إثبات قعود نبي الإسلام، مع ربه على عرش الرحمان


                       إثبات قعود نبي الإسلام، على عرش الرحمان

  

                                   كتابة : الطاهر زياني

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                 المقدمـة

بسم الله وبعد:

فهذا مبحث جليلٌ في مسألة إثبات مقام وجلوس نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة مع ربه جل في علاه، فقد ثبت عنه كما في حديث الشفاعة قال:" فأنتهي إلى ربي، وهو على كرسيه أو سريره، [فيتجلى لي] فأخر له ساجدا فأحمده بمحامد لم يحمده أحد بها قبلي، ولا يحمده بها أحد بعدي فيقال لي: ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع "، وفي رواية:".. حتى ينتهي إلى باب الجنة، فيأخذ بحلقة الباب من ذهب ، فيقرع الباب، فيقال: من هذا ؟ فيقال: محمد صلى الله عليه وسلم، فيفتح الله له، فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن فيسجد.."،

وثبت من طرق أخرى متواترةٍ وكثيرةٍ أنه عليه السلام إذا وصل إلى كرسي الرب رفعه الله إليه ـ كما رفعه في المعراج ـ، لكن يوم القيامة يُجلسه معه على كرسيِّه مِنْ عَلَى يمين العرش تكْرُمةً له، وإظهارًا لفضله، ومن ثَم يشفعُ للأمةِ بأبي هو وأمي رسول الله،

وقد ثبت في المقام المحمود أدلة كثيرة بل متواترةٌ، وكل دليل له طرق كثيرة كما سيأتي، فما كان فيها من ضعيفٍ جدا بيَّنته، وأما سائر الأحاديث والطرق فهي إما صحيحة أو حسنة قدْ بينتُ وجه حُسنها، وما كان فيها من ضعيفٍ ضعفا يسيرا فقد ذكرت وجه ضعفه، ومن ثَم حسنه لغيره، لكون الإسناد لا يوجد فيه من هو متهم أو كذاب، ثمّ أوردت له متابعاتٍ يتقوى بها، من نفس طريق ذلك الصحابي، ثم عزّزت صحته بشواهد أخرى عن صحابة آخرين، فقد قال الترمذي عن تعريف الحديث الحسن:" إنما أردنا به حسن إسناده عندنا، كلُّ حديث يُروَى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا ويُروى من غير وجه نحو ذاك، فهو عندنا حديث حسن"،

وقد قسمتُه على النحول التالي:  

الفصل الأول: إثبات الشفاعة والمقام المحمود للنبي صلى الله عليه وسلم :  

المبحث الأول: تحرير محل النزاع، وبيان إجماع السلف على إثبات القعود والقرب من الرب:  

المبحث الثاني: ذِكر البيان على أنه لا تعارض بيْن كون المقام المحمود هو الشفاعة وهو نفسُهُ الجلوس على يمين العرش مع الرب لأجل الشفاعة:

الفصل الثاني: ذكر الأدلة على الشفاعة والقعود على العرش:

المبحث الأول: ما ورد في تفسير مقامات الشفاعة بالمقام الحسي:

المبحث الثاني: أدلة صرحت بأن المقام المحمود هو القعود قرب الرب فوق العرش:

المطلب الأول: ذكر الأدلة الصحيحة الصريحة في القعود بين يدي الرب:

المطلب الثاني: أدلة صريحة مختلف فيها:

المطلب الثالث: ذكر أدلة القعود من المعقول مما يوافق المنقول:

الفصل الثالث: ذكر الأدلة على تصحيح حديث القعود من الإجماعِ، والإنكارُ على المُخالف:

المبحث الأول: تصريح بعض السلف أنه لا يصح في الباب إلا بعض الأحاديث:

المبحث الثاني: تصريح السلف بصحة الحديث جملة أو بصحة حديث معين، والبيانُ على أن الأمة قد تلقت حديث القعود بالقبول وإنكارهم على المخالف:

المبحث الثالث: إنكار السلف على من رد فضيلة القعود على العرش، وبيان تغليظ بدعته:  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول: إثبات الشفاعة والمقام المحمود للنبي صلى الله عليه وسلم :

المبحث الأول: تحرير محل النزاع، وبيان إجماع السلف على إثبات القعود والقرب من الرب:

اتفق السلف على إثبات المقام المحمود لنبينا عليه السلام، يوم القيامة من أجل الشفاعة للخلائق، بمختلف مراتبها:

فأول شفاعة يوم القيامة هي الشفاعة لأجل مجيء الرب للفصل بين العباد.

والشفاعة في الصراط وفي الجسر وفي دخول الجنة، وفي خروج عصاة الموحدين من النار.

كما اتفقوا على أن هذا المقام المحمود هو مقام الشفاعة، وأنه مكان حسي بالقرب من الرب جل في علاه.  

وأن الرب القوي الذي رفع نبيه إلى العرش عند سدرة المنتهى، في هذه الدنيا، لهو أقدر على أن يرفعه بالقرب منه يوم القيامة تكرمة له.   

لكن زعم متأخرون أن هذا المقام المحمودَ هو مقام معنوي، لا حسي، واستبعدت عقولهم أن يُقربَ الرب من ذاته أحدا من خلقه، وهذا الاستبعاد من التقول على الله بغير علم، مكذبين بما لم يحيطوا بعلمه ولم تتقبله عقولهم الحقيرة، وأما ذووا العقول الكبير، فلا يستعظمون على الله فعْلَ ما يشاء.  

ولذلك قال الشيخ ابن تيمية في المجموع (4/374): فصل في التفضيل بين الملائكة والناس، ثم ذكر الأدلة على تفضيل صالحي البشر على الملائكة، إلى أن قال: الدليل الثالث عشر:...إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون أن محمدا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يجلسه ربه على العرش معه"،

ثم ذكر حديث مجاهد ثم قال: "وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة، قال ابن جرير ـ الطبري ـ: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويَدَّعِيه، لا يقول إن إجلاسه على العرش منكرا "، ثم قال ابن تيمية:" وإذا ثبت فضل فاضلنا ـ يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ على فاضلهم ـ يعني الملائكة ـ ثبت فضل النوع على النوع"،

المبحث الثاني: ذِكر البيان على أنه لا تعارض بيْن كون المقام المحمود هو الشفاعة وهو نفسُهُ الجلوس على يمين العرش مع الرب لأجل الشفاعة:

ذلك أنّه مما ينبغي معرفته في هذا الباب أنْ لا تعارض بين قول من جعل المقام المحمود هو الشفاعة بمختلف مقاماتها، وبين من جعله: جلوسه عليه السلام على العرش مع ربه لأجل الشفاعة، لأنَّ هذا الجلوسَ من أشرفِ مقاماتِ الشفاعةِ وأخصّها، حيث يسجد عليه السلام لربه قريبا منه لأجل الشفاعة.  

فقد قال الطبري عن هذا الجمع:" وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويَدَّعِيه، لا يقول إن إجلاسه على العرش منكرا ".

وقال ابن أبي يعلى في إبطال التأويلات:".. على أَنَّهُ لا يمتنع أَنْ يَكُونَ المقامُ المحمودُ: الشفاعةُ والقعودُ عَلَى العرش، لأَنَّ القصد من ذلك علوّ المنزلة"،

وقال الشيخ محمد بن إبراهيم:" والظاهر أَن لا منافاة بين القولين، فيمكن الجمع بينهما بأَن كلاهما من ذلك، والإِقعاد على العرش أَبلغ "،

بيان ذلك أنّ من ذكر من السلف بأن المقام المحمود هو الشفاعة، فهو كلام حق، لأنه لم ينف الجلوس على العرش الذي هو أخصُّ وأرفعُ مقاماتِ الشفاعة المتعدِّدة،  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: ذكر الأدلة على الشفاعة والقعود على العرش:

وهي أدلة متواترة قسمتها على المباحث التالية:

المبحث الأول: ما ورد في تفسير مقامات الشفاعة بالمقام الحسي:

الدليل الأول: المقام الأول بين يدي الرب لأجل مجيئه للفصل بين العباد:

حيث سيقوم النبي صلى الله عليه وسلم لوحده من دون غيره، هناك فوق العرش لأجل الشفاعة، إظهارا لفضله وعلو منزلته:

خرج البخاري 6975 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يحمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك، فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس ..، اشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناك،[لست بصاحب ذاك] ويذكر لهم خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض،

فيأتون نوحا فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن،

فيأتون إبراهيم فيقول: لست هناكم ويذكر لهم خطاياه التي أصابها ولكن ائتوا موسى عبدا آتاه الله التوراة وكلمه تكليما.

فيأتون موسى فيقول: لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه.

فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمدا صلى الله عليه وسلم عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتونني ".

[ زاد أحمد: فيقولون: يا محمد اشفع لنا إلى ربك فليقض بيننا، فأقول: أنا لها،  فأنطلق فأستأذن على ربي [ في داره] فيؤذن لي عليه، [ زاد أحمد: فآتى ربي عز وجل على كرسيه أو سريره]، 

[زاد ابن خزيمة في التوحيد ص 294:" فيجيء حتى يقوم بين يدي الله"]، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال لي ارفع محمد وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع..."،

ووجه الإستدلال منَ الحديث منْ وجهين:

أولاهما في قول الأنبياء" لست هناك"، و" لست هناكم "، وهذه اللفظة ظرف مكان كما هو معروف، وهي إشارة إلى مكان آخرَ مخصوصٌ بالنبي عليه السلام وحده، ومعنى الحديث: لست في ذاك المكان الذي تظنونني فيه، ولست له أهلا "،

ولا يكون ذلك إلا في مكانٍ حسي وهو القيام على العرش بين يدي الرب.  

فإن قال قائل: قد ذكر بعضهم أن هذا من باب استعمال ظرف المكان في الزمان، لأن "هنا"، ظرف مكان، فاستُعمِلت في ظرف الزمان، لأن المعنى: لست في ذلك المقام،

والجواب أن هذا أفسد تأويل وأبعده، لأنه صريح في المكان، مما جعل حتى الحافظَ ابنَ حجر يعترف بصراحته، ويتعقب متأوليه في الفتح (11/441) حيث قال:" كذا قاله بعض الأئمة وفيه نظر، وإنما هو ظرف مكان على بابه، لكنه المعنوي لا الحسي"،

ثم قال:" مع أنه يمكن حمله على الحسي لما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم يباشر السؤال بعد أن يستأذن في دخول الجنة، وعلى قول من يفسر المقام المحمود بالقعود على العرش يتحقق ذلك أيضا"،

أما الوجه الثاني: فحتى لو أُوِّلَت: هناكم" بالزمان وهو بعيد، لكان معنى الحديث: لا يوجد في ذلك المقام أحد الآن، ولكن ائتوا محمدا، فإنه وحده الذي سيكون على ذلك المقام، ووحده الذي سيقعد تلك القعدة، ولهذا بينت الروايات الأخرى أنهم سيأتون محمدا فيقول: أنا لها ثم ينطلق إلى ربه في داره، حتى يقوم بين يدي الله فيجده على كرسيه"،

 وبينت رواياتٌ أخرى معنى كونه بين يدي الله، وأنه إذا أتاه للشفاعة رفعه ربه إليه وأجلسه معه على كرسيه مِن على يمين العرش، والأحاديث يُكَمِّل ويُبين بعضها بعضا ويفسره، لا يُنقضُه،

دليل ثاني: حديث الفحص عند العرش ورفع النبي عليه السلام إلى ربه:

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عمرو بن الضحاك بن مجالد، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مجالد، حَدَّثَنَا أَبُو رَافِعٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ:" .... وتَعْرَقون حتى يلجمكم العرق، أو يبلغ الأذقان، وتقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون: من أحق بذلك من أبيكم آدم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا؟ فيأتون آدم، فيطلبون ذلك إليه فيأبى، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك. فيستقرءون الأنبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا، أبى عليهم". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حتى يأتوني، فأنطلق إلى الفحص فأَخر ساجدًا" قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الفَحْص؟ قال: "قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي، ويرفعني، فيقول لي: يا محمد فأقول: نعم يا رب. فيقول الله، عَزَّ وجل: ما شأنك؟ وهو أعلم، فأقول: يا رب، وعدتني الشفاعة فشَفعني في خلقك، فاقض بينهم. قال [الله] قد شفعتك، أنا آتيكم أقضي بينكم".

قال الحافظ ابن كثير:" هذا حديث مشهور وهو غريب جدا، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة بعض ألفاظه نكارة. تفرد به إسماعيل بن رافع قاص أهل المدينة، وقد اختلف فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة، كأحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وعمرو بن علي الفَلاس، ومنهم من قال فيه: هو متروك. وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: أدلة صرحت بأن المقام المحمود هو القعود قرب الرب فوق العرش:

المطلب الأول: ذكر الأدلة الصحيحة الصريحة في القعود بين يدي الرب:

الدليل الأول: حديث مجاهد رحمه الله وحكم من أنكره:

وهو حديث مرسل لكنه صحيح بالإجماع وتلقي السلف له بالقبول، وحكمهم على من خالفه إما بالضلال أو التجهم والكفر.

فقد قال الإمام أبو داود السجستاني: أرى أن يُجانب كل من رد حديث ليث عن مجاهد يُقعده على العرش ويحذر عنه، حتى يراجع الحق، ما ظننت أن أحدا يُذكر بالسنة يتكلم في هذا الحديث، إلا إنا علمنا أن الجهمية تنكره من جهة إثبات العرش"،

وذكر الإمام أحمد أنه وإن كان مرسلا ضعيفا، فإنه حديث صحيح لتلقي العلماء له بالقبول، ولإجماع السلف عليه كما سيأتي، وقد روى هذا الحديث عن مجاهد كلّ من ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب وأبو يحيى القتات وجابر بن يزيد كلهم عن مجاهد به، وأشهر طرقه وأصحها طريق محمد بن فضيل عن ليث به:

فقال الخلال في كتاب السنة: حدثنا أبو بكر قال لي أبو عبد الله محمد بن بشر بن شريك: هذا عن مجاهد وحده! هذا عن ابن عباس, وقد رواه شريك عن عطاء بن السائب عن مجاهد, وقد خرجت في هذا أحاديث وقال لي: أنا أكتبها لك, فكتبها بخطه, ثم جاءني إلى طاق المحامل فدخل علي وأعطانيها فقلت له اقرأها علي فقال لا يقنعك إن كتبتها لك بخطي فقلت لا أنا أريد أن تقرأها علي فقرأها علي:

1/ أما طريق القتات: فقد أورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة عن ابن بطة قال: حدثنا أبو بكر النجاد حدثني هارون بن العباس حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثنا أبي حدثنا أبو يحيى القتات عن مجاهد، وقال الخلال: حدثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشر ثنا عبد الرحمن بن شريك ثنا أبي قال ثنا أبو يحيى القتات عن مجاهد:{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يقعد محمدا على العرش",

ثم قال: حدثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشر ثنا عبد الرحمن بن شريك يعني عمه قال ثنا أبي ثنا عطاء بن السائب وليث بن أبي سليم وجابر بن يزيد كلهم يقول: سمعت مجاهدا قال عطاء في حديثه وسئل عن قول الله عز وجل: {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يقعده على العرش".

2/ أما طريق ليث فقد حدث بها النخعي وداود بن علية والمطلب بن زياد وجعفر الأحمر ومحمد بن فضيل وهو أشهر طرقه وأصحها:

أما طريق النخعي فخرجها الخلال في السنة قال: حدثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشر ثنا عبدالرحمن بن هانىء وطلق بن غنام قالا ثنا عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي قال ثنا ليث عن مجاهد في قوله:{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال:" يعقعده على العرش".

وأما طريق داود بن علية فقال الخلال أيضا: حدثنا أبو بكر حدثني محمد بن بشر ثنا محمد بن عيسى الوابشي ومالك بن إبراهيم النخعي قالا ثنا داود بن علية ثنا ليث عن مجاهد مثله.

وأما طريق ابن زياد فقال الخلال حدثنا أبو بكر ثنا محمد بن بشر ثنا محمد بن رباح الأشجعي وإبراهيم بن محمد بن ميمون الخزاز وإبراهيم بن عبد الحميد الثقفي قالوا ثنا المطلب بن زياد قال ثنا ليث عن مجاهد.

وأما طريق جعفر الأحمر فقال الخلال أيضا حدثنا أبو بكر ثنا حدثني محمد بن بشر ثنا الحسن بن بشر ثنا جعفر الأحمر ثنا ليث عن مجاهد مثله.

3/ وأما عن رواية ابن فضيل عن ليث فهي عنه متواترة رواها العشرات منهم منهم الإمام إسحاق بن راهويه وعبد الله بن أحمد وأبو بكر وعثمان بنا أبي شيبة والحسن الحضرمي وإبراهيم الرازي ومحمد بن مصعب والعلاء بن عمرو ومحرز بن عونومحمد بن نمير وواصل بن عبد الأعلى وأبو الهذيل وعبيد بن يعيش وجعفر بن محمد الحداد ونزار بن صرد ومحمد بن بكير ويحيى بن حسان ويحيى الحماني والمصيصي وغيرهم كثير، وكلهم قد احتج بهذا الحديث كما سيأتي:

فقال الخلال في السنة (241..): ثنا المروذي أخبرنا أبو داود السجستاني ثنا إبراهيم بن موسى الرازي ثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: يجلسه على عرشه",

قال: وسمعت أبا داود يقول: من أنكر هذا فهو عندنا متهم", وقال أبو داود: ما زال الناس يحدثون بهذا يريدون مغايظة الجهمية",

وقال الإمام أبو داود السجستاني: أرى أن يُجانب كل من رد حديث ليث عن مجاهد يُقعده على العرش ويحذر عنه، حتى يراجع الحق، ما ظننت أن أحدا يُذكر بالسنة يتكلم في هذا الحديث، إلا إنا علمنا أن الجهمية تنكره من جهة إثبات العرش"،

وقال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة: قال النجاد: وحدثنا معاذ بن المثنى ثنا خلاد بن أسلم ثنا محمد بن فضل عن ليث عن مجاهد كلهم قال في قول الله عز وجل " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً " قال:" يجلسه معه على العرش"،

قال النجاد: وسألت أبا يحيى الناقد ويعقوب المطوعي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وجماعة من شيوخنا فحدثوني بحديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد، وسألت أبا الحسن العطار عن ذلك ؟ فحدثني بحديث مجاهد ثم قال: سمعت محمد بن مصعب العابد يقول هذا حتى ترى الخلائق منزلته صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى وكرامته لديه"، ومما يؤكد صحة حديث مجاهد أربعة أمور:

أحدها: تلقي الأمة كلِّها له بالقبول كما سيأتي في بابه، وقد ذكر ابن القطان وعامة أهل الحديث أن تلقي الأمة للحديث بالقبول مما يُحسنه ويجعله صحيحا،

وقال الخطيب في الكفاية ص 17:" وقد يستدل أيضا على صحته ـ الحديث ـ بأن يكون خبرا عن أمر اقتضاه نص القرآن أو السنة المتواترة، أو اجتمعت الأمة على تصديقه، أو تلقته الكافة بالقبول وعملت بموجبه لأجله"،

وحديث القعود على العرش قد توفرت فيه كل شروط الحسن والصحيح بدءًا من كثرة طرقه، وسلامة رجاله من التهمة، إلى اجتماع كل السلف على تصديقه، وأخيرا تلقي الأمة له بالقبول، ومن المعلوم أنه إذا انعقد إجماعٌ على أمرٍ في القرون المفضلة، فإنه لا يحل أن يُضرب ويُرد بمخالفة أحد من المتأخرين، والله المستعان من مخالفة سبيل المؤمنين، من السلف الطيبين، ونسبتهم إلى الخُرافة والغلوّ الأثيم،

والأمر الثاني: أن مراسيل مجاهد جيدة كما قال الذهبي في الموقظة، وقال ابن المديني ويحيى القطان: مرسلات مُجَاهد أحب إلي من مُرْسلات عطاء بكثير"،

والأمر الثالث أنه قد أخذ هذا التفسير من ابن عباس، كما ذكر الخلال وغيره، واستدلوا بما ثبت عن مجاهد قال:" عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات أوقفه عند كل آية أسأله عنها"، فكان أعلم الناس بتفسير ابن عباس، وقال الذهبي في العلو:" ويبعُد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف، فإنه قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما أقفه عند كل آية أسأله"، قال الذهبي: فمجاهد أجل المفسرين في زمانه وأجل المقرئين".

والأمر الرابع: كثرة الشواهد لهذا الحديث كما سيأتي، وقد قال النجاد:" قَال أحمد بن حنبل: لَمْ يُــرْوَ هَذَا عَن مجاهد وحده، هذا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وخرج فِي ذلك أحاديث وقرأها عَلَى أصحابه"،

قال: وَهُوَ أعرف بصحة الحديث ممن تقدم ذكره ممن أنكرها"، والذي وجدته من شواهدَ كثيرةٍ لحديث مجاهدٍ ما يلي:

الدليل الثاني: خبر ابن عباس رضي الله عنه: قال الحافظ أبو بكر بن سلمان النجاد:" قاله ـ القعود ـ عبد الله بن العباس ومن بعده من أهل العلم وأخذوا به كابراً عن كابر وجيلاً عن جيل إلى وقت شيوخنا.."،

وقد وجدت له أربعة طرق بعدة متابعات:  

الطريق الأول: ما قاله الطبراني في الكبير 12474 حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح ثني ابن لهيعة عن عطاء بن دينار الهذلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل{عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال: يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته فذلك المقام المحمود"،

هذا حديث حسن، وعبد الله بن صالح مذكور فيمن روى عن ابن لهيعة قبل اختلاطه، وعطاء بن دينار مصرى ثقة، قال عنه أحمد بن صالح:" هو من ثقات أهل مصر، وتفسيره فيما نرى عن سعيد بن جبير صحيفة، وليست له دلالة على أنه سمع من سعيد بن جبير"، وقال ابن حجر: روى عن سعيد بن جبير وقيل لم يسمع منه، وذكر في التقريب أنها صحيفة"،

ومن المعلوم أن الصحيفة من طرق التحمل والاتصال فصح الحديث، ولذلك قال الخليلي في الإرشاد: وتفسير عطاء بن دينار يكتب ويحتج به"، ومع ذلك فقد توبع ثلاث متابعات كما في:

الطريق الثانية: قالها الخلال في السنة: وحدثنا أبو بكر ثنا أبو عبد الله بن محمد بن بشر بن شريك بن عبدالله النخعي قال ثنا محمد بن عقبة الشيباني وأحمد بن الفرج الطائي قالا ثنا عبادة بن أبي روق سمعت أبي يحدث عن الضحاك عن ابن عباس في قوله:{ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} قال:" يقعده على العرش"،

تابعه أبو إسحاق الشيرجي في كتاب السنة قال: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْر نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ سُوَيْد نا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِي وَأَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الطَّائِيُّ قَالا: نا عبادة بْنُ أَبِي رَوْقٍ سَمِعْتُ أَبِي عن الضحاك عن ابن عباس فذكره سواءا، ذكره القاضي في إبطال التأويلات،

وفي إسناده علتان: إحداهما محمد بن بشر فقد قال عنه الذهبي وحده: ما هو بعمدة، يعني أنه لا يُعتمد عليه لوحده، وهي مثل عبارة: ليس بالقوي، والعلة الثانية عبادة ضعيف، فقد قال ابن عدي: ولابن أبي روق هذا أحاديث كما لأبيه أحاديث، وليس حديثهما بالكثير ومقدار ما يرويانه لا يتابعان عليه"، لكن الوالد أبا روق عطية بن الحارث صاحب التفسير صدوق، وكذلك الضحاك، لكن اختلف في سماعه من ابن عباس، وذكر شعبة أنه أخذ التفسير من سعيد بن جبير فأرسله عن ابن عباس، على أن عبادة بن أبي روق قد توبع متابعتين تامتين كما في:

طريق ثالثة: وفيها متابعتان، نبتدئهما بالساقطة:

فقد قال الذهبي: أنا الحسن بن علي أنبأنا جعفر أنبأنا السلفي أنبأنا علي بن بيان أنبأنا بشري الفاتني أنبأنا عمر بن سبيك القاضي حدثنا الحر بن محمد بن اشكاب حدثنا عمر بن مدرك الرازي حدثنا مكي بن إبراهيم عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى:" عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" قال:" يقعده على العرش"، قال: إسناده ساقط وعمر هذا الرازي متروك وفيه جويبر"، وهو ضعيف، وقد توبع متابعة لا بأس بها في الإعتبار والشواهد كما في:

الطريق الرابعة: قال ابن النجار في ذيل تاريخه من ترجمة علي بن محمد القادسي: أخبرتنا عين الشمس بنت أحمد بن محمود الثقفي بأصبهان أنبأنا أبو بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني قراءة عليه أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم أنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن فورك القباب حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن هارون بن سليمان الاشعري ثنا علي بن محمد القادسي بعكبرا سنة 250 حدثنا محمد بن حماد عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس في قوله عزوجل (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين حبيب الله ؟ فيتخطى صفوف الملائكة حتى يصير إلى العرش فيمد يده العزيز عز وجل حتى يجلسه معه على العرش حتى تمس ركبته ركبته"، هذا حديث رجاله ثقات غير مقاتل سيأتي الاختلاف فيه، وأحاديثه في التفسير مقبولة حسان.

غير أن الذهبي خرج الحديث في الميزان من ترجمة مقاتل: أنبأني جماعة عن عين الشمس الثقفية فذكره ثم قال: فهذا لعله وضعه أحد هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسي"،

وأكّد ذلك في الميزان، ووهم في ذلك، فإن محمد بن حماد هو الطهراني الرازي الثقة الكبير، تُوُفِّي سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْن، وبمثل الذي ذكرتُ قال ابن النجار في تاريخه من ترجمة علي بن محمد القادسي، قال: حدث بعكبرا عن محمد بن حماد أظنه الطهراني، روى عنه: أبو بكر أحمد بن الحسن بن هارون الاشعري"،

وأما القادسي فليس بوضاع، لأن ابن النجار وابن ماكولا ترجماه ولم يجرحاه، وسبب حمل الذهبي عليه أن الذهبي ينكر القعود على العرش، ولذلك اتهمه به، وليس كما قال، فإن الحديث قد تلقته الأمة بالقبول والحمد لله، ونسبه الإمام أحمد لابن عباس، ولا يحل الطعن في المسلمين بمجرد الظن أو مخالفة الاعتقاد، على أنيّ بعد طول تدقيق وبحثٍ بين الكتب الموجودة في الجامعة وفي المسجد النبوي ... عن الراوي علي بن محمد رأيت أن القادسي نسبة إلى قادسية الكوفة، على يومين منها، فإذ ذلك كذلك ففي هذه الطبقة والبلدة علي بن محمد وهو ابن أبي الخصيب الكوفي وهو صدوق توفي سنة ثمان وخمسين ومئتين، وقد سمع منه هذا الحديثَ أحمدُ بن الحسن الكوفي البغدادي سنةَ مئتين وخمسين، وأحمدُ هذا قد ترجمه الخطيب ووثقه، وأما أبو بكر بن فورك فهو مقرئ معروف، توثيقه ضمني، لأنه راوي الكتب عن ابن أبي عاصم، وقال الذهبي في السير: الإِمَامُ الكَبِير المُقْرِئ مُسْنِد أَصْبَهَان.. وما أَعلم بِهِ بَأْس"، ووثقه أبو العلا الحافظ، وأما أبو طاهر الأصبهاني فهو ثقة جليل معروف حدث عن الدارقطني بسننه، وأما ابن أبي ذر فقال عنه الذهبي: مسند إصبهان في زمانه.. وكان صالحاً صحيح السماع"، وقال في السير: الشيخ الجَليل الصَّدوق مُسْنِدُ وَقته"،

وكذا قال عن عين الشمس:" مسندة أصبهان، وكانت شيخة صالحة عفيفة من بيت رواية وحديث"، فصار هذا الحديث كل رجاله ثقات إلا مقاتل بن سليمان، فقد قال عنه ابن خلكان: وقد اختلف العلماء في أمره، فمنهم من وثقه في الرواية، ومنهم من نسبه إلى الكذب"،

وقد اتهمه جماعة من أهل الحديث وضعفه جدا، لأنه كان من المُشبِّهَة، ونسبوه إلى التجسيم، بينما أثنى عليه آخرون، خاصة إذا روى في التفسير كهذا الحديث، وقد أثنى عليه الشافعي فقال:" الناس عيال في التفسير على مقاتل" ، وقال ابن عدي:" وكان حافظا للتفسير وكان لا يضبط الإسناد"، وقال الخطيب:" كان له معرفة بتفسير القرآن ولم يكن في الحديث بذاك"، وهذا الحديث في تفسير القعود فيُقبَل، على أن الحافظَ الخليلي قد ذكر أن المناكير في روايته هي من رواية الضعفاء عنه، لا منه، فقال في الإرشاد من ترجمته :" محله عند أهل التفسير والعلماء محل كبير، واسع العلم ، لكن الحفاظ ضعفوه في الرواية وهو قديم معمر، سمع منه كبار خراسان والعراق، وقد روى عنه الضعفاء أحاديث مناكير، والحمل فيها عليهم، وروى عنه جماعة من أهل العراق أحاديث مشهورة"،

قلت: وقد روى عنه شعبة وكان لا يروي إلا عن العدول، وقال بقية: كنت كثيرا أسمع شعبة وهو يُسأل عن مقاتل بن سليمان فما سمعته قط ذكره إلا بخير"،

وقال الصفار: كان إبراهيم الحربي يأخذ مني كتب مقاتل فينظر فيها، فقلت له ذات يوم: أخبرني يا أبا إسحاق ما للناس يطعنون على مقاتل؟ قال: حسدا منهم لمقاتل"، وفي الميزان للذهبي:" [وقال ابن واقد] عن مقاتل بن حيان وهو صدوق ما وجدت علم مقاتل بن سليمان إلا كالبحر"،

وممن قبل روايته في المتابعات: ابن عيينة، فقد قال نعيم بن حماد: رأيت عند سفيان بن عيينة كتابا لمقاتل بن سليمان فقلت لسفيان يا أبا محمد تروي لمقاتل في التفسير قال لا ولكن أستدل به وأستعين"، وخلاصة القول فيه ما قال ابن عدي:" ولمقاتل من غير ما ذكرت من الحديث، حديثٍ صالح، وعامة أحاديثه لا يتابع عليه على أن كثيرا من الثقات والمعروفين قد حدث عنه، والشافعي محمد بن إدريس يقول: الناس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير وكان من أعلم الناس بتفسير القرآن وله كتاب الخمسمائة آية .. وفي ذلك الكتاب حديث كثير مسند وهو مع ضعفه يكتب حديثه"،

فصار حديثه هذا في القعود حسنا بطرقه الثلاثة أو الأربعة السابقة، وله شواهد أخرى:

الدليل الثالث: حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

1/ أما حديث أبي هريرة وحده: فقد قال أبو يعلى في إبطال التأويلات (مخطوط 147): قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشيرجي في كتاب السنة: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الصَّمد وَعَلِيّ بْنُ الْحَسَن وَمُحَمَّد بْن الْخَضِر مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب على عَلِي بن عبد الصَّمَدِ قَال: نا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد [الْفَارِسِي أو القادسي] نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أنا يَحْيَى بْنُ سَعِيد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحعْمُودًا} قَالَ:" نَعَم، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ حَبِيبُ اللَّهِ؟ فَأَتَخَطَّى صُفُوفَ الْمَلائِكَةِ حَتَّى أَصِيرَ إِلَى جَانِبِ الْعَرْشِ، ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ فَيَأْخُذُ بِيَدِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى الْعَرْش"،

وقد ذكر ابن صاعد بأنه موضوع، وتعقبه النجاد الحافظ بأنه لم يُبين وجه وضْعه، ثم قبله واحتج به، وقد حدّث بهذا الحديث كل من علي بن الحسن وابن الخضر وعلي بن عبد الصمد وهو علان البغدادي وهو ثقة توفي سنة تسع وثمانين ومئتين، وقد اختار أبو إسحاق لفظه، ثم روَوْا ثلاثتهم عن علي بن محمد، ولم يتبين لي جيدا في المخطوط هل هو الفارسي أو القادسي فإن الرّسم متشابه جدا، على أن القادسية كانت للفرس وهي بين الكوفة وفارس، وعليه فهو نفسه علي بن محمد القادسي صاحب الحديث السابق عن ابن عباس، وقد ذكرت هناك أنّ اسمه ابن أبي الخصيب الكوفي الذي مات سنة ثمان وخمسين ومئتين، فهو من الطبقة التي أدركت يزيد بن هارون الواسطي البغدادي أيضا، لأن يزيد بن هارون توفي سنة ست ومئتين، وجميع من سَبق من نوَاحي بغداد ومن طبقة متقاربة، وإذ ذلك كذلك فالحديث صحيح كما قال أبو بكر النجاد وبالله التوفيق.

وله متابعات أخرى من حديث أبي هريرة نفسِه ومن حديث علي رضي الله عنهما، وهذا بيانها:   

2/ قال الترمذي 3611 حدثنا الحسين بن يزيد ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد أبي خالد عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا أول من تنشق عنه الأرض فأكسى حلة من حلل الجنة ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح"،

وفيه أن القيام على العرش خاص بنبينا عليه السلام فقط، وقد ضعف الألباني هذا الحديث لأن يزيد بن عبد الرحمن صدوق يخطئ وقد نُسِب إلى التدليس، إلا أنه قد توبع على حديثه متابعة جيدة تامة فصح الحديث كما قال الترمذي:

فقال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه الأهوال: وحدثنا إسماعيل بن عبيد بن عمير بن أبي كريمة الحراني حدثني محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" يحشر الناس عراة، فيجتمعون شاخصة أبصارهم إلى السماء، يبصرون فصل القضاء، قياماً أربعين سنة، فينزل الله عز وجل من العرش إلى الكرسي فيكون أول من يدعى إبراهيم الخليل، عليه الصلاة والسلام، فيكسى قبطيتين من الجنة، ثم يقول الله عز وجل: ادعوا إليَّ النبي الأميَّ محمداً، قال: فأقوم، فأكسى حلة من ثياب الجنة. قال: ويفجر لي الحوض، وعرضه كما بين أيلة إلى الكعبة. قال: فأشرب وأغتسل وقد تقطعت أعناق الخلائق من العطش، ثم أقوم عن يمين الكرسي ليس أحد قائم ذلك المقام غيري، ثم يقال: سل تعطه واشفع تشفع، فقال رجل: أترجو لوالديك شيئاً يا رسول الله؟ قال: إني لشافع لهما، أعطيت أو منعت، وما أرجو لهما شيئاً "، 

هذا حديث غاية في الصحة كل رجاله أئمة ثقات، وأبو عبد الرحيم هو خالد بن أبي زيد ثقة، وفيه احتمال شفاعته صلى الله عليه وسلم لوالديه وقد شهد لذلك حديث ابنا مليكة عن ابن مسعود الآتي، وفيه أيضا قيام النبي عليه السلام لوحده، على يمين كرسيِّ ربه، من دون سائر خلقه والحمد لله على نعمته على نبيه، وإن رغم الراغمون، ودفع ذلك المعتدون، وله شواهد أخرى :

دليل رابع: حديث علي رضي الله عنه: ورد من وجهين أولاهما باطل، والثاني حسن:

الوجه الأول: قال الطبراني في الأوسط 4/171 حدثنا علي بن سعيد الرازي نا الحسن بن عبد الواحد الخزاز الكوفي نا إسماعيل بن صبيح اليشكري نا سفيان بن إبراهيم الحريري عن عبد المؤمن بن القاسم الانصاري عن أبان بن تغلب عن عمران بن ميثم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أنه سمع علي بن ابي طالب يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم:" ألا ترضى يا علي إذا جمع النبيين في صعيد واحد عراة حفاة مشاة قد قطع أعناقهم العطش فكان اول من يدعى إبراهيم فيكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر شعب من الجنة إلى حوضي، وحوضي أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة فاشرب وأتوضأ ثم أُكسى ثوبين أبيضين ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعى فتشرب وتتوضأ وتكسى ثوبين أبيضين فتقوم معي ولا أدعى لخير إلا دعيت له"،

ومن هذا الوجه خرجه ابن شاهين في شرح مذاهب أهل السنة قال: حدثنا محمد بن جعفر بن يزيد المطيري ثنا عبد الله بن أحمد بن المستورد ثنا إسماعيل بن صبيح به إلى [عمران بن مقسم أو ابن ميثم] عن المنهال عن عبد الله عن علي مثله،

ثم قال: تفرد علي بن أبي طالب بهذه الفضيلة، لم يشاركه فيها أحد"، لكن لم تصحَّ فضيلة القعود إلا لنبينا خاصة، والحديث بزيادة جلوس عليٍّ مع النبي عليه السلام منكرٌ وباطل، وكذلك هو بزيادة إبراهيم عليه السلام عن يمين العرش، فقد ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة سفيان بن إبراهيم الكوفى، ثم قال الذهبي: عبد المؤمن تالف أيضا، والخبر منكر جدا"،

وله علل أخرى أشدها المخالفة لحديث الثقات في المتن، فإنه عن أبي هريرة وعلي رضي الله عنه بغير الزيادة تلك كما في:

الوجه الثاني: قال أبو بكر في مصنفه 7/265 حدثنا وكيع عن سفيان عن عمرو بن قيس عن المنهال عن عبد الله بن الحارث عن علي قال:" أول من يكسى إبراهيم قبطيتين، ثم يكسى النبي صلى الله عليه وسلم حلة وهو عن يمين العرش"، وخرجه أحمد في الزهد عن وكيع به نفسه بلفظ:" وهو على يمين العرش"، وهذا حديث حسن، ليس فيه ذكر القيام على العرش لا لإبراهيم ولا لعليٍّ، بل للنبي عليه السلام خاصة، وقد رواه المنهال بن عمرو عن أبي هريرة أيضا كما سبق.  

الدليل الخامس: حديث ابن مسعود رضي الله عنه في والدي النبي عليه السلام وتبيين مقامه المحمود:

1/ قال الإمام أحمد (1/398) حدثنا عارم بن الفضل حدثنا سعيد بن زيد حدثنا علي بن الحكم البناني عن عثمان عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قال: جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَا:" إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ تُكْرِمُ الزَّوْجَ وَتَعْطِفُ عَلَى الْوَلَد.. غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة، قَال: أُمُّكُمَا فِي النَّار، فَأَدْبَرَا وَالشَّر يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُدَّا فَرَجَعَا وَالسُّرُورُ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا رَجيَا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ شَيْءٌ، فَقَال: أُمِّي مَعَ أُمِّكُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِين: وَمَا يُغْنِي هَذَا عَنْ أُمِّهِ شَيْئًا وَنَحْنُ نَطَأُ عَقِبَيْه، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ..: يا رَسُولَ اللَّه، هَلْ وَعَدَكَ رَبُّكَ فِيهَا أَوْ فِيهِمَا؟ قَال: فَظَنَّ أَنَّهُ مِنْ شَيْءٍ قَدْ سَمِعَهُ فَقَال: ما سَأَلْتُهُ رَبِّي وَمَا أَطْمَعَنِي فِيه، وإني لأقوم المقام المحمود يوم القيامة، فقال الأنصاري: وما ذاك المقام المحمود؟ قال: ذاك إذا جيء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فيقول الله: اكسوا خليلي: فيؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما ثم يقعد فيستقبل العرش، ثم أوتى بكسوتي فألبسها فأقوم عن يمينه مقاماً لا يقومه أحد غيري، يغبطني به الأولون والأخرون..

وكذلك رواه علي بن عبد العزيز عن عارم عن سعيد ين زيد عن علي بن الحكم به بلفظ:" يا رسول الله هل وعد ربك فيها أو فيهما؟ قال: تظن أنه من شيء، قال: ما سألت ربي، وإني لقائم المقام المحمود.."، وكأن فيه إشارة إلى أنه ينتظر الشفاعة فيهما إلى يوم القيامة والله أعلم.  

