الايماء في أحكام النفي والاستثناء

                                 بسم الله الرحمن الرحيم

 

                           الايماء في أحكام النفي والاستثناء:

 

                                  الطاهر زياني

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا الكريم، وعلى آله وصحبه والمرسلين، أما بعد:

فهذا مبحث يتعلق بمسألة النفي والاستثناء وأقسامه وأحواله وتقدير المستثنى المحذوف منه، كما في قول النسوة في سورة يوسف" حاشا لله"، وقول المسلمين:" إلا رسول الله".

وقد كتبته ردا على من زعم تبديع هذه المقولة بسبب جهالته وتطاوله على دين الله، مقسما البحث على النحو التالي:

المبحث الأول: مدخل إلى الاستثناء:

المطلب الأول: تعريفه وأدواته وأركانه وأنواعه:

المسألة الأولى: تعريف الاستثناء:

المسألة الثانية: أركان الاستثناء:

المسألة الثانية: أنواع الاستثناء:

النوع الأول: الاستثناء المنفصل أو المنقطع:

النوع الثاني: الاستثناء المتصل:

المسألة الثالثة: أدوات الاستثناء:

 

المبحث الثاني: النوع الثاني: الاستثناء المتصل:

المطلب الأول: أقسام الاستثناء المتصل وأحواله، وأقسام النفي والحصر والاستثناء:

القسم الأول: الاستثناء المثبت وأحواله بأدواته:

الحالة الأولى: الاستثناء المثبت ب: إلا:

الحالة الثانية: الاستثناء المثبت بالاسميْن أو أداتيْ: غير ، سوى:

الحالة الثالثة: الاستثناء المثبت ب: [ما] عدا وخلا وحاشا  :

الضرب الأول: الاستثناء المثبت ب:" ما عدا وما خلا، بإضافة "ما":

الضرب الثاني: الاستثناء المثبت ب: عدا وخلا وحاشا في الإثبات، بتنحية "ما":

 

القسم الثاني: الاستثناء المنفي، وأحوال النفي

المسألة الأولى: أقسام النفي والحصر والاستثناء:

المسألة الثانية: الاستثناء التام المنفي وبيان أحواله:

الحالة الأولى: الاستثناء التام المنفي مع أداة "إلا": يكون المستثنى منه مثلث الحركة:

الحالة الثانية: الاستثناء التام المنفي في الاسميْن:" غير ، سوى":

المسألة الثالثة: الاستثتاء الناقص المنفي المفرغ:

الحالة الأولى: الاستثتاء المفرغ بعد إلا:

الحالة الثانية: الاستثتاء المفرغ مع الاسمين:" غير ، سوى":

الحالة الثالثة: الاستثتاء المنفي المفرغ ب: عدا وخلا وحاشا:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول: مدخل إلى الاستثناء:

المطلب الأول: تعريفه وأدواته وأركانه وأنواعه:

المسألة الأولى: تعريف الاستثناء:

هو إخراج مخصوص من تعميم سابق، بواسطة أدوات معينة.

أو إخراج المستثنى من حكم المستثنى منه .

المسألة الثانية: أركان الاستثناء: هي ثلاثة:

. المستثنى منه: هو الاسم الموجود في الجملة، والذي أسند إليه حكم الاستثناء.

. المستثنى: هو الاسم الموجود في الجملة، والذي لم يدخل في حكم الاستثناء.

. وأداة الاستثناء.

فإن استوفى الاستثناء كل هذه الأركان فهو تام، وإن انخرم ركن فهو ناقص.

المسألة الثانية: أنواع الاستثناء:

مر أن الاستثناء: إخراج المستثنى من حكم المستثنى منه .

ثم إن هذا الإخراج على ضِربين:

إما أن يكون إخراج جنسٍ من جنسِه:

 أو من غير جنسه على ما سنبين في:

النوع الأول: الاستثناء المنفصل أو المنقطع:

هو أن يكون المستثنى منه من غير جنس المستثنى، تاما وهو الغالب، أو ناقصا:

مثال التام: قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)}[البقرة].

فإبليس الملعون كان من جنس الجن، وليس من جنس الملائكة، وإنما دخل في التعميم الأول بسبب كونه معهم في السماء.

وهذا مثل قولك:" ليس لي صديق إلا الكتاب "، فجنس الكتاب غير جنس الناس.

النوع الثاني: الاستثناء المتصل:

 هو أن يكون المستثنى منه من غير جنس المستثنى، وهو الغالب، بنوعيه المثبت والمنفي المفرغ: 

المسألة الثالثة: أدوات الاستثناء:

هي: إما:

1/ أسماء وهي: (غير، سوى): تعرب على حسب موقعها، وأما ما بعدها فهو: مضاف إليه.

2/ حروف: وهي: (إلاّ :

3/ أفعال تفيد في تطبيق الاستثناء: ما عدا، ما خلا.

4/ أحيانا حروف أو أفعال: عدا، خلا، حاشا، بالمد، أو بغير المد: حاش.

فإذا جرت ما بعدها فهي حروف جر، وإذا نصبت ما بعدها فهي أفعال.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: النوع الثاني: الاستثناء المتصل:

 هو أن يكون المستثنى منه من غير جنس المستثنى، وهو الغالب، بنوعيه المثبت والمنفي المفرغ: 

المطلب الأول: أقسام الاستثناء المتصل وأحواله، وأقسام النفي والحصر والاستثناء:

الاستثناء المتصل: هو الذي يكون فيه المستثنى منه من جنس المستثنى، وهو إما مثبت أو منفي:

القسم الأول: الاستثناء المثبت وأحواله بأدواته:

هو الغير مسبوق بنفي، بل واردٌ في سياق الإثبات، وغالبا ما يكون تاما، وفيه ثلاثة أحوال: 

الحالة الأولى: الاستثناء المثبت ب: إلا:

يكون منصوب لزوما، مثال: خرج الطلاب إلا محمداً.

حضرَ المشاركون الندوةَ إلا مشاركاً،

وتعرب على النحو التالي: إلا: حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب،

مشاركاً: مستثنى به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.

ومن ذلك قوله تعالى :{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ }[البقرة 83]

وقول حسان في طلحة:

كان إمام الناس إلا محمدا ... أقام رحى الإسلام حتى استقلت

الحالة الثانية: الاستثناء المثبت بالاسميْن أو أداتيْ: غير ، سوى:

وهنا يجب جر المستثنى منه بالإضافة، وأما الأداة فتعرب على حسب موقعها في الجملة:

أ: أن تكون مفعولةً بعد الفاعل أو نائبه: فيتعين النصب، مثل:" حضر الطلابُ غيرَ محمدٍ".

غير: اسم استثناء منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف,

ومن ذلك قوله تعالى :{ بما كنتم تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَق}[الأنعام 93]

وقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثم}[المائدة3]

ب: أن تكون مرفوعة: وذلك بعد الاستفهام مثل قوله تعالى :{ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}[الأنعام 46]، وقوله :{ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}[فاطر 3]، وقوله :{ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ }[الطور 43]

ومنهم من يلحق الاستفهام بالنفي كما سيأتي.

ت: أن تكون مجرورة: كما روى أنس عنه عليه السلام: أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ؟ وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ ".   

الحالة الثالثة: الاستثناء المثبت ب: [ما] عدا وخلا وحاشا  :

هذه الأدوات على ضِربين:

أ: إن كانت بتنحية "ما"، فإنه يستثنى بها، وتنصب ما بعدها، أو تجره، لأنها حروف.

ب: إن أضفنا لهما: "ما"  مَا خَلا/ ما عدا، فلا يكون بعدهما إلا النصب، لأنها تصير أفعالا .

تنبيه حاشا لا تدخل عليها (ما). وأما عدا وخلا فتدخل:

الضرب الأول: الاستثناء المثبت ب:" ما عدا وما خلا، بإضافة "ما":

إذا سبقت ب "ما": تصير فعلا، فيُنصب بها المستثنى على أنه مفعول به ولا بد،

لأن:" ما عدا و ما خلا " فعلين مسبوقين بما المصدرية وهي تدخل على الأفعال دون الحروف.

مثال: سقيتُ الأشجار ما عدا شجرةً.

ما: مصدرية لا محل لها من الإعراب

عدا: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة وفاعله ضمير مستتر تقدير هو

شجرةً: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة

وكقولنا : يموت الناس ما خلا العظماء َ. العظماء: مفعول به .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أصدق بيت قالته العرب: ألا كل شيء ما خلا اللهَ باطلٌ.

وفي الحديث القدسي قال الله لنبيه لما دعاه:" إني قد غفرت لهم ما خلا الظالمَ، فإني آخذ للمظلوم منه".

وفيه:" «إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سما الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر فيها لكل بشر ما خلا كافرًا أو رجلًا في قلبه شحناء»

وفي حديث العباس لما طلب من النبي عليه السلام تأمين أشخاص، قال له عليه السلام: «قد أمَّنتُ مَن أمَّنتَ ما خلاَ أبا سفيانَ».

الضرب الثاني: الاستثناء المثبت ب: عدا وخلا وحاشا في الإثبات، بتنحية "ما":

وهي أدوات استثناء، في المستثنى بها الوجهان: الجر على أنهم حروف، أو النصب على أنهم أفعال. 

لك أن تقول: جاء الطلاب عدا سعيدٍ أو عدا سعيداً

مررت بالتلاميذ حاشا وليدٍ أو حاشا وليداً .

الوجه1: أن تُعامل معاملة حروف الجر، والاسم بعدها يعرب اسم مجرور. سقيت الأشجار عدا شجرةٍ.

عدا: حرف جر

الوجه 2/ أن تكون أفعالاً ماضية تامة، والاسم بعدها يعرب مفعولا به منصوب:

مثل: سقيت الأشجار عدا شجرةً.

عدا: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة وفاعله ضمير مستتر تقدير هو

شجرةً: مستثنى منه مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

كما في حديث أسماء وفاطمة وفيه:" أَحَلَّتَا حَاشَا عَائِشَةَ"

أمثلة: نضجت الثمار عدا ثمرةً.

خلا: أزلتُ الأشواك خلا شوكةً.

حاشا: قد يغش الطلاب حاشا الأمينَ، وبالكسر.

ومن ذلك قوله تعالى :{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ] مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ }[يوسف] وقرئت" حاشا"، وهو الأصل للاستثناء، وقرأ الحسن " حاش الإلهَ"، وقرئت" حاشى اللهِ" بالجر. 

وكذلك قوله: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ [حَاشَ لِلَّهِ] مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}

وهي هنا مقدرة بفعلٍ، لا بحرفِ جر، لأن ما بعدها حرف أيضا، وحرف الجر لا يدخل على حرف جر مثله، كما ذكر الهمداني في إعراب القرآن، إلا أن يراد زيادة التأكيد. 

وإذا كان "حاشا" فعلًا: فلا بد له من فاعل، وهو محذوف مقدر،

ففي الآية الأولى أتت " حاشا لله" للتعجب، لما كانت النسوة على المعصية.

وفي الثانية للتنزيه والبراءة من النقص كما ذكر المفسرون.، وهذا لما تابت النسوة ومنهن زليخة.  

وأما الفاعل في الآية الأولى التعجبية فهو يوسف. والتقدير: يوسف أجمل موجود على الإطلاق حاشا الله فإنه خالقه وهو أجمل منه، فالمستثنى منه هو الله، والمحاشاة له وحده في تمام الجمال.  

وأما الثانية للتنزيه والبراءة لما صلُح أمر النسوة وتُبْن: 

كأنهن قلْن: يوسف عفيف، ونحن مسيئات كاذبات عليكم، حاشا الله فلن نستطيع الكذب عليه، وقد تبين أن يوسف صادق.

أو بمعنى المحاشاة وتنزيه الله وحده عن الخطإ، فإننا نحن المخطئون وهو المالك للطهر والقدسية والنزاهة التامة، وقد منح منها لنبيه يوسف.

وقد ذكر الهمداني عن "حاشا" هي حرف من حروف الجر، ولكنها وضعت موضع التنزيه والبراءة في باب الاستثناء، على معنى: براءةً لله وتنزيهًا له من هذا.

وهو من التنحي، أي: قد نَحَّى الله يوسف - عليه السلام - من هذا، وقيل: المعنى تنزيه الله من صفات العجز، والتعجب من قدرته على خَلْقِ جميلٍ مثله، وأما قوله: {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} فالتعجب من قدرته على خَلْقِ عَفيفٍ مثله، تعضده قراءة من قرأ: (حاشا اللهِ) بإضافة (حاشا) إلى الله إضافة البراءة".

وهذا الكلام في الآية يشبه قول الناس الآن:"

إلا رسول الله". وهو مثل قول النسوة في الآية : " حاشا لله"، أو "حاشا الله ".

الأظهر أنه شعار للتنزيه وتبرئة النبي عليه السلام من المعايب.

والتقدير" شَتَمتُم المسلمين وقتلتموهم فصبرنا عليكم إلا رسول الله فلا نصبر على تعييركم له.

وهل يحتمل أن يكون المراد التعجب من أمر الساب للنبي عليه السلام؟ بعيد والأول أظهر. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ                                                         

القسم الثاني: الاستثناء المنفي، وأحوال النفي: 

هو المسبوق بنفي، وفيه شقان:

المسألة الأولى: أقسام النفي والحصر والاستثناء:

ينقسم الشيء المنفي أو المحصور إلى أربعة تقاسيم:

الأول: نفي الجنس أو الذات: كأن تكون مع غيرك في مكان، ويقول لك: اِيتني بماء، فتبحث ولا تجد، فتقول له: لا ماء – موجود-، أي ذات الماء وجنسه غير موجود.

ومن هذا القبيل قوله تعالى { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[النساء 43].  

الثاني: نفي الصحة والأحقية أو حصرهما: وذلك بأن يكون الشيءُ موجودًا لكنه غير صحيح، أو: ليس حق: ويسمى نفي الصحة.

كأن تبحث في المثال الأول عن الماء، ولا تجد إلا ماءً نجسا، فتقول له:" لا ماء"، أي يوجد ماء لكنه ليس بصحيح.

ومن هذا القبيل قوله تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ}[محمد 19]

إذ من المعلوم أنه توجد آلهة ومعبودات كثيرة في هذا الوجود، لكنها باطلة ليست بحق، ولا بصحيحة.

ومن ذلك في الحصر: في قوله عليه السلام:" إنما الأعمال بالنيات"، فقد توجد أعمال لا إرادية بلا نية، فيكون المراد: إنما الأعمال الصالحة تقع صحيحة بالنية ولا بد، ومن ههنا اشترط الفقهاء النية لكل الأعمال.

الثالث: نفي الكمال والتمام: يكون غالبا لأجل نفي الحسن أو القبح أو الإخبار أو الزمن والمكان: 

وذلك بأن يكون الشيء المنفي موجودا، وصحيحا، لكنك إما أن تنفي كماله وتمامه: ويسمى نفي الكمال، أو تبرز كمال مكانته حسنا أو قبحا، وهذا النفي فيه أضرب:

الضِّرب الأول: نفي الكمال في باب الإخبار:  

كأن تبحث في المثال الأول عن الماء لتتوضأ به أو تغتسل، فتجدا نزرا يسيرا فقط، فتقول: لا ماء، أي لا ماء يكفي للوضوء أو الغسل. 

فالماء موجود وهو طاهر صحيح، لكنه لا يكفي للغسل بل للشرب فقط.

ومن هذا الباب قوله تعالى :{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلم}[آل عمران].

ففي قراءة الوقف على " العلم"، أثبت الله لأهل العلم معرفة تأويل القرآن، لكن الله وحده هو الذي يعلم التأويل التام الصحيح الكامل، وأما غيره فعلمه ناقص غير تام. 

ومن ذلك قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} [إبراهيم]، أي لا يعلمهم العلم التام الكامل إلا الله، وأما غير الله -وهو هنا المستثنى-، فعندهم علمٌ عن السابقين، لكنه ناقص أو غير صحيح، ولذلك قال في سورة الكهف: {ما يعلمهم إلا قليل}، وأخبر في غير ما آية أن أهل الكتاب عندهم بذلك علم، لكن يكتمونه.

ومن هذا القبيل نفي كمال الزمان كما في:

الضِّرب الثاني: نفي الكمال والتمام في الزمان: 

فمن ذلك آيات نفي الخروج من النار، ونفي التخفيف من العذاب ونحو ذلك:

فأما أدلة تخليد عصاة الموحدين ونفي دخولهم الجنة، فهي محمولة على نفي الدخول الزماني التام الأوّلي، الذي يدخله المقربون وأصحاب اليمين منذ أول مرة، فإنهم دخولهم تام كامل، وأما دخول المعذبين فهو دخول ناقص غير كامل، نقص منه أمد من الزمن، مع الخير.

وهكذا أدلة التأبيد: أو أدلة نفي خروج العصاة من النار، فهي لا تعني نفي ذات الخروج كما يزعم الخوارج، بل هي محمولة على نفي كمال الخروج وتمامه، لأن خروجهم ناقص مشوب بالعذاب السابق.

لأنه تعالى نفى بقاءهم تمام كل الزمان وكماله بلا نهاية، فذاتُ خروجهم موجودة، وخروجهم من النار أمر حقيقي ثابت صحيح متواتر، لكنه ليس بكامل لما سبقه من أذى وتعذيب وحرق.

وأما أدلة تأبيد الكفار ونفي خروجهم، فهي ليست محمولة أيضا على ذات الخروج طيلة الزمان كله، بحيث لا يخرجون منها بلا نهاية، بل هي محمولة على إحدى أمور:

. إما على نفي كمال الخروج وتمامه مقارنة بخروج العصاة، إذ لا بد لهم من يوم يخرجون فيه لكن بعد ملايين السنوات من خروج المسلمين، أي: بعد أحقاب أطول بكثير من أمد العصاة. 

. أو أنها محمولة على أنهم لا يخرجون من النار الخروجَ التام المريحَ الذي يتبعه نعيمٌ كما فُعل بالموحدين، بل إن المشركين يصيرون إلى زوال بعد أحقاب من العذاب، وأما الموجدون فيخرجون إلى الجنان والنعيم.

. أو يحمل نفي الخروج على نفي الوحدة أيضا، وهو مثله في المعنى، بأن يُنفى عنهم خروجٌ خاص فقط، وهو خروجٌ كخروج عصاة الموحدين من النار إلى النعيم الأبدي، بل خروجهم إلى زوال كما سيأتي. 

الضرب الثالث: النفي أو الاستثناء لِتِبيان كمال مكانة المنفي حسنا، أو قبحا: بحيث يكون الاستثناء والنفي هنا لتبيان تخصيص الشيء المنفي أو المستثنى بمزيد من العظمة أو المكانة حسنا أو عكسه: ولا يكون هذا النفي لِــحَـصْر الذات، بل لبيان مكانتها فقط،

1/ فمن تبيان المكانة قبحا: قولك " لا أقبح من الكذب ولا أعظم من الشرك"، إذ توجد أشياء قبيحة، لكن الكذب أتمها قبحا، والشرك أكملها وأتمها قبحا. 

ومن ذلك قوله تعالى :{ أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة 174]، فليس هذا من نفي الجنس، لوجود أجناس أخرى من العذاب. 

وكذلك قولُه في الكفار:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}[هود 16]، فإنهم يتلقون صنوفا أخرى من العذاب كالحميم والغساق والزمهرير، وإنما خص النار هنا لعظمتها وكمال عذابها.

2/ ومن تبيان المكانة حسنا: قول النسوة في الآية الأولى عن يوسف عليه السلام: {حاش لله}، فليس يُفهم منه أن غير يوسف عليه السلام غير مُحاشى في المكانة والعفة.

ومن ذلك كذلك قولُ المسلمين الآن :"إلا رسول الله"، إنما ذلك تبيانا لمكانته، بسبب الهجمة الحاقدة عليه، وليس فيه حصر ذاته في الدفاع والتعظيم، وبالتالي الطعن في الله أو في كتبه ورسله .. كما يفهم غلاة التلفية العلمانية الجهمية الذين يبدعون هذا الاستثناء.  

ومن ذلك الحديث:" دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ قال: هذه بنت من هو خير مني و منك، قال: ومَنْ هو خير مني و منك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال أبو بكر : رجل قبض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوأ مقعده في الجنة و بقيت و أنا وأنت".  

فاستثنى الخليفة الصديق رجلا آخر لتبيين مكانته.

وكما صح في حديث سلمة بن الأكوع ... ثم ذكر سرية سلمة الطويلة، وأنه كان لا يُسبق، قال:" فلما كان بيننا وبين المدينة كالروحة أو الغدوة أتانا رجل من الأنصار كان لا يُسبق. فقال: هل من مسابق؟ ألا هل من مسابق مرتين أو ثلاثا فأقبلت عليه، فقلت: أما تكرم عليه كريما، ولا تهاب شريفا؟، قال: لا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...".

فليس فيه أنه أهان سائر الصحابة، فضلا عن إهانته لله كما يتوهّم غلاة التلفية الجهمية.

الرابع: نفي الوحدة:  

أي أن الشيءَ المنفيَّ، موجودٌ صحيح ٌوكامل، لكن نفينا جزءا ووحدةً معينةً منه فقط: وفي هذه الحالة لام النفي تعمل عمل ليس: كأن يقول لك أحدهم: ايتني بقلم أسود من الحقيبة، فتقول: لا قلمٌ في الحقيبة، وهذا نفي خاص لنوع معين، مما يعني وجودَ أقلام أخرى بألوان أو أنواع أخرى. 

ولَكَ أن تُقدر هذا النفي بجملة فعلية فتقول:" لا يوجد قلمٌ - في الحقيبة-.  

ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} [البقرة 254]. فنفى بيعا وخلة وشفاعة مخصصة للكافرين، بينما أثبت ذلك للمؤمنين في أماكن أخرى.

والتقدير: لا يوجد بيع ولا خلة ولا شفاعة للمشركين، بينما يوجد شيء من ذلك للموحدين.

ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ذبح الموت:" يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيُذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موتٌ، ويا أهل النار خلودٌ فلا موتٌ

وهذا معارض بما خرجه مسلم 185 عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم، فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما، أذن بالشفاعة .."، ثم يُلقون في نهر الحياة.

ووجه الجمع: أن نحمل النفي في الحديث الأول على موت مخصوص، ويكون النفي من نفي الوحدة لا الجنس.

فيكون التقدير: أي: لا موتٌ في النار، أو: لا يوجد موتٌ في النار، و: لا موتٌ في الجنة، أو: لا يوجد موتٌ في الجنة "، أو: لا يموت أحدٌ يوم القيامة، 

وإنما نفى هنا موتا خاصا وهو السابق المعهود الذي يعرفونه عن طريق عزرائيل، كما نطق بذلك الحديث، وأما موتٌ آخر فهو موجود مثبت كما مر.

وأما الكفار فلا يموتون ولا يفنون إلا بعد أحقاب طويلة من العذاب ثم يفنوْن ويزولون كما وردت بذلك النصوص التي طرتها في كتابي:" بقاء الجنة وفناء النار".

وعلى هذا تتنزل آيات نفي خروج المشركين من النار أبد الآباد، وإنما نفى خروجا خاصا وهو الذي الذي يكون بعده النعيم والدخول إلى الجنة، فإنها لن تكون إلا نصيب الموحدين.

المسألة الثانية: الاستثناء التام المنفي، وبيان أحواله: 

هو المذكورة أركانه الثلاثة بتمامها، ويكون المستثنى منه منفيا على حسب مراتب الحصر أو النفي السالفة الذكر.  

وفي هذا الاستثناء ثلاثة أحوال أيضا على حسب الأدوات:

الحالة الأولى: مع أداة "إلا": يكون المستثنى منه مثلث الحركة:

فيكون النصب هو الأصل في التقديرات الثلاث جميعا، بالنظر إلى المستثنى:

أ/ أن يأتي المستثنى منه أو المبدل منه منصوبا: وهنا يلزم النصب، ويُعرب على الحالتين:

ما شاهدت الطلابَ إلا محمداً.

محمدا: مستثنى منصوب وعلامة نصبه الفتحة

أو محمدا: بدل منصوب وعلامة نصبه الفتحة

ب/ أن يأتي المستثنى منه مرفوعا: فيجوز إتباعه على أنه بدل من المستثنى.

كما يجوز نصب المستثنى على الأصل، لأنه مفعول بعد الفاعل،

. مثال النصب: ما تأخرَ المسافرون إلا مسافراً،

أو يكونُ بدلا من الفاعل، فتقول: إلا مسافرٌ.

وتعرب: ما: حرف نفي مبني على السكون، لا محل له من الإعراب،

مسافراً: مستثنى منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.

أو (مسافرٌ) مستثنى، بدل مرفوع.

ومن أمثلة البدل قوله تعالى :{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}[آل عمران 144]

وقد يكون نفيا ناقصا لأنك تقول" محمد رسول".

ت/. أن يأتي المستثنى منه مجرورا:  فيجر بالبدل، أو يجوز نصبه:  

ما التقيت بالطلابِ إلا محمدٍ. بالبدل لأنك تقول: التقيت بالطالبِ محمدٍ

ما التقيت بالطلابِ إلا محمداً. منصوب لأن الأصل: التقيتُ محمدًا.

. وأما في قوله تعالى: { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } وقوله { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}

لماذا لا تُجر " اللهُ" و: "إلهٌ" بل رُفعتا؟

والجواب: أن هذا أكبر دليل لأهل السنة على أنهما مرفوعان لخبر محذوف ولا بدـ تقديره" حقٌّ".  

وعليه: فيلتحقان بأمثلة الرفع، أو الاستثناء الناقص التالي، وتُعرب كلٌّ من كلمتي: (اللهُ) و (إلهٌ) مستثنى، وهما: بدل من الخبر المضمر المقدر ب: "حقٌّ"،

والتقدير:" ما من إله حقٌّ إلا اللهُ.

فإن قيل أنّ "مِن"، زائدة، فهي بدل أيضا من إله الأولى، والتقدير:" ما إلهٌ حق إلا الله.

أما غير:" إلا "، فهاك البيان:

الحالة الثانية: الاستثناء التام المنفي في الاسميْن:" غير ، سوى": 

ففي هاتين الأداتيْن ثلاثة أوجه إعرابية، وما بعدهما مضاف إليهما كما مر: 

فيكون النصب هو الأصل في التقديرات الثلاث جميعا، بالنظر إلى المستثنى قبل الأداة:

أ/ نصب المستثنى والأداة: وذلك إن كانت الأداة بعد منصوب، فينصبان على الاستثناء أو على أنهما بدلان، لأن النصب وجه واحد، وإن اختلف الإعراب.

ما شاهدت الطلابَ غيرَ محمدٍ.

غيرَ: اسم منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف

أو غيرَ: بدل منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.

ومن ذلك قوله عليه السلام لبني هاشم:" فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لكم مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لكم رحماً سأبُلُّها بِبِلالِهَا".

ومن ذلك قوله تعالى :{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا }

ب/ في حالة رفع المستثنى: وهنا يصح الرفع للأداتيْن، كما يصح النصب: وذلك إن كانا مفعولين بعد الفاعل:

الاختيار الأول: رفع غير وسوى على أنهما بدلان، مثل:

ما حضر الطلابُ غيرُ محمدٍ.

غيرُ: بدل مرفوع وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف

ومن ذلك قوله تعالى:{ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء 95]

الاختيار الثاني: نصبُ غير وسوى على الاستثناء:

ما حضر الطلابُ غيرَ محمدٍ.

غيرَ: اسم منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.

ت/ في حالة الجرّ للمستثنى: إذا أتى المستثنى منه بعد الجار، ففيه اختياران كما في السابق:

الاختيار الأول: نصب غير وسوى على الاستثناء

مثال: ما التقيت بالطلابِ غيرَ محمدٍ.

غيرَ: اسم منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف

ومن ذلك قوله تعالى :{ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36) }[الذاريات]

الاختيار الثاني: جر غير وسوى على أنهما بدلان

مثال: ما التقيت بالطلابِ غير ِمحمدٍ.

غيرِ: بدل مجرور وعلامة جره الكسرة وهو مضاف.

وأما في قوله تعالى: { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }، لماذا أتت بالرفع؟ وقرئت بالجر أيضا؟

والجواب من وجهين:

فعلى قراءة الجر: فهي "غيرِهِ" مجرورة على البدل، من نعت الِإله،

وعلى قراءة الرفع: فهو أشبه بما أسلفنا، من كونها دليلا لأهل السنة على أن "غيرُ" بدل مرفوع لخبر محذوف ولا بدـ تقديره" حقٌّ".  

وعليه: فيلتحق هذا بأمثلة الرفع، أو الاستثناء المفرغ والتقدير:" ما من إله حقٌّ غيرهُ.

يصح أن يكون التقدير: ما لكم إلهٌ غيرُه، فتكون "من" زائدة.

الحالة الثالثة: الاستثناء التام المنفي ب: [ما ] عدا وخلا / وحاشا في النفي: 

وهي على ضِرْبين كما مر في الإثبات.

الضرب الأول: إن كانت بتنحية "ما"، فإنه يستثنى بها وتنصب ما بعدها، أو تجره.

كقولك :"لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت، خلا الحائض "،

لا نتعصب لأحد حاشا محمدٍ

الضرب الثاني: إن أضفنا لهما :"ما"  مَا خَلا/ ما عدا، فلا يكون بعدهما إلا النصب.

كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر ".

عن علي :" كان صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء ما خلا الجنابة".

المسألة الثالثة: الاستثتاء الناقص المنفي المفرغ:

وهو الاستثناء المحصور المفرغ من المستثنى منه، يعرب على حسب موقعه في الجملة،

فمن علاماته: نقصان المستثنى منه، والذي يُقدر ب: أحد للعاقل/ شيء لغير العاقل..

حق: في جنب الرب.

ومن علاماته أيضا: أن يأتي بعده جملة أو شبه جملة

الحالة الأولى: الاستثتاء المفرغ بعد إلا:

يحذف المستثنى منه، وأما المستثنى: فيعرب على حسب موقعه في الجملة، لأنه يمكن الاستغناء عن حرف النفي وأداة الاستثناء.

أ: في النصب:

ـ ما لبست إلا ثوباً . ثوباً : مفعول به منصوب، أو : بدل من "شيئا" المحذوفة.

ـ ما رأيت [ ] إلا حارساً. (مفعول به)، تقول بمفهوم المخالفة: رأيت حارساً.

ـ ما أكرمت إلا إكراماً بسيطا. (مفعول مطلق)، وحذفنا "أحدا"، ونقول عكسيا:أكرمت إكراماً بسيطا.

ـ ما لبث في القرية [ ] إلا يوماً. (مفعول فيه) لبثت في القرية يوماً.

ـ ما فر [ ] إلا خوفاً. (مفعول [لأجله) فر خوفاً.

ب: في الرفع:

في الجملة الإسمية: وذلك كالبدل في قوله تعالى :{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}[آل عمران 144] والأصل:" محمد رسول".

وفي الجملة الفعلية: كقولك: ما نجحت إلا فاطمةٌ، حذف المستثنى منه " أحد"

ما نجح إلا طالبٌ،

بحيث ينقص منه المستثنى المقدر كقولك:" ما نجح [أحد] إلا... "،  

وتعرب هنا: إلا: حرف استثناء ملغي لا عمل لها أو أداة حصر.

طالبٌ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.

أو بدل لخبر محذوف "أحد"

. وكذلك ما مر في قوله تعالى: { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } وقوله { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}، وذكرنا: لماذا لا تُجر " اللهُ" و: "إلهٌ" بل رُفعتا؟

والجواب: أن هذا أكبر دليل لأهل السنة على أنهما مرفوعان لخبر محذوف ولا بد تقديره" حقٌّ". وهو هنا المستثنى منه.    

وتُعرب كلٌّ من كلمتي: (اللهُ) و (إلهٌ) مستثنى، وهما: بدل من الخبر المضمر المقدر ب: "حقٌّ"،

والتقدير:" ما من إله حقٌّ إلا اللهُ.

فإن قيل أنّ "مِن"، زائدة، فهي بدل أيضا من إله الأولى، والتقدير:" ما إلهٌ حق إلا الله.

ومن أمثلة ذلك كذلك:

ما كان غائبا [ ] إلا معلمٌ. (اسم كان) كان المعلم غائبا .

ـ ما صادق [ ] إلا عمرُ. (مبتدأ مؤخر) صادق عمرُ.

ـ ما كُوفىء [ ] إلا فائزٌ. (نائب فاعل) كُوفىء فائزٌ.

ـ ما حضر إلا خالدٌ. (فاعل)  حضر خالدٌ.

لم يبقَ في المدرسةِ إلا المديرُ . المدير : فاعل مرفوع .

ت/ في الجر: ما مررت إلا بمحمد، حذفنا " بأحدٍ"

ومن ذلك قوله تعالى :{ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ }

ـ ما مر [بأحد] إلا بخالدٍ. (اسم مجرور) مررت بخالدٍ.

الحالة الثانية: الاستثتاء المفرغ مع الاسمين:" غير ، سوى": 

تعربان كالعادة على حسب موقعهما، وما بعدهما مضاف إليهما.

أـ في النصب: مثل قوله تعالى :{ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [الذاريات 36]

غير : مفعول به منصوب. أو بدلا من "أحدا"

. ومن ذلك قولك:" ما رأيت غيرَ علي .

 

ب. في الرفع:

 لم يبقَ سوى طالبٍ . سوى : فاعل مرفوع. أو بدل من " أحدٌ" المحذوفة،

ـ ومن ذلك قول الشاعر :

وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري

سوى : مبتدأ , وبائع : خبر .

وما الدنيا سوى حلمٍ لذيذ تنبهه تباشير الصباح

الدنيا: مبتدأ , سوى : خبر .

ويدخل في هذا ما مر من قوله تعالى: { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }، لماذا أتت بالرفع؟ وقرئت بالجر أيضا؟

والجواب من وجهين:

فعلى قراءة الرفع: فهو أشبه بما أسلفنا، من كونها دليلا لأهل السنة على أن "غيرُ" بدل مرفوع لخبر محذوف ولا بدـ تقديره" حقٌّ".  

وعليه: فيلتحق هذا بأمثلة الرفع، أو الاستثناء المفرغ والتقدير:" ما من إله حقٌّ غيرهُ.

كما يصح أن يكون التقدير: ما لكم أحدٌ إلهٌ غيرُه، فتكون "من" زائدة.

ت: في الجر:

على قراءة الجر :{ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِه }

"غيرِهِ" مجرورة على البدل، من نعت الِإله،  

فرع:  استبدال ( غير و سوى ) بـ (إلاّ) : أي استبدال الاسم بالحرف وبالعكس

* إذا كان بعد ( غير و سوى ) ضمير متصل مثل : (غيرك أو سواك ) وطلب منا أن نستبدلها بـ (إلا) , فإن كان حكم ( غير وسوى ) النصب, نأتي بعد الأداة ( إلا) بضمير نصب منفصل ( إيّــــا) مضافاً إليه الضمير الذي كان متصلاً بـ ( غير و سوى )، وهاك مثالا توضيحيا :

أ: في الضمير: لا نعبد سواه، نستبدلها فنقول:" لا نعبد إلا إياه". نحينا أحدا لأنه استثناء مفرغ ناقص.  

وكقولك في الإثبات: جاء المعلمون غيرك . بعد الاستبدال نقول: جاء المعلمون إلا إياك .

ب: إذا كان بعد ( غير و سوى ) اسم ظاهر: فسيكون مضافا إليه، وهنا يجب أن تحول حركة ( غير و سوى ) إلى الاسم الذي يليها ثم نحذف ( غير و سوى ) ونضع ( إلا ) بدلاً عنها.

وإليك المثال التوضيحي :

قال تعالى :{ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } نُحيت أحد لأنه استثناء ناقص. فإن فسرتَ الآيةَ ب: غير " قلتَ:

لا يعلم الغيبَ غير الله.

ـ لا يعمل غير خالد . بعد الاستبدال نقول : لا يعمل إلا خالدٌ . وهكذا ...

الحالة الثالثة: الاستثتاء المنفي المفرغ ب: عدا وخلا وحاشا:

تستعمل غالبا في الاستثناء المثبت، وقليلة في المنفي خاصة المفرغ، وتُعرب على حسب موقعها، وما بعدها كالعادة إما أن يُعامل معاملة فعل أو حرف:

أ: معاملة فعل: فيكون المستثنى منصوبا: أ: النصب: لا نتبع .. حاشا محمدًا

ب: معاملة حرف جر: فيكون المستثنى مجرورا " لا نتبع .. عدا محمدٍ، ولا نقدس .. عدا الله.   

نحينا [شيئا أو أحدا] ليصيرا مفرغا.   

                         كتبه أبو عيسى الزياني وبالله التوفيق

 

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني