ".

وللطحاوي عن حنظلة عن رافع بن خديج قال :" كنا بني حارثة، أكثر أهل المدينة حقلا، وكنا نكري الأرض على أن ما سقى الماذيانات والربيع فلنا، وما سقت الجداول فلهم، فربما سلم هذا وهلك هذا وربما هلك هذا وسلم هذا ولم يكن عندنا يومئذ ذهب ولا فضة فنعلم ذلك فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهانا ".

الصورة الثالثة : المساقاة والمزارعة: بأن يدفع المالك أرضه لمن يخدمها على نسبة مشاعة ثلث أو ربع أ و نصف ...  كالمضاربة والشركة .

فالزكاة عليهما معا قبل أن يقتسما الثمر أو الزيتون والله أعلم، لأنهما شريكيْن معا، ولأن النصاب حق الثمر بذاته، بغض النظر عن عدد مالكيه كما هو مذهب ابن حزم، فإنه نظر إلى نصيب كل مالك، والله أعلم .

الصورة الرابعة: انتقال الملك من هبة أو ميراث أو صدقة :

1/ لا زكاة على من انتقل ملكه قبل بدو الصلاح، وإنما الزكاة على من انتقلت إليه. 

2/ من نَقَلَ ملكَه لآخر بعد بدو الصلاح، فعليه – هذا الواهب – الزكاة، لا على الموهوب له، ولا على من ورث.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وبالله التوفيق.

 

 

تعليقات

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني