البينات، في تلاقي الأرواح وتزاور الأموات، وعرض الأعمال الصالحات. تأليف: الطاهر زياني
البينات، في تلاقي الأرواح وتزاور
الأموات، وعرض الأعمال الصالحات
كتابة:
الطاهر زياني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد
لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فقد
أنكر بعض الناس التقاء الأرواح، ومستقر أرواح المؤمنين السعداء، والكافرين
الأشقياء، وأنكر آخرون عذاب القبر بدعوى أن أهل النار يقولون يوم القيامة :{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا
هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا
مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ
الْمُرْسَلُونَ (52) }[يس].
وقد رددت على المنكرين لمكان ومستقر الأرواح في مبحث موسوم ب :"
الإصباح في مستقر ومكان الأرواح".
ذلك
أن الأرواح تُفتن في قبورها، وتُسأل عن ربها ودينها ونبيها، ثم تنام أرواح المؤمنين
في رياضها، بعد أن ترى مقاعدها، ويُفتح لها من أبواب جنانها، يأتيهم من روحها
ونعيمها، من غير أن يلجوها.
بخلاف
أرواح الأشقياء الملحدين، فهم أثناء الافتتان في حفرة من جحيم، وكتاب في سجين، ثم يصيرون
إلى نومة منهوش لئيم، يُفتح لهم في الأحايين، باب من أبواب العذاب المهين، يُعرضون
على النار مرة بعد مرة.
فأهل
النار يقومون للعرض عليها والفزع، وأهل الجنة يقومون للتعارض والاستخبار عن أحوال
الأحياء.
وفي
هذا البحث الحالي ذكرتُ مسألة تعارف الأموات وتزاورهم وتبليغ الله تعالى إياهم
بأعمال الأحياء عن طريق معارفهم الحديثي الوفاة, وقد قسمته إلى عدة مطالب معتمدا
في التقسيم والترتيب على التعليل وذكر المناسبِ من
الشواهد والمتابعات:
.المطلب
الأول: إثبات نعيم القبر، أو عذابه على الروح:
المطلب
الثاني: متى يعلم الأموات بأخبار الأحياء ومتى لا يعلمون:
المطلب الثالث: ما ورد في عرض الأعمال
على الأموات:
المسألة الأولى: ما ورد في عرض أعمالنا
على نبينا عليه السلام:
المسألة
الثانية: في عرض أعمالنا على معارفنا وأقربائنا من الأموات والتقائنا بهم:
المسألة الثالثة : بعض الأحاديث في
التلاقي التي لا يعتبر بها:
المسألة
الرابعة: بعض الآثار المقطوعة في
التعارف عن التابعين:
المسألة الخامسة:
ما ورد في الأمر بتحسين الأكفان، وزيادة " أن الموتى يتزاورون فيها":
المسألة السادسة:
الأدلة المحتملة بين نفي التلاقي وإثباته وبيان عللها والصواب فيها، وفي إقراء
السلام للأموات :
المطلب الرابع:
طلب الأحياء من المحتظرين، إلقاء السلام على المقبورين، لالتقاء الفرقين في
البرزخ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب
الأول: إثبات نعيم القبر، أو عذابه، على
الروح:
وهي عقيدة
مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة، دل على ذلك المنقول والحس والمعقول:
أما
دليل الحس والمعقول: فقد ذكرت في روايتي :" مقامات
بين القلب والدماغ والروح"، أن ما يجلي العلاقة بين العقل والروح
والجسم، هو الموت أو النوم، والنوم أخو الموت كما في الحديث".
فهما أخوان متشابهان، في الأحكام
متقاربان، للبرزخ مُثبتان، والجميع في الأعمال متماثلة، وآية ذلك أمامَكم ماثلة:
تأملوا في قول الله، جل في علاه :{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ
حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا
الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر 42]
فأخبر تعالى بأنّ أرواح الأنام، متوفّاة على كل حال ومقام، إما
في الحقيقة أو المنام، ففي النوم إما أن تنام، أو تُتوَفى هذه الروح، أو تسرح وتروح،
وفي كل ذيْن فهي دائمة الاتصال ببدنها، كاتصال الشمس بأشعّتها، والمصابيح بنورها، فإذا
فَني أجلها، وانقضى عمرها، وقُدّر موتها، توفاها الله وأمسكها عنده، بينما يُرسل أرواح
الأحياء إلى أجسادها حتى تستنفذ أجلها المـُـقدر لها، والنوم أخو الموت كما في الحديث،
والسؤال المطروح :
ما رأيكم؟ ميّت أمامكم، ونائم بجنبكم، فهل تَرَون ما رأَوا أو
يَروا من رؤى أو أحلام ... ؟ وهل تشعرون بما يشعرون ؟.
فسيقول المعارض: كلا وألف لا .
والجواب:
بلى، إلا أنّ الأمر نسبي، نَعم لا نرى ما يريان، لكن قد نشعر
بما يرى النائم، وقد نرى الأثر على بدنه .
فلقد أخبر الإسلام، بأن هذه الروح تتراأى لصاحبها في الرؤى والأحلام،
وتظهر له في المنام، بل ويشعر بوطأتها كل الأنام، فهذا النائم أمامكم يرى بروحه في
منامه من الرؤى السعيدة، أو الأحلام المفزعة والأحوال البعيدة، ما لا يراه من هو بجواره،
في داره، فكذلك الميت يرى بروحه من الملائكة والنعيم، والعذاب والجحيم ما لا يراه غيره
ممن هو بحذائه، قدّام حذائه.
إلا أن الفرق بين ذيْن أنّا قد نسمع أحيانا استغاثات النائم
وصياحه، وربما شيئا من هذيانه وكلامه، وقد نشعر بما يراه من خلال تألّمه، أو فرحه في
نومه، بل قد نرى أثر ذلك على بدنه، بسبب بقاء اتصال روحه بجسمه، بخلاف انفصال روح الميت
عن جثّته، فلا نشعر به.
فالنائمُ يَحصُلُ له في منامِه بروحه إما لذّةٌ أو ألمٌ، يؤثر
ذلك على البدن، حتى إنه ليرى في منامِه أنه يمشي، فيستيقظ وهو في ذلك المكان الذي ذهب
إليه، وقد يرى من يَضْرِبُه أو يقرصه، فيستيقظ والوجَعُ في بدنِه، وأثر القَرص على
جلده، أو يَرى أنه طعِمَ شواءا حنيذا...، فيُصْبِحُ وطَعْمُه في فمِه لذيذا ...،
وهذا أمر واقع موجود، لا يجحده إلا كَنود، وقد أطلت
الاستدلال الحسيّ على ذلك في روايتي وبالله التوفيق.
وأما الأدلة النقلية: فهي متواترة بالمئات، اتفق السلف على مدلولها، لا يُنكرها
إلا كافر، وسنذكر الآن طائفة منها مما ذُكر في القرآن فقط، ردا على من كذَب على
الله وأنكر وجودها في القرآن، وإنما سنذكر من السنن التي فسرت هذه الآيات ، إذ
يُفسر القرآن بالقرآن وبالسنة وبكلام السلف، لا بكلام الملاحدة المبتدعة :
1/ ذلك أن عذاب البرزخ ونعيمه
يبتدئان منذ سكرات الموت كما قال تعالى :{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ
ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) } [ق]، أي تحيد وتهرب وتنكر أهوال
السكرة يا ملحد، فسوف ترى الأهول يوم تموت، وتأتيك ملائكة العذاب أو الرحمة مع ملك
الموت لقبض روحك، وأخذها من طرف ملائكة العذاب أو الرحمة.
2/ فأما الكفار: فتتنزل عليهم
ملائكة العذاب: قال البخاري في الصحيح: باب ما جاء في عذاب القبر، وقال
تعالى :{
وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ، وَالْمَلَائِكَةُ
بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ
عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) } [الأنعام]
3/ وقال أيضا في الكفار :{ولوْ
تَرَى إذْ يتَوَفَّى الذينَ كَفَروا المَلائكَة يَضْربونَ وجوهَهم وأدبَارَهم
وذوقوا عذَابَ الحَريق} [الأنفال: 50]
4/ وأما السعداء: فقد قال الله فيهم :{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا
تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)}[فصلت]، وهذه الآية شاملة
للحظات الموت، وحين البعث، وهي في الاحتضار أظهر بدليل قوله تعالى :" أَلَّا
تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا "، أي لا تخافوا مما هو آت من أهوال الموت، ولا
تحزنوا على ما تركتم من ذرية، فإن الله سيكفلهم ، هكذا فسرها السلف.
5/ روى التابعي: محمد بن كعب القرظي قال: إذا استنقعت نفس المؤمن جاءه ملك
الموت عليه السلام، فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام "،
ثم نزع بهذه الآية:
{الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة} [النحل:
32]
6. وقد فسر ذلك كله: الحديث الصحيح الذي سيأتي وفيه :" فإن الرجل المؤمن إذا كان في
انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن على
وجوههم الشمس، معهم حنوط من حنوط الجنة، وكفن من كفن الجنة، حتى يجلس عند رأسه
فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ....
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل
إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم
يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله
وغضب، قال: فتتفرق في جسدها فينتزعونها ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من
الصوف المبلول فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح، قال: ويخرج منها كأنتن جيفة
وجدت على ظهر الأرض، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح
الخبيثة ..."،
7/ ثم إن الملائكة ترتفع بروح العبد إلى السماوات، فتُفتح أبوابها
للمؤمنين، وتغلق على الكافرين، لبُردوا إلى سجين، حيث ينامون فيه نومة المنهوش
المهين، ويقومون مرة بعد مرة للعرض على الجحيم :
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا
لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ }
قال الطبري: "لا تفتح لهم"، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب
السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل ..".
8/ ثم خرج هو وغيره الحديث المُفسر المشهور عن الأعمش عن المنهال عن زاذان
عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبضَ روح الفاجر، وأنه يصعد بها
إلى السماء، قال:" فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملإ من الملائكة إلا
قالوا:"ما هذا الروح الخبيث" ؟ فيقولون:"فلان"، بأقبح أسمائه
التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح
له. ثم قرأ رسول الله:(لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل
في سم الخياط)، قال: " فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين، في
الأرض السفلى، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم
تارة أخرى. فيطرح طرحا ..".
وخرج عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجلَ الصالحَ قالوا:" أُخرجي أيتها النفس
الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري برَوْح وريحان، وربّ غير غضبان"،
قال: فيقولون ذلك حتى يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال:"من
هذا"؟ فيقولون: "فلان". فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد
الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان"، فيقال لها حتى
تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجلَ السَّوْءَ قال:"اخرجي
أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق،
وآخر من شكله أزواج"، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح
لها، فيقال:"من هذا"؟ فيقولون:"فلان". فيقولون:"لا مرحبًا
بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب
السماء"، فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر ".
ثم ذكرت الأحاديث سؤال الملكين، وتعذيبهما للمشركين .. كما سيأتي.
9/ قال تعالى :{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ
الْمَقَابِرَ (2) كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) ...}
[التكاثر]
قال الإمام الطبري في تفسيره :" وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب
القبر، ... وبنحو الذي قلنا في ذلك قال
أهل التأويل.
ثم خرج عن عليّ رضي الله عنه قال: نزلت( أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) في
عذاب القبر".
وتكرار الوعيد فيه احتمالان صحيحان:
أن يكون المراد منه التأكيد: والمراد المبالغة في التغليظ والتخويف.
أو يُراد منه التأسيس: أي: {كلا سوف تعلمون} ما في القبر من عذاب، {ثم كلا
سوف تعلمون} ما في القيامة من أهوال...
قال القرطبي في التذكرة بأحوال المتوتى :" وقال
ابن عباس فس قوله تعالى: {كلا سوف تعلمون} ما ينزل فيكم من العذاب في القبر {ثم
كلا سوف تعلمون} : في الآخرة إذا حل بكم العذاب"، قال: فالأول في القبر،
والثاني في الآخرة فالتكرير للحالتين".
10/ قال البخاري في الصحيح: باب ما جاء في عذاب القبر: وقوله جل ذِكْره:
{سنعذبهم مرتين، ثم يردون إلى عذاب عظيم} [التوبة: 101]،
فالمرة الأولى في الدنيا، والثانية في البرزخ، ثم العذاب الأكبر في الآخرة.
قَالَ الإمام أبو حنيفَة في الفقه الأبسط (137)
:" من قَالَ لَا أعرف عَذَاب الْقَبْر فَهُوَ من الْجَهْمِية الهالكة، لِأَنَّهُ انكر
قَوْله تَعَالَى {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} يَعْنِي عَذَاب الْقَبْر ".
11/ قال الله: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ
يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ
يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47} [الطور].
فتوعدهم الله بيوم الصعق الأكبر، وبالعذاب الذي دون عذاب الآخرة، وهو عذاب
القبر كما نقل الطبري وغيره عن جماعة من السلف.
وهو قول البراء وعلي وابن عباس رضي الله عنهم.
وقَالَ الإمام أبو حنيفَة في الفقه الأبسط (137) :" وَقَوله تَعَالَى {وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا
دون ذَلِك} يَعْنِي فِي الْقَبْ، فَإِن قَالَ أُؤْمِن بِالْآيَةِ وَلَا أُؤْمِن
بتأويلها وتفسيرها، قَالَ: هُوَ كَافِر لِأَن من الْقُرْآن مَا هُوَ تَنْزِيله
تَأْوِيله فَإِن جحد بهَا فقد كفر ".
وقال الإمام القرطبي المالكي في التذكرة: هو:
عذاب القبر لأن الله ذكره عقب قوله {فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون} وهذا
اليوم هو اليوم الآخر من أيام الدنيا، فدل على أن العذاب الذي هم فيه هو عذاب
القبر وكذلك قال: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} لأنه غيب".
12/ وقال الله : {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ
العَذَابِ الأدْنَى دُونَ العَذَابِ الأكْبَرِ لعلهم يرجعون}
قيل العذاب الأدنى هو مصائب الدنيا وعقوباتها وهو
الأشهر كما قال ابن مسعود وأبيّ، وقيل هو عذاب البرزخ كما قال ابن عباس والبراء .
قال ابن القيم في الروح :" وَقد احْتج بِهَذِهِ
الْآيَة جمَاعَة مِنْهُم عبد الله بن عَبَّاس على عَذَاب الْقَبْر، وَفِي
الِاحْتِجَاج بهَا شَيْء، لِأَن هَذَا عَذَاب فِي الدُّنْيَا يستدعى بِهِ رجوعهم
عَن الْكفْر، وَلم يكن هَذَا مَا يخفي على حبر الْأمة وترجمان الْقُرْآن، لَكِن من
فقهه فِي الْقُرْآن ودقة فهمه فِيهِ فَهِم مِنْهَا عَذَاب الْقَبْر، فانه
سُبْحَانَهُ أخبر أَن لَهُ فيهم عذابين أدنى وأكبر، فَأخْبر أَنه يذيقهم بعض
الْأَدْنَى ليرجعوا، فَدلَّ على أَنه بقى لَهُم من الْأَدْنَى بَقِيَّة يُعَذبُونَ
بهَا بعد عَذَاب الدُّنْيَا ".
13/ وأما ما استدل به المنكرون من مرقد الأرواح في البرزخ، ثم قيامهم من
النوم وقولهم: { يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا }، فهو صحيح أيضا، ذلك أن عذاب
القبر غير مستمرّ، فأهل النار يُعذبون في أول الأمر من طرف الملكيْن السائليْن كما
في الأحاديث ، ثم يُفتنون في قبورهم عدّة أيام كما ذكرت في مبحث الإطعام عن أموات
أهل الإسلام.
قال
طاوس :" إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً فكانوا يستحبون أن يُطعمَ عنهم تلك
الأيام".
ونقل ابن حجر الإجماع
على ذلك كما في الفتاوى الكبرى لما سئل بِمَا لَفْظُهُ: مَا قِيلَ إنَّ الْمَوْتَى
يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ أَيْ يُسْأَلُونَ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ
الْعُلَمَاءُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ :"
نَعَمْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيل ...".
وصح عَنْ
عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ: يُفْتَن رَجُلَانِ مُؤْمِن وَمُنَافِق فَأَمَّا
الْمُؤْمِن فَيُفْتَن سَبْعًا وَأَمَّا الْمُنَافِق فَيُفْتَن أَرْبَعِينَ
صَبَاحًا ".
وعن مجاهد
:" الأرواح على القبور سبعة أيام".
14/ ثم إن أهل النار بعد ذلك يرقُدون رقدة المنهوش كما في حديث أبي هريرة الذي
سيأتي :" ... ثم يقال له: نم كما ينام
المنهوش"، قلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي تنهشه الدواب والحيات ثم
يضيق عليه قبره ".
15/ ثم يقومون مرة بعد مرة لأجل العرض على العذاب، وتُرى لهم مقاعدهم من النار
وهم في حُفرهم، ويُخوَّفون منها مرة بعد مرة، ثم يرقد الجميع بين النفختين، ثم
يقومون للحساب، ويقول الكفار: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} كما سيأتي.
أما تعذيب الكفار بالعرض على النار مرة بعد مرة فلا يُنكره مسلم:
16/ قال البخاري في الصحيح: باب ما جاء في عذاب القبر، وقال
تعالى :{
وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا
غُدُوًّا وَعَشِيًّا، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ
أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}[ غافر]
ففرّق تعالى بيْن العرض المقرون بعذاب البرزخ الحالي، وبين الدخول
المقرون بعذاب قيام الساعة المآلي، فأخبر بأن العَرص على النار هو الجزاء الأول
الحالي، وأن دخول النار هو الجزاء الأخروي.
وكلمة "
النارُ"، بدل من كلمة :" سوءُ"، بمعنى أن هذا العرض نوع من العذاب،
فأخبر بأن أرواح الكفار وآل فرعون تُعرض على النار بكرة وعشيا، وبهذا فسرها السلف الطيب وأهل
التفسير كالطبري والجصاص والدينوري وغيرهم من السلف، فمن ذا يترك سبيلهم، ويلتفت
إلى غيرهم إلا كل خاسر مأبون، متهم غير مأمون.
17/ وفي الباب أدلة كثيرة متواترة ذكرنا
بعضها في مبحث "الإصباح في مستقر الأرواح"، وأخرى متواترة ذكرها أهل
الصحاح والسنن، وسنذكر منها هنا ما يتعلق بمقصود البحث فقط من أدلة على تلاقي
الأرواح في البرزخ، حيث تواترت الأحاديث بأن أرواح أهل الجنة تتلاقى في البرزخ، فيوقظ
الله تعالى أرواح قدامى الأموات، حتى يلتقون بأقاربهم وأحبابهم الحديثي الوفاة، فيسألهم
القدامى عن أحوال أهليهم وأزواجهم وأعمالهم ...، فإن أخبروهم بأنهم قد ماتوا قبلهم
عرفوا بأنهم قد دخلوا إلى النار ، إذ لم يلتقوا معهم في رياض الجنة، كما سيأتي في
هذا البحث:
المطلب
الثاني: متى يعلم الأموات بأخبار الأحياء ومتى لا يعلمون:
إن الأصل
العام في هذا الباب أن الأموات لا يعلمون الغيب، ولا عن عالم الأحياء شيئا، خاصة
بعد الدفن بمدة :
كما قال
تعالى:{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ
الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80)}
[النمل].
لكن
صحت الأحاديث بأن حديثي الوفاة: أرواحهم أمام أجسادهم، يعرفون أجسادهم ومن حولهم،
ويستأنسون بدعائهم وقراءتهم ويسمعون صوت نعال من دفنوهم ....
فقد صح من
حديث أبي سعيد
الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا وضعت الجنازة، فاحتملها
الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني. وإن كانت غير صالحة قالت: يا
ويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق
".
...
وروى سعيد بن عمرو بن سليم قال : سمعت رجلا منا يقال له : معاوية أو
ابن معاوية عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الميت يعرف
من يغسله ويحمله ويكفنه ومن يدليه في حفرته ».
وصح
أنه عليه السلام قد نادى أهل القليب ببدر، يا فلان ... وقال لأصحابه:" ما
أنتم بأسمع منهم إلا أنهم لا يستطيعون أن يجيبوا ".
وصح عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد إذا وضع في
قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه لَيَسمع خفق نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه ...".
وفي صحيح مسلم
121 عن عمرو بن العاص :" ... فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا
حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم
لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ".
أما بعد دفنهم
وانصراف الناس عنهم بمدة، وبدإ حسابهم من الملَكيْن ينقطع سمعهم ومعرفتهم بأحوال
الأحياء، إلا في بعض الأحوال، منها:
وفاة بعض أهله
وأحبته فيقيمه الله للقائهم، ثم يعودون للوفاة والنوم حتى تقوم الساعة، فتمر عليهم
المدة حتى قيام الساعة كرَقْدَة أو صلاة ظهر أو عصر كما في الأحاديث:
1. منها
الحديث المشهور عن الأعمش عن
المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار،
فانتهينا إلى القبر، قال: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله ....
فيقول المؤمن: رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي
ومالي " قال سليمان
الأعمش: وحدثني أبو صالح عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: أنه قال: يقال له: «نم، فينام
ألذ نومة نامها نائم قط حتى توقظه الساعة».،
وكأن الصحابيَّ أبو هريرة:
2. رواه عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، واختلف عنه في
التابعي كما سيأتي:
والصحيح
ما رواه يزيد بن زريع وبشر: نا عبد
الرحمن بن إسحاق المدني من قريش عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا قبر أحدكم أو إنسان أتاه ملكان أزرقان
أسودان يقال لأحدهما المنكر والأخير النكير فيقولان له ما تقول في هذا الرجل يعني
محمدا فهو قائل ما كان يقول فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله
إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيفسح له في
قبره سبعين ذراعا في سبعين ذراعا وينور له فيه ويقولان له نم نومة العروس الذي لا
يوقظه إلا أحب أهله إليه، فيقول: دعني أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: لا، نم
نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، فلا يزالون كذلك حتى يبعثه الله من
مضجعه ذلك "،
3. وله متابعات من حديث حمد بن عمرو بن علقمة .... قال: وقال أبو الحكم عن
أبي هريرة فيقال له: «أرقده رقدة العروس الذي لا يوقظه إلا أعز أهله إليه، أو أحب
أهله إليه».
واختلف عنه
كما سنبين.
4. وسيأتي ما رواه يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، فَيَودُّ لو خرجت - يعني نفسه- والله يحب لقاءه,
وإن المؤمن يُصعد بروحه إلى
السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين
فتستخبره عن معارفهم من أهل الأرض, فإذا قال: تركت فلانا في الأرض أعجبهم ذلك, وإذا قال:
إن فلانا قد مات قالوا: ما جيء به إلينا! وإن المؤمن يجلس في قبره فيسأل: من ربك؟
فيقول: ربي الله عز وجل,
ويسأل: من نبيك؟ فيقول: محمد
-صلى الله عليه وسلم- نبيي فيقال: ماذا دينك؟ قال: ديني الإسلام, فيفتح له باب في
قبره فيقول أو يقال: انظر إلى مجلسك ثم يرى القبر فكأنما كانت رقدة. وإذا
كان عدوا لله نزل به الموت وعاين ما عاين فإنه لا يحب أن تخرج روحه أبدا والله
يبغض لقاءه, فإذا جلس في قبره أو أجلس فيقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري فيقال: لا
دريت, فيفتح له باب إلى جهنم ثم يضرب ضربة تسمعها كل دابة إلا الثقلين, ثم يقال
له: نم كما ينام المنهوش" قلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي تنهشه
الدواب والحيات ثم يضيق عليه قبره ".
وفيه دليل على أن عذاب القبر ليس مستمرا على الأشقياء، بل يُعذبون مرة بعد
مرة، وينامون نومة لكن سيئة حتى تقوم الساعة كما قال تعالى :{
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ
يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا
وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) }[يس].
وبهذا
نعلم أن الأموات بعد دفنهم وحسابهم تنقطع علاقتهم بالعالم الخارجي، حيث ينامون حتى
تقوم الساعة، وإنما قد يعلمون شيئا من أحوال الأحياء وأقاربهم بإعلام الله تعالى
لهم إياها، بواسطة حديثي الوفاة من أقاربهم ومعارفهم وتبليغهم بما يفعلون كما مر
في بعض الروايات, وسنعرض الآن أبرز أدلة عرض الأعمال والتقاء الأرواح ومساءلة
بعضهم بعضا عن أحوال المعارف من الأحياء في المطالب التالية :
المطلب الثالث: ما ورد في عرض
الأعمال على الأموات:
المسألة الأولى: ما ورد في
عرض أعمالنا على نبينا عليه السلام:
الدليل الأول: قال الله تعالى: {
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} [التوبة]، وفي هذه الآية عرض الله تعالى
لأعمالنا على نبينا عليه السلام وعلى المؤمنين.
الدليل الثاني: فيه عرض الأعمال والصلاة على النبي عليه السلام:
قال الإمام أحمد (4/8) حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس الثقفي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:" من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه
الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا: يا رسول الله وكيف
تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء",
صححه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والذهبي والنووي في الأذكار
والأرناؤوط,
الدليل الثالث: قال ابن ماجه1637 حدثنا عمرو بن سواد المصري حدثنا عبد الله بن وهب عن
عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده
الملائكة وإن أحدا لا يصلي علي فيه إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها قال: قلت وبعد
الموت ؟ قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق",
قال البوصيري: هذا الحديث صحيح إلا أنه منقطع في موضعين..",
الدليل الرابع: رواه حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول الشامي عن أبي أمامة قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا عليَّ من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة
أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة",
الدليل الخامس: قال البزار 1925 ثنا يوسف بن موسى نا عبد
المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد
الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خير لكم تحدثون ونحدث لكم ووفاتي
خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله
لكم",
هذا حديث حسن، قال الهيثمي:" رجاله رجال الصحيح"، وله شاهد مرسل:
دليل سادس: قال
الحارث 953 حدثنا الحسن بن قتيبة ثنا
جسر بن فرقد عن بكر بن عبد الله المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حياتي
خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تُعرضُ علي أعمالكم، فما كان من حسن حمدت
الله عليه، وما كان من سيء استغفرت الله لكم", توبع جسر:
فقال الجهضمي في فضائل الصلاة
على النبي: حدثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد قال ثنا غالب القطان عن بكر بن عبد
الله المزني فذكره.
دليل سابع: خرجه
محمد المخلّص حدثنا يحيى: حدثنا يحيى بنُ خذامٍ حدثنا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زيادٍ
أبوسلمةَ الأنصاريُّ: حدثنا مالكُ بنُ دينار عن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم : «حَياتي خيرٌ لكم - ثلاثَ مراتٍ - ووَفاتي خيرٌ لكم»
ثلاثَ مراتٍ، فسكتَ القومُ، فقالَ عمرُ بنُ الخطابِ: بأَبي أنتَ وأُمي، كيفَ يكونُ
هذا؟ قلتَ: حَياتي خيرٌ لكم ثلاثَ مراتٍ، ثم قلتَ: مَوتي خيرٌ لكم ثلاثَ مراتٍ،
قالَ: «حَياتي خيرٌ لكم: ينزلُ عليَّ الوحيُّ مِن السماءِ فأُخبرُكم بما يَحِلُّ
لكم وما يَحْرُمُ عليكم، ومَوتي خيرٌ لكم: تُعْرَضُ عليَّ أَعمالُكم كلَّ خميسٍ،
فما كانَ مِن حسنٍ حمدتُّ اللهَ عليهِ، وما كانَ مِن ذنبٍ استَوهبتُ لكم ذُنوبَكم »،
آفته الأنصاري.
المسألة الثانية: في عرض أعمالنا على معارفنا وأقربائنا من الأموات والتقائنا
بهم:
والأحاديث في ذلك كثيرة مر
بعضها، ومنها أحاديث صحيحة وحسنة وأخرى ساقطة:
الدليل الأول: قال الله تعالى:{
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} [التوبة]، وفي هذه الآية عرض الله
تعالى لأعمالنا على نبينا عليه السلام وعلى المؤمنين.
الدليل الثاني: قال
تعالى :{
يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) } [الفجر]، قيل هذا الخطاب يوم القيامة
يأمر الله الأرواح الطيبة بأن تدخل في أجساد العباد، ثم تدخل إلى الجنة، وقبل هو
خطاب أثناء خروج الروح، يأمرها الله أن تخرج لتدخل مع أرواح المؤمنين وتلتقي بهم
في جنان البرزخ، ثم تدخل الجنة يوم القيامة.
دليل ثالث: حديث أنس:
1.
خرجه أحمد (3/164) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عمن سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي صلى
الله عليه وسلم: " إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان
خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك، قالوا: اللهم لا تُمتْهم، حتى تهديهم كما
هديتنا ".
رجاله
ثقات، غير المبهم كنت أظنه ثابت الثقة، ثم تبين أنه أبان الضعيف المتروك:
2. فنقل القرطبي في التذكرة عن الحكيم الترمذي قال في نوادر الأصول: حدثنا أبي قال حدثنا قبيصة عن سفيان
عن أبان بن أبي عياش عن أنس قال مثله.
3.
وقال ابن طاهر في تاريخه: وروى أبان عن عباس عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكره,
الدليل الثالث: وورد صحيحا عن أنس من وجه آخر:
2. ذكره ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم (2/184)
قال:" قال أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه: حدثنا عبد الله بن خالد بن محمد
بن رستم حدثنا محمد بن طاهر بن أبي الدميك ثنا إبراهيم بن زياد ثنا عباد بن عباد
حدثنا روح بن المسيب أنه سمع ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إذا مات المؤمن يسألونه ماذا فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فإن
كان مات ولم يأتهم، قالوا: خولف به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية،
حتى يقولوا: ما فعل فلان؟ هل تزوج؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فيقولون: دعوه يستريح
فقد خرج من مركب".
وهذا حديث صحيح كل رجاله ثقات، وله شواهد:
دليل أو الدليل الثالث: النعمان:
خرجه الحاكم (4 / 307) وأبو بكر بن أبي الدنيا في المنامات(1) من طريق أبي
إسماعيل السكوني قال: سمعت مالك بن أدى يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول وهو على المنبر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ألا
إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها، فالله الله في إخوانكم من أهل القبور
فإن أعمالكم تعرض عليهم",
قال الحاكم:« هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه", وقال الذهبي: فيه مجهولان",
هما السكوني يحيى بن
صالح ومالك .
وقال العراقي في تخريج
الإحياء: ورواه بكماله الأزدي في الضعفاء
وقال: لا يصح إسناده, وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل بكماله في ترجمة أبي إسماعيل
السكوني رواية عن مالك بن أدي ونقل عن أبيه أن كلا منهما مجهول",
الدليل الرابع : أبو الدرداء:
قال ابن المبارك في
الزهد: أنا صفوان بن عمرو ثني عبد الله بن جبير بن نفير أن أبا الدرداء كان يقول:«
إن أعمالكم تعرض على موتاكم، فيسرون ويساءون» قال: يقول أبو الدرداء: اللهم إني أعوذ
بك من أن أعمل عملا يخزى به عبد الله بن رواحة",
قال الألباني في
الصحيحة: هذا إسناد رجاله ثقات، لكن قول صفوان: حدثني عبد الله بن جبير بن نفير مشكل
لأنني لم أجد في الرواة عبد الله بن جبير بن نفير... فغلب على ظني أن في الإسناد خطأ...على
أنه يحتمل أن يكون الصواب عبد الرحمن بن جبير",
كذا قال وهو الصواب,
لأن القرطبي ذكره في التذكرة عن ابن المبارك عن صفوان عن عبد الرحمن بن جبير به.
وكذلك خرجه ابن أبي
الدنيا في المنامات (4) من طريق ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير به, فصح الحديث.
الدليل الخامس: أحاديث أبي هريرة :
منها الصحيح ومنها الضعيف، ومنها المرفوع، ومنها الموقوف لكن له حكم الرفع:
1. قال أبو بكر ابن أبي الدنيا في المنامات 2 - ثنا أبو سعيد المديني عبد
الله بن شبيب ثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي ثنا فليح بن إسماعيل ثنا محمد بن جعفر
بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبي صالح والمقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : « لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم
من أهل القبور ».
. وقال ابن الجوزي في الثبات عند الممات: أخبرنا اسماعيل بن أحمد قال
أخبرنا محمد بن هبة الله الطبري أخبرنا أبو الحسين بن بشران ثنا ابن صفوان ثنا أبو
بكر بن عبيد القرشي ثنا عبد الله بن شبيب مثله,
وهو طريق ساقط, ابن شبيب واه جدا والحزامي صدوق يخطئ, وفليح بن اسماعيل
مجهول لم يذكره غير ابن حبان في الثقات وقال: يعتبر حديثه من غير رواية شاذان عنه".
2. . رواه عبد
الرحمن بن إسحاق صدوق، واختلف عنه في التابعي:
أ. فخرج الحارث 280 حدثنا أحمد بن يزيد ثنا يزيد بن زريع عن عبد
الرحمن بن إسحاق المدني عن محمد بن كعب
القرظي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قُبِر أحدكم أو قبر الإنسان أتاه
ملكان يقال لأحدهما المنكر وللآخر النكير، فيُجلسانه ثم يقولان له: ما تقول في هذا الرجل
يعنيان النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فهو قائل لهما ما كان يقول في الدنيا، فان كان مؤمنا
قال: هو عبد الله ورسوله،
فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، قال: ثم يأمران الأرض
فتنفسح له سبعين ذراعا في سبعين ذراعا وينور له في قبره ويقولان له:" نم،
فيقول دعوني أرجع الى أهلي فأخبرهم فيقولان له:" نم نومة العروس الذي لا
يوقظه إلا أحب أهله اليه ".
كذا قال أحمد
بن يزيد وخالفه الثقات فجعلوه عن المقبري وهو الصواب:
ب.
فخرجه ابن حبان في صحيحه (3117) وابن أبي عاصم وابن عساكر عن
بشر بن معاذ ومحمد
بن المنهال ومحمد بن أبي بكر والمقدمي وعبيد الله القواريري قالوا: نا يزيد بن
زريع نا عبد الرحمن بن إسحاق المدني من قريش عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا قبر أحدكم أو إنسان أتاه
ملكان أزرقان أسودان يقال لأحدهما المنكر والأخير النكير فيقولان له ما تقول في
هذا الرجل يعني محمدا فهو قائل ما كان يقول فإن كان مؤمنا قال هو عبد الله ورسوله
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول ذلك
فيفسح له في قبره سبعين ذراعا في سبعين ذراعا وينور له فيه ويقولان له نم نومة
العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، فيقول: دعني أرجع إلى أهلي فأخبرهم،
فيقولان: لا، نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، فلا يزالون كذلك
حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك "،
ج.
وكذلك خرجه
اللالكائي والبزار والترمذي وحسنه (1071) من طرق عن بشر بن المفضل عن عبد الرحمن
بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " إذا قبر الميت... ثم يقال له، نم، فيقول: أرجع إلى أهلي
فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ...".
3. كذلك رواه محمد بن عمرو لكن اختلف عنه:
فخرجه الحاكم
(1/535) عن محمد
بن إسحاق الصغاني ثنا سعيد بن عامر ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الميت يسمع خفق نعالهم إذا
ولوا مدبرين، فإن كان مؤمنا ....
أ. قال – محمد -: وقال أبو الحكم عن أبي هريرة
فيقال له: «أرقده رقدة العروس الذي لا يوقظه إلا أعز أهله إليه، أو أحب أهله إليه»
.
. ورواه
البيهقي في عذاب القبر (ص 61) عن عبد الوهاب بن عطاء نا محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إن الميت إذا وضع في قبره
..
ب. قال محمد: وسمعت عمر بن الحكم بن ثوبان قال
:" فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله عز وجل
".
تابعه سعيد بن يحيى اللخمي عن محمد بن عمرو.
تابعهما أبو بكر (3/56) عن يزيد عن محمد عن عمر
بن الحكم وهو تابعي يروي عن أبي هريرة.
. بينما خرجه
الطبري عن يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: "
إن الميت ليسمع خفق نعالهم ...
ج. قال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة عن الحكم بن
ثوبان ثم يقال له: نم، فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ".
4/ ورواه
قسامة عن قتادة وفيه ثلاثة ألفاظ:
أ. فخرجه ابن حبان في الصحيح 3014 عن زيد بن أخزم حدثنا معاذ بن هشام حدثني
أبي عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إن
المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فتقول اخرجي إلى روح الله فتخرج
كأطيب ريح مسك حتى إنهم ليناوله بعضهم بعضا يشمونه حتى يأتون به باب السماء
فيقولون: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل
ذلك حتى يأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائب بغائبهم فيقولون:
ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا فيقول قد مات, أما
أمتكم؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح
فيقولون: اخرجي إلى غضب الله فتخرج كأنتن ريح جيفة فتذهب به إلى باب الأرض".
لم يذكر :" حتى يأتوا به أرواح الكفار".
تابعه بندار
والفلاس عن معاذ:
ظاهر هذه
الرواية أن الروح تصعد إلى السماوات، وأن الأرواح موجودة في أحدها، وقد يحتمل أن
تلتقي الأرواح في رحلة العودة في السماء الدنيا، أو يكون غير مرتب، جمعا بين
الروايات:
فقد صح التقاء الأرواح في السماء الأولى، ثم تكمل رحلتها، وبعد الدفن
والفتنة يرجع إليهم ويخبروهم بما سألوا:
ب. فقد رواه النسائي 1833 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام
حدثني أبي عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية
مرضيا عنك إلى روح الله، وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه
ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي
جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم
عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم
الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا
احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز
وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح،
حتى يأتون به أرواح الكفار ".
تابعه إسحاق عن معاذ.
فذكرا التقاء الصالحين في السماء الدنيا، وذكر أن أرواح الكفار يؤتى بها
إلى باب الأرض وهو الذي تحت السماء الدنيا، ومن هنالك وبعد الحساب والفتنة تنتقل
روحه لأرواح الكفار، وهي في باب الأرض الذي يؤدي للسماء، لأن باب السماء لا يُفتح
لهؤلاء.
ج . ورواه عبد الرزاق أنبأ معمر عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن إذا احتضر أتته ملائكة الرحمة
بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضية عنك إلى روح الله وريحان، ورب غير غضبان،
فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنهم ليناوله بعضهم بعضا يشمونه، حتى يأتوا به باب
السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض؟ فكلما أتوا سماء قالوا
ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين "، قال: «فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا
قدم عليه» . قال: «فيسألونه ما فعل فلان؟» قال: " فيقولون: دعوه حتى يستريح
فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال لهم: أما أتاكم؟ فإنه قد مات ". قال:
«فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية» . قال: " وأما الكافر، فإن ملائكة العذاب
تأتيه فتقول: اخرجي ساخطة مسخوط عليك إلى عذاب الله، وسخطه فيخرج كأنتن ريح جيفة
فينطلقون به إلى باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح كلما أتوا على الأرض قالوا
ذلك حتى يأتوا به أرواح الكفار".
. هكذا رواه رواه معمر مع هشام كلاهما عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي
هريرة به،
د. وخالفهما همام بن يحيى فقال عن قتادة عن أبي الجوزاء عن أبي هريرة به،
خرجه عنه الحاكم وصححه (1/ 505) قال: حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن سنان القزاز ثنا عمرو بن عاصم
الكلابي ثنا همام به.
5/ ورواه أيضا أبو حازم وشك بعضهم في الرفع، وفيه التقاء
الأرواح في السماء:
أ.
قال البزار كما فى كشف الأستار (1/413): حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي ثنا الوليد بن
القاسم حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة أحسبه رفعه قال:" إن
المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين فيود لو خرجت يعني نفسه والله يحب لقاءه،
وإن المؤمن يصعد بروحه الى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فتستخبره عن معارفهم من
أهل الأرض فإذا قال: تركت فلانا في الأرض أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فلانا قد مات،
قالوا: ما جيء به إلينا، وإن المؤمن يجلس في قبره فيسأل من ربك؟ فيقول: ربي
الله عز وجل, ويسأل: من نبيك؟
فيقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- نبيي فيقال: ماذا دينك؟ قال: ديني الإسلام,
فيفتح له باب في قبره فيقول أو يقال: انظر إلى مجلسك ثم يرى القبر فكأنما كانت
رقدة. وإذا كان عدوا لله نزل به الموت وعاين ما عاين فإنه لا يحب أن تخرج روحه
أبدا والله يبغض لقاءه, فإذا جلس في قبره أو أجلس فيقال له: من ربك؟ فيقول: لا
أدري فيقال: لا دريت, فيفتح له باب إلى جهنم ثم يضرب ضربة تسمعها كل دابة إلا
الثقلين, ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش" قلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال:
الذي تنهشه الدواب والحيات ثم يضيق عليه قبره ".
وهذا
خرجه البزار عن القراطيسي، والطبري عن أبي كريب والحسن بن علي الصدائي ثلاثتهم عن الوليد بن القاسم حدثنا
يزيد بن كيسان به.
وخرجه ابن المقرئ 11 - حدثنا محمد بن مسلم بن بحر المعلم الرازي حدثنا أبو سهل موسى بن نصر الرازي حدثنا عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير حدثنا يزيد بن كيسان به.
قال
الهيثمى (3/53): رجاله ثقات خلا سعيد بن بحر القراطيسى فلم أعرفه"، وقد عرفه
الخطيب وغيره ووثقوه، ومع ذلك فقد توبع فصح الحديث مرفوعا بلا شك:
ب.
قال عبد الله في السنة (2/609) حدثني أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الصدائي نا
الوليد بن القاسم عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن حين ينزل به الموت و يعاين ما
يعاين، ود أنها قد خرجت، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء،
فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت
فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك، فإذا قال إن فلانا قد فارق الدنيا، قالوا: ما جيء
بروح ذلك إلينا فذكر الحديث"، وله متابعة أخرى:
ج. وورد موقوفا : قال الطبري في تهذيب الآثار (2/510) من باب ذكْر من قال يسمعون كلام الأحياء ويتكلمون: حدثنا
محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا عوف عن خلاس بن عمرو عن أبي هريرة
قال: «إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم، فإن رأوا خيرا فرحوا به، وإن رأوا
شرا كرهوه، وإنهم يستخبرون الميت إذا أتاهم، من مات بعدهم، حتى إن الرجل يسأل عن
امرأته أتزوجت أم لا؟ وحتى إن الرجل يسأل عن الرجل، فإذا قيل : قد مات قال :
هيهات، ذهب ذاك ، فإن لم يحسوه عندهم، قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به
إلى أمه الهاوية ، فبئس المربية »،
عبد
الرحمان هو البكراوي مختلف في توثيقه، احتج به ابن خزيمة وقال: سمعْت بُنْدَارًا يَقول:
كَان يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ يُجِلّ هَذَا الشَّيْخ، يَعْنِي البكْرَاوي، وهو من جملة
من يُكتب حديثهم، والحديث مرفوع.
قال
ابن حجر في فتح الباري 155/3 ):" إسناده صحيح ".
وفي قوله للكافر :" نم نومة المنهوش
..."، فيه دليل على أن عذاب
القبر ليس مستمرا على الأشقياء، بل يُعذبون مرة بعد مرة، وينامون نومة لكن سيئة
حتى تقوم الساعة كما قال تعالى :{ وَنُفِخَ فِي
الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ
الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) }[يس].
وبهذا نعلم أن الأموات بعد
دفنهم وحسابهم تنقطع علاقتهم بالعالم الخارجي، حيث ينامون حتى تقوم الساعة، وإنما
قد يعلمون شيئا من أحوال الأحياء وأقاربهم بإعلام الله تعالى لهم إياها، بواسطة
حديثي الوفاة من أقاربهم ومعارفهم وتبليغهم بما يفعلون كما مر في بعض الروايات,
وهذه باقيها:
الدليل السادس: أثر أبي أيوب: الصحيح
أنه موقوف له حكم الرفع، ورُوي مرفوعا:
1. فخرجه ابن المبارك في الزهد (149/443): أخبرنا ثور بن يزيد عن
أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري قال: « إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة
من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا ، فيقبلون عليه ليسألوه ، فيقول بعضهم
لبعض : أنظروا أخاكم حتى يستريح ، فإنه كان في كرب ، فيقبلون عليه فيسألونه ما فعل
فلان ؟ ما فعلت فلانة ؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله، قال لهم : إنه
قد هلك، فيقولون : إنا لله وإنا إليه راجعون، ذُهِب به إلى أمه الهاوية ، فبئست
الأم، وبئست المربية، قال: فيعرض عليهم أعمالهم ، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا
، وقالوا : هذه نعمتك على عبدك فأتمها ، وإن رأوا سوءا قالوا : اللهم راجع بعبدك
»،
قال الألباني في الصحيحة (2758) :" وكونه موقوفا
لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبية لا يمكن أن تقال بالرأي، فهو في حكم المرفوع
يقينا ".
وقد توبع ابن المبارك على جلالته:
2. فقال ابن عدي في الكامل (4/312): ثنا أحمد بن عمير
ثنا الهيثم بن مروان ثنا محمد بن عيسى بن سميع عن ثور بن يزيد عن أبي رهم السمعي
عن أبي أيوب نحوه ولم يرفعه ولم يذكر في الإسناد خالد بن معدان".
قلت: محمد بن سميع صدوق دمشقي مات سنة ست ومائتين وكان
مولده سنة أربع عشرة ومائة، وثور شامي أيضا مات سنة خمس وخمسين ومئة، وهو ابن بضع
وستين سنة فيكون معاصرا له جائزا ممكنا لقاؤه على مذهب مسلم فاتصل الحديث،
وبقي الإشكال في سماع ثور من أبي رهم، فإنه غالبا ما
يروي عن خالد بن معدان عنه، وقد مات خالد سنة ثلاث ومئة، ولا أدري سنة وفاة أبي
رهم أحزاب بن أسيد وكلاهما شامي، فإما أن يكون الحديث صحيحا لذاته متصلا إن كان
ثور قد سمع من أبي رهم في الصغر، وإلا كان الحديث منقطعا فيكون حسنا لغيره مع حديث
أبي هريرة، ومتابعة عبد الله بن سلمة التالية المرفوعة:
3. قال ابن القيم في الروح (20) : وذكر معاوية بن يحيى عن عبد الله بن سلمة أن
أبا رهم السمعى حدثه أن أبا أيوب الأنصارى حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكر مثله،
قال العجلي: عبد الله بن سلمة أبو العالية من أصحاب علي
وعبد الله كوفى تابعي من ثقات الكوفيين"، وكان قد تغير لما كبر، وأما معاوية
بن يحيى فهو مستقيم الحديث خاصة بالشام إلا ما روى عنه عيسى بن يونس واسحاق بن
سليمان، ولا أدري من روى عنه هنا، وهذه متابعة قوية لحديث ثور السابق فحسن الحديث
.
3. وقد رُوي مرفوعا صريحا ولم يصح :
خرجه الطبراني في الشاميين 1544 والكبير 3887- عن مسلمة بن علي عن زيد بن
واقد وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة عن أبي رهم عن أبي أيوب
الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن نفس المؤمن إذا قبضت
تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما تلقون البشير من أهل الدنيا , فيقولون: أنظروا
صاحبكم يستريح , فإنه كان في كرب شديد , ثم يسألونه: ما فعل فلان وفلانة؟ هل
تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقولون هيهات قد مات ذاك قبلي , فيقولون
{إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: 156] ذهب به إلى أهل الهاوية , فبئست الأم
وبئست المربية , إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة , فإن كان
خيرا فرحوا واستبشروا , وقالوا: اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته
عليها , ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون: اللهم ألهمه عملا ترضى به عنه وتقربه
إليك "،
مسلمة ضعيف وقد توبع من مثله:
قال أحمد الدينوري في المجالسة نا جعفر بن محمد الصائغ نا سعيد بن سليمان
نا سلام بن سلم نا ثور عن خالد بن معدان عن أبي رهم عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :« تُعرض على الأموات أعمالكم؛ فإن رأوا حسنة
استبشروا، وقالوا: اللهم! هذه نعمتك؛ فأتمها على عبدك، وإذا رأوا سيئة؛ اكتأبوا
وقالوا: اللهم! راجع بعبدك» . قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلا تخزوا موتاكم
بالعمل السيء"، سلام ضعيف.
وخرجه الطبراني في " المعجم الكبير (4 / 154/
3889) ) ثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء
بن زبريق الحمصي ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش: أخبرنا أبي عن ضمضم بن
زرعة عن شريح بن عبيد قال: كان عبد الرحمن بن سلامة يحدث أن أبا رهم حدثهم أن أبا أيوب حدثهم فذكر
مثله مرفوعا.
وهذا إسناد واه، ابن زبريق ومحمد ضعيفان، وعبد الرحمن بن
سلامة لا أدري من هو.
دليل سابع: قال آدم بن أبي إياس في
تفسيره حدثنا المبارك بن فضاله عن الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له ما فعل فلان ما فعل فلان فإذا
قال مات قبلي قالوا ذهب به إلى أمه الهاوية بئست الأم وبئست المربية"، وهذا
حديث مرسل ضعيف الإسناد.
دليل ثامن: حديث عبد الله بن عمرو:
قال ابن المبارك في الزهد (2/42) باب في أرواح المؤمنين:
أنا ابن لهيعة ثني يزيد بن أبي حبيب أن منصور بن أبي منصور حدثه قال: سألت عبد
الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن أرواح المسلمين أين هي حين يموتون ؟ قال:« ما تقولون
أنتم يا أهل العراق ؟ قلت: لا أدري قال: « فإنها في صور طير بيض في ظل العرش،
وأرواح الكافرين في الأرض السابعة ، فإذا مات رجل مؤمن ومر به على المؤمنين وهم في
أندية، ويسألونه عن أصحابهم، فإن قال: قد مات، قالوا: قد سفل به، وإن كان كافرا
هوي به إلى الأرض السافلة فيسألونه عن الرجل، فإن قال: قد مات قالوا: عليّ به»،
وفيه منصور بن أبى منصور، قال عنه العجلى: تابعي ثقة،
وذكره ابن حبان في الثقات، لكن فيهما تساهل في توثيق المجاهيل فقد قال عنه أبو
حاتم: لا يعرف مجهول، وكذا قال الهيثمي والذهبي في الميزان، وحديثه يقبل في
الشواهد والمتابعات ومنها أيضا:
ورواه
ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال:" الجنة معلقة بقرون الشمس
يبشر في كل عام مرة وأرواح المؤمنين في طير كالزرازير يتعارفون منها يرزقون من ثمر
الجنة"، هذا موقوف ذكرته بطرقه في
مبحث مستقر ومكان الأرواح بعد الموت.
وقد
ورد عن ابن لهيعة من وجه آخر:
دليل تاسع: حديث أم هانئ رضي الله عنها: رواه عمرو بن خالد والحسن بن موسى وابن شيب وابن حمير ويحيى بن بكير عن ابن لهيعة ثنا أبو الأسود عن درة بنت معاذ أنها أخبرته عن أم
هانئ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور إذا متنا ويزور بعضنا بعضا؟
قال: يكون النسم طائرا يعلق بالجنة، حتى إذا كان يوم القيامة دخل كل نفس في
جثتها"، خرجه أحمد (6/424) وغيره، وابن لهيعة ضعيف والجواب محتمل.
الدليل العاشر: حديث ابن سلام وسلمان:
1/ قال ابن
أبي الدنيا في المنامات حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن
سعيد بن المسيب قال: التقى عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي فقال أحدهما للآخر : « إن مت
قبلي فالقني فأخبرني ما لقيت من ربك ، وإن مت قبلك لقيتك فأخبرتك ، فقال أحدهما
للآخر : وهل يلقى الأموات الأحياء ؟ قال : نعم ، أرواحهم في الجنة تذهب حيث شاءت ،
قال : فمات فلان فلقيه في المنام فقال : توكل وأبشر ، فلم أر مثل التوكل قط ».
وقد
كان إسماعيل ثقةً، لكنه كان صبيا يلعب عندما سمع من جرير, فقد قال ابن المديني:
كان إسحاق بن إسماعيل معنا عند جرير وكانوا ربما قالوا له: جئنا بتراب, وجرير يقرأ
فيقوم, وذهب إلى أنه لم يضبط وضعفه", لكنه قد توبع من طرف الليث وهو ثقة:
روى
يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
أنه قال: إن سلمان وعبد الله بن سلام التقيا فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي
فأخبرني ماذا لقيت منه، فقال أحدهما لصاحبه: أيلقي الأحياء الأموات ؟ قال: نعم،
أما الموحدون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت،
قال:
فتوفى أحدهما قبل صاحبه فلقيه الحي في المنام فكأنه سأله فقال الميت: توكل و أبشر
فلم أر مثل التوكل قط",
هكذا
رواه الليث وجرير أن الأرواح في الجنة، وكأن هذه الجنة المذكورة هي جنة البرزخ
والقبر،لا الخلد،
2.
فقد خالفه كل من سفيان بن عيينة فرواه أيضا عن يحيى بن سعيد،
وكذلك
رواه عباد بن العوام وحماد عن علي بن زيد وفيه ضعف، رووه بأن الأرواح مخلاة في
الأرض:
فقد
قال ابن سعد (4/93) أخبرنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن
سعيد بن المسيب عن عبد الله بن سلام أن سلمان قال له: أي أخي، أيُّنا مات قبل
صاحبه فليتراء له, قال عبد الله بن سلام: أو يكون ذلك؟ قال: نعم," إن نسمة
المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجين", فمات سلمان،
فقال عبد الله: فبينما أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغفيت إغفاءة إذ
جاء سلمان فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقلت: السلام عليك ورحمة الله أبا عبد
الله، كيف وجدت منزلك؟ قال: خيرا، وعليك بالتوكل، فنِعْم الشيء التوكل، وعليك
بالتوكل، فنِعْم الشيء التوكل، وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل",
قال الحسين بن الحسن المروزي راوي
كتاب الزهد عن ابن المبارك (ص144) أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد وعلي بن
زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: التقيا سلمان وعبد الله بن سلام، فقال أحدهما
لصاحبه: إن مت قبلي فالقني وأخبرني ما صنع بك ربك، وإن أنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك،
فقال عبد الله: يا أبا عبد الله، كيف هذا؟ أو يكون هذا؟ قال: «نعم، إن أرواح
المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، ونفس الكافر في سجين» ، قال: فخرج سلمان
إلى العراق، قال حسين:« تخرق علي من الكتاب باقية» ،
قال حسين: فحدثنيه سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن علي بن زيد بن
جدعان عن سعيد بن المسيب بمثل ما حدثناه سفيان قال: مات سلمان ولقي عبد الله في
المنام , وهو قائل فقال: «إني لم أر شيئا خيرا من التوكل».
المسألة الثالثة : بعض
الأحاديث في التلاقي التي لا يعتبر بها:
منها ما أورد عبدان في الصحابة عن بقية عن عبد الله مولى عثمان بن عفان عن عبد
الله بن يحيى الألهاني عن قيس بن قبيصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من
لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى"، قيل: يا رسول الله: وهل يتكلمون؟ قال:"
نعم ويتزاورون"، ذكره ابن الأثير في ترجمة قيس، وضعفه ابن حجر، وفيه بقية
يدلس تدليس التسوية والشيوخ، وشيخه عبد الله مجهول العين لم يرو عنه غير بقية، فلا
يعتد بهذا الحديث.
ولا بما قال أبو داود الطيالسي 1794 حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن
عن جابر بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعمالكم تعرض على أقربائكم
وعشائركم في قبورهم فإن كان خيرا استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم ألهمهم
أن يعملوا بطاعتك"، الصلت ساقط، لا يعتبر بحديثه ...
المسألة
الرابعة: بعض الآثار
المقطوعة في التعارف عن التابعين:
وهذه إما أن أنهم أخذوها عن الصحابة فهي موقوفة لها حكم
الرفع, أو تكون على هيئة الحديث المرسل, أو أنهم أخذوها عن أهل الكتاب فمنها:
الأثر الأول: خرجه ابن المبارك في الزهد(1/151) نا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى عن سعيد بن جبير أنه استأذن على زوجة عثمان بن عبد الله بن أوس وهي بنت عمرو بن أوس فدخل فسلم عليها ثم قال لها كيف فعل
زوجك بك ؟ قالت إنه لمحسن فيما استطاع ثم
التفت إلى عثمان وقال يا عثمان أحسن إليها فإنك لا تصنع بها شيئا إلا جاء عمرو بن أوس ! قال وهل يأتي الأموات أخبار الأحياء ؟
قال نعم ما من أحد له حميم إلا يأتيه أخبار
أقاربه فإن كان خيرا سر به وفرح به وهنيء به وإن كان شرا ابتأس بذلك وحزن حتى أنهم يسألون عن الرجل قد مات فيقال ألم يأتكم؟ فيقولون لقد خولف به إلى أمه الهاوية",
الأثر الثاني: قال سفيان بن عيينة في جامعه ثنا عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال:"
إن أهل القبور يتوكفون الأخبار فإذا أتاهم الميت قالوا ما فعل فلان فيقول صالح فيقولون
ما فعل فلان فيقول ألم يأتكم فيقولون لا فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير
طريقنا",
قال ابن حجر في الأربعين المتباينة:وهذا موقوف على عبيد بن عمير أحد كبار
التابعين والإسناد صحيح إليه، ومثله لا يقال من قبيل الرأي، فهو من قبيل المرسل"،
وبالله التوفيق.
المسألة الخامسة: ما ورد في الأمر بتحسين الأكفان، وزيادة " أن الموتى يتزاورون
فيها":
وكلها
زيادات باطلة معلولة لم تصح،
وبيقين، يعلم كل ذي عقل سليم أن هذه
الأكفان ستبلى سريعا، وقد صحت الأحاديث أنهم يُبدلون بأكفان خير منها من الجنة أو
شر منها من النار، فأنى للموتى أن يتزاوروا فيها، فعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَال: لَا تُغَالِ لِي فِي كَفَنٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" لَا تَغَالَوْا فِي الْكَفَنِ
فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا"، مع حديث أبي بكر وغيره:" الكفن
أسرع للمهلة"، ونهى أصحابه أن يكفنوه في كفن غال حسن.
وحديث عن صلة بن زفر قال: أرسلني حذيفة بن
اليمان ورجلا آخر نشتري له كفنا فاشتريت له حلة حمراء جيدة بثلاث مائة درهم، فلما
أتيناه قال: أروني ما اشتريتم ، فأريناه فقال: ردوها ولا تغالوا في الكفن، اشتروا
لي ثوبين أبيضين نقيين فإنهما لن يتركا علي إلا قليلا حتى ألبس خيرا منهما منهما
أو شرا منهما"،
ومن المعلوم بهذا الحديث وغيره
وبالمعقول أن الكفن فوق جسد الميت يبلى سريعا، وأن أرواح الموتى هي التي تجول
وتذهب وتجيء بعد أن تستبدل بأكفان أخرى، وقد جاء في الحديث الصحيح أيضا أن أرواح
الأبرار عند خروج الروح تلبسها الملائكة كفنا وحنوطا من جنة، بعكس أرواح الفجار
التي تلبس كفنا من النار، فلا معنى للتزاور بهذه الأكفان التي نكفن بها موتانا
وهذا واضح جدا وبالله تعالى نتأيد.
حديث
أول : حديث جابر:
قال
مسلم في صحيحه حدثنا هارون بن عبدالله وحجاج بن الشاعر قالا حدثنا حجاج بن محمد
قال ابن جريج ني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يحدث أن
النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل
وقبر ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا
أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا كفن أحدكم أخاه
فليحسن كفنه",
هكذا
روى الحديث هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر وعبد الله بن نمير وأحمد بن عبيد
الله النرسي وعبد الرحمن بن خالد الرقي القطان ويوسف بن سعيد وإبراهيم بن الحارث كلهم عن حجاج عن ابن جريج أبي الزبير بما مضى، وكذلك هي رواية عبد
الرزاق عن ابن جريج,
وهكذا
رواه أيضا كلٌّ من زكرياء بن إسحاق وابن جريج وابن لهيعة وأيوب والحسن بن أبي جعفر
وحسين بن واقد جميعهم عن أبي الزبير أنه سمع جابر به, كذلك هي متابعة وهب بن منبه
لأبي الزبير كلاهما عن جابر بالحديث كما مضى من طريق مسلم, لم يذكر أحد منهم على
كثرتهم وثقتهم زيادة التزاور في الأكفان,
.
وخالف كل هؤلاء إبراهيم بن معاوية أو زهير بن معاوية إن لم يكن هنالك تصحيف، فرواه
عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "أحسنوا أكفان
موتاكم [فإنهم يتباهون و يتزاورون في قبورهم]"،
أما
عن روايات حجاج عن ابن جريج فقد قال النسائي 1895 أخبرنا عبد الرحمن بن خالد الرقي
القطان ويوسف بن سعيد أنا حجاج عن ابن جريج ني أبو الزبير أنه سمع جابرا فذكر مثل
لفظ مسلم وفيه:" إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه",
وقال
أبو بكر 11129 حدثنا عبد الله بن نمير عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر يرفعه
قال:" إذا مات أحدكم فليحسن كفنه قال فإن لم يجد فليكفنه في بردي حبرة"،
وقال
البيهقي 4/32 أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن
عبيد الله النرسي ثنا حجاج بمثل لفظ مسلم,
وكذلك
رواه عبد الرزاق 6549 أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر مثله، وقد توبع
ابن جريج،
فخرج
أحمد 3/329 ثنا روح ثنا زكريا بن إسحاق سمعت أبا الزبير سمعت جابر بن عبد الله
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه إن
استطاع"،
تابعه
بكار بن قتيبة ومحمد بن اسماعيل وأبو خيثمة حدثنا روح حدثنا زكرياء مثله,
ورواه
موسى وعمرو بن خالد وقتيبة قالوا: ثنا بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه وصلوا على الميت أربع تكبيرات
في الليل والنهار سواء"،
وخرجه
ابن عدي ثنا إسماعيل بن يحيى بن عرباض ثنا عبد الجبار بن العلاء ثنا منيع البصري
عن الحسن بن أبي جعفر ثنا أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :" من شهد منكم ميتا فليحسن كفنه",
وقال
أحمد ثنا حسين بن محمد ثنا جرير يعني بن حازم عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر نحوه,
وعن
زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد حدثني أبو الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال:" ان أخي مات فكيف أكفنه قال: أحسن كفنه"،
وقد
توبع أبو الزبير متابعة تامة،
فخرج
ابن حبان في صحيحه 3034 أخبرنا الحسن بن سفيان ثنا الحسن بن الصباح البزار ثنا
إسماعيل بن عبد الكريم ثني إبراهيم بن عقيل بن معقل عن أبيه عن وهب بن منبه قال:
هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله فذكر أحاديث فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم
خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا فزجر النبي صلى
الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بليل أو يصلى عليه إلا أن يضطر إلى ذلك و قال:"
إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه",
لم يذكر أحد
منهم على كثرتهم وثقتهم زيادة التزاور في الحديث فعُلم أنها باطلة فيه , وقد تفرد
بها إبراهيم بن معاوية أو زهير بن معاوية والأول أشبه، فخالف كل الثقات، وإبراهيم
ممن لا يعتد به وحده فكيف بمخالفته لكل من ذكرنا,
. خرج روايته
أبو نصر عبد الله بن سعيد السجستاني الحافظ في كتابه الإنابة قال: أخبرنا هبة الله
بن إبراهيم بن عمر ثنا علي بن الحسين بن بندار ثنا أبو عروبة ثنا محمد بن المصفى
ثنا معاوية ثنا إبراهيم بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر قال رسول الله صلى الله
عليه و سلم:" أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون في قبورهم",
ولئن كان صواب
الإسناد محمد بن الصفار ثنا معاوية ثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير به، فإن ابن
الصفار غير معروف، والعبرة بكثرة عدد من روى الحديث بغير الزيادة،
فإن
قيل:" قد قال المعلمي كما في تحقيق الفوائد:" ثم ذكر خبرًا للديلمي بسند فيه نظر
إلى ابن ناجية نا يوسف بن مُحمَّد بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر رفعه: حسنوا
كفن موتاكم، فإنَّهم يتباهون ويتزاورون بِها في قبورهم"، فهذا موضوع، قال
المعلمي: بين ابن ناجية وأبي الزبير مسافة شاسعة لا يكفي لها واسطة واحدة، ولَم
أجد من يقال له يوسف بن مُحمَّد بن عبيد الله، فأحسب الصواب: يوسف بن... عن مُحمد
بن عبيد الله. ولعل مُحمَّد بن عبيد الله هذا هو العرزمي، فإنه قد يروي عن أبي
الزبير، والعرزمي متروك، قال: والصحيح عن أبي الزبير ما في صحيح مسلم من طريق ابن
جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث.. عن النَّبِي صلى الله
عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه"، قال المعلمي: هذا هو
الصحيح من حديث أبي الزبير"، وهو كما قال لما مر.
حديث ثاني: حديث أبي قتادة رفعه:" إذا ولى أحدكم أخاه
فليحسن كفنه"،
حدث به عكرمة بن عمار عن هشام عن ابن
سيرين عن أبي قتادة،
وتابعه عليه سليمان بن أرقم، واختلف
فيه على عكرمة بن عمار،
فذكر الزيادة عنه مسلم بن إبراهيم
واسماعيل بن سنان، كذلك هي رواية سليمان،
ولم يذكرها عمر بن يونس عن عكرمة،
بينما ذكرها جبل الحفظ سفيان الثوري
ومعه سلمة بن علقمة مدرجة من كلام ابن سيرين، وهو الصواب، ولعل الاضطراب وقع
لعكرمة بن عمار لأنه كان صدوقا يهم في حديثه، فاضطرب في هذا الحديث:
1. أما الرواية الصحيحة بلا شك فرواها
ابن ماجة 1474والترمذي 995 قالا: حدثنا محمد بن بشار حدثنا عمر بن يونس حدثنا
عكرمة بن عمار عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي قتادة قال:قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:" إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه"، قال أبو عيسى
: هذا حديث حسن غريب،
هكذا رواه محمد بن بشار عن عمر بن يونس
عن عكرمة بن عمار عن هشام بن حسان به، بدون ذكر التزاور فيها.
2. ورواها الحفاظ مدرجة من كلام ابن
سيرين وبلاغا, فروى الحديث عبد الرزاق عن الثوري عن هشام عن بن سيرين قال:"
كان يقال: من ولى أخاه فليحسن كفنه وإنه بلغني أنهم يتزاورون في أكفانهم",
وقال أبو بكر: حدثنا بشر بن مفضل عن
سلمة بن علقمة عن ابن سيرين قال: كان يحب حسن الكفن, ويقال: أنهم يتزاورون في
أكفانهم", وهو الصواب وبالله تعالى نتأيد، على أن عكرمة بن عمار ممن يضطرب في
الحديث فلعل الوهم منه أو من ابن سنان أو ممن زاد التزاور:
3. خرجها ابن أبي الدنيا حدثنا أبو بكر
حدثني العباس بن جعفر حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي أنبأنا عكرمة بن عمار عن هشام
بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:" إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه [فإنهم يتزاورون في قبورهم]",
توبع عباس:
قال البيهقي أخبرنا علي بن أحمد بن
عبدان أنا أحمد بن عبيد نا تمتام نا مسلم بن إبراهيم الوراق نا عكرمة بن عمار نا
هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"
من ولى أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يتزاورون فيها",
قال المعلمي:" ومسلم الوراق تالف كذبه ابن
معين"، بينما وثقه ابن حبان، وقد توبع:
. قال الرافعي في أخبار قزوين حدثنا
إسحاق بن إبراهيم الصواف حدثنا إسماعيل بن سنان حدثنا عكرمة بن عمار حدثني هشام
القردوسي عن محمد بن سيرين عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:" إذ أولى الرجل كفن أخيه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون فيها"،
وله متابعة :
قال ابن عدي في الكامل ثنا عبد الرحمن
بن عبد المؤمن أنا أحمد بن صالح السمومي المكي ثنا علي بن عياش الحمصي ثنا سليمان
بن أرقم عن بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنوا
أكفان موتاكم فإنهم يتزاورون في قبورهم"، سليمان بن أرقم لا يعتد به متروك،
حديث ثالث: حديث
أنس: المحفوظ أيضا هو من غير الزيادة, وإنما ذكرها من لا يعتد به,
فقد قال الخطيب (4/160) أخبرنا على بن
أبى على البصري حدثنا محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني حدثني أبو الطيب أحمد
بن ريحان بن عبد الله البغدادي بالرملة حدثني علي بن الحسين بن مروان القطان حدثنا
أبو عمرو الحوضى حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا ولى أحدكم اخاه فليحسن كفنه",
وقال أبو نعيم في أخبار أصفهان: حدثنا
محمد بن أحمد بن جعفر أبو الحسين ثنا يونس بن أحمد ثنا حسان بن الحسن أبو سعيد ثنا
سعيد بن سلام ثنا أبو ميسرة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:« إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه » هذا هو اللفظ المحفوظ ،
وقد تفرد بذكر الزيادة سليمان بن
الحارث: فقال الخطيب (9/80) أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا عبد الخالق بن الحسن
المعدل حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث حدثنا سعيد بن سلام العطار وكان نزل باب
التبن حدثنا أبو ميسرة عن قتادة عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فأنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في
أكفانهم", وهذا خبر موضوع كما قال ابن الجوزي، آفته سعيد بن سلام بصرى وهو
كذاب, وأبو مسرة لا يعرف,
وقال العقيلي: راشد أبو مسرة العطار لا
يتابع على حديثه حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحسن بن على الحلواني حدثنا سعيد بن
سلام حدثنا أبو مسرة العطار قال سمعت قتادة يحدث قال سمعت أنس بن مالك قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يبعثون أو قال
يتزاورون في أكفانهم", قال العقيلي:" ليس له من حديث قتادة أصل",
ومع ذلك فرواية شعبة عن قتادة من غير
الزيادة أصح وأولى لما سبق، ولموافقتها حديث الثقات، ونكارة الزيادة ومخالفتها
لسائر المرويات:
وقد مر أن الكفن فوق جسد الميت يبلى
سريعا، وأن أرواح الموتى هي التي تجول وتذهب وتجيء بعد أن تستبدل بأكفان أخرى،
أرواح الأبرار تًلبسها الملائكة كفنا وحنوطا من جنة، بعكس أرواح الفجار التي تلبس
كفنا من النار، فلا معنى للتزاور بهذه الأكفان التي نكفن بها موتانا وهذا واضح جدا
وبالله تعالى نتأيد.
حديث رابع:
قال ابن أبي الدنيا في المنامات (1/ 88) حدثنا القاسم بن هاشم ثنا يحيى بن صالح حدثنا
محمد بن سليمان حدثنا راشد بن سعد: أن رجلا توفيت
امرأته فرأى نساء في المنام ولم ير امرأته معهن فسألهن عنها فقلن: إنكم قصرتم في
كفنها فهي تستحي أن تخرج معنا، فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي
صلى الله عليه و سلم : أنظر إلى ثقة من سبيل", فأتى رجلا من الأنصار قد حضرته الوفاة
فأخبره فقال الأنصاري: إن كان أحد يبلغ الموتى بلّغته، قال: فتوفي الأنصاري فأتى
بثوبين مبرورين بالزعفران فجعلهما في كفن الأنصاري فلما كان الليل رأى النسوة
معهن امرأته وعليها الثوبان الأصفران"،
وهذا حديث غريب مرسل باطل منكر:
فقد جاء في الصحاح أن الميت يلبس لباسا
من الجنة وكفنا منها، وقد دفن سيد الشهداء حمزة ومعه مصعب رضي الله عنها وغيرهما
في كفن قصير غير طائل، وهما يسرحان في الجنة بعد أن أبدلهما الله بكفن من الجنة
والله المستعان،
وللقاسم بن هاشم عن يحيى بن صالح حديث
آخر لكن في عرض أعمال الأحياء على الأموات .
المسألة
السادسة: الأدلة المحتملة بين نفي التلاقي وإثباته وبيان عللها والصواب فيها، وفي إقراء
السلام للأموات :
حديث
أول: حديث عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه في رؤية سجوده على جبهة النبي
صلى الله عليه وسلم في المنام وأن النبي عليه السلام قال له: إن الروح لا تلقى
الروح"، بالنفي, وبالإثبات " لتلقى الروح".
حدث
بهذا الحديث عن عمارة: كلٌّ من أبي جعفر الخطمي والزهري لكن اختلفا فيه:
أولا: رواية الخطمي: رواها
عنه كل من حماد بن سلمة وشعبة:
أما رواية حماد عن الخطمي:
ففيها اختلاف، والأصح فيها إثبات التلاقي لا نفيه:
أ.
قال
أحمد (5/214) وابن سعد (4/380): ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة نا أبو جعفر الخطمي عن
عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال: رأيت في المنام أنى أسجد على جبهة النبي صلى
الله عليه وسلم فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إن الروح لا
تلقى الروح، وأقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا فوضع جبهته على جبهة
النبي صلى الله عليه وسلم", هكذا قال أحمد وابن سعد بالنفي,
ب.
وخالفهما أبو داود فقال ثنا عفان ثنا حماد عن
أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال: رأيت في المنام كأني أسجد على
جبهة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال:" إن الروح ليلقى الروح،
واقتبع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا قال عفان برأسه إلى خلفه فوضع جبهته
على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم", حدث به عنه النسائي (7630) وهو الصواب،
لأننا إن حملنا: لا,
النافية على أصلها فإن رواية النفي هذه ينقض أولها آخرها, إذ تصديق رؤيا خزيمة
يلزم منه أن تلقى الروحُ الروحَ, وبناءا عليه تكون رواية النفي في
قوله:" الروح لا تلقى الروح"، بمعنى الإثبات فتكون "لا" صلةً
بمعنى: إن الروح هي التي تلقى الروح، وقد تكون لا للتوكيد كقوله:" لا
أقسم"، أي أقسم، أو تكون لا زائدة كقوله:" ليلا يعلم أهل الكتاب"،
أي لكي يعلم، والله أعلم,
ج. ومما يؤكد روايةَ الطيالسي بالإثباتِ ما رواه أبو بكر
بن أبي شيبة وأحمد بن منيع قالا ثنا يزيد بن هارون
عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي بلفظ:" إن الروح لتلقى الروح أو
ان الروح تلقى الروح, شك يزيد فأقنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره فسجد من
خلفه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ذكرهما البوصيري في
الإتحاف(6/119). وهو الصواب في رواية حماد عن الخطمي,
وخالفه شعبة عن الخطمي
فأخطأ في السند والمتن:
فقال أحمد بن حنبل في
مسنده(5/214): ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة حدثني أبو جعفر المديني الخطمي سمعت
عمارة بن عثمان بن سهل بن حنيف يحدث عن خزيمة بن ثابت أنه رأى في منامه أنه يقبل
النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فنام له النبي
صلى الله عليه وسلم فقبل جبهته"، وعمارة بن عثمان غير موجود في الرواة، وإنما
هو عمارة بن خزيمة كما قال حمادٌ، وشعبةُ ممن كان يخطئ أحيانا في الأسامي كما قال
الحفاظ، يؤكد ذلك:
ثانيا:
رواية الزهري عن عمارة بن خزيمة: وهي من غيرِ ذكرٍ للتلاقي أصلا لا بنفي ولا
بإثبات، واختلف على الزهري في الحديث:
فرواه
الحفاظ عنه عن عمارة عن عمه بقصة خزيمة متصلا، وقال بعضهم عنه عن عمارة بقصة خزيمة
مرسلا.
فروى
صالح بن أبى الأخضر عن الزهري أخبرني عمارة بن خزيمة: أن خزيمة رأى في المنام أنه
يسجد على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم..، فجعله مرسلا وصالح ضعيف،
وقد
خالفه أبو زرعة وأيوب بن سويد وعثمان بن عمر وعامر بن صالح وفيه كلام والليث بن سعد
وشعيب وعبد الله بن وهب في الأصح عنه كما عند أبي نعيم في الصحابة من ترجمة عمارة
كلهم عن يونس عن الزهري أخبرني عمارة بن خزيمة بن ثابت قال عمارة أخبره عمه وكان
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:" أن خزيمة بن ثابت رأى في النوم أنه سجد
على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى خزيمة بن ثابت إلى رسول الله فحدثه
فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدق رؤياك فسجد على جبهته"، وهو
الصحيح، وحدث تصحيف أو خطأ عند ابن حبان، ففيه عن ابن شهاب أخبرني خزيمة
بن ثابت بن خزيمة به، وإنما هو عمارة بن خزيمة كما مر،
ثم أن الصواب في الحديث أنه محفوظ من الوجهين من رواية الخطمي عن عمارة عن
أبيه خزيمة، ومن رواية الزهري عن عمارة عن عمه في قصة خزيمة، فيكون عمارة قد حدث
به على الوجهين، فحدث كل منهما بما سمع، وحتى لو كان هذا الإختلاف على عمارة علة
لكانت غير قادحة لأن الحفاظ قد ذكروا أن الحديث إذا اختلف فيه على ثقتين فهو صحيح
لأن الحديث كيفما دار فهو على ثقة، كيف وهو هنا على صحابيين، أحدهما عم عمارة
والثاني هو أبوه، والله أعلم، والأصح في هذا الحديث هو إثبات التلاقي، ولأن سائر
الأحاديث توافقه.
حديث
ثاني: حديث أم هانئ رضي الله
عنها:
رواه
عمرو بن خالد والحسن بن موسى وابن شيب وابن حمير ويحيى بن بكير عن ابن لهيعة ثنا أبو الأسود عن درة بنت معاذ أنها أخبرته عن أم
هانئ أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتزاور إذا متنا ويزور بعضنا بعضا؟
قال: يكون النسم طائرا يعلق بالجنة، حتى إذا كان يوم القيامة دخل كل نفس في
جثتها"، خرجه أحمد (6/424) وغيره، وابن لهيعة ضعيف والجواب محتمل، وكأنه في
مشروعية الإقراء أظهر للأدلة التالية:
المطلب
الرابع: طلب الأحياء من المحتظرين، إلقاء السلام على المقبورين، لالتقاء الفرقين
في البرزخ:
حديث
أول: قال ابن ماجة 1450 حدثنا أحمد بن الأزهر ثنا محمد بن عيسى ثنا يوسف
بن الماجشون حدثنا محمد بن المنكدر قال: دخلت على جابر بن عبد الله وهو يموت فقلت: أَقرأْ على رسول الله
صلى الله عليه وسلم السلام",
قال
البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات إلا أنه موقوف",
وقال
أحمد (3/69) ثنا أبو إبراهيم المعقب إسماعيل بن محمد وكان أحد الصالحين ثنا يوسف
بن الماجشون فذكره,
قال
أحمد (4/391)
ثنا محمد بن مقاتل المروزي قال ثنا يوسف بن يعقوب مثله, فصح الأثر.
دليل
ثاني : حديث أم بشر:
قال
ابن القيم في الروح (19): قال ابن أبي الدنيا في المنامات 15: حدثني محمد بن عبد
الله بن بزيع ني فضيل بن سليمان النميري ثني يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن
جده قال: لما مات بشر بن البراء بن معرور وجدت عليه أم بشر وجدا شديدا فقالت: يا
رسول الله إنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة فهل تتعارف الموتى، فأُرسلُ إلى
بشر بالسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نعم والذي نفسى بيده يا أم
بشر إنهم ليتعارفون كما تتعارف الطير في رءوس الشجر"،
وكان لا يهلك من بنى سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت: يا فلان عليك السلام, فيقول:
وعليك فتقول: اقرأ على بشر السلام"،
ابن أبي لبيبة
ضعفه ابن معين ووثقه ابن حبان، وقد طبقت أم بشر هذا الحديث فكانت تقرئ أمواتها
السلام كما في:
حديث
ثالث: أحاديث أم بشر:
رواها الزهري
واختُلف عنه:
1. فرواه الأوزاعي ومعمر
وسفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك قال: قالت أم مبشر لكعب حين حضر: أَقرِأْ على
ابني السلام، تعني مبشرا، فقال كعب: يغفر الله لك يا أم مبشر، ألم تسمعي ما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:" أن نسمة المؤمن في طير تعلق في
شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة", فقالت: استغفر الله",
و في رواية قالت: ولكن وهِلْتُ",
كذا
قال هؤلاء عن الزهري، جعلوا كعبا هو المستدل بالحديث على إنكار التلاقي، وأن أم
بشر قد تراجعت.
2.
وخالفهم آخرون: فجعلوا أم بشر هي المستدلة بالحديث على إثبات التلاقي:
.
رواه محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك
قال: لما حضرت كعبَ بنَ مالك الوفاةَ دخلتْ عليه أمُّ مبشر بنت البراء بن معرور
فقالت: يا أبا عبد الرحمن إنْ لقيت ابني فاقرأه مني السلام، فقال: يغفر الله لك يا
أم بشر، نحن أشغل من ذلك، فقالت: أبا عبد الرحمن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول:"إن أرواح المؤمنين في أجواف طير تعلق بشجر الجنة ؟ قال:
بلى, قالت : فهو كذلك ",
كذا
جعل ابن إسحاق وابن لبيية المستدل بالحديث لتلاقي الأرواح هي أم مبشر, وأن كعبا هو
الذي تراجع لقولها, إلا أنّ ابن إسحاق مدلس وقد عنعن,
وخالفه
الأوزاعي ومعمر وسفيان وهم أوثق منه وأكثر عددا كلهم قد جعل المستدل على عدم
التلاقي هو كعب، وأن الذي تراجع عن قوله هي أم مبشر,
.
لكن يقوي رواية ابن إسحاق ما رواه فضيل بن سليمان النميري ثني يحيى بن عبد الرحمن
بن أبي لبيبة عن جده في إثبات الإقراء كما مر.
.
وبناءا عليه قد يكون الحديث حجة لمن قال بعدم تلاقي الأرواح, لأن كلا منها في شأن
يغنيه، فأرواح المؤمنين في صورة طير نائمة في الجنة، كما قال كعب,
وقد
يحتمل أن يكون حجة لمن قال بالتلاقي لأن أرواح أهل الجنة تتلاقى.
إلا أن الحديثَ ضعيف، بينت طرقه في مبحث مستقر الأرواح، وذكرت أن الصواب فيه أنه خبر منقطع, ولم يصح بذكر عموم أرواح المؤمنين ولا بهذه القصة, لأن الذي يدخل الجنة هم أرواح الشهداء فقط وبالله التوفيق.
كتبه أبو عيسى الطاهر الزياني
راجع الجزء الأول : الإصباح في مستقر ومكان الأرواح ، على الرابط سخه
ردحذفhttps://elzianitaher.blogspot.com/2020/08/blog-post.html?showComment=1596730618025#c4069120553805832832