المعتبر، في أحاديث العدوى والضرر، وحديث لا يغني حذر من قدر" تأليف: الطاهر زياني


                  المعتبر، في أحاديث العدوى والضرر، وحديث لا يغني حذر من قدر
               
                                     كتابة: الطاهر زياني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                             المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:
فهذه دراسة مختصرة حديثية فِـقْهية لبعض أدلة التوكل والفرار من العدوى، والهدْي النبوي في الوقاية منها، والحدّ من انتشارها، وشرح قوله عليه السلام :" قد ينفع الحذر ما لم يبلغ القدر، فإذا بلغ القدر لم ينفع الحذر، وحال القدر دون النظر ».
وفي لفظ :" إن البصر ينفع ما لم يأت القدر، فإذا جاء القدر حال دون البصر".
ويُعتبر هذا القولُ حديثا جامعا لما فيه من كمال التوكل على الله تعالى، مع كمال الأخذ بالأسباب من حيطة وحذر ووقاية،
كما تُعتبر هذه الأحاديثُ من صورِ الإعجازِ النبوي الحديث في كيفية مكافحة وباءِ الطاعون المعدي حتى باعتراف علماء الغرب، والتي لو طبقها البشر في هذا الزمان لكان من أهم أسباب الوقاية والعلاج لكل أوبئة الطواعين، وقد قسمت البحث على النحو التالي:
المطلب الأول: ما ورد في التوكل على الله والإيمان بقضائه وقدره:
المطلب الثاني: ما ورد في كيفية تَوَقّي العدوى، ونفي وجودها من تلقاء نفسها، لكن بإذن خالقها:
المسألة الأولى: ما ورد في نفي العدوى وتأويل ذلك:
المسألة الثانية: ما ورد في إثبات العدوى والأمر بالحَجْر والتفرق:
الفرع الأول: في تعريف الطاعون وماهيته: 
الفرع الثاني: إخبار النبي عليه السلام بوجود الطاعون وكثرة قتله للناس:
الفرع الثالث: الهدي النبوي في مكافحة الوباء والعدوى:
المطلب الثالث: ما ورد في التوقي والتطبب والأخذ بالحذر والأسباب واجتناب المهالك وأماكن العدوى: 
المسألة الأولى: التوقي مطلوب:
المسألة الثانية: تخريج حديث:" لا يغني حذر من قدر":
المسألة الثالثة: في بعض طرق الوقاية والتعقيم القديمة والحديثة:
              ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الأول: ما ورد في التوكل على الله والإيمان بقضائه وقدره:
امتلأت أدلة الوحييْن بوجوب التوكل على الله تعالى حق توكله، والإيمان بقضائه وقدره، إلا أن المتأمل فيها يجدها مقرونة بتقديم الأسباب والعمل والجهد من المؤمنين:
1/ فمن ذلك قوله تعالى :{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}[آل عمران]
2/ ومن ذلك قوله تعالى بعد الأمر بالجهاد:{ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) }[آل عمران ]
وقوله أيضا :{ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} [المائدة]
3/ ومن ذلك أمر الله باجتناب كل كافر وسيّء مع التوكل على الله كما في قوله تعالى :{ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)}[النساء].
وقوله :{ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}[الأحزاب]
4/ ومن ذلك أمر الله بالجنوح للسلم مع أخْذ الحيطة، وتكفل الله بتبيين المخادعين، كما في قوله تعالى : {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) }[الأنفال].
5/ ومن ذلك أمر الله بالتوكل عليه بعد تقديم النصيحة للمخالفين كما في قوله تعالى :{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) }[التوبة]
6/ وقوله عن نوح :{ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)}[يونس].
7/ ومن ذلك أمر يعقوب لبـَنيه باجتناب وسائل العيْن والتوكل على الله كما قال تعالى :{ وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)} [يوسف]
8/ ومن ذلك أمر الله بعبادته مع الاستعانة به كما في سورة الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين}.
9/ ومن ذلك أمر الله بالتسليم لقدره مع أخذ الاحتياط كما في قوله تعالى :{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)}[التوبة]. ...
10/ ومن ذلك أمر الشارع بتقديم الأسباب مع التوكل:
كما ثبت في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه:" جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وترك ناقته بباب المسجد، فسأله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها؟ فقال:" أطلقتها وتوكلت على الله، فقال له: " اعقلها وتوكل".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثاني: ما ورد في كيفية تَوَقّي العدوى، ونفي وجودها من تلقاء نفسها، لكن بإذن خالقها:
المسألة الأولى: ما ورد في نفي العدوى وتأويل ذلك:
الدليل الأول: خرج مسلم (2220) عن أبي هريرة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا صفر ولا هامة» فقال أعرابي: يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها؟ قال: «فمن أعدى الأول؟».
والنفي في لغة العرب على مراتب: نفي للذات، ونفي للصحة ونفي للكمال، وهذا الحديث محمول على نفي كمال تأثير العدوى بنفسها، أو على نفي وجود المرض من تلقاء نفسه، بل بخلق الله له أوّلا، وأنه تعالى هو الذي جعله مرضا مُعديا بإذنه تعالى، لأنه قال في آخر الحديث : «فمن أعدى الأول؟».
وهذا اللفظ الأخير، في إثبات العدوى قد تكاثرت به الأحاديث، ووجه الجمع بينها ما ذكرناه:
وقال قال الحافظ ابن الصلاح:" وجْه الجمع بينهما أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه، كما في سائر الأسباب. ففي حديث: (لا عدوى) نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية، من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال: (فمن أعدى الأول؟). وفي الثاني أعلم بأن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك سببا لذلك، وحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى..".
ولمزيد تفصيل راجع كلام ابن القيم في الزاد والطب النبوي.
. إلا أن بعض السلف عملوا بنص الحديث الأول في نفي العدوى، وابُتُلوا بها منهم شرحبيل بن حسنة:
الدليل الثاني: ما ورد في اختلاف الصحابة من الاجتماع للطاعون وعدم التفرق، أو التفرق في الأماكن المرتفعة :
خرج ابن حبان في الصحيح (2951) وغيره عن شرحبيل بن شفعة عن عمرو بن العاص: أن الطاعون وقع بالشام، فقال:" إنه رجز، فتفرقوا عنه [فِروا منه في الأودية والشعاب] [مثل السيل، من ينكبه أخطأه، ومثل النار من ينكبها أخطأته، ومن أقام أحرقته وآذته]"، فقال شرحبيل بن حسنة: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمرٌو أضل من حمار أهله، أو جمل أهله-، [وقال] [ولكنه]: "إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا له ولا تفرقوا عنه". فسمع بذلك عمرو بن العاص، فقال: صدق ".
هذا أثر موقوف من كلام الصحابي، وقد خالف فيه سائرَ الأحاديث الحاثة على الاعتزال والتفرق ولزوم البيوت كما سيأتي، إلا أن يكون المراد به هنا الاجتماع على التكافل والتعاون، وعدم التفرق بحب المصلحة الذاتية والله أعلم.
وقد روى البخاري (5729) ومسلم وابن حبان وعبد الرزاق والبزار وغيرهم أن الصحابة في عهد عمر تشاوروا في شأنه، ثم إن الذين خالفوا عمر بن الخطاب ممن كانوا يجتمعون له كأبي عبيدة وغيره، قد قتلهم الطاعون رضي الله عنهم. 
خرج البزار (2671) عن عبد الرحمن بن غنم عن حديث الحارث بن عميرة أنه: قدم مع معاذ من اليمن فمكث معه في داره، وفي منزله فأصابهم الطاعون فطعن معاذ، وأبو عبيدة بن الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وأبو مالك جميعا في يوم واحد، وكان عمرو بن العاص حين حس بالطاعون فر وفرق فرقا شديدا، وقال: يا أيها الناس، تفرقوا في هذه الشعاب فقد نزل بكم أمر من أمر الله لا أراه إلا رجزا وطاعونا ..."،
وقال الطبري في تاريخه حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن محمد ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن شهر بن حوشب الأشعري، عن رابة - رجل من قومه، وكان قد خلف على أمه بعد أبيه، كان شهد طاعون عمواس - قال:" لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة في الناس خطيبا، فقال: أيّها الناس، إنّ هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم محمد، وموت الصالحين قبلكم، وإنّ أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له من حظّه. فطعن فمات، واستخلف على الناس معاذ بن جبل. قال: فقام خطيبا بعده، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم، وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظهم، فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ، فمات. ثمّ قام فدعا به لنفسه، فطعن في راحته؛ فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه، ثم يقول: ما أحبّ أنّ لي بما فيك شيئا من الدنيا، فلما مات استخلف على الناس عمرو بن العاص، فقام خطيبا في الناس، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال. فقال أبو وائلة الهذلي: كذبت؛ والله لقد صحبت رسول الله وأنت شرّ من حماري هذا! قال – عمرو-والله ما أردّ عليك ما تقول، وأيم الله لا نقيم عليه، ثم خرج وخرج الناس فتفرّقوا، ورفعه الله عنهم". قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فوالله ما كرهه ".
وقد تكاثرت الأدلة في إثبات العدوى، والفرار من المرضى والحجر عليهم: حتى قيل بنسخ حديث : "لا عدوى"، والصوابُ أنه محمول على ما ذكرنا، لأن الأخبار لا تُنسخ:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية: ما ورد في إثبات العدوى والأمر بالحَجْر والتفرق:
الفرع الأول: في تعريف الطاعون وماهيته:
ذكر ابن القيم في الطب وابن حجر تفصيلا شاملا لتعريف الطاعون في كتابه بذل الماعون.
أ: والخلاصة أن الطاعون لغة: ما قاله الجوهري: وزنه فاعول من الطعن، عدلوا به عن أصله، ووضعوه دالًا على الموت العام كالوباء، ويقال : طعن فهو مطعون وطعين: إذا أصابه الطاعون ؛ وكذا إذا أصابه الطعن بالرمح ".
ب: وأما الطاعون شرعا: فهو رجز ودَاء، ووجعٌ ووَبَاء عامّ سلطه الله على البشرية، عقابا للمنحرفين، وابتلاءً ورحمة وتطهيرا للمؤمنين، وعظة للمتعظين ".
ومن أنواعه ما يُساهم في نقله حتى الجن كما في الحديث:" طعن الجن"، وهو أمر لا يُدرك بالعقل ولا التجربة كما قال ابن حجر وغيره.
هكذا بينته دلائل القرآن والسنن الكثيرة، كما بينا بأن أسباب المصائب والأوبئة إنما بسبب معاصي العباد وما كسبته أيديهم، فمن ذلك قوله تعالى :{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) }[لقمان]
وقوله:" {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى].
وخرج الحاكم (4/582) وصححه وابن ماجه (4019) عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا .."،
فأما كونه من الرجز الذي أرسله الله على آل فرعون فقد ثبت ذلك في السنة، والقرآن على ما قاله سعيد بن جبير في قوله تعالى: { ادْعُ لنا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ }، ثم بعد ذلك سلطه الله على بني إسرائيل وغيرهم.
ج: وأما الطاعون طبيا: فهو هو كل وباء شاملٍ عامّ معدي منتشر يطعن الناس بكثرة ويتنقل بينهم بسرعة".
وخلاصة كلام الأطباء وغيره أنه على أَضرب ذكرها ابن حجر في كتاب فضل الطاعون، وغيره:
1/ ضِرْب منه : داء و وجع و وباء ، يقع من غلبة بعض الأمشاج الذي هو الدم أو الصفراء إذا احترقت ، أو غير ذلك ، من غير سبب يكون من الجن.
2. وضرب منه: من وخز الجن ؛ و هذا كما يكون القرح داء أو وجعًا يصيب الإنسان من احتراق الدم و غلبة الأمشاج ، فيخرق له الجلد، و يشرح اللحم ، و إن لم يكن هناك طعن ".
3. وضرب منه سببه تغير الجو والهواء: كما قال ابن الأثير: "الطاعون: المرض العام, والوباء الذي يفسد له الهواء , فتفسد به الأمزجة والأبدان".
ومن الأطباء من يُنكر انتقاله في الهواء كما ذكر ابن القيم وغيره.
4. ومنه ما يكون هجينا متولدا عن اجتماع جراثيم طبيعية، سؤاءُ أكان التهجين طبيعيا أم بشريا.
وأما ما يصيب من أعضاء فقد قال أبو علي ابن سينا وغيره من حذاق الأطباء:" الطاعون مادة سمية تحدث ورمًا قتالًا , يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن، وأغلب ما يكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة (قصبة الأنف)". قال : وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد , يستحيل إلى جوهر سمي يُفسد العضو ويغير ما يليه , ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والخفقان . وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع , وأردأه ما يقع في الأعضاء الرئيسة . والأسود منه قل من يسلم منه , وأسلمه منه , وأسلمه الأحمر ثم الأصفر ".
الفرع الثاني: إخبار النبي عليه السلام بوجود الطاعون وكثرة قتْلِه للناس: 
ذكرت في بحثي " الملهم في تفسير خزنة جهنم" بأن حمل آية المدثر :{عليها تسعة عشر} على جرثومة التاج 19 هو من تحريف القرآن الكريم عن مواضعه.
وذكرت في كتاب " أحداث نهاية العالم، وعلامات المهدي القادم، ترتيب الفتن والأحداث الكبرى والعلامات، مع دراسة حديثية لحديث عوف بن مالك في مراحل الأحداث والفتن والعلامات، وإخبار النبي عليه السلام بوجود طاعون أو طاعونيْن مُميتيْن في الأمة، أعيده هنا مختصرا بلا تخريج:
وقد اختَلَف فيه الرواة كثيرا، في ترتيب بعض الأحداث، أبتدئ بذكر أصحها:
عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال:" اعدُد ستا بين يدي الساعة :
1 موتي ، ( يطلق عليه بعضهم باسم الفتنة الأولى تجوزا).
2 ثم فتح بيت المقدس ( في عهد عمر) .
3 ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، [لفظ ابن ماجه :" ثم داء يظهر فيكم يستشهد الله به ذراريكم، وأنفسكم، ويزكي به أموالكم]، ( وهو طاعون عمواس في عهد عمر الذي قُتل فيها عشرات الألوف).
4 ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ، ( في زمن الفتوح)
5 ثم فتنة [بينكم] لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، (هي الفتنة الرابعة كما سبق )
6 ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا "،
وقيل: الفتنة هي الثالثة، والموتان هي الرابعة: والراجح العكس كما سبق، لأن الداء قد ظهر في عهد عمر، والفتن بعد ذلك، وقد يحتمل تعدد الوباء وبدايته مع هذه الفتنة الرابعة والله أعلم: 
لما رواه نعيم عن عوف بن مالك الأشجعي رضى الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم:" أمسك ستا قبل الساعة، أولها وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم قال فبكيت، والثانية فتح بيت المقدس،
والثالثة فتنة تدخل كل بيت شعر ومدر،
والرابعة موتان في الناس كقعاص الغنم، ( إن صح هذا الترتيب فهو محمول على طاعون ثاني، يكون بعد بداية الفتنة الرابعة).
والخامسة: أن يفيض فيكم المال حتى يعطى الرجل المائة دينار فيتسخطها (ويكون ذلك زمن استرجاع الخلافة وزمن المهدي المنتظر وما بعده)،
والسادسة هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيسيرون إليكم في ثمانين غاية تحت كل غاية إثنا عشر ألفا (ويكون ذلك زمن المهدي الأخير الذي يفتح روما ثم تبدأ العلامات الكبرى)".
ولهذا الترتيب شواهد أخرى في الكتاب المذكور.
الفرع الثالث: الهدي النبوي في مكافحة الوباء والعدوى:
لقد اتخذَ الهدي النبوي في الحدّ من انتشار الوباء والطاعون واعتزال المرضى عدةَ صور:
1/ منها عدم إدخال الأصحاء على المعدين، وكذلك العكس: برهان ذلك ما خرجه مسلم (2221) عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى» ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« لا يورد ممرض على مصح» قال أبو سلمة: كان أبو هريرة يحدثهما كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله «لا عدوى»، وأقام على أن «لا يورد ممرض على مصح»
قال: فقال الحارث بن أبي ذباب وهو ابن عم أبي هريرة: قد كنت أسمعك، يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثا آخر، قد سكتَّ عنه، كنتَ تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى» فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك، وقال: «لا يورد ممرض على مصح» فما رآه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا، قال أبو هريرة: قلت أبيت قال أبو سلمة: " ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى» فلا أدري أنسي أبو هريرة، أو نسخ أحد القولين الآخر؟ ".
2/ ومن ذلك أمر الإسلام بالحَجْر الصحي، عن طريق غلق الحدود والبلاد، واجتناب الذهابِ إلى أماكن الأوبئة والعدوى، والنهي عن مغادرة تلك الأماكن تجنبا لنشر الوباء، والأدلة في ذلك كثيرة:
خرج البخاري (3473) عن أسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه»
وقال إسحاق في مسنده 1376 - أخبرنا النضر بن شميل نا عوف عن خالد الربعي عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن فناء أمتي بالطعن والطاعون، فقالت عائشة: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفته فما الطاعون؟ فقال: غدة تأخذهم في مرافقتهم، الميت فيه شهيد، والقائم المحتسب فيه كالمرابط في سبيل الله، والفار منه كالفار من الزحف".
وقال إسحاق 1403 - أخبرنا يزيد بن هارون وعبد الصمد بن عبد الوارث قالا: حدثنا جعفر بن كيسان: حدثتنا عمرة بنت قيس العدوية عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الفار من الطاعون كالفار من الزحف».
3/ ومن ذلك إخبار الشارع بأن الدنوّ والاقتراف من البلاد الوبيئة يؤدي إلى التلف والهلاك:
روى عبد الرزاق (11/148) وعبد الله بن معاذ عن معمر عن يحيى بن عبد الله بن ريسان قال: أخبرني من سمع فروة بن مسيك قال: قلت: يا رسول الله، إن أرضا عندنا يقال لها: أبين، هي أرض رِيفنا ومِيرتنا، وهي وبئة - أو قال: وباؤها شديد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعها عنك، فإن مِن القرف التلف»
والقرف والاقتراف: هو الدنو والاقتراب ومداناة بلاد الوباء.
4/ ومن ذلك إخبار الشارع بوقوع الطاعون على المؤمنين ابتلاءً، وعلى الكافرين عقابا، وحثه على الصبر وعدم الفرار من البلاد الوبئة:
خرج البخاري (3474) (5734) عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرني «أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأن الله جعله رحمة للمؤمنين، ليس من أحد يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرا محتسبا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد»
5/ ومن ذلك أمر الشارع بالفرار من قدر الله السيء، إلى قدره الخير، بعدم الذهاب إلى البلاد الوبيئة:
خرج البخاري (5729) عن عبد الله بن عباس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام. قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشأم، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجتَ لأمْر، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني،
ثم قال: ادعوا لي الأنصار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني،
ثم قال: ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح: أفِرارا من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان، إحداهما خصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان متغيبا في بعض حاجته - فقال: إن عندي في هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» قال: فحمد الله عمر ثم انصرف ".
وبوب عليه البخاري:" باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون ".
6/ ومن ذلك التفرق في الجبال والأماكن المرتفعة: كما مر في خطبة عمرو بن العاص لما وُلي :" فقام خطيبا في الناس، فقال: أيها الناس، إنّ هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتجبّلوا منه في الجبال. فقال أبو وائلة الهذلي: كذبت؛ والله لقد صحبت رسول الله وأنت شرّ من حماري هذا! قال – عمرو-والله ما أردّ عليك ما تقول، وأيم الله لا نقيم عليه، ثم خرج وخرج الناس فتفرّقوا، ورفعه الله عنهم". قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فو الله ما كرهه ".
وخرج الطحاوي والطبري وغيرهما من طريق طارق بن شهاب البجلي قال: أتينا أبا موسى وهو في داره بالكوفة لنتحدث عنده، فلما جلسنا قال: لا عليكم أن تخفّوا، فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تنزّهوا عن هذه القرية، فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يرفع هذا الوباء؛ سأخبركم بما يكره مما يتّقى، من ذلك أن يظن من خرج أنه لو أقام مات، ويظنّ من أقام فأصابه ذلك لو أنه لو خرج لم يصبه، فإذا لم يظنّ هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج، وأن يتنزّه عنه؛ إني كنت مع أبى عبيدة بن الجراح بالشام عام طاعون عمواس، فلما اشتعل الوجع، وبلغ ذلك عمر، كتب إلى أبي عبيدة ليستخرجه منه: أن سلام عليك، أمّا بعد، فإنه قد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها، فعزمت عليك إذا نظرت في كتابي هذا ألّا تضعه من يدك حتى تقبل إلي. قال: فعرف أبو عبيدة أنه إنما أراد أن يستخرجه من الوباء، قال: يغفر الله لأمير المؤمنين! ثمّ كتب إليه: يا أمير المؤمنين، إني قد عرفت حاجتك إلي، وإني في جند من المسلمين لا أجد بنفسي رغبة عنهم، فلست أريد فراقهم حتى يقضي الله في وفيهم أمره وقضاءه؛ فحلّلني من عزمتك يا أمير المؤمنين، ودعني في جندي. فلما قرأ عمر الكتاب بكى، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، أمات أبو عبيدة؟ قال: لا، وكأن قد قال: ثم كتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإنك أنزلت الناس أرضا غمقة، فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة. فلما أتاه كتابه دعاني فقال: يا أبا موسى، إنّ كتاب أمير المؤمنين قد جاءني بما ترى، فاخرج صاحبتي قد أصيبت، فرجعت إليه، فقلت لهوالله لقد كان في أهلي حدث، فقال: لعلّ وضع رجله في غرزه طعن، فقالوالله لقد أصبت. ثم سار بالناس حتى نزل الجابية، ورفع عن الناس الوباء ".
وفي لفظ :" كان قد كتب إليه عمر:" إن الأردن أرض عميقة وإن الجابية أرض نزهة، فانهض بالمسلمين إلى الجابية، فقال لي أبو عبيدة: انطلق فبوّئ المنزلين منزلهم"، وحسنه ابن حجر في الفتح (10/199)
7/ ومن ذلك أمْر الشارع بالفرار من المُعدِين:
روى شيخ مكي سمعت أبا هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فِـرّ من المجذوم كفرارك من الأسد».
8/ ومن ذلك أمر الشارع بعزل المرضى، وترك لمسهم ومصافحتهم:
كما خرج الطبري ومسلم (2231) عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم [وهو على الباب] «إنا قد بايعناك فارجع ».
9/ ومن ذلك تـنبيه الشارع أخذ الحيطة أزمنة نزول البلاء، وترقب زمن رفعها: عن طرق رؤية النجوم وهوْيها صُبْحا يوم 12 من أيار، ماي وقت بداية نضوج الثمار والأمان من العاهة، كما في سورة النجم: {والنجم إذا هوى}.
قال أبو عمر ابن عبد البر:" طلوع الثريا صباحا عند أهل العلم، فربما يكون لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار وهو ( ماي ) والنجم الثريا لا خلاف في ذلك ".
1. روى محمد بن الحسن (159) وأبو يوسف في الآثار عن أبي حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة يرفعه " إذا طلع النجم ذا صباح، فقد رُفعت العاهة عن كل بلد " إسناده صحيح، وقد رواه أبو نعيم عن جمع كبير عن أبي حنيفة، وهو صدوق فيه لين، وقد توبع:
2. فخرجه أبو نعيم في مسند أبي حنيفة (138) عن أحمد في المسند (2/341) عن وهيب ثنا عِسْل بن سفيان عن ابن أبي رباح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا طلع النجم صباحا، لا تكون عاهة إلا رفعت إلا حذف عنهم»، قال الهيثمى (4/103): فيه عسل بن سفيان وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف ، وضعفه جماعة ، وبقية رجاله رجال الصحيح"، وقد تابعه أبو حنيفة كما مضى.
3. ورواه حمزة بن يوسف السَّهمي في تاريخ جرجان قال: أخبرنا ابن عدي (في الكامل) ثنا محمد بن إبراهيم بن ناصح ثنا محمد بن عيسى ثنا أحمد بن أبي طيبة عن أبيه عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما طلع النجم ذا صباح إلا رفعت كل آفة وعاهة في الأرض -أو من الأرض"، أبو طيبة ضعيف، قال ابن عدي عنه:" وأبو طيبة هذا كان رجلا صالحا، ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب ولكن لعله كان يشبه عليه فيغلط ".  
طلوع النجوم واختفاءها يكون من بداية زمن الربيع إلى انتهائه، واختلفوا في ماهية النجم الذي هو علامة على نزول البلاء وارتفاعه؟ وهل هو عام في كل بلاء أم خاص بوباء الثمار، وهل البلد عام لكل البلاد أم الحجاز:  
فأما ماهية النجوم: فقيل هي السبعة أنجم، وقيل أحد عشر نجما، وقيل هي الرجوم التي تُرجم بها الشياطين، والأرجح الثريا لحديث عثمان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة. قال: فسألت ابن عمر متى ذلك؟ قال: طلوع الثريا "
وأما العموم فتؤيده الأدلة السابقة، وما نقل ابن زيد عن العرب أن الغاسق الثريا، ووقوبها سقوطها، قال: "وكانت الأقسام والطواعين تكثر عن ذلك ".
وقال السيوطي في جامعه:" "رفعت العاهة" من نحو مرض ووباء أو ما فى مالهم من نحو إبل وثمر".
وقال التميمي في كتاب مادة البقاء :" أشد أوقات السنة فسادا وأعظمها بليّة على الأجساد وقتان:
أحدهما: وقت سقوط الثّريّا للمغيب عند طلوع الفجر.
والثاني: وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشمس على العالم، بمنزلة من منازل القمر، وهو وقت تصرّم فصل الربيع وانقضائه، غير أن الفساد الكائن عند طلوعها أقلّ ضررا من الفساد الكائن عند سقوطها ".
ومع أن عامة الأوبئة تنزل مع الربيع، وترتفع ما أول الصيف، فليس هذا بمطرد دوما، بل غالبا:
قال الحافظ ابن حجر في بذل الماعون في فضل الطاعون (369) بعد أن ذكر طاعون القاهرة سنة 833 :" أنه وقع في الشتاء و ارتفع في الربيع، وكانت الطواعين الماضية تقع في فصل الربيع، بعد انقضاء الشتاء، وترتفع في أول الصيف ".
9/ والأهم من ذلك كله حثه عليه السلام على العلاج والتطبب واكتشاف الأدوية، وأنه لا يوجد داء إلا وله دواء:
خرج أبو داود (3855) عن أسامة بن شريك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رءوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت، فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: «تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد الهرم».
وعَن أَبِي سعيد الخدري: قال رسول الله صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم:" ما خلق الله من داء إلا جعل له شفاء، أَو ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه شفاءً، علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت ".
وخرج أبو نعيم في الطب (1/83) عَن أَبِي هُرَيرة قال رسول الله صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم :" إن الذي أنزل الداء أنزل معه الدواء ".
وفي لفظ له :" نعت الداء ونعت معه الدواء، وأن الله يشفي من شاء بما شاء".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثالث: ما ورد في التوقي والتطبب والأخذ بالحذر والأسباب واجتناب المهالك وأماكن العدوى: 
المسألة الأولى: التوقي مطلوب:
وقد ذكرنا أدلة ذلك، وذكر ابن القيم وابن حجر اختلاف العلماء في وجود علاج للطاعون، فذهبت طائفة إلى أن علاجه رباني فقط، يرسله متى شاء، ويرفعه متى شاء.
والصحيح ما ذهب إليه الآخرون منهم ابن حزم وغيره إلى أنه يدخل عموم قوله عليه السلام:" تَدَاوَوا فَإِنَّ الله تَعَالى لَم يَخْلُق دَاءً إلَّا خَلَقَ لَهُ دَوَاءً إلَّا السَّام"، والسَّامُ: الموت".
وقد ناقش مخالفيه بنقاش علمي جميل، وحجج مقنعة.
وأما التوقي منه فهو من باب أخذ الحيطة المطلوبة ذلك أنّ الإيمان اعتقاد وقول وعمل، والتوكل الحقيقي ما صاحبه هذه الأركان الثلاثة، الـمُفضية لفرج الله تعالى وسعة رزقه:
1/  كما قال تعالى :{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}[الطلاق].
2/ وخرج الترمذي (2344) عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا».
3/ وأمر الشارعُ كثيرا بالتقوى والوقاية من المهالك الدنيوية والأخروية، وذلك بالامتثال لما به أمر، والكف عما نهى عنه وزجر، ويدخل في ذلك الأمر بالأكل من الطيبات النافعات، والنهي عن تعاطي الخبائث الضارات ...  
4/ ومن ذلك أمر الله بأخْذ الحيطة والحذَر كثيرا: كما قال الله تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء 71]، وقال أيضا في نفس السورة: { وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102}.
5/ ومن صُور ذلك أمْر الله بالعلاج والتداوي والاكتشاف: فهذا نبيه الكريم قال لأمته " يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء " ...  
ومرت بعض الأدلة، وقد ذكرت طرق ذلك وكيفية الرقى والعلاج النبوي في كتابي :" رقاةُ الصحابة والتابعين، وكيفية الرقى والنّشر، والتعليق للذكر الحكيم ".
وفي كل هذا وغيره حرصٌ نبوي على تعلم علوم الطب والتداوي، وأنه لا يوجد مرض مزمن أو مُعجِز، إلا أن الناس لا يعرفون الدواء، فما عليهم إذًا إلا الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى.
ألا ترى انه قال لرجل من أمته عن ناقته :" اعقلها وتوكل "، وما ذاك إلا لأن الأخذ بالحذر والحيطة أمران مطلوبان، مع أنهما لا يلزمان الوقوع في مهلكة أو شرّ قدر، لأن القدر إذا جاء عمي البصر وحال دون النظر فوقع القضاءُ والقدَر، كما في الحديث الجامع لسيد البشر :" قد ينفع الحذر ما لم يبلغ القدر , فإذا بلغ القدر لم ينفع الحذر , وحال القدر دون النظر».
فيا له من حديث عظيم، ومعنى عميم، فالوقاية والحذر مطلوبان ونافعان جدا، وكمْ هذا مجرب، ولكم نفعني الله بالحذر في السياقة مثلا في اجتناب المخاطر، وهذا أمر يعرفه كل مجرب،!.
ومع ذلك إذا نزل القدر، عمِي البصر، فقد يكون الإنسان وقائيا كأَنْ يسوقَ بحذر، فيأتيه القدر من شخص متهور فيصطدم به، وقد يحتاط إنسان من العدوى، فيأتيه أقرب الناس إليه فيعديه:
وأما إسناد هذا الحديث فقد ورد من طرق كثيرة إليك بيانها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية: تخريج حديث:" لا يغني حذر من قدر":
حديث أول: حديث أبي هريرة:
قال البزار وحدثنا الجراح قال: حدثنا محمد بن موسى، قال: حدثنا إبراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينفع حذر من قدر، والدعاء ينفع مالم ينزل القضاء، وإن البلاء والدعاء ليلتقيان بين السماء والأرض فيعتلجان إلى يوم القيامة"،
الجراح هو ابن مخلد، ومحمد بن موسى هو الجريري وقد توبع :
كذلك رواه العباس بن الهيثم أنبا إبراهيم بن خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن جده عن أبي هريرة مثله "،
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد".
وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد لأن إبراهيم ضعيف وسط، واعجب بقوم يردون قول من اعتبر به، ولا يلتفتون إلا لمن جرحه وتركه، والعبرة بجمع أقوال النقاد، فقد ضعفه قوم وتركه آخرون، وقد صحح الحاكم رواية إبراهيم عن أبي عن جده فقال (2/43) هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد اتفقا على خثيم "، وهذا يعني أنه ليس بمتروك اتفاقا، بل هو ضعيف ضعفا يُعتبَـرُ به، ولذلك قال عنه ابن عدي :" وهو متوسط في الضعفاء، وأحاديثه منها ما يتابع عليه ومنها ما لا يتابع عليه ".
وأما هذا الحديثُ فهو مما يتابع عليه لكثرة شواهده :  
الدليل الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنه:
رواه عنه علي بن أبي طلحة وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ويوسف بن ماهك وعطاء وطاوس:
1/ فأما رواية علي بن أبي طلحة: فقد قال الطبراني في مسند الشاميين 1490 - حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق، ثنا محمد بن مصفى، ثنا بقية حدثني أبو بكر بن أبي مريم ثنا علي بن أبي طلحة القرشي أن نافع بن الأزرق مر بابن عباس وهو يحدث، يقول: كان سليمان بن داود عليه السلام إذا نزل دعي الهدهد فيبحث له عن الأرض , فيدله على الماء. فقال له نافع بن الأزرق: ألا تخاف الله يا ابن عباس؟ الهدهد توضع له الجنة فوق الأرض، فلا يعلم حتى يؤخذ برقبته , وإنك تزعم أنه يخبرهم بما تحت الأرض , فقال ابن عباس: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه:« قد ينفع الحذر ما لم يبلغ القدر , فإذا بلغ القدر لم ينفع الحذر, وحال القدر دون النظر» , ثم قال ابن عباس: أردتَ أن تقولَ: مررتُ بابن عباس , فرددتُ إليه قوله، فلم يجد له مخرجا "،
وفي قوله:" قد ينفع الحذر "، قد هنا للتحقيق والتأكيد، لا للاحتمال، كما في قوله تعالى :" قد سمع الله ...". 
وقد توبع ابن عرق، وبقية صرح بالتحديث كما ترى :
فقال ابن أبي عاصم (239) والفريابي في القدر (426) حدثنا محمد بن مصفى حدثنا بقية حدثني أبو بكر بن أبي مريم عن علي بن أبي طلحة أن نافع بن الأزرق مر بابن عباس وهو يحدث يقول: كان سليمان بن داود إذا ما نزل دعا الهدهد، فبحث الأرض، فدله على الماء، وكانت معرفته إذا كانت الأرض تربد علم أن الماء قريب منها، فأمرهم فحفروا, فاستخرجوا الماء   ...
لفظ ابن أبي عاصم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد ينفع الحذر ما لم يبلغ القدر، فإذا جاء القدر حال دون النظر» .
وليس في هذا الإسناد ما يمكن التعليل به إلا بن أبي مريم فإنه ضعف بسبب الاختلاط، وأما دعوى الانقطاع بين طلحة وابن عباس فقد روى عنه بالوجادة التفسيرَ ونحوه، وهي وجادة حسنة، ولهذا الحديث متابعات وشواهد كثيرة :
2/ وأما رواية عكرمة: فبعد أن خرجه ابن أبي عاصم مرفوعا صراحة كما أوردنا عطف عليه فقال:
(240) ثنا أبي ثنا أبي ثنا شبيب عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال له ابن الأزرق: يا أبا عباس إنا لننصب له فخا أدق من قميصي هذا، فيقع فيه. فذكر الحديث"، فكانه مرفوع عنده لأنه ذكره مثله.
وقد ورد من وجه آخر عن عكرمة لكن موقوفا، وله حكم الرفع والله أعلم:
. قال الحاكم (2/440) حدثني علي بن حمشاذ العدل ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان الهدهد يدل سليمان على الماء» . فقلت: وكيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ يلقى عليه التراب؟ فقال: «أهنك الله بهن أبيك، أو لم يكن إذا جاء القضاء ذهب البصر »، وهذا حديث صحيح موقوف له حكم الرفع، وقد مر رفعه صراحة كما مر فصح الحديث وله متابعات جياد أخرى.
. وخرجه ابن أبي حاتم وأحمد في السنة (900) عن أسامة بن زيد عن عكرمة قال: سئل ابن عباس، كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟، قال: " إن سليمان صلوات الله عليه، نزل منزلا فلم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد مهندسا، قال: فأراد أن يسأله عن الماء ففقده، قلت: وكيف يكون مهندسا والصبي ينصب له الحبالة فيصيده، قال: إذا جاء القدر حال دون البصر "
3/ وأما رواية ابن جبير : فقال الحاكم أخبرناه أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا محمد بن عبد السلام ثنا إسحاق أنبأ أبو معاوية ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {لأعذبنه عذابا شديدا} [النمل: 21] قال: «أنتف ريشه» . قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان سليمان بن داود يوضع له ست مائة ألف كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس حتى يجلسوا مما يليه، ثم يجيء أشراف الجن حتى يجلسوا مما يلي الإنس، ثم يدعو الطير فيظلهم، ثم يدعو الريح فتحملهم، فيسير في الغداة الواحدة مسيرة شهر فبينما هو يسير في فلاة إذ احتاج إلى الماء فجاء الهدهد فجعل ينقر الأرض فأصاب موضع الماء، فجاءت الشياطين فسلخت ذلك الموضع كما تسلخ الإهاب فأصابوا الماء» فقال نافع بن الأزرق: يا وقاف، أرأيت الهدهد كيف يجيء فينقر الأرض فيصيب موضع الماء، وهو يجيء إلى الفخ وهو يبصره حتى يقع في عنقه؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: «إن القدر إذا جاء حال دون البصر» ، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي .
4/ وأما رواية مجاهد: فقال ابن أبي حاتم في التفسير حدثنا أبي ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ثنا وهيب أنبأ ابن خثيم عن مجاهد عن ابن عباس، قال: " أتدرون كيف تفقد سليمان الهدهد؟ كان سليمان إذا كان في فلاة الأرض دعا الهدهد، فقال نافع بن الأزرق، يا ابن عباس، فإن الصبيان يأخذون الخيط فيدفنونه فيجئ الهدهد فيدخل رقبته فيه فيأخذونه فقال: ويحك يا نافع، ألم تعلم أنه إذا جاء القدر ذهب الحذر".
ومما قد يبين أن له حكم الرفع أن المنكِر عليه خارجي، وابن عباس يؤكد له ذلك كما مضى، وسيأتي:
5/ رواية ابن ماهك: خرجها ابن أبي حاتم عن سعيد بن بشير عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن يوسف بن ماهك أنه حدثهم أن ابن الأزرق يعني نافعا صاحب الأزارقة كان يأتي عبد الله بن عباس، فإذا أفتى ابن عباس فيرى هو أنه ليس بمستقيم، يقول له قف من أين أفتيت بكذا وكذا؟ ومن أين كان؟ فيقول ابن عباس، أوقاتا من كذا وكذا حتى ذكر يوما الهدهد فقال: قف كيف تزعم أن الهدهد يرى ماسفة الماء من تحت الأرض، وقد يذر على الفخ التراب فيصطاد؟ فقال ابن عباس، " لولا أن يذهب هذا فيقول كذا وكذا، فرددت عليه لم أقل له شيئا، إن البصر ينفع ما لم يأت القدر، فإذا جاء القدر حال دون البصر، فقال ابن الأزرق: لا أجادلك بعدها في شيء من كتاب الله، أو قال: في شيء "
ورواه عفان حدثنا أبو عوانة حدثنا أبو بشر عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال: كنا نحدث عن الهدهد, قال: «إن الهدهد يعرف مسافة الماء في الأرض».... وهذا يبين أن له حكم الرفع
6/ وأما رواية طاوس: فقال الحاكم (2/380) ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا حامد بن محمود ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ثنا حنظلة عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر» هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وقد وقفه إسحاق الرازي ورفعه بكر بن خنيس:
فقال ابن مندة ثنا أحمد بن إسماعيل العسكري بمصر قال ثنا الربيع بن سليمان وبحر بن نصر قالا ثنا أسد بن موسى ثنا بكر بن خنيس عن حنظلة بن أبي سفيان المكي عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجز والكيس بقدر ولا يغني الحذر من القدر والدعاء يدفع القدر "، خرجه عنه ابن عساكر في معجم شيوخه (1/108) وقال:" أوله صحيح وآخره غريب"، وقد تقدم أن آخره مشهور بل متواتر إذ له حكم الرفع .
7/ وخرج الأزرقي (2/178) عن مسلم بن خالد وفيه لين عن ابن جريج قال: قال عطاء: ثم سألت ابن عباس، فقلت: يا أبا عباس، إني توسطت الجمرة، فرميت بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فوالله ما وجدت له مسا فقال ابن عباس: ما من عبد إلا وهو موكل به ملك يمنعه مما لم يقدر عليه، فإذا جاء القدر لم يستطع منعه منه، والله ما قبل الله من امرئ حجة إلا رفع حصاه ".
8/ وخرج الطبري في تفسيره للآية التالية : من طريقين عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس:(له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فإذا جاء القدر خَلَّوا عنه ".
وللحديث شواهد كثيرة مرفوعة صراحة تبين أن له حكم الرفع:
الحديث الثالث: عائشة أم المؤمنين: له أربعة طرق:
1/ طريق عطاف بن خالد وهو ثقة:
قال الحاكم (1/669) خبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأنا أبو مسلم ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا زكريا بن منظور شيخ من الأنصار: أخبرني عطاف بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "، توبع شيخ الحاكم:
فقال الطبراني في الدعاء 33 - حدثنا أبو مسلم الكشي ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ثنا زكريا بن منظور الأنصاري ثنا عطاف الشامي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء والبلاء ليعتلجان إلى يوم القيامة»، وقد توبع أبو مسلم الكشي على ثقته:
فقال القضاعي : 861 - نا هبة الله بن إبراهيم الخولاني نا ابن بندار نا مكحول نا أحمد بن سليمان الرهاوي نا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي وعباد بن موسى قالا: نا زكريا بن منظور عن عطاف بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينفع حذر من قدر، والدعاء ينفع من القدر، وإن الدعاء ليتلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة»،
وقال القضاعي 859 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي، أبنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، قال: ثنا بعض أصحابنا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم الترجماني ثنا زكريا بن منظور عن عطاف بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء ينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة»، وهذا الحديث صحيح كما قال الحاكم، إلا أن البعض ضعفه بزكريا ولم يلتفت إلا لقول من تركه، وتعامى عن قول من وثقه، والعبرة بجمع الأقوال، وهو وإن ضعفه الأكثرون، فقد وثقه آخرون كأحمد بن صالح وابن شاهين وهي الرواية المتأخرة عن ابن معين بعد أن تبين له أمره، فقال الدوري: قد سألتك عنه مرة فلم أرك فيه جيد الرأي أو نحو هذا من الكلام فقال: ليس به بأس، وإنما كان فيه شئ زعموا أنه كان طفيليا "، وهذا يعني أنه ضعيف وسط يكتب حديثه، وقد توبع هو وعطاف على حديثهما متابعتين تامتين وثالثة قاصرة :
الطريق الثاني : متابعة عبادة بن عمر  :
. فقال ابن شاهين في الترغيب : 149 - حدثنا عبد الله بن سليمان ثنا سهيل بن الديلمي ثنا الحارث بن أبي الزبير النوفلي ثنا عباية بن عمر المخزومي، أو قال: عبادة، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن ينفع حذر من قدر، وإن الدعاء لينفع مما نزل من السماء، ومما لم ينزل، وإنه ليلقى القضاء المبرم فيعتلجان إلى يوم القيامة»،
ورواه الفريابي عن إسماعيل بن إسحاق ثنا الحارث بن أبي الزبير نا عباية بن عمر الجزري عن هشام عن عروة بن الزبير عن عائشة، والحارث شيخ كما قال أبو حاتم، وعباية المحرزي الله أعلم به، وفي طبقته وبلده عباية بن عبد الله الشامي ربما نسب لجده، وهذا روى عن سالم بن عبد الله ومجاهد قال عنه أبو حاتم: لا بأس به.
الطريق الثالث : متابعة فليح وهو من رجال الصحيح مختلف فيه وفيه لين :
. حدث به الحمامي عن أبي عمرو الدقاق نا أحمد بن عبيد ثنا زكريا ثنا فليح بن سليمان عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليستقبل البلاء في الهواء فيتعاركان إلى يوم القيامة»
وقد توبع هشام بن عروة وأبوه:
الطريق الرابع: رواية القاسم عن عائشة :
قال القضاعي 860 - وأخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي البغدادي الكاتب أبنا أبو بكر عبد الله بن الأشعث أبنا يعقوب بن إسحاق القلوسي ويزيد بن محمد بن المغيرة قالا: ثنا الحكم بن مروان الضرير ثنا محمد بن عبد الله عن أبيه عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينجي حذر من قدر، وإن كان شيء يقطع الرزق فإن التصيح يقطعه، وإن الدعاء ينفع من البلاء» وقد قال الله تعالى في كتابه {إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي} [يونس: 98] قال: «لما دعوا» ".
حديث أو الحديث الثالث : حديث معاذ :
قال القضاعي 862 - وأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الأدفوي أنا أبو الطيب أحمد بن سليمان الجريري نا أبو جعفر الطبري، نا أبو كريب نا قردوس الأشعري نا عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مكحول وشهر بن حوشب عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء لينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء»، وكأنه مكحول عن شهر لأنه محفوظ هكذا .
رواه القاسم بن بشر بن معروف حدثنا ابن أبي فديك حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر بن مليكة عن ابن أبي حسين عن مكحول عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء»
وقد توبع ابن أبي مليكة، لكن من غير ذكر مكحول :
قال الطبراني في الدعاء 32 - حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم الدمشقي ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لن ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء عباد الله»
وقال في الكبير 201 - حدثنا أحمد بن ابراهيم القرشي الدمشقي ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا اسماعيل بن عياش ... مثله، واسماعيل اختلط، إلا أن الراوي عن اسماعيل الشامي هنا هو سليمان الدمشقي قبل الاختلاط فقوي الحديث، وبقيت علته في شهر وربما في سماعه من معاذ، وشهر مختلف فيه، فضعفه شعبة وقوم بسبب اتهام ابن عون له بسرقة عيبته، وكذا أخذه خريطة من بيت المال بغير إذن ولي الأمر، وكتبوا فيه شعرا: قد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
ووثقه آخرون وما أظنه بالسارق، واخذ الخريطة غير طاعن في ثقته لأنه كان وكيلا عليها ، وترجمته تحتاج لبحث، وأقل أحواله أن يكون ممن يعتبر به .  
الحديث الرابع : حديث علي  :
قال عبد الله في السنة 877 - حدثني أبي نا بهز بن أسد نا بشر بن المفضل نا داود عن أبي نضرة عن أسير بن جابر قال: طلبت عليا رضي الله عنه في منزله فلم أجده، فنظرت فإذا هو في ناحية المسجد قال: فقلت له كأنه خوفه، قال: فقال: «إنه ليس أحد إلا ومعه ملك يدفع عنه ما لم ينزل القدر، فإذا نزل القدر لم يغن شيئا»
قال: حدثني أبي نا عبد الصمد نا حماد يعني ابن سلمة نا داود يعني ابن أبي هند عن أبي نضرة عن أسير بن جابر ... فذكره، وهذا أثر صحيح ، وله متابعات أخرى:
2/ قال الطبري في تفسيره: حدثني يعقوب حدثنا ابن علية: حدثنا عمارة بن أبي حفصة عن أبي مجلز قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى عليّ رضي الله عنه وهو يصلي، فقال: احترس، فإنّ ناسًا من مراد يريدون قتلك! فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر، فإذا جاء القدَرُ خلَّيا بينه وبينه، وإن الأجل جُنَّةٌ حصينة "، وهذا أثر صحيح، وله متابعات كثيرة :
. قال ابن أبي الدنيا نا عبد الرحمن بن صالح نا عبد الرحيم بن سليمان عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عن عمرو بن حريث قال: مرّ بنا عليّ بصفين وليس معه أحد، فقال له سعيد: أما تخشى أن يقاتلك عدو فإني لا أرى معك أحدا قال :" إن لكل عبد حفظة يحفظونه لا يخر عليه حائط أو يتردى في بئر حتى إذا جاء القدر الذي قدر له خلت عنه الحفظة فأصابه ما شاء الله أن يصيبه "،
قال ابن عساكر (42/551) :" هكذا قال وإنما هو ابن أبي جندب"
ثم خرجه عن أبي داود سليمان بن الأشعث نا عبدة بن عبد الله عن إسرائيل بن أبي إسحاق عن عمرو بن أبي جندب قال :" كنا جلوسا عند سيدنا سعيد بن قيس بصفين إذ جاء أمير المؤمنين متوكئا على عنزة ... فذكر نحوه إلا أن القصة متعددة والكل ثابت، وقد ذكر له ابن عساكر طرقا أخرى .
المسألة الثالثة: في بعض طرق الوقاية والتعقيم القديمة والحديثة:
أما الطرق الحديثة فهي مشهورة، تباع عند الصيدليات وغيرهم أو تُستَحضر في البيت، إضافة إلى الحِمية الطبية والتقليل من بعض الأطعمة، والتركيز على أخرى، لنذكر الآن هنا بعض الطرق التقليدية:
1/ لبس جوهورة الياقوت والتختم بها: قال أرسطو:" من تقلّد بحجر منه، أو خاتماً كان فصه منه، وكان في بلد فيه طاعون أمن من ذلك". ذكره ابن الأكفاني في أحوال الجواهر.
وقال الخوارزمي في الجواهر:" قال حمزة بن الحسن الأصفهاني: والياقوت معربة، فإن الفرس كانوا يلقبونه بسبج أسمور أي دافع الطاعون".
2/ شرب الزعتر والتبخّر ببخار مغلى الزعتر مع اللبان:
لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:" بخروا بيوتكم باللبان والصعتر".
قال ابن مفلح في الآداب:" وَإِنْ بُخِّرَ بِهِمَا نَفَعَ مِنْ الْوَبَاءِ وَطَيَّبَ رَائِحَةَ الْهَوَاءِ".
قال ابن القيم في الزاد (4/352) :" وإن بخر به ماء نفع من الوباء وطيب رائحة الهواء".
3/ تبخير البيت ببعض الثمار والبزور:
قال مرعي عن بعضهم :" وبَزَر القطون (زريعة القطن) ينفع للوباء بخورًا، وإذا بُخِّر به قطع كل رائحة عَفِنة من أي نوع كانت، وبخور [     ] ينفع الوباء بخورًا، ورائحته تقطع العفونة كيف كانت ".
4/ تبخير البيت بأغصان الميعة، وقشور أشجارها، وصمغها أي حليب أغصانها، وعسلها:
والميعة أوراق وقشور شجرة المحلب أو الاصطرك، ومن الناس من يبخرها مع نبات العرعار، وتُطْلِق عسلا يسمونه بماء أو عسل الميعة أو اللبنى، بعضها لها ثمار صغيرة مستديرة، وبعضها لها ثمار يشبه جرثومة التاج (كورونا).
وتُستعمل خاصة عند وباء الطاعون الذي سببه وخز الجن، ومن الناس من يستعملها في السحر والله المستعان:
قال ابن البيطار في الجامع :" التجربيين: رائحة بخورها تقطع رائحة العفونة كيف كانت وتنفع من الوباء".
5/ عصير الرمان، والتبخر بقشوره: قال ابن سينا في الطب (1/667) :" ينفع من الطَّاعُون".
وقال مرعي المقدسي في كتاب" ما يفعله الأطباء والداعون بدفع شر الطاعون" (ص44) :" وعن بعضهم يترك على الفحم في زمن الوباء: قشور الرمَّان والآس، ويرش عليها الخل ".
6/ شرب العصائر الطبيعية، ومنها عصير الليمون والأترج والتبخر بقشرته: (والأترج: من فصيلة الليمون، وقِشرته أكبر منه – من أنواع القارس-):
أما التبخير بالأترج: فقد قال ابن سينا:" قِشْرُ الأترج رائحته تصلح فساد الهواء والوباء "،
وقال ابن البيطار في الجامع:" ورائحة الأُتْرُجِّ تنفع من الوباء، توضع ثمرته في مناقل النار، فيكون دُخَّانُها نافعاً للوباء ".
وأما شرب العصائر: فقد قال السَّمَرْقَنْدي: ويشرب كل غداة حِلابًا من شراب الحماض، أو الأترج، أو النارنج، أو الليمون، أو السفرجل، أو التفاح، أو الرمان الحامض، من أَيِّها حُضِّر عشرة دراهم مع ماء الورد، أو ماء لسان الثور من كُلِّ عشرة دراهم، ويُشَم الوَردُ والكَافُور والصَّنْدَل ".
7/ تناول العصائر والدهون والادهان بها، وغمس إسفنجة في ماء وخل ودهنٍ لتبريد الحمى، ورش البيت بخل وحلتيت وماء:
وقال ابن سينا:" وسمن البقر إذا صُبَّ على الطواعين نفع منها، وشَرَاب الحَصْرَم ينفع من الوباء شربًا ".
الحصرم هو العنب الأخضر الحامض في بداية نضجه، يُصنع منه مع الليمون عصير مفيد، وله فوائد عديدة.
وقال ابن سينا:" فيعالج فِي البدء بِمَا يقبض، ويبرد وبإسفنجة مغموسة فِي مَاء وخل، أَو فِي دهن الْورْد أَو دهن التفاح أَو شَجَرَة المصطكي أَو دهن الآس...".
وقال الشافعي:" لم أَرَ لِلوَبَاء أَنْفَع مِن البَنَفْسَج يُدَّهَن بِه، ويُشْرَب".
وقال الرازي: يرش فِي الْبَيْت خل وحلتيت، وَاجعَل طَعَامك عدساً وقرعاً وماشاً وَنَحْوه فَإِن هَذَا أَمَان من الطَّاعُون ".
8/ شرب الماء البارد: خاصة في الوباء الذي يسبب الحمى، فقد قال عليه السلام:" فأبردوها بالماء"
قال مرعي في" ما يفعله الأطباء" :" قال بعضهم: الماء البارد شربه يمنع الوباء، ويطفئ الحرارة الحادثة عن الوباء ".
وقال الرازي في الحاوي (4/432) عن روفس:" وَإِذا كَانَ فِي الوباء تَجِد للإعياء لهباً وكرباً وحرارة يسيرَة فِي الصَّدْر فَاجْعَلْ على الصَّدْر أَشْيَاء تبرده وَيشْرب دفْعَة مَاء بَارِد كثيرا ليطفئ بذلك الالتهاب وَلَا يتجرعه قَلِيلا قَلِيلا فَإِنَّهُ يهيج الْحَرَارَة وَإِن بردت الْأَطْرَاف وَظَاهر الْبدن فادلك الْبدن ودثره ليجذب الْحَرَارَة إِلَى خَارج"
9/ استنشاق القطران: قال الحميري في شمس العلوم (8/5551) :" وإذا استنشق نفع من الوباء".
10/ تعليق نبات الدرونج: أو العقيربة أو حشيشة العقرب في البيت: وهو نبات له ورق على الأرض يشبه أصل شكله شكل العقرب يضمحل كل سنة منه البعض ويخلف من البعض الباقي.
خواص بن زهر: إذا علق منه قطعة داخل البيت لم يصب من فيه طاعون ".
11/ أكل العدس والخضراوات والفواكه الموسمية: لأن كل فاكهة فَصْلِية، لها وقاء لأمراض ذلك الفصل.
قال مرعي :" وفي كتاب: "التِّبْيَان فِيمَا يُسْتَعْمَل مِنَ الأَغْذِيةِ دَائِمًا أَيَّامَ الطَّاعُون": الخل والعدس والكَثَك، ويأكل القِثَّاء والخيار، وللترياق الأكبر في أيام الطَّاعون والوباء نَفْع عظيم شربًا وطلاء، وبِعُشْرٍ يُدْفَع فَسَادُ الهواء أكلًا وشمًّا على الفطور ". 
12/ استعمال الحبة السوداء أي السونيج، دهنا وشربا وتبخيرا بها: لعموم حديث :" الحبة السوداء دواء لكل داء"، وليس المراد هو العموم المطلق بذاتها، بل شفاءها بأمرين:
أحدهما: بحسن استعمالها بذاتها طبخا أو قليا أو دهنا أو زيتا أو سحقا وذرْوا ...  
والثاني: بحسن ومعرفة ما تُمتزَج به من مواد أو أعشاب أو عسل أو دهن أو عصير أو مكونات أخرى، كما ذكر ابن القيم وغيره ...  
ويقال طِبيا بأن للحبة السوداء علاقة كبيرة بدواء الهيدروكسي كلوروكين الذي سيساهم في الحد من تفشي الجرثومة التاج (كورونا) والله أعلم.

                           وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

تعليقات

  1. هذا رابط لدراسة باحثين أمريكيين بعنوان: هل قوة الصىلاة بوحدها تكفي في وقف وباء كورونا؟
    وأجابت بأن لا، وأن النبي محمد عليه السلام هو أول من اتخذ سبل الوقاية من الأوبئة والحجر الصحي، وطلب العلاج لكل داء، ثم ذكرت عدة أحاديث على الوقاية والحجر الصحي ذكرتها في الكتاب، راجعها على هذا الرابط:
    https://www.newsweek.com/prophet-prayer-muhammad-covid-19-coronavirus-1492798

    ردحذف

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني