الإصباح في فتنة القبر ومستقر الأرواح . الجزء1. تأليف: الطاهر زياني

                          الإصباح في فتنة القبر ومستقر الأرواح

                                   الجزء الأول

                                 

                              كتابة: الطاهر زياني

 

  هام: لا أسمح بالنسخ عنه، ولا النقل عنه إلا بتبيين المصدر، ولا أسمح بطباعته إلا بإذن

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف المرسلين، وبعد:

فقد أنكر بعض الناس التقاء الأرواح، ومستقر أرواح أهل الأفراح، من المؤمنين السعداء، أو مثوى الكافرين الأشقياء، وأنكر آخرون عذاب القبر مطلقا بلا استثناء، بدعوى أن أهل النار يقولون يوم القيامة:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) }[يس].

وقد رددتُ على المنكرين، لتلاقي أرواح المؤمنين، في البرزخ، في مبحث موسوم ب :" البينات في تلاقي الأرواح وتزاور الأموات، وعرض الأعمال الصالحات ".

ذلك أن أرواح المؤمنين، في سماء رب العالمين، مستقرة في علّيين، يتحول قبرهم أثناء افتتانهم إلى روضة من رياض النعيم، ويُفتح لهم باب من أبواب الجنان والنعيم، يأتيهم من روحها ونعيمها من غير أن يلجوها.

بخلاف أرواح الأشقياء الملحدين، فهم أثناء الفتنة في حفرة من حُفر الجحيم، وكتاب في سجين، يُفتح لهم باب من أبواب النار والعذاب المهين.

ثم بعد أيام الافتتان تنام أرواح المؤمنين في رياضها، وترقد أرواح المشركين رقدة المنهوشين في سجنها، وفي غضون هذا النوم يقوم القوم مرة بعد مرة، فأما أهل النار فيفومون للعرض عليها والفزع، وأهل الجنة للتعارض والاستخبار عن أحوال الأحياء. 

وإذا تبين لك أن فتنة أيام الموت حق، وأن عذاب القبر أو نعيمَه صِدق، فهل ذلك النعيم أو العذاب متصل أم منقطع؟

وإذا كان منقطعا بالنوم أو الرقود، فكيف تكون نومة المؤمنين المُعرسين؟ وكيف تكون رقدة العاصين المنهوشين؟

ثم أبن تستقر وترقد أرواح المشركين؟ وأين تنام أرواح المؤمنين؟

هل تنام في في الجنان أو في النيران، أم في السماء أم في القبور؟ أم أفنيتها؟ أم تحت الأرضين؟ ...

وفي غضون ذلك: هل تقوم أرواح المؤمنين لالتقاء أحبتها؟ بينما تقوم أرواح العاصين للعرض على نيرانها؟   

والجواب في هذا الكتاب الحالي المتعلق بمسألة مكان ومستقر الأرواح بعد الموت، وقد قسمته على النحو التالي:

 المبحث الأول: تأصيل المسألة، واختلاف السلف في مكان الأرواح: 

المبحث الثاني: أدلة كل فريق:

المطلب الأول: أدلة من قال بأن أرواح جميع المؤمنين كطير تسرح في الجنة، وعلل ذلك، ومن حمل عموم المؤمنين على الشهداء فقط:

المسألة الأولى: ذكر الأدلة:

المسألة الثانية: الكلام على هذه الأدلة وتوجيهها:

المطلب الثاني: أدلة من قال بأن أرواح المؤمنين التي في الجنة، هم الشهداء فقط، وبيان الصحيح في أرواحهم " في صورة طير"، أم :" في أجواف طير ":

المطلب الثالث: أدلة من روى بأن أرواح الشهداء والأطفال معا  في الجنة:

المطلب الرابع: أدلة من روى أن عموم أرواح المؤمنين تسرح أين شاءت،

المطلب الخامس: أدلة من قال بأن الأرواح في مكان من الأرض: بين مكة والمقدس، أو من اليمن للشام، أو هي بالجابية في دمشق :

المطلب السادس: أدلة من قال بأن الأرواح في قبورها أو بأفنية قبورها، مع إمكانية تنقلها في الأحايين:

المطلب السابع: أدلة من قال بأن الأرواح في السماء: 

المسألة الأولى : رؤية الأشقياء في السماء الدنيا ليلة المعراج:

المسألة الثانية: رؤية السعداء في السماء:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول: تأصيل المسألة، واختلاف السلف في مكان الأرواح:

المطلب الأول: تأصيل المسألة:

اتفق السلف الصالح على ما دلت عليه الأدلة المتواترة من إثبات عذاب القبر، وأن الأرواح بمجرد نزعها تأخذها ملائكة الرحمة أو العذاب إلى السماء، حيث تفتح أبواب السماء للمتقين، وتغلق على العاصين، وتعاد إلى أرضها في سجين.

فأما أرواح الشهداء المتقين، فهي في أعلى عليين، عند ربهم مرزوقين، أرواحهم في شكل أجسادهم، بيد أن لهم أجنحة كالطيور، يسرحون في الجنة ويمحون.   

وأما أرواح سائر المتقين فتصل أرواحهم إلى السماء السابعة للأحاديث الصحيحة في ذلك.

فأما المتقون فتصل أرواحهم إلى السماء السابعة للأحاديث الصحيحة في ذلك.

وقيل بل تصل إلى السادسة: كما روى مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن مصرف عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال:" لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة وإليها ينتهي ما يعرج به من الأرواح ..".

وأرواحهم في شكل أجسادهم، وما ورد من أنهم يطيرون فلم يصح، وإنما هو محمول على أرواح الشهداء فقط فهم عند ربهم يرزقون.

ثم ترجع كل روح قدام جسدها، حتى يُدفن صاحبها، ليتحول قبر المؤمن إلى روضة من رياض النعيم، يُفتح له باب من الجنة، يأتيه من رَوحها ونعيمها، بخلاف قبور المجرمين التي تتحول إلى حفرة من حفر النيران، ويفتح لهم باب من النيران يأتيهم من سمومها وحرها، ثم يقال للمؤمن: نم نومة العروس، ويقال للفاجر: نم نومة المنهوش، وفي هذه المرحلة يُفتن المؤمن سبعة أيام، والمنافق أكثر من ذلك.

ثم ينمامون، ولا يستيقظون إلا في الأحايين، حيث يستيقظ الفاجر للعرض على الجحيم، ويستيقظ المؤمن للقاء أقاربه وأخلائه الميامين، والسؤال عن أحبائه كما ذكرته بدلائله في كتابي:" البينات في تلاقي الأرواح وتزاور الأموات ".

والسؤال المطروح:

أين تنام أرواح المؤمنين؟ وأين تستقر أرواح العاصين ؟ ,وهل يمكن أن تتنقل ؟

والجواب أن في ذلك أقاويل لأهل السنة، لخص أشهرها ابن القيم في الروح وأبو عمر ابن عبد البر في التمهيد (11/59) بعد أن ذكر طرق حديث :" أرواح المؤمنين طير تسرح في الجنة".

ثم قال:" اختلف العلماء في معنى هذا الحديث:

1. فقال منهم قائلون: أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم وبالرحمة لهم.

2. قال: وقال آخرون. إنما معنى هذا الحديث في الشهداء دون غيرهم، لأن القرآن والسنة لا يدلان إلا على ذلك، رجحه ابن عبد البر وغيره.

3. وقال آخرون: ليس الشهداء داخل الجنة، وإنما هم ببابها، يأتيهم من نعيمها، قال مجاهد: ليسوا في الجنة ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها ".

4. وقال الأكثرون: الأرواح في قبورها، حيث تتحول قبور الصالحين إلى جنات ونعيم، وقبور المفسدين إلى سموم أليم، وإنما يُفتح للمتقين باب من الجنة يأتيهم من نعيمها، وللعاصين باب من النار يأتيهم من سمومها.

ويشبه هذا ما قاله آخرون: أرواح المؤمنين على أفنية قبورهم، قال ابن عبد البر:" وكان ابن وضاح يذهب إلى هذا ".

5. وقال آخرون: أرواح المؤمنين وإن كانت في القبور، لكنها مرسلة تسرح حيث شاءت: قال ابن عبد البر :" قد تكون على أفنية قبورها، لا على أنها لا تريم ولا تفارق أفنية القبور، بل هي كما قال مالك رحمه الله أنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت ".

وذكر بن أبي الدنيا قال حدثنا خالد بن خداش قال سمعت مالك بن أنس يقول:" بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت ".

6/ وقال آخرون: أرواح المؤمنين في قبورهم سبعة أيام، وهي أيام الافتتان للمؤمن، حيث يتحول قبرهم إلى روضة من رياض الجنة والنعيم، ويُفتح لهم باب من أبواب الجنان والنعيم، يأتيهم من روحها ونعيمها من غير أن يلجوها، ثم تنتقل إلى عليين في السماء لتنام نومة العروس، بينما أرواح الأشقياء تُفتن في قبورها أكثر من ذلك، حيث تتحول قبورهم إلى حفرة من حُفر الجحيم، يُفتح لهم باب من أبواب النار والعذاب المهين، ثم تنتقل روحها إلى َسجين، ليقوم القوم مرة بعد مرة، أهل النار للعرض عليها ورؤيتها، وأهل الجنة للقاء أخلائها. سجين، لتنام نومة المنهوش المَهين.

وهذا القول هو القوي لما فيه من جمع بين جميع الأدلة المختلفة التي استدل بطرف منها كل فريق. 

وفيما يلي عرض أدلة كل فريق:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: ما المقصور بأن روح المؤمن طائر يلعق في الجنة؟ وهل صح أنهم في حواصل الطير؟ وهل نعيم المتقين متصل أم منقطع؟ 

وردت الأحاديث التالية بأن " نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه"، وورد في بعضها :" في أجواف طير"، وورد في بعضها تقييد ذلك بالشهداء،

وفي رواية:" في طير خضر"، وفي أخرى بيض، وفي أخرى:" في صورة طير"،

وورد بلفظ :" ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر"،

فأي الروايات أصح؟ وهل يمكن الجمع بينها؟ أم لا بد من الترجيح؟

للإجابة عن ذلك لا بد من معرفة معنى الأحاديث:

فأما قوله:" طائر"، أي أنّ أرواح المؤمنين يوم البرزخ في صورة طائر، لكن: هل هذا تشبيه كلي من وجه، أم هو جزئي؟  

والصواب أنه تشبيه جزئي لا كلي، لأن الأرواح في البرزخ تأخذ أشكال أبدانها، وإنما تُشبه الطائر في الطيران بالجناحين فقط، لا أنها مثل الطائر في كل شئ،

يؤيد ذلك أن النبي عليه السلام رأى جعفر الطيار في صورته في الجنة، وله جناحان يطير بهما. 

ثم إن هذا النعيم للمتقين في البرزخ، هل هو متصل أم جزئي منقطع؟

والصواب أنه جزئي للمؤمنين، كلي للشهداء المخلصين.

فقد ثبتت الأحاديث أنه بعد الحساب والفتنة للمتقين، وتنعمهم ببعض الرَّوْح والنعيم، ينامون في الجنة نومة العروس، لا يوقظهم إلا وفاة أحد أقاربهم أو خلانهم .. فيسألونه عن معارفهم وأهليهم كما صحت بذلك الأحاديث، ثم يعودون للنوم والمرقد.

والعكس يُفعل بالعاصين، وأما الشهداء فهم عند ربهم يُرزقون كما قال تعالى :{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) }[البقرة]

وقوله أيضا :{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}[آل عمران] ...

وما ورد من أدلة مطلقة في تنعم متصلٍ لأرواح أهل الجنة فهو محمول على أرواح الشهداء. 

مثل عموم الحديث :" نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه"، وفي رواية :" في صورة طير"، وفي رواية مقيدة :" أرواح الشهداء كطير ".

وقال بعضهم :" فِى حَوَاصِل طَيْرٍ خُضْر", وهو خطأ بَـيّن أشبه بعقيدة تناسخ الأرواح .

قال ابن عبد البر:" والنسمة الأرواح تذهب وتجيء وتسبح وتأكل كأنها طير، وهذا هو الصحيح لا رواية من روى في أجواف طير لأنه لا يجتمع في جسد روحان، روح المؤمن وروح الطير".

وقال أبو الحسن القابسي: أنكر العلماء قول من قال في حواصل طير لأنها رواية غير صحيحة، لأنها إذا كانت كذلك فهي محصورة مُضَيَّقٌ عليها".

وقال آخرون: معنى في، على، والمعنى أنهم يركبون على حواصل طير، لا أنهم يطيرون بمفردهم.

وأما سندا: فسنبين أن هذا الحديث بعموم الأرواح ضعيف، بسبب انقطاعه وإرساله واضطراب سنده ومتنه.

فمرة يأتي بلفظ العموم للمؤمنين، ومرة بالخصوص للشهداء، ومرة يقول " في صورة طير"، وأخرى يقول :" في حواصل طير".

وسنبين تعليل رواية ابن إسحاق:" في أجواف أو حواصل طير"، بالشذوذ والتدليس مع المخالفة للثقات، لذلك فلا تُقبل في الشواهد والمتابعات،

وهكذا رواية:" في طير خضر"، فإما أن تكون شاذة، وإما أن تُؤَول بمعنى:" في صورة طير"، كما هو مُبين في بعض الروايات على أن الحديث ضعيف. 

وأما عن حديث أبي هريرة في فتنة القبر بزيادة:" ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر"، فلم تصح كما سنذكر:

ومما يؤكد إبطال عموم هذا الحديث، أنه قد ورد بأن أهل الجنة والنار إنما يرون مقعدهم منها فقط، ويُفتح لهم من أبوابها ... فيأتيهم من ريحها .... كما سنبين.

كما أن هذه الروايات مدفوعة بسائر الآيات والأحاديث الكثيرة المبينة أن من يدخل الجنة في البرزخ هم الشهداء فقط، ولذلك اختلف السلف في تأويلها، فذهبت طائفة إلى تعليلها كما بينا سابقا من كلام الذهلي وغيره،

وذهبت طائفة إلى تصحيح رواية " في طير خضر"، "كطير خضر"، وقالوا: هو تشبيه جزئي، لما ثبت أن الأرواح في صور الأجسام، فيكون معنى "كطير خضر أو في صورة طير خضر" أي في تمثيلها بالطيران، ومن المعلوم أن المشبَّهَ لا يُشْبه المشَبَّهَ به من كل وجه, بل يكفي توافقهما في شيء واحد وهو وجه الشبه وهو هنا التوافق في الطيران, يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الشهيد جعفر الطيار على صورته يطير بجناحين في الجنة, وبهذا تجتمع كل الأحاديث ولا تختلف.

ووجّهوا هذا الحديث بأوجه:

أحدهما: أن أرواح المؤمنين في جنة القبر، لا جنة الخلد كما سيأتي. 

والثاني: أن يكون قوله" في طير خضر"، ليس للظرفية، بل بمعنى:" على" طير، أي تمتطي فوقها وتعتليها, كما في قوله تعالى: آمنتم من في السماء", أي عليها, وقوله:" ولأصلبنكم في جذوع النخل", أي عليها, فتكون أرواح الشهداء تسرح في الجنة على طير خضر, وهي على صور أجسامها الحقيقية كما هو مشهور.

والثالث: أن رواية :" في أجواف طير", شاذة، ضعفها ابن عبد البر وغيره سندا، ولأنها تقتضي القول بتناسخ الأرواح.

وقد صححها ابن القيم وأجاب بأن تسميتها بالتناسخ لا يحيل الحقائق ولا يبطلها, والأصح أن زيادة :"في أجواف", لم تصح كما مر جليا, ولئن صحت فمعناها أن أرواح الشهداء تطير كالطير، ثم تأوي إلى وسط قناديل أشبه بحواصل الطير.

الرابع: أن حديث كعب من باب العموم الذي يُراد به الخصوص وهم الشهداء خاصة: ذكر ذلك ابن حبان وابن عبد البر وابن حزم والطبري وغيرهم، وأيدوا ذلك برواية ابن عيينة في الحديث نفسِهِ فإنه قال فيه:" أرواح الشهداء طير خضر في الجنة..."،

قالوا: لأنهم وحدهم الأحياء الذين عند ربهم يرزقون، قال ابن حزم في الفصل: وكذلك الشهداء أيضا هم في الجنة لقول الله عز وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: وهذا الرزق للأرواح بلا شك، ولا يكون إلا في الجنة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي روى:"نسمة المؤمن طائر يعلق من ثمار الجنة ثم تأوى إلى قناديل تحت العرش"، وروينا هذا الحديث مبينا من طريق ابن مسعود رضي الله عنه: أنهم الشهداء".

وأما رواية "في أجواف طير" فذهبت طائفة إلى تصحيحها كابن القيم، وأجابوا بأن تسميتها بالتناسخ لا يحيل الحقائق ولا يبطلها.

وقد يقال : بأن معنى كونها في أجواف طير، كأنه وصف للقناديل التي تكون على شكل طير.

وأما الكلام على أسانيد هذه الأحاديث فهي كالتالي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاتي: دراسة أدلة كل فريق:

اختلف الناس في مستقر الأرواح اختلافا كثيرا، ذكره ابن القيم والقرطبي وابن عبد البر وغيرهم، لكني في هذا البحث لن أتطرق إلى كل الأقاويل فإن عامتها خالية من الأدلة، وإنما سأتطرق إلى الأقاويل المشهورة التي لها مستند صحيح، أو قال بها بعض السلف وكان لقولهم وجه من القوة عند من يرى أدلتهم، بغض النظر عن صحتها وضعفها، فإن كل ذلك سأبينه بعون الله تعالى في مظانه.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   

المطلب الأول: أدلة من قال بأن الأرواح في الأرض، أو في قبورها أو أفنيتها:

المسألة الأولى: إثبات النعيم أو العذاب على الروح أيام الفتنة، ثم النوم بعد الفتنة:

وهي عقيدة مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة، دل على ذلك المنقول، والحس والمعقول:

الفرع الأول: أدلة الحس والمعقول:

ذكرت في روايتي :" مقامات بين القلب والدماغ والروح"، أن ما يجلي العلاقة بين العقل والروح والجسم، هو الموت أو النوم، والنوم أخو الموت كما في الحديث". 

فهما أخوان متشابهان، في الأحكام متقاربان، للبرزخ مُثبتان، والجميع في الأعمال متماثلة، وآية ذلك أمامَكم ماثلة:

تأملوا في قول الله، جل في علاه :{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر 42]

فأخبر تعالى بأنّ أرواح الأنام، متوفّاة على كل حال ومقام، إما في الحقيقة أو المنام، ففي النوم إما أن تنام، أو تُتوَفى هذه الروح، أو تسرح وتروح، وفي كل ذيْن فهي دائمة الاتصال ببدنها، كاتصال الشمس بأشعّتها، والمصابيح بنورها، فإذا فَني أجلها، وانقضى عمرها، وقُدّر موتها، توفاها الله وأمسكها عنده، بينما يُرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها حتى تستنفذ أجلها المـُـقدر لها، والنوم أخو الموت كما في الحديث، والسؤال المطروح :

ما رأيكم؟ ميّت أمامكم، ونائم بجنبكم، فهل تَرَون ما رأَوا أو يَروا من رؤى أو أحلام ... ؟ وهل تشعرون بما يشعرون ؟.

فسيقول المعارض: كلا وألف لا .

والجواب:

بلى، إلا أنّ الأمر نسبي، نَعم لا نرى ما يريان، لكن قد نشعر بما يرى النائم، وقد نرى الأثر على بدنه .

فلقد أخبر الإسلام، بأن هذه الروح تتراأى لصاحبها في الرؤى والأحلام، وتظهر له في المنام، بل ويشعر بوطأتها كل الأنام، فهذا النائم أمامكم يرى بروحه في منامه من الرؤى السعيدة، أو الأحلام المفزعة والأحوال البعيدة، ما لا يراه من هو بجواره، في داره، فكذلك الميت يرى بروحه من الملائكة والنعيم، والعذاب والجحيم ما لا يراه غيره ممن هو بحذائه، قدّام حذائه.

إلا أن الفرق بين ذيْن أنّا قد نسمع أحيانا استغاثات النائم وصياحه، وربما شيئا من هذيانه وكلامه، وقد نشعر بما يراه من خلال تألّمه، أو فرحه في نومه، بل قد نرى أثر ذلك على بدنه، بسبب بقاء اتصال روحه بجسمه، بخلاف انفصال روح الميت عن جثّته، فلا نشعر به.

فالنائمُ يَحصُلُ له في منامِه بروحه إما لذّةٌ أو ألمٌ، يؤثر ذلك على البدن، حتى إنه ليرى في منامِه أنه يمشي، فيستيقظ وهو في ذلك المكان الذي ذهب إليه، وقد يرى من يَضْرِبُه أو يقرصه، فيستيقظ والوجَعُ في بدنِه، وأثر القَرص على جلده، أو يَرى أنه طعِمَ شواءا حنيذا...، فيُصْبِحُ وطَعْمُه في فمِه لذيذا ...،

وهذا أمر واقع موجود، لا يجحده إلا كَنود، وقد أطلت الاستدلال الحسيّ على ذلك في روايتي وبالله التوفيق.

الفرع الثاني: الأدلة النقلية على فتنة الموت والقبر:

وهي متواترة بالمئات، اتفق السلف على مدلولها، لا يُنكرها إلا كافر، لكنها لا تدل على استقرار الأرواح في الأرض أو القبر، بل كل ما فيها أنها بداية أمر البرزخ، وأما الاستقرار ففي السماء كما سيأتي.

وسنذكر الآن طائفة من الأدلة على فتنة الممات والقبر، مما ذُكر في القرآن وبعض السنن، ردا على من كذَب على الله وأنكر وجودها في القرآن، وإنما سنذكر من السنن التي فسرت هذه الآيات، إذ يُفسر القرآن بالقرآن وبالسنة وبكلام السلف، لا بكلام الملاحدة المبتدعة:

حيث بينت مجموع الأدلة بأن أهل القبور يُفتنون في قبورهم، ينظرون أوّلا إلى مقاعدهم من الجنة أو النار، فيدعو المؤمن بتعجيل الحساب، والكافر بتأجيله.

وإنما يُفتن المؤمن من موته إلى سبعة أيام حسب عمله، ثم يُفتح له باب من الجنة يأتي منه الرَّوح والنعيم، ويفتن الفاجر أكثر من ذلك، قيل إلى أربعين ليلة، يُفتح فيها للعاصين باب من النار، يأتيهم من سمومها وعذابها، لا أنهم يدخلون النار. 

ثم ينام أهل الإيمان نومة العروس، وينام أهل العصيان نومة الفزع المنهوش، لكن أين ينامون؟

فقيل ينامون في قبورهم التي هي رياضهم وجنتهم ونعيمهم، أو التي فيها مقاعدهم من نيرانهم وعذابهم.

والصواب أن ذلك أيام الافتتان فقط، ثم يُصعَد بأهل السعادة حيث ينامون في عليين في السماء عن يمين آدم عليه السلام، وأما أهل الشقاوة فيوضع كتابهم في السجين، وهو في عمق أرض برهوت، أو في القبر ...

وأما أرواحهم فترجع للنوم نومة المنهوش في موطن واسع قبل السماء الدنيا، عن يسار آدم عليه السلام بعيدا عنه وعن المؤمنين:

فأما أهل الشقاء فيرقدون بعد فتنتهم وتعذيبهم رقدةَ المنهوش، لا يقومون حتى قيام الساعة، عدا عرض طوائف منهم على النار غدوا وعشيا كما يحدث لآل فرعون كما في الآية.

الدليل الأول: وفيه أن عذاب البرزخ ونعيمه يبتدئان منذ سكرات الموت:

كما قال تعالى :{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) } [ق]، أي تحيد وتهرب وتنكر من أهوال السكرة يا ملحد، فلسوف ترى الأهول يوم تموت، وتأتيك ملائكة العذاب أو الرحمة مع ملك الموت لقبض روحك، وأخذها.

الدليل الثاني والثالث: إثبات بداية العذاب أو النعيم من غمرات الوفاة إلى أيام الافتتان: .

2/ قال جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيمَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال 51]

قال البيهقي في عذاب القبر (69) :" فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِضَرْبِ الْمَلَائِكَةِ وُجُوهَهَمْ وَأَدْبَارَهُمْ حِينَ تَتَوِفَّاهُمُ وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُهُ، وَبِمَا تَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُمْ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَسْمَعُهُ ".

وكذلك بوب البخاري :"باب ما جاء ءفي عذاب القبر" وذكر الأدلة.

3/ وقال البخاري في الصحيح: باب ما جاء في عذاب القبر، وقال تعالى :{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ، وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) } [الأنعام]

4/ وأما السعداء: فقد قال الله فيهم :{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)}[فصلت]، وهذه الآية شاملة للحظات الموت، وحين البعث، وهي في الاحتضار أظهر بدليل قوله تعالى :" أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا "، أي لا تخافوا مما هو آت من أهوال الموت، ولا تحزنوا على ما تركتم من ذرية، فإن الله سيكفلهم ، هكذا فسرها السلف.

5/ قال تعالى :{الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة} [النحل: 32]

روى التابعي محمد بن كعب القرظي قال:" إذا استنقعت نفس المؤمن جاءه ملك الموت عليه السلام، فقال: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام "، ثم نزع بهذه الآية:

6 / وقد فسر ذلك كله: الحديث الصحيح الذي سيأتي وفيه:" فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن على وجوههم الشمس، معهم حنوط من حنوط الجنة، وكفن من كفن الجنة، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ....

قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يأتيه ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتتفرق في جسدها فينتزعونها ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذونها فيجعلونها في تلك المسوح، قال: ويخرج منها كأنتن جيفة وجدت على ظهر الأرض، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة ..."،

7 ثم إن الملائكة ترتفع بروح العبد إلى السماوات، فتُفتح أبوابها للمؤمنين، وتغلق على الكافرين، لــيُردّوا إلى سجين، حيث ينامون فيه نومة المنهوش المهين، ويقومون مرة بعد مرة للعرض على الجحيم:

قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ }

قال الطبري: "لا تفتح لهم"، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل ..".

8  ثم خرج الطبري وغيره الحديث المُفسر لهذه الآية من طريق المنهال عن زاذان عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبضَ روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال:" فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملإ من الملائكة إلا قالوا:"ما هذا الروح الخبيث" ؟ فيقولون:"فلان"، بأقبح أسمائه التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله:(لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)، قال: " فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين، في الأرض السفلى، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى. فيطرح طرحا ..".

وخرج عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجلَ الصالحَ قالوا:" أُخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري برَوْح وريحان، وربّ غير غضبان"، قال: فيقولون ذلك حتى يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال:"من هذا"؟ فيقولون: "فلان". فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان"، فيقال لها حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجلَ السَّوْءَ قال:"اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شكله أزواج"، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال:"من هذا"؟ فيقولون:"فلان". فيقولون:"لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء"، فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر ".

ثم ذكرت الأحاديث سؤال الملكين، وتعذيبهما للمشركين .. كما سيأتي.

9  قال تعالى :{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) ...} [التكاثر]

وتكرار الوعيد فيه احتمالان صحيحان:

أن يكون المراد منه التأكيد: والمراد المبالغة في التغليظ والتخويف.

أو يُراد منه التأسيس: أي: {كلا سوف تعلمون} ما في القبر من عذاب، {ثم كلا سوف تعلمون} ما في القيامة من أهوال...

قال القرطبي في التذكرة بأحوال المتوتى :" وقال ابن عباس فس قوله تعالى: {كلا سوف تعلمون} ما ينزل فيكم من العذاب في القبر {ثم كلا سوف تعلمون} : في الآخرة إذا حل بكم العذاب"، قال: فالأول في القبر، والثاني في الآخرة فالتكرير للحالتين".

وقال الإمام الطبري في تفسيره :" وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، ...  وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ثم خرج عن عليّ رضي الله عنه قال: نزلت (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) في عذاب القبر".

الدليل العاشر: قال جل ذِكْره: {سنعذبهم مرتين، ثم يردون إلى عذاب عظيم} [التوبة: 101]، وقد استدل بها البخاري على إثبات عذاب القبر وبوب بذلك.

فالمرة الأولى، تعذيبهم في الدنيا، والثانية في البرزخ، والعظمى في جهنم.

قَالَ الإمام أبو حنيفَة في الفقه الأبسط (137) :" من قَالَ لَا أعرف عَذَاب الْقَبْر فَهُوَ من الْجَهْمِية الهالكة، لِأَنَّهُ انكر قَوْله تَعَالَى {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} يَعْنِي عَذَاب الْقَبْر ".

11/ قال الله: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47} [الطور].

فتوعدهم الله بيوم الصعق الأكبر، وبالعذاب الذي دون عذاب الآخرة، وهو عذاب القبر كما نقل الطبري وغيره عن جماعة من السلف.

وهو قول البراء وعلي وابن عباس رضي الله عنهم.

وقَالَ الإمام أبو حنيفَة في الفقه الأبسط (137) :"  وَقَوله تَعَالَى {وَإِن للَّذين ظلمُوا عذَابا دون ذَلِك} يَعْنِي فِي الْقَبْر، فَإِن قَالَ أُؤْمِن بِالْآيَةِ وَلَا أُؤْمِن بتأويلها وتفسيرها، قَالَ: هُوَ كَافِر لِأَن من الْقُرْآن مَا هُوَ تَنْزِيله تَأْوِيله فَإِن جحد بهَا فقد كفر ". 

وقال الإمام القرطبي المالكي في التذكرة: هو: عذاب القبر لأن الله ذكره عقب قوله {فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون} وهذا اليوم هو اليوم الآخر من أيام الدنيا، فدل على أن العذاب الذي هم فيه هو عذاب القبر وكذلك قال: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} لأنه غيب".

12/ وقال الله :{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأدْنَى دُونَ العَذَابِ الأكْبَرِ لعلهم يرجعون}

قيل العذاب الأدنى هو مصائب الدنيا وعقوباتها وهو الأشهر كما قال ابن مسعود وأبيّ، وقيل هو عذاب البرزخ كما قال ابن عباس والبراء .

قال ابن القيم في الروح :" وَقد احْتج بِهَذِهِ الْآيَة جمَاعَة مِنْهُم عبد الله بن عَبَّاس على عَذَاب الْقَبْر، وَفِي الِاحْتِجَاج بهَا شَيْء، لِأَن هَذَا عَذَاب فِي الدُّنْيَا يستدعى بِهِ رجوعهم عَن الْكفْر، وَلم يكن هَذَا مَا يخفي على حبر الْأمة وترجمان الْقُرْآن، لَكِن من فقهه فِي الْقُرْآن ودقة فهمه فِيهِ فَهِم مِنْهَا عَذَاب الْقَبْر، فانه سُبْحَانَهُ أخبر أَن لَهُ فيهم عذابين أدنى وأكبر، فَأخْبر أَنه يذيقهم بعض الْأَدْنَى ليرجعوا، فَدلَّ على أَنه بقى لَهُم من الْأَدْنَى بَقِيَّة يُعَذبُونَ بهَا بعد عَذَاب الدُّنْيَا ".

13/ في أيام الفتنة: قال طاوس :" إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً فكانوا يستحبون أن يُطعمَ عنهم تلك الأيام".

ونقل ابن حجر الإجماع على ذلك كما في الفتاوى الكبرى لما سئل بِمَا لَفْظُهُ: مَا قِيلَ إنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ أَيْ يُسْأَلُونَ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ :" نَعَمْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيل ...".

وصح عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ: يُفْتَن رَجُلَانِ مُؤْمِن وَمُنَافِق فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُفْتَن سَبْعًا وَأَمَّا الْمُنَافِق فَيُفْتَن أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ".

وعن مجاهد :" الأرواح على القبور سبعة أيام".

وورد أن الفجار يفتنون أربعين ليلة، وقد خرجت هذه الأحاديث في مبحث "الإطعام عن أموات أهل الإسلام".

الدليل 14: حديث أنس في تنعم المؤمن وعذاب الفاجر أيام الافتتنان: 

خرجه البخاري (1338) ومسلم (2870) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد إذا وضع في قبره، وتولي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فيراهما جميعا، وأما الكافر - أو المنافق - فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ". قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خضرا، إلى يوم يبعثون ".

دليل 15: خرجه الترمذي وضعفه (2460) عن عطية عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.

وخرجه البيهقي في عذاب القبر (55) عن محمد بن عمر الواقدي، أنا سلمة بن أخي عمر عن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القبر حفرة من حفر جهنم أو روضة من رياض الجنة»

وخرجه الطبراني في الأوسط (8/272) عن محمد بن أيوب بن سويد نا أبي نا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة فجلس إلى قبر منها فقال ما يأتي على هذا القبر من يوم إلا وهو ينادي بصوت طلق زلق يا بن آدم كيف نسيتني ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:" القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ". قال: لم يرو هذا الحديث عن الأوزعي إلا أيوب بن سويد تفرد به ابنه ". ولم يصح هذا الحديث.

الدليل 16: حديث البراء في السؤال والنعيم والعذاب:

خرجه الحاكم (1/93) وابن منده وأبو بكر عن الأعمش،  وأحمد (4/287) عن يونس قالا: ثنا المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر قال : سمعت البراء بن عازب يقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، قال : فقعدنا حول النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره و يخفضه ثلاثا، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ثم قال: إن الرجل المسلم إذا كان في إقبال من الآخرة و انقطاع من الدنيا جاء ملك الموت فقعد عند رأسه، وينزل ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيقعدون منه مد البصر قال : فيقول ملك الموت: أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فلا يتركونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون بها على جند من ملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه، [صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء] فإذا انتهى إلى السماء فتحت له أبواب السماء،[ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم] ثم يشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة، ثم يقال: أكتبوا كتابه في عليين، ثم يقال: ارجعوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم إني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، [قال فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه] [فترد روحه إلى جسده] فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك ؟ قال : فيقول: الله فيقولون : ما دينك ؟ فيقول: الإسلام، فيقولون: ما هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قال: فيقول رسول الله، قال: فيقولون: وما يدريك ؟ فيقول: قرأتُ كتاب الله فآمنت به وصدقت، [وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز و جل { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }] قال: فينادي مناد من السماء أن صدق فأفرشوه من الجنة و ألبسوه من الجنة و أروه منزله من الجنة.

 قال : ويُمد له في قبره ويأتيه روح الجنة، وريحها، قال : فيفعل ذلك به ويُمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك وجه يبشر بالخير قال : فيقول : أنا عملك الصالح قال : فهو يقول: رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي و مالي [ثم قرأ : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة }]

[ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال له اسكن]

وأما الفاجر: فإذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فيقعد عند رأسه و ينزل الملائكة سود الوجوه [غلاظ شداد] معهم المسوح، فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينقطع معها العروق والعصب، كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب، قال : فيقومون إليه فلا يدعونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على جند من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ قال : فيقولون فلان بأقبح أسمائه قال : فإذا انتهى به إلى السماء غلقت دونه أبواب السماوات [فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء] قال : ويقال: اكتبوا كتابه في سجين، قال: ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى بروحه حتى تقع في جسده، قال: ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال: فإنه ليسمع خفْقَ نعال أصحابه إذا ولوا عنه] قال: فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن قد كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وأروه منزله من النار، فيضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال: و يأتيه ريحها وحرّها، قال : فيفعل به ذلك، ويمثل له رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فقول : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد، قال: فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يبشر بالشر، قال: فيقول: أنا عملك الخبيث،

زاد يونس [كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا في معصية الله فجزاك الله شرا، ثم يقبض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء الا الثقلين"، قال البراء بن عازب ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار "، لفظ الأعمش، والزيادات ليونس.  

قال ابن منده في الإيمان:" هذا إسناد متصل مشهور. رواه جماعة، عن البراء، وكذلك رواه عدة، عن الأعمش، وعن المنهال بن عمرو، والمنهال أخرج عنه البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم، وهو ثابت على رسم الجماعة، وروي هذا الحديث عن جابر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنهم ".

وهو صحيح إلا لفظة :" تعاد روحه في جسده" ، فلم يقلها غير المنهال عن زاذان، وهي شاذة، إلا أن تعاد روحه على جسده، أي بقربه حيث يُحاسب. 

الدليل 17: حديث جابر في فتنة القبر : رواه ابن أبي زمنين في السنة (ص 152) عن يحيى: حدثني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها إذا دخل المؤمن قبره، وتولى عنه أصحابه جاء ملك شديد الانتهار، فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل? فيقول: أقول إنه رسول الله وعبده، فيقول له الملك: انظر إلى مقعدك الذي كان لك من النار، قد أعاذك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي في النار مقعدك الذي ترى من الجنة فيراهما كليهما فيقول المؤمن دعوني أبشر أهلي فيقال له: اسكن، وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل? فيقول: لا أدري أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة قد أبدلت مكانه مقعدا من النار ".

ورواه البيهقي في عذاب القبر (ص126) عن محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو الأسود أنا ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن القبر ؟ فقال جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فإذا دخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاءه ملك شديد الانتهار، فيقول له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول المؤمن : كنت أقول : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبده ، فيقول له الملك : انظر إلى مقعدك الذي كنت ترى من النار ، يعني قد أبدل مكانه مقعدك الذي ترى من الجنة ، فيراهما كلاهما ، فيقول المؤمن : دعوني أبشر أهلي ، فيقال له : اسكن ، وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله فيقال: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، أقول ما يقول الناس ، فيقال له : لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك من الجنة قد أبدل مكانه مقعدك من النار ».

رواه الصغاني من وجهين آخرين : 

الدليل 18: حديث أبي سعيد:

خرجه البيهقي عن أحمد نا أبو عامر ثنا عباد يعني ابن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي بصرة عن أبي سعيد الخدري قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فقال :« يا أيها الناس، إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق، فأقعده فقال: ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول له : صدقت ، ثم يفرج له باب إلى النار ، فيقول : هذا كان منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت به فهذا منزلك ، فيفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره،

وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت، فيقول: لا دريت ولا تليت ولا هديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا لك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه بالمطراق يسمعها خلق الله كلهن غير الثقلين» فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطرقة إلا هيل عند ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت )".

عباد بن راشد مختلف فيه وهو صالح الحديث.

الدليل 19/20: حديث أبي هريرة أو عائشة أو معا في رؤية مقعد يوم القيامة أثناء الفتنة:

خرجه البيهقي في عذاب القبر (ص 41) عن الحاكم وأبي سعيد عن محمد بن إسحاق الصغاني أنا يحيى بن أبي بكير ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب أنا محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليّ يهودية، فقالت: أطعميني، أعاذك الله من فتنة الدجال وفتنة القبر، قالت: فلم أزل أحبسها حتى جاء النبي، فقلت: يا رسول الله، ما تقول هذه اليهودية ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما تقول قلت ، تقول: أعاذك الله من فتنة الدجال وفتنة القبر » فقام رسول الله فرفع يديه مدا يستعيذ من فتنة الدجال وفتنة القبر، ثم قال : « فأما الدجال ....

قال:" وأما فتنة القبر فبِي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوف، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : في الإسلام فيقال : ما هذا الرجل ؟ فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات من عند الله، فآمنا وصدقنا، فيقال له: هل رأيت الله ؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله عز وجل، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله عز وجل، ثم يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى ما فيها من زهرتها، وما فيها فيقال له: ها هنا مقعدك ، ويقال: على اليقين كنت وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، وإذا كان الرجل السوء أجلس في قبره فزعا مشعوفا ، فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري، فيقال: ما هذا الرجل ؟ فيقول: سمعنا الناس يقولون، فيفرج فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : انظر ما صرف الله عنك، ويفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال : هذا مقعدك ، ثم يقال : على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ».

ثم قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحاكم وأبو سعيد قالا ثنا أبو العباس ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يحيى بن أبي بكير نا محمد بن عبد الرحمن يعني ابن أبي ذئب عن محمد بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال ، فذكر ما في حديث عائشة.

وهو حديث صحيح من الوجهين، صريح في أن المؤمن لا يدخل إلى الجنة لكن يُفتَح له باب منها يأتيه من ريحها ونعيمها، وقد ورد من حديث عائشة وأبي هريرة من غير ما طريق.

فأما عن عائشة:

فأصله ما خرجه أحمد (6/205) عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: دخلت على يهودية فذكرت عذاب القبر فكذبتها فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: صدقت والذي نفسي بيده إنهم ليعذبون في قبورهم حتى تسمع أصواتهم البهائم ". ....

وأما الحديث بعينه فقد رواه ابن أبي ذئب واختُلف عنه في السند:

فرواه يزيد بن هارون ويحيى بن أبي بكير وروح بن عبادة كلهم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي يهودية ...".

كذلك هي رواية سعدان بن نصر ثنا شبابة بن سوار مثله.

بينما رواه ابن ماجه (4268) ثنا أبو بكر ثنا شبابة عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الميت يصير إلى القبر، ...".

تابعه عبد بن حميد وابن أبي فديك وعثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة.

قال محمد بن عمرو: فحدثني سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث"، وهو يدل على أنه محفوظ من الطريقين. 

فأما عن طرق حديث أبي هريرة الأخرى فستأتي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثالث: ما ورد في نوم أهل القبور، وقيامهم لعرضهم على الجنة أو النار، وعدم استمرار العذاب:

الدليل 1: ثم ينام المؤمن نومة العروس، والفاجر نومة المنهوش، وبيان رقود الأرواح وانقطاع عذاب القبر وعدم اتصاله:

قال تعالى: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا } [يس].

وقد استدل به المنكرون لِفتنة القبر، وهو حجة عليهم، بل هو حجة لمن قال بأن عذاب القبر غير مستمرّ، ذلك أن أهل النار يُعذبون في أول الأمر من طرف الملكيْن السائليْن كما في الأحاديث، ثم يُفتنون في قبورهم عدّة أيام.

الدليل 2: حديث أبي هريرة في الفتنة ونوم المؤمنين نومة العروس، ومرقد الفجار مرقد المنهوش، وبيان أن الأرواح تستقر بعد الفتنة في السماء : 

وقد ورد على أوجه:

1 . فقد رواها ابن أبي ذئب واختُلف عنه في السند كما سبق .

2. ورواه محمد بن عمرو واختلفوا عنه:

أ. فخرجه ابن حبان في الصحيح (3113) عن معتمر بن سليمان قال: سمعت محمد بن عمرو يحدث عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه.

فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل فيقال له: اجلس فيجلس وقد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي فيقولون: إنك ستفعل أخبرني عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ " قال: "فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدأ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير يعلق في شجر الجنة" قال: " فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} إلى آخر الآية [إبراهيم: 27] قال:

"وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له: اجلس، فيجلس خائفا مرعوبا، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: أي رجل؟ فيقال: الذي كان فيكم فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له: محمد فيقول: ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما قال الناس, فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورا ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: ذلك مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيه لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: {فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: 124] ".

. تابعه عبد الوهاب بن عطاء أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

. ورواه البيهقي عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء ويرحب له قبره سبعون ذراعا وينور له كالقمر ليلة البدر أتدرون فيما أنزلت هذه الآية :{ فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} أتدرون ما المعيشة الضنكة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا أتدرون ما التنين سبعون حية لكل حية سبع رؤوس يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة ".

ت: واختلفوا عنه في رواية نوم الأرواح:

فرواه الطبري في تهذيبه عن ثنا مجاهد نا يزيد بن هارون نا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:« إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين .... ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: انظر إلى ما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورا، ثم يفتح له باب إلى النار، فيقال له: انظر ما صرف الله عنك لو عصيته ، فيزداد غبطة وسرورا ، ثم يجعل نسمة في النسم الطيب ، وهي طير خضر تعلق شجر الجنة ، ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب ، وذلك قول الله عز وجل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".

قال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة عن الحكم بن ثوبان:" ثم يقال له : نم ، فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ".

ث: ورواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان وهو لين فجعله من حديث عبد الرحمن بن يحيى بن حنطب قال: ثم يقال: نم نومة العروس لا يوقظه إلا أحب الخلق إليه "ـ

ج: بينما رواه الحارث ثنا أحمد بن يزيد نا يزيد بن زريع عن عبد الرحمن بن إسحاق المدني عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا قبر أحدكم أو قبر الإنسان أتاه ملكان ... ثم يأمران الأرض فتنفسح له سبعين ذراعا في سبعين ذراعا ويُنور له في قبره ويقولان له: نم، فيقول دعوني أرجع الى أهلي فأخبرهم، فيقولان له: نم نومة العروس الذي لا يوقظه الا أحب أهله اليه ...". فجعله من حديث أبي هريرة.

ح. خالفه محمد بن أبي بكر والعقدي ثنا يزيد بن زريع ثنا عبد الرحمن بن إسحاق نا سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، خرجه عنه البيهقي في عذاب القبر (53) وابن حبان في الصحيح (3117) وابن أبي عاصم في السنة وحسنه الألباني.

. كذلك رواه البيهقي والترمذي (1071) وحسنه عن بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقْبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت ... ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين. ثم ينوّر له فيه، ثم يقال له: نَمْ. فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نَمْ نومةَ العروس الذي لا يوقظه إلا أحَبَّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ".

3. وبين آخرون صفة رقدة المؤمنين، والمشركين:

فخرجه البزار عن الوليد بن القاسم عن يزيد بن كَيْسان عن أبي حازم عن أبي هريرة أحسَبه رفعه قال :" إن المؤمن ينزل به الموت، ...

وإن المؤمن يجلس في قبره، فيسأل: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ويسأل: من نبيك؟ فيقول: محمد نبيي، فيقال: ماذا دينك؟ قال: ديني الإسلام. فيفتح له باب في قبره، فيقول -أو: يقال -انظر إلى مجلسك. ثم يرى القبر فكأنما كانت رَقْدَة. وإذا كان عَدُو الله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحب أن تخرج روحه أبدا، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره -أو: أجلس -يقال له: من ربك؟ فيقول: لا أدري. فيقال: لا دريت. فيفتح له باب من جهنم، ثم يضرب ضربة يسمعها كل دابة إلا الثقلين، ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش". قلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي تنهشه الدواب والحيات، ثم يضيق عليه قبره "، قال: تفرد به القاسم:

. وقد تابعه يزيد بن كيسان حدثني أبو حازم عن أبي هريرة كما عند عبد الله في السنة (2/608). 

. وروى عبد الله في السنة 1448 حدثني أبي نا يزيد بن هارون نا ذلك محمد بن فضيل حدثني أبي عن أبي حازم عن أبي هريرة .. :" أرقد رقدة المتقين المؤمنين ويقال للفاجر أرقد منهوشا قال فما من دابة إلا ولها في جسده نصيب".

وعند ابن أبي حاتم عن فضيل بن عياض عن لَيْث عن طلحة بن مُصَرِّف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:

لفظ عبد الله:"... فيقول الإسلام ديني ثم يفتح له باب في القبر فيقال انظر إلى مقعدك ثم يتبعه نوم كأنما كانت رقدة، فإذا كان عدو الله عاين ما يعاين ود أنها لا تخرج أبدا والله يبغض لقاءه وإنه إذا دخل القبر يسأل من ربك قال: لا أدري قال: لا دريت قال: من نبيك قال: لا أدري قالا: لا دريت قال: ما دينك قال: لا أدري قال: لا دريت ثم يضرب ضربة يسمعه كل دابة إلا الثقلين ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش ".

ولفظ ابن أبي حاتم:" إذا وضع -يعني: الكافر-في قبره، فيرى مقعده من النار. قال: فيقول: رب، ارجعون أتوب وأعمل صالحا. قال: فيقال: قد عُمِّرت ما كنت مُعَمَّرا. قال: فيضيق عليه قبره، قال: فهو كالمنهوش، ينام ويفزع "،

وقد ورد في حديث الأعمش عن البراء الطويل، وفيه:" فيقول المؤمن: رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي " قال سليمان الأعمش: وحدثني أبو صالح عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: أنه قال: يقال له: «نم، فينام ألذ نومة نامها نائم قط حتى توقظه الساعة».،

وإنما يقوم المشرك فزعا لعرضه على النار فقط كما أسلفنا.  

والحديث صححه الألباني في الصحيحة (6/263).

الدليل 3/ ثم يقومون مرة بعد مرة لأجل العرض على العذاب، وتُرى لهم مقاعدهم من النار وهم في برزخهم، ويُخوَّفون منها مرة بعد مرة، استدلالا بقوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ، وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)} [غافر]،

الدليل 4/ ومثله قوله تعالى:{ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}[غافر]

ففرّق تعالى بيْن العرض المقرون بعذاب البرزخ الحالي، وبين الدخول المقرون بعذاب قيام الساعة المآلي، فأخبر بأن العَرص على النار هو الجزاء الأول الحالي، وأن دخول النار هو الجزاء الأخروي.

وكلمة " النارُ"، بدل من كلمة :" سوءُ"، بمعنى أن هذا العرض نوع من العذاب، فأخبر بأن أرواح الكفار وآل فرعون تُعرض على النار بكرة وعشيا،  وبهذا فسرها السلف الطيب وأهل التفسير كالطبري والجصاص والدينوري وغيرهم من السلف، فمن ذا يترك سبيلهم، ويلتفت إلى غيرهم إلا كل خاسر مأبون، متهم غير مأمون.

وبوب عليه البيهقي في عذاب القبر :" بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ السُّؤَالِ يُعْرَضُ عَلَى مَقْعَدِهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ".

وكذلك هو تفسير السنة بالقرآن:

الدليل 5: عرض المقاعد على كلّ الأرواح على النار قبيل وأثناء مرقدها:

خرج البخاري (1379) ومسلم (2866) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ".

وخرج اللالكائي في اعتقاده (6/1222) عن عبد الله بن مسعود، قال: " أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين يقال لهم: هذه داركم فذلك قوله: {يعرضون عليها غدوا وعشيا} [غافر: 46] ".

وكل هذه الأدلة إنما تدل على أمر بداية فتنة الممات والبرزخ، وليس فيها أن استقرار الأرواح في القبر أو الأرض، بل يحتمل أنهم أروه المقعد الذي في السماء جمعا بين الأدلة كما سنبين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: من روى أن مستقر الأرواح بأفنية قبورها أو فيها:  

ذلك أن القبور تتحول إلى حفرة من نار، أو روضة من رياض الجنة، وتلك هي مقاعدهم، وإنما يُفتن المؤمن من موته إلى سبعة أيام حسب عمله، ثم يُفتح له باب من الجنة يأتي منه الرَّوح والنعيم، ويفتن الفاجر أكثر من ذلك، قيل إلى أربعين ليلة، ويُفتح للعاصين باب من النار يأتي منه السموم الأليم، لا أنهم يدخلونها، ثم ينام أهل الإيمان نومة العروس، وينام أهل العصيان نومة الفزع المنهوش، لكن أين ينامون ؟

قيل في قبورهم التي هي رياضهم وجنتهم، أو فيها مقاعدهم نيرانهم.

وقيل ينام أهل السعادة في عليين في السماء، وينام أهل الشقاوة في السجين، وهو في عمق أرض برهوت، أو في القبر ...

وقيل: ينام الجميع في موطن واسع من السماء الدنيا، قبلها، أهل اليمين عن يمين آدم، وأهل الشقاء عن يساره:

ولا مانع من أن ينام أهل السعادة في القبور، وينتقلون إلى السماء بين الأحايين، للقاء معارفهم وأقاربهم فيها وينزلون هناك، كما صحت بذلك الأحاديث التي ذكرتها في تلاقي الأرواح.

أو العكس، بحيث ينامون في السماء عن يمين آدم، ثم ينتقلون في الأحايين إلى رياضهم في قبورهم، وأما أهل النار فلا مانع من تنقلهم بين سجين في الأرض، ونومهم في السماء عن يسار آدم، وبها يُعذبون مرة بعد مرة. 

فكل ذلك صحت به الأحاديث، وهذا هو وجه الجمع والإعمال لجميع الأدلة، وبالله التوفيق.   

وقد حمل هؤلاء عموم رواية :" نسمة المؤمن طير يسرح في الجنة"، أي جنة القبر، لا جنة الخلد, لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قبر المؤمن روضة من رياض الجنة, وثبت أنه يُوَسَّع للمؤمن في قبره ويُمد له فيه مدّ البصر فيسرح فيه كما يشاء, وثبت أنه يُفتَح له في قبره باب من الجنة فيأتيه من ريحها ونعيمها.

قالوا: ولا تخالف هذه الآثار كون الروح بين الفينة والأخرى في أماكن أخرى، لأنه قد ثبت أن الأرواح تتحرك بسرعة وتذهب وتجيء لكنها ترجع إلى مستقرها المعروف في جنة القبر.

لا أنها تدخل الجنة، وبهذا قال الطبري وابن عبد البر والقرطبي وغيرهم. 

قال ابن عبد البر في التمهيد متعقبا من قال بدخول الأرواج الجنة:"وهذا قول يعارضه من السنة ما لا مدفع في صحة نقله وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة", اهـ،

ونظرا لشهرة وكثرة مع صحة هذه الأحاديث أكتفي بنقل بعض ألفاظها إبطالا قولَ من قال أن أرواح كل المؤمنين في جنة الخلد:

 

دليل 1: خبر ضعيف في أن الموتى بأفنية قبورهم:

قال ابن عبد في الستذكار (1/158) أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول قال أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة قالت حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي قال حدثنا بشر بن بكير عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام"، صححه عبد الحق الإشبيلي، واستدل به على أن الأرواح بأفنية القبور، وأيده بعموم التسليم على أهل المقابر، لكنه أمر تعبدي:

وأما هذا الحديث فضعيف مضطرب: 

هكذا قالت فيه فاطمة بنت الريان بإسنادها إلى ابن عباس، وخالفها الأكثرون فجعلوه من السند إلى أبي هريرة:

قال تمام 139 - أخبرنا الحسن بن حبيب وأبو علي أحمد بن محمد بن فضالة الحمصي قالا: ثنا الربيع بن سليمان المرادي ثنا بشر بن بكر ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه»، هذا الطريق هو المحفوظ:

فقد تابعهما: أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب في جزئه وعيسى بن موسى قالا: ثنا الربيع بن سليمان ثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام".

وكذلك خرجه الخلعي في فوائده عن أبو الفضل مُحَمَّد بن عبد الْرَّحْمَان بن عبد الله بن الحارث عن بكر بن سهل الدمياطي حدثنا أبو أسلم محمد بن مخلد الرعيني الحمصي حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يمر بقبر رجل، يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام».

بينما رواه بن بشران قال: ثنا علي بن محمد المصري، ثنا بكر بن سهل، ثنا محمد ابن مخلدة الرعيني، ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر ابن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا وسلم إلا عرفه ورد عليه)) .

قال ابن الجوزي :" هذا حديث لا يصح وقد اجمعوا على تضعيف عبد الرحمن ".

وقد ورد موقوفا وهو الأقوى:

قال ابن القيم :" وخرجه ابن أبي الدنيا في "كتاب القبور ثنا محمَّد بن قدامة الجوهري عن معن بن عيسى القزّاز عن هشام عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال :" إِذا مر الرجل بِقَبْر أَخِيه يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ السَّلَام وعرفه وَإِذا مر بِقَبْر لَا يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ السَّلَام ". وهذا الموقوف أقوى، لأن هشام بن سعد لين، لكنه أقوى من عبد الرحمن بن زيد.

دليل ثاني: خبر ضعيف:

قال ابن عبد في الستذكار (1/158) أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد قراءة مني عليه سنة تسعين وثلاثمائة في ربيع الأول قال أملت علينا فاطمة بنت الريان المستملي في دارها بمصر في شوال سنة اثنتين وأربعين وثلاث مئة قالت حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي قال حدثنا بشر بن بكير عن الأوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام"، صححه عبد الحق الإشبيلي، واستدل به على أن الأرواح بأفنية القبور، وأيده بعموم التسليم على أهل المقابر، لكنه أمر تعبدي:

وأما هذا الحديث فضعيف مضطرب: 

هكذا قالت فيه فاطمة بنت الريان بإسنادها إلى ابن عباس، وخالفها الأكثرون فجعلوه من السند إلى أبي هريرة:

قال تمام 139 - أخبرنا الحسن بن حبيب وأبو علي أحمد بن محمد بن فضالة الحمصي قالا: ثنا الربيع بن سليمان المرادي ثنا بشر بن بكر ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه»، هذا الطريق هو المحفوظ:

فقد تابعهما: أبو العباس الأصم محمد بن يعقوب في جزئه وعيسى بن موسى قالا: ثنا الربيع بن سليمان ثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام".

وكذلك خرجه الخلعي في فوائده عن أبو الفضل مُحَمَّد بن عبد الْرَّحْمَان بن عبد الله بن الحارث عن بكر بن سهل الدمياطي حدثنا أبو أسلم محمد بن مخلد الرعيني الحمصي حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد يمر بقبر رجل، يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا عرفه ورد عليه السلام».

بينما رواه بن بشران قال: ثنا علي بن محمد المصري، ثنا بكر بن سهل، ثنا محمد ابن مخلدة الرعيني، ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر ابن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا وسلم إلا عرفه ورد عليه)) .

قال ابن الجوزي :" هذا حديث لا يصح وقد اجمعوا على تضعيف عبد الرحمن ".

وقد ورد موقوفا وهو الأقوى:

قال ابن القيم :" وخرجه ابن أبي الدنيا في "كتاب القبور ثنا محمَّد بن قدامة الجوهري عن معن بن عيسى القزّاز عن هشام عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال :" إِذا مر الرجل بِقَبْر أَخِيه يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ السَّلَام وعرفه وَإِذا مر بِقَبْر لَا يعرفهُ فَسلم عَلَيْهِ رد عَلَيْهِ السَّلَام ". وهذا الموقوف أقوى، لأن هشام بن سعد لين، لكنه أقوى من عبد الرحمن بن زيد.

الدليل الثالث: ابن عمر:

خرجه البخاري (1379) ومسلم (2866) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ".

الدليل الرابع: حديث أنس: 

خرجه البخاري (1338) ومسلم (2870) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن العبد إذا وضع في قبره، وتولي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فيراهما جميعا، وأما الكافر - أو المنافق - فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين ". قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا، ويملأ عليه خضرا، إلى يوم يبعثون ".

الدليل الخامس: حديث البراء:

خرجه الحاكم (1/93) وابن منده وأبو بكر عن الأعمش،  وأحمد (4/287) عن يونس قالا: ثنا المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر قال : سمعت البراء بن عازب يقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، قال : فقعدنا حول النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره و يخفضه ثلاثا، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ثم قال: إن الرجل المسلم إذا كان في إقبال من الآخرة و انقطاع من الدنيا جاء ملك الموت فقعد عند رأسه، وينزل ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيقعدون منه مد البصر قال : فيقول ملك الموت: أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فلا يتركونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون بها على جند من ملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه، [صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء] فإذا انتهى إلى السماء فتحت له أبواب السماء،[ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم] ثم يشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة، ثم يقال: أكتبوا كتابه في عليين، ثم يقال: ارجعوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم إني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، [قال فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه] [فترد روحه إلى جسده] فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك ؟ قال : فيقول: الله فيقولون : ما دينك ؟ فيقول: الإسلام، فيقولون: ما هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قال: فيقول رسول الله، قال: فيقولون: وما يدريك ؟ فيقول: قرأتُ كتاب الله فآمنت به وصدقت، [وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز و جل { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }] قال: فينادي مناد من السماء أن صدق فأفرشوه من الجنة و ألبسوه من الجنة و أروه منزله من الجنة.

 قال : ويُمد له في قبره ويأتيه روح الجنة، وريحها، قال : فيفعل ذلك به ويُمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك وجه يبشر بالخير قال : فيقول : أنا عملك الصالح قال : فهو يقول: رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي و مالي [ثم قرأ : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة }]

[ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال له اسكن]

وأما الفاجر: فإذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فيقعد عند رأسه و ينزل الملائكة سود الوجوه [غلاظ شداد] معهم المسوح، فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينقطع معها العروق والعصب، كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب، قال : فيقومون إليه فلا يدعونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على جند من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ قال : فيقولون فلان بأقبح أسمائه قال : فإذا انتهى به إلى السماء غلقت دونه أبواب السماوات [فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء] قال : ويقال: اكتبوا كتابه في سجين، قال: ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى بروحه حتى تقع في جسده، قال: ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال: فإنه ليسمع خفْقَ نعال أصحابه إذا ولوا عنه] قال: فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن قد كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وأروه منزله من النار، فيضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال: و يأتيه ريحها وحرّها، قال : فيفعل به ذلك، ويمثل له رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فقول : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد، قال: فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يبشر بالشر، قال: فيقول: أنا عملك الخبيث،

زاد يونس [كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا في معصية الله فجزاك الله شرا، ثم يقبض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء الا الثقلين"، قال البراء بن عازب ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار "، لفظ الأعمش، والزيادات ليونس.  

قال ابن منده في الإيمان:" هذا إسناد متصل مشهور. رواه جماعة، عن البراء، وكذلك رواه عدة، عن الأعمش، وعن المنهال بن عمرو، والمنهال أخرج عنه البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم، وهو ثابت على رسم الجماعة، وروي هذا الحديث عن جابر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنهم ".

وهو صحيح إلا لفظة :" تعاد روحه في جسده" ، فلم يقلها غير المنهال عن زاذان، وهي شاذة، إلا أن تعاد روحه على جسده، أي بقربه حيث يُحاسب. 

الدليل السادس : حديث جابر:

فقد رواه ابن أبي زمنين في السنة (ص 152) عن يحيى: حدثني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها إذا دخل المؤمن قبره، وتولى عنه أصحابه جاء ملك شديد الانتهار، فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل? فيقول: أقول إنه رسول الله وعبده، فيقول له الملك: انظر إلى مقعدك الذي كان لك من النار، قد أعاذك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي في النار مقعدك الذي ترى من الجنة فيراهما كليهما فيقول المؤمن دعوني أبشر أهلي فيقال له: اسكن، وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل? فيقول: لا أدري أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة قد أبدلت مكانه مقعدا من النار ".

ورواه البيهقي في عذاب القبر (ص126) عن محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو الأسود أنا ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن القبر ؟ فقال جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فإذا دخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاءه ملك شديد الانتهار، فيقول له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول المؤمن : كنت أقول : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبده ، فيقول له الملك : انظر إلى مقعدك الذي كنت ترى من النار ، يعني قد أبدل مكانه مقعدك الذي ترى من الجنة ، فيراهما كلاهما ، فيقول المؤمن : دعوني أبشر أهلي ، فيقال له : اسكن ، وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله فيقال: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، أقول ما يقول الناس ، فيقال له : لا دريت، هذا مقعدك الذي كان لك من الجنة قد أبدل مكانه مقعدك من النار ».

رواه الصغاني من وجهين آخرين : 

الدليل السابع: حديث أبي هريرة أو عائشة أو معا:

خرجه البيهقي في عذاب القبر (ص 41) عن الحاكم وأبي سعيد عن محمد بن إسحاق الصغاني أنا يحيى بن أبي بكير ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب أنا محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليّ يهودية، فقالت: أطعميني، أعاذك الله من فتنة الدجال وفتنة القبر، قالت: فلم أزل أحبسها حتى جاء النبي، فقلت: يا رسول الله، ما تقول هذه اليهودية ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تقول قلت ، تقول: أعاذك الله من فتنة الدجال وفتنة القبر » فقام رسول الله فرفع يديه مدا يستعيذ من فتنة الدجال وفتنة القبر، ثم قال : « فأما الدجال ....

قال:" وأما فتنة القبر فبِي تفتنون، وعني تسألون، فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره غير فزع ولا مشعوف، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : في الإسلام فيقال : ما هذا الرجل ؟ فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات من عند الله، فآمنا وصدقنا، فيقال له: هل رأيت الله ؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله عز وجل ، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله عز وجل، ثم يفرج له فرجة قبل الجنة فينظر إلى ما فيها من زهرتها، وما فيها فيقال له : ها هنا مقعدك ، ويقال: على اليقين كنت وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، وإذا كان الرجل السوء أجلس في قبره فزعا مشعوفا ، فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري ، فيقال: ما هذا الرجل ؟ فيقول: سمعنا الناس يقولون، فيفرج فرجة قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : انظر ما صرف الله عنك، ويفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال : هذا مقعدك ، ثم يقال : على الشك كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ».

ثم قال: وأخبرنا أبو عبد الله الحاكم وأبو سعيد قالا ثنا أبو العباس ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا يحيى بن أبي بكير نا محمد بن عبد الرحمن يعني ابن أبي ذئب عن محمد بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال ، فذكر ما في حديث عائشة.

وهو حديث صحيح من الوجهين، صريح في أن المؤمن لا يدخل إلى الجنة لكن يُفتَح له باب منها يأتيه من ريحها ونعيمها، وقد ورد من حديث عائشة وأبي هريرة من غير ما طريق.

فأما عن عائشة:

فأصله ما خرجه أحمد (6/205) عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت : دخلت على يهودية فذكرت عذاب القبر فكذبتها فدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألته فقال صدقت والذي نفسي بيده إنهم ليعذبون في قبورهم حتى تسمع أصواتهم البهائم ". ....

وأما الحديث بعينه فقد رواه ابن أبي ذئب واختُلف عنه في السند:

فرواه يزيد بن هارون ويحيى بن أبي بكير وروح بن عبادة كلهم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان أن عائشة رضي الله عنها قالت : دخلت علي يهودية ...".

كذلك هي رواية سعدان بن نصر ثنا شبابة بن سوار مثله.

بينما رواه ابن ماجه (4268) ثنا أبو بكر ثنا شبابة عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إن الميت يصير إلى القبر، ...".

تابعه عبد بن حميد وابن أبي فديك وعثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة .

قال محمد بن عمرو : فحدثني سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فذكر الحديث "، وهو يدل على أنه محفوظ من الطريقين. 

فأما عن طرق حديث أبي هريرة الأخرى :

1. فقد رواها ابن أبي ذئب واختُلف عنه في السند كما سبق .

2. وخرجه ابن حبان في الصحيح (3113) عن معتمر بن سليمان قال: سمعت محمد بن عمرو يحدث عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه.

فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف

والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل فيقال له: اجلس فيجلس وقد مثلت له الشمس وقد أدنيت للغروب فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي فيقولون1: إنك ستفعل أخبرني عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه؟ " قال: "فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله وأنه جاء بالحق من عند الله فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ويعاد الجسد لما بدأ منه فتجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير يعلق في شجر الجنة" قال: " فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} إلى آخر الآية [إبراهيم: 27] قال:

"وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له: اجلس، فيجلس خائفا مرعوبا، فيقال له: أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: أي رجل؟ فيقال: الذي كان فيكم فلا يهتدي لاسمه حتى يقال له: محمد فيقول: ما أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما قال الناس, فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورا ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له: ذلك مقعدك من الجنة وما أعد الله لك فيه لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله: {فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه: 124] ".

3. تابعه عبد الوهاب بن عطاء أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

قال محمد : وسمعت عمر بن الحكم بن ثوبان قال :" فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله عز وجل ".

4. ورواه عبد الله عن يزيد: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال :" إن الميت ليسمع خفق ..."، موقوفا، في حكم المرفوع.

5. ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا قبر أحدكم - أو الإنسان - أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر وللآخر: النكير فيقولان له...فذكر أسئلة القبر للمؤمن وفيه :" فيقولان: إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ذراعا وينور له فيه/ ثم يقال له: نم، فيقول: دعوني أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقال له: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك, وإن كان منافقا قال : لا أدري ...",

وهو صحيح أيضا,

6. وروى عبد الله في السنة 1448 حدثني أبي نا يزيد بن هارون نا ذلك محمد بن فضيل حدثني أبي عن أبي حازم عن أبي هريرة نحوا من حديث البراء ـ(سيأتي في الأخير)ـ إلا أنه قال :" أرقد رقدة المتقين المؤمنين ويقال للفاجر أرقد منهوشا قال فما من دابة إلا و لها في جسده نصيب",

7. ورواه البيهقي عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء ويرحب له قبره سبعون ذراعا وينور له كالقمر ليلة البدر أتدرون فيما أنزلت هذه الأية : { فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } أتدرون ما المعيشة الضنكة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: عذاب الكافر في قبره والذي نفسي بيده إنه يسلط عليه تسعة وتسعون تنينا أتدرون ما التنين سبعون حية لكل حية سبع رؤوس يلسعونه ويخدشونه إلى يوم القيامة",

الدليل الثامن: أبو سعيد:

خرجه البيهقي عن أحمد نا أبو عامر ثنا عباد يعني ابن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي بصرة عن أبي سعيد الخدري قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ، فقال : « يا أيها الناس، إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق، فأقعده فقال: ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمنا قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول له : صدقت ، ثم يفرج له باب إلى النار ، فيقول : هذا كان منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت به فهذا منزلك ، فيفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره،

وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت ، فيقول : لا دريت ولا تليت ولا هديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة، فيقال له: هذا لك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه بالمطراق يسمعها خلق الله كلهن غير الثقلين» فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطرقة إلا هيل عند ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت )".

عباد بن راشد مختلف فيه وهو صالح الحديث.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: أدلة من روى أن عموم أرواح المؤمنين تسرح أين شاءت،

ثم اختلفوا في مستقرها بعد السرح، فروي: أنها مخلاة، تذهب في برزخ من الأرض حيث شاءت، وقيل هي في الجنة، لكن أي جنة، الخلد أم القبر؟ أم بين العرش والجنة؟ على اختلاف في ذلك:

الدليل الأول: حديث ابن سلام وسلمان:

1/ قال ابن أبي الدنيا في المنامات حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: التقى عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي فقال أحدهما للآخر:« إن مت قبلي فالقني فأخبرني ما لقيت من ربك، وإن مت قبلك لقيتك فأخبرتك، فقال أحدهما للآخر: وهل يلقى الأموات الأحياء ؟ قال: نعم، أرواحهم في الجنة تذهب حيث شاءت ، قال : فمات فلان فلقيه في المنام فقال : توكل وأبشر ، فلم أر مثل التوكل قط ».

وقد كان إسماعيل ثقةً، لكنه كان صبيا يلعب عندما سمع من جرير, فقد قال ابن المديني: كان إسحاق بن إسماعيل معنا عند جرير وكانوا ربما قالوا له: جئنا بتراب, وجرير يقرأ فيقوم, وذهب إلى أنه لم يضبط وضعفه", لكنه قد توبع من طرف الليث وهو ثقة:       

روى يعقوب بن سفيان ثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن سلمان وعبد الله بن سلام التقيا فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه، فقال أحدهما لصاحبه: أيلقي الأحياء الأموات ؟ قال: نعم، أما الموحدون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت،

قال: فتوفى أحدهما قبل صاحبه فلقيه الحي في المنام فكأنه سأله فقال الميت: توكل و أبشر فلم أر مثل التوكل قط",

هكذا رواه الليث وجرير أن الأرواح في الجنة، وكأن هذه الجنة المذكورة هي جنة البرزخ والقبر، وربما التي في السماء عن يمين آدم، حيث يتلاقى الأهل والمتحابون كما بينا ثم يرجعون للنوم. 

2. فقد خالفه كل من سفيان بن عيينة فرواه أيضا عن يحيى بن سعيد،

وكذلك رواه عباد بن العوام وحماد عن علي بن زيد وفيه ضعف، رووه بأن الأرواح مخلاة في الأرض:

فقد قال ابن سعد (4/93) أخبرنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن سلام أن سلمان قال له: أي أخي، أيُّنا مات قبل صاحبه فليتراء له, قال عبد الله بن سلام: أو يكون ذلك؟ قال: نعم," إن نسمة المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجين", فمات سلمان، فقال عبد الله: فبينما أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغفيت إغفاءة إذ جاء سلمان فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقلت: السلام عليك ورحمة الله أبا عبد الله، كيف وجدت منزلك؟ قال: خيرا، وعليك بالتوكل، فنِعْم الشيء التوكل، وعليك بالتوكل، فنِعْم الشيء التوكل، وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل",

قال الحسين بن الحسن المروزي راوي كتاب الزهد عن ابن المبارك (ص144) أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد وعلي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: التقيا سلمان وعبد الله بن سلام، فقال أحدهما لصاحبه: إن مت قبلي فالقني وأخبرني ما صنع بك ربك، وإن أنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك، فقال عبد الله: يا أبا عبد الله، كيف هذا؟ أو يكون هذا؟ قال: «نعم، إن أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، ونفس الكافر في سجين»، قال: فخرج سلمان إلى العراق، قال حسين:« تخرق علي من الكتاب باقية» ،

قال حسين: فحدثنيه سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب بمثل ما حدثناه سفيان قال: مات سلمان ولقي عبد الله في المنام , وهو قائل فقال: «إني لم أر شيئا خيرا من التوكل».

لكن حديث ابن سلام موقوف، مروي عن الإسرائيليات.

الدليل الثاني:

وهل يشهد لأصحاب هذا القول: الحديث الصحيح المشهور:"...فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى...",

لكنه محتمل، بل ليس بصريح في المطلوب، فإنه أظهر في رجوع الروح إلى الأرض قرب بدن صاحبها، ثم انتقالها إلى قبر صاحبها، وأما استقرارها فهو شيء آخر.

الدليل الثالث: استدلوا بقوله تعالى: {كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم} [المطففين: 7]

لكن ما السجين ؟ قيل: هو في الأرض السابعة، وقيل في القبر، لأنه سجن،

ثم اختلفوا فيما يوضع في السجين: هل هي الروح الشقية؟ أم كتابها كما هو الأظهر في الآية والسنن؟:

فأما من قال بأنه الكتاب:

فلما رواه خصيف: سأل مجاهد محمد بن كعب القرظي وأنا معه {إن كتاب الفجار لفي سجين} [المطففين: 7] قال: فقال محمد: رقم الله عز وجل كتاب الفجار في أسفل الأرض فهم عاملون بما قد رقم عليهم في ذلك الكتاب، ورقم كتاب الأبرار فجعله في عليين فهم يؤتى بهم حتى يعملوا بما قد رقم عليهم في ذلك الكتاب ".

ولما رواه الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازب مرفوعا:" ثم يقول الله: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى، قال: فتطرح روحه طرحا " قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: 31]

وقيل الروح كذلك في ذلك السجين:

دليل رابع : ما مر في حديث بْن إِسْحَاق عَنِ الْحَارِثِ بْنِ فُضَيْل عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " لَمَّا حَضَرَتْ كَعْبًا الْوَفَاةُ أَتَتْهُ أُمُّ بِشْرِ بِنْتُ الْبَرَاءِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنْ لَقِيتَ فُلَانًا فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، فَقَالَ لَهَا: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكِ يَا أُمَّ بِشْرٍ نَحْنُ أَشْغَلُ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ نَسَمَةَ الْمُؤْمِنِ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ، حَيْثُ شَاءَتْ، وَنَسَمَةُ الْكَافِرِ فِي سِجِّينٍ»، ولم يصح كما بينته في طرق حديث ابن كعب، ومرويات ابن إسحاق.

دليل خامس: رواه عبد الرزاق 6703 - عن جعفر بن سليمان حدثني محمد بن عمرو بن علقمة حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: " .... ثم ذكر الكافر قال: ثم يغلق عليه ويفتح له باب من النار فيرى مساكنه فيها وما أعد الله له من العذاب ويزداد حسرة وثبورا، ويضيق عليه قبره حتى تلتقي أضلاعه "، فذلك قول الله عز وجل: {معيشة ضنكا} [طه: 124] قال: «وتجعل روحه في سجين»

 جعفر بن إياس مختلف في توثيقه، وقد تفرد بهذه اللفظة: روحه في سجين "، لم يذكرها أصحاب محمد، ولا الرواة عن أبي هريرة، ولا غيره، وإنما يقولون فيه :" يجعل كتابه في سجين".

 دليل سادس: ما رواه سعيد بن المسيب قال: التقيا سلمان وعبد الله بن سلام، فقال أحدهما لصاحبه: إن مت قبلي فالقني وأخبرني ما صنع بك ربك، وإن أنا مت قبلك لقيتك فأخبرتك، فقال عبد الله: يا أبا عبد الله، كيف هذا؟ أو يكون هذا؟ قال: «نعم، إن أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت، ونفس الكافر في سجين» ، قال: فخرج سلمان إلى العراق قال حسين: «تخرق علي من الكتاب باقية» ،

وقد مر أن حديث ابن سلام موقوف، مروي عن الإسرائيليات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: أدلة من قال بأن الأرواح في مكان بين اليمن والشام، أو بين مكة والقدس، أو من اليمن للشام، أو هي بالجابية في دمشق

قال أكثر هؤلاء: أرواح الكفار في سجينها في عمق بئر برهوت في حضرموت: 

وهذه أقوال أهل الكتاب ومن تبعهم، ليس يصح منها شيء مرفوع: 

والجابية: قرية من قرى دمشق، بها تل يسمى تل الجابية، بها حيات صغار نحو الشبر كثيرة النكاية ..، قاله القزويني.

قال ابن القيم في الروح:" سَاق ابن منده من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي حَدثنَا على بن عبد الله حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا إبان بن تغلب قَالَ: قَالَ رجل بات فِيهِ يعْنى وَادي برهوت، فَكَأَنَّمَا حشرت فِيهِ أصوات النَّاس، وهم يَقُولُونَ يَا دومه يَا دومه، قَالَ إبان: فحدثنا رجل من أهل الْكتاب أَن دومة هُوَ الْملك الَّذِي على أَرْوَاح الْكفَّار".

وَقَالَ صَفْوَان بن عَمْرو سَأَلت عَامر بن عبد الله أَبَا الْيَمَان هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ إِن الأَرْض الَّتِي يَقُول الله تَعَالَى {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ هى الأَرْض الَّتِي يجْتَمع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ حَتَّى يكون الْبَعْث ".

قال ابن القيم في الروح نقلا عن الإمام ابن منده " وروى عن جماعة من الصحابة والتابعين:" أن أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببر هوت بئر بحضرموت ".

وفي هذا بعض الآثار الموقوفة المروية عن أهل الكتاب:

أثر أول: عبد الله بن عمرو:

1. قال ابن القيم: قال ابن منده أخبرنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يُونُس حَدثنَا احْمَد بن عَاصِم حَدثنَا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان ابْن دَاوُد حَدثنَا همام حَدثنِي قَتَادَة حَدثنِي رجل عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ:" إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تَجْتَمِع بالجابية، وإن أَرْوَاح الْكفَّار تَجْتَمِع فِي سبخَة بحضرموت يُقَال لَهَا برهوت "، توبع أبو داود: 

فقال ابن حبان في صحيحه 3013: أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة ...  قال قتادة: وحدثني رجل عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو قال:أرواح المؤمنين تجمع بالجابيتين، وأرواح الكفار تجمع ببرهوت: سبخة بحضر موت".

قال: الجانبين: اليمن، وبرهوت من ناحية اليمن"، وابن حبان رواه تبعا لا استدلالا:

فإنه حديث ضعيف عن مبهم، وهو موقوف، وعبد الله ممن كان يروي الإسرائيليات:

2. قال ابن القيم: ثمَّ سَاق ابن منده من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبد الْجَلِيل بن عَطِيَّة عَن شهر بن حَوْشَب أَن كَعْبًا رأى عبد الله بن عَمْرو وَقد تكلب النَّاس عَلَيْهِ يسألونه فَقَالَ لرجل سَله أَيْن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ وأرواح الْكفَّار؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ:" أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ بالجابية وأرواح الْكفَّار ببرهوت ".

ورواه ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم من أصحابنا أن كعبا قدم مكة وبها عبد الله بن عمرو بن العاص فقال كعب: سلوه ...".

أثر ثاني: ابن عباس:

قال أبو بكر أحمد بن محمد عبد الله الجوهري راوي كتاب الأصنام عن الكلبي: حدثنا العنزي قال: حدثنا علي بن الصباح قال أبو المنذر: فأخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: أرواح المؤمنين بالجابية بالشام، وأرواح المشركين ببرهوت ".

العنزي هو أبو علي الحسن بن عليل

علي بن الصباح بن الفرات هو أبو الحسن الكاتب

أبو المنذر هو هشام بن محمد الكلبي، وهو رافضي متروك، وأبوه ضعيف الحديث، ولذلك جزم ابن حزم بأن هذه العقيدة هي عقيدة الرافضة.

والأولى منه ما رواه محمد بن مهاجر عن إبراهيم بن أبي حرة عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير ماء على الأرض ماء زمزم: فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام يصبح يتدفق ويمسي لا بلال لها ". ولم يذكر الأوراح.

وأصح ذكر لها ما ورد في أثر ابن عباس وغيره عن علي موقوفا: 

الأثر الثالث: عن علي: وهو مأخوذ عن أهل الكتاب:

قَالَ ابْن مَنْدَه: وروى حَمَّاد بن سَلمَة عَن على بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس عَن علي:" أبْغض بقْعَة فِي الأَرْض وَاد بحضرموت يُقَال لَهُ برهوت فِيهِ أَرْوَاح الْكفَّار، وَفِيه بِئْر مَاؤُهَا بِالنَّهَارِ أسود كَأَنَّهُ قيح تأوي إِلَيْهِ الْهَوَام ". هذا معلق وضعيف.

ورواه ابْن مَنْدَه وغيره من حَدِيث سُفْيَان عَن فرات الْقَزاز عَن أَبى الطُّفَيْل عَن على قَالَ:" خير بِئْر فِي الأَرْض زَمْزَم وَشر بِئْر فِي الأَرْض برهوت فِي حَضرمَوْت وَخير وَاد فِي الأَرْض وَادي مَكَّة والوادي الَّذِي أهبط فِيهِ آدم بِالْهِنْدِ مِنْهُ طيبكم وَشر وَاد فِي الأَرْض الْأَحْقَاف وَهُوَ فِي حَضرمَوْت ترده أَرْوَاح الْكفَّار".

رواه أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة عن سفيان به، وهو موقوف رجاله ثقات، واختلف فيه على أبي الطفيل:

. فرواه عبد الله بن جعفر الرقي حَدَّثَنا إسماعيل بن عياش عَن عَبد الله بن عثمان بن خثيم عَن أَبِي الطفيل سمعت حذيفة بن اليمان يقول: سمعت رسول الله صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم يقول: شر ماء نبع على وجه الأرض عين باليمن تسمى عين برهوت "، ولم يذكر الأرواح.

ورواه يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي الطفيل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير ماء على ظهر الأرض ماء زمزم، وشر ماء على ظهر الأرض ماء برهوت "

وورد أن هذه البئر هي التي يخرج منها البركان الذي يسوق الناس للمحشر، لا أن أرواحهم فيها.

كما روى مكحول، عن أبي سلمة عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة في واد يقال: له برهوت، يغشى الناس فيها عذاب أليم، تأكل الأنفس والأموال، تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام ...".

وقد يُستدل لهؤلاء بالحديثين التاليين:

دليل رابع: فيه تخليط، ذلك أن الأرواح ما بين مكة والمقدس، وأرواح مسلمة اليهود في السماء السادسة، وأرواح أخرى في السابعة مع إبراهيم:

رواه أبو جعفر الرازي وهو سيء الحفظ، وقد اختُلف عنه كما في:  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الرابع: من قال بأن أرواح الأشقياء في مكان أو جبال بين مكة والقدس، وأن أرواح المؤمنين في السماوات:

دليل أول: فيه تخليط، ذلك أن الأرواح ما بين مكة والمقدس، وأرواح مسلمة اليهود في السماء السادسة، وأرواح أخرى في السابعة مع إبراهيم:

رواه أبو جعفر الرازي وهو سيء الحفظ، وقد اختُلف عنه:

1/ فرواه أبو جعفر بالشك في أبي هريرة، أو غيره، وهل هذا الغير: صحابي أم تابعي؟ وما درجته؟

قال الطبري في تفسيره وتهذيبه حدثني عليّ بن سهل ثنا حجاج الأعور قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة أو غيره "شكّ أبو جعفر الزازي" في قول الله عزّ وجلّ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) قال: جاء جبرائيل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه ميكائيل، فقال جبرائيل لميكائيل: ائتني بطسْت من ماء زمزم كيما أطهر قلبه، وأشرح له صدره ، قال: فشقّ عن بطنه، فغسله ثلاث مرّات، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره، ونزع ما كان فيه من غلّ، وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختم بين كتفيه بخاتم النبوّة، ثم أتاه بفرس فحمل عليه كلّ خطوة منه منتهى طرفه وأقصى بصره، قال: فسار وسار معه جبرائيل عليه السلام،

فأتى على قوم يزرعون في يوم، ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: يا جبْرَائيلُ ما هَذَا ؟ قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تُضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين؛

ثم أتى على قوم تُرضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: ما هؤلاء يا جبرائِيل؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة؛

ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والغنم، ويأكلون الضريع والزقُّوم ورضف جهنم وحجارتها، قال: ما هَؤُلاء يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدّون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئا، وما الله بظلام للعبيد،

ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدور، ولحم آخر نيء قذر خبيث، فجعلوا يأكلون من النيء، ويدَعون النضيج الطَّيب، فقال: ما هَؤُلاء يا جَبْرائِيلُ؟ قال : هذا الرجل من أمتك، تكون عنده المرأة الحلال الطَّيب، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا، فتبيت معه حتى تصبح؛

قال: ثم أتى على خشبة في الطريق لا يمرّ بها ثوب إلا شقَّته، ولا شيء إلا خرقته، قال: ما هَذَا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا مثَل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه. ثم قرأ(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ ...) الآية.

ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال: ما هذا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس لا يقدر على أدائها، وهو يزيد عليها، ويريد أن يحملها، فلا يستطيع ذلك؛

ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: ما هؤلاء يا جَبْرائِيلُ؟ فقال: هؤلاء خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون،

ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هَذَا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها، فلا يستطيع أن يردّها،

. ثم أتى على واد، فوجد ريحا طيبة باردة، وفيه ريح المسك، وسمع صوتا، فقال: يا جَبْرَائِيلُ ما هَذِهِ الرّيحُ الطَّيِّبَةُ البارِدَة وهَذِهِ الرَّائحَةُ الَّتي كَرِيحِ المسْكِ، ومَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قال: هذا صوت الجنة تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقري، ولؤلؤي ومرجاني، وفضتي وذهبي، وأكوابي وصحافي وأباريقي، وفواكهي ونخلي ورماني، ولبني وخمري، فآتني ما وعدتني، فقال: لك كلّ مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي، وعمل صالحا ولم يُشرك بي، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيني فهو آمن، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكَّل عليّ كفيته، إني أنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين، قالت: قد رضيت؛

. ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا، ووجد ريحا منتنة، فقال: وما هَذِهِ الرّيحُ يا جَبْرَائِيلُ ومَا هَذَا الصَّوْتُ؟ قال: هذا صوت جهنم، تقول: يا ربّ آتني ما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي، وسعيري وجحيمي، وضريعي وغسَّاقي، وعذابي وعقابي، وقد بعُد قعري واشتدّ حرّي، فآتني ما وعدتني، قال: لك كلّ مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكلّ خبيث وخبيثة، وكلّ جبَّار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت؛

قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة؛ فلما قُضيت الصلاة. قالوا: يا جبرائيل من هذا معك؟ قال: محمد، فقالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا : حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء؛

قال: ثم لقي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيم: الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمَّة قانتا لله يؤتمّ بي، وأنقذني من النار، وجعلها عليّ بردا وسلاما؛

ثم إن موسى أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي كلَّمني تكليما، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قوما يهدون بالحقّ وبه يعدلون؛

ثم إن داود عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما وعلَّمني الزّبور، وألان لي الحديد، وسخَّر لي الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب؛

ثم إن سليمان أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي سخَّر لي الرياح، وسخَّر لي الشياطين، يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب، وقدور راسيات، وعلَّمني منطق الطير، وآتاني من كلّ شيء فضلا وسخَّر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضَّلني على كثير من عباده المؤمنين، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا ليس عليّ فيه حساب؛

ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطين هيئة الطير، فأنفخ فيه، فيكون طيرا بإذن الله، وجعلني أبرئ الأكمة والأبرص، وأحيي الموتى بإذن الله، ورفعني وطهرني، وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل؛

قال: ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه، فقال: كُلْكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبِّه، وأنا مُثْنٍ عَلى رَبِّي، فقال: الحَمْدُ لله الذي أرْسَلَنِي رَحْمَةً للعالَمِينَ، وكافةً للناس بَشِيراً ونَذَيرًا، وأَنزلَ عَليَّ الفُرقَانَ فِيه تِبْيانُ كُلّ شَيْءٍ، وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ أُمةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ، وَجَعَلَ أُمَّتِي وَسَطا، وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمُ الأوَّلوُنَ وَهُمُ الآخِرُونَ، وَشَرَحَ لي صَدْرِي، وَوَضَعَ عني وِزْرِي وَرَفَعَ لي ذِكْرِي، وَجَعَلَني فاتحا خاتِما،

قال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد.

- قال أبو جعفر الرازي: خاتم النبوّة، وفاتح بالشفاعة يوم القيامة

ثم أتي إليه بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فاتى بإناء منها فيه ماء، فقيل: اشرب، فشرب منه يسيرا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فقيل له: اشرب، فشرب منه حتى روي، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقيل له: اشرب، فقال: لا أريده قد رويت، فقال له جبرائيل صلى الله عليه وسلم: أما إنها سَتُحَرّم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا القليل،

ثم عَرَج به إلى سماء الدنيا، فاستفتح جبرائيل بابا من أبوابها، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ فقال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه، قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجل تامّ الخلق لم ينقص من خلقه شيء، كما ينقص من خلق الناس، على يمينه باب، يخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن، فقلت: يا جَبْرَائيِلُ مَنْ هَذَا الشَّيْخُ التَّامُ الخَلْقِ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ، ومَا هَذَانِ البابان؟ قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر إلى من يدخله من ذرّيته بكى وحزن؛

 ثم صعد به جبرائيل صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال: جبرائيل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد رسول الله، فقالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فإذا هو بشابين، فقال: يا جَبْرَائِيلُ مَنْ هَذَانِ الشابَّانِ؟ قال: هذا عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا ابنا الخالة،

قال: فصعد به إلى السماء الثالثة، فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل قد فَضَل على الناس كلهم في الحُسن، كما فُضّل القمرُ ليلة البدر على سائر الكواكب، قال: مَنْ هَذَا يا جِبْرَئِيلُ الَّذِي فَضَلَ على النَّاسِ في الحُسْنِ ؟ قال: هذا أخوك يوسف؛

ثم صعد به إلى السماء الرابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء؛ قال: فدخل، فإذا هو برجل، قال: مَنْ هَذَا يا جَبْرَائِيلُ؟ قال: هذا إدريس رفعه الله مكانا عليًّا؛

ثم صعد به إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبرائيل، فقالوا: من هذا؟ فقال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا : حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء؛

ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقصّ عليهم، قال : مَنْ هَذَا يا جَبْرَائِيلُ وَمَنْ هَؤُلاء الَّذِينَ حَوْلَهُ؟ قال: هذا هارون المحبب في قومه، وهؤلاء بنو إسرائيل؛

ثم صعد به إلى السماء السادسة، فاستفتح جبرائيل، فقيل له: من هذا؟ قال: جبرئيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فإذا هو برجل جالس، فجاوزه، فبكى الرجل، فقال: يا جَبْرَائِيلُ مَنْ هَذَا؟ قال: موسى، قال: فَمَا بالُهُ يَبْكي ؟ قال: تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بنى آدم على الله، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا، وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن مع كل نبيّ أمته؛

ثم صَعَد به إلى السماء السابعة، فاستفتح جبرائيل، فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد، قالوا: أوقد أُرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيَّاه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء،

قال: فدخل فإذا هو برجل أشمط جالس عند باب الجنة على كرسي، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه، أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر، فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص ألوانهم شيء، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال: يا جَبْرَائِيلُ مَنْ هَذَا الأشْمَطُ، ثُمَّ مَنْ هَؤُلاء البيضُ وُجُوهُهُمْ، وَمَنْ هَؤُلاء الَّذِينَ في ألْوَانِهِمْ شَيْءٌ، ومَا هَذِهِ الأنهَارُ الَّتي دَخَلُوا، فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ ألْوَانُهُم؟ قال: هذا أبوك إبراهيم أوّل من شَمِط على الأرض،

وأما هؤلاء البيض الوجوه: فقوم لم يُلْبِسوا إيمانهم بظلم،

وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فتابوا، فتاب الله عليهم،

وأما الأنهار: فأولها رحمة الله، وثانيها: نعمة الله، والثالث: سقاهم ربهم شرابا طهورا؛ قال: ثم انتهى إلى السِّدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كلّ أحد خلا من أمتك على سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذّة للشاربين، وأنهار من عسل مصفَّى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلِّها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها مغطية للأمة كلها، قال: فغشيها نور الخلاق عزّ وجلّ، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجرة، قال: فكلمه عند ذلك، فقال له: سل، فقال: اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته مُلكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له الجنّ والإنس والشياطين، وسخرت له الرياح، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلَّمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل. فقال له ربه: قد اتخذتك حبيبا وخليلا وهو مكتوب في التوراة: حبيب الله؛ وأرسلتك إلى الناس كافَّة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة، حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي؛ وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أوّل النَّبيين خَلْقا، وآخرهم بَعْثا، وأوّلَهم يُقْضَى له، وأعطيتك سبعا من المثاني، لم يُعطها نبيّ قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهم الإسلام والهجرة، والجهاد، والصدقة، والصلاة، وصوم رمضان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجعلتك فاتحا وخاتما، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: فضَّلَنِي ربَيّ بسِتّ: أعْطَانِي فَوَاتِحَ الكَلِمِ وَخَوَاتِيمَهُ، وَجَوَامِعَ الحَدِيثِ، وأَرْسَلَنِي إلى النَّاسِ كافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِ عَدُوّي الرُّعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وأُحِلِّتْ لي الغَنائمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وجُعِلَتْ لي الأرْض كُلُّها طَهُورًا وَمَسْجِدًا، قال: وَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً؛ فلما رجع إلى موسى، قال: بِم أُمرت يا محمد، قال: بِخَمْسِينَ صَلاةً، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التَّخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدّة، قال: فرجع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، ثم رجع إلى موسى، فقال: بكم أُمرت؟ قال: بأرْبَعِينَ، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيتُ من بنى إسرائيل شدّة، قال: فرجع إلى ربه، فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أُمرت؟ قال: أُمِرْتُ بِثَلاثِينَ، فقال له موسى: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّة، قال: فرجع إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى فقال: بكم أمرت؟ قال: بعشرين، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: بعشر، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدّة، قال: فرجع على حياء إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه خمسا ، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قاله: بخمس، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأم، وقد لقيتُ من بني إسرائيل شدّة، قال: قَدْ رَجَعْتُ إلى رَبّي حتى اسْتَحْيَيْت فَمَا أنا رَاجِعٌ إِلَيْهِ، فقيل له: أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات فإنهنّ يجزين عنك خمسين صلاة، فإن كلّ حسنة بعشر أمثالها، قال: فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كلّ الرضا" فكان موسى أشدّهم عليه حين مرّ به، وخيرهم له حين رجع إليه.

حدثني محمد بن عبيد الله، قال: أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أو غيره "شك أبو جعفر"، عن أبي هريرة في قوله (سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِه).... إلى قوله (إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) قال: جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحو حديث عليّ بن سهل، عن حجاج، إلا أنه قال: جاء جبرائيل ومعه مكائيل، وقال فيه: وإذا بقوم يسرحون كما تسرح الأنعام يأكلون الضريع والزقوم، وقال في كل موضع، قال عليّ ما هؤلاء، من هؤلاء يا جبرئيل، وقال في موضع تقرض ألسنتهم تقص ألسنتهم، وقال أيضا في موضع قال عليّ فيه: ونعم الخليفة. قال في ذكر الخمر، فقال: لا أريده قد رويت، قال: جبرائيل: قد أصبت الفطرة يا محمد، إنها ستحرم على أمتك، وقال في سدرة المنتهى أيضا:

2/ وخرجه البزار بالشك في التابعي: 

قال: حدثنا محمد بن حسان حدثنا أبو النضر عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أو غيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بفرس فجعل كل خطوة منه أقصى بصره

3/ ورواه حاتم ولم يذكر الشك:

قال البيهقي في الدلائل (2/397) وفيما ذكر شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله أن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني أخبرهم قال: حدثنا جدي قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثني عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: " {سبحان الذي أسرى بعبده ...} [الإسراء: 1] " قال: " أتي بفرس فحمل عليه ...".

 

دليل ثاني:

رواه شعبة عن عوف عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أصبح قال لأصحابه: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» قال: وإنه أصبح ذات يوم، فقال: " إني رأيت كأن اثنين أتياني، فقالا: انطلق انطلق، فانطلقت معهما , حتى انتهيا بي على شيخ أبيض الرأس واللحية , كئيب حزين عنده نار وهو يحشها ويصلح منها، فقلت: بارك الله فيكما , من هذا الشيخ؟ وما هذه النار؟ فقالا لي: انطلق انطلق، فانطلقت معهما , حتى انتهيا بي إلى رجل، وإذا رجل قائم على رأسه وإذا بيده كلوب من حديد , وهو يشرشر فمه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، ثم يفعل بهذه الناحية الأخرى، فما يفرغ منها حتى تعود تلك الناحية كأصح ما كانت، فقلت: يا بارك الله فيكم ما هذان الرجلان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقت معهما حتى أتيا بي إلى رجل مستلق على قفاه، وإذا رجل قائم على رأسه بيده صخرة، وهو يثلغ بها رأسه، فيدهده الحجر مكانا أتاك أتاك , فيذهب فيأخذه، فما يرجع إلى صاحبه حتى يرجع رأسه كأصح ما كان , فيفعل نحو ما فعل، فقلت: يا بارك الله فيكما , ما هذان؟ قالا: انطلق انطلق، فانطلقت معهما، حتى انتهيا بي إلى شبه البركة، وإذا فيها رجل يسبح، وإذا رجل قائم على شفة البركة بيده صخرة، فيجيء السابح فيفغر له فاه، فيلقمه ذلك الحجر، فقلت: يا بارك الله فيكما , ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقت معهما حتى انتهيا بي إلى شبه التنور، وإذا فيه رجال ونساء , فيأتيهم لهب أسفل منهم فيضوضووا، فقلت: يا بارك الله فيكما , ما هؤلاء؟ فقالا لي: انطلق انطلق،

فانطلقت معهما حتى انتهيا بي إلى أرض بيضاء كأنها الفضة، وإذا فيها كل نور ربيع، وإذا رجل أبيض الرأس واللحية كأجمل ما أنت راء من الرجال، وإذا عنده ولدان فهو محوشهم ويصلح منهم، فقلت: يا بارك الله فيكما , من هذا الشيخ؟ ومن هؤلاء الولدان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقت معهما حتى انتهيا بي إلى أرض بيضاء كأنها الفضة، وإذا فيها نهر يجري، ويجيء قوم نصف أجسادهم كأحسن ما أنت راء , ونصف أجسادهم كأقبح ما أنت راء، فيدخلون في ذلك النهر كأنما أمروا به، فيخرجون منه كأنما دهنوا بالدهان، فقلت: يا بارك الله فيكما , ما هؤلاء؟ قالا: انطلق انطلق، فانطلقت معهما حتى انتهيا بي إلى سدرة المنتهى، وهي جنة عدن، وذاك منزلك، قلت: يا بارك الله فيكما , دعاني فأدخله، قالا: لا، وأنت داخله، قلت: يا بارك الله فيكما , إني قد رأيت منذ الليلة عجبا , قالا: نخبرك: أما الذي رأيت أبيض الرأس واللحية فذاك مالك خازن جهنم، وأما الذي رأيت يشرشر فمه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه فذاك رجل يخرج من منزله , يكذب الكذبة، فيشيع في الآفاق، وأما الذي رأيت يثلغ رأسه، فيترك كأنه خبزة، فذلك الرجل النمام، وأما الذي رأيت في البركة يلقم حجرا فذلك الرجل الذي يأكل مال اليتيم، وأما الذي رأيت في شبه التنور فأولئك الزواني والزناة، وأما الذي رأيت الأبيض الرأس واللحية فذاك إبراهيم خليل الله، والولدان الذين رأيت فذاك ولدان المسلمين، وكل مولود يولد على الفطرة، وأما الذين رأيت نصف أجسادهم كأحسن ما أنت راء , ونصف أجسادهم كأقبح ما أنت راء , فأولئك قوم عملوا عملا صالحا وآخر سيئا، فيغفر الله لهم".

دليل ثالث:

رواه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي يحيى سليم بن عامر الحمصي قال: سمعت أبا أمامة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أنا نائم إذ أتيت فانطلق بي إلى جبل وعر، فقيل اصعد، فقلت: إني لست أستطيع الصعود، قال: أنا سأسهله لك. قال: فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذ أنا بأصوات، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قيل: هذه أصوات جهنم. ثم انطلق بي حتى مررت بقوم أشد شيء انتفاخا، وأسوئه منظرا، وأنتنه ريحا ريحهم ريح المراحيض، قلت: من هؤلاء؟ قيل: هؤلاء الزانون والزواني. ثم انطلق بي حتى مر بي على نسوة معلقات بثديهن، تنهش بهن الحيات، قلت: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء اللواتي يمنعن أولادهن ألبانهن، ثم انطلق بي حتى مررت على قوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل حين فطرهم،

. ثم انطلق بي حتى أشرفت على ثلاثة نفر يشربون من خمر لهم، قلت: من هؤلاء؟ قال: هذا زيد، وجعفر، وابن رواحة. ثم انطلق بي حتى أشرفت على غلمان يلعبون بين نهرين قلت: من هؤلاء؟ قال ذراري المؤمنين يحضنهم إبراهيم، ثم انطلق بي حتى أشرفت [ثم شرف لي شرف آخر] على ثلاثة نفر، [ثم رفعت رأسي، فإذا ثلاثة نفر تحت العرش، قلت: ما هؤلاء؟ قال: ذاك أبوك إبراهيم، وموسى، وعيسى، وهم ينتظرونك صلى الله عليهم أجمعين "]

دليل رابع: رواه أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قصة الإسراء، قال:

«فانطلق بي جبريل عليه السلام إلى رجال كثير كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم منضّدين على سابلة آل فرعون،

وآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا،  ...

قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ....

ثم ذكر المعراج إلى السماء الدنيا حيث آدم وذريته، وذكر حديثا طويلا في صنوف مختلفة للمعذبين، منها ما هو أرواحهم بين مكة والمسجد الأقصى، وبعضها في السماوات، ما يوجد في كل سماء أعرضنا عنه لضعفه.

وأما صحيح أحاديث المعراج ففيما سيأتي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الخامس: أدلة من قال بأن أرواح جميع المؤمنين كطير تسرح في الجنة، وعلل الأدلة، وبيان من حمل عموم المؤمنين على الشهداء فقط:

المسألة الأولى: ذكر الأدلة وبيان عللها وتوجيهاتها:

في هذا الباب ثلاث أدلة، هذا بيان عللها وتوجيهها:

دليل أول: ما ورد أن عموم الأرواح معلقة بالشجر, فأطلق ولم يذكر موضع الشجر:

قال الإمام أحمد (6/424) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أنه سمع درة بنت معاذ تحدث عن أم هانىء أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يكون النسم طيرا يعلق بالشجر، حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها "،

وفرق بين "يعلق بالشجر", ولفظة" تلعق" بمعنى تأكل من شجر الجنة.

هكذا رواه الحسن بن موسى والحسن بن شيب وعمرو بن خالد ويحيى بن بكير ومحمد بن حمير ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود بهذا, وابن لهيعة فيه كلام.

دليل ثاني:  مرسل ضمرة بن حبيب في أن الأرواح في طير خضر:  

قال الطبراني حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب: قال سئل النبي عن أرواح المؤمنين؟ فقال:" في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، قالوا: يا رسول الله، وأرواح الكفار؟ قال: محبوسة في سجين"،

نقله ابن القيم في الروح (ص99) وقال:

رواه أبو الشيخ عن هشام بن يونس عن عبد لله بن صالح به.

ورواه أبو المغيرة عن أبى بكر بن أبى مريم عن ضمرة بن حبيب مرسلا. 

وهو حديث مرسل, وقوله:" في طير خضر"، أي في صورة طير خضر كما أسلفنا سابقا. 

دليل ثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: وَرَدَ من ثلاثة أوجه:

أ: روى عبد الرزاق (3/567) عن جعفر بن سليمان حدثني محمد بن عمرو بن علقمة حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال:" إذا وضع الميت في قبره كانت الصلاة عند رأسه....قال: فيفتح له باب من النار فينظر إلى مساكنه فيها فيقال له لو كنت عصيت كانت هذه مساكنك فيزداد غبطة وسرورا ويفسح له في قبره سبعين... [قال: تجعل روحه في النسيم الطيب، في أجواف طير تعلق بين شجر من شجر الجنة أو تعلق بشجر الجنة"],

كذا زاد فيه جعفر وهو سيء الحفظ :" في أجواف طير"،

ب: وغيره من الثقات كعبدة ويزيد بن هارون وعبد الوهاب بن عطاء ومعتمر بن سليمان يقولون: "ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة، ويعاد جسده إلى ما بدىء من التراب، وذلك قول الله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}",

وهذا أصح ولم يصحّ, لتفرد محمد بن عمرو بن علقمة بذكر زيادة النسم في حديث أبي هريرة هذا في فتنة القبر، ومحمد بن عمرو صدوق له أوهام, فلا تحتمل زيادته,

ت: فقد روى هذا الحديث المعروف في فتنة القبر جماعة كبيرة عن أبي هريرة لم يذكروا فيه:" ثم تجعل نسمته في النسم الطيب وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة",

وكذلك روى حديث فتنة القبر جماعة كبيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أحد منهم ما ذكر محمد بن عمرو كما سيأتي في تأويل عموم حديث " نسمة المؤمن"،

كلهم قد ذكروا الحديث بلفظ:" أنه يفتح له في قبره باب من الجنة فيأتيه من ريحها ونعيمها ويعرض عليها"،

لا أنه يدخلها وهو الأصح, لتكاثر الأحاديث بذلك كما سيأتي.

دليل رابع: أحاديث عبد الله بن عمرو، وفي بعضها أن أرواح الأتقياء في صور طير بيض في ظل العرش, وأرواح الكافرين في الأرض السابعة: على خلاف في ذلك:

1/ فقال عبد الله بن المبارك في الزهد: باب في أرواح المؤمنين 164 أنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن منصور بن أبي منصور حدثه قال سألت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن أرواح المسلمين أين هي حين يموتون؟ قال: ما تقولون أنتم يا أهل العراق؟ قلت: لا أدري قال :" فإنها في صُوَرِ طيْر بِيض في ظل العرش, وأرواح الكافرين في الأرض السابعة، فإذا مات رجل مؤمن، مر به على المؤمنين وهم في أندية ويسألونه عن أصحابهم؟ فإن قال: قد مات، قالوا: قد سفل به، وإن كان كافرا هوى به إلى الأرض السافلة، فيسألونه عن الرجل فإن قال قد مات قالوا علي به...",

هذا حديث ضعيف، ومنصور مجهول، ما وثقه غير العجلي وابن حبان، ومتنه مخالف للأحاديث،

2/ ورواه ابن المبارك في الزهد قال أخبرنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال حدث عبد الله بن العاص قال:" إن أرواح المؤمنين في طير كالزرازير..", موقوف وقد رفعه غنجار توهما: 

وذكر ابن القيم في الروح:" وذكره أبو عبد الله بن منده من حديث غنجار عن الثورى عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرواح المؤمنين في طير خضر كالزرازير تأكل من ثمر الجنة".

قال ابن القيم:" ورواه غيره موقوفا"، 

وغنجار صدوق يدلس, وقد خالفه غيره فرواه موقوفا مثل رواية ابن المبارك:

فرواه محمد بن يوسف قال: ذكر سفيان عن ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قوله.

وعبد الله ممن يحدث كثيرا عن الكتب، واختلفوا عليه في لفظة :" في جوف طير":

3/ قال أبو بكر 33978 حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال:" الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كل عام مرة، وأرواح المؤمنين في جوف طير خضر كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة", توبع عيسى:

. قال أبو نعيم حدثنا حبيب بن الحسن ثنا أبو مسلم الكشي ثنا أبو عاصم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال:" الجنة مطوية معلقة بقرون الشمس تنشر في كل عام مرة، وأرواح المؤمنين في [جوف] طير خضر كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة",

كذا قال عيسى بن يونس، ورواية الكشي عن أبي عاصم عن ثور: أرواح المؤمنين, وقالا: في جوف طير".

والمراد بالجنة هنا هي جنة الأرض التي تنبت بطلوع الشمس بعد موسم المطر، وأما جنة الخلد فهي أعظم ومكانها فوق السماوات.

4/ وخالفهما كل من يزيد بن سنان عن أبي عاصم نفسه، والثوري وحفص بن عمر وعبد الله بن المبارك وغنجار كلهم عن ثور لم يذكروا لفظة [جوف],

وقيّد الأولون الفضل بأرواح الشهداء وهو الصواب,

كما أنه لا يستقيم التشبيه بالزرازير وهم في أجواف الطيور, إلا أن تكون القناديل على شكل الطيور، والأرواح كالزرازير من حيث الطيران.

5/ وقيد آخرون ذلك بالشهداء وهو الأقوى، لكنه موقوف:

. قال ابن عبد البر: حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا يحيى بن مالك بن عائد حدثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف حدثنا محمد بن علي حدثنا يزيد بن سنان حدثنا أبو عاصم النبيل حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو:" قال الجنة معلقة بقرون الشمس تنشرها في كل عام مرة، وأرواح الشهداء في طير كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة",

. ورواه بقي بن مخلد عن أبي عاصم النبيل عن ثور مثله.

. وكذلك رواه محمد بن يونس حدثنا حفص بن عمر حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال:" أرواح الشهداء في طير كزرازير ترد أنهار الجنة حتى يردها الله عز وجل في أجسادها", وهو أصح،

ومعنى قوله في طير: أي أن أرواح الشهداء فقط في صورة طير، لا أنها حالة في أجواف الطير.

قال أبو عمر بن عبد البر:" هذه الآثار كلها تدلّ على أنهم الشهداء، دون غيرهم، وفي بعضها "في صورة طير"، وفي بعضها: "في أجواف طير"، وفي بعضها "كطير"، قال": والذي يشبه عندي -واللَّه أعلم- أن يكون القول قول من قال: "كطير"، أو "صور طير"،

قال:" فعلى هذا التأويل كأنه قال صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المؤمن من الشهداء طائر يعلق في شجر الجنة، وجاء عن أبي بن كعب رحمه الله وجماعة من التابعين في صفة أحوال الشهداء وطعامهم في الجنة أقاويل غير هذه، وإنما ذكرنا في هذا الباب ما في معنى حديثنا وما يطابقه ويضاهيه وبالله التوفيق".

دليل خامس: فيه أن أرواح الأتقياء في صور طير بيض في ظل العرش, وأرواح الكافرين في الأرض السابعة: وهو قولٌ لعبد الله بن عمرو في إحدى الروايات عنه،

فقال عبد الله بن المبارك في الزهد: باب في أرواح المؤمنين 164 أنا ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب أن منصور بن أبي منصور حدثه قال سألت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن أرواح المسلمين أين هي حين يموتون؟ قال: ما تقولون أنتم يا أهل العراق؟ قلت: لا أدري قال :" فإنها في صور طير بيض في ظل العرش, وأرواح الكافرين في الأرض السابعة فإذا مات رجل مؤمن مر به على المؤمنين وهم في أندية ويسألونه عن أصحابهم فان قال قد مات قالوا قد سفل به وإن كان كافرا هوى به إلى الأرض السافلة فيسألونه عن الرجل فإن قال قد مات قالوا علي به...",

حديث ضعيف، ومنصور مجهول، ما وثقه غير العجلي وابن حبان، ومتنه مخالف للأحاديث،

وأما عن أرواح الشهداء فقد قال عبد الله بن عمرو: "أرواح الشهداء في طير كزرازير ترد أنهار الجنة حتى يردها الله عز وجل في أجسادها"،

ولعبد الله أقوال أخرى ستأتي.

دليل سادس: حديث ابن كعب بن مالك وبيان علله، وأن الأرواح في شكل طائر، لا في حواصل الطير:

مدار هذا الحديث على الزهري عن ابن كعب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه"،

ومعنى قوله: يعلق أي يأكل,

ومعنى قوله:" طائر"، أي أن أرواحهم في صورة طائر، وهو تشبيه جزئي لا كلي، لأن الأرواح تأخذ أشكال أبدانها، فهي تشبه الطائر في الطيران بالجناحين فقط، لا أنها مثل الطائر في كل شئ، كما رأى النبي عليه السلام جعفر الطيار في صورته في الجنة، وله جناحان يطير بهما. 

 هكذا قال عامة الرواة عن أَرْوَاح المُؤْمِنيَن:" في صورة طير",

وتُشْبِهها رواية :" أرواح الشهداء كطير "، وهو الصواب، لأن الشهداء فقط هم الأحياء في الجنة عند ربهم يُرزقون.

وقال بعضهم :" فِى حَوَاصِل طَيْرٍ خُضْر", وهو خطأ بَيّن، لأنه أشبه بعقيدة تناسخ الأرواح، وحلول الأرواح في حواصل الطير هذه.

قال ابن عبد البر :" والنسمة الأرواح تذهب وتجيء وتسبح وتأكل، كأنها طير، وهذا هو الصحيح، لا رواية من روى في أجواف طير لأنه لا يجتمع في جسد روحان روح المؤمن وروح الطير".

وقال أبو الحسن القابسي: أنكر العلماء قول من قال في حواصل طير لأنها رواية غير صحيحة، لأنها إذا كانت كذلك فهي محصورة مضيق عليها".

وقال آخرون: معنى في على، والمعنى أنهم يركبون على حواصل طير، لا أنهم يطيرون بمفردهم.

المسألة الثانية: خلاصة الكلام على علل أحاديث الأرواح في صورة طير أو في حواصلها:

أما سند حديث ابن كعب بن مالك:

فقد وقع فيه اختلاف كما وقع في متنه، وإليكم بيانُ ذلكَ مبتدئا بتعيين اسم الراوي المبهم: ابن كعب بن مالك، أي الرجال هو، هل هو التابعي فيكون الحديث مرسلا، أم هو الصحابي فيكون متصلا ومنقطعا؟

. فقال ابن عبد البر: هو عبد الرحمن بن كعب، لرواية مالك كما سيأتي، وصحح الحديث. 

بينما قال جمهور المحدثين: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، فيكون الحديث منقطعا في موضعين، بين عبد الرحمن وأبيه، وبين عبد الله وكعب، فإنه رواه بلاغا عنه كما سنبين، إضافة إلى اضطرابه، فيكون ضعيفا جدا.

قال محمد بن يحيى الذهلي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ولد كعب بن مالك عبد الرحمن وعبد الله وعبيد الله وفضالة ووهب ومعبد",

قال محمد بن يحيى: وسمعت علي بن المديني يقول: هم خمسة عبيد الله بن كعب ومعبد بن كعب وعبد الرحمن بن كعب ومحمد بن كعب وعبد الله بن كعب",

قال محمد بن يحيى: فسمع الزهري من عبد الله بن كعب وكان قائد أبيه حين عمي، وسمع من عبد الرحمن بن كعب وسمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قائد كعب, وروى عن بشير بن عبد الرحمن بن كعب ولا أراه سمع منه ".اهـ

وقد روى الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عند خ م د س ق، وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك خ م د س، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك خ 4، وروى عن عبيد الله بن كعب بن مالك الأنصاري الذي قال عنه ابن حجر: روى عن أبيه وعنه أخوه معبد وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب والزهري", وروى أيضا عن محمد بن كعب بن مالك الأنصاري الأصغر الذي قال عنه ابن حجر: روى عن أبيه وأخيه عبد الله، وعنه الزهري والوليد بن كثير", فأي أبناء كعب ترى الذي حدث عنه الزهري بهذا الحديث؟:

الفريق الأول: فذهبت طائفة إلى أن راوي الحديث هو: عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه:

وصححوا الحديث, رجح هذا ابن عبد البر في التمهيد (11/56) لرواية الإمام مالك عن الزهري:

الروايات الأولى: روايات مالك عن الزهري والاختلاف فيها:

أ. روى مالك في موطئه عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه", قال ابن عبد البر: لم يختلف عن مالك في هذا الحديث ومن أفضل من رواه عنه المعافى بن عمران ".

قلت: بل رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي عن الإمام مالك بن أنس عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه",

وكذلك حدث به قتيبة بن سعيد عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك فذكره سواءا,

ب. بينما رواه سويد بن سعيد عن مالك بالشك وبتبيين أن عبد الرحمن هو ابن عبد الله كما قال الجمهور:

 فقال سويد : أنبأنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن [عبد الله بن ] كعب الأنصاري أنه أخبره أضن أباه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجع إلى جسده يوم يبعث",

كذا قال هؤلاء عن مالك بلفظ:" نسمة المؤمن طائر"، بمعنى أن روحه في شكل طائر،

ج. وخالفهم في اللفظ: عثمان بن عمر بن فارس ثنا مالك بن أنس عن الزهري عن ابن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أرواح المؤمنين في طير معلق في الجنة حتى يردها الله إلى أجسادها يوم القيامة", فأبهم ابنَ مالك, وجعل أرواح المؤمنين في طير, ولم يقل: هي طير, ولا قال " في حواصل طير"، فهي تحتمل أنهم في صورة طير، وهو الأظهر لرواية الأكثرين، وتحتمل أنهم في حواصل الطير.

كما أنها تبطل قول من جمع بأن أرواح المؤمنين في صورة طير خضر, وأرواح الشهداء في حواصل طير, فهذا جمع باطل ومتكلف، والنص واحد، ثم هو مضطرب وضعيف. 

وستأتي الروايات الكثيرة المناقضة لهذا الجمع وبالله نتأيد:

وقد قال ابن عبد البر:" في رواية مالك هذه بيان سماع الزهري لهذا الحديث من عبد الرحمن بن كعب بن مالك,

2 قال:" وكذلك رواه يونس عن الزهري قال سمعت عبد الرحمن بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما نسمة المؤمن وذكر الحديث,

3. وكذلك رواه الأوزاعي عن الزهري قال حدثني عبد الرحمن بن كعب .

4. ورواه محمد بن إسحق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه,

قال أبو عمر النمري :" فاتفق مالك ويونس بن يزيد والأوزاعي والحارث بن فضيل على رواية هذا الحديث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه",

وسيأتي بيان خطئه في دعواه أنه عبد الرحمن بن كعب، بل هو غيره. 

ثانيا: وذهب الذهلي والبخاري والأكثرون إلى أنه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب:

فيكون الحديث منقطعا مرتين كما سيأتي. 

فقد قال ابن عبد البر:" ورواه شعيب بن أبي حمزة ومحمد بن أخي الزهري وصالح بن كيسان عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك.

قال:" فاتفق هؤلاء على أن جعلوا الحديث لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن جده كعب بن مالك "، وهذا هو الصواب:

ثالثا: وذهبت طائفة إلى أنه ابن كعب من غير تعيين: 

قال أبو عمر:" ورواه معمر وعقيل وعمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب. لم يقولوا عبد الله ولا عبد الرحمن ذكره عبد الرزاق عن معمر.

وذكره الليث عن عقيل وذكره ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري كلهم عن ابن كعب بن مالك في حديث نسمة المؤمن .

قال محمد بن يحيى الذهلي:" المحفوظ عندنا والله أعلم هذا، وهو الذي يشبه حديث صالح بن كيسان وشعيب وابن أخ ابن شهاب".

قال أبو عمر: لا وجه عندي لما قاله محمد بن يحيى الذهلي من ذلك ولا دليل عليه واتفاق مالك ويونس والأوزاعي ومحمد بن إسحاق أولى بالصواب والنفس إلى قولهم وروايتهم أميل وأسكن وهم في الحفظ والإتقان بحيث لا يقاس عليهم غيرهم ممن خالفهم في هذا الحديث وبالله التوفيق",

فعدّ ابن عبد البر أربعةً ممن روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه به مرجحا بذلك روايتهم . 

أضف إلى ذلك روايةً للّيث بن سعد كما سيأتي مناقشة ترجيحه,

والصواب قولُ الذهلي لا قولُ ابن عبد البر، لأن مالكا وحده هو الذي خالف الجميع، على أن روايته تحتمل أن يكون عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن كعب فيكون قد نسب إلى جده كما في رواية سويد عن مالك، وكذلك روى الحفاظ:

الروايات الثانية والثالثة: روايات شعيب ويونس عن الزهري:

أما عن رواية يونس وشعيب عن الزهري:

فقد خرجه أحمد (3/455) قال: ثنا عثمان بن عمر نا يونس عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إنما نسمة المسلم طير يعلق بشجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه",

وقال أحمد بن حنبل (3/456) نا أبو اليمان أنبأنا شعيب عن الزهري أنا عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك الأنصاري وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه",

وهذه الرواية ليست صريحة في المراد لاحتمال اختصار النسب, والصواب أن الحديث لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك كما قال الذهلي، وبيّنه ابن الهيثم وأبو زرعة. 

. وكذلك قال البخاري في التاريخ جازما: وقال يونس وشعيب عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب: كان كعب يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه",

. وقال ابن عبد البر:" ذكر أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث مالك سواء",

وقال الطبراني في الشاميين 3195 قال: حدثنا أبو زرعة ثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك الأنصاري كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله عز وجل إلى جسده",

. وقال البيهقي في البعث 133 : ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله عز وجل إلى جسده»، قال: نا أبو بكر القاضي نا أبو سهل بن زياد القطان ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أبو اليمان نا شعيب فذكره، فأرسله ولم يذكر كعبا الصحابي.

الروايات الرابعة والخامسة: رواية صالح بن كيسان ومحمد بن أخي الزهري عنه:

وفيها البيان أيضا بأنه عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، فيكون منقطعا، وأنه لم يسمعه من كعب بل هو بلاغ عنه، فيكون منقطعا في موضعين، إضافة إلى اضطرابه ونكارة متنه.  

ذكرها الذهلي وابن عبد البر قال:" رواه شعيب بن أبي حمزة ومحمد بن أخي الزهري وصالح بن كيسان عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك".

أما عن رواية صالح بن كيسان:

فقال ابن عبد البر:" ذكره إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أنه بلغه أن كعب بن مالك كان يحدث.

وقال البخاري في التاريخ: وقال عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أنه بلغه أن كعبا قال قال النبي صلى الله عليه وسلم نحوه",

وقال أحمد (3/455) ثنا سعد بن إبراهيم ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أنه بلغه أن كعب بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نسمة المؤمن إذا مات طائر تعلق بشجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه الله",

وقال الطبراني 124 في الكبير حدثنا عبدان بن أحمد ثنا عبيد الله بن سعيد ثنا عمر ثنا أبي صالح بن كيسان عن ابن شهاب حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أنه بلغه أن كعب بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" نسمة المؤمن إذا مات طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة",

الرواية السادسة: رواية أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس عن الزهري:

قال الطبراني في الكبير (19/64): حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو أويس عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله في جسده يوم يبعثه", وقد نسبه منصور إلى جده, وبينه غيره,

 قال الإمام أحمد (3/46) ثنا إبراهيم بن أبي العباس ثنا أبو أويس قال الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه".

الروايات السابعة: روايات الليث وعقيل عن الزهري:

قال ابن حبان: باب ذكر تكوين الله جل وعلا نسمة الشهيد طائرا يعلق في الجنة إلى أن يبعثه الله جل وعلا 4657 أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا يزيد بن موهب حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يردها الله إلى جسده يوم القيامة",

لكن الليثَ لم يسمع هذا الحديث من الزهري إنما رواه عن عقيل,

فقد قال البخاري في التاريخ جازما: وقال الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني ابن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل", فلم يذكر الصحابي. 

الثامنة: رواية الأوزاعي عن الزهري:

وليست صريحة أيضا: إذ يحتمل أن يكون الحديث لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أيضا, فيكون الأوزاعي قد نسبه إلى جده أيضا لأنه لم يذكر سماعا لعبد الرحمن عن أبيه:

فقد قال الطبراني 123 حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا شعيب بن إسحاق ثنا الأوزاعي حدثني الزهري حدثني عبد الرحمن بن كعب عن كعب قال: لما حضرته (كعب) الوفاة أتته أم مبشر فقالت: أَقرِأْ على ابني السلام، فقال لها: أوما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" روح المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يبعث يوم القيامة", قالت: بلى, ولكن وهلت",

ظاهر هذه الرواية إنكار فعلها في أن الأرواح تتلاقى لأن كل منها في شأن يغنيه, وأن كعبا هو الذي استدل عليها بهذا الحديث فتراجعت عن اعتقادها، وقد ورد عكس ذلك:

التاسعة: روايات معمر عن الزهري: 

خرجها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك قال: قالت أم مبشر لكعب حين حضر: اقرأ على ابني السلام تعني مبشرا فقال كعب: يغفر الله لك يا أم مبشر ألم تسمعي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:" أن نسمة المؤمن في طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة", فقالت: استغفر الله",

فها قد تابع معمرٌ الأوزاعيَّ في أن المستدل لإنكار التلاقي هو كعب وأن أم مبشر هي التي تراجعت لقوله, لكن بلفظ :" في طير", والصواب بدونها، ولو صحت لكان معناها في صورة طير،

فقد روى الحديثَ عبدُ بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن بن كعب بن مالك قال: قالت أم مبشر لكعب بن مالك وهو شاك، اقرأ على ابني السلام يعني مبشرا فقال يغفر الله لك يا أم مبشر أو لم تسمعي إلى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نسمة المؤمن طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة"، قالت: ضعفت فأستغفر الله",

وابن كعب هنا مبهم وهو عبد الله بن كعب، والصواب أن الحديث في الشهداء لا في عموم المؤمنين:

. فقد روى الحديثَ عبد الرزاق أيضا عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أرواح الشهداء في صور طير خضر معلقة في قناديل الجنة يرجعها الله يوم القيامة",

وهذا منقطع مثل حديث عقيل عن الزهري, وفيه تبيين أن المراد بالنسمة سابقا هي أرواح الشهداء خاصة.

وكأن الصواب أن ابن كعب المبهم هو عبد الرحمن بن عبد الله عن كعب كما رجح الحفاظ, وبيَّنَ ذلك محمد بن حميد عن معمر,

فقال أحمد بن حنبل كما في الأحاديث المستدركة من مسنده حدَّثنا مُحَمد بن حُمَيْد أبو سُفْيان عن مَعْمَر عن الزُّهْرِي عن عَبْد الرَّحْمان بن عبد الله بن كَعْب بن مالك عن كَعْب قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" نَسَمَةُ الْمُؤْمِنُ تُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهَا اللهُ إِلَى جَسَدِه"،

ومن طريقه خرجه ابن الجوزي قال: أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي بلفظ:" نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة...".

والصواب كما قال الذهلي وهو أعلم الناس بحديث الزهري, أن ابن كعب هو عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك فنسبه بعض الرواة إلى جده فقال: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه, والمراد به عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، وهو بذلك منقطع:

فقد روى كل هؤلاء هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كلهم على خلاف ترجيح ابن عبد البر, الذي قال في التمهيد :" فاتفق هؤلاء على أن جعلوا الحديث لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن جده كعب بن مالك، ذكره إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أنه بلغه أن كعب بن ملك كان يحدث..,

وقال محمد بن يحيى الذهلي:" المحفوظ عندنا والله أعلم هذا، وهو الذي يشبه حديث صالح بن كيسان وشعيب وابن أخي ابن شهاب",

فظهر بهذا البيان أن رواية عبد الرحمن بن عبد الله المنقطعة هي الأصح, لكثرة رواتها, مع ترجيح الحفاظ لها كالمزي وابن حجر والذهلى وهو أعلم أهل الحديث بعلل حديث الزهري, وعليه يكون الحديث ضعيفا بسبب الانقطاع مع الاضطراب والله أعلم .

فقد قال المزي وابن حجر في التهذيب: وروي بالشك عبد الرحمن أو عبد الله بن كعب عن أبيه في أرواح الشهداء هو عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك نسب لجده",

الروايات العاشرة: روايات ابن إسحاق عن الحَارِثِ بنُ فضيل عن الزهري: والتي استدل بها ابن عبد البر. والصواب أنها شاذة ومضطربة ومُدلسة، ثم هي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كَعْبٍ بنُ مَالِك كما روى الجمع، فيكون الحديث منقطعا مع اضطرابه:

فقد روى الحربي في غريبه عن ابن نُمَيْرٍ عَنْ أبيهِ عَنْ ابن إِسْحَاق عَنْ الحَارِثِ بن فضيل عن الزُّهْرِى عَن عبد الرحمن بن كَعْبٍ بنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتَ النَّبِىِّ صَلَّى اللّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ:" أَنَّ أَرْوَاحَ المُؤْمِنيَن فِى حَوَاصِل طَيْرٍ خُضْرٍ تَعْلُقُ مِنَ ثُمَّر الجَنَّة", فجعل الأرواح في حواصل الطير، لا أنها في صورة الطير.

وقد رواه أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن عبد الرحمن بن كعب أن ابنة البراء بن معرور قالت لكعب يا أبا عبد الرحمن الحديث", فأسقط منه الزهري بين الحارث وعبد الرحمن وقد ذكره غيره.

. وقال الطبراني 122 حدثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا علي بن عبد العزيز ثنا ابن الاصبهاني ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي كلاهما عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: لما حضرت كعب بن مالك الوفاة دخلت عليه أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا أبا عبد الرحمن أن لقيت ابني فاقرأه مني السلام فقال : يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك فقالت: أبا عبد الرحمن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ان أرواح المؤمنين في أجواف طير تعلق بشجر الجنة ؟ قال : بلى، قالت : فهو كذلك",

كذا قال عن أَرْوَاح المُؤْمِنيَن:" فِى حَوَاصِل طَيْرٍ خُضْر", وهو وهم بَيّن, لأن كل الثقات من أصحاب الزهري يقولون فيه:" نسمة المؤمن طير", أي على صورة طير، أي في الجناحين فقط، لا أنها مثل الطائر في كل شئ، كما رأى النبي عليه السلام جعفر الطيار بصورته في الجنة وله جناحان،

وقال بعض الرواة:" في طير", ومعناها أيضا في صورة طير كما هو مبين في بعض الروايات، لا أنها في أجواف الطيور، وبهذا تتفق الروايتان:

. قال محمد بن يحيى الذهلي في علل حديث الزهري: حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: لما حضر كعبا الوفاة أتته أم بشر بنت البراء بن معرور فقالت يا أبا عبد الرحمن إن لقيت ابني فلانا فاقرأ عليه مني السلام، فقال: غفر الله لك يا أم مبشر، نحن أشغل من ذلك، فقالت: يا أبا عبد الرحمن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن أرواح المؤمنين في طير خضر تعلق بشجر الجنة", قال: بلى قالت: فهو ذاك"،

وهذا الطريق معلول بعلتين، أولاها تدليس ابن إسحاق، والثانية قوله:" في طير خضر"، وغيره يقول فيه:" طير خضر"، على أنه يمكن الجمع بينهما كما مر،

إلا أن الحديث منقطعٌ، لأن عبد الرحمن بن كعب هنا هو عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب نسب إلى جده كما ذكرنا سابقا عن الذهلي وغيره، يبين ذلك ما:

 . خرجه عبد بن حميد في مسنده 1571 أخبرنا يزيد بن هارون أنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه قال: لما حضرت كعبا الوفاة أتته أم بشر بنت البراء فقالت: يا أبا عبد الرحمن، إن لقيت ابني فلانا فأقرئه مني السلام فقال لها: غفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك، قالت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن نسمة المؤمن لتسرح في الجنة حيث شاءت وإن نسمة الكافر في سجين", قال: بلى، قالت: فهو ذاك",

وابن إسحاق مدلس وقد عنعن في كل الطرق, وقوله في الإسناد: عبد الرحمن بن عبد الله بزيادة عن أبيه بقصة كعب تبيين لمن هو ابن كعب، فيكون منقطعا كغيره.

. هكذا رواه كل من ابن نمير والمحاربي ويزيد بن هارون ثلاثتهم عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن عن كعب كما مضى,

وقد قال هؤلاء:" أن ارواح عموم المؤمنين طير يسرح في الجنة"، وهذا الحديث ضعيف منقطع، والصواب أن أرواح الشهداء فقط هم الأحياء في الجنة عند ربهم يرزقون:

كما رواه عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان وابن سعد ويزيد بن هارون عن محمد بن إسحق ثنا الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء وقال عبدة: في روضة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا",

وهذا هو الأصح لتصريح ابن إسحاق فيه بالتحديث.

وقد قال مجاهد: أنّ أرواح الشهداء ليست في داخل الجنة، لكن على باب الجنة يأكلون من ثمارها ويجدون من ريحها للرواية السابقة.

والحاصل أن رواية ابن إسحاق:" في أجواف أو حواصل طير"، معلولة بالشذوذ والتدليس مع المخالفة للثقات، فلا تُقبل في الشواهد والمتابعات،

وهكذا رواية:" في طير خضر"، فإما أن تكون شاذة، وإما أن تُؤَول بمعنى:" في صورة طير"، كما هو مُبين في بعض الروايات على أن الحديث ضعيف. 

وأما عن حديث أبي هريرة في فتنة القبر بزيادة:" ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر"، فلم تصح كما ذكرت، لتفرد محمد بن عمرو بها، وهو ممن يهم في حديثه، فلا تُقبل زيادته وقد خالف الثقات:

ومما يؤكد إبطال عموم هذا الحديث، أنه قد ورد بأن أهل الجنة والنار إنما يرون مقعدهم منها فقط، ويُفتح لهم من أبوابها ... فيأتيهم من ريحها .... كما سنبين.

المسألة الثانية: خلاصة الكلام على علل بقية أحاديث الأرواح في صورة طير أو في حواصلها:

الحاصل أن هذه الأحاديث بعموم دخول الأرواح للجنة وكونها في صورة طير أو في حواصلها"، هي ضعيفة مضطربة،وفيها انقطاع وإرسال واضطراب في السند والمتن.

فمرة تأتي بلفظ "العموم لأرواح لمؤمنين"، ومرة بالخصوص للشهداء، ومرة يقول " في صورة طير"، وأخرى يقول :" في طير"، وقد يكون معناها كالسابقة:" في صورة طير"، لكن وردت في أخرى:" في حواصل طير"، وهي أشد الروايات نكارة.

وقد بينا تعليل رواية ابن إسحاق:" في أجواف أو حواصل طير"، بالشذوذ والتدليس مع المخالفة للثقات، لذلك فلا تُقبل في الشواهد والمتابعات،

وأما رواية:" في طير خضر"، فإما أن تكون شاذة، وإما أن تُؤَول بمعنى:" في صورة طير"، كما هو مُبين في بعض الروايات على أن الحديث ضعيف. 

وأما عن حديث أبي هريرة السابق في فتنة القبر بزيادة:" ثم يجعل نسمه في النسم الطيب، وهي طير خضر"، فلم تصح كما ذكرت، لتفرد محمد بن عمرو بها، وهو ممن يهم في حديثه، فلا تُقبل زيادته وقد خالف الثقات:

ومما يؤكد إبطال عموم هذا الحديث، أنه قد ورد بأن أهل الجنة والنار إنما يرون مقعدهم منها فقط، ويُفتح لهم من أبوابها ... فيأتيهم من ريحها .... ثم ينامون جميعا كما سنبين.

كما أن هذه الروايات مدفوعة بسائر الآيات والأحاديث الكثيرة المبينة أن من يدخل الجنة في البرزخ هم الشهداء فقط، ولذلك اختلف السلف في تأويلها، فذهبت طائفة إلى تعليلها كما بينا سابقا من كلام الذهلي وغيره،

وذهبت طائفة إلى تصحيح رواية " في طير خضر"، "كطير خضر"، وقالوا: إن الأرواح في صور الأجسام، ومعنى كونها "كطير خضر أو في صورة طير خضر" أي في تمثيلها بالطيران، ومن المعلوم أن المشبَّهَ لا يُشْبه المشَبَّهَ به من كل وجه, بل يكفي توافقهما في شيء واحد وهو وجه الشبه وهو هنا التوافق في الطيران, يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الشهيد جعفر الطيار على صورته يطير بجناحين في الجنة, وبهذا تجتمع كل الأحاديث ولا تختلف.

ووجّهوا هذا الحديث بأوجه:

أحدهما: أن أرواح المؤمنين في جنة القبر، لا جنة الخلد كما سيأتي. 

والثاني: أن يكون قوله" في طير خضر"، أي في صورة طير،

أو أن "في" ليست للظرفية، بل بمعنى:" على" طير، أي تمتطي فوقها وتعتليها, كما في قوله تعالى: آمنتم من في السماء", أي عليها, وقوله:" ولأصلبنكم في جذوع النخل", أي عليها, فتكون أرواح الشهداء تسرح في الجنة على طير خضر, وهي على صور أجسامها الحقيقية كما هو مشهور.

والثالث: أن رواية :" في أجواف طير", شاذة، ضعفها ابن عبد البر وغيره سندا، ولأنها تقتضي القول بتناسخ الأرواح.

وقد صححها ابن القيم وأجاب بأن تسميتها بالتناسخ لا يحيل الحقائق ولا يبطلها, والأصح أن زيادة :"في أجواف", لم تصح كما مر جليا, ولئن صحت فمعناها أن أرواح الشهداء تطير كالطير، ثم تأوي إلى وسط قناديل أشبه بحواصل الطير.

الرابع: أن حديث كعب من باب العموم الذي يُراد به الخصوص وهم الشهداء خاصة: ذكر ذلك ابن حبان وابن عبد البر وابن حزم والطبري وغيرهم، وأيدوا ذلك برواية ابن عيينة في الحديث نفسِهِ فإنه قال فيه:" أرواح الشهداء طير خضر في الجنة..."،

قالوا: لأنهم وحدهم الأحياء الذين عند ربهم يرزقون، قال ابن حزم في الفصل: وكذلك الشهداء أيضا هم في الجنة لقول الله عز وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) قال: وهذا الرزق للأرواح بلا شك، ولا يكون إلا في الجنة، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث الذي روى:"نسمة المؤمن طائر يعلق من ثمار الجنة ثم تأوى إلى قناديل تحت العرش"، وروينا هذا الحديث مبينا من طريق ابن مسعود رضي الله عنه: أنهم الشهداء".

وأما رواية "في أجواف طير" فذهبت طائفة إلى تصحيحها كابن القيم، وأجابوا بأن تسميتها بالتناسخ لا يحيل الحقائق ولا يبطلها.

وقد يقال : بأن معنى كونها في أجواف طير، كأنه وصف للقناديل التي تكون على شكل طير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الخامس: أدلة من قال بأن أرواح الشهداء فقط في الجنة، وأن جنتهم بين العرش وجنة الخلد، وبيان الصحيح في أرواحهم " في صورة طير"، أم :" في أجواف طير ":

وهل يمكن الجمع بأن تكون أرواحهم في صورة طير من حيث الطيران بالجناحين كما قدمنا، ثم تأوي إلى قناديل في شكل خواصر طير.

وقد حمل هؤلاء العموم السابق على خصوص الشهداء كما في بعض الروايات السابقة، والأدلة اللاحقة:

قالوا: فإن عارض معارض هذه الفضيلة التي منح الله للشهداء وقال: كيف والصديقون أفضل منهم, قيل له: هذه فضيلة للشهداء خاصة لبيان مكانتهم وفضل الشهادة في البرزخ, وأما يوم القيامة فشيء آخر,

ومن دخل الجنة من الصديقين في البرزخ، فيقال بأن جنة البرزخ غير جنة الخلد بل قدامها، وكذلك من دخل جنة البرزخ فلخبر يخصه ، كما روى اسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر نا عبد الملك بن عمير ثني كثير بن الصلت قال:" دخلت على عثمان وهو محصور فقال لي يا كثير، ما أراني إلا مقتولا يومي هذا..., فذكر الخبر وفيه قول عثمان:" ولكني سهرت في ليلتي هذه الماضية، فلما كان عند السحر أغفيت إغفاءة فرأيت فيما يرى النائم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأبو بكر وعمر، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: أَلْحقنا لا تحبسنا فإنا ننتظرك، فقتل من يومه"،

ففيه اسماعيل وهو ضعيف ولخبره شواهد كثيرة، وقد يقال هنا أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا شهداء فيزول الإشكال .

وفي دخول الشهداءِ الجنةَ عدةُ أدلة:

الدليل الأول: قوله تعالى .{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}[آل عمران].

قال الطبري :" من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره؟ وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى الجنة يشمون منها روحها ويستعجلون الله قيام الساعة ليصيروا إلى مساكنهم منها ويجمع بينهم وبين أهاليهم وأولادهم فيها وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبواب إلى النار ينظرون إليها ويصيبهم من نتنها ومكروهها ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها... قال: وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذي خص به القتيل في سبيل الله مما لم يعم به سائر البشر, قال: وسائر الكفار والمؤمنين أحياء في البرزخ، أما الكفار فمعذبون فيه بالمعيشة الضنك وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان ؟ قيل : إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك وأفاد المؤمنين بخبره عنهم تعالى ذكره إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهما قبل بعثهم...".

الدليل الثاني: بعض الروايات المقيدة الموجودة في الأحاديث السابقة بنفسها:

منها: روايات عمرو عن الزهري:

قال ابن عبد البر: وهذا عندي ليس كما ظنوا لأن حديث كعب بن مالك هذا معناه في الشهداء خاصة وحديث ابن عمر في سائر الناس، والدليل على ذلك أن سفيان بن عيينة روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أرواح الشهداء طير خضر يعلق في شجر الجنة",

وهذا حديث رواه الناس عن ابن عيينة عن عمرو عن الزهري بهذا اللفظ،

وقد وصله الترمذي 1641 ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان بن عينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمرة الجنة أو شجر الجنة",

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح", وصححه الألباني،

وقال أحمد 6/386 ثنا سفيان عن عمرو عن الزهري عن بن كعب بن مالك عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم يعنى:" أن أرواح الشهداء في طائر خضر تعلق من ثمر الجنة"، وقرئ على سفيان: نسمه تعلق في ثمرة أو شجر الجنة",

وكذلك رواه الحميدي وابن حميد عن سفبان عن عمرو عن الزهري عن ابن كعب مبهما، وخالفهم المخزومي فبين من هو ابن كعب وجعله عبد الله بن كعب مخالفا أصحاب سفيان وعامة الرواة عن الزهري:

فقال عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا أبو عبيد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر أو شجر الجنة",

وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان وذكر فيه قصة:

فقال الطبراني 125 حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي ثنا يعقوب بن حميد ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رجلا من الانصار هلك فقالت أم مبشر: اقرأ ابني مبشرا مني السلام فقال كعب: ليس هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرواح الشهداء في طير خضر تعلق حيث شاءت", قالت: فإني أستغفر الله، قال: هكذا سمعته",

هكذا جعل سفيان والأوزاعي ومعمر أن المستدل بالحديث لعدم تلاقي الأرواح هو كعب, وأن أم مبشر هي التي تراجعت لقوله, بعكس رواية ابن إسحاق السابقة,

وقد روى الحميدي وحده عن سفيان هذا الحديث بلفظ العموم فقال في مسنده 873 ثنا سفيان ثنا عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أنه لما حضرته الوفاة قالت له أم مبشر اقرأ على مبشر السلام فقال لها كعب يا أم مبشر أهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا أدري ضعفت فاستغفر الله. فقال كعب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن نسمة المؤمن طائر خضر تعلق من ثمر الجنة", وكل أصحاب سفيان قالوا فيه:" أرواح الشهداء", وبتقييد ذلك بالشهداء تواترت الأحاديث مع القرآن الكريم.

الدليل الثالث: أن راوي حديث العمومِ نفسُه وهو الزهري قد بين أن المقصود من أرواح المؤمنين هي أرواح الشهداء, فذكر معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد أنه سأل ابن شهاب عن أرواح المؤمنين؟ فقال: بلغنى أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش تغدو وتروح إلى رياض الجنة تأتى ربها في كل يوم تسلم عليه", ذكره ابن عبد البر.

الدليل الرابع: أحاديث ابن عباس:

والصواب فيها أنه موقوف عن ابن عباس من غير لفظة الأجواف, وهو من الإسرائيليات: 

فقال بقي حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول:" أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة",

 كذا قال يحيى الحماني: " تجول في أجواف".

وخالفه عبد الرزاق 9557  وسعيد بن منصور في سننه وهما أوثق وأكثر فقالا: حدثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول:" أرواح الشهداء تجول في طير خضر تعلق من ثمر الجنة", وهذا أصح:

ومعنى تجول في طير خضر أي على طير خضر تمتطيها كما ذكرنا من قبل، أو أنها في صورتها من حيث الطيران بالحناحين.

وإذا كانت أرواحهم في صورة طير من حيث الطيران بالجناحين، فمن الممكن أن تكون قناديلها في شكل خواصر طير تأوي إليها.

على أن هذا الأثر موقوف عن ابن عباس وليس له حكم الرفع، لأنه قد أخذه عن مسلمة أهل الكتاب: 

دليل ذلك ما قاله أبو بكر (4/215) حدثنا حسين بن علي عن زائدة نا ميسرة عن عكرمة عن بن عباس قال: سألت كعبا عن جنة المأوى فقال:" أما جنة المأوى فجنة فيها طير خضر يعني فيها أرواح الشهداء".

وقد روى آخرون هذا الحديث مرفوعا عن ابن عباس وفيه نظر واضطراب:

الدليل الخامس: روايات ابن إسحاق: في أن الشهداء أمام أبواب الجنة يتنعمون لا أنهم بداخلها كما قال مجاهد:

وقد اختلف فيها على ابن إسحاق على أوجه:

1/.  فقال بعضهم بأن أرواح الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، لا أنهم بداخلها:

روى ذلك عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان وابن سعد ويزيد بن هارون عن محمد بن إسحق ثنا الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء وقال عبدة: في روضة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا",

قال الطبري حدثنا أبو كريب حدثنا عبد الرحيم بن سليمان وعبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" الشهداء على بارق نهر باب الجنة، في قبة خضراء -وقال عبدة في روضة خضراء- يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً "،

قال ابن كثير :" إسناد جيد"، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث:

قال الطبري حدثنا أبو كريب وأنبأنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

قال: حدثنا ابن وكيع وأنبأنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق حدثني الحارث بن فضيل عن محمود بن لبيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

قال الطبري حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة قال محمد بن إسحاق: وحدثني الحارث بن الفضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد الأنصاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيًّا ".

هذا هو الصحيح المرفوع عن ابن عباس.

2. وروى آخرون عن ابن إسحاق عن اسماعيل بن أمية إلى ابن عباس حديثا آخر في شهداء أحد، وأنهم في أجواف الطير ولم يصح: 

خرج الطبري عن ابن عياش، والإمام أحمد (1/265) ثنا يعقوب ثنا أبي كلهم عن بن إسحاق حدثني إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل:" أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء }"، توبع أبو الزبير:

فروى ابن المبارك في الجهاد عن محمد بن إسحاق قال حدثني إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير المكي وغيره عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش",

أبو الزبير مدلس لم يسمع هذا الخبر من ابن عباس،

فقد رواه عن ابن جبير ولم يسمعه منه أيضا،

خرج الحاكم والبيهقي في عذاب القبر وغيرهما عن عثمان بن أبي شيبة ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب ..."،

صححه الحاكم والذهبي، وقد توبع ابن إسحاق:

رواه البزار عن عدي بن الفضل حدثنا إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن ابن عباس، وفيه عنعنة أبي الزبير ولم يسمعه من شيخه:  

3. ورواها آخرون عن ابن إسحاق عن الأعمش من حديث ابن مسعود:

قال الطبري حدثنا ابن حميد حدثنا جرير بن عبد الحميد (ح) وحدثنا ابن حميد حدثنا سلمة قالا جميعًا: حدثنا محمد بن إسحاق عن الأعمش عن أبى الضحى عن مسروق بن الأجدع قال: سألنا عبدالله بن مسعود عن هذه الآيات:"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله" الآية، قال: أما إنا قد سألنا عنها فقيل لنا: إنه لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحَهم في أجواف طير خضر ..."، فذكره والأعمش مدلس أيضا.  

وقد اضطرب فيه ابن إسحاق في السند، أم يقال بأنه حفظه على هذه الأوجه؟

أما هذا الحديث الأخير فقد وهِم ابن إسحاق في موضعين: أحدهما في الإسناد, حيث جعله عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق, وكل أصحاب الأعمش يقولون فيه: عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله,

وأما الوهم الثاني فقوله في المتن:" في أجواف طير", والأكثرون يقولون فيه:" أرواحهم كطير خضر".

الدليل السادس: ما رواه غير ابن إسحاق عن ابن مسعود:

خرجه مسلم في الصحيح (1887) من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: «أرواحهم في [جوف] طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: " هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا "،

وقد اختار مسلم لفظ حديث ابن نمير عن أبي معاوية :" في أجواف طير"، ولم يبين ابن مسعود من سأل عن ذلك، فلو كان النبي عليه السلام لبينه، فللربما سأل كعبا أو بعض مسلمة أهل الكتاب.

على أن ابن نمير قد خالف كل أصحاب أبي معاوية كما قال البيهقي في إثبات عذاب القبر:" وهكذا قاله جرير بن عبد الحميد وعيسى ابن يونس وجماعة عن الأعمش:" كطير خضر" وقال بعضهم:" في جوف طير خضر",

وقد روى الحديث كل من سعيد بن منصور في سننه وأبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه، وعبد الواحد بن زياد ومحمد بن حماد وأبو موسى وعلي بن محمد عن أبي معاوية عن الأعمش بلفظ:" كطير خضر", وهو الصواب لكثرتهم, 

وكذلك رواه الجبل سفيان الثوري وعيسى بن يونس وروح بن القاسم وابن واقد وجرير وقيس بن الربيع ورواية عن شعبة كلهم بلفظ:" طير خضر"،

قال الطبري حدثنا الحسن بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآيات:"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون"، قال: أرواح الشهداء عند الله كطير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت. قال: فاطلع إليهم ربك اطِّلاعة ...".

قال ابن عبد البر: روى عيسى بن يونس هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال:" أرواحهم كطير خضر"، وكذلك قال فيه روح بن القاسم عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله كطير خضر ..", ثم رجحها، وضعف رواية أجواف الطير.

وقال الحسين بن واقد عن الأعمش عن شقيق أن ابن مسعود حدثه أن الثمانية عشر الذين قتلوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر جعل الله أرواحهم في الجنة طير خضر تسرح في الجنة",

. وأما ما خرجه ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد حدثنا المحاربي حدثنا ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن هذيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، وإن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها فذلك عرضها",

فهذا خبر منكر، ليث هو ابن أبي سليم مضعف, وعبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الأودي الكوفي صدوق ربما خالف, وقد خالف من لا يقارن به,

فقد رواه الثوري عن أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل من كلامه ولم يرفعه وهو الصواب.

والحاصل أنه في هذه الروايات جعل أرواح الشهداء كطير خضر, وفي بعضها:" في طير خضر, وهي تبطل قول من جمع بأن أرواح المومنين كطير, بينما أرواح الشهداء في طير أو حواصل طير,

وقد رجح ابن عبد البر رواية من قال:" كطير خضر", وإلى ذلك أشار البيهقي وهو الصواب كما بينا كثرة وجلالة من رواها, ولأن الحديث واحد ومتحد سندا ومتنا في أرواح الشهداء فتعين الترجيح, وتشبهها رواية:"في طير", " في صورة طير".

وأما رواية :" في أجواف طير"، فضعيفة، مع احتمال أن يكون المراد منها تشبيه قناديل الشهداء بالطير.

قال أبو عمر: قد ذكرنا من الآثار عن السلف ما في معنى حديثنا في هذا الباب لقوله صلى الله عليه وسلم إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة وهذه الآثار كلها تدل على أنهم الشهداء دون غيرهم وفي بعضها في صورة طير وفي بعضها في أجواف طير وفي بعضها كطير والذي يشبه عندي والله أعلم أن يكون القول قول من قال كطير أو كصور طير لمطابقته لحديثنا",

دليل أو الدليل السابع: حديث أبي سعيد:

قال ابن عبد البر: حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا مقدام بن داود حدثنا يوسف بن عدي حدثنا إسماعيل بن المختار عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الشهداء يغدون ويروحون إلى رياض الجنة ثم يكون مأواهم إلى قناديل معلقة بالعرش فيقول الله تبارك وتعالى: هل تعلمون كرامة أفضل من كرامة أُكرِمتموها، فيقولون: لا غير أنا وددنا أنك أعدت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل مرة أخرى في سبيلك", توبع يوسف:

فذكر بقي بن مخلد وابن منده وابن أبي عاصم في الجهاد: حدثنا هناد بن السري (في الزهد) عن إسماعيل بن المختار عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أرواح الشهداء في طير خضر ترعى في رياض الجنة ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش...",

هذا حديث قريب من الحسن لغيره لأجل عطية, ولحديثه شواهد :

دليل ثامن: رواه أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثنا عمرو بن عمر الأحموسي عن السفر بن نسير قال: سئل أبو الدرداء عن أرواح الشهداء قال : هي في طير خضر معلقة في قناديل تحت العرش، تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديله",

السفر ضعيف جدا, وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبي الدرداء".

دليل تاسع: حديث أنس: خرجه أبو الشيخ الأصبهاني وغيره من طريق عبد الله بن ميمون عن عمه مصعب بن سليم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يبعث الله الشهداء من حواصل طير بيض كانوا في قناديل معلقة بالعرش",

وهذا حديث باطل: عبد الله بن ميمون غير معروف العين، والحديث ضعيف مستغرب يتحدث عن بداية البعث.

دليل 10: وفيه التفريق بين أرواح الشهداء والمؤمنين في المستقر:

رواه عبد الرزاق 6702 - عن معمر عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن ابن البيلماني عن عبد الله بن عمرو قال :" إن أول قطرة تقطر من دم الشهيد يغفر له بها ما تقدم من ذنبه، ثم يبعث الله إليه ملكين بريحان من الجنة وبريطة، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون سبحان الله قد جاء اليوم من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة، فلا يمر بباب إلا فتح له، ولا بملك إلا صلى عليه، وشيعه حتى يؤتى به الرحمن، فيسجد له قبل الملائكة وتسجد الملائكة بعده ثم يؤمر به إلى الشهداء فيجدهم في رياض خضر وثياب من حرير عند ثور وحوت يلغثان كل يوم لغثة لم يلغثا بالأمس مثلها فيظل الحوت في أنهار الجنة فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فذكاه لهم فأكلوا من لحمه فوجدوا في لحمه طعم كل رائحة من أنهار الجنة ويلبث الثور نافشا في الجنة، فإذا أصبح غدا عليه، ثم الحوت فوكزه بذنبه فذكاه لهم فأكلوا من لحمه فوجدوا في لحمه طعم كل ثمرة من ثمار الجنة فينظرون إلى منازلهم بكرة وعشيا يدعون الله أن تقوم الساعة،

قال:" وإذا توفي المؤمن بعث الله إليه ملكين بريحان من الجنة وخرقة من الجنة تقبض فيها نفسه، ويقال: اخرجي أيتها النفس الطيبة إلى روح وريحان، وربك عليك غير غضبان، فتخرج كأطيب رائحة وجدها أحد قط بأنفه، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون سبحان الله قد جاء اليوم من الأرض ريح طيبة ونسمة كريمة فلا تمر بباب إلا فتح لها ولا بملك إلا صلى عليها وشيعه حتى يؤتى به الرحمن فتسجد الملائكة قبله ويسجد بعدهم، ثم يدعى ميكائيل فيقال: اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنهم يوم القيامة، ويؤمر به إلى قبره، فيوسع عليه سبعين طوله وسبعين عرضه، وينبذ له فيه فيه ريحان، ويستر بحرير، فإن كان معه شيء من القرآن كسي نوره، وإن لم يكن معه شيء جعل له نور مثل الشمس، فمثله كمثل العروس لا يوقظه إلا أحب أهله عليه، ..".

دليل 11: وفيه أن أرواح الشهداء والأطفال معا  في الجنة، وربما هي جنة في أحد السماوات قرب باب الجنة كما مر في الحديث:

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد حدثنا المحاربي حدثنا ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن هذيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا، وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، وإن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها فذلك عرضها",

وهذا خبر منكر، ليث هو ابن أبي سليم مضعف, وعبد الرحمن بن ثروان أبو قيس الأودي الكوفي صدوق ربما خالف, وقد خالف من لا يقارن به,

فقد رواه الإمام الثوري عن أبي قيس عن هذيل بن شرحبيل من كلامه ولم يرفعه وهو الأولى.

والأولى أن أرواح الولدان في السماء السابعة مع إبراهيم عليه السلام كما ثبت في حديث المعراج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب السابع: أدلة من قال بأن الأرواح تصعد إلى السماء الدنيا وتنام، وذلك بعد فتنة القبر عذابه أو نعيمه، مع إمكانية إيقاظها وتَنَقُّلها:

ذلك أن القبور تتحول إلى حفرة من نار، أو روضة من رياض الجنة، وتلك هي مقاعدهم، وإنما يُفتن المؤمن من موته إلى سبعة أيام حسب عمله، ثم يُفتح له باب من الجنة يأتي منه الرَّوح والنعيم، ويفتن الفاجر أكثر من ذلك، قيل إلى أربعين ليلة، ويُفتح للعاصين باب من النار يأتي منه السموم الأليم، لا أنهم يدخلونها، ثم ينام أهل الإيمان نومة العروس، وينام أهل العصيان نومة الفزع المنهوش، لكن أين ينامون ؟

قيل في قبورهم التي هي رياضهم وجنتهم، أو فيها مقاعدهم نيرانهم.

وقيل ينام أهل السعادة في عليين في السماء، وينام أهل الشقاوة في السجين، وهو في عمق أرض برهوت، أو في القبر ...

وقيل: ينام الجميع في موطن واسع من السماء الدنيا، قبلها، أهل اليمين عن يمين آدم، وأهل الشقاء عن يساره:

ولا مانع من أن ينام أهل السعادة في القبور، وينتقلون إلى السماء بين الأحايين، للقاء معارفهم وأقاربهم فيها وينزلون هناك، كما صحت بذلك الأحاديث التي ذكرتها في تلاقي الأرواح.

أو العكس، بحيث ينامون في السماء عن يمين آدم، ثم ينتقلون في الأحايين إلى رياضهم في قبورهم، وأما أهل النار فلا مانع من تنقلهم بين سجين في الأرض، ونومهم في السماء عن يسار آدم، وبها يُعذبون مرة بعد مرة.

فكل ذلك صحت به الأحاديث، وهذا هو وجه الجمع والإعمال لجميع الأدلة، وبالله التوفيق.   

وقد حمل هؤلاء عموم رواية :" نسمة المؤمن طير يسرح في الجنة"، أي جنة القبر، لا جنة الخلد, لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قبر المؤمن روضة من رياض الجنة, وثبت أنه يُوَسَّع للمؤمن في قبره ويُمد له فيه مدّ البصر فيسرح فيه كما يشاء, وثبت أنه يُفتَح له في قبره باب من الجنة فيأتيه من ريحها ونعيمها.

قالوا: ولا تخالف هذه الآثار كون الروح بين الفينة والأخرى في أماكن أخرى، لأنه قد ثبت أن الأرواح تتحرك بسرعة وتذهب وتجيء لكنها ترجع إلى مستقرها المعروف في جنة القبر.

لا أنها تدخل الجنة، وبهذا قال الطبري وابن عبد البر والقرطبي وغيرهم. 

قال ابن عبد البر في التمهيد متعقبا من قال بدخول الأرواج الجنة:"وهذا قول يعارضه من السنة ما لا مدفع في صحة نقله وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة", اهـ،

وأما عن كون الأرواح في السماء:

فقد قال ابن حجر في الأربعين المتباينة السماع (84):" ومسألة المستمع بحثها بعض الشافعية بناء على قاعدتين أحدهما: عدم صحة إهداء الثواب، والأخرى أن الأرواح بأفنية القبور، أو أنها في مستقرها ولها اتصال بالقبر وببدن الميت .."، فذكر احتمالين لمستقر الأرواح، والثاني هو المستقر في السماء مع إمكانية تنقلها واتصالها بالقبر أحيانا.

وقال الإمام ابن حزم :" أرواح الأتقياء في السماء الدنيا عن يمين آدم وأرواح الأشقياء عن شماله في ملتقى العناصر ".

وقد مرّ أنّ أهل الإحسان بعد فتنتهم وتبشيرهم وتنعمهم برياضهم في قبورهم ورؤية مقاعدهم فإنهم يصعدون إلى السماء أيضا عن يمين آدم حيث ينامون نومة العروس، الذي لا يوقظة إلا وفاة أهله أو أحد خلانه، فيفرحون به ويستخبرونه ثم ينامون كما صحت بذلك الأحاديث التي ذكرتها في تلاقي الأرواح.

هذا هو وجه الجمع والإعمال لجميع الأدلة، وبالله التوفيق.   

وقد حمل هؤلاء عموم رواية :" نسمة المؤمن طير يسرح في الجنة"، أي جنة العرش للشهداء خاصة، لا جنة الخلد, لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قبر المؤمن روضة من رياض الجنة. 

وثبت أنه يُوَسَّع للمؤمن في قبره ويُمد له فيه مدّ البصر فيسرح فيه كما يشاء. 

وثبت أنه يُفتَح له في قبره باب من الجنة فيأتيه من ريحها ونعيمها...

قالوا: ولا تخالف هذه الآثار كون الروح بين الفينة والأخرى بين القبر والسماء، لأنه قد ثبت أن الأرواح تتحرك بسرعة بإذن ربها، تذهب وتجيء لكنها ترجع إلى مستقرها المعروف في السماء لا جنة الخلد.

قال ابن عبد البر في التمهيد متعقبا من قال بدخول الأرواج جنة الخلد :"وهذا قول يعارضه من السنة ما لا مدفع في صحة نقله وهو قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة", اهـ،

ونظرا لشهرة وكثرة مع صحة هذه الأحاديث أكتفي بنقل بعض ألفاظها إبطالا قولَ من قال أن أرواح كل المؤمنين في جنة الخلد:

فقد مر بأن أبواب السماء الأولى لا تُفتح للأشقياء، ولا يرتقون فوقها، وأما أرواح السعداء فترتقي، ثم تنزل أرواح الجميع إلى الأرض قدام أجسادها حتى تدفن، ثم يفتن المؤمن إلى سبعة أيام، يُفتح له باب من الجنة يأتي منه الرَّوح والنعيم، ويفتن الشقي إلى أربعين ليلة في القبر، الذي يتحول إلى جمرة، ويُفتح لهم باب من النار يأتيهم من حرها وسمومها، ثم ينامون نومة الفزع المنهوش، لكن أين ينامون؟ هل في سجين القبر ؟ أم في أن ذلك في السماء كما هو الأظهر؟ وهل يُمكن أن تتنقل أرواحهم بين هذه الأماكن ؟

والصواب أنها في السماء مع إمكانية تنقلها، ولهذا القول أدلة عدة: 

الدليل الأول: حديث أنس في المعراج:

وهو حديث طويل، روى منه الحفاظ أطرافا متفرقة: فمن ذلك: 

أولا/ أن أرواح الأنبياء متفرقة في السماوات، وأرواح آدم وذريته في السماء الأولى:

وزعم وهب بن منبه أنها في السماء السابعة: 

وفي هذا الحديث مسألتان:

أولا/ أن أرواح الأنبياء متفرقة في السماوات، وأرواح آدم وذريته في السماء الأولى:

خرج البخاري (349) /3342 ومسلم 163 عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل صلى الله عليه وسلم، ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل: لخازن السماء افتح، قال: من هذا؟ قال هذا جبريل، قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما فتح علونا السماء الدنيا، فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة، وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال الأول: ففتح، - قال أنس: فذكر أنه وجد في السموات آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى، وإبراهيم صلوات الله عليهم، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، ...

والآخرون حملوا هذا الحديث على مستقر الأرواح منذ خلق آدم عليه السلام، قبل خلق الأجساد، لما خلق الله آدم ضرب الله على يمينه، وقال: هؤلاء إلى الجنة لا أبالي، ثم جعلهم عن يمينه في السماء، وجعل أهل النار عن يساره، وتبقى الروح هنالك حتى يخلق الله أجسادها، فتستقر معها، ثم تستودعها بالموت، لتستقر في القبر، لكن لا مانع من أن ترجع إلى هذا المكان الذي أتت منه في السماء كما قال ابن حزم وغيره.

قَالَ إِسْحَاق بن راهويه :" أجمع أهل الْعلم أَنَّهَا الْأَرْوَاح قبل الأجساد استنطقهم {وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى شَهِدنَا أَن تَقولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل}".

ثانيا: رؤية الأشقياء، ومنافقي الخطباء والعلماء في السماء الدنيا ليلة المعراج:

1. روى البغوي في تفسيره عن عفان أنا حماد بن سلمة أنا علي بن زيد عن أنس بن مالك: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفافهم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب».

تابعه ابن المبارك قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك ... مثله، وقد توبع علي:

2/ روى عبد الرزاق أخبرنا جعفر بن سليمان حدثنا عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الخطباء من أمتك، أحسبه قال: الذين يقولون ما لا يفعلون ".

3/ وقال أبو يعلى (الزوائد 1810)- حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا معتمر عن أبيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليلة أسري بي رأيت قوما تقرض ألسنتهم بمقاريض من نار - أو قال: من حديد - قلت: من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك ".

ورواه عيسى بن يونس عن سليمان التيمي عن أنس مثله.

4/ وخرج ابن حبان في صحيحه (53) عن يزيد بن زريع حدثنا هشام الدستوائي حدثنا المغيرة ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من النار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل. فقال: الخطباء من أمتك، الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون "،

قال ابن حبان: روى هذا الخبر أبو عتاب الدلال، عن هشام عن المغيرة عن مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس، ووهم فيه، لأن يزيد بن زريع أتقن من مائتين من مثل أبي عتاب وذويه".

وإن كان قد تابعه صَدَقَةُ بن موسى والْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قالا: حدثنا مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ثُمَامَةَ ... فإنه ضعيف، وقد رواه مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ نا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَر قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ثُمَامَةَ ... ، بدل الواو.

بُيّنَ المكان وهو في السماء الدنيا:

5. خرج البيهقي في شعبه (7/38) عن النضر بن محمد بن المنهال نا يزيد بن زريع عن هشام بن أبي عبد الله عن المغيرة ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت على سماء الدنيا ليلة أسري بي، فإذا فيها رجال تقطع ألسنتهم وشفاههم بمقارض من نار، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك ".

وقال أبو يعلى في مسنده ( 4160) - حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد حدثنا هشام الدستوائي عن المغيرة عن مالك بن دينار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتيت على سماء الدنيا ليلة أسري بي، فرأيت فيها رجالا تقطع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار»، قال الهيثمي :" رجاله رجال الصحيح ".

ثانيا: رؤية المغتابين في العذاب بعد العروج:

1. قال أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص في جزئه 334- حدثنا يحيى: حدثنا سلمةُ بنُ شبيبٍ حدثنا عبدُ القدوسِ بنُ الحجاجِ أبو المغيرةِ عن صفوانَ بنِ عَمرو قالَ: حدثني راشدُ بنُ سعدٍ وعبدُ الرحمنِ بنُ جبيرٍ عن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لمَّا عرجَ بي ربِّي عزَّ وجلَّ مَررتُ بقومٍ لهم أَظفارٌ مِن نحاسٍ يَخمشونَ وُجوهَهم وصدورَهم، فقلتُ: مَن هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قالَ: هؤلاءِ الذينَ يأكُلونَ لحمَ الناسِ ويَقَعونَ في أَعراضِهم».

2. ورواه البغوي عن ابن أبي شيبة ثنا الفريابي ثنا محمد بن المصفى ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثني صفوان بن عمرو ثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم ولحومهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».

3. تابعه الطبري فقال في السنة حدثنا محمد بن عوف الطائي ومحمد بن مسلم الرازي قالا: حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج مثله.

4. تابعهم أحمد بن عبد الوهاب وأحمد بن حنبل قال في المسند (3/224) وغيرهما عن أبي المغيرة حدثنا صفوان ...، والحديث صحيح.  

توبع أبو المغيرة من طرف بقية، لكن اختلف عنه:

5. قال أبو داود حدثنا ابن المصفى حدثنت بقية وأبو المغيرة قالا: حدثنا صفوان حدثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لما عرج بي ربي عز وجل، مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ".

6. قال أبو داود: حدثناه يحيى بن عثمان عن بقية ليس فيه أنس.

7. قال: وحدثنا عيسى بن أبي عيسى السليحي عن أبي المغيرة كما قال ابن المصفى.

والرواية المتصلة أصح، لأن السليحي وابن المصفى أوثق وأكثر عددا من يحيى بن غثمان المتفرد، إضافة إلى رواية سائر الثقات من أصحاب أبي المغيرة.

دليل رابع: حديث أنس: 

رواه روح بن المسيب أنه سمع ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات المؤمن يسألونه ماذا فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فإن كان مات ولم يأتهم، قالوا: خولف به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم، وبئست المربية، حتى يقولوا: ما فعل فلان؟ هل تزوج؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فيقولون: دعوه يستريح فقد خرج من مركب". 

وهذا حديث صحيح كل رجاله ثقات كما بينت في متاب تلاقي الأرواح. 

الدليل الخامس: حديث أبي هريرة في رؤية آكلي الربا:

خرجه أحمد وابن ماجه (2273) من طرق عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي الصلت عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت ليلة أسري بي على قوم بطونهم كالبيوت، فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا "، ولم يصح. 

وقد زاد فيه المتهم داود بن المحبر ثنا حماد بن سلمة به " رأيت ليلة أسري بي لما انتهيت إلى السماء السابعة فنظرت فوقي فإذا أنا برعد وبرق وصواعق ثم أتينا على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ..."،

وهذه زيادة موضوعة ، لأن أبواب السماء لا تفتح لهؤلاء.

الدليل السادس: رؤية ماشطة فرعون في المعراج:

خرج ابن حبان في الصحيح (2904) عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة فقلت ما هذا يا جبريل؟ فقال: هذه ماشطة ابنة فرعون، كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت: بسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي، فقالت: ربي وربك ورب أبيك، قالت: أقول له، قالت: قولي، فقالت، فقال لها: ألك من رب غيري؟ قالت: ربي وربك الذي في السماء؟ قال: فأحمى لها بقرة من نحاس، وقالت له: لي إليك حاجة قال: وما حاجتك؟ قالت: حاجتي أن تجمع بين عظامي وبين عظام ولدي، قال: ذلك لك، لما لكِ علينا من الحق، فألقاها وولدها في البقرة واحدا واحدا، وكان لها صبي، فقال: يا أمتاه فاصبري فإنك على الحق".

الدليل السابع: حديث أبي أمامة: وفيه أن أهل الشقاوة يعذبون في جبل عظيم، وأما أهل النعيم فكأنهم ينعمون في السماوات جمعا بين الأحاديث:

خرج ابن حبان في الصحيح (7491) عن أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  «بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلا وعرا، فقالا لي: اصعد حتى إذا كنت في سواء الجبل، فإذا أنا بصوت شديد، فقلت: ما هذه الأصوات؟ قال: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، ثم انطلق بي، فإذا بقوم أشد شيء انتفاخا، وأنتنه ريحا، وأسوئه منظرا، فقلت: من هؤلاء، قيل: الزانون والزواني، ثم انطلق بي، فإذا بنساء تنهش ثديهن الحيات، قلت: ما بال هؤلاء؟ قيل: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن،

ثم انطلق بي، فإذا أنا بغلمان يلعبون بين نهرين، فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء ذراري المؤمنين، ثم شرف بي شرفا، فإذا أنا بثلاثة يشربون من خمر لهم، فقلت: من هؤلاء؟ قالوا: هذا إبراهيم، وموسى، وعيسى وهم ينتظرونك».

وله شواهد أخرى: 

دليل ثامن: رواه مؤمل: أنا مبارك بن فضالة عن الحسن قال: " إذا قبضت روح المؤمن عرج بها إلى السماء فتلقاه أرواح المؤمنين فيسألونه ما فعل؟ فيقول الملك: ارفقوا به فإنه خرج من غم وكرب شديد , فيسألونه ما فعل فلان؟ فيقول: خير، قال: فيقولون: اللهم هديته لذلك فثبته لذلك ما فعل فلان؟ فيقول: ألم يأتكم فيقولون: لا والله ولا مر بنا سلك به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية "

الدليل التاسع وما بعده: في نوم الأرواح وتلاقيها: وقد مرت طرقه.

أ. منها ما رواه أبو حازم : كما بينت سابقا، وفي كتاب في تلاقي الأرواح، حيث بينا أن التلاقي في السماء:

خرج البزار والطبري في تهذيبه وعبد الله في السنة (2/609) عن يزيد عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن حين ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، ود أنها قد خرجت، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك، فإذا قال إن فلانا قد فارق الدنيا، قالوا: ما جيء بروح ذلك إلينا فذكر الحديث"،

ب: رواية قسامة وردت بألفاظ:

خرج ابن حبان في الصحيح 3014 عن زيد بن أخزم حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فتقول اخرجي إلى روح الله فتخرج كأطيب ريح مسك حتى إنهم ليناوله بعضهم بعضا يشمونه حتى يأتون به باب السماء فيقولون: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك حتى يأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أهل الغائب بغائبهم فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا فيقول قد مات, أما أمتكم؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي إلى غضب الله فتخرج كأنتن ريح جيفة فتذهب به إلى باب الأرض". لم يذكر:" حتى يأتوا به أرواح الكفار". 

تابعه بندار والفلاس عن معاذ:

وظاهر هذه الرواية أن الروح تصعد إلى السماوات،وأن الأرواح موجودة في أحدها، وقد يحتمل أن تلتقي الأرواح في رحلة العودة في السماء الدنيا جمعا بين الروايات:

وصح التقاء الأرواح في السماء الأولى، ثم تكمل رحلتها، وبعد الدفن والفتنة يرجع إليهم ويخبروهم بما سألوا:

ب. فقد رواه النسائي 1833 - أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله، وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار ".

تابعه إسحاق عن معاذ.

فذكرا التقاء الصالحين في السماء الدنيا، وذكر أن أرواح الكفار يؤتى بها إلى باب الأرض وهو الذي تحت السماء الدنيا، ومن هنالك وبعد الحساب والفتنة تنتقل روحه لأرواح الكفار، وهي في باب الأرض الذي يؤدي للسماء، لأن باب السماء لا يُفتح لهؤلاء.

ث . ورواه عبد الرزاق أنبأ معمر عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن المؤمن إذا احتضر أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون: اخرجي راضية مرضية عنك إلى روح الله وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى أنهم ليناوله بعضهم بعضا يشمونه، حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض؟ فكلما أتوا سماء قالوا ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين "، قال: «فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم عليه» . قال: «فيسألونه ما فعل فلان؟» قال: " فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال لهم: أما أتاكم؟ فإنه قد مات ". قال: «فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية» . قال: " وأما الكافر، فإن ملائكة العذاب تأتيه فتقول: اخرجي ساخطة مسخوط عليك إلى عذاب الله، وسخطه فيخرج كأنتن ريح جيفة فينطلقون به إلى باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح كلما أتوا على الأرض قالوا ذلك حتى يأتوا به أرواح الكفار".

. هكذا رواه رواه معمر مع هشام كلاهما عن قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة به،

ج. وخالفهما همام بن يحيى فقال عن قتادة عن أبي الجوزاء عن أبي هريرة به، خرجه عنه الحاكم وصححه (1/ 505) قال: حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن سنان القزاز ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ثنا همام به، ولم يذكر اللفظ:

وقد رواه ابن حبان في الصحيح عن هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الجوزاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا حضره الموت أتته ملائكة الرحمة، فإذا قبضت نفسه جعلت في حريرة بيضاء، فيُنطلق بها إلى باب السماء، فيقولون: ما وجدنا ريحا أطيب من هذه، فيقال: دعوه يستريح فإنه كان في غم الدنيا، فيُسأل ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ وأما الكافر فإذا قبضت نفسه وذهب بها إلى باب الأرض يقول خزنة الأرض ما وجدنا ريحا أنتن من هذه فيذهب بها إلى الأرض السفلى".

ح: ورواه بُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهكاري في هداية الأحياء إلى الأموات (ر6) أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي كتابةً قال: ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد النيسابوري عن علي بن موسى البصري عن ابن جريج عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهدوا لموتاكم)) ، قلنا: وما نهدي يا رسول الله الموتى؟ قال: ((الصدقة والدعاء)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أرواح المؤمنين يأتون كل جمعة إلى سماء الدنيا فيقفون بحذاء دورهم وبيوتهم فينادي كل واحد منهم بصوت حزين: يا أهلي وولدي وأهل بيتي وقراباتي، اعطفوا علينا بشيء، رحمكم الله، واذكرونا ولا تنسونا، ..."، ولا يصح.

ورواه أيضا أبو حازم : كما بينت في تلاقي الأرواح، وبين أن التلاقي في السماء:

خرجه البزار والطبري في تهذيبه وعبد الله في السنة (2/609) عن يزيد عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن حين ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، ود أنها قد خرجت، والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك، فإذا قال إن فلانا قد فارق الدنيا، قالوا: ما جيء بروح ذلك إلينا فذكر الحديث"،

. ورواه بُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهكاري في هداية الأحياء إلى الأموات (ر6) أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى السلمي كتابةً قال: ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد النيسابوري عن علي بن موسى البصري عن ابن جريج عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اهدوا لموتاكم)) ، قلنا: وما نهدي يا رسول الله الموتى؟ قال: ((الصدقة والدعاء)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أرواح المؤمنين يأتون كل جمعة إلى سماء الدنيا فيقفون بحذاء دورهم وبيوتهم فينادي كل واحد منهم بصوت حزين: يا أهلي وولدي وأهل بيتي وقراباتي، اعطفوا علينا بشيء، رحمكم الله، واذكرونا ولا تنسونا، ..."، ولا يصح.

وقد صحت الأحاديث أن أرواح الأنبياء عالية في السماوات، فتكون أرواح أتباعهم قبْلهم في دنيا السماء، وأرواح الشهداء قدام العرش، حشرنا الله مع إخواننا الشهداء والمؤمنين،

الدليل العاشر: حديث البراء في تفاصيل فتنة الموت والقبر

خرجه الحاكم (1/93) وابن منده وأبو بكر عن الأعمش،  وأحمد (4/287) عن يونس قالا: ثنا المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر قال : سمعت البراء بن عازب يقول : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد بعد، قال : فقعدنا حول النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره و يخفضه ثلاثا، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ثم قال: إن الرجل المسلم إذا كان في إقبال من الآخرة و انقطاع من الدنيا جاء ملك الموت فقعد عند رأسه، وينزل ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس معهم أكفان من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، فيقعدون منه مد البصر قال : فيقول ملك الموت: أيتها النفس المطمئنة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء، فلا يتركونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون بها على جند من ملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأحسن أسمائه، [صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء] فإذا انتهى إلى السماء فتحت له أبواب السماء،[ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم] ثم يشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة، ثم يقال: أكتبوا كتابه في عليين، ثم يقال: ارجعوا عبدي إلى الأرض فإني وعدتهم إني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، [قال فإنه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه] [فترد روحه إلى جسده] فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك ؟ قال : فيقول: الله فيقولون : ما دينك ؟ فيقول: الإسلام، فيقولون: ما هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قال: فيقول رسول الله، قال: فيقولون: وما يدريك ؟ فيقول: قرأتُ كتاب الله فآمنت به وصدقت، [وهى آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله عز و جل { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }] قال: فينادي مناد من السماء أن صدق فأفرشوه من الجنة و ألبسوه من الجنة و أروه منزله من الجنة.

 قال : ويُمد له في قبره ويأتيه روح الجنة، وريحها، قال : فيفعل ذلك به ويُمثل له رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك وجه يبشر بالخير قال : فيقول : أنا عملك الصالح قال : فهو يقول: رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي و مالي [ثم قرأ : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة }]

[ثم يفتح له باب من الجنة وباب من النار، فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة كيما أرجع إلى أهلي ومالي فيقال له اسكن]

وأما الفاجر: فإذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا أتاه ملك الموت فيقعد عند رأسه و ينزل الملائكة سود الوجوه [غلاظ شداد] معهم المسوح، فيقعدون منه مد البصر، فيقول ملك الموت: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينقطع معها العروق والعصب، كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ذي الشعب، قال : فيقومون إليه فلا يدعونها في يده طرفة عين فيصعدون بها إلى السماء فلا يمرون على جند من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ؟ قال : فيقولون فلان بأقبح أسمائه قال : فإذا انتهى به إلى السماء غلقت دونه أبواب السماوات [فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء] قال : ويقال: اكتبوا كتابه في سجين، قال: ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فيرمى بروحه حتى تقع في جسده، قال: ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} قال: فإنه ليسمع خفْقَ نعال أصحابه إذا ولوا عنه] قال: فتأتيه الملائكة فيقولون: من ربك؟ قال: فيقول: لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن قد كذب فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وأروه منزله من النار، فيضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال: و يأتيه ريحها وحرّها، قال : فيفعل به ذلك، ويمثل له رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فقول : أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد، قال: فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه يبشر بالشر، قال: فيقول: أنا عملك الخبيث،

زاد يونس [كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا في معصية الله فجزاك الله شرا، ثم يقبض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا فيضربه ضربة حتى يصير ترابا ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء الا الثقلين"، قال البراء بن عازب ثم يفتح له باب من النار ويمهد من فرش النار "، لفظ الأعمش، والزيادات ليونس.  

قال ابن منده في الإيمان:" هذا إسناد متصل مشهور. رواه جماعة، عن البراء، وكذلك رواه عدة، عن الأعمش، وعن المنهال بن عمرو، والمنهال أخرج عنه البخاري ما تفرد به، وزاذان أخرج عنه مسلم، وهو ثابت على رسم الجماعة، وروي هذا الحديث عن جابر، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله عنهم ".

وهو صحيح إلا لفظة :" تعاد روحه في جسده" ، فلم يقلها غير المنهال عن زاذان، وهي شاذة، إلا أن تعاد روحه على جسده، أي بقربه حيث يُحاسب. 

 

 

 

                            وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

        ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                   الخاتمة:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتكمل الطاعات، أشكره سبحانه وتعالى أن يسر لي جمع هذا البحث الصعب في مستقر الأرواح، والذي نستخلص منه بأن الأرواح لما تخرج يصعد به ملائكة الرحمة أو العذاب، فأما أرواح الأشقياء فلا تُفتح لهم أبواب السماء الأولى ، ولا يرتقون فوقها، وأما أرواح السعداء فترتقي، ثم تنزل أرواح الجميع إلى الأرض قدام أجسادها حتى تدفن وينصرف الناس، ثم يفتن المؤمن إلى سبعة أيام حسب عمله، ثم يُفتح له فيها باب من الجنة يأتيه من الرَّوح والنعيم، ويفتن الشقي إلى أربعين ليلة في القبر، الذي يتحول إلى جمرة، ويُفتح لهم باب من النار يأتيهم من حرها وسمومها.

وتتحول القبور إلى حفرة من نار، أو روضة من رياض الجنة، وتلك هي مقاعدهم، يُفتح له من أبوابها، لا أنهم يدخلونها، ثم ينام أهل الإيمان في السماء نومة العروس، وينام أهل العصيان قبل السماء نومة الفزع المنهوش، لا يستيقظون إلا للعرض، أو لقاء معارفهم وأقاربهم كما صحت بذلك الأحاديث التي ذكرتها في تلاقي الأرواح.

وفي الختام أسأل الله العظيم، أن يتقبل منا صالح أعمالنا وأن يجعلنا من عباده المؤمنين إنه سميع الدعاء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تعليقات

  1. راجع الجزء الثاني: البينات فس تلاقي الأرواح وتزاور الأموات على الرابط انسخه : https://elzianitaher.blogspot.com/2020/07/blog-post.html

    ردحذف

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

أحكام الأضحية، بالجذعان والماشية . تأليف: الطاهر زياني