2/ وخالفه في الإسناد وبعض المتن: الصعق بن حزن فرواه عن علي بن الحكم فجعله عن أبي وائل: فقال الطبراني في الأوسط 3/82 حدثنا أبو مسلم حدثنا عارم أبو النعمان حدثنا الصعق بن حزن عن علي بن الحكم البناني عن عثمان بن عمير عن أبي وائل عن بن مسعود قال: جاء ابنا مليكة وفيه:" أمي مع أمكما.. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أين أبوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي عز وجل لهما، وإني لقائم المقام المحمود.."،

فأخبر أنه دعا لهما، ثم ذكر الشفاعة والمقام المحمود، كذا قال عارم،

وخالفه عبد الرحمن بن المبارك ثنا الصعق بن حزن عن علي عن عثمان عن أبي وائل عن ابن مسعود بلفظ: « ما سألتهما ربي فيعطيني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود"،

وفيه من الفقه أنه عليه السلام في الوقت الذي أخبر عن والديه أنهما في النار، فإنه لم يسأل الله تعالى لهما بعد، ثم أنه سأل الله لهما ثم ذكر مقام الشفاعة، وقال الصالحي في سبيل الهدى:"  كأنه صلى الله عليه وسلم أوَّلا لم يوح إليه في شأنها شئ ولم يبلغه الذي قالته عند موتها ولا تذكره، فإنه كان إذ ذاك ابن خمس سنين، فأطلق القول بأنها مع أمهما جريا على قاعدة أهل الجاهلية، ثم أوحى إليه في أمرها بعد ذلك، ويؤيد ذلك أن في آخر الحديث نفسه (ما سألتهما ربي) فهذا يدل على أنه لم يكن بعد وقعت بينه وبين ربه مراجعة في أمرها ثم وقع بعد ذلك".

خرج رواية الصعق هذه ابنُ شاهين والطبراني وأبو نعيم والحاكم في المستدرك (2/396) ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعثمان بن عمير هو ابن اليقظان»، وقال الذهبي: لا والله فعثمان ضعفه الدارقطنى والباقون ثقات"، قلت: وعثمان ضعفه الأكثرون لتشيعه، وأثنى على روايته آخرون، فنقل ابن عدي عن ابن أبي داود قال: سألت يحيى بن سعيد عن أبي اليقظان قال هو عثمان بن عمير قلت له فكيف حديثه فقال: صالح"، واستحسن حديثه، لكنه لم يرض شخصه لتشيعه، وكذا قال عنه البزار وابن شاهين في الثقات: صالح، وصحح له الحاكم وحسن له الترمذي، وخلاصة القول فيه ما قال ابن عدي:".. على أن الثقات قد رووا عنه، وله غير ما ذكرت ويكتب حديثه على ضعفه"، وقد توبع متابعات جيدة:

فقال الدارقطني في العلل (5/162): وروى هذا الحديث أبو إسحاق السبيعي وقد اختلف عنه فرواه شريك عن أبي إسحاق عن أبي الاحوص وعلقمة عن عبد الله، ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الاحوص عن عبد الله، وروى هذا الحديث أيضا عاصم عن زر عن عبد الله حدث به محمد بن أبان الجعفي عن عاصم"،

وكذلك روى الشق الأول داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس قال: حدثني ابنا مليكة الجعفيان قالا : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا.."،

ورواه مجالد عن عامر عن سلمة بن مليكة قال: أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا..الحديث،

3/ ولجزء القعود والقيام على العرش شواهد أخرى:

فذكر البغوي في تفسيره قال: وروي عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله عز وجل اتخذ إبراهيم خليلا وإن صاحبكم حبيب الله وأكرم الخلق على الله ثم قرأ: { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال: يقعد على العرش"،

وقد ذكر النجاد أنه رواه عاصم عن ابن مسعود، وأن ابن صاعد وابن خزيمة حكما عليه بالوضع والله أعلم برجال إسنادهما، لكن قد ورد من وجه آخر مُعتبَر:

4/ قال الذهبي في العلو 202: حديث أبي أحمد عبيد الله بن العباس الشطوي ثنا أبو العباس محمد بن سفيان الحنائي حبشون ثنا محمد بن عبد الرحيم والحسن بن حماد قالا حدثنا أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن أشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود قال:" بينا أنا عند رسول الله أقرأ عليه حتى بلغت:" عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا" قال:" يجلسني على العرش"،

قال الذهبي: هذا حديث منكر لا يفرح به وسلمة هذا متروك الحديث وأشعث لم يلحق ابن مسعود"، قلت: قد ذكر الحفاظ أنه سمع من عبد الله بن عمر،  فهو في طبقة التابعين، ولا يوجد أي دليل على أنه لم يدركه، وقد مات ابن مسعود في المدينة، فهما بلديان، وأما رد الحديث جملة بسلمة بن صالح الأحمر فليس بصحيح، فإنه مختلف في توثيقه كالتالي:

. فقد ضعفه جدا كل من ابن معين وأبو حاتم وابن حبان وابن عمار وأبو داود ولم يعتبروا بحديثه،

. بينما ضعفه آخرون نسبيا بسبب الاختلاط: منهم ابن سعد حيث قال في الطبقات:" كان قد طلب الحديث ثم اضطرب عليه حفظه فضعفه الناس"، وكذلك قال الطبري:" كان كثير الحديث غير أنه اضطرب عليه حفظه فضعف"،

 

ولذلك ضعفه نسبيا البخاريُّ وروايةٌ عن الإمام أحمد في روايته عن حماد فقط، وقال الإمام أحمد: سلمة الأحمر يحدث عن أبي إسحاق أحاديث صحاح، إلا أنه عن حماد مختلط الحديث"، وبنحوه قال البخاري،

بينما اعتبر به آخرون منهم أبو أحمد الحاكم، وكذلك ضعفه الدارقطني مرة واعتبر به، فقال في العلل (س132) عن حديث الوتر: ورواه سلمة بن صالح الأحمر عن علقمة فقال عن سعيد عن ابن عباس عن عمر وهو أشبه بالصواب وإن كان سلمة ضعيف"،

بينما وثقه مرة أخرى فيما قاله الحاكم قلت للدارقطني: سلمة بن صالح ؟ فقال: ثقة"، وقال عنه ابن عدي بعد أن استقرأ أحاديثه:" هو حسن الحديث ولم أر له متنا منكرا إنما أرى ربما يهم في بعض الأسانيد"، قلت: وما كان هذا شأنه فحديثه من قبيل الحسن أو الحسن لغيره، لأنه رواه قبل الاختلاط، لأن هذا الحديث عن غير حماد.

وعليه فهذا الحديث صحيح لغيره، للجهالة بحال محمد بن سفيان، فقد ترجمه السمعاني والخطيب وقال: روى عنه الزبيبي والشطوي وعلي بن محمد الوراق"، وعبيد الله، قال ابن ماكولا: من أهل بغداد"، ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا، فلئن لم يُوثقه أحد فهو مجهول الحال لرواية الجمْعِ عنه، وعليه فيُقبل في الإعتبار، و قد مضى من تابعه، ولحديثه شواهد أخرى:

الدليل السادس: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه في بيان مكان قيامه عليه السلام عند الكرسي ثم عند العرش: له طريقان: أحدهما حسن صالح:

1/ ذكره السيوطي في الدرر المنثور قال: وأخرج ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما المقام المحمود الذي ذكر لك ربك؟ قال : يحشر الله الناس يوم القيامة عراة غرلاً ، كهيئتكم يوم ولدتم ... هالهم الفزع الأكبر وكظمهم الكرب العظيم، وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة ، فأكون أول مدعى وأول معطى، ثم يدعى إبراهيم عليه السلام قد كسي ثوبين أبيضين من ثياب الجنة، ثم يؤمر فيجلس في قبل الكرسي، ثم أقوم عن يمين العرش ... فما من الخلائق قائم غيري ، فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون"،

كذا زاد في الحديث جلوس إبراهيم عليه السلام قبل الكرسي، وهي زيادة مجهولة، والقيام على الكرسيّ من خصوصيات نبينا الكريم فقط كما في سائر الأحاديث، إلا أن يقال أن إبراهيم يجلس تحت الكرسي، ونبينا فوقه، وقد جاء ذلك على الصواب في رواية ابن ثوبان وبالله التوفيق:

2/ فقال الطبراني في مسند الشاميين: حدثنا محمد بن جعفر بن سفيان الرقي ثنا أيوب بن محمد الوزان ثنا الوليد بن الوليد ثني ابن ثوبان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ما المقام المحمود الذي ذكره لك ربك ؟ فقال:« يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، كهيئتهم يوم ولدوا وقد هالهم الفزع الأكبر، وكظمهم الكرب العظيم وبلغ الرشح أفواههم وبلغ بهم الجهد والشدة، فأكون أول مدعو وأول معطى، ثم يدعى إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيكسى ثوبين أبيضين من ثياب الجنة، ثم يُؤْمَر فيجلس بي قبل الكرسي وأقوم عن يمين الكرسي فما من الخلائق قائم غيري فأتكلم فيسمعون وأشهد فيصدقون"،

في إسناده الوليد القلانسي مختلف فيه، فقال الدارقطني والمقدسي: متروك"، وجرحه ابن حبان مرة، ووثقه أخرى، وقال أبو حاتم:" هو صدوق ما بحديثه بأس، حديثُه صحيح"،

وعليه فإن حديثه هذا حسن لأنه يُقبل جدا ـ خاصة في المتابعات ـ لتوثيق أبي حاتم له وهو من المتشددين ومن أقربهم طبقة وعلمًا به، ولحديثه شواهد أخرى:

الدليل الثامن: خبر رويفع رضي الله عنه: رواه الناس والثقات عن ابن لهيعة عن شيخين:

الأول: عن بكر بن سوادة:

1/ قال الآجري في الشريعة: باب ذكر ما خص الله عز وجل به النبي صلى الله عليه وسلم من المقام المحمود يوم القيامة، قال:".. وأعطاه المقام المحمود يزيده شرفا وفضلا، جمع الله الكريم له فيه كل حظ جميل من الشفاعة للخلق، والجلوس على العرش، خص الله الكريم به نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأقر له به عينه يغبطه به الأولون والآخرون، قال: ـ وهذه ـ الكرامة العظيمة والفضيلة الجميلة تلقاها العلماء بأحسن القبول فالحمد لله على ذلك: ثم ذكر أحاديث وقال: حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ثنا أحمد بن يحيى الأودي ثنا زيد بن الحباب ح  قال ابن صاعد: وحدثنا أحمد بن منصور بن سيار ثنا ابن أبي مريم قالا: حدثنا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم الحضرمي عن وفاء بن شريح الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« من قال: اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي»، قال ابن صاعد: وهذه الفضيلة في القعود على العرش لا ندفعها ولا نماري فيها، ولا نتكلم في حديثٍ فيه فضيلةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء يدفعه ولا ننكر"،

2/ وكذلك استدل به الخلال في السنة 315 على القعود فقال: حدثنا أبو بكر ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا ابن لهيعة حدثني بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء الحضرمي عن رويفع بن ثابت عن النبي أنه قال:" من صلى على محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي"،

3/ وقال أحمد (4/108) نا حسن بن موسى ثنا بن لهيعة ثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم به مثله، وقال ابن كثير: وهذا إسناد لا بأس به ولم يخرجوه"،

وفيه ابن لهيعة ضعيف مختلط، لكن روى عنه هذا الحديث كل من عبد الله بن يوسف وعبد الله المقرئ وزيد بن الحباب قبل الإختلاط، فصار الحديث حسنا، وقد احتج به الإمام الحافظ ابن صاعد والآجري والخلال:

4/ فقال الطبراني في الأوسط (3/321) حدثنا بكر بن سهل نا عبد الله بن يوسف نا ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم به،

الشيخ الثاني: عن ابن هبيرة:

5/ حيث رواه عبد الله المقرئ فجعله عن ابن هبيرة، فقال الطبراني في الكبير (5/26)4481 حدثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقري ثنا ابن لهيعة حدثني ابن هبيرة عن زياد بن نعيم عن وفاء بن شريح عن رويفع بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من قال اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة شفعت له"، تابعه أبو نعيم في الصحابة عن أبي علي عن بشر.

وقال البغوي في الصحابة من ترجمته حدثنا هارون بن عبد الله نا عبد الله بن يزيد قال حدثني ابن لهيعة قال حدثني عبد الله بن هبيرة الشيباني عن زياد بن نعيم الحضرمي عن وفاء بن شريح عن رويفع بن ثابت الأنصاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال اللهم صل على محمد وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة شفعت له ".

قال الهيثمي (ج1 ص163): رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير وأسانيدهم حسنة"، وكذلك حسنه ابن كثير، وحسنه المنذري في الترغيب 2/505 ، والصالحي في سبيل الهدى والرشاد، إلا أنّ وفاء بن شريح وثقه ابن حبان وحده، وقال الحافظ: مقبول، وإنما حسَّنَوه لأن هذا الحديث يقبل في الشواهد والمتابعات وهي كثيرة، وفيه من الاعتقاد ما قاله الصالحي: قيل: المراد بالمقعد المقرب المقام المحمود وجلوسه على العرش، والمراد به الوسيلة، وقال الطيبي: إن له صلى الله عليه وسلم مقامين مختصين به، أحدهما مقام حلول الشفاعة والوقوف على يمين الرحمن حيث يغبطه فيه الأولون والآخرون، وثانيهما مقعده من الجنة ومنزله الذي لا ينزل بعده"، وقد مر كلام الحافظ الخلال والنجاد عليه.

دليل تاسع: حديث جابر:" من قال إذا سمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة آت محمدًا الوسيلة وابعثه المقعد المقرب الذى وعدته وجبت له الشفاعة"، طكره السيوطي وغيره وقالوا:" رواه الدارقطنى فى الأفراد عن جابر ".

الدليل العاشر: حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه في الجلوس على كرسي الرب:

1/ قال الخلال في السنة 238 نا المروذي نا أبو بكر بن صدقة نا ابن أبي صفوان نا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِي ثنا سَلمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَكْرَاوِي ثنا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِي ثَنَا سَيْفٌ السَّدُوسي سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ قَالَ:" إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جِيءَ بِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُجْلِسَهُ بَيْنَ يَدَيْه [ على الكرسيّ ]"، قَال: فَقُلْتُ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ , فَإِذَا أَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ مَعَه, قَال: وَيْلَك مَا سَمِعْتُ حَدِيثًا قَطُّ أَقَرَّ لِعَيْنَيَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ عَلِمْتُ أَنَّهُ يُجْلِسُهُ مَعَهُ"، لفظ حديث أبي داود: ".. نزل الجبار على عرشه، وقدميه على الكرسي، ويؤتى بنبيكم فيقعد بين يديه على الكرسي"،

وهذا حديث حسن متصل، كل رجاله ثقات غير سيف السدوسي وهو أبو عائذ السعدي وهو صدوق،

ومن الدليل على أنه هو ما قاله الدولابي في الكنى فيمن كنيته أبو عائذ : حدثنا أبو بكر بن علي قال : حدثنا يحيى بن أيوب: حدثنا ابن علية: حدثنا سعيد الجريري عن أبي عائذ سيف السعدي وأثنى عليه خيرا ، عن يزيد بن البراء ، وكان أميرا بعمان ، وكان خير الأمراء »

قال عبد الله بن أحمدة في العلل (2818: سمعتُ أَبي يقول: حدثنا إسماعيل -يعني ابن علية-. قال: حدثنا سعيد الجريري، عن أبي عائذ سيف السعدي، وأثنى عليه خيرًا، عن يزيد بن البراء عازب. قال: وكان أميرًا بعمان، وكان كخير الأمراء.

ومن الدليل على أن سيفا صدوق، ثناء تلميذه عليه، واحتجاجه بحديثه حتى في العقيدة، وهو من أعلم الناس به، وهذا توثيق ضمني كالصريح، وكذلك وثقه ابن حبان وابن قطلوبغا، وقال البخاري في ترجمته: " سماه ابن علية عن الجريري وأثنى عليه خيرا "، وهذا يعني الثناء عليه في روايته وصلاحه معا، وكذلك احتج به

2/ وصحح له الإمام  عبد الله بن أحمد بن حنبل فقال في السنة له: كتب إلي العباس العنبري بخط يده حدثنا يحيى بن كثير العنبري ثنا سلم بن جعفر وكان ثقة عن الجريري عن سيف السدوسي عن عبدالله بن سلام قال:" إن رسول الله يوم القيامة قاعد على كرسي الرب بين يدي الرب عز وجل"، فقيل لأبي مسعود: إذا كان على كرسي الرب فهو معه؟ قال: نعم مع الرب، ثم قال: هذا أشرف حديث سمعته قط"، قال عبد الله بن الإمام أحمد:" وأنا منكر على من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم على رسول الله"،

وقد خرجه العلماء في كتبهم واحتجوا به على القعود، منهم الخلال والنجاد والمروذي وأبو يعلى والآجري وابن بطة، وذكره ابن أبي عاصم في السنة (2/365)، بينما أعله الشيخ الألباني في تخريج السنة 786 بجهالة سيف السدوسي، ـ وقد مرّ توثيقه ـ ثم قال الألباني:" وقد وجدت لهذا الحديث طريقا آخر عن عبد الله بن سلام يرويه عنه بشر بن شغاف في حديث له طويل موقوف"،

3/ وهو ما خرجه الحاكم في مستدركه 4/568 قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا محمد بن غالب ثنا عفان ومحمد بن كثير قالا: ثنا مهدي بن ميمون ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن سلام قال: وكنا جلوسا في المسجد يوم الجمعة فقال:« إن أعظم أيام الدنيا يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة، وإن أكرم خليقة الله على الله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم»... وفيه:".. إذا كان يوم القيامة بعث الله الخليقة أمة أمة ونبيا نبيا حتى يكون أحمد وأمته آخر الأمم مركزا، قال: فيقوم فيتبعه أمته برها وفاجرها، ثم يوضع جسر جهنم فيأخذون الجسر فيطمس الله أبصار أعدائه فيتهافتون فيها من شمال ويمين وينجو النبي صلى الله عليه وسلم والصالحون معه فتتلقاهم الملائكة فتوريهم منازلهم من الجنة على يمينك على يسارك حتى ينتهي إلى ربه عز وجل فيلقى له كرسي عن يمين الله عز وجل..."،

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وليس بموقوف فإن عبد الله بن سلام على تقدمه في معرفة قديمة من جملة الصحابة، وقد أسنده بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع والله أعلم"، ووافقه على تصحيحهِ الذهبيُّ، وخالفهما الألباني فقال:" ليس في إسناده ما يمكن التعلق به عليه إلا أنه من رواية محمد بن غالب وهو حافظ ثقة لكنه وهم في أحاديث كما قال الدارقطني فلا أدري لعل هذا الحديث مما وهم في متنه.."،

وليس كما ظنّ رحمه الله، فإنه ثقة مجتمع عليه، ومع ذلك فلم يتفرد بالحديث، بل له متابعات كثيرة،

4/ فروى هذا الحديث كل من موسى بن إسماعيل وعبد العزيز بن أبان وعبد الله بن محمد والحجاج بن المنهال إضافة إلى عفان ومحمد بن كثير وأسد بن موسى في الزهد سبعتهم عن مهدي بن ميمون عن ابن أبي يعقوب بهذا،

5/ تابعه عليه معمر بن راشد عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب بالحديث، وقد خرجته بطرقه في مبحث استحباب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وللقعود شواهد أخرى:

المطلب الثاني: أدلة صريحة مختلف فيها:

وابتداء من هذا الحديث الآتي وهو حديث عائشة وما بعده: فقد حكم عليهم ابن خزيمة وابن صاعد وغيرهما بالوضع، كما سيأتي في الفصل القادم، وتعقبهما أبو بكر النجاد والقاضي أبو يعلى بأنهما لم يبينا وجه الوضع فيها، ومن ثَمّ قبلوها واحتجوا بها، فلما اختلفوا في ذلك نظرتُ، فوجدتُ أن دراسة هذه الأسانيد من أصعب الأسانيد وأغمضها، وقد مكثت فيها عدة سنوات أبحث وأوصي وأراجع في الكتب، لأعرف هل هذه الأحاديث من قبيل الموضوع إن كان في رواتها من قد اتُّهم، أو أنها من الأحاديث الضعيفة التي يُعتبر بها إذا لم يكن في رواتها من اتهم، وقد توصلت لما سأذكر، وأستغفر الله من الخطإ والزلل والتقصير، وهذه الأحاديث هي:

حديث أول: حديث عائشة رضي الله عنها: قال أبو يعلى في إبطال التأويلات: نا أَبُو الْقَاسِمِ نا عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ التَّمَّارُ نا أَبُو بَكْرٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي مَعْمَر نا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبِ بْنِ الْحَكَمِ الأَشْعَرِي الْبَصْرِي حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ حَرْب عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَة عَنْ أَبِيه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ: " وَعَدَنِي رَبِّيَ الْقُعُودَ عَلَى الْعَرْش"، أبو القاسم ثقة، وعلي بن عمر علي بن إبراهيم التمار البغدادي، وثقه الخطيب وقال: قال لي الأزهري والخلال: توفى في ربيع الأول سنة اثنتين وأربع مِئَة"،

- وأما ابن أَبِي مَعْمَر فهو الدوري الصَّفَّارُ، قال الخطيب: واسم أبي معمر محمد بن حزر بن سهل بن الهيثم أبو بكر الدوري الصفار، كان له دكان بباب الطاق في الصفارين وحدث عن يوسف بن أحمد بن حرب الأشعري، حدثنا عنه أبو الحسن بن الحمامي المقرئ وعلي بن الحسين بن دوما النعالي"، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد ذكر أنه روى عنه اثنان، وكذلك روى عنه علي التمار وعلي بن أحمد بن عمر المقرئ وعمر بن إبراهيم المقرئ وعمر بن أحمد بن عثمان، وقد قال محمد بن أبي الفوارس:  توفي أبو بكر عمر بن أحمد الصفار يعرف بابن أبي معمر.. سنة خمسين وثلاث مِئَة"، فأشار إلى أنه معروف، وترجمه الذهبي في تاريخه،

- وأما يوسُف بْن أَحْمَدَ بْن حَرْب وأبوه فلم أجد من ترجمهما بعد سنوات من البحث عنهما، إلا ما ذكره الخطيب سابقا، وخرج عن ابن أبي معمر الصفار حدثنا يوسف بن حرب الأشعري من ولد أبي موسى، فهما علة هذا الحديث، وكونهما غير مُتّهمين ولا مجروحين، فأرجو أن يُقبَل حديثهما في الشواهد، وهي كثيرة كما مرّ وسيأتي:

حديث ثاني: حديث أنس رضي الله عنه: قال أبو يعلى: نا أَبُو الْقَاسِم نا عَلِيُّ بْنُ عُمَر نا عُمَرُ بْنُ أَحْمَد نا يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَرْب نا موسَى بْنُ إِسْمَاعِيل الْمِنْقَرِي نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ لِي:" الْقُعُودُ عَلَى الْعَرْش"،

يوسف وأبوه سبق وأن ذكر أني لم أجد من ترجمهما ولم يُتهما، فليس حديثهما من قبيل الموضوع أبدا عند أهل المصطلح.

حديث ثالث: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قال أبو يعلى في إبطال التأويلات: ناه أَبُو الْقَاسِم نا أَبُو الْفَتْح بْنُ أَبِي الْقَوَارِير[ أو أبي الفوارس] نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَبُو الطَّيِّبِ الْكَاتِب نا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَادَا نا أَبُو عُثْمَانَ سَعيِدٌ أَخُو إِبْرَاهِيمَ الْقَارِئ نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي مَسْعُود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيس عَنْ عُبَيْدِ اللَّه عَنْ نَافِع عَن ابْنِ عُمَر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِير"،

أَبُو الْقَاسِمِ هو عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَد ثقة بغدادي، ولد سنة 356، ومات في سنة 444 ، وشيخه الذي من طبقته هو أبو الفتح بن أبي الفوارس ثقة بغدادي معروف ولد سنة 338 وتوفي سنة 412، أما احتمال كونه ابن أبي القوارير، فتصحيف لتشابه الرسم كما في المخطوطة، ولا يوجد راوٍ بهذا الإسم،

- وأما أبو الطيب فهو محمد بن جعفر بن بكار أبو الطيب الكاتب، قال الخطيب في تاريخ بغداد: ذكر أبو القاسم بن الثلاج أنه حدثه عَن أبي قلابة الرقاشي"، وكذلك حدث عنه أبو الفتح فارتفعت جهالة عينه،

- وأما يزيد بن محمد فأظن أن اسمه قد انقلب على الراوي، وصوابه محمد بن يزيد، وهو الحزامي الكوفي البزاز الذي خرج له البخاري، وقال ابن حجر في التهذيب: ذكره ابن حبان في الثقات... وقال أبو حاتم: مجهول لا أعرفه"، وقال ابن حجر: صدوق،

يؤكد الذي قلته ما خرجه ابن أبي شيبة في العرش ر89 قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيد حدثنا سعيد بن عَبْدِ الَرزَّاق عَنْ ثَوْر.."، وسعيد هذا ذكر المحقق أنه لم يجد له ترجمة، ولا أنا بعد طول بحث، فهو مجهول، وإن كان أخوه هو الثقة البغدادي إبراهيم بن عبد الرزاق الضرير المقرئ، والحاصل أن سعيد بن عبد الرزاق إما أن يكون روى عنه اثنان فترتفع جهالة عينه إن لم يكن قلبا في الإسم، وإن كان مقلوبا كما ذكرت، فهو مجهول العين، وهو العلة القادحة في هذا الإسناد، ولم يُتهم فلا يحل أن يقال عن حديثه أنه موضوع، خاصة وأنه قد توبع، وبقية الإسناد ثقات:

حديث رابع: قال أبو يعلى: نا أَبُو الْقَاسِم نا عَلي نا عُمَر نا يُوسُف نا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّان قَال ابْنُ عَوْن عَنْ نَافِع عَن ابن عُمَرَ قَالَ: قَال عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا أَوْعَدَهُ رَبُّهُ جَلَّ اسْمُهُ فَقَالَ:" أَوْعَدَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ وَهُوَ الْقُعُودُ عَلَى الْعَرْش"،

وقد مر ذكر رجاله وهم عدول إلا يوسف بن حرب فلم أجده، وهو من سلالة أبي موسى الأشعري، ولم يُتهم وأرجو أن يقبل حديثه في المتابعات فما أكثرها:  

وقد ذكر السيوطي في الدرر أن ابن مردوية قد خرج هذا الحديث عن ابن عمر في تفسيره والله وحده أعلم بإسناده، فإن الكتاب مفقود.

حديث خامس: مرسل المكيين: قال الخلال 306 حدثنا أبو بكر ثنا محمد بن هشام مستملي بن عرفة ثنا الحسن بن عرفة عن علي بن ثابت الجزري عن غالب بن عبيد الله العقيلي قال: حدثني المكيون ذكر منهم عطاء وعمرو بن دينار: أن الله عز وجل يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب مثله فيقوم نبينا محمد فيثني على الله بما هو أهله قال فيقول الله عز وجل له: ادنه، قال: ثم يغضب فيقوم نبينا فيثني على الله بما هو له أهل، فيقول له: ادنه، فلا يزال يقول له: ادنه حتى يقعده على العرش، قال: وجبريل عليه السلام قائم فيقول النبي إن هذا يعني جبريل جاءني برسالاتك فيقول الله تبارك وتعالى صدق"،

غالب بن عبيد الله لا يُعتبر بحديثه.

المطلب الثالث: ذكر أدلة القعود من المعقول مما يوافق المنقول:

ذلك أن الرب الذي عرج بنبيه في هذه الحياة الدنيا إلى السماوات العلى إلى العرش عند سدرة المنتهى، لهو أقدر وأجل أن يرفعه يوم القيامة للمقام المحمود فوق العرش تكرمة لنبيه،

قال أبو يعلى في الاستدلال للقعود: قال النجاد: والقرآن والسنة يشهدان لذلك بقوله تَعَالَى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وحديث الإسراء وأنه " وضع يده بين كفيه " وقوله:" عرج بي فلما ظهر لي المستوى أقامني فِي موضع أسمع فِيهِ صريف الأقلام بين يدي الرَّحْمَنِ"،  فليس فِي روايتها مَا يخالف الأصول"،

فإن قال منكرٌ بأن العرش خاص بالربوبية، قيل له: هذا باطل، لما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة مرفوعا:" إن الله لما قضى الخلق كتب عنده في كتاب فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي"، وكذلك ثبت أن الرحم يوم القيامة متعلقة بحقو الرحمن، والنبي عليه السلام أشرف من الرحم، ومن ذاك الكتاب، فهو صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي أولى بذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالث: ذكر الأدلة على تصحيح حديث القعود من الإجماعِ، والإنكارُ على المُخالف:

فيه مباحث:

المبحث الأول: تصريح بعض السلف أنه لا يصح في الباب إلا بعض الأحاديث:

1/ منهم الإمام يحي بن صاعد: فإنه ضعف بعض الأحاديث وصحح أخرى، وأنكر على من رد فصيلة القعود:

قال القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات: فإن قِيلَ: فقد ذكر أَبُو بكر النجاد فيما كتب به إلي أَبُو الحسن بْن جداء العكبري فِي جزء خرج فِيهِ أحاديث:" ومن الفرق الهالكة من أنكر أن اللَّه وعد نبيه أن يقعده المقعد المقرب عنده عَلَى العرش، وَهُوَ المقام المحمود، وَذَكَرَ حديث ابن عباس:" يقعده عَلَى العرش"، وحديث عبد اللَّه بْن سلام وحديث مجاهد، ثُمَّ قَالَ أَبُو بكر: سألت أَبَا محمد بْن صاعد عَن عبيد اللَّه بْن عبد اللَّه بْن عمر عَن نافع عَن ابن عمر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: " يقعدني عَلَى العرش"، قَالَ: هَذَا حديث موضوع لا أصل لَهُ، وأما حديث يزيد بْن هارون عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله : {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} قَالَ: " يقعدني معه عَلَى العرش " فحديث موضوع لا أصل لَهُ، وأما حديث عاصم عَن زر عَن ابن مسعود قَالَ:" إن اللَّه تَعَالَى اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وإن محمد سيد ولد آدم يوم القيامة، ثُمَّ قرأ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}"، فمن زاد غير هَذَا فقد أبطل"،

فهذا من ابن صاعد تضعيفٌ لهذه الطرق فقط، وإلا فقد مر تصحيحه لحديث رويفع السابق، وذلك فيما خرجه الآجري في الشريعة قال: حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ثنا أحمد بن يحيى الأودي بحديث:" وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة"، ثم قال ابن صاعد: وهذه الفضيلة في القعود على العرش لا ندفعها ولا نماري فيها، ولا نتكلم في حديثٍ فيه فضيلةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء يدفعه ولا ننكر"، هذا مع قبوله لحديث ابن عباس وابن سلام.

2/ ومنهم الباغندي:

قال أبو يعلى: وَقَال أَبُو بكر النجاد: سألت أَبَا بكر الباغندي فَقَالَ: كل هَذِهِ الأحاديث باطلة ليست بمحفوظة غير حديث مجاهد، وسألت أَبَا إسحاق بْن جابر وأبا العباس بْن سريج وأبا علي بْن خيران وأبا جعفر بْن الوكيل وأبا الطيب بْن سلمة وكل كتب بيده: إن هَذِهِ الأحاديث لا أصل لَهَا إِلا مَا رَوَاهُ ابن فضيل عَن ليث عَن مجاهد"،

3/ وقَالَ أَبُو بكر النجاد: وكتب إليَّ محمد بْن عبدان، وإلى أَبِي يعلى، وإلى أبِي زكريا بْن يَحْيَى الساجي، وإلى أحمد بْن محمد بْن مكرم، وإلى سهل بْن نوح البصري، وإلى أَبِي أحمد بْن محمد المروزي، وإلى أَبِي العباس بْن السراج، وإلى محمد بْن إسحاق بْن خزيمة، وكتبهم عَلَى ألفاظ وجميعها واحد، أن من حدث بهذه الأحاديث يستغفر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فهي باطلة لا أصل لَهَا، إِلا مَا حدث محمد بْن فضيل عَن ليث عَن مجاهد، إِلا أن محمد بْن إسحاق بْن خزيمة قَالَ: من رَوَى عَن ابن مسعود وعن عبد اللَّه بْن عمر فقد رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكذب والأباطيل، ومن تعمد رواية الكذب عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان داخلا فِي وعيد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من كذب علينا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وَلا يسع الإمام العادل أن يدع من يروي مثل هَذَا الكذب عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ صراحا أن يقيم ببلد الإسلام".

قلت: أما حديث عائشة وابن عمر وابن هارون الذين حكموا بوضعهم، فقد بينت أن ليس فيها متهما ولا ضعيفا جدا، وأما حديث ابن عباس فهو عنه حسن، وكذلك هو حديث ابن مسعود الذي ذكرته، على أن الحافظ النجاد وغيره قد اشترط عليهم تبيين وجه الوضع لتلكم الأحاديث كما سيأتي، وقد يحتمل أنهم قد حكموا على طرقها الضعيفة التي وصلتهم فقط، ولم تبلغهم بقية الطرق والأحاديث الأخرى، إلا أن الجميع متفقون جملةً على صحة أصل حديث القعود على العرش والحمد لله رب العالمين كما في:

المبحث الثاني: تصريح السلف بصحة الحديث جملة أو بصحة حديث معين، والبيانُ على أن الأمة قد تلقت حديث القعود بالقبول وإنكارهم على المخالف:

1/ / قال الإمام إسحاق بن راهويه: الإيمان بهذا الحديث والتسليم له",

2/ وقال أبو يعلى: قال أبو بكر النجاد: من طعن عَلَى هَذِهِ الأحاديث وأنكرها لا يلزم قبول قوله حتى يبين وجه الطعن، وقد روينا طرقها وأسانيدها، وقد قَالَ أحمد ـ بن حنبل ـ: لَمْ يُروَ هَذَا عَن مجاهد وحده، هذا عَنِ ابْنِ عَبَّاس، وخرج فِي ذلك أحاديث وقرأها عَلَى أصحابه وَهُوَ أعرف بصحة الحديث ممن تقدم ذكره ممن أنكرها"،

3/ وكذلك قال القاضي أبو يعلى الحنبلي:" وقد صرح ـ أحمد بن حنبل ـ بالأخذ بالحديث عَلَى ظاهره وأنكر عَلَى من رده"،

4/ وكذلك صححه عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل فقال: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحدا من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية وأنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو متهم على رسول الله".

5/ وأورد ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة عن ابن بطة قال: حدثنا أبو بكر النجاد وسألت أبا يحيى الناقد ويعقوب المطوعي وعبد الله بن أحمد بن حنبل وجماعة من شيوخنا فحدثوني بحديث محمد بن فضيل، وقال النجاد: وعلى ذلك من أدركت من شيوخنا أصحاب أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فإنهم منكرون على من رد هذه الفضيلة ولقد بين الله ذلك على ألسنة أهل العلم على تقادم الأيام فتلقاه الناس بالقبول فلا أحد ينكر ذلك ولا ينازع فيه"، وقال النجاد: فهذا مذهبنا وديننا واعتقادنا وعليه نشأنا ونحن عليه إلى أن نموت إن شاء الله، فلزمنا الإنكار على من رد هذه الفضيلة التي قالها العلماء وتلقوها بالقبول فمن ردها فهو من الفرق الهالكة"،

6/ وبنحوه ذكر أبو يعلى وقال:" لمْ نعول فِي هَذَا عَلَى قول مجاهد وحده، وقد روينا ذلك مفسرا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حديث ابن عمر وعائشة وابن مسعود وابن عباس وقول مجاهد فِي ذلك رجحان"،

7/ وقال أيضا:" وذَكَرَ أَبُو بكر المروذي فِي مختصر كتاب الرد عَلَى من رد حديث مجاهد قال:" سألت أَبَا عبد اللَّه أحمد عن الأحاديث الَّتِي تردها الجهمية فِي الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش، فصححها أَبُو عبد اللَّه وَقَالَ: قد تلقتها الأمة بالقبول تمر الأخبار كَمَا جاءت"، وقال أبو يعلى في الاعتقاد:" وقال ابن عمير: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وسئل عن حديث مجاهد:" يُقعد محمداً على العرش"، فقال: قد تلقته العلماء بالقبول، نسلم هذا الخبر كما جاء", يعني أن حديث مجاهد وإن كان في الأصلِ ضعيفا مرسلا إلا أن تلقي الأمة له بالقبول مع شواهده صار الحديث صحيحا،

8/ وكذلك صححه الأصبهاني الحافظ: فقال الخلال في السنة: حدثنا أبو بكر قال لي إبراهيم الأصبهاني: هذا الحديث صحيح ثبت حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة لا يرده إلا أهل البدع وطعن على من رده",

9/ وقال إبراهيم الأصبهاني: هذا الحديث حدث به العلماء منذ ستين ومائة سنة ولا يرده إلا أهل البدع", قال: وسألت حمدان بن علي عن هذا الحديث؟ فقال: كتبته منذ خمسين سنة وما رأيت أحدا يرده إلا أهل البدع",

10/ وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: بلغني عن بعض الجهال دفع الحديث بقلة معرفته في رده مما أجازه العلماء ممن قبله ممن ذكرنا ولا أعلم أحدا ممن ذكرت عنه هذا الحديث إلا وقد سلم الحديث على ما جاء به الخبر", 

11/ بل هو قول عشرات الآلاف من أهل الحديث: كما قال المروذي: سمعت أبا بكر بن صدقة يقول قال إبراهيم الحربي يوما وذكر حديث ليث عن مجاهد فجعل يقول:" هذا حدث به عثمان بن أبي شيبة في المجلس على رؤوس الناس فكم ترى كان في المجلس عشرين ألفا فترى لو أن إنسانا قام إلى عثمان فقال لا تحدث بهذا الحديث أو أظهر إنكاره تراه كان يخرج من ثم إلا وقد قتل"، قال أبو بكر بن صدقة: وصدق ما حكمه عندي إلا القتل",

12/ وكذلك قَبِلَهُ الحافظ أبو بكر بن إسحاق الصاغاني وقال:" لا أعلم أحدا من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي من ردّ حديث .. مجاهد, قال: وقد أتى علي نيف وثمانون سنة ما علمت أن أحدا رد حديث مجاهد إلا جهمي، وقد جاءت به الأئمة في الأمصار وتلقته العلماء بالقبول منذ نيف وخمسين ومائة سنة",

13/ وقال أبو بكر يحيى بن أبي طالب:"ولا علمت أحدا رد حديث مجاهد.. رواه الخلق عن ابن فضيل عن ليث عن مجاهد واحتمله المحدثون الثقات وحدثوا به على رؤوس الأشهاد لا يدفعون ذلك, يتلقونه بالقبول والسرور بذلك وأنا فيما أرى أني أعقل منذ سبعين سنة والله ما أعرف أحدا رده",

14/ وكذلك احتج به مصححا له محمد بن الحسين الآجري، وقد سبق ذكر كلامه، وقال أيضا: وأما حديث مجاهد في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم ، وتفسيره لهذه الآية : أنه يقعده على العرش ، فقد تلقاها الشيوخ من أهل العلم والنقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلقوها بأحسن تلق وقبلوها بأحسن قبول ولم ينكروها، وأنكروا على من رد حديث مجاهد إنكارا شديدا وقالوا: من رد حديث مجاهد فهو رجل سوء"، قال: فمذهبنا والحمد لله قبول ما رسمناه في هذه المسألة مما تقدم ذكرنا له، وقبول حديث مجاهد، وترك المعارضة والمناظرة في رده، والله الموفق لكل رشاد والمعين عليه"،

15/ وكذلك صححه ابن العلاف الضرير، وأنشد في ذلك أبياتا كما ذكر أبو يعلى.

16/ وكذلك صححه الإمام الدارقطني، ثبت ذلك عنه من طريقين: فقال أبو محمد الدشتي الحنبلي في كتاب إثبات الحد لله وأنه قاعد على عرشه (نقلته من المخطوط): أنشدنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن خليل نا أبو القاسم بن بوش نا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش أنشدنا أبو طالب محمد بن علي الحربي أنشدنا الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله قال : حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسنده .. فأما حديث إقعاده.. على العرش فلا نجحده . أمروا الحديث على وجهه... ولا تدخلوا فيه ما يفسده .. و لا تنكروا أنه قاعد .. ولا تجحدوا أنه يقعده"،

هذا نقل صحيح عن الدارقطني وكل رجاله ثقات عدول، وابن بوش هو يحيى بن أسعد مكثر صحيح السماع، إلا أن الألباني كما ضعف حديث القعود، فكذلك ضعف هذا النقل وقال: لا يصح من أجل أبي العز هذا، وقال: قد أورده ابن العماد في وفيات سنة 526 وقال: قال عبد الوهاب الأنماطي: كان مخلطا "، قلت: وأظنه تصحيف من قوله:" كان مخلصا"، وهو الصواب.

وقد قال ابن الجوزي: أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ سمعت إبراهيم بن سليمان الورديسي سمعت أبا العز بن كادش يقول: وضعت أنا حديثاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقر عندي بذلك"،

ولذلك اتهمه ابن النجار، لكن الذهبي قال في الميزان:" أقر بوضع حديث وتاب وأناب"، قلت: ومع توبته إلا أنه ربما يقصد من قوله: وضعت حديثا"، أي أنه أدخله في كتبه، مع علمه بوضعه ولم يُبين أمره، وهذا جرح لكنه غير قادح، وإنما دفعني لهذا التأويل لأن أبا العز هذا معروف من رواة كتب الحديث، وعامة طرق المتأخرين عنه، وقد ثبتت عدالته بيقين، فقد قَال عنه السَّمْعَانِي: فَذَكَرتُ هَذَا لأَبِي القَاسِم ابن عساكر الدِّمَشْقِيّ ـ وهو تلميذه ـ فَأَنْكَرَهُ غَايَةَ الإِنْكَار، وَقَالَ: كَانَ صَحِيْحَ السَّمَاع.. وَأَثْنَى عَلَى أَبِي الْعِزّ"، وقال ابن الجوزي في المنتظم:" وكان مكثرا ويفهم الحديث وأجاز لي جميع مسموعاته قد أثنى عليه جماعة منهم أبو محمد بن الخشاب"، وقال ابن السمعاني: شيخ مسند سمع بنفسه، وكان يفهم، وأجاز لي"، فهؤلاء تلاميذه وهم أعلم الناس به، وقد وثقوه وأثنوا عليه. وقال ابن الأثير:كان محدثاً مكثراً"، وقال ابن كثير: سمع الحديث الكثير وكان يفهمه ويرويه وهو آخر من روى عن الماوردي، وقد أثنى عليه غير واحد منهم أبو محمد بن الخشاب.."،

. ثم إنه قد توبع: فقال أبو يعلى: وقد أنشد أَبُو طالب بْن العشاري هَذِهِ الأبيات عَن الدارقطني"،

على أن هذا ليس حديثا مرفوعا حتى نشترط فيه ذاك الضبط والإتقان، كما هو معروف من صنيع أهل الحديث، وممن جزم بنسبة الشعر للدارقطنيِّ ابنُ كثير وابن القيم، وقال أبو يعلى: وقد أنشد أَبُو الحسن الدارقطني شعرا يدل عَلَى صحة هَذِه الأحاديث عنده وَهُوَ حافظ وقته"اهـ    

17/ وقال الحافظ ابن كثير في النهاية:" مقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند الله يوم القيامة لا يدانيه مقام ويجلس الخليل بين يدي العرش، ومحمد صلى الله عليه وسلم عن يمين العرش، وقد روى ليث بن أبي سليم، وأبو يحيى القتات، وعطاء بن السائب وجابر الجعفي، عن مجاهد أنه قال في تفسير المقام المحمود: إنه يجلسه معه على العرش، وروي نحو هذا عن عبد الله بن سلام، وجمع فيه أبو بكر المروزي جزءاً كبيراً، وحكاه هو وغيره وغير واحد من السلف وأهل الحديث كأحمد وإسحاق بن راهويه وخلق، وقال ابن جرير: وهذا شيء لا ينكره مثبت ولا ناف،

قال: وقد نظمه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في قصيدة له، ثم قال ابن كثير: ومثل هذا لا ينبغي قبوله إلا عن معصوم، ولم يثبت فيه حديث يعول عليه، ولا يصار بسببه إليه، وقول مجاهد في هذا المقام ليس بحجة بمفرده، ولكن قد تلقاه جماعة من أهل الحديث بالقبول"،

يعني أن الإجماع كاف في إثبات هذه الفضيلة، وإن غابت بعض الأحاديث الصريحة عن البعض.

18/ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (4/374): فصل في التفضيل بين الملائكة والناس، ثم ذكر الأدلة على تفضيل صالحي البشر على الملائكة، إلى أن قال: الدليل الثالث عشر:...إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون أن محمدا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يجلسه ربه على العرش معه"، ثم ذكر حديث مجاهد ثم قال: "وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة، قال ابن جرير ـ الطبري ـ: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هوالشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويَدَّعِيه، لا يقول إن إجلاسه على العرش منكرا "، ثم قال ابن تيمية:" وإذا ثبت فضل فاضلنا ـ يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ على فاضلهم ـ يعني الملائكة ـ ثبت فضل النوع على النوع"،

19/ وكذلك ذكر ابن القيم في اجتماع الجيوس الإسلامية (1/120) عن الإمام الطبري في تفسير الآية (..مقاما محمودا) أنه قال في كتابه صريح السنة: يجلسه على العرش"،

20/ وقال ابن القيم في الفوائد (4/841): فائدة: إقعاد الرسول على العرش، قال القاضي: صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي وذكر فيه إقعاده على العرش، قال القاضي: وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبى بكر بن حماد وأبى جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهوية وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهانى وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب بن العابد وأبي بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبى قلابة وعلي بن سهل وابى عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري وعبد الله ابن الإمام والمروزي وبشر الحافي"، قال ابن القيم: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني"، وقد مر ذكر شِعره،

21/ وقال محقق كتاب الإبانة لابن بطة:" ذكر أبو بكر الأثرم في مسائله للإمام أحمد كثيرا من العلماء قالوا بإثبات هذه الفضيلة، وذكر النص الذي قاله كل واحد منهم، ومن هؤلاء: محمد بن أحمد بن واصل وأبو داود السجستانى صاحب السنن وأبو بكر المروزي وإسحاق بن راهويه وعبد الوهاب الوراق وأبو بكر بن طالب وأحمد ابن صرم المغربي وعباس الدوري، قال:" وقد استغرق الكلام على هذه المسألة في كتابه السابق ثلاثة عشر ورقة، من ورقة 23 إلى ورقة 36". ..........

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: إنكار السلف على من رد فضيلة القعود على العرش، وبيان تغليظ بدعته:

لقد ذكرت أثناء البحث الكثير ممن قال به، أو نقل الإجماع عليه، وإنكارهم على المخالف تبديعا أو تكفيرا، وقد نقل الخلال عن المروذي أقوالا كثيرة عن السلف في حكم من رد هذه الفضيلة لنبينا الكريم، وأنا بعون الله أرتب هذه الأقوال مقتصرا على بعض الصحيح منها فقط لكثرته:

القول الأول: من قال بوجوب تلقيه بالقبول: وقد مر كلامهم.

القول الثاني: من قال: بأن من أنكر فضيلة القعود فهو جهمي: ثم اختلفوا هل يُقتل أو يُستتاب؟ أو يُعزر أو يُجانب، أو يُكفّر؟

1/ فقال الخلال في السنة 241 ـ 244 نا المروذي أخبرنا أبو داود السجستاني فذكر حديث مجاهد ثم قال: وسمعت أبا داود ـ صاحب السنن ـ يقول: من أنكر هذا فهو عندنا متهم",

وقال أبو داود: ما زال الناس يحدثون بهذا يريدون مغايظة الجهمية",

وقال أبو داود السجستاني: أرى أن يجانب كل من رد حديث ليث عن مجاهد يقعده على العرش ويحذر عنه حتى يراجع الحق ما ظننت أن أحدا يذكر بالسنة يتكلم في هذا الحديث إلا إنا علمنا أن الجهمية تنكره من جهة إثبات العرش",

2/ وقال أبو جعفر الدقيقي: من ردها فهو عندنا جهمي وحكم من رد هذا أن يتقا",

3/ وقال أبو العباس هارون بن العباس الهاشمي: من رد حديث مجاهد فهو عندي جهمي، ومن رد فضل النبي فهو عندي زنديق لا يُستتاب ويقتل",

4/ وقال إسحاق لأبي علي القوهستاني:" من رد هذا الحديث فهو جهمي", ومن المعلوم أن بدعة الجهمية مكفرة نعوذ بالله.

القول الثالث: من رده فهو متهم على الإسلام:

1/ قال الخلال: وأخبرني محمد بن عبدوس والحسن بن صالح وبعضهما أتم من بعض قالا ثنا أبو بكر المروذي قال: قال أبو بكر بن حماد المقري من ذكرت عنده هذه الأحاديث فسكت فهو متهم على الإسلام فكيف من طعن فيها",

2/ وقال عبد الوهاب الوراق فيمن رده: "هو متهم على الإسلام",

3/ وبه قال عباس الدوري وإبراهيم الأصبهاني يقعده على العرش فهو متهم على الإسلام",

وهذا القول يؤول إلى تكفيره عياذا بالله.

القول الرابع: وصرّح آخرون: من رد فضيلة القعود فهو زنديق كافر، لفضل النبي ساتر:

ثم اختلفوا أيضا هل يعزر أو يقتل؟

1/ فقال الخلال عن المروذي أخبرنا يحيى بن أبي طالب ثم ذكر حديث مجاهد، ثم قال أبو بكر بن أبي طالب: من رده فقد رد على الله عز وجل، ومن كذب بفضيلة النبي فقد كفر بالله العظيم",

2/ قال: وأخبرني أحمد بن أصرم المزني بهذا الحديث وقال:" من رد هذا فهو متهم على الله ورسوله وهو عندنا كافر, وزعم أن من قال بهذا فهو ثنوي فقد زعم أن العلماء والتابعين ثنويه ومن قال بهذا فهو زنديق يقتل",

3/ وكذلك قال أبو العباس الهاشمي،

4/ وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي:" ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله ومن رد فضيلة الرسول فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام",

5/ وقال هارون بن معروف: هذا حديث يسخن الله به أعين الزنادقة",

6/ وقال النجاد: حدثنا محمد بن صهيب وجماعة من شيوخنا عن محمد بن عبد الملك الدقيقي قال: سمعت هذا الحديث منذ خمسين سنة ما سمعت أحداً ينكره إنما يكذبه الزنادقة والجهمية،

7/ قال: وذكر لنا أبو إسماعيل السلمي أمر الترمذي الذي رد فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وصغر أمره وقال: لا يؤمن بيوم الحساب"،

8/ وقال المروذي: سمعت أبا بكر بن صدقة قال إبراهيم الحربي يوما:" لو أن إنسانا قام إلى عثمان فقال لا تحدث بهذا الحديث أو أظهر إنكاره تراه كان يخرج من ثم إلا وقد قتل"،

قال أبو بكر بن صدقة: وصدق ما حكمه عندي إلا القتل". 

9/ قال: ولقد قَالَ سعيد بْن عبد الرَّحْمَنِ بْن أبزى: قلت لأبي: لو رأيت رجلا سب أَبَا بكر مَا كنت صانعا به؟ قَالَ: أقتله، قلت: فعمر؟ قَالَ: أقتله فهذا لأبي بكر وعمر فكيف بمن رد فضيلة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وتخريج كفره من وجوه: أولاها: أن ذلك يستلزم رد فضل النبي عليه السلام أو الطعن فيه, كما قال محمد بن عمران الفارسي:" فبلغني أن مسلوبا من الجهال أنكر ذلك فنظرت في إنكاره فإن كان قصد مجاهدا فابن عباس قصد وإن كان لابن عباس قصد فعلى رسول الله رد وإن كان على رسول الله رد فبالله كفر",

والثاني: لأن النبي عليه السلام لا يستحق هذه المنزلة في نظر الجهمية: فقال المروذي: سمعت محمد بن إسماعيل السلمي يقول: "من توهم أن محمدا لم يستوجب من الله عز وجل ما قال مجاهد فهو كافر بالله العظيم",

والوجه الثالث: إنكار قدرة الله على رفعه معه على العرش كما رفعه في المعراج، ومن نفى قدرة الله على ذلك فقد كفر.

والوجه الرابع: لأن منكر الفضيلة رادٌّ لإجماع الأمة وما تلقته بالقبول، كما أنه راد للأدلة الكثيرة السابقة:

وقد ذهبت طائفة إلى تكفير من رد الإجماع عمدا بعد تبليغه إياه, لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة, وقد تلقت هذا الحديث بالقبول, فمن خالف الأمة عمدا فقد زعم أن الله قد أخلى أمته دهرا من إظهار الحق، وهذا كفر وتكذيب لوعد الله تعالى.

القول الخامس: وقالت طائفة: من رد القعود على العرش فهو مبتدع فاجر:

1/ قال أبو يعلى: قال النجاد:"ومن الفرق الهالكة من أنكر أن اللَّه وعد نبيه أن يقعده المقعد المقرب عنده عَلَى العرش، وَهُوَ المقام المحمود"،

2/ وقال إبراهيم الحربي:" الذي نعرف ونقول به ونذهب إليه أن ما سبيل من طعن على مجاهد وخطّأه إلا الأدب والحبس"،

3/ وَقَالَ عَلِيّ بْن دَاوُد الْقَنْطَرِيّ : أَمّا بَعْدُ : فَعَلَيْكُم بِالتَّمَسُّك بِهَدْي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَل, فَإِنَّهُ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ لِمَنْ بَعْدَه, وَطَعْنٌ لِمَنْ خَالَفَه, وَأَنَّ هَذَا التِّرْمِذِيَّ الَّذِي طَعَنَ عَلَى مُجَاهِدٍ بِرَدِّهِ فَضِيلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَدَعٌ.. يُهجر ولا يُكلم"،

وفي الباب أقوال كثيرة جدا، نقلها الخلال، ثم نقل عن المروذي صاحب أحمد بن حنبل قوله: فهذه حكايات الشيوخ والثقات بمدينة السلام والكوفة وغير ذلك ولولا ما يطول به الكتاب لزدناكم من الحكايات وفيما كتبنا كفاية لمن أراد اللهُ إن شاء الله"،

فهذا هو كلام السلف حقا وصدقا، ليس غلوا ولا حُمقا، فمن ذا يترك سبيلهم، ويلتفت إلى غيرهم، إلا كل خاسر مأبون، مُتهَم في دينه غير مأمون، والله المستعان وعليه التكلان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الرابع: ذكر كلام بعض من خالف السلف والإجماعَ، وتوجيهُ قولِه:

لقد حاول بعض المبتدعة ممن خالف إجماع الأمة، ونفى فضيلة سيد الأمة، بأن يجد لكلامه سلفا من الأبرار، علّه يخرج به من الإنكار، ليَرُدَّ به كل الآثار، فلم يجد لقوله طيلة القرون الخمسة الأولى إلا قولا نُسب إلى ابن جرير وحده، قد تراجع عنه، فنقل أقولا له، وبتر أخرى تدليسا على العوام:  

فقد حدث بينه وبين الآلاف من أهل الحديث فتنة بسبب مسألة قعود نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم القيامة مع ربه على العرش، فأنكر ذلك الطبري أوّلا ثم تراجع عنه، وَلَكَ أن تتصور حكم المخالف زمن السلف فتأمل القصى:

ففي ترجمته من الوافي بالوفيات قال الصفدي:" لما قدم الطبري من طبرستان إلى بغداد تعصب عليه ابن الجصاص وابن عرفة والبياضي، وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل يوم الجمعة في الجامع وعن حديث الجلوس على العرش، فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه، فقالوا له: قد ذكره العلماء في الاختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه، ولا رأيت له أصحابا يعول عليهم، وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ثم أنشد:

                     سبحان من ليس له أنيس * ولا له في عرشه جليس. 

فلما سمعوا ذلك وثبوا ورموه بمحابرهم وقد كانت ألوفا, فقام بنفسه ودخل داره, فردموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم، وركب نازوك صاحب الشرطة في عشرات الألوف من الجند يمنع عنه العامة، ووقف على بابه إلى الليل، وأمر برفع الحجارة عنه، وكان قد كتب على بابه البيت المتقدم، فأمر نازوك بمحو ذلك، وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث:

لأحمد منزل لا شك عال * إذا وافى إلى الرحمـن وافـد

فيدنيه ويقعده كريمــا *  على رغم لهم في أنف حاسد

  على عرش يغلفه بطيب *  على الأكبـار يا باغ وعاند

  إلا هذا المقام يكون حقا  * كذاك رواه ليث عن مجاهـد

قال:" فخلا في داره وعمل كتابه المشهور في الاعتذار إليهم وذكر مذهبه واعتقاده وجرح من ظن فيه غير ذلك، وقرأ الكتاب عليهم، وفضل أحمد بن حنبل, وذكر مذهبه وتصويب اعتقاده ولم يخرج كتابه في الاختلاف حتى مات فوجدوه مدفونا في التراب فأخرجوه ونسخوه"،

هذا وقد نقل الإمام الطبري في تفسيره من قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) [الإسراء: 79] الإجماع على قبول حديث مجاهد، فبعد أنْ ذكر أنَّ المقام المحمود هو الشفاعة، ثم قال:" إن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على عرشه قول غير مدفوع صحته لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولا عن أحد من أصحابه ولا عن التابعين بإحالة ذلك... ثم ذكر كلام العلماء، وقال:" فقد تبين إذا بما قلنا أنه غير محال في قول أحد ممن ينتحل الإسلام ما قاله مجاهد من أن الله تبارك وتعالى يقعد محمدا على عرشه"،

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع (4/374): فصل في التفضيل بين الملائكة والناس، ثم ذكرالأدلة على تفضيل صالحي البشر على الملائكة، إلى أن قال: الدليل الثالث عشر:...إذا تبين هذا فقد حدث العلماء المرضيون، وأولياؤه المقبولون، أن محمدا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يجلسه ربه على العرش معه"، ثم ذكر حديث مجاهد ثم قال: "وذكر ذلك من وجوه أخرى مرفوعة وغير مرفوعة، قال ابن جرير ـ الطبري ـ: وهذا ليس مناقضا لما استفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هوالشفاعة، باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويَدَّعِيه، لا يقول إن إجلاسه على العرش منكرا "، ثم قال شيخ الإسلام:" وإذا ثبت فضل فاضلنا ـ يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ على فاضلهم ـ يعني الملائكة ـ ثبت فضل النوع على النوع "،

ومما يؤكد أيضا موافقة الطبري لإجماع الأمة، ما ذكر ابن القيم في اجتماع الجيوس الإسلامية (1/120) عن الإمام الطبري أنه قال في تفسير الآية (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) في كتابه صريح السنة: قال: يجلسه على العرش"،

وكذلك نقل ابن القيم في الفوائد (4/841): فائدة: إقعاد الرسول على العرش، قال القاضي: صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي وذكر فيه إقعاده على العرش، قال القاضي: وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبى بكر بن حماد وأبى جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهوية وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهانى وإبراهيم  وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب بن العابد وأبي بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبى قلابة وعلي بن سهل وابى عبد الله بن عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد ومحمد بن يونس البصري وعبد الله ابن الإمام والمروزي وبشر الحافي"،

قال ابن القيم: وهو قول ابن جرير الطبري، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني"،

قلت: وهذا – صريح السنة- هو آخر كتب الطبري كما ذكر الصفدي سابقا، حيث صوب قوله واعتذر وكتب كتابا في ذلك ثم مات فرحمه الله تعالى"،

وهكذا بقي الإجماع صحيحا طيلة القرون المفضلة، حتى قال إبراهيم الحربي يوما وذكر حديث ليث عن مجاهد فجعل يقول:" هذا حدث به عثمان بن أبي شيبة في المجلس على رؤوس الناس فكم ترى كان في المجلس عشرين ألفا، فترى لو أن إنسانا قام إلى عثمان فقال لا تحدث بهذا الحديث أو أظهر إنكاره تراه كان يخرج من ثم إلا وقد قتل"، قال أبو بكر بن صدقة: وصدق ما حكمه عندي إلا القتل"،

ومضى عن ابن صاعد وغيره أنهم أنكروا بعض أحاديث القعود، لكنهم أقروا بأخرى وبفضيلة القعود.

واستمر اعتقاد السلف بهذه الفضيلة والإنكار على من خالفها، حتى جاء الإمام الذهبي وابن عبد البر وردّاها وتبعهما قوم آخرون من الأشعرية وغيرهم والله المستعان.

وإذ ذلك كذلك فاعلموا أنه لا يقدح مخالفةُ متأخرٍ أبدا، في إجماعٍ قد تلقته كل الأمة قبله بالقبول، ولا يحل أبدا مخالفة سبيل المؤمنين، واتباع خطإٍ من بعض المتأخرين.  

ومع ذلك فقد تناقض الذهبي في تقرير اعتقاده كما بين الألباني في مختصر العلو، فقال ـ الألباني ـ:" وأما هنا فموقفه ـ أي الذهبي ـ مضطربٌ أشدَّ الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد.. ص 126 :" فأبصر حفظك الله من الهوى كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر مجاهد..."، قال الألباني:" وأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه، ولكنك ستفاجأ بقوله ص 143 بعد أن أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني، ثم نقل بعض كلام الذهبي ونصه:" قد ذكرنا احتفال الإمام أبي بكر المروذي في هذا العصر لقول مجاهد إن الله تعالى يقعد محمدا على العرش"، قال الذهبي: وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر، ويبعُد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف، فإنه قال: قرأت القرآن من أوله إلى آخره ثلاث مرات على ابن عباس رضي الله عنهما أوقفه عند كل آية أسأله، فمجاهد أجل المفسرين في زمانه وأجل المقرئين ... ثم قال الذهبي: فمِمن قال إن خبر مجاهد يُسَلَّمُ له ولا يُعارض: عباسُ بن محمد الدوري الحافظ ويحيى بن أبي طالب المحدث ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي الحافظ وأبو جعفر محمد بن عبد الملك الدقيقي وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن وإمام وقته إبراهيم بن إسحاق الحربي والحافظ أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي وحمدان بن علي الوراق الحافظ وخلق سواهم من علماء السنة ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم، قال: ولكن ثبت في الصحاح أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا"،

قال الألباني: فإذا أنت فرغت من قراءة هذا قلت: لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به لأنه قال: إنه لا يقال إلا بتوقيف، ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله:" ولكن ثبت أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة .."،

قلت: وسبب اضطراب الذهبي أنه رأى أن أحاديث الشفاعة تخالف أحاديث القعود، وقد مرّ بنا من كلام العلماء أن لا تعارض بينهما، فإن النبي عليه السلام يقوم هذا المقام المحمود فوق العرش مع ربه، ومن ثَمّ يشفع لأمته والخلق، ولله الأمر من قبل ومن بعد:

وهكذا وبحمد الله بقي الإجماع في القرون الستة أو السبعة الأولى سليمًا من المعارضة، ولا معنى لقول من خالف السلف، وقوله هو المهجور، ومن لم تبلغه الحجة فهو معذور، وأما من عاند فهو المأزور، وقد بسط القول في ذكر كلِّ ذلك الخلالُ والمروذي والنجاد وابن بطة والآجري والقاضي أبو يعلى وغيرهم، بل قال إمام الجماعة أحمد بن حنبل ومعه سائر أهل السنة عن حديث القعود:" قد تلقته الأمة بالقبول"، وبلغ عدد من ذكر ذلك عشرات الآلاف من أهل الحديث، بل لقد ألّفُوا في ذلك الكُتُب، وقشّعوا بذلك السُّحب، وأنكروا على كلِّ من ردّ هذه الفضيلة، ونسبوه إلى التجهم والرذيلة، بل كفّروه وفسقوه، أو بدّعوه وهَجَرُوه، وبالضلالة قد وسموه، وعن الأمة عزلوه، إلى أن جاء هذا الزمان، الذي علاَ فيه جُندُ الشيطان، وأُنكِرَت فضيلة سيد الأنام، فصار الحق فيه باطلا، وولّى المحق مُبطلا، والله المستعان، وعليه التكلان، من زمانٍ فسُد فيه الحال، وطغى فيه الهوى والمال، وغُير الحق والمآل، وصاح الدّهر أين الرجال ؟

أيا لله من حالِ زمانٍ قد فَسُدَا ...   وشأن ذوي الحِدْثان قد سمدا

وصوتُ الحـقِّ فيه قَد جَمُـدَا ... ويا مِنْ زَمانٍ لعزٍّ لنَا قَدْ بَعُدَا

وإقعاد خِلٍّ عَلَى عرشٍ قد وُئِدا ..   وشأن مُثْبِتٍ لِرَفْعهِ قد وُغِدا

أيُفلح قوم فَضْلُ نَبِيِّهِم قد جُحِدَا..   وَناصِرُهُ فَكَالخوَّانِ قَدْ حُشِدَا

عليه الشَرّ، يا تعساه قَدْ هُـرِدَا ... ومُنكِرُ إجلاسٍ له قد سُيِّـدَا

آهٍ لميزانٍ بحـقٍّ، رَبَّاهُ قَدْ عُقِـدا ...  لأحمد مقام عَلِيٌّ قد سُنِـدَا

على عرش الرحمن غدا إذا وَفَدَا  ...  فيرفعه وعلى كُرْسِيٍّ قد قَعَدَا

فيشفعُ لَكِنْ لِـمَنْ لله قد عبدَا  ...  وَلِفَضْلِ مَقَامِهِ أقر وقد سَعِدَا

ويُبعد لئيمًا لِفَضْلِهِ قَدْ حَسَـدَا ...   ولأشرف مقام له قد جحدا

والله هو الهادي وحده إلى اتباع سبيل السلف، وآخر دعوان أن الحمد لله رب العالمين.

                            

                             كتبه أبو عيسى الطاهر الزياني الجزائري

 

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني