الدلائل الوفيرة، على استحباب الفرع والعتيرة . الطاهر زياني

                     الدلائل الوفيرة، على استحباب الفرع والعتيرة

 

                                تأليف: الطاهر زياني

 

         ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله وبعد :

فهذا مبحث في مسألة استحباب ذبيحة رجب الموسومة بالعتيرة، والفرع، قسمته على النحو التالي :

المبحث الأول : مفهوم العتيرة والفرع :

المطلب الأول: مفهوم العتيرة وبيان أصلها:

المطلب الثاني: أفضل وقت للعتيرة:

المطلب الثالث: مفهوم الفرعة:

المبحث الثاني : تحرير الأقوال، وبيان محل النزاع والخلاف :

المبحث الثالث : أدلة مشروعية العتيرة واستحبابها:

المطلب الأول: أدلة ظاهرها وجوب الفرع والعتيرة لكنها محمولة على الاستحباب :

المطلب الثاني: أدلةٌ صرفت الأمر بالعتيرة من الوجوب إلى الاستحباب :

المبحث الرابع: أدلة من أطلق القول بجواز العتيرة في أي شهر، بدون تقييد برجب، والجمع بينها وبين ما سبق :

المطلب الأول: ذكر الأدلة المطلقة:

المطلب الثاني: الجمع بين حديث الإطلاق وحديث التقيد برجب:

المبحث الخامس:  أدلة من قال بنفي العتيرة وتأويل ذلك :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول : مفهوم العتيرة والفرع :

المطلب الأول: مفهوم العتيرة وبيان أصلها:

 أما العتيرة فلها معْنيان: جاهلي وإسلامي، وقد ورد الأمر بها وتركها معا، فاختلف السلف فيها بناء على ذلك.

أولأ: المعنى الجاهلي: وهو محمولٌ على صور:

1. جاهلي محرم: وهي الذبيحة التي كان بعض أهل الجاهلية يذبحونها في رجب -كما قيل- تعظيما للآلهة، فهذه محرمة، وعليها تُحمل أحاديث النهي.

2. جاهلي مشروع: وله صورتان:

أ: كانت العرب تنذر في أمورها إن تحققت أن تنحر ذبيحة في رجب.

ب: هي الذبيحة التي كان يذبحها أهل مضر في رجب، حيث كانوا الوحيدين الذين يعظّمون شهر الله الحرام رجب، ولا يتخذونه نسيئة، ولا يتلاعبون بالأشهر الحرم بتصريح النبي عليه السلام القائل في خطبة الوداع عن الأشهر الحرم :" ... وشهر رجب، شهر مضر ....".

فعلى هذا المعنى فلا بأس بها.

ثانيا: العتيرة في الإسلام: هي الرّجبية التي تُذبح قربة إلى الله في هذا الشهر الحُرم المنفرد، وطعامها يسمى بالعقيرة،

وعليها تُحمل أحاديث المشروعية والأمر بها.

قال أبو بكر بن العربي المالكي في القبس شرح المرطإ (1/639) عن الأضحية:" واستدل من نزع إلى الوجوب بما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَى أَهْلِ كِلَّ بَيْتٍ أَضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ في كُلَّ عَامٍ"قال:" والعتيرة هي المذبوحة في رجب".

ثم قال عن حديث النهي :" وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لَا فَرْعٍ وَلاَ عَتِيرَة"، رواه البخاري، وقال العلماء. العتيرة التي نهى عنها هي التي كانت تذبح للآلهة ... ".

ومما يؤكد العمل بها، وأنها سنة متأخرة غير منسوخة،ما قاله عليه السلام في خطبة حجة الوداع قبيل موته :" يا أيها الناس إن على كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة"،

وقال أبو عبيد في غريبه (1/195) :" وَأما العتيرة فَإِنَّهَا الرجبية وَهِي ذَبِيحَة كَانَت تذبح فِي رَجَب يتَقرَّب بهَا أهل الْجَاهِلِيَّة ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَام فَكَانَ على ذَلِك حَتَّى نسخ بعد, .... وَذَلِكَ أَن الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا طلب أحدهم أمرا نذر لَئِن ظفر بِهِ لَيَذْبَحَن من غنمه فِي رَجَب كَذَا وَكَذَا وَهِي العتائر".

وتعقبه ابن قدامة فقال في المغني :"والصحيح إن شاء الله تعالى، أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر، جعلوا ذلك سنة فيما بينهم، كالأضحية في الأضحى، وكان منهم من ينذرها، كما قد تنذر الأضحية بدليل قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:" على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة "،

وهذا الذي قاله النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بدء الإسلام تقرير لما كان في الجاهلية وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر، ثم نسخ ذلك بعد، ولأن العتيرة لو كانت هي المنذورة لم تكن منسوخة، فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت كان لزمه الوفاء بنذره والله أعلم".

وفي قول بعضهم :" كان ذلك في بدء الإسلام تقريرا لما كان في الجاهلية، ثم نُسخت "، نظر ووَهْم تتابعوا عليه، لأن النبي عليه السلام لم يقل ذلك الحديثَ في أول الإسلام كما ادّعوا، بل قاله قُبيْل وفاته بثلاثة أشهر بالضبط، في يوم عرفة من خطبة حجة الوداع كما سيأتي بأدلته .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: أفضل وقت للعتيرة:

أما عن وقتها: فهي في رجب اتفاقا، لكن هل هي في مطلق الشهر، أم أوله؟ أم آخره ؟

فقيل : أفضل ذلك العشر الأُوَل، وقيل الوسطى .

وقيل: هي في مطلق الشهر بلا أفضلية.

وقيل: أفضلها في آخر الشهر:

قال الحربي في غريب الحديث حدثنا أبو بكر حدثنا أسامة عن ابن عون: سألت الشعبى عن العتيرة؟ قال: في عشر يبقين من رجب ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: مفهوم الفرعة:

هي أول النتاج من الأنعام، حيث كان أهل الجاهلية يذبحونه شكرا لله تعالى، وذلك إذا بلغت أنعامهم عددا معينا.

فنُهُوا في الإسلام عن ذبح الجدي .. الصغير، وأمروا بتركه حتى يكبر، أو يُنحر ضأن كبير آخر بدله، لأمور :

إحداها : حتى لا تفجع الأم بوليدها .

والثاني : أنه لا فائدة من لحمه لشدة صغره .

والثالث : حتى لا تنقطع الاستفادة من لبن الأم بموْت وليدها،

وقد جمع هذه الأمور قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: فرِّعوا إِن شِئْتُم وَلَكِن لَا تذبحوه غراة حَتَّى يكبر"، وفي رواية :" وَلَكِن لَا تذبحوه صَغِيرا لَحْمه يلتصق كالغراة ".

وَقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سُئل عَن الْفَرْع : حقّ وَإِن تتركه حَتَّى يكون ابْن مَخَاض وَابْن لبون زخزبا خيرٌ من أَن تكفأ إناءك وتوله نَاقَتك وتذبحه يلصق لَحْمه بوبره ".

قال ابن سلام في غريب الحديث (3/92) :" الفرع، هو أول شئ تنتجه الناقة، فكانوا يجعلونه لله، فقال النبي عليه السلام: هو حق، ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد فكره ذلك، وقال: دعه حتى يكون ابن مخاض أو ابن لبون فيصير له طعم ".

وقال أبو بكر (5/119) حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرع، في كل خمس شياه شاة »، وقيل خمسين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني : تحرير الأقوال، وبيان محل النزاع والخلاف :

اختلف السلف في الفرع والعتيرة على أقوال :

القول 1/ فذهب المالكية إلى أن الأولى تركهما، لنسخ العمل بهما، وصرح بعض المالكية بكراهتهما، حتى ادعى بعضهم الإجماع على تركهما، لكن توهما منه وتخرصا، لثبوت الخلاف فيها.

فقال الإمام مالك:" العتيرة شاة كانت تذبح في رجب يتبررون بها كانت في الجاهلية ، وقد كانت في الإسلام ولكن ليس الناس عليها"،

يعني لم يعمل بها أهل المدينة، وإن عمل بها الناس في الإسلام.

قال محمد بن رشد في التحصيل :" قول مالك إن العتيرة هي الرجبية الشاة التي كانت تذبح في الجاهلية في رجب على سبيل التبرر، وإنها قد كانت في الإسلام، يريد معمولاً بها كالضحايا، مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، روي عنه قال بعرفة :" يا أيها الناس إن على كل بيت في كل عام أضحاة وعتيرة"،

ثم مال ابن رشد في أحد قوليه إلى أنها منسوخة، وليس كذلك، لأنها مثبتة بالحديث الصحيح في خطبة حجة الوداع المتأخرة،

وكذلك قال ابن قدامة في المغني :" قال أصحابنا: لا تسن الفرعة ولا العتيرة. وهو قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين، فإنه كان يذبح العتيرة في رجب، ويروي فيها شيئا ".

وقد استدل هؤلاء بحديث :" لا فرع ولا عتيرة "، وزعموا بأنه متأخر، وأن حديث الاستحباب والأمر بها متقدم، كان في بداية الإسلام، وسيأتي أن العكس هو الصحيح .

القول 2/ وذهب آخرون إلى جواز العتيرة، لكن في سائر أشهر السنة من غير تخصيصها في شهر رجب وحده،

لما روي أن رجلا قال: يا رسول الله، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: «اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله وأطعموا»، وهو قول للشافعي .

القول 3/ وذهب آخرون إلى مشروعيتها، لكن في حالة نذرِها، فأما من لم ينذرها فهو بالخيار إن شاء عتر وإن شاء لم يعتر . 

القول 4/ وذهب الشافعية والحنفية وجمع من المالكية وآخرين إلى استحبابها في شهر رجب، شهر مضر، لأن أهل مضر كانوا يحرمون هذا الشهر وغيره، ويجتنبون النسيء فيها من دون سائر العرب، وكانوا يعْترون فيه، فأُمِرنا بفعل ذلك، لكونهم على حق في هذا المسألة. 

قال النوويُّ:" نصَّ الشافعي: على أنَّ الفرَع والعتيرة مستحبان"، وقال أيضًا: الصَّحيح عند أصحابنا استحباب الفرَع والعتيرة".

وقال ابن رجب:"وحكاه الإمام أحمد عن أهل البصرة، ورجَّحه طائفةٌ من أهل الحديث المتأخِّرين؛ (اللطائف).

وهو قول وكيع بن عدس وابن سيرين والشعبي وابن عون وإسحاق والشافعي وأصحابه والطحاوي وأبو عبيد،وهو ظاهر كلام ابن العربي المالكي الذي ذكرناه سالفا في القبس (1/639).

وكذلك هو ظاهر كلام القاضي عياض المالكي ومحمد بن علي المازري المالكي، فإنهما مالا إلى نسخ الوجوب، وبقاء الاستحباب لمن أراد:

فقال القاضي عياض في إكمال المعلم شرح مسلم (6/399) والمازري في المعلم بفوائد مسلم (3/86) " وقد عطف على الأضحيةِ العتيرةَ وهي غير واجبة باتّفاق، ولو صح نسخ وجوب العتيرة كما قال أبو داود لأمكن أن يحمل قوله "على أهل كل بيت أن المراد به عليهم إذاَ أرادوا إقامة السنّة".

وكذلك قال ابن رشد :" وقيل إن ذلك إنما هو نسخ للوجوب وفعل ذلك بر لمن شاء أن يفعله ".

وقال الطحاوي في معانيه بعد أن ذكر الأحاديث (3/87) :" ففي هذا الحديث ما قد عقلنا به أن أمر العتيرة رد إلى الاختيار ونفي الوجوب وأنه بر، من أخذ به فقد أحسن، ومن نَكِرَه لم يُحرَجْ ".

وأما الفرع فمشروع لكن الأفضل فيه تركه حتى يكبر ويصير زخربا ويشتد ويصير ابن سنة، ولا ينقطع لبَن الأم بموت ولدها كما مرّ .

تنبيه: ههنا قول مُحدث في دين الله ظهر في هذا الزمان من التبديعيين المارقين، حيث زعموا بأن العتيرة بدعة محرمة، ولا يُعلم لهذا القول المبتدعِ سلفٌ من المتقدمين فبطل القول به، بل يحرم حتى نقله إلا على سبيل التنبيه والتحذير والإنكار على مخترعه.

قال ابن قدامة في المغني مع أنه من القائلين بالنسخ :" إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة، لا تحريم فعلها، ولا كراهته، فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك، أو للصدقة به وإطعامه، لم يكن ذلك مكروها، والله تعالى أعلم ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث : أدلة مشروعية العتيرة واستحبابها:

المطلب الأول: أدلة ظاهرها وجوب الفرع والعتيرة لكنها محمولة على الاستحباب :

وهذا محمول على قول بعض السلف القائلين بنسخ الوجوب فقط، وبقاء الأمر على الاستحباب لثبوت الأمر بها متأخرا، وهو الصواب كما سنبين:

الدليل الأول : حديث عبد الله بن عمرو في كون العتيرة حق:

له طريقان عن عمرو بن شعيب :

1/ طريق داود بن قيس :

قال أحمد (2/182)حدثنا عبد الرزاق أخبرنا داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: " إن الله لا يحب العقوق " وكأنه كره الاسم، قالوا: يا رسول الله، إنما نسألك عن أحدنا يولد له؟ قال: " من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة " قال: وسئل عن الفرع؟ قال: " والفرع حق، وأن تتركه حتى يكون شغزبا أو شغزوبا ابن مخاض أو ابن لبون، فتحمل عليه في سبيل الله، أو تعطيه أرملة، خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره، وتكفئ إناءك، وتوله ناقتك "، وقال : وسئل عن العتيرة ؟ فقال: " العتيرة حق"،

قال: بعض القوم لعمرو بن شعيب: ما العتيرة؟ قال:" كانوا يذبحون في رجب شاة فيطبخون ويأكلون ويطعمون ".

وفي قوله: "كانوا ... " هم قبيلة مضر التي كانت تعظم شهر رجب ولا تفعل النسيء المحرم.

. قال النسائي (4225) عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِيهِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْفَرَعَ، قَالَ: «حَقٌّ، فَإِنْ تَرَكْتَهُ حَتَّى يَكُونَ بَكْرًا، فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ، فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ، فَتُكْفِئَ إِنَاءَكَ، وَتُولِهُ نَاقَتَكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالْعَتِيرَةُ قَالَ: «الْعَتِيرَةُ حَقٌّ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ هُمْ أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ، أَحَدُهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَبِشْرٌ، وَشَرِيكٌ وَآخَرُ "،

ومن هذا الوجه رواه الناس عن داود متصلا وأرسله ابن جريج .

2/ طريق ابن جريج :

خرجها عبد الرزاق 8000 - عن ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: كان أهل الجاهلية يذبحون عن كل أهل بيت في رجب شاة يسمونها العتيرة، فلما كان الإسلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا فيهم عبد الله بن عمرو فقالوا: شيئا كنا نفعله في الجاهلية يا رسول الله فنسميه العتيرة، وكنا نذبحها عن أهل كل بيت في رجب، أفنفعله في الإسلام؟ قال: «نعم، وسموها الرجبية»،

والطريقان محفوظان عن عمرو، فوَصَله لما كان المقامُ مقامَ تحديث، وأرسله لما كان المقامُ مقامَ نقلِ فَتْوَى وحكم . 

الدليل الثاني: حديث الضمري في تشريع العتيرة في خطبة الوداع مما يدل على تأخر تشريعها وعدم نسخها.  

لأن خطبة يوم عرفة من حجة الوداع كانت قبيل وفاته عليه السلام بثلاثة أشهر فقط مما يبطل دعوى النسخ، بل لو سلمنا بوجود النسخ ههنا لكان هذا الحديث المتأخر هو الناسخ:

قال ابن أبي عاصم في المثاني (6/227) 981 - حدثنا يعقوب بن حميد نا ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فسأله رجل: ما ترى في العتيرة؟ قال: «العتيرة حق» ، قال: فما ترى في الفرع؟ قال: «حق، وإن تتركه تحت أمه حتى يكون ابن لبون، أو ابن مخاض زخزبا فتحمل عليه في سبيل الله عز وجل خير من أن تكفأ إناءك، وتوله ناقتك عن ولدها، فتخلط لحمه بشعره» ،

وإنما كان يخطب في عرفة كما :

قال ابن أبي عاصم 982 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه، أو عن عمه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفة، ورجل يسأله: ما ترى في العتيرة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العتيرة حق» ، فذكر نحوه "،

وهو نص صريح على تأخر هذا الحديث، وإبطال دعوى من زعم بأن هذا الحديث كان في بدإ الإسلام .

ورواه مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه نحوه .

ورواه الشافعي أخبرني من سمع زيد بن أسلم يحدث عن رجل من بني ضمرة عن أبيه به .

وللحديث شاهد آخر يصح به، بل ربما يكون هذا الرجل من بني ضمرة هو مخنف بن سليم فإنه ضمري فيكون هو صاحب هذا الحديث السابق واللاحق معا والله أعلم :

الدليل الثالث: حديث مخنف في إبطال دعوى من زعم بأن النبي عليه السلام قد قاله في بدإ الإسلام ، والصحيح أنه قاله في عرفة قبيل وفاته :

قال الترمذي 1518 - حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا ابن عون قال: حدثنا أبو رملة عن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول: «يا أيها الناس، على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، هل تدرون ما العتيرة؟ هي التي تسمونها الرجبية»

قال: هذا حديث حسن غريب، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون "، وصححه الألباني .

ومن هذا الوجه رواه الناس عن عبد الله بن عون :

فرواه أبو داود عن بشر عن عبد الله بن عون عن عامر أبي رملة قال: أخبرنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات قال: «يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة هذه؟ التي يقول الناس الرجبية».

ورواه ابن أبي عاصم (4/297) وابن ماجه 3125 عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال: أنبأني أبو رملة عن مخنف بن سليم قال: كنا وقوفا عند النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقال :" يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هي التي يسميها الناس الرجبية ".

ورواه أبو عمر الحوضي نا مرجى بن رجاء نا ابن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم عرفة، قال: «على أهل كل بيت في كل عام أضحية واجبة، وعتيرة، تدرون ما العتيرة؟ التي تسمونها رجبية».

. ورواه حماد بن زيد عن ابن عون عن رجل من أهل الكوفة يقال له أبو رملة عن مخنف بن سليم .

. وخرجه النسائي (4224) عن مُعَاذ وَهُوَ ابْنُ مُعَاذٍ قَال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنحَدَّثَنَا أَبُو رَمْلَة أَنْبَأَنا مِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ قَال: بَيْنَا نَحْنُ وُقُوفٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ :«يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً، وَعَتِيرَةً» قَالَ مُعَاذٌ: «كَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَعْتِرُ أَبْصَرَتْهُ عَيْنِي فِي رَجَبٍ».

ورواه الطحاوي عن عبد الملك بن مروان حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون: أن محمد بن سيرين كان يعتر، قال معاذ: وكان ابن عون يعتر، قال معاذ: " العتيرة شاة تذبح في رجب".

وقال أبو القاسم البغوي: حدثني جدي ثنا يزيد بن هارون أبنا سليمان التيمي عن رجل عن أبي رملة عن مخنف بن سُليم أو سُليم بن مخنف - فذكر حديث "العتيرة".

وخرجه ابن قانع في الصحابة عن محمد بن كثير نا سرور بن المغيرة عن سليمان التيمي عن أبي رملة عن مخنف بن سليم عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه "،

وقد ضعف الحديثَ جماعة بجهالة أبي رملة وهو عامر الكوفي، لكن روى عنه أربعة: عبد الله بن عون والتيمي وقيس بن مسلم الكوفي وحبيب بن يسار الكوفي ورجل مما يرفع من شأنه :

فخرج أحمد عن شعبة عن قيس بن مسلم قال: سمعت أبا رملة يحدث عن عبد الله بن مسلم عن معاذ .

وروى حبيب بن يسار عن أبي رملة الأزدي عن علي.

إضافة إلى تحسين الترمذي له مع إشارته لتفرد بهذا الحديث ، فإنه قال :" هذا حديث حسن غريب، ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون ".

ولهذا الحديث متابعة أخرى تقويه :

الدليل الرابع :خرجه ابن حزم في المحلى من طريق عبد الرزاق في مصنفه (4/342) قال: أخبرنا ابن جريج أخبرنا عبد الكريم عن حبيب بن مخنف العنبري عن أبيه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وهو يقول: «هل تعرفونها؟» قال: فلا أدري ما رجعوا عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «على أهل كل بيت أن يذبحوا شاة في كل رجب، وفي كل أضحى شاة»

تابعه أبو عاصم عن ابن جريج عن عبد الكريم عن حبيب بن مخنف عن أبيه به .

وقد علله ابن حزم بجهالة حبيب، لكنه مختلف في صحبته، فأقل أحواله إذًا أن يكون من أهل الصدق.

فقد ذكره الحافظ ابن حجر في التعجيل وقال:" له صحبة "، وكذلك أثبتها له ابن منده وأبو المحاسن .

وهو ظاهر صنيع الإمام أحمد فإنه ذكر الحديث في مسنده (حديث حبيب بن مخنف رضي الله عنه)، لكن الصواب فيه عن أبيه .

وبهذا علله آخرون بالاختلاف على عبد الرزاق، وأنه قال مرة:" لا أدري هل قال عن أبيه".

والصواب ما رواه عبد الرزاق في مصنفه فإنه أصح لأنه حفظ صدر وكتاب معا، فهو أصح مما رواه في غير المصنف، مع رواية سائر الثقات عن عبد الرزاق كما في المصنف، وكذلك هي متابعة أبي عاصم له.

وعلله آخرون بأنه من رواية عبد الكريم وهو ابن أبي المخارق الضعيف، وهو وهْم تتابعوا عليه تقليدا لبعض أهل العلم، لأنهما في نفس الطبقة حتى إن بعضهم ادعى بأن مسلما خرج له، وإنما خرج للجزري الثقة .

وصاحب هذا الحديث هو عبد الكريم الجزري الثقة الثبت، وليس عبد الكريم الضعيف، لأن ابن جريج معروف بالرواية عن الجزري الثقة، ولأن عبد الكريم ثقة حراني من جهة حدود العراق وسوريا وتركيا، وكذلك شيخه عنبري من جهة العراق:

ولِما قال الحافظ العراقي كما في طرح التثريب (5/188) :" وذكر أبو نعيم أيضا أنه رواه ابن جريج عن حبيب بن مخنف بن سليم عن أبيه قال والدي رحمه الله :" والمعروف أن بينهما واسطة وهو عبد الكريم الجزري رواه، كذا رواه عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج ورواه الطبراني في معجمه الكبير من طريقه".

وحتى ابن القطان وابن حزم فإنهما عللاه بحبيب فقط، فلو كان عبد الكريم هو الضعيف لذكرا العلة به، لأنها أشد .

فتعين بأنه الجزري الثقة وبالله التوفيق.

وهذا القول هو الصحيح، فصحّ هذا الحديث الصحيح، والقول بأن العتيرة منسوخة قول باطل تُبطله هذه الأحاديث المتأخرة التي قيلت في خطبة يوم عرفة من التاسع ذي الحجة سنة عشر، ثم مات النبي عليه السلام بعد هذه الخطبة بثلاثة أشهر فقط، فتعين الرجوع إلى هذه الحديث وبالله التوفيق، يؤكد ذلك:

 

المطلب الثاني: أدلةٌ صرفت الأمر بالعتيرة من الوجوب إلى الاستحباب :

الدليل الأول: حديث الحارث، وهو أيضا متأخر وقت حجة الوداع :

1/ قال النسائي في الكبرى (4552) أخبرنا سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله يعني بن المبارك عن يحيى وهو بن زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو الباهلي قال سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو يحدث أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو على ناقته العضباء فأتيته من أحد شقيه، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي استغفر لي، فقال: غفر الله لكم، ثم أتيته من الشق الآخر، أرجو أن يخصني دونهم، فقلت يا رسول الله استغفر لي، فقال بيده: غفر الله لكم، فقال رجل من الناس: يا رسول الله العتائر والفرائع؟ قال :" من شاء عتر ومن شاء لن يعتر، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع، في الغنم أضحيتها وقبض أصابعه إلا واحدة ".

قال النسائي (4553) أخبرني هارون بن عبد الله قال حدثنا عفان حدثنا يحيى بن زرارة السهمي حدثني أبي عن جده الحارث بن عمرو ح

وأنبأنا هارون بن عبد الله قال وحدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي قال حدثني يحيى بن زراة السهمي وهو بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي قال حدثني أبي عن جده الحارث بن عمروأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقلت بأبي أنت يا رسول الله وأمي استغفر لي فقال غفر الله لكم وهو على ناقته العضباء ثم استدرت من الشق الآخر وساق الحديث ".

ورواه عبد الوارث عن عتبة بن عبد الملك نا زرارة بن كريم بن الحارث أن الحارث بن عمرو حدثه قال :" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ...".

ورواه أبو الوليد الطيالسي نا يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث نا أبي عن جدي الحارث بن عمرو أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو على ناقته العضباء ...".

وكذلك رواه أبو عاصم وغيره عن يحيى بن زرارة بن كريم بن الحارث حدثني أبي، عن جده مثله .

قال أبو نعيم في الصحابة من ترجمته :" رواه عبد الله بن المبارك، والمعتمر بن سليمان، وعفان، وأبو سلمة المنقري، وغيرهم عن يحيى بن زرارة، ورواه عتبة بن عبد الملك السهمي عن زرارة بن كريم بن الحارث ".

وقد علله ابن حزم ومن تبعه بيحيى وأبيه وقال :" وكلاهما مجهول لا يدرى ".

لكن صحح لهما الحاكم وعرفهما وقال عنهما :" هم مشهورون بالبصرة "، وأقره الذهبي، بل قال في الكاشف :"ثقة"، مع توثيق ابن حبان لهما، وقال أبو الوليد: وكان يحيى بن زرارة من أهل البصرة وكان ينزل الطف ".

قال الحاكم (4/264) حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا الحسين بن الفضل البجلي وإسحاق بن الحسين الحربي قالا: ثنا عفان بن مسلم ثنا يحيى بن زرارة بن كريم السهمي حدثني أبي عن جده الحارث بن عمرو السهمي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: استغفر لي. قال: «غفر الله لكم» قلت له ذلك مرة أو مرتين فقال رجل: يا رسول الله ما ترى في العتائر والفرائع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شاء عتر ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع، وفي الشاة أضحيتها»

قال: هذا حديث صحيح الإسناد، فإن الحارث بن عمرو السهمي صحابي مشهور، وولده بالبصرة مشهورون، وقد حدث عبد الرحمن بن مهدي بن قتيبة، وغيرهم عن يحيى بن زرارة"، ووافقه الذهبي، وقال ابن الملقن في التوضيح :"إسناده جيد ".

وقد توبع يحي بن زرارة :

2/ قال أبو نعيم في الصحابة من ترجمته :" .. ورواه عتبة بن عبد الملك السهمي عن زرارة بن كريم بن الحارث : حدثناه سليمان بن أحمد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو معمر المقعد ثنا عبد الوارث ثنا عتبة بن عبد الملك السهمي حدثني زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي أن الحارث بن عمرو حدثه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى، أو بعرفات ...، فذكر نحوه، وقد صححه الحاكم (4/258) ووافقه الذهبي .

وقال البخاري: وقال لنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث ثنا عتبة بن عبد الملك السهمي حدثنا زرارة بن كريم بن الحارث بن عمرو السهمي سمع الحارث بن عمرو سمع النبي صلى الله عليه وسلم ".

3/ ورواه يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثني سهل بن حصين الباهلي حدثني زرارة بن كريم عن الحارث بن عمرو السهمي أنه أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع ..".

وزرارة قال عنه الحاكم :" مشهور" وصحح له، ووافقه الذهبي، ووثقه ابن حبان وابن خلفون، بل قال أبو نعيم في الصحابة رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وكذلك ذكره ابن منده وأبو الفرج في الصحابة والدارقطني، قالوا: له رؤية "، ولا يبعد ذلك، فقد يكون والده أتى به معه إلى الحج .

وقد توبع زرارة :

4/ قال البخاري: قال لنا موسى بن إسماعيل حدثنا سهل بن حصين بن مسلم الباهلي: ثنا عبد الله بن الحارث عن الحارث قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال: «من شاء عتر ومن شاء لم يعتر»، سهل وثقه ابن معين وابن حبان، وعبد الله بن الحارث هو الباهليالبصري وثقه ابن حبان، وقد ورد ما يدل على أنه صحابي، فإنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله، أنا الرجل الذي أتيتك عام الأول ...وذكر حديث الصوم "، فصح الحديث .

وكلها روايات قوية وأحاديث صحيحة متأخرة تدل على استحباب العتيرة، وترد على من زعم بأن هذا الحديثَ متقدم كان في بدإ الإسلام .

دليل ثاني: رواه أبو طاهر كما في الطيوريات (135/ 142)عن علي بن عمر السكري حدثنا عبد الله بن أبي داود حدثنا أبي حدثنا محمد بن عمر الرازي حدثنا عبد الرحمن بن قيس عن حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة فحسنها".

قال ابن أبي داود: قال أبي: فذكرته لأحمد بن حنبل رضي الله عنه فاستحسنه وقال: هذا حديث الأعراب، وقال لي: اقعد! فأَخرَجَ محبرة وقلما وورقة وقال: أملِهِ عليَّ، فَكَتَبَهُ عني، ثم شَهِدتُهُ يوما وجاءه أبو جعفر بن أبي سمينة فقال له أحمد:يا أبا جعفر، عند أبي داود حديث غريب اكتبه عنه، فسألني فأمليته عليه ".

وخرجه الطبراني (7/168) عن أحمد بن الفرات ثنا عبد الرحمن بن قيس الضبي ثنا حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن العتيرة فحسنها ".

قال الهيثمي :" رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الرحمن بن قيس الضبي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات "، وعبد الرحمن متروك .

الدليل الثالث : قال ابن حبان في صحيحه 5891 - أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى بعسكر مكرم حدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عَنْ عمِّه أَبي رَزِينٍ: أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسل فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائح فَنَاْكُلُ مِنْهَا وَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا بَأْس بِذَلِكَ"،

وكيع بن عدس وثقه الجوزقاني وابن حبان والهيثمي والحديث به حسن .

قال الطحاوي في معانيه (3/85) نا فهد بن سليمان حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين وهو لقيط بن عامر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إنا كنا نذبح ذبائح في رجب فنطعم من جاءنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا بأس "، قال وكيع: لا أتركها أبدا".

قال الطحاوي: حدثنا الملك بن مروان: حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون: أن محمد بن سيرين كان يعتر، قال معاذ: وكان ابن عون يعتر قال معاذ: " العتيرة شاة تذبح في رجب "

وقال أبو بكر (5/119): حدثنا معاذ عن ابن عون عن محمد قال: «كان يذبح في كل رجب». قال معاذ: «ورأيت عتيرة ابن عون».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الرابع: أدلة من أطلق القول بجواز العتيرة في أي شهر، بدون تقييد برجب، والجمع بينها وبين ما سبق :

المطلب الأول: ذكر الأدلة المطلقة:

الدليل الأول: حديث نبيشة:

رواه الناس عن خالد واختلفوا عنه :

1/ فقال ابن ماجه - باب الفرعة والعتيرة 3167 - حدثنا أبو بشر بكر بن خلف حدثنا يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي المليح عن نبيشة قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله عز وجل في أي شهر ما كان، وبَرُّوا لله، وأطعموا"، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ قال: في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك، حتى إذا استحمل ذبحته، فتصدقت بلحمه -أراه قال: على ابن السبيل- فإن ذلك هو خير".

وخرجه الحاكم (4/263) عن عبد الوهاب أنبأ خالد عن أبي المليح عن نبيشة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا   رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية فمن رجب فما تأمرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذبحوا لله في أي شهر ما كان وبروا لله وأطعموا»،قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "

. وقال ابن أبي عاصم (2/309) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن خالد عن أبي المليح عن نبيشة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتيرة، فقال: «اذبحوا لله عز وجل في أي شهر ما كان، وبروا لله تعالى وأطعموا» ، قال: وسأله رجل عن الفرع، فقال: «في كل سائمة تغدوه ماشيتك، حتى إذا استحمل اذبحه فتصدق بلحمه على ابن السبيل» ،

2/ ورواه آخرون عن خالد الحذاء [عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي] عن أبي المليح وهو ابن أسامة بن عمير به .

فخرجه أبو داود (2830) عن بشر بن المفضل حدثنا خالد الحذاء [عن أبي قلابة] عن أبي المليح قال: قال نبيشة: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال: «اذبحوا لله في أي شهر كان، وبَرّوا الله عز وجل، وأطعموا».

وخرجه النسائي عن غندر عن شعبة عن خالد عن أبي قلابة عن أبي المليح، وأحسبني قد سمعته من أبي المليح، عن نبيشة رجل من هذيل عن النبي صلى الله عليه وسلم ..",

فرواه شعبة بالشك من خالد،

بينما رواه ابن علية عن خالد قال: حدثني أبو قلابة عن أبي المليح، فلقيت أبا المليح فسألته فحدثني عن نبيشة الهذلي .."، فالشك فيه إذًا من خالد .

المطلب الثاني: الجمع بين حديث الإطلاق وحديث التقيد برجب:

وهو على أوجه :

أن يُحمل على نفي وجوب تعيين العتيرة أو تقييدها برجب فقط، مع كونه هو الأفضل، لكن يجوز قضاءها في سائر أشهر السنة لمن فاتته .

أو أن الأمر كان على التخيير في وقت ذبح العتيرة، ثم استقر أخيرا في حجة الوداع – كما مر - على تحديد شهر رجب، وأنه هو الوقت الاختياري، وغيره هو وقت القضاء لمن شاءه,

او أنه عليه السلام لما سألوه عن العتيرة أجابهم لمطلق الصدقة والله أعلم .

أو يقال بأن الأمر كان مطلقا، ثم ورد تحديد العتيرة برجب، لأن الأمر بالرجبية متأخر في حجة الوداع، وهذا متقدم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الخامس:  أدلة من قال بنفي العتيرة وتأويل ذلك :

الدليل الأول : ورد الحديث برواية الأكثرين بلفظ النفي" لا فرع ولا عتيرة في الإسلام"، ورُوي بلفظ النهي توهما، وروي بزيادة [ في الإسلام]،

ومداره على الزهري لكن اختلف عنه، والزهري معروف عنه تفسير ألفاظ الحديث، فيُدرج بعض الرواة تفسيراته في الحديث  :

أولا/ رواية محمد بن أبي حفصة وزمعة بن صالح عن الزهري :

خرجه الدارقطني في العلل (9/115) عن روح عن محمد بن أبي حفصة وزمعة بن صالح قالا ثنا بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا فرع ولا عتيرة".

2/ رواية سفيان عن الزهري : رواها الثقات بلا زيادة :

خرجها البخاري في صحيحه (5474) عن ابن المديني(ح) ومسلم (1976) عن يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب (ح)

كل هؤلاء عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فرع ولا عتيرة» والفرع: أول النتاج، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب "،

. وخرجه الحميدي في مسنده  1126 ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة»، قال الزهري: " والفرع: أول النتاج، والعتيرة: شاة تذبح عن كل أهل بيت في رجب ".

. وقال ابن ماجه 3168 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا فرعة ولا عتيرة ". 

تابعهم على ذلك إسحاق ومحمود بن آدم ومحمد بن عيسى وأحمد بن عبدة وغيرهم كلهم عن سفيان بهذا اللفظ مرفوعا .

ب/ ورواه بشر بن مطر ثنا سفيان مثلهم لكن موقوفا .

ج/ ورواه أَبُو عَلِيّ الزَّعْفَرَانِيّ ثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال: النبي صلى الله عليه وسلم: «لا فرع، ولا عتيرة، [في الإسلام]»،

وقد تفرد بهذه الزيادة عبد الجبار بن العلاء ووهم فيها ، لخلوها من سائر روايات الثقات، وإنما هي من قول سفيان مفسرا للحديث، فأدرجها فيه توهما :

خرج الطحاوي في معانيه (3/86) عن سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا فرعة ولا عتيرة "، قال سفيان: يقول: في الإسلام ".

3/ ورُويت عن عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَة عَنِ الزُّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بالزيادة ولم يصح :

قال الداراقطني في الغرائب :" غريب من حديث أبي قلابة الجرمي عن الزهري، ومن حديث أيوب عنه، تفرد به عبد الله بن عصمة النصيبي عن حماد بن سلمة ولم يروه عنه غير سفيان بن محمد المصيصي ولم نكتبه إلا عن القاضي هذا ".

4/ رواية معمر عن الزهري :

أ/ خرج البخاري في الصحيح (5473) عن عبد الله أخبرنا معمر أخبرنا الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فرع ولا عتيرة» والفرع: أول النتاج، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب ".

ب/ وخرجه مسلم (1976) والترمذي 1512 وغيرهمامن طرق عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة»،قال: والعتيرة: ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمون شهر رجب لأنه أول شهر من أشهر الحرم، وأشهر الحرم: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، كذلك روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في أشهر الحج ".

ج/ورواه مسدد بن مسرهد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيبعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا فرع ولا عتيرة"

د/ وخرجه الدارقطني في العلل عن الدورقي عن غندر محمد بن جعفر ثنا معمر ثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا فرع ولا عتيرة ".

كل هؤلاء رووه بلفظ النفي، وهو نفي الوجوب جمعا بين الأحاديث.  

ه/ وروي عن معمر بلفظ النهي توهما.

رواه شعبة واختلف عنه هل سمعه من معمر أم بواسطة أبي إسحاق والصواب الواسطة، وأبو إسحاق مدلس :

فرواه أبو داود في مسنده حدثنا شعبة قال: حدثت أبا إسحاق عن معمر بن راشد وسفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال شعبة: قال أحدهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة»، وقال الآخر: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع والعتيرة ».

وخرجه البزار والنسائي (ك 5449) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو إسحاق عن معمر وسفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أحدهما قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع والعتيرة"، وقال الآخر :" لا فرع ولا عتيرة ".

ولفظ النفي لمعمر، ولفظ النهي لسفيان بن حسين وهو ممن يهم، ويخطئ خاصة في حديث الزهري :

لما خرجه أبو عوانة ثنا يزيد بن سنان قثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا شعبة عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فرع، ولا عتيرة»،

ولفظ النهي ضعيف لضعف سفيان.

. بينما رواه عمرو بن حكام ثنا شعبة عن معمر (مباشرة) عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا فرع ولا عتيرة»،

قال شعبة: فذكرت ذلك لأبي إسحاق، فقال: كان علي وابن مسعود لا يريانها ".

. هكذا رواه كل هؤلاء عن الزهري وأصحابه بلفظ النفي، وهو اللفظ النبوي الثابت، ورواه بعضهم بزيادة [في الإسلام]، ورواه بعضهم بالمعنى وكلاهما وهْم:

خامسا : رواية سفيان بن حسين عن الزهري : اختلفوا فيها على وجهين :

أ. فوردت بزيادة [ في الإسلام ] :

قال أحمد في المسند (2/229) حدثنا هشيم، قال - إن لم أكن سمعته منه، يعني الزهري - فحدثني سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا عتيرة في الإسلام، ولا فرع "، وما سمعه هشيم من الزهري، بل هو شك، وكل الروايات بواسطة ابن حسين تأكيدا .

. وخرج أبو جعفر الطحاوي (3/86) عن سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثني سفيان بن حسين حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا عتيرة في الإسلام ولا فرع"،

قال أبو جعفر:" ففي هذا الحديث نفي العتيرة، وقد يحتمل نفيها المذكور فيه نفي الوجوب ولا يمنع ذلك أن يفعل فعلا لا معصية فيه ولا خلاف لما في هذا الحديث ". 

وقال الدارقطني 4834 - حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد البزاز نا علي بن مسلم نا محمد بن يزيد الواسطي عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «لا عتيرة ولا فرع [في الإسلام]".

وقد تفرد بهذه الزيادة [في الإسلام] وبلفظ"النهي" سفيان بن حسين عن الزهري مخالفا فيها كل أصحاب الزهري، وهو ضعيف، وروايته عن الزهري ضعيفة كما قال النقاد، ثم إنه اختلف عليه فيها واضطرب :

ب/ ورواها شعبة كما سبق إما بغير الزيادة، وإما بالمعنى الذي فهمه :

فقال شعبة: حدثنا أبو إسحاق عن معمر وسفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أحدهما قال :" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع والعتيرة"، وقال الآخر :" لا فرع ولا عتيرة ".

وهذا لفظ المروي بالمعنى منكر خالف فيه الضعيف ما رواه الكثير من الثقات عن الزهري وأصحابه، وهو مروي بالمعنى كما هو ظاهر :" نهى النبي ..."،

. فإن قيل :

قد خرج البزار 7832- حدثنا محمد بن مسكين حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن العتيرة، وكانت ذبيحة يذبحونها في رجب فنهاهم عنها وأمرهم بالأضحية".

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أبي هريرة إلا سعيد، ولا عن سعيد إلا بكير، ولا عن بكير إلا ابن لهيعة، ولا نعلم أسند بكير عن سعيد، عن أبي هريرة، إلا هذا الحديث "،

والجواب أن ابن لهيعة ضعيف ومدلس، وبكير الأشج لم يسمع من ابن المسيب كما أشار البزار، يؤكد ذلك ما قاله أحمد بن عبد الله: لم يسمع منه مالك شيئًا، خرج قديمًا إلى مصر"، وسعيد كان في المدينة .

ثم هو منكر المتن لأنه مروي بالمعنى الذي فهمه الراوي لا باللفظ النبوي بالنفي.

وحتى لو صح فهو محمول على النهي عن الفرع والعتيرة التي كان يقربها أهل الجاهلية لطواغيتهم، كما خرج البخاري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا فرع ولا عتيرة» قال: " والفرع: أول نتاج كان ينتج لهم، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب "،

وبهذا قال الرافعي :" الْمَنْع رَاجع إِلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَهُوَ الذّبْح لآلهتهم، أَو أَن الْمَقْصُود نفى الْوُجُوب ".

فأما ما كان منها تقربا لله تعالى فهو أمر مندوب كما صحت بذلك الأحاديث المتأخرة في حجة الوداع ،

على أن اللفظ النبوي الذي رواه عامة الثقات هو بلفظ النفي :" لا فرع ولا عتيرة "،

وفرق كبير بين النهي والنفي .

وقد استدل بذاك اللفظ الشاذ المروي بالمعنى (بالنهي) جماعة من أهل العلم وزعموا بأن العتيرة والفرع منسوختان بهذا النهي، وأن النهي لا يكون إلا بعد الإباحة .  قالوا :

"وقال كانت العرب تفعلهما وفعلهما بعض أهل الإسلام بالإذن ثم نهى عنهما والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يفعل "،

وهو مذهب الجمهور الذين ادعوا بنسخ العتيرة، وقال به أبو داود في سننه .

والصحيح الأول، لأن الأمر بالعتيرة هو المتأخر لأنه صح في خطبة حجة الوداع .

ولأن اللفظ بالنهي شاذ مروي بالمعنى المخالف للّفظ النبوي بالنفي لا غير، وفرق كبير بين النهي والنفي، إلا أن يُحملالنهي على ما قُرب للطواعيت .

وأما النفي فإنه في لغة العرب على مراتب :

منها نفي الذات وهذا غير وارد هنا لوجود العتيرة قديما وحديثا .

ونفي للصحة والوجوب، وهو المراد هنا، جمعا بينه وبين الأدلة الصحيحة والمتأخرة المثبتة للعتيرة، فيكون المعنى :" لا عتيرة واجبة "، كما قال الطحاوي .

وكذلك قال الإمام إسحاق بن راهوية في مسنده(2/462) :" لا فرع ولا عتيرة" نقول: لا واجب".

وقال الشافعي : وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا فَرَعَةَ وَلَا عَتِيرَةَ» وَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِلَافٍ مِنَ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا هَذَا لَا فَرَعَةَ وَاجِبَةٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى ذَا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وقال النووي المنهاج (13/ 200). : وقد صح الأمر بالفرع والعتيرة، والصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي استحباب الفرع والعتيرة، وأجابوا عن هذا الحديث: بأن المراد نفي الوجوب، أو أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم، أو أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب، أو في إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة، وقد نص الشافعي في سنن حرملة على أنها إن تيسرت كل شهر كان حسنًا ".

قال السندي في حاشية النسائي :" قِيلَ كَانَ الْفَرَع وَالْعَتِيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَيَفْعَلهُمَا الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام ثُمَّ نُسِخَ، وَقِيلَ الْمَشْهُور أَنَّهُ لَا كَرَاهَة فِيهِمَا، ثُمَّ هُمَا مُسْتَحَبَّانِ، وَالْمُرَاد بِلَا فَرَع وَلَا عَتِيرَة نَفْي وُجُوبهمَا أَوْ نَفْي التَّقَرُّب بِالْإِرَاقَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَأَمَّا التَّقَرُّب بِاللَّحْمِ وَتَفْرِقَته عَلَى الْمَسَاكِين فَبِرٌّ وَصَدَقَة ".

وقال الماوردي في الحاوي في فقه الشافعي (15/131) :" وفي اختلافهما – الأحاديث -تأويلان: أحدهما : أن حديث أبي هريرة في النهي عنهما محمول على نهي الإيجاب ، وحديث نبيشة في الأمر بهما محمول على الاستحباب . والتأويل الثاني : أن النهي عنهما على ما ذبح لغير الله من الأصنام والجن ، والأمر بهما محمول على ما ذبح لوجه الله . والله أعلم بالصواب ".

وكذلك استحسن حديثها الإمام أحمد، كما قال ابن أَبي داود: قال أَبي: فذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: هذا حديث غريب، وقال لي: اقعد، فدخل فأخرج مِحبرة وقلماً وورقة، وقال: أَمِلَّه عليّ، فكتبه عني، ثم شهدته يوماً آخر وجاءَه أَبو جعفر بن أَبي سَمينة، فقال أحمد بن حنبل: يا أبا جعفر عند أبي داود حديث غريب اكتبه عنه، فسألني، فأَمليته عليه".

وقد صح ما يدل على استحسانها واستحبابهما في حجة الوداع، مما يبطل دعوى النسخ وبالله التوفيق.

وفي الختام أسأل الله أن يوفقنا للعمل بسنن نبيه، وأن ينفعني به والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 

       كتبه أبو عيسى الطاهر زياني وفرغ منه يوم الجمعة 11 رجب 1438

 

 

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني