أحكام الاحتفالات بالأعياد والمناسبات. ج4/ الاحتفال بعاشوراء


                        أحكام الاحتفالات بالأعياد والمناسبات

                              ج4/ الاحتفال بعاشوراء

                                   الطاهر زياني                   


هام: وقف له تعالى لا أسمح بسرقته ولا بالنقل عنه إلا بتبيين المصدر  -هذا جزء من الكتاب ولم أكمله - .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، القائل لنبيه موسى الكريم: {وذكرهم بأيام الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)} [إبراهيم ]،

والشكر لله الوهاب، الذي وهب لعباده أزمنة شريفة يفرح بها العباد، فقال في محكم الكتاب: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) }[يونس]،

ومن أعظم فضائل الله علينا هي تلك المناسبات الدينية والتي على رأسها مولد هذا النبي الكريم ومبعثه وهجرته ومعراجه إلى ربه تعالى، ويتبع ذلك الفرح بعاشوراء وليلة القدر، ورجب، بداية الأشهر الحرم، وعلى رأس ذلك العيدان وأيام الحج والتشريق، والليالي العشر ونحوها.  

ومن هذا المنطلق فقد أحببت جمع مبحث يتعلق بمسألة الاحتفالات بالمناسبات الدينية والمناسبات الدنيوية، وقد قسّمته على النّحو التالي: ......

المطلب الثالث: الاحتفال بعاشوراء:

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: تأصيل المسألة، ومظاهر الاحتفال به عند المتقدمين:

مرت بنا مسألةُ الأصلِ في الاحتفالات والأعياد، هل هو التوقيف أم التوسيع؟

وبينَّا هنالك بالدلائل على أن الأصل فيها هو التوسعة ما لم يكن العيدُ جاهليا بحْتا أو شركيا ، وذلك حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا سعة وسمحة ، كما أخبر بذلك النبي عليه السلام .

وقد وافق هذا الأصلَ في عاشوراء: الكثيرُ من الأدلة النبوية والآثار السلفية، الدالة على مشروعية هذا الاحتفال، والتوسعة فيه على العيال، فرحًا بما وقع فيه من انتصارات عظيمة للموحدين، ومهالك كبيرة لأعداء الدين، بدءا من إغراق قوم نوح واستواء سفينته، إلى إنجاء يونس ويوسف عليهم السلام، ثم إنجاء موسى عليه السلام ومن معه، وإهلاك فرعون ومن تبِعه، ثم مولد المسيح عليه السلام، في عشر معجزات كما قيل، وهو اليوم الذي يُكسى فيه بيت الله الحرام ... ولا معنى لاتخاذ الرافضة له مأتما، فإننا نحب الحسين وأهل البيت، ونتقرب إلى الله بحبهم، وبمخالفة الرافضة، وقد حرم علينا الإسلام الحداد على ميت فوق ثلاث

ومن ههنا فقد اتفق السلف على استحباب الاحتفال به كما قال الإمام ابن العربي في شرح الموطإ :" وأمّا النَّفَقَةُ فيه والتَّوسعة، فمخلوفَةٌ باتِّفَاقِ إذا أُرِيدَ بها وجه الله تعالى، وأنّه يخلف الله بالدِّرْهَمِ عشرًا".

اللهم إلا خلافا في بعض صور الاحتفال ستأتي، وخلافا شاذا من بعض المتأخرين كابن تيمية، ممن أنكر هذا الاحتفال، وزعم مقلدوه من التبديعين المتأخرين الجُهال، أنه من منهج النواصب الأنذال، لامِزين بذلك اتفاق أئمة السلف الجبال..   

نعم قد اتفق السلف على مشروعية صومه، والتوسعة فيه على العيال والاحتفال به، لكن اختلفوا في بعض مظاهر الاحتفالات، فأوصلها بعضهم إلى عشرة أو أكثر، وأنكر بعضهم بعضها لا كلّها: 

فقال الزبيدي في الأمالي :" وأما ما يطلب فعله في يومه فاثنتين عشرة خصلة، الصلاة والصدقة والصوم وصلة الرحم وزيارة عالم وعيادة مريض والتوسعة على العيال والاكتحال ومسح الرأس لليتيم وتقليم الأظافر وقراءة الإخلاص وقد نظمها بعض الفضلاء في أبيات ثلاثة فقال:

في يوم عاشوراء عشر تتصل . بها اشتاق ولها فضل نقل

قم صَلّ، صِلْ زر عالما عدا . أو اكتحل رأس يتيم امسح تصدق واغتسل

وسع على العيال قلم ظفرا . وسورة الإخلاص قل ألفا تصل.

إلا أن ابن رجب لم يصحح بعض هذه المظاهر فقال في اللطائف - لكن من غير تبديع أو تحريم كما يفعلون -:" كل ما روي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوع لا يصح، وأما الصدقة فيه فقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "من صام عاشوراء فكأنما صام السنة، ومن تصدق فيه كان كصدقة السنة"، أخرجه أبو موسى المديني "،

فكأنه يقول بالصدقة فيه، ولا يُحبب فيه تخصيص الاكتحال والخضاب والاغتسال فقط.

وقال الجبرتي في عجائب الآثار (1/288) :" ولهم عادات وصدقات في أيام المواسم، مثل أيام أول رجب والمعراج ونصف شعبان وليالي رمضان والأعياد وعاشوراء والمولد الشريف، يطبخون فيها الأرز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعاً كثيرة ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين. ويجتمع في كل بيت الكثير من الفقراء، فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا من ذلك اللبن والزرده... ".

وقال الإمام عبد الملك المشهور وهو أحد أئمة المالكية:

لا تنس لا ينسك الرحمن عاشورا ... واذكره لا زلت في الأخيار مذكورا

قال الرسول صلاة الله تشمله ...   قولا وجدنا عليه الحق والنورا

من بات في ليل عاشوراء ذا سعة ... يكن بعيشته في الحول محبورا 

وفيما يلي نذكر صور الاحتفال المشروعة في يوم عاشوراء، وبيان أدلتها:

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

المسألة الثانية: صُور الاحتفال بعاشوراء من السنة والآثار:

لقد وردت عامة هذه الصور المذكورة في حديث ابن أبي الزناد الذي صححه بعض الحفاظ وتكلم فيه آخرون، ولسنا في هذا البحث ممن سنعتمد عليه أصالة، بل سنذكره استئناسا وتبعا، مركزين على الأحاديث الصحيحة والمشهورة وما احتوت عليه من مظاهر وصور في الاحتفال بهذا اليوم العظيم، بدءا من صوم نهاره، إلى التوسعة في ليله، والأكل من الطيبات المشروعة فيه، وما في عضون ذلك من لهو ولعب ورقص وفرح مشروع وبالله التوفيق.

الصورة الأولى: استحباب الفرح بفضل الله، وبتحقيق الانتصارات على أعداء الله، وتذكير الناس بأيام الله:

الدليل الأول: قال الله تعالى مخاطبا نبيّه موسى: {وذكرهم بأيام الله إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)} [إبراهيم ]، وخرج أحمد (5/122) في شرحها عن أبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" بنعم الله تعالى "،

وخرج مسلم 2380 عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنه بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله نعماؤه وبلاؤه"،

وقد كان ذلك التذكير بعاشوراء كما هو معلوم بالتواتر، فأمر الله نبيه موسى بتذكير اليهود بهذه المنة.

قال ابن كثير :" بأياديه ونعَمه عليهم، في إخراجه إياهم من أسر فرعون، وقهره وظلمه وغشمه، وإنجائه إياهم من عدوهم ... "،

الدليل الثاني: الامتثال لعموم قول الله تعالى :{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} [يونس].

وقد مرّت الأدلة على أن الصحابة كانوا يتلقون النبي عليه السلام في عودته من مغازيه وانتصاراته بالأناشيد والدف وشكر الله، والفرح بمنه امتثالا لهذه الآية.

الصورة الثانية: كوْن عاشوراء عيدا لبعض الأنبياء، من أهل الكتاب:

من المعلوم أن شرع من قبلنا هو شرع لنا ما لم يأت ناسخ له، كيف وقد أتت الأدلة كما سيأتي بمشروعية موافقة أهل الكتاب بالفرح في عاشوراء، ومن عقيدتنا أنّا نفرح بفرح أنبياء الله تعالى:

دليل أو الدليل الأول: قال البزار (الكشف 1046- حدثنا علي بن المنذر حدثنا محمد بن فضيل عن الهجري يعني : إبراهيم عن أبي عياض عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عاشوراء عيد نبي كان قبلكم، فصوموه أنتم "،

فيه الهجري فيه لين، وإنما يُنكر عليه من حديث أبي الأحوص، وليس هذا منها، فهو حسن مقبول.

قال عنه ابن عدي :" وأحاديثه عامتها مستقيمة المتن، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله، وهو عندي ممن يكتب حديثه "،

وهذا يعني أن أحاديثه حسان، وربما تحتاج لشواهد، وقد وردت النصوص بأن عاشوراء عيد لليهود، وإنما أخذوه عن أصل شرعي، ونبي رباني، فيكون عيدا لنا أيضا بكل مظاهر العيد، بيد أنه يختص بالصوم في نهاره والتوسعة في ليله:

الصورة الثالثة: الصوم واللباس والتزين في يوم عاشوراء، وبيان كونه عيدا لمن قبلنا أيضا:

ورَدت عامة الأحاديث المتقدمة بالصوم يوم عاشوراء فقط، وورد بعض الأحاديث المتأخرة بإرادة صوم التاسع مع العاشر احتياطا حتى يصوم عاشوراء، وقيل لأجل المخالفة.

وإن كان الأصل في الأعياد هو الأكل والشرب والمرح فيها، إلا أن عاشوراء أمر النبي عليه السلام بصيام يومه كما تفعله اليهود كما تكاثرت بذلك الأحاديث موافقة لهم، وقيل بصوم يومين، يوم قبله أو بعده كما في صوم يوم الجمعة، وقيل لأجل مخالفة اليهود، وإليك الأدلة:  

الدليل الأول: حديث طارق في صوم يوم عاشوراء، وبيان الاختلاف فيه:

وهو حديث يرويه أبو عميس وصدقة بن أبي عمران وربما رقبة ثلاثتهم عن قيس بن مسلم عن طارق [عن أبي موسى]، وهو حديث مختلف في سنده ومتنه أدى إلى الاختلاف في فقهه،

فهل معناه: أننا أُمرنا بالصوم مخالفة لهم لأنهم لا يصومون؟ أم معناه أننا مأمورون بموافقتهم في عيدهم وصومهم هذا؟ 

1. رواية الموافقة لأهل الكتاب في صومه: حيث رواه الأوثق بلفظ الموافقة لأهل الكتاب في الصوم في عيدهم صراحة، وعدم إنكار أفعالهم فيه:

أ: خرجه مسلم في الصحيح (1131) وحدثناه أحمد بن المنذر حدثنا حماد بن أسامة حدثنا أبو العميس أخبرني قيس، فذكر بهذا الإسناد مثله، وزاد: قال أبو أسامة: فحدثني صدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله عنه قال: " كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم».

ب: وكذلك رواه المشرقي وعمر الأودي قالا: ثنا أبو أسامة عن صدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال :" كان يوم عاشوراء يوم يصومه أهل خيبر ويلبسون فيه نساءهم حليهم وشارتهم، فسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: صوموه ".

فهنا لم يُنكر النبي عليه السلام الصومَ عليهم في عاشوراء، ولا أنكر عليهم تحسين اللباس فيه، ولا مشاركة اليهود في ذلك، مع علمه بذلك، بل قال لهم موافقا لفعلهم:" فصوموه "، والفاء هنا هي فاء الربط لجواب.   

وقال مرة أخرى: نحن أحق وأولى بموسى منكم "،

وهذا عموم في أننا أهل الإسلام، أولى منهم بالاحتفال والتزين والصوم والفرح بنصرة نبي الله موسى على ذلك الفرعون اللعين، وهو فعلا ما كان مشتهرا بين السلف الطيبين فعلا وتقريرا كما سيأتي: 

ت: وقد ورد ما يشعر بلفظ الموافقة لأهل الكتاب من أوجه أخرى :

حدث بذلك الإمام البغوي قال: ثنا محمود بن غيلان ثنا أبو أسامة عن أبي العميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى الأشعري قال :"كان يوم عاشوراء يوما تصومه اليهود وتتخذه عيدا، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك، قال: فصوموا أنتم ".

ث: وكذلك رواه أحمد والحماني وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة والحسين بن الحريث وغيرهم قالوا ثنا أبو أسامة به بلفظ:" كان يوم عاشوراء يوم يصومه اليهود ويتخذونه عيدا قال: فصوموه أنتم "،

ج: وكذلك ورد في الصحيحين ما يشعر بالموافقة أيضا:

فخرج البخاري في الصحيح (2005) ومسلم (1131) عن أبي أسامة عن أبي عميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم» ، 

لفظ مسلم: كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود، وتتخذه عيدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموه أنتم»،

وهكذا خرجه النسائي (ك2861) عن الحسين حدثنا أبو أسامة عن أبي عميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى، قال: كان يوم عاشوراء يوما تصومه اليهود وتتخذه عيدا، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخبر بذلك، قال: «فصوموه أنتم».

وقد ورد بلفظ آخر يدل على طلب مخالفة أهل الكتاب ولم يصح:

قال النسائي بعد أن خرج هذا الحديث الماضي:" خالفه رقبة ". كما في:

2. رواية الأمر بمخالفة اليهود: 

وألفاظها تُشعر بمخالفة اليهود في الصيام فقط: لأن ظاهرها أن اليهود كانت لا تصوم عاشوراء بل تتخذه عيدا واحتفالا وأكْلا، فأمر النبي عليه السلام بمخالفتهم وذلك بالصوم فيه، لكنها لم يصح:

أ: قال النسائي: خالفه رقبة (ك 2862) أخبرني إبراهيم بن يعقوب حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن رقبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كان يوم عاشوراء لأهل يثرب تلبس فيه النساء شارتهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «[خالفوهم] فصوموه "،

ففي قوله:" خالفه رقبة "، لأن الثقات رووه عن عن أبي أسامة بلفظ الموافقة وبذكر أبي موسى، وخالفهم رقبة أو من روى عنه فرواه بالمخالفة ولم يذكر فيه أبا موسى ، ولا يكون ذلك إلا وهْما منه في السند وفي بعض المتن كما أشار النسائي.

بل إن هذا الحديث مرسل كما قال الدارقطني في العلل، وهو باطل بزيادة "خالفوهم"، أي في الصوم، ولم يأمرهم بمخالفة اليهود في لبس الشارة وهي حسن الهيئة واللباس، اللهم إلا أن تُظهر النساء شاراتهن أمام الأجانب فيتعين النهي.

وقد وهم فيه رقبة فأرسله، لم يذكر فيه أبا موسى، وزاد فيه: خالفوهم"، والصواب رواية صدقة وأبي عميس كما قال الدارقطني في العلل" 7/237: يرويه أبو عميس وصدقة بن أبي عمران عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى، وهو صحيح عنهما، ورواه رقبة بن مصقلة عن قيس عن طارق مرسلا لم يذكر فيه أبا موسى، والمتصل الصحيح "،

وهذا يدل على أن هذه الروايةَ فيها وهْم وإرسال، وإن كان لمتنها متابعة، فإنّ فيها أن اليهود كانت لا تصوم عاشوراء، وأننا أُمرنا بمخالفتهم، وقد وهم فيه حفص فزاد المخالفة أيضا :  

ب: قال ابن حبان في صحيحه :" ذكر الأمر بصيام يوم عاشوراء إذ اليهود كانت تتخذه عيدا فلا تصومه ثم قال: (3627) أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن إشكاب حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن أبي عميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي موسى قال: كانت يهود تتخذ يوم عاشوراء عيدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "[خالفوهم]، صوموا أنتم ".

وهذا لفظ يدل بظاهره أن اليهود كانوا يتخذون عاشوراء عيدا لا يصومون فيه فقال عليه السلام: "خالفوهم، صوموا أنتم "،

لكنه لفظ منكر مخالف لما رواه الثقات، ولسائر الأحاديث، لأن حفص بن غياث اختلط قليلا وكان يدلس وقد عنعن هنا، وكذلك اختلط عليه بعض متنه، فإن هذا المتنَ مخالف للكثير من الأحاديث الصحيحة التي تدل على أن اليهود كانوا يصومون عاشوراء وهو الصواب.   

وعليه فأصح حديث في الباب هو الذي خرجه مسلم وغيره عن أبي أسامة عن أبي العميس وصدقة عن قيس عن طارق عن أبي موسى رضي الله عنه قال: " كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم»،

وهذا يدل على الأمر بموافقة أهل الكتاب في الفرح والصوم معا، يؤيد ذلك:

فإن قيل: هذا يحتمل أن يكون معناه: فصوموه أنتم خلافا لهم، ويحتمل أن يكون:" فصوموه أنتم أيضا "،

والجواب أن معنى الموافقة هو الصحيح، لموافقته الأدلة الكثيرة الدالة على أن اليهود كانوا يصومون عاشوراء، منها ما سبق، وما سيلحق :  

ونكتفي منها بذكر حديث ابن عباس والاختلاف عليه:

الدليل الثاني: أحاديث ابن عباس والاختلاف عليه:

وقد اخلتف عليه في تحديد يوم عاشوراء هل هو التاسع أو العاشر، وبيان أنه اليوم العاشر على الأصح، وورد عنه صوم التاسع معه حتى يدرك العاشر جزما، في حالة ما لو حدث غلط في رؤية الهلال، وورد عنه موافقا للأحاديث السابقةوإليك البيان ... :

1: فورد بلفظ الموافقة لأهل الكتاب كما في سائر الأحاديث:

. خرج مسلم أيضا (1130) وغيره من طرق كثيرة عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه» ...

. كذلكم خرجه البخاري 3943 عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى، وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أولى بموسى منكم، ثم أمر بصومه»،

. كذلك خرج الترمذي 755 وصححه عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم عاشر»، هذا ما سابقه هو الصحيح.

فدلت هذه الرواية على موافقتهم في عيدهم وصومهم.

قال الحافظ- ابن حجر رحمه الله تعالى- : "فيستفاد من فعل ذلك شكرا لله تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة، والشكر لله تعالى يحصل بأنواع العبادات والسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي الكريم نبيّ الرحمة في ذلك اليوم؟ وعلى هذا فينبغي أن يتحرّى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء .. ".

2. وورد أن عاشوراء هو اليوم التاسع خلافا لرواية العامة:

. رواه مسلم 1133 وأحمد وغيرهما عن حاجب بن عمر حدثني عمي الحكم بن الأعرج قال: أتيت ابن عباس، وهو متكئ عند زمزم، فجلست إليه، وكان نعم الجليس، فقلت: أخبرني عن يوم عاشوراء. قال: عن أي باله تسأل؟ قلت: عن صومه، أي يوم أصومه؟ قال: " إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعة، فأصبح منها صائما " قلت: أكذاك كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم "؟، قال: نعم ". 

الجزء الأول الموقوف هو الصحيح من كلام ابن عباس، وأما رفعه فلم يصح، بل هو شاذ ومدرج مرسل، لأن النبي عليه السلام لم يصم التاسع أصلا.  

. بين هذا الإرسال رواية يونس عن الحكم بن الأعرج قال: سألت ابن عباس عن يوم عاشوراء فقال: " إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا أصبحت من تاسعة، فأصبح صائما " قال يونس، فأنبئت عن الحكم أنه قال: أكذاك صام محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم".

خرجه عنه أحمد في المسند (1/360) عن اسماعيل عن يونس به.

وهذا الحديث رجاله ثقات، وفي رفع آخره نظر، لأنه مروي بالمعنى، والحَكَم له أوهام، وقد تكاثرت الروايات في أنه عليه السلام لم يصم التاسع أصلا، بل ورد عن ابن عباس نفسه أنه أراد صومه فقط، لا أنه صامه كما:

3/ وورد بإرادة صوم اليوم التاسع، والظاهر أنه وحده :

أ. خرج مسلم 1134 (1134) عن ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول: سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

. وقد ورد عن ابن عمير، لكن بالشك في نسبته لابن عباس:

ب. خرج ذلك مسلم 1134 عن أبي بكر وغيره عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير، - لعله قال: - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» وفي رواية أبي بكر: قال: يعني يوم عاشوراء ".

ثم اختلفوا في سبب إرادة صوم التاسع وحده، أو صوم يومين معا كما ذكر الطحاوي وغيره:

أ: فقيل بالقياس: لأن يوم الجمعة يوم عيد، وإنما يصام معه قبله أو بعده كما في أحاديث الجمعة، فكذلك عاشوراء، ذكره الطحاوي.

ب: وقيل: للاختلاف في تحديد يوم عاشوراء هل هو التاسع أم العاشر، وبالتالي يصوم يومين ليدرك الفضل جزما... 

ب: وروى جماعة أن ذلك احتياطا حتى يدرك فضل عاشوراء جزما، بسبب التردد أو الاختلاف في رؤية هلال المحرم كما أشار الشافعي،

روى البيهقي في الأوقات (447) والطحاوي في معانيه (2/78) عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لئن عشت العام القابل، لأصومن يوم التاسع [قَالَ: مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُ يَعْنِي يَوْمَ عَاشُورَاءَ]»..

قال البيهقي:" وقد أشار الشافعي رضي الله عنه في صوم يوم التاسع إلى هذا المعنى ". 

وروى الطبري في الآثار والبيهقي من طريق ابن وهب وغيره عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال:" كان ابن عباس يصوم عاشوراء يومين ويوالي بينهما مخافة أن يفوته".

قال الطبري حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع (ح)، وحدثنا ابن وكيع  حدثنا أبي عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس مثله، إلا أنه قال : مخافة أن يفوته ".

كذلك رواه يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب.

وفي تلك الزيادة تعليل زيادة الصوم حتى يدرك عاشوراء، لا لأجل مخالفة اليهود كما روى آخرون، ولم يصح هذا مرفوعا.  

قال ابن حجر في التلخيص:" وَفِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعْنَيَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَحَدُهُمَا الِاحْتِيَاطُ فَإِنَّهُ رُبَّمَا وَقَعَ فِي الْهِلَالِ غَلَطٌ فَيُظَنُّ الْعَاشِر التَّاسِعَ ".

4. وروى آخرون أن سبب ذلك هو إرادة مخالفة اليهود، وبالتالي يصوم يومين:

خرج الطحاوي في معانيه (2/78) وغيره عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عاشوراء: «صوموه , وصوموا قبله يوما, أو بعده يوما, ولا تتشبهوا باليهود»

ولم يصح رفعه بسبب تفرد داود وهو ضعيف مقل، وابن أبي ليلى سيء الحفظ.

وإنما روى هذا في الجمعة: الإمام  بن المبارك قال أخبرنا حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوموا يوم الجمعة تتخذونه عيدا كما فعلت اليهود والنصارى ولكن صوموا يوما قبله ويوما بعده". وهو الأولى، فاختلط الأمر على ابن أبي ليلى وهو سيء الحفظ. 

والحاصل أنه لم يصح عن النبي عليه السلام أنه صام عاشوراء يومين أو أكثر، ولا أمر بذلك، والصحيح أنه صام يوما فقط، وأمر بذلك في كل أحاديث صوم يوم عاشوراء، ثم أخيرا ورد أنه أراد صوم التاسع وحده،

وما ورد أنه أراد صوم اليوم التاسع، فقد يكون وحده، وقد يكون مع العاشر لرفع الشك في حالة اختلاط منازل القمر ورؤية الهلال، فيصوم يومين لرفع الشك والله أعلم.

وأما مطلق صوم اليومين في الأحوال العادية من غير شك، فالصواب أنه موقوف من كلام ابن عباس، وابن عباس كان يشك في تحديد يوم عاشوراء هل هو اليوم التاسع أو العاشر، لذلك حث على صوم يومين،

5. كما روى الطحاوي وعبد الرزاق عن ابن جريج: أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: «خالفوا اليهود، وصوموا يوم التاسع والعاشر»، وهذا الموقوف هو الصحيح.

ورواه الشافعي عن سفيان بن عيينة سمع عبد الله بن أبي يزيد يقول: سمعت ابن عباس يقول: «صوموا التاسع والعاشر , ولا تشبهوا بيهود» موقوفا.

الدليل الثالث: كونه يوم الزينة:

. حيث رُوي بأنه قد وافق يومَ الزينة اليومَ الذي أخزى الله فرعون والسحرة ، ونصر موسى وأظهر الحق كما في قوله تعالى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}[طه]

قال ابن عباس عن يوم الزينة :" هو يوم عاشوراء"،

الصورة الرابعة: التوسعة في الملبس والأكل من الطيبات في يوم عاشوراء لما حدثت فيه من وقائع عظيمة وكثيرة:

فأما التوسعة والاحتفال فيه فقد صنف في ذلك الحافظُ أبو زرعة العراقي رسالةً في الرد على الشيخ ابن تيمية ومن قلده، أسماها " التوسعة على العيال"، حيث زعم الشيخُ ابن تيمية أن الاحتفال بعاشوراء والتوسعة فيه أمر محدث من عمل النواصب، ولم يرد فيه حديث صحيح، ولا عرف ذلك أهل القرون المفضلة، ولا استحسنه أحد من أئمة المسلمين، ولا أحد من أصحاب المذاهب السنيين، لكن ستأتي كل النقول السلفية والأخبار النبوية كلها على خلاف هذا القول المحدث الجديد، والذي فعْلا هو الذي ما عرفه أهل القرون المفضلة، ولا قاله أحد من السلف، بل إنّ التوسعة في عاشوراء كان أمرا مشتهرا بين السلف طيلة القرون المفضلة،

كما قال محمد بن نباتة : "التوسعة في عاشوراء على العيال سنة غير مجهولة »،

وهو قول عامة أهل الحديث كما سيأتي النقل عنهم، ولا علاقة عندهم لهذا الاحتفال بمقتل الحسين عليه السلام ولا حياته أصلاً، وإنما النظر فيه لسائر الأحداث والانتصارات العظيمة لأهل التوحيد وإهلاك أهل الشرك .

ولذلك بالغ الحافظ أبو زرعة العراقي في إنكار هذا القول، وصنف كتابا في الرد عليه، قائلا في مقدمته :" فقد تكرر السؤال من جماعة من العوام في عدة من الأعوام عن أكل الدجاج والحبوب يوم عاشوراء، هل هو مباح أم محرم عند العلماء؟

فأجبت: بأنه من جملة المباحات، وإن اقترن بنية صالحة فهو من الطاعات،

ثم قال:" فذكر لي أن بعض العصريين أفتى بتحريم ذلك في هذا اليوم، وأنه لا يستحب فيه شيء غير الصوم، فسألت عنه فإذا هو ممن ينتحل فتاوى الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية المتعلقة بهذا المعنى المسئول عنه على التعيين "، ثم نقل كلامه ثم قال:" فأما قوله: «أنه لم يستحب أحد من أئمة الإسلام توسيع النفقة على الأهل يوم عاشوراء» ، فليس كذلك، فقد قال بذلك: عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، ومحمد بن المنتشر، وابنه إبراهيم، وأبو الزبير، وشعبة، ويحيى بن سعيد وسفيان بن عيينة وغيرهم من المتأخرين "،

الأثر الأول: أثر ابن نباتة: وفيه استحباب التوسعة على العيال فيه، وتلقي السلف لكلامه بالقبول:

. خرج أبو زرعة عن يحيى بن طاهر بن محمد بن عبد الرحيم عن أبيه حدثني أبي محمد بن عبد الرحيم حدثني أبي: عبدُ الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة قال: «التوسعة في عاشوراء على العيال سنة غير مجهولة »،

وفي قوله سنة، يعني أن له حكم الرفع.

قال الحافظ أبو زرعة:" وابن نباتة هذا إمام كبير من أئمة القرون الأربعة المفصلة، وقد ترجمه الذهبي في السير فقال:" الإمام البليغ، الأوحد، خطيب زمانه، أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة الفارقي، صاحب (الديوان الفائق في الحمد والوعظ)، وكان خطيبا بحلب للملك سيف الدولة، وقد اجتمع بأبي الطيب المتنبي، وكان فصيحا، مفوها، بديع المعاني، جزل العبارة، رزق سعادة تامة في خطبه ... توفي سنة أربع وسبعين وثلاث مائة "، فهو قبل الشيخ ابن تيمية بقرون عديدة ودهور مديدة.

الأثر الثاني: مرسل ابن المنتشر:   

قال البيهقي في الشعب (5/334) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري (وهو في تاريخه (2223) حدثنا شاذان أخبرنا جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: " كان يقال: من وسع على عياله يوم عاشوراء لم يزالوا في سعة من رزقهم سائر سنتهم "،

تابعه أبو أسامة وسفيان كلاهما عن جعفر وهو ثقة :

روى الثاني أبو محمد بن حيان قال: ثنا إبراهيم بن الحسن ثنا عبد الجبار بن العلاء حدثنا سفيان بن عيينة (ح)،

وكذلك رواه الحسن بن سلام السواق ثنا علي بن المديني ثنا سفيان حدثني جعفر بن زياد (الأحمر) عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: بلغني أنه «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سنته» مرسلا، وهو الأصح،

بينما رواه محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عن سفيان عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مباشرة ولم يذكر جعفرا الأحمر، وذِكره هو المحفوظ ،

وقال ابن هانئ: سألت أبا عبد الله .أحمد. قلت: هل سمعت في الحديث، أنه من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة؟ قال: نعم، شيء رواه سفيان عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر"، قال ابن عيينة: قل جربناه منذ خمسين سنة، أو ستين سنة، فما رأينا إلا خيرًا "، وقال: كان ابن عيينة يطري ابن المنتشر..."،

وجعفر الأحمر صدوق والأثر به حسن، وهو مقطوع على ابن المنتشر.

ثم من هو ابن المنتشر؟ والجواب أنه تابعي ثقة صالح كما قال عنه أحمد وأبو حاتم وغيرهما، وقال عنه الذهبي: ثقة قانت لله نبيل "، وقال عنه تلميذه جعفر الأحمر: كان من أفضل من رأينا بالكوفة في زمانه"، توفي قبل الخمسين والمائة بأمد، فهو من القرن الثاني من أصحاب القرون المفضلة بالاتفاق.

وفي قوله :" كان يقال ..."، إنما هو نقل عن الصحابة والتابعين كما هو معروف في علم المصطلح، لا أنه نقل عن الكذابين كما زعم الشيخ ابن تيمية ظنا منه، ووَهم في ذلك، لأنه لا تعرف لابن المنتشر رواية عن كذاب ولا متهم أصلا، بل وليس يمكن للرافضة الاعتراف بهذا الحديث، والصحيحُ أنه أخذ ذلك عن الثقات من أهلها كما سنبين.

ولذلك قال العراقي في مقدمة التوسعة على العيال متعقبا عليه :" وأما قوله: وابن المنتشر من أهل الكوفة، ثم أخذ يذمها بكثرة الكذب، وأن فيها الرافضة، والناصبة، فكلام عجيب، أيردُّ كلامَ رجل ثقة لكونه من أهل الكوفة؟ وإن كان فيها الرافضة والناصبة؟ ففيها أيضا الفقهاء المرضيون أصحاب علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود: كإبراهيم النخعي، والأسود، والأعمش، وغيرهم من الأئمة ... ولو تركنا حديث أهل الكوفة لسقط كثير من السنن الصحيحة، وقوله: فلعله سمعه من شيعة قتلة الحسين، فهذا هو الذي هو قول بلا علم، وظن مخطئ، وليس هذا بأولى من قولنا، لعله سمعه من الثقات المأمونين الذين سمع منهم بالكوفة: كمسروق بن الأجدع، وعمرو بن شرحبيل، أو سمعه ممن سمع منهم من الصحابة: كعائشة، وابن عمر، وروايته عنها في الصحيح، وهو ثقة احتج به الأئمة الستة، وتبعه أحمد بن حنبل، وابن حبان وغيرهما "،

وبعد التأمل في الأدلة السابقة واللاحقة يتبين بأن ما قاله الحافظ العراقي هو الصحيح وأن ابن المنتشر إنما أخذ هذه السنة عن الصحابة المهديين والتابعين المرضيين كما سيتبين في عرض هذه الصور والبراهين:

ولذلك قال أبو زرعة العراقي:" وفي الباب أحاديث مرفوعة، بعضها صحيح، أو حسن، وفي الباب: قول عمر بن الخطاب"، وإليك بيان هذه الأحاديث وما احتوات عليه من صور ومظاهر أخرى:  

الدليل الثالث: حديث جابر في التوسعة وتطبيق السلف له:

وهو أصح حديث في الباب كما قال السيوطي وغيره، له طريقان:

قال في المرعاة (6/363):" وقال العراقي: ولحديث جابر طريق آخر على شرط مسلم أخرجها ابن عبد البر في الاستذكار"،

1/ وهذا الطريق قال عنه ابن عبد البر في الاستذكار (10/140) حدثنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم ومحمد بن حكم قالوا حدثنا محمد بن معاوية حدثنا الفضل بن الحباب حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي ثنا شعبة عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"، قال جابر: جربناه فوجدناه كذلك، وقال أبو الزبير مثله، وقال شعبة مثله "،

وسيأتي عن سفيان بن عيينة قال مثلهم جربناه فوجدناه حقا، وقال ابن المنتشر مثلهم، وقال يحيى بن سعيد: هو حق، ووافقهم الإمام أحمد.

وكذلك قال السلف بأنه حق، وأبى المقلدة من التبديعيين إلا أن يجعلوه بدعة باطلا، ولو قال بذلك السلف، وخفي يقينا على شيخ الإسلام ومن تبعه ممن منهجه التبرّأ من مُقلديه.

وهذا الحديث الصحيح المتصل برواية الثقات، كله حجة عليهم، كيف وقد عمل به رواته واحتجوا به، وصححه الحافظ أبو زرعة في التوسعة، وقال:" ولحديث جابر طريق آخر على شرط مسلم أخرجها ابن عبد البر في الاستذكار "

وحسنه الحافظ ابن القطان في فضائل عاشوراء، وقال:" إسناد هذا الحديث حسن، وإنما لم نصححه من أجل تدليس أبي الزبير، وهو لم يذكر سماعه من جابر لهذا الحديث، ومسلم يقبل روايته.."، 

وقال عنه الحافظ أبو زرعة العراقي :" ورجاله كما ترى رجال الصحيح، ليس فيه محل نظر غير أنه من رواية أبي الزبير، عن جابر معنعنا، وقد أخرج مسلم في صحيحه أكثر من مائة وأربعين حديثا، رواية أبي الزبير عن جابر بعضها معنعن"،

وكذلك نقل ابن القيم وغيره أن أكثر الحفاظ يقبلون عنعنته ، ولا يرونه مدلسا، كما أن أبا الزبير من أوْثق الناس في جابر، فقد قال عنه عَطَاء:" كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَيُحَدِّثُنَا فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا حَدِيثَه، قَالَ: فَكَانَ أَبُو الزُّبَيْرِ أَحْفَظَنَا لِلْحَدِيثِ".

وأما ابن حجر فإنه وثق رجاله لكنه استنكره وقال : ما أدري من الآفة فيه .. والظاهر إن الغلط فيه من أبي خليفة الفضل بن الحباب، فلعل ابن الأحمر سمعه منه بعد احتراق كتبه "،

لكن: لا تُضعّف أحاديث الثقات ب "لعل" و "ربما"، كيف وللحديث مع صحته متابعةٌ أخرى،

وربما تشبث بهذا الكلام ذلك الغريق التبديعي المتشبث بالعود من الغرق، فزعم بأن ذلك بدعة ضلالة بدعوى أنه لم يثبت ولم يرد ، وهذا الحديث الصحيح المتصل مع فعل السلف حجة عليهم ، وكل رجاله أئمة ثقات، وشعبة ممن يروي عن شيوخه ما سمعوه فقط ، فصح الحديث لذاته ، كيف وللحديث متابعة أخرى ،

وقد حاول كل تبديعي مقلّد، ممن منهجه التبديع والاعتقاد، ثم الاستدلال، حاولوا كلهم رد هذا الحديث الصادم لهم بكل وسيلة:

. فمن قائل: بأنه من وضع النواصب قذفا منه لهؤلاء الأئمة السلفيين الثقات، ونصرة منهم للتقليد،

ومن قائل بأنه ضعيف لأن أصحاب الكتب المتقدمة لم يرووه ولم يسمعوا به، وكان هذا من أسمج ردودهم، لأن السنة محفوظة بمجموع الأمة مع عدالة الرواة، لا بأشخاص بعينهم، ثم إن ابن عبد البر وغيره ممن يروون أحاديثهم عن أصحاب الكتب والمسانيد المفقودة من كتب الأندلسيين، كبقي بن محلد وقاسم بن أصبغ هذا ومحمد بن معاوية وغيرهم.

. ومن حاملٍ فيه على أبي الفضل الثقة الجليل: تقليدا منه لقول ابن حجر، فإنه وثق رجاله في اللسان ثم استنكره وقال:" ما أدري من الآفة فيه .. والظاهر إن الغلط فيه من أبي خليفة الفضل بن الحباب فلعل ابن الأحمر سمعه منه بعد احتراق كتبه "،

قلت:" ولا يُضعف حديث الثقات الكبار ب "لعل" و "ربما "، وسائر الظنون، والفضل ثقة مجتمع عليه، ما ذكره أحد باللين ولا بالاختلاط، وحتى ابن حجر نفسه فإنه هنا لم يُصرّح بالاختلاط، ولا ذكر ذلك في أيٍّ من تراجمه، لا هو ولا غيره، ولذلك قال عنه الإمام الذهبي: "كان ثقة عالما، ما علمت فيه لينا إلا ما قال السليمانى: إنه من الرافضة، وهذا لم يصح عن أبي خليفة "،

وعلى فرض اختلاطه وهو لم يثبت ولم يرد، فإن محمد بن الأحمر الأندلسي قد سافر إلى بغداد باكرا، وسَمِع من شيخه أبي خليفة بالبصرة قديما جدا، ثم سافر في شتى البلاد، ثم رجع إلى الأندلس، وهذا مما يدل على قدم سماعه عنه جدا، كيف وهو لم يختلط أصلا. 

أما حرق كتبه فَنَعم قد قيل ذلك، إلا أنه كان حافظا حفظ صدر ولم يختلط، بل كان قد عمي قبل ذلك، وكان أصلا ممن يعتمد على حفظه وضبطه، لا على كتابه بسبب عماه، وقد اتفق الحفاظ على ضبطه وإتقانه مطلقا كما هو مبين في تراجمه.

ولذلك أخرج له أهْلُ الحديث ــ خاصة من تلامذته ــ في صحاحهم كابن حبان وأبي عوانة والاسماعيلي ..،

وما اتهمه أحد باللين ولا بالاختلاط، اللهم إلا اتهاما خاطئا في مذهبه وتشيعه، وقد حكى هذا الثلبَ الخليليُّ في الإرشاد رغم أنه وثقه، لكنه استدل بالقصة على وجود من تكلم فيه، وهو وهْم منه لأن القصة مكذوبة ثم هي كلامٌ عن مذهبٍ لا عن ضبطٍ. 

وهكذا نقل عنه مسلمة بن القاسم أنه يقول بالوقف ولم يصح أيضا، ففي طبقات الحنابلة ذكر أنه يقول بقول الإمام أحمد، وقال القاضي:" لما حضرت أبا خليفة الوفاة دعاني فقال: قد جعلت كل من تكلم في في حل إلا من قال إني أقف في القرآن، أقول القرآن كلام الله غير مخلوق"،

فاتق الله يا من ينسب لهذا الإمام ما هو متبرئ منه، وما ذكر أنه سوف لن يسامح لقاذفه به، ومن لم يتق الله في الرجل، فليعلم أن الكلام هنا عن ضبطه لا عن مذهبه، فإنه ثقة اتفاقا كما ألمح الذهبي، وحتى مسلمة بن قاسم الذي سيَسْتدلون به، فإنه قد قال عنه: كان ثقة مشهورا كثير الحديث وكان يقول بالوقف وهو الذي نقم عليه"، وقد ذكرنا أنه لم يصح عنه، وحتى لو صح لما جاز لأحد أو مقلد أن يستدل به على ضعف الرجل، ومن ادعى أن أحدا تكلم في ضبطه أو ضعفه فليأت به، وإلا فليتق الله في أئمة المسلمين الذين اجتمعت الأمة على ثقتهم وعدالتهم وقبول أحاديثهم والله المستعان.   

. ومن أعجب التعليلات الباردة زعْمُ بعضهم أن شعبة ليس له رواية عن أبي الزبير، فهل إذًا سيتهمون إماما كبيرا بالكذب أو التدليس نصرة للتقليد؟ وهذا ما سنجيب عنه هنا فتأمل .

. بينما عدل آخرون فلم تُقْنعهم تلك الاتهامات، فعللوا الحديث بتدليس أبي الزبير أو بالكلام فيه،

فأما عن عدالته فهو ثقة اتفاقا من رجال مسلم، قد تكلم في تعبّده شعبة، لكن لم يتكلم في ضبطه، وأما الذي اتهمه شعبة بالافتراء فهو محمد بن الزبير، فوهم البعض وظنه أبو الزبير هذا،

وإنما تكلم شعبة في بعض تعبد أبي الزبير وأفعاله، وأعتلّ بأنه رآه لا يحسن يصلي، وبأنه رآه يَزِن ويسترجح في الوزن "، ولذلك كان لا يحدث عنه في بداية الأمر ثم تراجع وحدث عنه:

قال شعبة :" وفي صدري لأبي الزبير عن جابر أربعمائة حديث، والله لا حدثت عنه حديثاً أبداً"، وقال عبد الرحمن: قال لي شعبة: لعلك ممن تروي عن أبي الزبير، لقد سمعت منه مائة حديث ما حدثت منها بحرف "،

ثم إن شعبة لم يتمالك نفسه وصار أخيرا يحدث عنه، فقد قال سويد بن عبد العزيز: قال لي شعبة: لا تكتب عن أبي الزبير، فإنه لا يحسن يصلي، ثم ذهب هو، فأخذ عنه"،

وقال ابن عبد البر:" وقول شعبة لا يحسن يصلي فهو تحامل وغيبة وقد حدث عنه "،

كما ذكروا في ترجمته أنه روى عنه، وقال ابن عدي الحافظ: " وقد حدث عنه شعبة أيضا أحاديث إفرادات كل حديث ينفرد به رجل عن شعبة، .. وكفى بأبي الزبير صدقا أن يحدث عنه مالك، فإن مالكا لا يروي إلا عن ثقة، ولا أعلم أحدا من الثقات تخلف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه وهو في نفسه ثقة .."، 

بل هو من أوثق الناس في جابر كما صح عن عطاء قال: كنا نكون عند جابر بن عبد الله فيحدثنا فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه. قال فكان أبو الزبير أحفظنا للحديث "،

وأما عن تدليسه فمختلف فيه، فأثبته الدارقطني ومن معه، ونفاه الحاكم ومن تبعه، وفي ذلك بحث مستقل، ما يهمنا منه الآن أن الحديث متصل، لأن من منهج شعبة أنه لا يروي عن شيوخه إلا ما سمعوه فقط، وهو نفسه الذي صرح بذلك كثيرا، وقال يحيى بن معين: استحلف شعبة أبا الزبير بين الركن والمقام أنك سمعت هذه الأحاديث من جابر فقال الله إني سمعتها من جابر، يقولها ثلاثا "،

ثم إن الإمام شعبة قد احتج بالحديث وعمل به وقال :" وجدناه حقا "، وهو أعلم بما روى،

فصح هذا الحديث لذاته، وقد قال عنه الحافظ أبو زرعة العراقي :" ورجاله كما ترى رجال الصحيح، ليس فيه محل نظر غير أنه من رواية أبي الزبير، عن جابر معنعنا، وقد أخرج مسلم في صحيحه أكثر من مائة وأربعين حديثا، رواية أبي الزبير عن جابر بعضها معنعن"،

وكذلك نقل ابن القيم أن أكثر الحفاظ يقبلون عنعنته، ولا يرونه مدلسا، كيف وقد روى عنه شعبة ؟ ثم ذكر النقول في ثقة رجال هذا الإسناد، ثم إن أبا الزبير من أوْثق الناس في جابر، فقد قال عنه عَطَاء:" كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَيُحَدِّثُنَا فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا حَدِيثَه، قَالَ: فَكَانَ أَبُو الزُّبَيْرِ أَحْفَظَنَا لِلْحَدِيثِ "، فصح الحديث، كيف وله متابعة وشواهد أخرى كثيرة جدا :

2/ خرج المتابعةَ العراقي والخطيبُ والبيهقيُّ في الشعب (5/331) من طرق عن عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري حدثنا عبد الله بن أبي بكر ابن أخي محمد بن المنكدر عن محمد بن المنكدر عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله على أهله طول سنته "، قال:" هذا إسناد ضعيف وروي من وجه آخر "،

ثم قواه البيهقي بشواهده اللينة، فكيف الأمر لو علم بتلك الطريق الصحيحة، وله شواهد أخرى كثيرة من أصحها: 

دليل أو الدليل الرابع: حديث ابن عمر في التوسعة:

 له طريقان:

1/ قال الدارقطني في الأفراد: حدثنا محمد بن موسى بن سهل ثنا يعقوب بن خرة الدباغ ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته»،

قال الدارقطني: منكر من حديث الزهري عن سالم، وإنما يروى هذا من قول إبراهيم بن محمد بن المنتشر، ويعقوب بن خُرّة ضعيف"،

كذا في اللسان من ترجمته، وهل وهِم يعقوب في حديثه أم هو محفوظ ؟  

فالداراقطني يزعم بأنه وهِم فيه استدلالا بما مرّ من رواية الثقات عن سفيان حدثني جعفر بن زياد عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: فذكره ، وأما يعقوب بن خرة فقد جعله عن سفيان من حديث ابن عمر.  

2/ لكن من يزعم بأنه محفوظ من الوجهين فلوجود المتابعة القاصرة ليعقوب بالسند إلى ابن عمر:

روى ذلك السيوطي في اللآلئ (2/96) وأبو زرعة في التوسعة من طريق سهل بن أبي عيسى بن صالح الفراهاني المروزي أنا خطاب بن أسلم من أهل أبيورد ثنا هلال بن خالد عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان ذا جدة وميسرة فوسع على نفسه وعياله يعني يوم عاشوراء وسع الله عليه إلى رأس السنة المقبلة»، قال الخطيب: في إسناده غير واحد من المجاهيل، ولا يثبت عن مالك "،

وقال الإمام عبد الملك المشهور وهو أحد أئمة المالكية :

لا تنس لا ينسك الرحمن عاشورا ... واذكره لا زلت في الأخيار مذكورا

قال الرسول صلاة الله تشمله ...   قولا وجدنا عليه الحق والنورا

من بات في ليل عاشوراء ذا سعة ... يكن بعيشته في الحول محبورا

قال السيوطي :" وهذا من الإمام الجليل دليل على صحة الحديث والله أعلم ".  

وقد ضعفه ابن رجب مطلقا وقال:" فقال حرب: سألت أحمد عن الحديث الذي جاء: "من وسع على أهله يوم عاشوراء" فلم يره شيئا، وقال ابن منصور: قلت لأحمد: هل سمعت في الحديث: "من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر السنة" فقال: نعم، رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد عن المنتشر وكان من أفضل أهل زمانه أنه بلغه: أنه من وسع على عياله يوم عاشوراء أوسع الله عليه سائر سنته قال ابن عيينة: جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيرا"، ثم قال:" وقول حرب أن أحمد لم يره شيئا إنما أراد به الحديث الذي يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يصح إسناده، وقد روي من وجوه متعددة لا يصح منها شيء وممن قال ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وقال العقيلي: هو غير محفوظ وقد روي عن عمر من قوله وفي إسناده مجهول لا يعرف ".

فهذا النقل يبين أن الإمام ابن رجب وأحمد إنما ضعفا هذا الحديث المرفوع، لكنهما ما بدّعا التوسعة فيه، بل إن الإمام أحمد قد قال به، وقال لابن منصور : نَعم، تبعا لرواية ابن المنتشر الذي قال عنه أحمد بأنه أفضل أهل زمانه، ولقبول رواته له كابن عيينة وغيره، وقد كان أحمد كثيرا ما يوافق السلف، ولو لم يصح عنده الحديث، ومع ذلك فقد ورد هذا الحديث من طرق أخرى ثابتة وصحيحة كما مر من حديث جابر، ولا يحيط علما بالسنة وكافة طرقها إلا رب العالمين:

الدليل الخامس: حديث عمر موقوفا عنه وله حكم الرفع:

خرجه أبو زرعة في التوسعة عن الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (10/140) قال: حدثنا سعيد بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا أبو محمد العابد عن بهلول بن راشد عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب:" من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة "، قال يحيى بن سعيد: جربنا ذلك فوجدناه حقا "،

هذا حديث حسن كل رجاله ثقات، وفي سماع سعيد من عمر خلاف معروف، وقد أدركه ،

فهذا إمام السلف وأهل الحديث يحيى بن سعيد يقول بأنه حق، وأبى التبديعيون إلا أن يجعلوه ضلالا، بدعة باطلا، والله المستعان.

وهذا الحديث الصحيح مع ما قبله وحديث جابر الصحيح مما يُحاجون به عند ربهم، فقد قال عنه الحافظ العراقي والسخاوي في المقاصد (1193) :" إسناده جيد "،

إلا أن بعض المقلدة حاول جُهدًا تضعيف هذا الحديث بأي وسيلة كما حاولوا في حديث جابر، ليس لشيء إلا للتقليد.

. فادعى بعضهم بجهالة بعض رواته، وأن ابن معين والعقيلي وابن رجب لم يعرفوا بعضهم :

فمن قائل أن أبا محمد العابد هو المجهول، وهذا خطأ، لأن الرجل ثقة عابد معروف، ترجمه أبو العرب وقال:" كان رجلا صالحا، ثقة، له سماع من ابن غانم القاضي، ومن بهلول بن راشد "، ووثقه غيره، وأثنى عليه سحنون وقال ابن يونس: معروف"،

ومن عرف حجة عند الله على من لم يعرف، فسقط تجهيل التبديعيين، لكنهم لم يقنعوا:

فقال آخرون: بل بهلول هو المجهول لأن ابن معين لم يعرفه، وهذا خطأ شنيع آخر، بل هو ثقة معروف، فقد عرفه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان والعقيلي وابن الجويني والذهبي وغيرهم ووثقوه، وقال عنه محمد بن أحمد التميمي:" كان ثقة مجتهداً ورعاً مستجاب الدعوة لا شك في ذلك، كان عنده علم كثير"، وقد أطال القاضي عياض في ترجمته ومدحه وذكر أنه وتد من أوتاد أهل المغرب، والبقية ثقات معروفون،

. ومع ذلك فقد حاول آخرون الكلام في محدث الأندلس محمد بن وضاح ، وهو الحافظ الكبير كما وصفه الذهبي، وهو إمام ثقة زاهد كما قال ابن الجزري ، وقال القاضي عياض: وكان ابن الزراد يصفه بكل فضيلة، وأنه لم ير مثله في العقل والفهم وحفظ معاني الحديث وحسن الحكايات، قال: وكان إماما، وقال ابن أبي دليم وابن فرحون: كان ابن وضّاح إماما ثبتا، وقال ابن الفرضي: وبمحمد بن وضّاح وبقي بن مخلد صارت الأندلس دار حديث، وكان محمد بن وضّاح عالما بالحديث، بصيرا بطرقه، متكلما على علله "، وقال الذهبي:" هو صدوق في نفسه، رأس في الحديث"، وقال الحميدي: من الرواة المكثرين والأئمة المشهورين"، ومن تكلم فيه فليس في تضعيف روايته، وإنما بسبب التصحيف، ولردّه لعدد من الأحاديث المشهورة بدعوى التضعيف كما زعم ابن الفرضي،

وأما في روايته فهو ثقة اتفاقا، وكذلك احتج به ابن عبد البر وابن حزم في كتبهما كثيرا وصححا له .

فالحديث إذا صحيح، كما قال الحافظ أبو زرعة في كتابه التوسعة على العيال :" وإسناده جيد ، سعيد بن نصر وقاسم بن أصبغ ثقتان، ومحمد بن وضاح صدوق تكلم فيه، وأبو محمد العابد اسمه خلف بن محمد من أهل أفريقية، قال ابن يونس: وهو رجل معروف بالمغرب، وبهلول بن راشد روى عنه جماعة، وقال أبو زرعة: ثقة لا بأس به، وقال ابن يونس: كانت له عبادة وفضل، وذكره ابن حبان في الثقات ، وباقيهم رجال الصحيح، نعم في سماع ابن المسيب من عمر خلاف "، وقال في المرعاة :" رجاله ثقات، لكنه من رواية ابن المسيب عنه، وقد اختلف في سماعه منه "،

. قلت: وقد أدركه ورآه اتفاقا، وثبت سماعه عنه على الصحيح، والمثبت مقدم على النافي، فقد قال أبو طالب: قلت لأحمد :" سعيد بن المسيب عن عمر حجة ؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه ، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل ؟!"،

والمثبت مقدم على النافي، وحتى من نفى سماعه عنه فإنه يجعله حجة، لقبولهم مراسيل ابن المسيب وأنه لا يرويها إلا عن الثقات، بل قالوا: مراسيله كلها صحيحة، كيف وقد سمع منه، فصح بذلك الحديث المرفوع حكما وبالله التوفيق،

ومع صحته فلا زالت الشواهد تتتابع تترا، وقد تقرر أنه إذا كان الحديث ضعيف ثم ورد من طرق أخرى مثله، فإنه يتقوى، فكيف بحديثين صحيحين لذاتهما، مسلسليْن بروايات الثقات والمعدلين، ومعهما شواهد كثيرة، لكن الله المستعان على ما يُؤولون ويردون ويبدعون، ولا زلنا نأتيهم بالدلائل لعلهم يرعوون:

دليل أو الدليل السادس: حديث أبي سعيد: له طريقان أو ثلاثة:

1/ رواه محمد بن علي بن شعيب البزاز وابن أبي الدنيا عن خالد بن خداش: ثنا عبد الله بن نافع ثنا أيوب بن سليمان بن مفلح [بن ميناء] عن رجل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وسع على أهله يوم عاشوراء؛ وسع الله عليه السنة كلها "، خرجه البيهقي في الشعب (5/333)،

قال في مرعاة المفاتيح (6/363) :" قال الحافظ ابن حجر في أماليه: لوْلا الرجل المبهم لكان إسناداً جيداً لكنه يقوى بما ..."، قلت : وهذا يعني أنه قبل رواية أيوب بن سليمان وقد وثقه ابن حبان وابن قطلوبغا، وقد روى عنه ثلاثة،

وأما هذا المبهم فهو ثقة عند تلميذِه، وهو أعرف الناس به وهذا مما يقوي أمر الحديث:

. فقد خرجه ابن بشران في أماليه (11584) عن إسحاق في مسنده عن عبد الله بن نافع أيضا ثنا أيوب بن سليمان بن مفلح أنه حدثه الثقة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثله،

وله طريق ثالثة تبين أن هذا الثقة هو ابن أبي صعصعة والله أعلم، فصح الحديث :

. خرجها ابن الأعرابي في المعجم (1ص141) والطبراني في الأوسط (9/121) عن محمد بن إسماعيل بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن سلمة بن أسلُم عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وسع على أهله يوم عاشوراء, وسع الله عليه سنته كلها»، قال الحافظ ابن حجر: الجعفري ضعفه أبو حاتم، وشيخه ضعفه أبو زرعة، ورجال الإسناد كلهم مدنيون معروفون ".

دليل سابع: حديث ابن مسعود: له طريقان :

1/ خرجه البيهقي في الشعب (5/331) وفي فضائل الأوقات (ر244) والعقيلي عن الهيصم بن شداخ عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من وسع على عياله يوم عاشوراء لم يزل في سعة سائر سنته»، 

قال الحافظ ابن حجر في أماليه :" اتفقوا على ضعف الهيصم وعلى تفرده به"، 

لكن لم يتفرد به، بل قد توبع :

2/ خرج متابعته - كما ذكر أبو زرعة العراقيّ -:  أبو القاسم بن عساكر في جزء له في فضل عاشوراء من رواية سعد بن سعيد الجرجاني عن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن الربيع بن خيثم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه وعلى عياله إلى مثلها من السنة المقبلة، وأنا الضامن له، وكل درهم سينفق في يوم عاشوراء يريد به ما عند الله , يحسب بسبع مائة ألف في سبيل الله، وكان عند الله أكثر ثوابا من في السموات والأرض، ومن تصدق في يوم عاشوراء فكأنما تصدق على ذرية آدم صلوات الله عليه وسلم» ،

والجرجاني ضعيف، وأبو طيبة فيه لين.

الدليل الثامن: حديث أبي هريرة: له طريقان:

1/ خرجها البيهقي في الشعب (5/333) وغيره من طريق حجاج بن نصير قال: حدثنا محمد بن ذكوان الجهضمي حدثنا يعلى بن حكيم عن سليمان بن أبي عبد الله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ».  

قال البيهقي :" هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة، والله أعلم "،

وفي هذا الإسناد حجاج بن نصير ومحمد بن ذكوان مختلف في توثيقهما، وسليمان قيل بجهالته، والحديث مما يعتبر به ويُتقوى كما قال البيهقي، وقال العراقي :".. سليمان هذا روى عن جماعة من الصحابة: سعد بن أبي وقاص، وصهيب، وأبي هريرة، قال البخاري في التاريخ: أدرك المهاجرين، وقال أبو حاتم: ليس بالمشهور، فيعتبر حديثه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد ذكره أبو الحسن بن القطان في كتاب بيان الوهم والإبهام، أن الراوي إذا وثق زالت جهالته وإن لم يرو عنه إلا واحد، وقد روى له أبو داود في سننه: أنه رأى سعد بن أبي وقاص أخذ رجلا قصيرا في حرم المدينة. . . . . . الحديث، وسكت عليه فهو عنه صحيح أو حسن".

ثم قال:" ولكن الحجاج بن نصير ضعفه ابن المديني، والبخاري، وأبو حاتم، والعجلي، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، نعم قال يعقوب بن شيبة عن ابن معين: صدوق، ولكنهم أخذوا عليه أشياء في حديث شعبة، وقال صاحب الميزان: لم يأت بمتن منكر، وذكره ابن حبان في الثقات ".

ثم قال:" وعلى هذا فالحديث صحيح على رأي ابن حبان، فإنه ذكر الحجاج بن نصير، ومحمد بن ذكوان، وسليمان بن أبي عبد الله في الثقات، وباقي رجاله معروفون بالثقة "، وله طريق آخر صححه ابن ناصر وغيره :

2/ خرجه أبو زرعة العراقي في التوسعة على العيال وقال:" ولحديث أبي هريرة طريق آخر رجاله ثقات ولكنه منكر"، ثم خرجه من طريق ابن الجوزي (في كتابه) قال ثنا أبو الفضل محمد بن ناصر من لفظه وكتابه مرتين أنا أحمد بن الحسين بن قريش أنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري (ح)، قال ابن الجزري: وقرأت على أبي القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري ثنا أبو بكر أحمد بن منصور البرسري ثنا الحافظ أحمد بن سليمان النجاد ثنا إبراهيم الحربي ثنا سريج بن النعمان ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة، يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، فصوموه، ووسعوا على أهاليكم فيه، فإنه من وسع على أهله من ماله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته فصوموه فإنه اليوم الذي تاب الله على آدم» فذكر حديثا طويلا نحو ورقة وفيه «من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضا إلا مرض الموت، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينيه تلك السنة كلها» الحديث.

ثم قال: قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر ــ راوي هذا الحديث ــ :" هذا حديث حسن عزيز، ورجاله ثقات، وقد أخرج عن أكثرهم في الصحيحين ... قال: وما سمعنا -بإسناد أصح من هذا الإسناد المذكور، ومن عمل به أعطي ثواب من صدّق ولم يُكذّب ".

ثم قال أبو زرعة : وذكر أبو الفرج بن الجوزي في فضائل الشهور عن ابن ناصر أيضا أنه قال: هذا إسناد صحيح، وإسناده على شرط الشيخين انتهى "،

ثم قال: هكذا اقتصر على حكاية كلام ابن ناصر في هذا الكتاب، وأما في الموضوعات فرواه –ابن الجوزي- بسنده كما تقدم، ثم قال–ابن الجوزي-: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه "، ... ثم ذكر بعض ألفاظ متنه المنكرة ثم علله بابن أبي الزناد وقال :" فلعل بعض أهل الزيغ والإلحاد قد أدخله في حديثه ".

وقال السيوطي :" أخرجه ابن الجوزي وقال: رجاله ثقات والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه وركبه على هذا الإسناد، وقال ابن عراق: قلب، قال الذهبي: أدخل علي أبي طالب محمد بن أحمد العشاوي أحد رواته فحدث به بسلامة باطن، وفي سنده أبو بكر النجار، وقد عمى بآخره، وجوز الخطيب أن يكون أدخل عليه شيء، فيحتمل أن يكون مما أدخل عليه انتهى ".

قلت: علله بعضهم بالعشاري وآخرون بالنجاد، وهما من الثقات كما قال ابن الجوزي والعراقي وغيرهما، وإنما علته ابن أبي الزناد، فإنه صدوق بالمدينة اختلط ببغداد، وقد حدث بهذا الحديث ببغداد لما اختلط، لكن لا يلزم منه أن يكون موضوعا أو مدسوسا كله، فإن أصله وطائفة من متنه هي فعلا من حديث ابن أبي الزناد ولها متابعات أو شواهد أخرى، وطائفة أخرى لا شواهد لها، وهي ضعيفة، وبعضها مخالف للروايات الصحيحة وهي منكرة، وربما قد تكون هي التي دُست فعلا في حديث ابن أبي الزناد ولم ينتبه إليها بسبب اختلاطه، ولعل ابن الجوزي حكم هنا بالوضعِ على ما في الحديث من زيادات منكرة ، وأما أصله في التوسعة يوم عاشوراء فصحيح معروف وله شواهد كثيرة،

ولذلك قال المناوي في فيض القدير (6/306) :" وتعقب ابن حجر حكم ابن الجوزي بوضعه "، وكذلك تعقبه فيه غير واحد وهو معروف بالتساهل في الحكم بالوضع .

هذا وقد ضعفَ أصلَ هذا الحديث أحمد والعقيليُّ وابنُ حجر وابن تيمية وابن رجب، وبعضهم لم يطلع على طرقه الصحيحة، وقد صححه ابن ناصر والعراقي والسخاوي والسيوطي وابن حجر الهيتمي وغيرهم،

وحتى من لم يقع عنده الطرق الصحيحة فإنه يحسن الحديث لهذه الشواهد الكثيرة، كما قال البيهقي :" هذه الأسانيد وإن كانت ضعيفة فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة "، قال العراقي: قال ذلك مع أنه لم يقع عنده حديث جابر الصحيح ". 

وفي حاشية رد المختار لابن عابدين متعقبا من أنكر الحديث :" وهو مردود بأن أحاديث الاكتحال فيه ضعيفة لا موضوعة، كيف وقد خرجها في الفتح ثم قال :" فهذه عدة طرق إن لم يحتج بواحد منها ، فالمجموع يحتج به لتعدد الطرق "، وقال الحافظ ابن حجر في (27-30) :" أسانيده كلها ضعيفة ، ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض أفاد قوة، والله اعلم ".

ومضى ما قاله الحافظ أبو زرعة العراقي في مقدمة التوسعة على العيال :" فَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ، بَعْضُهَا صَحِيحٌ، أَوْ حَسَنٌ، وَفِي الْبَابِ: قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالْمَرْفُوعُ وَالْمَوْقُوفُ أَعْلَى مِنَ الْمَقْطُوعِ الَّذِي ذَكَرَهُ ".

وخرج عن عبد الرحيم بن محمد بن نباتة قال: «التوسعة في عاشوراء على العيال سنة غير مجهولة»، وقد رد أبو زرعة العراقي على الشيخ ابن تيمية في تضعيفه لهذا الحديث وأجاد في ذلك وأفاد.

دليل أو الدليل التاسع: قال العراقي : رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في جزء له في فضل عاشوراء، من رواية سعد بن سعيد الجرجاني عن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن الربيع بن خيثم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه وعلى عياله إلى مثلها من السنة المقبلة، وأنا الضامن له، وكل درهم سينفق في يوم عاشوراء يريد به ما عند الله , يحسب بسبع مائة ألف في سبيل الله، وكان عند الله أكثر ثوابا من في السموات والأرض، ومن تصدق في يوم عاشوراء فكأنما تصدق على ذرية آدم صلوات الله عليه وسلم .. » .

قال ابن عساكر: غريب جدا، قلت ـ العراقي ـ: وهو حديث منكر، وأحسب آفته من متأخري رواته، فإن الربيع بن خيثم ثقة ..كرز بن وبرة أحد الزهاد العباد ذكره ابن حبان في الثقات، وأبو طيبة اسمه عيسى بن سليمان بن دينار الدارمي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ، وقال حمزة السهمي: كان من العلماء الزهاد، نعم قال ابن معين: ضعيف.

وأما سعد بن سعيد الجرجاني ولقبه سعدويه، قال فيه البخاري: لا يصح حديثه ــ حامل القرآن ــ.

وقال ابن عدي: رجل صالح له عن الثوري ما لا يتابع عليه "، لكن قد قال عنه مسلمة: ثقة، وذكره ابن قطلوبغا في الثقات، وهذا يعني أنه ممن يعتبر به .

وكذلك أبو طيبة فقد قال عنه ابن عدي :" وأبو طيبة هذا كان رجلا صالحا، ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب ولكن لعله كان يشبه عليه فيغلط "،

قلت: فأما كرز فقد وثقه ابن حبان وكذلك ابن قطلوبغا وذكروا أنه كان وليا وعابدا صالحا غازيا، قال عنه الذهبي :" الزاهد، القدوة، أبو عبد الله كرز بن وبرة الحارثي، الكوفي، نزيل جرجان، وكبيرها "، فالحديث مما يُعتبر به والله أعلم .  

. وأما تخصيص زيارة القبور والصلاة فيه فلا أصل لذلك والله أعلم.

الصورة الخامسة: استحباب الصوم واللعب والرقص الحربي، والدف والأناشيد، واستبدال ستر الكعبة كل سنة يوم عاشوراء احتفالا به:

الدليل الأول: في تخصيص ستر الكعبة فيه:

خرجه البخاري في صحيحه (1592) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوما تستر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه»,

الدليل الثاني: خرجه الأزرقي عن عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطي من بيت المال، وكان يكتب فيها إلى مصر تحاك له هناك، ثم عثمان من بعده، فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين: كسوة عمر القباطي، وكسوة ديباج، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، وتكسى القباطي في آخر شهر رمضان للفطر"، ...

دليل ثالث: الخطبة والوعظ في عاشوراء:

خرج الأزرقي في أخبار مكة (1/252) باب ذكر كسوة الكعبة في الإسلام وطيبها وخدمها وأول من فعل ذلك، ثم خرج عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى حدثنا أبي عن خالد عن ابن المهاجر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عاشوراء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا يوم عاشوراء، يوم تنقضي فيه السنة، وتستر فيه الكعبة، وترفع فيه الأعمال، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن أحب منكم أن يصوم فليصم» ولم يصح.

وقد يشهد لهذا المعنى  خرجه البخاري 7265 عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرجل من أسلم: «أذن في قومك، أو في الناس يوم عاشوراء أن من أكل فليتم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم».

الدليل الرابع: حديث زيد في الرقص الحربي وستر الكعبة:

قال الطبراني في الكبير 4876 - حدثنا أحمد بن محمد الجواري الواسطي ثنا زيد بن أخرم ثنا أبو عامر العقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور في السنة فكان الناس يأتون فلانا اليهودي فيسألونه فلما مات اليهودي أتوا زيد بن ثابت فسألوه "،

والتقلس: هو الرقص الحربي، واللعب بالسيوف والرماح ونحوها من آلات الحرب، وهو أمر مشروع في العيدين وغيرهما من المناسبات الدينية لهذا الحديث الحسن، والسنة التقريرية، التي بإقراره عليه السلام لِلَعبهم .

وهذا أثر موقوف، وإنما المرفوع منه قول الصحابي:" إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وقد قال الحافظ ابن حجر في الفتح عن هذا الحديث (7/276) :"إسناده جيد"، وهو كما قال خاصة مع شاهده الصحيح السابق، ولو كان فيه ابن أبي الزناد، فإنه صدوق في رواية المدنيين كهذه، وإنما اختلط لما ذهب للعراق، والراوي عنه أبو عامر العقدي بصري لكنه ارتحل إلى المدينة قديما وحدث بها عن عبد العزيز الماجشون والإمام مالك وابن أبي ذئب وكذلك عن ابن أبي الزناد وغيره، ومما يؤكد أيضا على أنه روى عنه قبل الاختلاط كون أبي عامر العقدي متقدما مات سنة أربع ومائتين وقد أدرك المتقدمين كمالك (179)، بل وقبله ابن أبي ذئب (158).

وأما كون عاشوراء يدور في السنة وأن زيدا كان يعلمه ويريه لهم، فليس بمرفوع وإنما هو من اجتهاد زيد فقط، وللحديث شواهد أخرى: 

الدليل الخامس: حديث عائشة في لعب الحبشة أيام الأعياد، وفي عيد عاشوراء أيضا:

وقد تعددت هذه القصة لأم المؤمنين:

أ: فروى جماعة أن ذلك كان في يوم عيد، ولم يفصحوا أي عيد.

ب: وروى مالك أنه عيد عاشوراء:

قال ابن عبد البر في الاستذكار:" رواه مالك (في الموطإ 906 باب: النظر إلى اللعب) نا أبو النضر عمن سمع عائشة تقول: سمعت أصوات ناس من الحبش وغيرهم وهم يلعبون يوم عاشوراء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أتحبين أن تري لعبهم ؟ قلت: نعم، فأرسل إليهم فجاؤوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بيْن البابين فوضع كفه على الباب ومد يده ووضعت يدي على يده وجعلوا يلعبون وأنا أنظر وجعل رسول الله يقول: حسبك مرتين أو ثلاثا، ثم قال: يا عائشة حسبك، فقلت: نعم فأشار إليهم فانصرفوا "،

قال عثمان المالكي في المهيأ كشف أسرار الموطإ (4/249) :" فإن قيل: ما الحكمة في لعبهم يوم عاشوراء، أجيب بأنهم أظهروا السرور وجعلوا ذلك اليوم عيدًا بتخليص الله تعالى أجدادهم نوح صلوات الله على نبينا وعليه من الغرق بالماء حين ملئ بين المشرق والمغرب بالماء وهم في أصلاب آبائهم في ذلك اليوم ". 

فأما القصة الأخرى في لعب الحبشة والنظر إليهم يوم العيد، فقد كانت أم المؤمنين هي التي انصرفت أوّلا، ووضعت وجهها على منكبه، وأما هذه فهو الذي صرفها ووضع يده في يدها، والحديث بها حسن، لمكانة مالك وروايته عن الثقات، ولوجود المتابعة السابقة والتي تبينت أن هذا المبهم قد يكون هو خارجة بن زيد كما مر .  

الدليل السادس: حديث أبي الحسين خالد بن ذكوان المدني عن الرُّبيع:

وفيه الاحتفال بعاشوراء عن طريق اتخاذ الألعاب للصبيان وأخذهم للمسجد لمشاهدة اللعب، وحتى تصويمهم مع الكبار:

خرجه البخاري (1960) باب صوم الصبيان، ومسلم (1136) عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: «من أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما، فليصم»، قالت: فكنا نصومه بعد ذلك، ونُصَوِّم صبياننا [الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد]، ونجعل لهم اللعبة من العهن، [تلهيهم حتى يتموا صومهم] فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار ".

ومما يلهي الصبية أيضا مشاهدة اللهو كما في الأحاديث السابقة واللاحقة والجمع بينها يبين ذلك .

الدليل السابع: وفيه الاحتفال بالغناء والدفوف في يوم عاشوراء وفي سائر الأعياد والأفراح في زمن الصحابة والتابعين، بإقرار منهم:

وهو حديث آخر لأبي الحسين خالد بن ذكوان المدني عن الرُّبيع يؤكد ما سبق:

1. قال ابن ماجه في سننه: باب الغناء والدف، ثم خرج 1897 من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أبي الحسين - اسمه خالد بن ذكوان المدني - قال:" كنا بالمدينة يوم عاشوراء، والجواري يضربن بالدف ويتغنين، فدخلنا على الربيع بنت معوذ، فذكرنا ذلك لها فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي، وعندي جاريتان يتغنيان وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر، وتقولان فيما تقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد "، فقال :" أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله "،

هذا حديث صحيح رجاله ثقات، صححه الألباني وغيره، وقد خرجَ البخاري أصله (5147) مختصرا، وأبو الحسين ثقة صدوق، وهذا الطريق هو المحفوظ،

وقد تابعه عبد الصمد وبشر عن حماد:

2. وورد من طريق أخرى عن أبي جعفر الخطمي وهو ثقة أيضا، لكن ما أراه بالمحفوظ ، إذ ليس له رواية كثيرة عن الرُّبيع :

روى ذلك زكريا بن حمدويه الصفار وفيه جهالة ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي قال: كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويغنين فدخلت علينا الربيع فذكرنا ذلك لها..."،

والصحيح الأول عن أبي الحسين، وقد يحتمل أنه رواه عنهما معا، فيزداد الحديث صحة.

وفي قول أبي الحسين :" كنا بالمدينة يوم عاشوراء، والجواري يضربن بالدف ويتغنّين فدخلنا على الربيع بنت معوذ، فذكرنا ذلك لها "،

ثم أخبرتهم بقصة عرسها مستدلة لهم بها على جواز الدف والتغني في عاشوراء أيضا، وهذا أكبر دليل وأوضحه على احتفال الصحابة والتابعين بعاشوراء وإقرارهم لذلك، ولفظ " كنا " يفيد الاستمرارية ، وأن ذلك الاحتفال كان من دأب السلف، وقد خاب من بدّع ذلك. 

صورة سادسة: تخصيص الاكتحال فيه والغسل:

ولم يصح ذلك كما ذكر ابن رجب، وفي تخصيص الاكتحال اختلاف، والأوْلى تركه:

دليل أول:

1. تقدم ما ورواه النجاد ثنا إبراهيم الحربي ثنا سريج بن النعمان ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة، يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، فصوموه، ووسعوا على أهاليكم فيه، فإنه من وسع على أهله من ماله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته فصوموه فإنه اليوم الذي تاب الله على آدم» فذكر حديثا طويلا نحو ورقة وفيه «من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضا إلا مرض الموت، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينيه تلك السنة كلها ,,, » الحديث وقد مر ما فيه من حسن أو زيادات منكرة، بسبب اختلاط ابن أبي الزناد، فعلينا أن ننظر: هل لزبادة الغسل والاكتحال متابعات أو شواهد ؟ والجواب: نعم، لكن لا يُتقوى بمثلها : 

2. قال السيوطي في اللآلئ (2/94) وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق أبي بكر بن مردويه حدثنا أبو علي أحمد بن عثمان بن أحمد الأبهري حدثنا محمد بن محمد بن عروة حدثنا علي بن سلمة البغدادي حدثنا محمد بن المغيرة حدثنا إسماعيل بن معمر بن قيس حدثنا محمد بن قيس الحبطي حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: من اكتحل يوم عاشوراء بإثمد فيه مسك عوفي من الرمد "،

ورواه حفص بن عمر قال: حدثنا سعيد بن عمرو: حدثنا محمد بن عبد الله السلمي قال: حدثنا اسماعيل ابن معمر به، وإسماعيل بن معمر مجهول لا أعلم فيه إلا قول الذهبي في الميزان: ليس بثقة والله أعلم، وهذا يعني أن الحديث لا يُعتبر به ، وله شاهد آخر لكن جويبرا ضعيف جدا لا يتقوى بأمثاله إلا إذا كثروا : 

3. فقال البيهقي في الشعب (5/334) أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني عبد العزيز بن محمد بن إسحاق حدثنا علي بن محمد الوراق حدثنا الحسين بن بشر حدثنا محمد بن الصلت حدثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا"،

قال: وكذلك رواه بشر بن حمدان بن بشر النيسابوري عن عمه الحسين بن بشر، ولم أر ذلك في رواية غيره، عن جويبر، وجويبر ضعيف، والضحاك لم يلق ابن عباس "، فصار الحديث مما لا يُعتد به والله أعلم.

وهو قول المالكية، استدلالا بما يلي:  

دليل 1. مر أن الحديث موجود في نسخة النجاد حدثنا إبراهيم الحربي حدثنا شريح ابن العمان حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ :" ومن تصدق بصدقة يوم عاشوراء فكأنما لم يرد سائلا قط، ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضا إلا مرض الموت، ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينيه تلك السنة كلها ..."

وفي النسخة أيضا :" ومن أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء مر على الصراط كالبرق الخاطف ومن تصدق بصدقة فكأنما لم يرد سائلا قط ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض إلا مرض الموت ومن اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عيناه تلك السنة كلها ومن أمر يده على رأس يتيم فكأنما أمر يده على يتامى ولد آدم كلهم ومن عاد مريضا يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى ولد آدم كلهم ".

وقد مر الكلام عليه وأنه لا بد له من شواهد ، وهي موجودة :

المسألة الثالثة: تجميع أقوال العلماء، ونقول الإجماع على مشروعية الاحتفال بعاشوراء:

ذكرنا في السابق من قال بالتوسعة من أئمة الحديث ومن جماهير السلف من أصحاب القرون المفضلة ولم يعرف لهم مخالف، فذكرنا ذلك عن عمر الفاروق،

وقال جابر رضي الله عنه: جربناه فوجدناه كذلك، وقال أبو الزبير مثله، وقال شعبة مثله،

وقال الإمام يحيى بن سعيد: جربنا ذلك فوجدناه حقا "،

وكذلك قال يحيى الأنصاري، وابن المنتشر وابنه إبراهيم وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وأحمد وابن نباتة وغيرهم من جبال السلف،

وقال الحافظ أبو الفضل بن ناصر ــ راوي هذا الحديث ــ :" هذا حديث حسن عزيز، ورجاله ثقات، وقد أخرج عن أكثرهم في الصحيحين ... قال: وما سمعنا بإسناد أصح من هذا الإسناد المذكور، ومن عمل به أعطي ثواب من صدّق ولم يُكذّب ".

وملا ذكر ذلك عن أبي زرعة وابن القطان وغيرهم.

وبه أخذت عامة مذاهب المسلمين كما هو مدوَّن في كتب فقه المذاهب السنية :

فأما المالكية: ففي التاج والإكليل:" قال ابن العربي : أما النفقة في يوم عاشوراء والتوسعة فمخلوفة باتفاق وأنه يخلف الله بالدرهم عشرة أمثاله "،

قال ذلك ابن العربي في في المسالك شرح موطإ مالك (4/205) ثم قال: وقد رأيت لابن حبيب – إمام مالكي- قطعة أبيات نذكرها إن شاء الله:

لا تنس لا ينسك الرحمن عاشورا ... واذكره لا زلت في الأحياء مذكورا

قال الرسول صلاة الله تشمله ... قولا وجدنا عليه الحق والنورا

أوسع بمالك في العاشور إن له ... فضلا وجدناه في الآثار مأثورا

من بات في ليلة العاشور ذا سعة ... تكن معيشته في الحول مسرورا

فارغب فديتك فيما فيه رغبنا ... خير البرية مقبورا ومنشورا

ثم قال:" وقد تكلمنا على فضله ومعانيه في "كتاب المواعظ"، وأشبعنا القول فيه في "الكتاب الكبير" فلتنظر هنالك، والحمد لله ".

وفي حاشية الصاوي والدسوقي وغيرهما :" ويندب في عاشوراء التوسعة على الأهل والأقارب ، بل يندب فيه اثنتا عشرة خصلة .."

بل وحتى ابن حاج وهو المعروف بميله إلى التبديع فإنه قال في المدخل :" الموسم الثالث من المواسم الشرعية وهو يوم عاشوراء فالتوسعة فيه على الأهل ، والأقارب ، واليتامى والمساكين وزيادة النفقة ، والصدقة مندوب إليها بحيث لا يجهل ذلك، لكن بشرط وهو ما تقدم ذكره من عدم التكلف ، ومن أنه لا يصير ذلك سنة يستن بها لا بد من فعلها ، فإن وصل إلى هذا الحد فيكره أن يفعله سيما إذا كان هذا الفاعل له من أهل العلم وممن يقتدى به ؛ لأن تبيين السنن وإشاعتها وشهرتها أفضل من النفقة في ذلك اليوم ، ولم يكن لمن مضى فيه طعام معلوم لا بد من فعله ".

فإن قيل:قال ابن وضاح في البدع (2/91):" وقال سعيد بن حسان: كنت أقرأ على ابن نافع كتبه , فلما مررت بحديث التوسعة ليلة عاشوراء قال لي: حوق عليه, قلت: ولم ذلك يا أبا محمد؟ قال: خوفا من أن يتخذ سنة".

وقال يحيى بن يحيى: «لقد كنت بالمدينة أيام مالك ودرْبه , وبمصر أيام الليث وابن القاسم وابن وهب , وأدركتني تلك الليلة معهم , فما سمعت لها عند واحد منهم ذكرا , ولو ثبت عندهم لأجروا من ذكرها ما أجروا من سائر ما ثبت عندهم ».

هكذا روى عنهم ابنُ وضاح هذه الحكاية من غير إنكار ولا تبديع بل مجرد عدم علم عنهم أو معرفة، فذكر بأنه لم يسمع ولم يعرف عن أحد من مشايخه فعل ذلك فقط، من غير إنكار ولا تبديع، وقد أثبت غير هؤلاء من الثقات استحبابَ التوسعة في عاشوراء عن كثير من السلف، ومن عرف حجة على من لم يعرف، والإثبات مقدم على من قال بعدم العلم والرؤية . 

ثم إن من روى شيئا ونسيه، أو لم يعمل به فالعبرة بما روى. 

وأما سند الحكاية فإن ابن ضاح علق هذا الخبر عنهم، والله اعلم هل سمعه من سعيد بن حسان أم لا ؟

كما أنه لم يسمع من يحيى بن يحيى الليثي والله أعلم.

الشافعية : جاء في تحفة المحتاج للشافعية :" ويسن التوسعة على العيال في يوم عاشوراء ليوسع الله عليه السنة كلها كما في الحديث الحسن وقد ذكر غير واحد من رواة الحديث أنه جربه فوجده كذلك".

وفي أسنى المطالب :" فيستحب أن يبسط له من أنواع الطعام لما فيه من إكرامه والقيام بحقه ( وأوقات التوسعة على العيال ) كيوم عاشوراء ويومي العيد .. "، ونفس الأمر مذكور في عامة كتبهم .

وقال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج :" ويسن التوسعة على العيال في يوم عاشوراء ليوسع الله عليه السنة كلها كما في الحديث الحسن وقد ذكر غير واحد من رواة الحديث أنه جربه فوجده كذلك ".

وأما الحنفية : فقد قال بدر الدين العيني في نخب الأفكار (8/388) :" بالجملة هو يوم عظيم معلوم القدر عند الأنبياء عليهم السلام والنفقة فيه مخلوفة ".

وفي حاشية الطهطاوي على مراقي الفلاح للحنفية :" وحديث الاكتحال يوم عاشوراء ضعيف لا موضوع كما زعم ابن عبد العزيز وحديث التوسعة فيه على العيال صحيح ا ه، أي: فإنه ورد أنه من وسع على عياله فيه وسع الله تعالى عليه سائر عامِه "

وفي حاشية رد المختار لابن عابدين متعقبا من أنكر الحديث :" وهو مردود بأن أحاديث الاكتحال فيه ضعيفة لا موضوعة، كيف وقد خرجها في الفتح ثم قال :" فهذه عدة طرق إن لم يحتج بواحد منها ، فالمجموع يحتج به لتعدد الطرق "،

قال: "وأما حديث التوسعة فرواه الثقات وقد أفرده ابن القرافي في جزء خرجه فيه ا ه"

قال:" والحاصل أنه وردت التوسعة فيه بأسانيد ضعيفة ، و بعضها صحيح، يرتقي بها الحديث إلى الحسن، وتُعُقِّب ابن الجوزي في عده من الموضوعات ".

وأما الحنابلة: فاستحبه أحمد وجمهور أصحابه، ولا أعلم أحدا كره ذلك من المتقدمين إلا شيخ الإسلام وقد تعقبوه، وحمل آخرون قوله على كراهة نخصيص الخضاب والاغتسال والاكتحال فيه فقط ,

وفي كشف القناع ومطالب أولي النهى، وكذلك الفروع للإمام ابن مفلح وغيرهم :" وينبغي فيه التوسعة على العيال، سأل ابن منصور أحمد عنه فقال : نعم رواه سفيان بن عيينة عن جعفر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر وكان أفضل أهل زمانه أنه بلغه : من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"، قال ابن عيينة : قد جربناه منذ خمسين سنة أو ستين فما رأينا إلا خيرا ".

ونفس الشيء ذكره في حاشية الروض المربع :" ويسن فيه التوسعة على العيال .. ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تعليقات

  1. الاحتفال بالمولد على هذا الرابط https://elzianitaher.blogspot.com/2019/11/blog-post_68.html

    ردحذف

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني