البيان، في إثبات النزول والاستواء والمكان العليّ للرحمن ، تأليف: الطاهر زياني

                 البيان، في إثبات النزول والاستواء والمكان العليّ للرحمن

 

                                    كتابة: الطاهر زياني

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله العلي الجبار، المتعال القهار، المستوي على عرشه، فوق خلْقه وسمائه، والصلاة والسلام على نبيه وأشرف خلقه، أما بعد:

فيتضمن هذا البحث إثبات المكان العالي لله تعالى، وهو مكان عال غير محصور بحدّ، لأن الله الأحد، عظيم صمد، لا يحصره شيء، بل هو المحيط بكل شيء، وأن جهة مكانه جل في بهائه، فوق سمائه، على عرشِه، عالٍ على خلقه، لا ندّ له، ولا محيط به، نؤمن به وبصفاته من غير تعطيل ولا تأويل، ولا تكييف ولا تمثيل، كما قال السلف،

كما نؤمن بصعود الله العليّ الأعلى وارتفاعه على عرشه، وذلك بعد نزوله إلى خلق خلْقه وأرضه، وكذلك نزوله إلى سمائه، لإجابة دعاء عباده، ومن ذلك نزوله إلى أرض محشره، للفصْل بين عباده، فانطلاقه تعالى وهم من ورائه، عبر صراط ناره، إلى جنة خلده، ثم صعوده بعد كل نزول، إلى نزوله كل جمعة للتجلي إلى عباده، في جنات عدنه، وكل هذه الأمور من الصفات الفعلية لربنا جل في علاه، يفعلها بذاته متى شاء وكيف شاء، من غير تعب ولا إعياء، كما يزعمه الأدعياء، وقد كان السبب في هذا الجمع هو إنكار البعض لصفة الانطلاق والصعود والارتفاع لربنا جل في علاه، مخالفين بذلك كتاب الله وسنة رسول الله، وإجماع السلف،

فقد قال الإمام الشافعي:" القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء ".

وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي 231  ناقلا مذهبَ أهل السنة:" والقول بإثبات النزول مع كونه فوق العرش غير معقول، وكذلك القول بأنه يحاسب الناس يوم القيامة في الأرض، وأنه يجيء ويقبل ويأتي وينطلق ويتبعونه، وأنه يمر أمامهم ، وأنه يطوف في الأرض ويهبط من عرشه إلى كرسيه أو غيره، ثم يرتفع إلى عرشه كما ورد هذا كله في الحديث"،

وستأتي أقوال أخرى،

وكذلك خالف القومُ إجماعا آخر وهو نفيهم صفة الصعود والانطلاق واتباع المؤمنين لربهم يوم القيامة وهم من ورائه، من غير دليلٍ لهم ذكروه، ولا علمٍ عندهم بينوه، وقد أجمع السلف على أنه كما يجب في إثبات صفات الله من دليل، فكذلك نفيها عنه لا بد له من تدليل، عندها استعنت الله على جمع أحاديث الباب علّ الله أن يهديَ به من وقع في هذا الزلل العظيم والمنكر الجسيم، وليعلم أن ليست صفة الارتفاع والصعود بأعجبَ من صفة السمع والبصر والعلم، ولا من صفة المشي والمجيئ لفصل الحساب، ثم ينطلق بالمؤمنين ويتبعونه كما هو ثابت في الصحيح، وكذلك لا يعني نزول الله إلى أرضه أو إلى سمائه أن بعض خلقه صار فوقه، لأنه تعالى فوق كل شيء، وهو محيط بكل شيء، لأنه الكبير العظيم العلي على كل شيء، وقد قسمت هذا البحث على النحو التالي: 

الفصل الأول: بعض ما ورد في إثبات العلو والاستواء وتفسيره، وشرح المعية:

المبحث الأول: ذكر الأدلة الشرعية وتفسير السلف لها:

المطلب الأول: أدلة الاستواء ومعناه عند السلف وأئمة اللغة:

المسألة الأولى: أدلة الاستواء:

المسألة الثانية: مفهوم الاستواء:

المسألة الثالثة: تفنيد قول الجهمية بزعمهم أن الاستواء هو الاستلاء:

المطلب الثاني: جماع قول السلف وإجماعاتهم على معنى الاستواء: 

المبحث الثاني: تفسير آية المعية، وذكر كلام السلف في إثبات العلو وإنكار معية الذات:

المطلب الأول: تفسير آيات المعية:

المطلب الثاني: ما ورد في إثبات العلو والمعية:

الفصل الثاني: القول في إثبات المكان العلي للرحمان:

المبحث الأول: ذكر الأدلة المرفوعة على إثبات المكان لله تعالى، والسؤال عنه ب: أين:

المطلب الأول: أدلة العلو والفوقية:

المسألة الأولى: أدلة العلو والفوقانية:

الجنس الأول: الأدلة من القرآن:

الجنس الثاني: الأدلة من السنة:

المسألة الثانية: تصريح السلف بعلو الرب العلي الأعلى:

المطلب الثاني: الأدلة الصحيحة والمعتبرة المصرحة بإثبات المكان:

المسألة الأولى: أحاديث التأيين، أي السؤال عن الله ب: أين، التي هي سؤال عن المكان:

المسألة الثانية: بقية الأدلة على إثبات المكان العلي الغير المحصور للرحمان:

المطلب الثالث: ذكر أدلة أخرى شديدة الضعف على إثبات المكان:

المبحث الثاني: إثبات المكان لله تعالى عن السلف الطيب من أصحاب القرون المفضلة:

المطلب الأول: كلام السلف الأولين:

المطلب الثاني: كلام السلف من أهل الحديث والتفسير:

المبحث الثالث: نقول الإجماع على إثبات المكان اللائق بالله تعالى:

المبحث الرابع: القول في الجهة لله تعالى:

الفصل الثالث: صفة نزول الرب الفعلية إن شاء: 

المبحث الأول: ما ورد في نزول الرب إن شاء: 

المطلب الأول: نزول الرب جل في علاه إلى سمائه الدنيا في ثلث الليل الآخر:

المطلب الثاني: نزول الرب يوم عرفة

المطلب الثالث: نزول الرب ليلة النصف من شعبان

المطلب الرابع: ذكر نزول الله إلى أرض المحشر ثم انطلاقه بالمؤمنين وهم وراءه إلى الجنة، ومن ثَمَّ صعوده على عرشه: 

المطلب الخامس: ذكر نزول الله تعالى إلى كرسيه إلى الواد الأفيح في الجنة، كل جمعة ليراه المؤمنون، ثم صعوده على عرشه:

المبحث الثاني: ذكر كلام العلماء والسلف في تصحيح ووجوب الإيمان والأخذ بهذه الأحاديث:

المطلب الأول: بيان تواتر أحاديث النزول وتصحيحها وتلقيها بالقبول:

المطلب الثاني: كلام السلف عن النزول، وقرب الرب ومجيئه وحكم مخالفة ذلك:

المسألة الأولى: إثبات السلف للنزول الحقيقي لذات الرب:

المسألة الثانية: إثبات السلف بأن نزول الرب للسماء يلزم منه القرب: 

المبحث الثالث: تفنيد شبه الجهمية وكذبهم عن الإمام مالك:

المطلب الأول: تفنيد شبه الجهمية في تأويلهم الأحاديث:

الشبهة 1: قالوا: الانتقال من صفات المحدثات:

الشبهة2 / قالوا: يتنزل أمره أو علمه ورحمته في الثلث الأخير، وغلا آخرون فقالوا: أي ينزل مَلَك بدلا عنه:

المطلب الثاني: تفنيد كذبهم عن قتادة وعن الإمام مالك، وبيان الصحيح عنه:

المسألة الأولى: تفنيد كذبهم عن الإمام مالك،

المسألة الثانية: بيان الصحيح عن مالك أنه يثبت النزول كالسلف:

المسألة الثالثة: بيان تدليسهم عن قتادة في قوله: علم أن ربه دائم لا يزول ".

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول: بعض ما ورد في إثبات العلو والاستواء وتفسيره، وشرح المعية:

المبحث الأول: ذكر الأدلة الشرعية وتفسير السلف لها:

وهي أدلة قرآنية كثيرة، وسنن متواترة، قد اتخذت عدة أجناس:

المطلب الأول: أدلة الاستواء ومعناه عند السلف وأئمة اللغة:

المسألة الأولى: أدلة الاستواء:

1/ منها قوله تعالى :{ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[طه]

2/ وقال: :{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف 54]

3/ وقوله تعالى: { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } [الرعد]...

4/ وقال تعالى :{ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) }[البقرة].

فقد قَال الْبُخَارِي فِي الصَّحِيح من كتاب التوحيد: باب قول الله عز وجل {وكان عرشه على الماء} {وهو رب العرش العظيم} قال أبو العالية: استوى إلى السماء ارتفع، فسواهن خلقهن، وقال مجاهد: استوى علا على العرش"،

الدليل الخامس: وهو إخبار الله تعالى أنه ابتدأ بخلق الأرض يوم الأحد والإثنين، ولذلك سميا هكذا، ثم صعد إلى السماء في اليوم الثالث والرابع ولذلك سميا بالثلاثاء والأربعاء، ثم نزل إلى الأرض مرة أخرى فدحاها وقدر أقواتها في اليوم الخامس يوم الخميس والجمعة، وختم ذلك بجمْع الخلق وجمْع أبينا آدم عليه السلام في آخر ساعة بعد العصر، ولذلك سُمي بالجمعة، ثم سبت وفرغ من خلق كل ذلك، فسمي بالسبت، كما هو مبين في مبحث " قصة بدإ الخلق". 

قال الله تعالى: { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11}،

فإن من معاني الإستواء هنا أقبل وقصد، وكذلك صعد وارتفع، فقد قال الطبري عن معناها: أي: ثم ارتفع إلى السماء ،

قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 77: قول الإمام الحافظ أبي عمر بن عبد البر إمام السنة في زمانه رحمه الله تعالى: ـ بعد أن ذكر حديثا فيه ـ أن الله عز و جل في السماء على العرش من فوق سبع سموات..

ثم قال ابن عبد البر: والدليل على صحة ما قال أهل الحق في ذلك قوله تعالى الرحمن على العرش استوى"، ... وقوله تعالى:" ثم استوى إلى السماء وهي دخان"،

وقال ابن القيم ص 79: وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت فإذا هو على سطح، فسلمنا فرد علينا السلام، وقال: استووا، فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه: إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل: هو من قول الله:{ ثم استوى إلى السماء وهي دخان} فصعدنا إليه"،

ورُوي ذلك عن ابن عباس، وصح عنه أنه قال عن الآية:" ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم نزل إلى الأرض فدحاها.."،

فقابل الإستواء بالنزول، فعُلم أنه الصعود .

وقال عثمان بن أبي شيبة في مقدمة كتاب العرش:" وَقَدْ أَخْبَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الْعَرْشَ كان قبل خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى الماء، وأخبرنا عز وجل أَنَّهُ صَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْعَرْشِ فَاسْتَوَى على العرش"،

وقال أيضا:" ثُمَّ تَوَافَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَرْشَ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ بِذَاتِهِ ثُمَّ خلق الأرض والسموات، فَصَارَ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، وَمِنَ السَّمَاءِ إلى العرش، فَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَفَوْقَ الْعَرْشِ بِذَاتِهِ"،

وقال الدارمي في الرد على الجهمية:" ولو قد آمنتم باستواء الرب على عرشه، وارتفاعه فوق السماء السابعة بدءا إذ خلقها ، كإيمان المصلين به ، لقلنا لكم : ليس نزوله من سماء إلى سماء بأشد عليه ، ولا بأعجب من استوائه عليها إذ خلقها بدءا، فكما قدر على الأولى منهما كيف يشاء، فكذلك يقدر على الأخرى كيف يشاء، وليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) ومن قوله: ( وجاء ربك والملك صفا صفا) فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك"،

وقال محمد بن إسحاق:" ففرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى في اليوم السابع فوق سمواته"،

وقال الطبري في تفسيره:" فقد أخبر ابن إسحاق أن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء بعد خلق الأرض وما فيها وهن سبع من دخان فسواهن كما وصف وإنما استشهدنا لقولنا الذي قلنا في ذلك بقول ابن إسحاق لأنه أوضح بيانا عن خلق السموات أنهن كن سبعا من دخان قبل استواء ربنا إليها لتسويتها"،

فقد روى عبد الله في السنة ر54 عن يزيد بن هارون وقيل له من الجهمية؟ فقال: من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي"،

وروي عن الحسن عن أمه عن أم سلمة رضي الله عنها في الآية: الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه والبحث عنه كفر"، وهو قول ربيعة ومالك وسائر المسلمين.

الدليل السادس: وفيه أيضا صفة بدإ الخلق والجمع بين آي القرآن،

فقال البخاري في صحيحه: وَقَالَ الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيّ... قَال{أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا إِلَى قَوْلِهِ دَحَاهَا}، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَال { أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ طَائِعِينَ} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاء.. وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالْآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ {دَحَاهَا} وَقَوْلُهُ { خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْن} فَجُعِلَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخُلِقَتْ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْن.."،

قال البخاري حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْمِنْهَالِ بِهَذَا"، وقد حدّث به جماعة عن عبيد الله بن عمرو الرقي:

فقال ابن منده في التوحيد أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن معروف الصفار الأصبهاني حدثنا الحسن بن علي بن بحر ثنا زكريا بن عدي ثنا عبيد الله بن عمر الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، وقد وقع ذلك في صدري ، فقال ابن عباس: أتكذيب ؟ قال: لا ، ولكن اختلاف قال: فهلم ما وقع في نفسك من ذلك ، فقال: قال الله في آية أخرى:{ أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها * وأغطش ليلها وأخرج ضحاها* والأرض بعد ذلك دحاها} فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض، وقال في آية أخرى:{ قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء...، فقال عبد الله بن عباس:.. وأما قوله:{ أم السماء بناها رفع سمكها فسواها الآية، فإنه خلق الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم نزل إلى الأرض فدحاها، ودحْوُها أن أخرج منها الماء والمرعى، وشق فيها الأنهار وجعل السبل، وخلق الجبال والرمال والأكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله عز وجل: {والأرض بعد ذلك دحاها} وقوله:{ لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا إلى قوله: في أربعة أيام سواء للسائلين} فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السماء في يومين ..، ثم قال ابن عباس للسائل:« احفظ عني ما حدثتك..."، إسم السائل سعيد وقد أبهم نفسَه:

قال الطبراني في الكبير 10594 حدثنا أحمد بن رشدين المصري ثنا يوسف بن عدي إملاء في كتابه ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سعيد يا ابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي فقد وقع في صدري... فقال ابن عباس: وأما قوله:{ والسماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها} فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم نزل إلى الأرض فدحاها ودحاها أن أخرج فيها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار...

وقال الخطيب في الفقيه والمتفقه أنا أبو بكر البرقاني قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان حدثكم محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي نا أبو يعقوب يوسف بن عدي نا عبيد الله بن عمرو الرقي به مثله سواءا وفيه:".. ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم نزل إلى الأرض فدحاها..."، فذكر مثله.

وقال أبو الشيخ في العظمة ر559 حدثنا إبراهيم حدثنا هلال بن العلاء حدثنا أبي عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد به مثله وفيه:" فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء، ثم استوى إلى السماء، فسواهن في يومين آخرين، ثم نزل إلى الأرض فدحاها"،

وقال البيهقي في الصفات أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان حدثني يوسف بن عدي ح وأخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد النيسابوري ثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي ثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد به مثله، بلفظ:" فإنه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم نزل إلى الأرض فدحاها.."، وكذلك خرجه الذهبي في العلو 55 من طريق محمد بن عبد السلام وابن خيرون قالا أنبأ أحمد بن محمد بن غالب الحافظ قرأت على أبي العباس بن حمدان حدثكم محمد بن إبراهيم البوشنجي به مثله بلفظ:" ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم نزل إلى الأرض فدحاها، قال: ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى"، ثم قال الذهبي: أخرجه البخاري عن يوسف بن عدي فعلق المتن أولا"، وهو موصول عند البخاري كما مر، وقد ذكرته في مبحث بدإ الخلق.

الدليل السابع: قال الطبري في تفسيره: حدثنا [علي و] المثنى بن إبراهيم ثنا أبو صالح ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء "ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سموات"، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله: ( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )،

هذا حديث حسن علي هو ابن داود القنطري ثقة، ورواية علي عن ابن عباس وجادة جيدة كما قال أحمد، ـ وقد بينت ذلك بطرقه في مبحث صعود وارتفاع الله العلي ألأعلى ـ، ولحديثه متابعات أخرى:

رواه البخاري في صحيحه 4537 وفيه قول ابن عباس:" وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ ..".

وخرجه ابن منده في التوحيد و الطبراني في الكبير 10594 والخطيب في الفقيه عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي، وقد وقع ذلك في صدري ، فقال ابن عباس: أتكذيب ؟ قال: لا ، ولكن اختلاف قال: فهلم ما وقع في نفسك من ذلك ، فقال: قال الله في آية أخرى:{ أم السماء بناها... والأرض بعد ذلك دحاها} فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض، وقال في آية أخرى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ... ثم استوى إلى السماء وهي دخان...} فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء...، فقال عبد الله بن عباس:.. وأما قوله:{ أم السماء بناها رفع سمكها فسواها الآية، فإنه خلق الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم نزل إلى الأرض فدحاها...".:

الدليل الثامن: وقد تفرد به عمرو بن حماد وهو صدوق عن أسباط وهو صدوق يخطئ، وحدث به عن عمرو كل من موسى بن هارون وأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الأَوْدِي وأحمد بن محمد ثلاثتهم عن عمرو بن حماد متصلا، وخالفهم أبو زرعة فقطعه، والموصول أصح، ولا يضر هذا فقد خرج هذا الحديث السدي نفسُه في تفسيره كما قال ابن كثير:

أما رواية موسى عن حماد: فقد قال الطبري: حدثني موسى بن هارون ثنا عمرو بن حماد ثنا أسباط عن السُّدّيّ عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مُرَّة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات"، قال: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخانًا، فارتفع فوق الماء، فسما عليه فسماه سماءا، ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة، ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين، فخلق الأرض على حوت، والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن: (ن والقلم) والحوت في الماءِ، والماءُ على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملكٍ، والملكُ على صخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض: فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فالجبال تفخر على الأرض فذلك قوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول: { أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها } يقول: أنبت شجرها {وقدر فيها أقواتها } يقول: أقواتها لأهلها { في أربعة أيام سواء للسائلين } يقول: قل لمن يسألك: هكذا الأمر { ثم استوى إلى السماء وهي دخان}، وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماءا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وأوحى في كل سماء أمرها} قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول:{خلق السموات والأرض في ستة أيام، ويقول: { كانتا رتقا ففتقناهما }"،

وأما رواية أحمد بن محمد عن عمرو فخرجها البيهقي في الصفات قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الصفار ثنا أحمد بن محمد بن نصر ثنا عمرو بن حماد بن طلحة ثنا أسباط عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود رضي الله عنه، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل:( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات)، قال : « إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا قبل الماء... وفيه:" وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السماوات والأرض، ( وأوحى في كل سماء أمرها) ، قال: خلق في كل سماء خلقا من الملائكة، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البر، وما لا يعلم ، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب ، فجعلها زينة وحفظا يحفظ من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول: (خلق السماوات والأرض في ستة أيام) يقول: ( كانتا رتقا ففتقناهما) وذكر القصة في خلق آدم عليه السلام"،

وأما رواية أحمد الأودي عن حماد: فقال ابن خزيمة في التوحيد ر595 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الأَوْدِي ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّاد يَعْنِي ابْن طَلْحَة الْقَنَّاد ثنا أَسْبَاط وَهُوَ ابْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِك عَنْ أَبِي صَالِح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مثله وفيه:"... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ وَكَانَ ذَلِكَ الدُّخَانُ مِنْ تَنَفُّسِ الْمَاءِ حِينَ تَتَنَفَّس فَجَعَلَهَا سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا سُمِيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ".

وأما رواية أبي زرعة فقد قال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّاد ثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْر عَنِ السُّدِّيّ قولُه ولم يرفعه، وقد صححه ابن خزيمة، وخرجه السدي في تفسيره من عدة طرق أدرج ألفاظها في متنٍ واحدٍ، من غير أن يُميز بينها، إلا أن رجالها ثقات غير أبي صالح باذان، وقد أخطأ من استدل بروايةٍ للكلبي من أنه كذاب، فإن الكلبي نفسه هو المتهم، وقد ضعف باذام جماعة ووثقه آخرون، وعندي أن عامة هذا المتن صحيح، وله شواهد إلا ما ذكر من أنه خلق الأرض يوم الأحد والإثنين، ثم قدر أقواتها في الثلاثاء والأربعاء، ثم خلق السماء يوم الخميس والجمعة، فإنه وإن كان قد روى مثله يحيى الغافقي وفيه مقال عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس نحوه، فإنه معلول ومخالف للقرآنِ والجمعِ الذي سيأتي عن ابن عباس، ذلك أن الله تعالى ابتدأ خلق الأرض في يومين، ثم ارتفع إلى السماء فسواهن سبعا في اليومين التاليين، ثم نزل إلى الأرض فقدر فيها أقواتها في اليومين المُوالِيين، كما هو في القرآن وصحيح السنة، وأما الجزء المنكر الثاني فهو قوله أن الله خلق الأرض على حوت، وأن الحوت هو النون، فإنه لا شك من أنَّ أحد الصحابة وهو ابن عباس كما روى الأعمش عن أبي الضحى عن ابن عباس، وقد أخذ هذا عن بني إسرائيل، وقد أُنكِر على السدي جمعه بين الروايات من غير تمييز بينها، وأما سائر الألفاظ مع رواية:" ، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش

الدليل التاسع: قال الطبري: حدثنا [علي و] المثنى بن إبراهيم ثنا أبو صالح ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء "ثم استوى إلى السماء فسوّاهن سبع سموات"، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله:( وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )"،

والإستواء هو علو الله وارتفاعه بإجماع السلف، وهذا حديث حسن علي هو ابن داود القنطري ثقة، ورواية علي عن ابن عباس وجادة جيدة كما قال أحمد، ولحديثه شاهد صحيح فيه التصريح بمقابلة الإستواء وهو الإرتفاع بالنزول كما في :

فإن قال قائل: أين كان الله قبل خلق كل ذلك، والجواب موجودٌ في حديثين:

الدليل 10/ خرجه السُّدّيّ عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مُرَّة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الذي خلقَ لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات"، قال: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء.."، 

الدليل 11/ خرجه الترمذي  3109 من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه ؟ قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء، [ثم] وخلق عرشه على الماء"،

قال أحمد بن منيع: قال يزيد بن هارون: العماء أي ليس معه شيء"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وصححه ابن حبان،

وقد أُعِلَّ بجهالة وكيع بن حدس، لكن قال عنه ابن حبان في المشاهير:"كان من الأثبات"، وفرقٌ بَيْنَ من يذكره ابن حبان في الثقات مجرد ذكرٍ، وبين من يصرح بتوثيقه كما قال المعلمي، وقال الجوزقاني في الأباطيل:" صدوق"، فصح الحديث، وهو مفسر بإطناب في البحث المذكور، وأما الحديث الثاني فهو تفسير للآية السابقة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: مفهوم الاستواء:

أخبر الله عن نفسه بأنه استوى على عرشه في العديد من المواطن، وكذلك أخبر نبيه عليه السلام.

وقد تواتر عن الإمام مالك قوله :" الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".

وفعل "استوى" في اللغة له معاني معلومة، إذ قد يكون لازما وقد يكون متعديا ب: إلى، أو" على"، ولكلٍّ معنى:

كما خرج اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (3/443) عن أبي الحسن الدارقطني رحمه الله عن إسحاق الهادي قال: سمعت أبا العباس ثعلبا يقول:" استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجا {ثم استوى إلى السماء} [البقرة: 29] أقبل، و:{استوى على العرش} [الأعراف: 54] : علا، واستوى وجهه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو تشابها، واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما".

ثم قال اللالكائي: هذا الذي يعرف من كلام العرب ".

وإليك التفصيل في هذا الكلام:

أولا: فأما الفعل اللازم "استوى": فما دل على وصف داخلي  في نفسه (الفاعل)، كأن تقول: احمر فلان، وكبر علان، وشبع، وسمن، وعظم، احمرت الوردة، أي في نفسها،

بينما لو قلت في الفعل المتعدي:" أكل الولدُ التفاحةَ، فالتفاحة خارجة عن ذات الولد.

فإن قيل: ما الفرق بين الفعل اللازم والمتعدي؟

والحواب من ثلاثة فروق: أن الفعل المتعدي هو ما كان خارجًا عن الذات، وبالتالي يحتاج إلى مفعول، ونسأل عنه ب"ماذا"

كقولك:" أكل الولدُ التفاحةَ، فالتفاحة خارجة عن ذات الولد، ونسأل هنا:" ماذا أكل الولد؟

بخلاف الفعل اللازم في قولك: استوى الغلامُ"، أي كبر في ذاته، والسؤال عنه ب:" من للعاقل، أو ما هو لغير العاقل، فتقول: ما هو الشيء الذي عظم؟ أو من الذي كبر واحمر..؟، ومن الذي استوى؟ وبالتالي لا يختاج إلى مفعول. 

ترجع الآن إلى الفعل اللازم "استوى"، فإن له في الاستواء معنيان، لا يحلان في ذات الله أبدا:

1/ استوى فلان: بمعنى انتهى شبابه، وقوته واعتداله، واستقامته، وهذا المعنى لا يطلق إلا على الخلق، إذ لا يحل في ذات الله، فهو القوي العليم العظيم أبدا منذ الأزل،.. 

قال الطبري:" ومنه قول الطِّرِمَّاح بن حَكيم:

طَالَ عَلَى رَسْمِ مَهْدَدٍ أبَدُهْ... وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُه

وقال الطبري أيضا:" الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاءُ شباب الرجل وقوّته، فيقال، إذا صار كذلك: قد استوى الرّجُل. ومنها استقامة ما كان فيه أوَدٌ من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمرُه. إذا استقام بعد أوَدٍ،

يعني: استقام به...".

ومن هذا الباب قوله تعالى :{فلما بلغ أشده واستوى} استوى الرجل أي انتهى شبابه وقوته واعتداله،

2/ استوى المقترنة بواو العطف أو المعية: وذلك إذا جاء الفعل "استوى" مقرونا باسمين فاعلين متعاطفين، فيكون معناه التساوي والتشابه والمعية،

مثال الواو العاطفة: كقولك:" استوى فلانٌ وفلانٌ، " جاء الأميرُ والجيشُ"، أي تساويا وتشاركا في الاستواء والمجيء.

مثال واو المعية الناصبة: "جاء الأميرُ والجيشَ"، " استوى الماءُ والخشبةَ". فالماء فاعل مرفوع، والخشبةَ مفعول معه منصوب.      

وهذا المعنى أيضا ممتنع عن الرب لأنه لا مساوي له ولا مثيل ولا كفؤ له.

ثانيا: فعل "استوى"، المتعدي: مر أن الفعل المتعدي هو ما كان خارجًا عن الذات، وبالتالي يحتاج إلى مفعول، ونسأل عنه ب: "ماذا ؟

وأما الفعل المتعدي"استوى"، فإنه يكون معدى بأحد حرفَي الجر: على/ إلى:

فهذا الفعل هو الذي ينطبق على آيات استواء {الرحمان على العرش} أو {استوى إلى السماء}

أ: فإذا عُدي " استوى" بحرف الجر " إلى" كان معناه: قصد وعمد إلى الشيء وتحول إليه وأقبل عليه، مع إمكانية أن يكون ذلك القصد والتوجه للشيء مع العلو والارتفاع أيضا، بمعنى " على"، لأن حروف الجر تتناوب، بلا مدافعة بين المعاني، كما قال ابن عباس والإمام اللغوي أبو إسحاق، والفراء، والطبري والدارمي والبخاري وغيرهم من أئمة السلف

قال الفراء:" ووجهٌ ثالث أن تقول: كان فلانٌ مُقبِلاً على فلان ثم استَوى عليَّ وإليّ يُشاتمُني، على معنى : أقبلَ إليَّ وعَليّ ، فهذا معنى قوله تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ)، والله أعلم ".

قال الفراء: وقال ابن عباس:( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ): صَعِد ، وهذا كَقولِك للرجل : كان قائماً فاستوَى قاعِداً ، وكان قاعداً فاستوَى قائماً، وكُلٌّ في كلام العَرَب جائز ". .

. ولذلك اتفق السلف وأئمة الحديث على تفسير الاستواء هنا المتعدى ب" إلى"، على معنى الإقبال مع العلو والصعود أيضا، كما نقل الطبري والبخاري وغيرهم من السلف .

حيث قال الله تعالى :{ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}[فصلت]

قال الطبري في تفسيره:" واستُشْهِد على أنّ الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر:

أَقُولُ وَقَدْ قَطَعْنَ بِنَا شَرَوْرَى... سَوَامِدَ، وَاسْتَوَيْنَ مِنَ الضَّجُوعِ

ثم ذكر بأن هذا الاستدلال بالبيت خطأ لأنه لم يُعدّ ب "إلى"

قال الطبري:" وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ، وإنما معنى قوله:"واستوين من الضجوع"، استوين على الطريق من الضجوع خارجات، بمعنى استقمن عليه".

ثم رجح الإمام الطبري والبخاري في الصحيح وغيرهم من السلف بأن الاستواء حتى لو عُدي ب " إلى" فإن معناه الارتفاع أيضا.

فذكر البغوي في معالم التنزيل في قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء} قال: أبو عبيدة صعد ".

وقال الإمام البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه:" باب قول الله عز وجل {وكان عرشه على الماء} {وهو رب العرش العظيم}، قال أبو العالية: {استوى إلى السماء} ارتفع،  {فسواهن} خلقهن، وقال مجاهد {استوى} علا على العرش ". 

ثم خرج أحاديث علو الله على السماوات.

وقال الإمام الطبري:" وأوْلى المعاني بقول الله جل ثناؤه:"ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهنّ بقدرته، وخلقهنّ سبع سموات ".

ثم أنكر قول المخالفين ورد عليهم فقال:" والعجبُ ممن أنكرَ المعنى المفهوم من كلامِ العرب في تأويل قول الله:"ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها، إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم يَنْجُ مما هرَب منه! فيقال له: زعمتَ أن تأويل قوله"استوى" أقبلَ، أفكان مُدْبِرًا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أنّ ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها علوّ مُلْك وسُلْطان، لا علوّ انتقال وزَوال. ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفًا. وفيما بينا منه ما يُشرِف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى ".

ثم قال أبو جعفر: وإن قال لنا قائل: أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده؟ قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبعَ سموات، كما قال جل ثناؤه: ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ) [سورة فصلت: 11]. والاستواء كان بعد أن خلقها دُخانًا، وقبل أن يسوِّيَها سبعَ سموات، قال بعضهم: إنما قال:"استوى إلى السّماء"، ولا سماء، كقول الرجل لآخر:"اعمل هذا الثوب"، وإنما معه غزلٌ. .... ".

بمعنى أنه ابتدأ خلق الأرض في يومين، ثم صعد إلى السماء والعلو، ولم تكن السماء مخلوقة، فسواهن وخلقهن سبع سماوات تحته، وهو العلي الأعلى.

وكذلك قال الإمام الدارمي في الرد على الجهمية :" باب استواء الرب تبارك وتعالى على العرش وارتفاعه إلى السماء، وبينونته من الخلق "، ثم استدل بالآية :{ ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وغيرها.

وكذلك استدل بها الذهبي في كتابه العلو على علو الله وارتفاعه.

يرجح هذا ما خرجه الإمام اللغوي الجليل النضر بن شميل قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال:" أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال: استووا، فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه: إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل: هو من قول الله {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} فصعدنا إليه ".

ولا ينافي الاستواء هنا القعودَ بل هو من معانيه:

فقد ذكر الذهبي في العلو:" قال محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء وهو إمام اللغة قال:" وقد قال ابن عباس في ( ثم استوى إلى السماء ) صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائما وكان قائما فاستوى قاعدا وكل في كلام العرب جائز ".

قال الأزهري في تهذيب اللغة:" وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : قال ابن عباس:" "العرش مجلس الرحمن".

ب: وأما إذا عُدي بحرف الجر " على" فهو على معنيين معنى ظاهر حقيقي فسره السلف، ومعنى مؤول محرف فسره النصارى والجهمية التلف

1/ فأما المعنى الظاهر الحقيقي: فهو الأصل: وهو العلو والارتفاع بدلالة حرف الجر "على" المفيدة للاستعلاء والعلو والارتفاع باتفاق السلف وأهل اللغة والفقه، وهي من أفعال الرب.  

فيكون معناه على الحقيقة: ارتفاع الله وعلوه على العرش، كما قال الله تعالى:" فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ" [المؤمنون: 28]، وقال {لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ} [الزخرف: 13]،

وقال الشاعر:  فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى

أي ارتفع وعلا، واستوت الشمس على رأسي واستوت الطير على قمة رأسي، بمعنى علت.

ومنه حديث عبد الله قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا»

وَعَن ابْن عمر رضى الله تَعَالَى عَنْهُمَا: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم ثمَّ اسْتَوَى على رَاحِلَته فَلَمَّا قَامَت أهلّ".

والأحاديث في هذا العلو والاستواء اللغوي، كثيرة متواترة، لكن الجهمية أعداء الله لا يؤمنون.

خرج اللالكائي في شرح الاعتقاد (3/440) عن بشر بن عمر قال: سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] قال: على العرش استوى: ارتفع "

وذكر اللغويون ما قاله قال داود بن علي الأصبهاني: كنت عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: ما معنى قول الله عز وجل:{ الرحمن على العرش استوى}؟ فقال ابن الأعرابي: هو على عرشه كما أخبر، فقال: يا أبا عبد الله إنما معناه استولى، فقال ابن الأعرابي: ما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على الشيء حتى يكون له مضاد، فأيهما غلب فقد استولى؛ أما سمعت قول النابغة:

إلا لمثلك، أو من أنت سابقه ... سبق الجواد، إذا استولى على الأمد".

وخرجه اللالكائي في الاعتقاد بسنده عن داود.

يرجح هذا ما خرجه الإمام اللغوي الجليل النضر بن شميل قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال:" أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم ما رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال: استووا، فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال، فقال لنا أعرابي إلى جانبه: إنه أمركم أن ترفعوا، فقال الخليل: هو من قول الله {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} فصعدنا إليه ".

وقال الإمام البخاري في خلق الأفعال ص33 :" وَحَذَّرَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنِ الْجَهْمِيَّةِ وَقَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ جَهْمِيٌّ» "

وقال الإمام البخاري فيه:" وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] . قَالَ: «الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ»

وقال الدارمي في الرد على الجهمية :" اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهَ فَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، عِلْمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرُهُ فِيهِمْ نَافِذٌ "،

وهذا المعنى أي العلو والارتفاع متفق عليه بين جميع المسلمين كما سنبين:

2/ وأما المعنى المؤول المحرف: للفعل:" استوى، بمعنى استولى، فقد قال الطبري عن معاني الاستواء لغة:" ومنها: الاحتياز والاستيلاء، كقولهم: استوى فلان على المملكة. بمعنى احتوى عليها وحازَها "، ثم إنه رجح معنى غلا وارتفع ورد على من عارضه.

ولا يصح هذا المعنى في آية الاستواء، لأن فيه أنواعا من الكفر:

أولاها كفر إنكار علو الله على عرشه، ومخالفة سبيل المؤمنين في فهم الآية.

والثاني: كفر تحريف آياته من استوى إلى استولى، ككفر اليهود من قول الله حطة، فقالوا: حنطة.

والثالث: أنه يستلزم المغالبة والمصارعة والانتزاع لما أخذ منه، وهذا كفر بالله.

ولذلك أنكر الإمام اللغوي ابن الأعرابي وغيره من أئمة اللغة والسلف هذا المعنى أصلا، ولم يعرفوه في لغة العرب، خاصة في ذات الله تعالى، وقالوا: بأن الاستلاء لا يكون إلا بعد مغالبة بين شخصين، فيتغلب أحدهما، وهذا المعنى لا يليق في ذات الله بل هو كفر في حقه، لأن الله لم يصارعه أحد، ولا استولى على عرشه أحد، ثم انتزعه منه، وهو من جنس تحريف اليهود لقوله تعالى: حطة، فقالوا: حنطة".

وذكر اللغويون ما قاله قال داود بن علي الظاهري الأصبهاني: كنت عند ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: ما معنى قول الله عز وجل:{ الرحمن على العرش استوى}؟ فقال ابن الأعرابي: هو على عرشه كما أخبر، فقال: يا أبا عبد الله إنما معناه استولى، فقال ابن الأعرابي: ما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على الشيء حتى يكون له مضاد، فأيهما غلب فقد استولى؛ أما سمعت قول النابغة:

إلا لمثلك، أو من أنت سابقه ... سبق الجواد، إذا استولى على الأمد".

خرجه عنه اللالكائي في الاعتقاد بسنده عن داود الظاهري وهو ثقة.

وقال ابن خزيمة في التوحيد :" فنحن نؤمن بخبر الله جل وعلا أن خالقنا مستو على عرشه، لا نبدل كلام الله، ولا نقول قولا غير الذي قيل لنا، كما قالت المعطلة الجهمية: إنه استولى على عرشه، لا استوى، فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود كما أمروا أن يقولوا: حطة، فقالوا: حنطة، مخالفين لأمر الله جل وعلا كذلك الجهمية ".

وجزم شيخ المفسرين ابن كثير بأن هذا البيت للأخطل النصراني أراد به الجهمية تحريف الدين:

قال ابن كثير في البداية والنهاية (9/290) :" حكى نفطويه أن جريرا دخل يوما على بشر بن مروان وعنده الأخطل، فقال بشر لجرير: أتعرف هذا؟ قال: لا، ومن هذا أيها الأمير؟ فقال: هذا الأخطل، فقال الأخطل، أنا الذي قذفت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك، فقال جرير: أما قولك شتمت عرضك فما ضر البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك وأسهرت ليلك، فلو تركتني أنام لكان خيرا لك، وأما قولك وآذيت قومك فكيف تؤذي قوما أنت تؤدي الجزية إليهم؟

قال ابن كثير:" وكان الأخطل من نصارى العرب المتنصرة، قبحه الله وأبعد مثواه، وهو الذي أنشد بشر بن مروان قصيدته التي يقول فيها:

قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق

قال ابن كثير:" وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء على العرش بمعنى الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا.

فإنه إنما يقال: استوى على الشئ إذ كان ذلك الشئ عاصيا عليه قبل استيلائه عليه، كاستيلاء بشر على العراق، واستيلاء الملك على المدينة بعد عصيانها عليه، وعرش الرب لم يكن ممتنعا عليه نفسا واحدا، حتى يقال استوى عليه، أو معنى الاستواء الاستيلاء، ولا تجد أضعف من حجج الجهمية، حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح وليس فيه حجة والله أعلم ".

وحتى لو صح هذا البيت ُعن العرب الأولين وعرفوه، -ولم يصح- لما كان معناه صحيحا، خاصة في ذات الله تعالى، وسنزيد من ذلك بيانا:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثالثة: تفنيد قول الجهمية بزعمهم أن الاستواء هو الاستلاء:

وهذا المعى لا يليق بالرب، كما ذكر ابن كثير وغيره، لأنه لا يكون إلا مع مغالبة ومنازعة مع الغير، وهذا لا يليق بذات الرب، ولذلك رجح الطبري وكل السلف القول بأن الاستواء اللائق بالله هو العلو والارتفاع:

وسبحان الله على الجهمية المشركين الذين يتركون الأحاديث الصحاح، وينكرون الآحاد من رواية الثقات، ثم تراهم يتهافتون على الاحتجاج بأحاديث الآحاد المكذوبة، وييحتجون بشعراء النصارى لنصرة مذهبهم:

فتراهم يستدلون بما روى عبد الله بن داود الواسطي الكذاب عن إبراهيم ابن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى} قال:" استولى على جميع بريته، فلا يخلو منه مكان ".

عبد الله بن داود الواسطي جهمي متهم، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف جدا، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف".

وبهذا تعلم ضلال الجهمية القائلين: بأن الآية من المجاز، والمراد منه: عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته، أو أنه استولى على العرش.

كما قال الشاعر : استوى بشر على العراق... 

والجواب من أوجه:

أولاها: أن هذا البيت ومثله لا يُعرف عن العرب الأولين، بل هو من قول المتأخرين من النصارى استدلوا به لنصرة مذهبهم.

ولو ثبت قديما لكان الأصل في الكلام هو الحقيقة،

. يؤيده أن الاستواء من صفات الفعل المحدثة المتعلقة بالمشيئة، بينما الاستلاء متعلق بالمغالبة والمنازعة، ومشعر بالظلم، ومن ادعى أن الرب تنازع مع أحد حتى استولى على العرش فقد كفر، لأن الله لم يزل قويا عظيما قديرا... منذ الأزل بلا ابتداء ولا منازعة.

وإن أصروا على ضلالهم فليعلموا بأن الله مستول على الكون كله، منذ أن أوجده بلا مغالبة. ولا يجوز أن يقال هو مستول على العرش فقط،

إضافة إلى أنّ صفات الله تعالى عالية على كل شيء، وليست عالية على العرش فقط،

وفي تخصيص الله الاستواء على العرش في كثير من الآيات، وإفراده به دليل على ميزة خاصة فيه، وهي ارتفاع الذات العلية... على العرش الكبير، وإلا ذهب هذا المعنى من التقييد بالاستواء على العرش.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: جماع قول السلف وإجماعاتهم على معنى الاستواء:  

اتفقت الأمة جميعها على علو الله على خلقه، بل وهو قول الناس أجمعين، حاشا الجهمية الملحدين،

قال أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين:" فكل ذلك يدل على أنه تعالى في السماء مستو على عرشه والسماء بإجماع الناس ليست الأرض فدل على أنه تعالى منفرد بوحدانيته مستو على عرشه استواء منزها عن الحلول والاتحاد ".

قال ابن القيم في الصواعق: قال أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب إمام الأشعري وأصحابه في كتاب الصفات، مما نقله عنه أبو بكر بن فورك فقال في الكتاب المذكور في باب القول في الاستواء وهذا لفظه:" ورسول الله وهو صفوة الله من خلقه وخيرته من بريته وأعلمهم جميعا به يجيز السؤال بأين، ويقوله ويستصوب قول القائل إنه في السماء، ويشهد له بالإيمان عند ذلك

 وجهم بن صفوان وأصحابه لا يجيزون الأين ".

وقال أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب في كتاب الصفات :" ولو لم يشهد بصحة مذهب الجماعة في هذا إلا ما ذكرنا من هذه الأمور لكان فيه ما يكفي كيف وقد غرس في بنية الفطرة ومعارف الآدميين من ذلك ما لا شيء أبين منه ولا أوكد لأنك لا تسأل أحدا عنه عربيا ولا عجميا ولا مؤمنا ولا كافرا فتقول أين ربك؟ إلا قال: في السماء إن أفصح أو أومأ بيده أو اشار بطرفه إن كان لا يفصح لا يشير إلى غير ذلك من أرض ولا سهل ولا جبل ولا رأينا أحدا داعيا إلا رافعا يديه إلى السماء ".

قال ابن القيم:" ابن كلاب، والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي وأبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي الحسن بن الزاغوني، وغيرهم ممن يقول بأن الله فوق العرش وليس بجسم ".

وقال الإمام الدارمي في الرد على الجهمية :" أقرت هذه العصابة -الجهمية- بهذه الآيات بألسنتها ، وادعوا الإيمان بها، ثم نقضوا دعواهم بدعوى غيرها، فقالوا : الله في كل مكان ، لا يخلو منه مكان . قلنا : قد نقضتم دعواكم بالإيمان باستواء الرب على عرشه ، إذ ادعيتم أنه في كل مكان . فقالوا : تفسيره عندنا : أنه استولى عليه وعلاه . قلنا : فهل من مكان لم يستول عليه ولم يعله حتى خص العرش من بين الأمكنة بالاستواء عليه ، وكرر ذكره في مواضع كثيرة من كتابه ؟ فأي معنى إذا لخصوص العرش إذ كان عندكم مستويا على جميع الأشياء كاستوائه على العرش تبارك وتعالى . هذا محال من الحجج ، وباطل من الكلام ، لا تشكون أنتم إن شاء الله في بطوله واستحالته ، غير أنكم تغالطون به الناس ...".

ثم نقل الإجماع على علو الله فقال:" ثم إجماع من الأولين والآخرين ، العالمين منهم والجاهلين ، أن كل واحد ممن مضى وممن غبر إذا استغاث بالله تعالى ، أو دعاه ، أو سأله ، يمد يديه وبصره إلى السماء يدعوه منها ، ولم يكونوا يدعوه من أسفل منهم من تحت الأرض ، ولا من أمامهم ، ولا من خلفهم ، ولا عن أيمانهم ، ولا عن شمائلهم ، إلا من فوق السماء ، لمعرفتهم بالله أنه فوقهم ، حتى اجتمعت الكلمة من المصلين في سجودهم : سبحان ربي الأعلى ، لا ترى أحدا يقول : ربي الأسفل، حتى لقد علم فرعون في كفره وعتوه على الله أن الله عز وجل فوق السماء ..."،

قال ابن أبي زمنين رحمه الله تعالى في كتابه الذي صنّفه في أصول السنة باب الإيمان بالعرش:" ومن قولِ أهلِ السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصّه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله عز وجل {الرحمن على العرش استوى }

وقال أبو بكر النقاش حدثنا أبو العباس السراج قال سمعت قتيبة بن سعيد يقول:" هذا قول الأئمة في الإسلام والسنة والجماعة نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه كما قال {الرحمن على العرش استوى}.

وقال الخلال في كتاب السنة أخبرنا المروزي حدثنا محمد بن الصباح النيسابوري حدثنا سليمان بن داود الخفاف قال قال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه:" قال الله تبارك وتعالى {الرحمن على العرش استوى} فهو فوق سماواته على عرشه ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة ..".

وقال الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة العبكري في الإبانة (7/136) :" وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه، فوق سماواته بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه، لا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم، واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين، وقالوا: إن الله ذاته لا يخلو منه مكان، فقالوا: إنه في الأرض كما هو في السماء وهو بذاته حال في جميع الأشياء، وقد أكذبهم القرآن والسنة وأقاويل الصحابة والتابعين من علماء المسلمين، فقيل للحلولية: لم أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش؟ وقال الله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وقال: {ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} [الفرقان: 59] فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش...

قال:" أما قولكم: إنه لا يكون على العرش؛ لأنه أعظم من العرش، فقد شاء الله أن يكون على العرش، وهو أعظم منه "،

وقال:" لكنا نقول: إن ربنا تعالى في أرفع الأماكن، وأعلى عليين، قد استوى على عرشه فوق سماواته، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما نأى كما يعلم ما دنا، ويعلم ما بطن كما يعلم ما ظهر كما وصف نفسه تعالى ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: تفسير آية المعية، وذكر كلام السلف في إثبات العلو وإنكار معية الذات:

المطلب الأول: تفسير آيات المعية:

وردت فيها آيات مطلقة قُيدت بالسياق والسباق واللحاق، وأخرى مقيدة صراحة:

فمن المقيدة بالسياق قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ}[المائدة 12]، وهي معية النصر والتأييد على عدوكم الكنعاني كما هو واضح في السياق.

قال البغوي في تفسيره :" وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ، ناصركم على عدوّكم ".

وكذلك قوله تعالى :{ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)}[محمد]

ومن ذلك آيات مقيدة بسياق معية العلم والبصر كما قال تعالى: { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)} [الحديد]

وقوله :{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}[النساء]

ومن ذلك قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) }[المجادلة]

ووردت آيات قيدت المعية بمعية السمع والبصر والعلم:

قال تعالى عن نبييه موسى وهارون: { قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) }

وقال لهما أيضا :{ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)}[طه]

وبهذا قال السلف والخلف:

1/ روى عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا شريح بن النعمان حدثنا عبد الله بن نافع قال قال مالك بن أنس:" الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان"، قال وقيل لمالك:{ الرحمن على العرش استوى} كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى: استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء".

وقال أصبغ صاحب مالك: «وهو مستوٍ على عرشه، وبكلّ مكان علمه وإحاطته».

وقال الإمام أحمد - وقد قيل له: الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان! - قال: (نعم، هو على عرشه، ولا يخلو شيء من علمه".

وقال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد:" وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل قالوا في تأويل قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به ". 

وقال أبو عمر الطلمنكي في كتابه في الأصول:" أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله استوى على عرشه بذاته".

وقال فيه:" أجمع أهل السنة على أنه تعالى استوى على عرشه على الحقيقة لا على المجاز ثم ساق بسنده عن مالك قوله الله في السماء وعلمه في كل مكان ".

ثم قال :" وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم ونحو ذلك من القرآن بأن ذلك علمه وأن الله فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: ما ورد في إثبات العلو والمعية:

وهذا أمر كثير جدا، لا يجمعه حتى كتاب واحد، وقد أكثر السلف في إثبات هذا في كتبهم في العقائد، وإثبات العلو، وقد جمع شتات كلامهم ابن القيم في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: القول في إثبات المكان العلي للرحمان:

يؤمن أهل السنة بأحاديث الأسماء والصفات والإخبار عن الله، إيمانا معلوم المعنى، من غير تعطيل ولا تأويل، ولا تكييف ولا تمثيل، ولا تجسيم، كما يَكْذِبُ المعطلة على أهل السنة.

والمكانُ من أحاديث الإخبارِ، حيث أخبر النبي عليه السلام بإثبات المكان العلي لله تعالى، ونزوله وصعوده، وارتفاعه على عرشه، مكانا يليق بجلاله، غير محصور بحدّ، ولا محيط به، بل هو تعالى المحيط بكل شيء، والعالي عليه:

والمكان في اللغة يُطلق على نوعين:

1. مكان محصور يليقُ بالأجسام يُنزه الله عنه، وعليه يُحمل قول من أنكر المكانَ من السلف، لأن السلف من هؤلاء المنكرين للفظة المكان، كلهم متفقون مع غيرهم على أن الرب فوق العرش استوى، بخلاف أهل البدع المنكرين لعلو الله أصلا.

2. المكان العالي الغير المحصور بحد: وهو الذي يليق بجلاله تعالى، وعليه يُحمل قول من أثبته من السلف، وهو الذي جاءت به الأدلة الكثيرة التالية، مع قول الصحابي حسان بن ثابت شاعر النبي عليه السلام:

تعالى علوًّا فوقَ عرشٍ إِلــهُنَا ... وكان مكانُ الله أعلا وأرفعا.

ومنهم من ينسب البيت إلى العباس بن مرداس رضي الله عنه كما سيأتي.

وهكذا القول في سائر الأفعال والصفات ، نثبت الوجه المعلوم اللائق بالله، وننفي الوجه الغير اللائق به الذي يحتوي على التشبيه:

كما قال ابن فورك عن صفة نور الله تعالى: إن سأل سائل عن الله عز وجل أنور هو؟ قيل له: كلامك يحتمل وجهين: إن كنت تريد أنه نور يتجزأ تجوز عليه الزيادة والنقصان فلا، وهذه صفة النور المخلوق، وإن كنت تريد معنى ما قاله الله سبحانه {الله نور السماوات والأرض} [النور: 35] فالله سبحانه نور السماوات والأرض على ما قال ".

وقد نقل الطبري اختلاف الأمة حول إثبات المكان بين أهل السنة وغيرهم، بعد اتفاقهم على علو الرب:

فقال الطبري في تفسير آية الكرسي من قوله تعالى:{وهو العلي العظيم}:

" فقال بعضهم: يعني بذلك: وهو العلي عن النظير والأشباه، وأنكروا أن يكون معنى ذلك: "وهو العلي المكان". وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان، لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان ".

وقال آخرون:" معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذِكْره فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم"،

وهذا الثاني، هو الذي عليه أئمة السلف من أهل السنة والمسلمين، وبه صحت الأحاديث،  كما سيأتي.

ومن أنكر المكان فإنما أراد المكان المحصور بحد كأمكنة الخلق، ومن أثبت المكان فإنما جهة العلو فوق العرش، من  غير حصر بحد، بل هو تعالى العلي المحيط بكل شيء. 

قال الطبري  في تفسير قوله تعالى ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ):" يقول تعالى ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا ".

وقال أيضا :" ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ) من خلق(فِي سِتَّةِ أيَّام) ثم استوى على عرشه في اليوم السابع بعد خلقه السموات والأرض وما بينهما.

ومن الأدلة النصية على إثبات المكان ما يلي:

المبحث الأول: ذكر الأدلة المرفوعة على إثبات المكان لله تعالى، والسؤال عنه ب: أين:

المطلب الأول: أدلة العلو والفوقية:

المسألة الأولى: أدلة العلو والفوقانية:

الجنس الأول: الأدلة من القرآن: وهي كثيرة جدا ومتنوعة، .

فطائفة منها مصرحة بالعلو والوقية، وأخرى بالنزول والصعود،

كقوله تعالى: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) }[النحل]

وباقي الأدلة في الصعود والنزول أثناء البحث.

وصنف يدل على إنزال الرب للأشياء، مما يدل على أنه فوقها:

كقوله تعالى :{تنزيل من حكيم حميد}

وقوله تعالى {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم}

{إنا أنزلناه في ليلة القدر}

وثلة أخرى تصرح بصعود الأشياء إلى الرب ورفعها إليه :

كقوله تعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}

وقوله تعالى {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي}

 فلو كان الرب مع نبيه عيسى بذاته لما رفعه إليه، لأنه معه كما تزعم الحلولية، وفي رفع الله له دليل قاطع على أن الرب فوق السماء.  

وثبة تدل على عروج الملائكة والأرواح إليه.

مثل قوله تعالى {ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه ...}

وقوله تعالى {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}

وفرقة تدل على معراج النبي لربه، فلو كان الرب معه في الأرض لما احتاج نبي الإسلام للمعراج لتبيين منزلته عند الرب.

وقد صعد النبي عليه السلام إلى السموات سماءا سماءا حتى انتهى إلى ربه تعالى عند سدرة المنتهى عند العرش، فقرّبه وأدناه وفرض عليه الصلوات خمسين صلاة فلم يزل يصعد وينزل بين موسى عليه السلام وبين ربه تبارك وتعالى ليسأله التخفيف حتى صارت خمسا.

وذكر البخاري في كتاب التوحيد في صحيحه حديث أنس رضي الله عنه حديث الاسراء وقال فيه ثم علا به يعني جبرائيل فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاوز سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه فيما أوحى إليه خمسين صلاة ...".

والأحاديث في المعراج كثيرة.

وفئة أخرى تدل على أنه فوق السماوات، وتلك تنص أنه على العرش...

وزمرة تدلّ على تأيين الله أي السؤال عنه بأين؟  

الجنس الثاني: الأدلة من السنة:

الدليل  الأول: افتخار زينب بتزويج الله لها من فوق سبع سمارات:

خرج البخاري باب {وكان عرشه على الماء}  7420 عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتق الله، وأمسك عليك زوجك»، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات".

ويروى عن كامل بن طلحة، حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس عن جابر لما تزوج علي فاطمة زوجه الله إياها من فوق سبع سماوات .."،

الدليل الثاني: حديث سعد في الفوقية:

خرج البزار عن عامر بن سعد، عن أبيه، أن سعد بن معاذ، حكم على بني قريظة، أن يقتل منهم كل من جرت عليه المواسي وأن تقسم ذراريهم وأموالهم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لقد حكم بينهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات»، قال:" وهذا الحديث قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: من غير وجه، وأعلى من روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم سعد، ولا نعلم له عن سعد طريقا إلا هذا الطريق ".

خرج الأموي في «مغازيه» من حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد يوم حكم في بني قريظة : " لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع سموات "

الدليل الثالث: خبر ابن عباس في براءة أم المؤمنين فمن فوق السبع سماوات:

أ. خرج ابن حبان في الصحيح 7108 عن يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابن أبي مليكة قال: جاء عائشة عبد الله بن عباس يستأذن عليها... فكان من أمر مسطح ما كان، فأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات .."، هذا مرسل منقطع:

ب: وقد خرجه الدارمي في الرد على الجهمية 84 ثنا النفيلي عن زهير بن معاوية، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، أنه حدثه ذكوان، حاجب عائشة رضي الله عنها، أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل على عائشة وهي تموت، فقال لها: «كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله تعالى يذكر فيه الله إلا وهي تتلى فيه آناء الليل والنهار»

ت: ورواه عبد الرزاق قال: أنا معمر، وابن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت ...

الدليل الرابع: في إنزال الوحي من فوق سبع سماوات، إلى الأرضين السبع وأهلنّ:

قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري المعروف بأبِي الشيخ الأصبهاني في العظمة 572 - ذكر جدي رحمه الله تعالى عن عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا نصر بن باب عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن العلاء القرشي عن عبد الملك بن عبد الله الفهري عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم قال: كان العباس بن أنس بن عامر السلمي شريكا لعبد الله بن عبد المطلب أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا عباس، إن الذي أنزل عليَّ الوحي أرسلني إلى الناس كافة، بلسان عربي مبين، من فوق سبع شداد، إلى سبع غلاظ، يتنزل الأمر بينهن إلى كل مخلوق، بما قضى عليهم من زيادة، أو نقصان».

دليل أو الدليل الخامس: في نظر الله لعبده من فوق السبع، وصرف التجارة ونحوها عنه حتى لا تفسده:

قال الدارمي في الرد على الجهمية 80 - حدثنا أحمد بن يونس ثنا أبو شهاب الحناط عن الأعمش عن خيثمة أن عبد الله قال: " إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة، حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سموات، فيقول للملك: اصرفه عنه قال: فيصرفه، فيتظنى بحيرته: سبقني فلان، وما هو إلا الله"، وله متابعة تامة:

قال أبو نعيم (8/252) حدثنا أبو يعلى الزبيري، ثنا محمد بن المسيب، ثنا عبد الله، ثنا يوسف، عن سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن عبد الله، قال: " إن الرجل ليشوق إلى التجارة والإمارة فيطلع الله عليه من فوق سبع سموات , فيقول: اصرفوا هذا عن عبدي فإني إن قضيت له أدخلته النار فيصبح وهو مطاع بحراسة من يستغني عنه ".

قال: غريب من حديث الثوري عن الأعمش، ورواه شعبة عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس، مرفوعا "، كما في: 

الدليل السادس: قال أبو نعيم في الحلية (3/304) حدثنا محمد بن المظفر ثنا أحمد بن عمير ثنا علي بن معبد بن نوح ثنا صالح بن بيان ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا، فيذكره الله تعالى من فوق سبع سماوات، فيقول: يا ملائكتي إن عبدي هذا قد أشرف على حاجة من حوائج الدنيا فإن فتحتها له فتحت له بابا إلى النار، ولكن أذودها عنه، فيصبح العبد عاضا على أنامله، يقول: من سعى بي؟ من دهاني؟ وما هي إلا رحمة رحمه الله بها ". 

قال:" هذا حديث غريب من حديث شعبة والحكم عن مجاهد، لم نكتبه إلا من حديث علي بن معبد عن صالح ".

الدليل السابع: المشتكية التي سمع الله شكواها من فوق السبع سماوات:

قال الدارمي في الرد على الجهمية 79 - حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد يعني المدني قال: لقيت امرأة عمر، يقال لها: خولة بنت ثعلبة - وهو يسير مع الناس - فاستوقفته، فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه، حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟، فقال: ويلك وهل تدري من هذه؟ قال: لا. قال: «هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها، إلا أن تحضر صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها»

الدليل الثامن: شعر قاله عبد الله بن رواحة:

قال الدارمي في الرد على الجهمية ر82 حدثنا سعيد بن أبي مريم المصري أنبأ يحيى بن أيوب حدثني عمارة بن غزية عن قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب أنه حدثه أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقع  بجارية له ، فقالت له امرأته : فعلتها ؟ قال : أما أنا فأقرأ القرآن ، فقالت : أما أنت فلا تقرأ القرآن وأنت جنب ، فقال : أنا أقرأ لك ، فقال :

شهدت بأن وعد الله حق . وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف . وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة كرام . ملائكة الإله مسومينا

فقالت : آمنت بالله وكذبت البصر ".

قال أبو عمر بن عبد البر والألوسي في التفسير: صح عن عبد الله بن رواحة أن امرأته رأته مع جاريته ...

وقال محمد بن عثمان الحافظ:" رويت هذه القصة من وجوه صحاح عن ابن رواحة ".

ومن بين هذه الطرق والمتابعات:

ما قاله أبو بكر عبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا في النفقة وفي الإشراف في منازل الأشراف :" حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني حدثني عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن سلمان عن ابن الهاد أن امرأة ابن رواحة رأته على جارية له فقالت له وهي تكلمه وعلى فراشي أيضا فقام يجاحدها فقالت له : فاقرأ آية من القرآن فإني أعلم أنك لا تقرأ وأنت جنب ، فقال :

شهدت بأن وعد الله حق . وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف. وفوق العرش رب العالمينا

وتحمله ملائكة شداد . ملائكة الإله مسومينا ".

ورواه أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن سليمان الطوسي أخبرنا الزبير بن بكار حدثني موسى بن جعفر بن أبي كثير حدثني عبد العزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة عن الثقة أن عبد الله بن رواحة الأنصاري كانت له جارية فاتهمته امرأته أن يكون أصابها فقالت إنك الآن جنب منها فأنكر ذلك فقالت فإن كنت صادقا فاقرأ القرآن وقد عهدته لا يقرأ القرآن وهو جنب فقال:

شهدت بأن وعد الله حق ... وأن النار مثوى الكافرينا

وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا

ويحمله ثمانية شداد ... ملائكة الإله مسومينا

المسألة الثانية: تصريح السلف بعلو الرب العلي الأعلى:

الدليل الأول: تصريح زينب زوجة رسول الله:

منها ما مضى عن زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات ".

الأثر الثاني: تعجب عائشة من سعة صفة السمع لله:

خرجه ابن ماجه 188 باب فيما أنكرت الجهمية عن عائشة قالت: " الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت، تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1] "

وقد بوب عليه البخاري باب قول الله تعالى: {وكان الله سميعا بصيرا} ثم ذكره.

ففهمت عائشة بأن الرب تعالى ليس معنا بذاته، لكن بسمعه وبصره وعلمه، ولذلك تعجبت من عدم سماعها مع قربها، بينما سمع الرب صوت المجادلة، ولذلك تعجبت تصديقا لصفة السمع للرب، مع كونه في السماء. 

الأثر الثالث: روى مُوسَى بْنُ دَاوُد ثنا أَبُو مَسْعُودٍ الْجَرَّار عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ قَالَ:كَانَ مَسْرُوقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ؛ فَلَمْ أُكَذِّبْهَا ".

الأثر الرابع: روى الدارمي والحاكم والبيهقي وغيرهم بأصح إسناد إلى علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول:" نعرف ربنا بأنه فوق سبع سموات على العرش استوى بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية"

المطلب الثاني: الأدلة الصحيحة والمعتبرة المصرحة بإثبات المكان:

مر أن إثبات المكان لله لا يلزم منه التشبيه بأن يكون مثل مكانه مثل أماكننا تعالى الله عن التشبيه، بل مكان الله هو العلو الذي يليق به من غير أن يحصره ظرف، فهو الله العلي الأعلى فوق كل شيء، وفيما يلي أبرز الأدلة المصرحة بالمكان العلي لله الأعلى:    

المسألة الأولى: أحاديث التأيين، أي السؤال عن الله ب: أين، التي هي سؤال عن المكان:

إن السؤال عن الله ب: أين الله"، أمر تواترت به الأحاديث الصحيحة، في مواطن عديدة، فقد كان من هدي النبي عليه السلام في إعتاق الرقاب، أن لا يكتفي بشهادتهم بالتوحيد فقط، كما قال الشافعي والسلف، بل كان يختبر العبيد والجواري قبل عتقهم، وذلك بسؤالهم عن مكان ربهم : أين الله، ونحو ذلك من الأسئلة التي تبين صدق هؤلاء:

وقد تكاثرت أحاديث التأيين تكاثرا يصل إلى حد التواتر، إلا أن الجهمية والقبورية الملحدين، بعلو رب العالمين، حاولوا بكل جهدهم المَهين، تضعيف هذه الأحاديث الصحيحة بدعوى أنها مضطربة وآحاد، وقد تناسوا أنهم يستدلون حتى بالآحاد الضعيفة المضطربة، كاستدلالهم على التوسل بذات النبي عليه السلام بحديث تفرد به أبو جعفر ومع تفرده فقد اضطرب عليه اضطرابا كثيرا كما بينته في كتاب الفروق بين التوسل المشروع والممنوع، بل ذكرت أنهم يستدلون حتى على الاستغاثة الشركية بأحاديث آحاد ضعيفة، ولا تدل على شركهم بالله كحديث نجدة الملهوف أو التائه أو الغريق:" يا عباد الله أغيثنوني ..."،

بل ويستدلون بحديث موضوع فيه إنكار النبي عليه السلام لمن سأل:" أين الله"؟

ثم ينكرون حديثا صحيحا في صحيح مسلم اتفقت الأمة على قبوله، وتصحيح أحاديثه، بل وقد اتفقت الأمة على تصحيح هذا الحديث بالذات كما سنبين:

وقد تكررت هذه القصة في مواطن مختلفة، ومن أنكر الإشارة إلى السماء من الجهمية والقبورية، فعليه أن ينكر مئات الأحاديث الصحيح في رفع اليدين إلى الله العلي الأعلى، لأن فيها الإشارة إلى الله بالعلو ورفع الأيدي إليه كما بينته في كتاب:" الوعاء في أحاديث الرفع من كل دعاء" : 

وأما أحاديث ابتلاء الجواري، ومعرفتهم بمكان ربهم، فهي متعددة، وفي مواطن متنوعة، منها:

أحاديث في كفارة الصحابي الذي ضرب الجارية أن يكفر بعتقها إذا كانت تعرف أين الله؟

ومنها أحاديث في النذور لمن نذر أن يعتق رقبة.

ومنها أحاديث في عتق الرقاب عن ألآباء والأقارب.    

الحديث الأول والثاني: حديث الجارية في السؤال عن الله ب" أين"، والإشارة إلى السماء:

وهو في كفارة الصحابي الذي ضرب الجارية أن يكفر بعتقها إذا كانت تعرف أين الله؟

وهذا رواه يحي وأبو حنيفة ومالك:

الحديث 1/ فأما رواية أبي حنيفة:

فقد رواها أبو حنيفة في مسنده ر3 عن عطاء أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوه: أن عبد الله بن رواحة كانت له راعية تتعاهد غنمه، وأنه أمرها تتعاهد شاة، فتعاهدتها حتى سمنت الشاة، واشتغلت الراعية ببعض الغنم، فجاء الذئب، فاختلس الشاة وقتلها، فجاء عبد الله، وفقد الشاة، فأخبرته الراعية بأمرها فلطمها، ثم ندم على ذلك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: " ضربت وجه مؤمنة! فقال: إنها سوداء لا علم لها، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فسألها: أين الله؟ فقالت: في السماء، قال: فمن أنا؟ قالت: رسول الله، قال: إنها مؤمنة، فأعتقها، فأعتقها "

عطاء أظنه ابن يسار صاحب الحديث الآتي في صحيح مسلم، وفيه بعض تعيين أحد الصحابة الذين حدثوه، مع أن جهالة الصحابي أو الاختلاف في تسميته لا تضر صحة الحديث:  

الحديث 2/ فقد خرجه الإمام مسلم في الصحيح 537 عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي .. قال:" وكانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها أين الله ؟ قالت في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة"،

وقد زعم الجهمية أنه حديث آحاد أو ضعيف مضطرب، لأنه يخالف كفرهم بعلو ربهم العلي الأعلى، وكذبوا في ذلك، فقد خرجه مسلم في الصحيح وصححه كل الحفاظ، وإنما وجد الاختلاف في غير هذا الطريق والحديث الصحيح، لكن القوم يتعلقون بكل شيء لأجل التدليس والرد للحق بالباطل، بينما تراهم يستدلون بالأحاديث الأحاد المضطربة وحتى الموضوعة إذا وافقت أهواءهم كاستدلالهم بالآحاد المنكرات المبيحة للاستغاثة والتوسل... كما ذكرت في مظانها من كتبي:

وأما هذا الحديث الصحيح فقد خرجه الإمام مسلم في الصحيح وأبو عوانة في مستخرجه الصحيح على مسلم 1183 وابن حبان في صحيحه 165 وابن خزيمة في التوحيد مصححا له، وابن الجارود في المنتقى الذي انتقى منه الأحاديث الصحيحة ر212، وخرجه قوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الحجة ر56 وصححه، وكذلك صحح طريق مسلم الإمام الدارقطني فقال في العلل:"والصحيح حديث يحيى بن أبى كثير وفليح بن سليمان عن هلال بن أبى ميمونة".

كل هؤلاء رووا الطريق الصحيح من طرق متعددة عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم

وقال البغوي في شرح السنة: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم،".

وقال ابن قدامة في العلو: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ "،

وقال الذهبي في العلو:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيح رَوَاهُ جمَاعَة من الثِّقَات عَن يحيى... أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغير وَاحِد من الْأَئِمَّة فِي تصانيفهم يمرونه كَمَا جَاءَ وَلَا يتعرضون لَهُ بِتَأْوِيل وَلَا تَحْرِيف ".

بل حكم الإمام الدارمي على كُفر من رد هذا الحديث الصحيح لمخالفته النصوص والمتواتر والإجماع، وعثمان الدارمي هو أئمة الحديث راوي كتاب التاريخ والرجال عن الإم يحيى بن معين، وهو صاجب كتاب الرد على المريسي والرد على الجهمية الذي قال فيه ص198:" ونكفرهم أيضا أنهم لا يدرون أين الله، ولا يصفونه بأين، والله قد وصف نفسه بأين، فقال:{الرحمن على العرش استوى}... فهذا كله وصف بأين ، ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأين ، فقال للأمة السوداء : « أين الله ؟ » فقالت : في السماء ، قال: « من أنا ؟» قالت : أنت رسول الله قال :« أعتقها فإنها مؤمنة» ، والجهمية تكفر به، وهذا أيضا من واضح كفرهم، والقرآن كله ينطق بالرد عليهم، وهم يعلمون ذلك، أو بعضهم، ولكن يكابرون ويغالطون الضعفاء..".

وكذلك خرجوه هم والنسائي 1218 وابن منده في التوحيد عن الأوزاعي ثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة حدثني عطاء بن يسار حدثني معاوية بن الحكم مثلهم تماما.

وقد صرح يحيى بن أبي كثير بالسماع في العديد من الروايات، كما قال أبو الفضل، حسن بن محمد بن حيدر الوائليّ الصنعانيّ في نزهة الألباب: وقد صرح يحيى بالسماع كما عند أحمد وفيه رد لمن ضعف الحديث بهذا من جهلة المعاصرين حسب ما بلغنا ".

وكذلك صححه الألباني ورد على الكوثري الجهمي الذي طعن فيه بدعوى الاضطراب وعدم السماع.

وكذلك خرجه أبو عوانه في مستخرجه الصحيح على مسلم وابن حبان في صحيحه وابن الجارود في المنتقى مصححا له، وابن خزيمة في التوحيد مصححا له مبوبا عليه:" باب ذكر الدليل على أن الإقرار بأن الله عز وجل في السماء من الإيمان"، وأبو داود 3282 وسكت عنه محسنا له، ثم خرجوه بهذا السند المتفق.

من طرق عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير: حدثني هلال بن أبي ميمونة: حدثني عطاء بن يسار: حدثني معاوية بن الحكم السلمي به مسلسلا بالسماع عند ابن خزيمة وغيره، فما بال الجهمية يكذبون ويكفرون.

وقد صححه كل أهل المسلمين وأهل الحديث، وما نعلم  أحدا تكلم فيه غير الجهمي زاهد الكوثري ومن سبقه كالمريس الجهمي ومن تبعهم قبحهم الله.

. وكذلك رواه غير الأوزاعي عن يحي: كما رواه ابن أبي عاصم في المثاني (2/571) مسلسلا بالتحديث حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْن يَزِيد الْعَطَّار حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ هِلالَ بْنَ أَبِي آمِنَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ حَدَّثَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحَكَمِ السُّلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ...

. وكذلك رواه أبو داود الطيالسي ثنا حرب بن شداد وأبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي، فذكره.

وحتى البيهقي الذي يستدل به الجهمية مدلسين، فإنه أثبت العلو والاستواء لله تعالى ثم قال عن هذا الحديث:" وهذا صحيح، قد أخرجه مسلم مقطعا من حديث الأوزاعي وحجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير دون قصة الجارية، وأظنه إنما تركها من الحديث لاختلاف الرواة في لفظه. وقد ذكرت في كتاب الظهار من السنن مخالفة من خالف معاوية بن الحكم في لفظ الحديث ".

ولم يذكر في كتاب الظهار اضطراب الحديث، لا إنه ذكر هنا أن مسلم لم يخرج قصة الجارية وهو وهم منه، فقد خرج مسلم في صحيحه 537 الحديث مطولا وبقصة الجارية وبلفظ:" فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة».

وأما ما ذكر البيهقي من مخالفة الصحابي للصحابي معاوية بن الحكم، فالصحابة كلهم عدول حفاظ، وكل واحد حدث بقصة مغايرة عن الآخر، فلا يكون هذا من الاختلاف الذي يؤدي إلى الاضطراب كما يزعم الجهمية، بل هو من الاختلاف الذي يلزم منه التنوع وليس التضاد: 

لنرجع الآن إلى الاختلاف الواقع في الحديث.

فقد مر الصواب في تسمية الصحابي وأنه معاوية بن الحكم، وقيل اسمه عمر بن الحكم، وقد اتفق السلف والحفاظ على أن الاختلاف في تسمية الصحابي لا يضر بصحة الحديث:

2/فقد روى الإمامُ مالك هذا الحديثَ نفسه: عن هلال فأخطأ في تسمية الصحابي، واختلف عليه في تعيينه:

فرواه قتيبية وابن القاسم والشافعي وغيرهم عن مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن لي جارية كانت ترعى غنما لي، فجئتها ففقدت شاة من الغنم، فسألتها عنها، فقالت: أكلها الذئب، فأسفت عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها، وعلي رقبة، أفأعتقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله عز وجل؟ " قالت: في السماء. قال: «فمن أنا؟» ، قالت: أنت رسول الله. قال: «فأعتقها» ...

وقد اتفق الحفاظ على أن مالكا قد أخطأ في تسمية الصحابي:

فقال الشافعي بعد أن رواه عن مالك: مالك سمى هذا الرجل عمر بن الحكم، وإنما هو معاوية بن الحكم "،

كذلك خرجه عنه الطحاوي في مشكله عن المزني عن الشافعي به. 

وكذلك حكم الدارقطني في العلل على مالك بالوهم في اسمه وقال:"والصحيح حديث يحيى بن أبى كثير وفليح بن سليمان عن هلال بن أبى ميمونة ".

 وقال الجوهري في مسند الموطإ:" هكذا رواه مالك عن هلال عن عطاء عن عمرو بن الحكم، وقد رواه الزهري، عن أبي سلمة عن معاوية بن الحكم، وهكذا رواه الناس عن هلال، فقالوا فيه عن معاوية بن الحكم ".

وقال قوام السنة الأصبهاني في الحجة:" أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث فِي الصَّحِيح، وَرَوَاهُ عَن يَحْيَى بن أَبِي كثير جمَاعَة، وَرَوَاهُ مَالك بن أنس عَن هِلَال. إِلَّا أَنه قَالَ: عمر بن الحكم، وَالصَّوَاب مُعَاوِيَة بن الحكم ".

وقال أبو القاسم البغوي في الصحابة من ترجمته: وخالف مالك بن أنس في اسم معاوية بن الحكم فقال عمر بن الحكم ويقال إنه وهم، وقد روى الزهري عن أبي سلمة عن معاوية بن الحكم من هذا الحديث قصة الطير والكهان ".

وقال السيوطي في رجال الموطإ بعد أن ذكر رواية مالك: عمر بن الحكم ثم قال:" وقال يحيى بن أبي كثير عن هلال عن عطاء عن معاوية بن الحكم السلمي وهو المحفوظ ".

وكذلك قال نفسَ الكلام، الإمامُ المزيُّ في تهذيب الكمال وابنُ حجر من ترجمته. 

فأنت ترى كل الحفاظ خطأوا مالكا في تسمية الصحابي فقط، ولم يخطئوه في نفس الحديث، ولا جعلوه مضطربا كما كذبت الجهمية،

ولو قلنا: بأن مالكا لم يخطئ، فيكون الاختلاف في تسمية الصحابي لا يضر كما ذكر الحفاظ في علم المصطلح، بل لو حفظه مالك لاحتمل أن يكون لهذا الصحابي تسميتان: معاوية وعمر بن الحكم.

مع أن هذا الاحتمال بعيد لتخطئة كل الحفاظ للإمام مالك، كما أن الإمام مالكا قد اختلف عليه في تسميته:  

فقد رواه أيضا: كل من مصعب الزبيري ويحيى بن يحيى وهو أحد رواة الموطإ على الصواب فقالا فيه: عن مالك ... عن معاوية بن الحكم.

قال ابن حجر في التلخيص:" مالك في الموطأ من حديث معاوية بن الحكم وأكثر الرواة عن مالك يقولون عمر بن الحكم وهو من أوهام مالك في اسمه ..".

قال ابن حجر:" وهذه الرواية تدل على استحباب امتحان الكافر عند إسلامه بالإقرار بالبعث كما قال الشافعي ".

3/ وورد هذا الحديث مرسلا عن معمر، والموصول الذي رواه الأكثرون أصح، ومعمر اختلف عنه:

رواه عبد الرزاق،16816 - عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: صكَّ رجل جارية له فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في عتقها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أين ربك؟» فأشارت إلى السماء...".

وقد ورد عن معمر من روايات أخرى كما سنبين:

ولهذا الحديث شواهد عديدة عن أبي هريرة وأبي جحيفة وابن عباس وابن عمر كما سيأتي:

الحديث الثالث والرابع: حديث الجارية عن أبي هريرة أو الشريد أو رجل من الأنصار:

وهذه قصة أخرى في عتق الرقبة المؤمنة على من نذر ذلك، بخلاف القصة الأولى فإنها في كفارة من ضرب جاريته ظلما:

وهذه القصة هي التي فيها اضطراب، وليست الحديث الأول كما يدلس الجهمية، فإن هذه قد اختلفوا في تعيين الصحابي فيها: هل هو أبو هريرة أم الشريد أم رجل من الأنصار، وقد اتفق الحفاظ على أن الاختلاف في تعيين الصحابي لا يضر الصحة، لأن الصحابة كلهم عدول.

1/ رواه عبيد الله واختلفوا عنه:

أ: فقد رواه معمر عن الزهري فقال: رجل من الأنصار بدل أبي هريرة، وليس هو من الأنصار، والاختلاف في تعيين الصحابي لا يضر:

. فقد رواه عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن رجل من الأنصار أنه جاء بامرأة سوداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فإن كنت ترى هذه مؤمنة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟» قالت: نعم...".

ب: وهذا عن الأنصاري قد ورد من وجه آخر بلفظ التأيين:

رواه عبد الرزاق،16851 - عن أبي بكر بن محمد عن محمد بن عمرو عن عمرو بن أوس عن رجل من الأنصار أن أمه هلكت وأمرته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له وقال: لا أملك إلا جارية سوداء أعجمية لا تدري ما الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ائتني بها» فجاء بها فقال: «أين الله؟» قالت: في السماء قال: «فمن أنا؟» قالت: رسول الله قال: «أعتقها».

قال الذهبي في العلو:" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد"

ج: ورواه مالك عن الزهري عن عبيد الله، واختلفوا عنه:

. فرواه ابن خزيمة ثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا الحسين بن الوليد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من ذلك". يعني بلفظ:" أين الله..". 

. بينما رواه غيره عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ". لم يذكرالصحابي، وبلفظ:" أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم , قال: أتشهدين أن محمدا رسول الله قالت: نعم ". 

وقد صحح ابن خزيمة الطريقين معا وجعله حديثين منفصلين فقال:" ولست أنكر أن يكون خبرا معمرا ثابتا صحيحا، ليس بمستنكر لمثل عبيد الله بن عبد الله أن يروي خبرا عن أبي هريرة، عن رجل من الأنصار، لو كان متن الخبر متنا واحدا، كيف وهما متنان وهما علمي حديثان لا حديثا واحدا "...

ثم ذكر الأدلة من المتن على تغاير الحديثين فقال:" وفي خبر الزهري أجابت السوداء بنطق نعم بعد الاستفهام لما قال لها أتشهدين أن لا اله إلا الله وفي الخبر أنها قالت نعم وكذا عن الاستفهام قال لها اتشهدين اني رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم نطقا بالكلام والإشارة باليد ليس النطق بالكلام، وفي خبر الزهري زيادة الامتحان بالبعث بعد الموت لما استفهمها أتؤمنين بالبعث بعد الموت فافهموا لا تغالطوا ".

فإذ قد اختلفوا في وصله وإرساله على مالك عن الزهري، ورواه معمر عن الزهري بذكر الصحابي، فهذا يعني ترجيج رواية وصله، لكنه لم يسم الصحابي، وعدم العلم به لا يضر، ومع ذلك فقد طلبنا الترجيح برواية غيره، فيكون صحيحا من رواية أبي هريرة والرجل الأنصاري:

د: فقد رواه المسعودي وغيره قبل الاختلاط على وجه واحد عن أبي هريرة بلفظ التأيين" أين الله:

خرج أبو داود 3284 وابن خزيمة 183 عن يزيد بن هارون أخبرنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله بجارية أعجمية فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة أفأعتق هذه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فأشارت إلى السماء قال رسول الله ومن أنا قالت فأشارت إلى رسول الله وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها فإنها مؤمنة ".

قال ابن خزيمة 184- حدثنا بحر بن نصر حدثنا أسد السنة يعني ابن موسى قال حدثنا المسعودي بهذا مثله.

وكذلك رواه أبو داود  الطيالسي ثنا المسعودي مثله، وهو حديث صحيح من هذا الوجه.

قال الحارث: وثنا عاصم بن علي، ثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي هريرة. فاتفق هؤلاء الأربعة على السند والمتن بلفظ التأيين "أين الله".

ه: وكذلك رواه عاصم عن بعض أصحابه عن أبي هريرة وفي الإشارة إلى جهة العلو والسماء:

قال الحارث: وثنا عاصم بن علي ثنا المسعودي عن عون بن عبدالله عن أبي هريرة.

قال عاصم: وأخبرني بعض أصحابنا عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: "جاء رجل بجارية سوداء لا تفصح، فقال: إني جعلت علي رقبة مؤمنة أفأعتق هذه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من ربك؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقال: من أنا؟ فأشارت إلى السماء- تعني أنك رسول الله- قال: أعتقها فإنها مؤمنة".

الحديث الرابع: رواية محمد بن عمرو:

وقد ورد عن أبي هريرة أو الشريد، وقد يكون الشريد هو المبهم الأنصاري في الحديث السابق، وهو نفسه هو الرجل المعتق للجارية على اختلاف في اسمه، والاختلاف في التسمية لا يضر كما أسلفنا:

. فرواه محمد بن عمرو بن علقمة واختلف عنه في تعيين الصحابي أو ذِكره، وهل صاحب القصة عمرو بن الشريد أم محمد بن الشريد..:  

. فقيل: صاحب القصة هو محمد بن الشريد:

كما خرج ابن خزيمة في التوحيد 182- والطحاوي في مشكل الآثار (12/522) عن زياد بن الربيع وعبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن محمد بن الشريد جاء بخادم سوداء عتماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي جعلت عليها عتق رقبة مؤمنة فقال يا رسول الله هل يجزى أن أعتق هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للخادم: أين الله؟ فرفعت رأسها فقالت في السماء، فقال: من أنا، قالت: أنت رسول الله فقال: إعتقها فإنها مؤمنة".

وكذلك حدث به كما قال ابن الأثير:" محمد بن الحسين بن مكرم، عن محمد بن يحيى القطعي عن زياد بن الربيع عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن محمد بن الشريد جاء بجارية سوداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أمي جعلت عليها عتق رقبة مؤمنة، فيجزئ عنها أن أعتق هذه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: أين ربك ؟ فرفعت يدها إلى السماء. فقال: من أنا ؟ قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة ".

قال: كذا ذكره ابن منده، وقال أبو نعيم: إنما هو عمرو بن الشريد"،

وهذا قد خرجه أبو نعيم في الصحابة من ترجمته عن العسكري عن محمد بن يحيى يعني القطعي ثنا زياد بن الربيع ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عمرو بن الشريد جاء بخادم سوداء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي جعلت عليها رقبة مؤمنة، فهل يجزئ أن أعتق هذه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للخادم:" أين ربك؟ فرفعت رأسها فقالت: في السماء،...".

ثم صوب أبو نعيم أن اسمه عمرو بن الشريد فقال:" لا يعرف في أولاد الشريد محمد، وعمرو معروف، حدث عنه يعلى بن عطاء، وإبراهيم بن ميسرة، وبكير بن الأشج، ويعقوب بن عطاء، وعمرو بن شعيب، وغيرهم "،

. هكذا رواه زياد وعبد العزيز كلاهما عن محمد من حديث أبي هريرة .

كما في رواية الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة، كذلك هي رواية المسعودي عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة.

وخالفهم حماد، في ذكر التأيين، وأسقط منه أبا هريرة، وجعله عن الشريد نفسه. 

فرواه أبو داود 3283 - حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد أن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة، وعندي جارية سوداء نوبية، فذكر نحوه".

فذكره عطفا على رواية :" أين الله"، يعني فهذه مثلها، واختلف عنه في السند:   

. بينما رواه عبد الصمد ومهنا بن عبد الحميد وهشام أبو الوليد عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشريد بن سويد الثقفي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أمي أوصت أن تعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية نوبية أفيجزئ عني أن أعتقها عنها؟ قال: "ائتني بها"، فأتيته بها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "من ربك؟ " قالت: الله،، قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله، قال: "فأعتقها فإنها مؤمنة".

. ورواه خالد عن حماد مرسلا:" كما قال أبو داود: خالد بن عبد الله أرسله لم يذكر الشريد.

وقال ابو نعيم:" ورواه أبو معاوية وعبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا".

فيكون الحديث صحيحا من رواية أبي هريرة والرجل الأنصاري بلفظ التأيين، لأنه لم يحدث فيهما اختلاف، وما حدث من اختلاف في رواية غيرهما، فإننا نرجح رواية من رواه من هذين الطريقين كما قال ابن خزيمة، لأن رواية من لم يختلف عليه أولى من رواية من اختلف عليه، وبالله التوفيق.

الدليل الخامس: حديث عون بن أبي جحيفة أو عون بن عبد الله عن أبيهما، في إعتاق جارية أخرى في النذور بلفظ التأيين:

ورد عن عون بن أبي جحيفة، وعن عون بن عبد الله:

قال الطبراني في الكبير 297 - حدثنا عبدان بن أحمد ثنا الجراح بن مخلد ثنا محمد بن عثمان الجزري ثنا سعيد بن عنبسة القطان ثنا أبو معدان قال سمعت عون بن أبي جحيفة يحدث عن أبيه قال:" أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة ومعها جارية سوداء : فقالت المرأة : يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة أفتجزي عني هذه ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين الله ؟ قالت : في السماء قال : فمن أنا ؟ قالت : أنت رسوله قال : أتشهدين أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ قالت : نعم قال : أتؤمنين بما جاء من عند الله ؟ قالت : نعم قال : أعتقها فإنها مؤمنة ".

قال الهيثمي:" واه الطبراني، وفيه سعيد بن عنبسة، وهو ضعيف "، وقال مرة:" لم أعرفه"، وقد قيل أنه هو الرازي المتهم نفسه، فالله أعلم، ولئن كان مجهولا فقد توبع: 

فقد خرجه الخطيب في تاريخه من ترجمة صرد وأثنى عليه: عن علي بن عمر الحافظ هو الدارقطني، قال: حدثنا إسماعيل بن العباس بن محمد الوراق: حدثنا صرد بن حماد أبو سهل: حدثنا الحسن بن الحكم بن طهمان حدثنا أبو معدان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعها جارية لها سوداء، فقالت: يا رسول الله، " أتجزي عني هذه إن أعتقتها؟ قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء...".

قال علي بن عمر: هذا غريب من حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه، تفرد به أبو معدان، وهو غريب من حديث أبي معدان عبد الله بن معدان، تفرد به الحسن بن الحكم عنه، ولا أعلم حدث به غير صرد بن حماد ".

وصرد أثنى عليه الخطيب، وقد توبع من طرف الثقة الجليل ابن مسهر بتصريح من الدارقطني نفسه.

وابن طهمان قال عنه أبو حاتم:" حديثه صالح ليس بذاك يضطرب، وأهل البصرة لا يعرفونه"، ومع صلاحه فقد تابعه عبد الرحمن بن مسهر فرواه عن أبي معدان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه كما قال الدارقطني في العلل ر815 .

وأبو معدان قال عنه الدارقطني: لا بأس به"، وبهذا يكون هذا الحديث صحيحا من هذه الطرق الثلاثة عن أبي معدان عن عون،

مع أنه قد ورد عن أبي معدان عن عون بن عبد الله عن أبيه. 

فقد قال الدارقطني في العلل :" يرويه أبو معدان واختلف عنه:

فرواه أبو عاصم النبيل عن أبي معدان عن عون بن عبد الله عن أبيه عن جده

وخالفه عبد الرحمن بن مسهر فرواه عن أبي معدان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه"،

ثم قال الدارقطني:" والصحيح حديث أبي عاصم، واسم أبي معدان عبد الله بن معدان كوفي لا بأس به ".

قلت: وكذلك رواية ابن مسهر فإنه ثقة، وقد تابعه ابن طهمان فتكون روايته أصح، وهي صحيحة أيضا،

والحاصل أن الدارقطني قد صحح هذا أصل الحديث وبالله التوفيق.

دليل سادس: حديث حاطب في عتق رقبة عليه، وإشارتها إلى السماء:

قال ابن الوزير في العواصم، وابن حجر في التلخيص: وفي كتاب السنة لأبي أحمد العسال من طريق أسامة بن زيد عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال جاء حاطب إلى رسول الله بجارية له فقال يا رسول الله، إن عليَّ رقبة فهل يجزي هذه عني؟ قال: أين ربك؟ فأشارت إلى السماء، فقال: اعتقها فإنها مؤمنة ".

دليل سابع: حديث ابن عباس في إعتاق الرقبة المؤمنة يلفظ التأيين:

قال البزار: (الكشف37- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَان عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً أَحْسِبُهُ قَالَ : مُؤْمِنَةً ، فَهَلْ يُجْزِئُ عَنِّي هَذِهِ ؟ فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا ؟ ، قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ".

قَالَ الْبَزَّارُ : وَهَذَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ ".

قال الحافظ الذهبى في العلو (1/18) : هذا محفوظ عن أبى معاوية لكن شيخه قد ضعف ".

وقد ورد من غير هذا الطريق بلفظ:" أتشهدين أن لا إله إلا اللّه؟ قال: نعم. قال: أتشهدين أني رسول ا للّه؟ قالت: نعم. قال: فأعتقها".

روى ذلك ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس-

دليل ثامن: حديث ابن عمر:

قال الحارث في مسنده 16 - حدثنا الخليل بن زكريا ثنا عبد الله بن عون حدثني نافع عن ابن عمر أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني علي نسمة أن أعتقها وإن هذه الجارية أعجمية فيجوز لي أن أعتقها؟ قال: قال لها: «أين ربك؟» قالت: في السماء قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتقها فإنها مؤمنة».

فيه الخليل ضعيف وقد اتهم.

الدليل التاسع: قصة ابن عمر مع الراعي في تأيين الله والإشارة إليه:

خرج الطبراني  13054 - حدثنا محمد بن نصر الصائغ ثنا أبو مصعب ثنا عبد الله ابن الحارث الجمحي ثنا زيد بن أسلم قال: مر ابن عمر براعي غنم، فقال: يا راعي الغنم هل من جزرة ؟ قال الراعي: ليس ههنا ربها، فقال ابن عمر: تقول أكلها الذئب، فرفع الراعي رأسه إلى السماءـ ثم قال: فأين الله ؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول: فأين الله ؟ فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم".

قال الهيثمي :" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن الحارث الحاطبي وهو ثقة"

وقال الذهبي في مختصر العلز:" إسناده جيد".، وقد توبع عبد الله:

قال أبو داود قال: نا محمود بن خالد السلمي: نا عمر يعني ابن عبد الواحد عن عمر بن محمد عن نافع: أن عبد الله بن عمر لقي راعيا بطريق مكة قال له: بعني شاة؟ قال: ليست لي. قال له: فتقول لأهلك أكلها الذئب؟ قال: فأين الله..".

وكذلك رواه قتيبة بن سعيد قال حدثنا محمد بن يزيد الخنيسي عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال خرج ابن عمر رضي الله عنه في نواحي المدينة فمر براعي غنم فقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه؟ فنعطيك ثمنها ونعطيك من لحمها فتفطر عليه فقال: إنها ليس لي بغنم إنها لسيدي. فما عسى سيدك فاعلا؟ إذا فقدها فقلت أكلها الذئب فولى الراعي عنه وهو رافع أصبعه إلى السماء وهو يقول: فأين الله؟ فجعل ابن عمر يردد قول الراعي: فأين الله؟ فلما قدم المدينة بعث إلى مولاه فاشترى منه الغنم والراعي وأعتق العبد ووهب منه الغنم ".

الدليل العاشر: إنكار عثمان على جهلة البغاة الخارجين عليه، ونسبتهم إلى إنكار التأيين عن الله:

قال ابن شبة في تاريخ المدينة (3/1063) حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: إن صعصعة بن صوحان قام ذات يوم فتكلم فأكثر، فقال عثمان بن عفان: «يا أيها الناس، إن هذا البجباج النفاج ما يدري من الله؟ ولا أين الله؟» فقال صعصعة: أما قولك: لا يدري من الله؟ فإن الله ربنا ورب آبائنا الأولين، وأما قولك: لا يدري أين الله؟ فإن الله بالمرصاد، ثم قال: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج: 39] ، فقال عثمان: " ويحك: والله ما نزلت هذه الآية إلا في وفي أصحابنا أخرجنا من مكة بغير حق ".

رضي الله عن سلفنا عثمان، وقبح القتلة البغاة من الخارجين عليه، الذين يجهلون أين الله، أو ينكرون السؤال عن الله ب: أين؟.

هذا أثر حسن، وحماد ينتقي من رواية علي بن زيد، وهو أروى الناس عنه،

وبهذا الحديث قال جماعة من السلف:

قال عبد الله بن أحمد في السنة 596 - حدثني أحمد بن سعيد الدارمي قال: سمعت أبي، سمعت أبا عصمة، وسأله رجل عن الله، في السماء هو؟ فحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " حين سأل الأمة أين الله؟ قالت في السماء، قال: «فمن أنا؟» قالت: رسول الله قال: «أعتقها فإنها مؤمنة» قال: سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنة أن عرفت أن الله تعالى في السماء ".

2/ وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ابن ضمرة عن صدقة التيمي عن سليمان التيمي قال:" لو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال: فأين عرشه قبل أن يخلق السماء؟ قلت: على الماء , فإن قال لي: أين كان عرشه قبل أن يخلق الماء؟ قلت: لا أدري"، ومن طريقه خرجه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (ر671)

وقال البخاري في كتاب خلق أفعال العباد قال ضمرة بن ربيعة عن صدقة عن سليمان سمعته يقول:" لو سئلت أين الله لقلت في السماء ولو سئلت أين كان العرش قبل السماء لقلت على الماء ولو سئلت أين كان قبل الماء لقلت لا أدري ".

وقد أفتى الدارمي وغيره بتكفير من أنكر حديث التأيين:" أين الله؟

وأفتى آخرون بأنه يجب على القاضي أن يقتل منكر التأيين، كما أفتوا بقتل الجهم والمريسي:

خرج الخطيب وغيره في ترجمة بشر عن يحيى ابن عاصم قال: كنت عند أبي، فاستأذن عليه بشرٌ المريسي، فقلت: يا أبتِ، يدخل عليك مثل هذا!! فقال: يا بُني، وماله؟ قال، قلت: إنه يقول: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض، وإن الجنة والنار لم يُخلقا، وإن منكراً ونكيراً باطلٌ، وإن الصراط باطل، وإن الشفاعة باطلٌ، وإن الميزان باطل، مع كلام كثير.

قال، فقال: أدخله علي، فأدخلته عليه، قال: فقال: يا بشر أدنه، ويلك يا بشر ادنه، مرتين، أو ثلاثاً، فلم يزل يدينه حتى قرب منه، فقال: ويلك يا بشر، من تعبد، وأين ربك؟ فقال: وما ذاك يا أبا الحسن.

قال: أخبرتُ عنك أنك تقول: القرآن مخلوق، وإن الله معك في الأرض. مع كلام، ولم أر شيئاً أشد على أبي من قوله: القرآن مخلوق، وإن الله معه في الأرض،

فقال: يا أبا الحسن، لم أجيء لهذا، إنما جئتُ في كتاب خالد تقرأه علي.

قال: فقال له: لا، ولا كرامة، حتى أعلم ما أنت عليه، أين ربك ويلك؟ قال، فقال له: أوتعفيني؟ قال: ما كنت لأعفيك، قال: أما إذا أبيت، فإن ربي نور في نور.

قال: فجعل يزحف إليه، ويقول، ويلكم، اقتلوه، فإنه والله زنديقٌ، وقد كلمت هذا الصنف بخراسان ..".

 فأنت ترى أنه أقام عليه الحجة ثم كفره، وأمر بقتله قبحه الله، وكذلك حكم عليه الدارمي في كتاب الرد على المريسي الجهمي.

وخرج الخطيب عن يزيد بن هارون: وذكر أبا بكر الأصم، والمريسي، فقال: هما والله زنديقان كافران بالرحمن حلال الدم".

وخرج عن ابن خلاد عن سفيان بن عيينة:" اقتلوه، قال ابن خلاد: فأنا فيمن ضربته بيدي ".

وخرج الخطيب عن شبابة بن سوار:" اجتمع رأيي ورأي أبي النضر هاشم بن القاسم، وجماعة من الفقهاء على أن المريسي كافر جاحد أرى أن يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه ".

وقال الإمام البخاري في خلق أفعال العباد:" وقال عبد الحميد: «جهم كافر بالله العظيم»، وقال وكيع:" أحدثوا هؤلاء المرجئة الجهمية، والجهمية كفار، والمريسي جهمي، وعلمتم كيف كفروا، قالوا: يكفيك المعرفة، وهذا كفر "،

المسألة الثانية: بقية الأدلة على إثبات المكان العلي الغير المحصور للرحمان:

دليل أو الدليل الأول: قال الدارقطني في الرؤية وفي النزول (ر7): حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة وعبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الهمداني قالا: ثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني ثنا محمد بن إسماعيل الجعفري ثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« إن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا لثلث الليل، فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له، ألا مقتر عليه فأرزقه، ألا مظلوم يستنصر فأنصره، ألا عان يدعوني فأفك عنه، فيكون ذلك مكانه حتى يصلى الفجر، ثم يعلو ربنا عز وجل إلى السماء العليا على كرسيه"،

هذا حديث ضعيف، لكن هل يُقبل في المتابعات والتقوية؟

قال ابن حجر في الفتح: هو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة بن أسلم وفيهما مقال"،

قلت: أما الجعفري فقد وثقه ابن حبان ولم يطعن فيه أبو حاتم، وأما عبد الله بن سلمة فقد قال عنه أبو زرعة وهو من المتشددين: منكر الحديث، بينما قال ابن ماكولا: في حديثه لين"، وهو من أشراف أصحاب الإمام مالك رحمه الله، وله قصة معه تدل على صدقه، وقبوله في الشواهد.

لما خرجه الخطيب في الكفاية عن محمد بن إسماعيل الجعفري حدثني عبد الله بن سلمة بن أسلم قال: ما كنا نتهم أن أحدا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدا، حتى جاءنا قوم من أهل المشرق فحدثوا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا عندهم بأحاديث لا نعرفها، فالتقيت أنا ومالك بن أنس فقلت: يا أبا عبد الله، والله إنه لينبغي لنا أن نعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هو، وعمن أخذناه، فقال: صدقت يا أبا سلمة، فكنت لا أقبل حديثا حتى يسند لي، وتحفظ مالك .. فحدثته ـ عبد الله ـ بعض ما حفظت فعجب له، وقال: أصبت يا ابن أخي، فزادني في ذلك رغبا "،

فعُلم أنه يُقبل في المتابعات وهي موجودة:

الدليل الثاني: قال أبو بكر الخطابي في الغنية عن الكلام وأهله، والصابوني في عقيدة السلف: أخبرنا أبو محمد المخلدي حدثنا أبو العباس الثقفي حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر قال أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يمهل حتى إذا كان ثلث الليل هبط إلى هذه السماء ثم أمر بأبواب السماء ففتحت فقال هل من سائل فأعطيه هل من داع فأجيبه هل من مستغفر فأغفر له هل من مضطر أكشف عنه ضره هل من مستغيث أغيثه، فلا يزال ذلك مكانه حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا"،

هذا حديث صحيح من رواية الثقات والمعدلين، فأبو محمد المخلدي هو الحسن بن أحمد بن محمد العدل الحافظ صاحب كتاب الفوائد والأمالي، وأبو العباس الثقفي هو السراج محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحافظ، والبقية أئمة معروفون.  

الدليل الثالث: حديث المعراج في إثبات المكان العلي لله الأعلى:

قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/527) حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة في قصة فرض الصلوات، وفيه قول موسى لنبينا عليه السلام:" إن أمتك لا تستطيع ذلك، إرجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت إلى جبريل عليه السلام كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى إلى الجبار وهو مكانه، فقال يا رب خفف فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات.."،

هذا حديث صحيح مشهور، قد صححه ابن خزيمة وأدرجه في كتابه الذي اشترط فيه الصحة من رواية الثقات، وقد رواه الناس عن شريك،

وخرجه ابن منده في الإيمان (2/718) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَن شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ ... فَالْتَفَتَ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فَأَشَارَ إِلَيْهِ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلَا بِهِ حَتَّى أَتَى الْجَبَّارَ وَهُوَ مَكَانَهُ، فَقَالَ: «يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا»،

ثم قال ابن منده: رواه حرملة وغيره، وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد، قال: أنبأ محمد بن أحمد ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران ثنا هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب بإسناده مثله،

وقال ابن منده  أنبأ خيثمة بن سليمان ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا عبد العزيز الأويسي أنبأ سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك الأنصاري ح وأنبأ علي بن محمد بن نصر وأحمد بن إسحاق بن أيوب ثنا الحسن بن زياد الرازي ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أخي عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله أبو بكر عن سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك:"  فعلا به حتى أتى الجبار وهو مكانه، فقال: يا رب خفف عنا.."،

قال ابن منده: رواه عبد العزيز الأويسي وغيره عن سليمان، ورواه عبد العزيز الدراوردي وسعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن شريك".

وخرجه البخاري في صحيحه 7079 بلفظ:" فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه: يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا فوضع عنه عشر صلوات ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات.."،

والضمير في: هو مكانه، يعود على الله تعالى كما بينت ذلك رواية ابن خزيمة وابن منده السابقة، وكذلك هي سائر الروايات:

فقد أشار إليه مسلم في صحيحه وخرجه 162 من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص"،

وقد بين ذلك غير مسلم:

فخرجه أبو عوانة في مستخرجه الصحيح على مسلم من طريق ابن وهب  به بلفظ:" فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك وأشار إليه أن نعم إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى إلى الجبار وهو في مكانه، فقال: يا رب خفف عنا.."،

وكذلك خرجه أبو نعيم في مستخرجه الصحيح على مسلم (1/230) بلفظ:" فعلا به حتى أتى الجبار وهو مكانه، فقال يا رب خفف عنا.."،

وكذلك خرجه الطبري في تهذيب الآثار (ر719) حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا ابن وهب به بلفظ: " .. فعلا به جبريل حتى أتى إلى الجبار وهو مكانه، فقال: « يا رب، خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا ".

دليل أو الدليل الخامس: قسم الله بارتفاع مكانه:

قال البغوي في تفسير قوله تعالى:{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ}: أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرّياني أنا حميد بن زنجويه أنا أبو الأسود أنا ابن لهيعة عن درَّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الشيطان قال: وعزتِك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"،

هذا حديث مقارب، فيه ابن لهيعة لَيّن، إلا أن قتيبة بن سعيد ممن كان ينتقي من حديثه وقد رواه عنه قبل الاختلاط:  

فقال البيهقي في الصفات 1/ 221:" أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا جعفر بن محمد ثنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن الشيطان قال: وعزتك لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم - يعني في أجسادهم - قال الرب عز وجل : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال أغفر لهم ما استغفروني »،

وهذا حديث مقارب حسن لما ذكرت، وقد استدل به الشيخ ابن تيمية على إثبات المكان، فقال في بيان تلبيس الجهمية 2/113 :" ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون أنه مستو عليه أو مستقر أو متمكن عليه، والذين لا يقولون ذلك، أن العرش مفتقر إلى الله، والله غني عن العرش، بل هم متفقون على أن الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات، هذا مع ما جاء في الآثار من إثبات مكانه تعالى كالحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ان الشيطان قال: وعزتك يارب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت ارواحهم في أجسادهم، فقال الرب تعالى: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا أزال اغفر لهم ما استغفروني"،

ثم قال ابن تيمية: وفي شعر حسان بن ثابت: ...      

تعالى علوا فوق عرش الهنا ... وكان مكان الله أعلا وأرفعا

دليل أو الدليل السادس: شعر موقوف عن الصحابي العباس، ويقال: حسان بن ثابت:

له متابعتان:

1/ قال ابن القيم في اجتماع الجيوش 198:" قول العباس بن مرداس السلمي، وكذلك ذكره ابن العربي في الأحكام، والحافظ الذهبي في العلو 49، وخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو ر24 قال: أنبأنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش، أنبأ أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش أنبأ أبو علي محمد بن الحسين الجازري، أنبأ أبو الفرج المعافى بن زكريا بن يحيى (الجريري) ثنا محمد بن القاسم الأنباري، ثنا محمد بن المرزبان ثنا أبو عبد الرحمن الجوهري ثنا عبيد الله بن الضحاك أنبأ الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال:" لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد الشعراء اليه فأقاموا ببابه أياما... وفيه:" فدخل عدي على عمر فقال يا أمير المؤمنين، الشعراءُ ببابِك وسهامهم مسمومه وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي مالي وللشعراء، قال: أعز الله امير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتدح فأعطى ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنه، فقال: كيف؟ قال:" امتدحه العباس بن مرداس السلمي، فأعطاه حلة قطع بها لسانه، قال: أَوَ تَرْوِي من قوله شيئا؟ قال: نعم، فأنشده: ...

تعالى علوًّا فوقَ عرشٍ إلهُنَا ... وكان مكانُ الله أعلى وأعظما ...

قال : صدقت... ثم ذكر بقية الخبر،

يحيى بن أسعد بن بوش شيخ لابن قدامة وابن الأثير وابن النقطة محمد بن عبدالغني البغدادي، وابن النجار ومحمد بن عبد الغني البغدادي في التكملة، وعلي بن هبة الله ابن ماكولا ويقولون عنه: شيخنا يحيى بن أسعد بن بوش"، وذكروا أنه أحد رواة الكتب المتقدمة ويجيز فيها.

قال عنه تلميذه ابن النقطة:" وكان مكثرا صحيح السماع ".

وقال كمال الدين أبو البركات المبارك بن الشعار الموصلي في قلائد الجمان  :" من شيوخ بغداد الثقات".

وفي ذيل تاريخ بغداد قال عنه تلميذه:" وكان سماعه صحيحًا ".   

وأما أحمد بن عبيد الله بن كادش فهو أبو ياسر العكبري،

وهو صاحب كتاب خصائص المسند، وأحد رواة كتاب الصفات للدارقطني، من أبرز مشايخ ابن عساكر وأبي طاهر السلفي. مختلف فيه:

فضعفه بعضهم لأنه أقر على نفسه بوضع حديث ثم تاب منه.

فقال ابن النجار: سمع الكثير بنفسه وقرأ على المشايخ وكتب بخطه، وكان يكتب خطًّا رديًّا وكان يفهم طرفًا من علم الحديث وقد خرَّج وألَّف. سمع منه الأئمة أبو العلاء العطَّار وأبو الفضل بن ناصر وأبو القاسم بن عساكر وأبو موسى المديني وجماعة آخرهم عبد الله بن عبد الرحمن الحربي،

وقال: وكان مخلطًا كذابًا لا يحتج بمثله وللأئمة فيه مقال،

وقال أبو سعد بن السمعاني: كان ابن ناصر سيء القول فيه"، بسبب وضعه لهذا الحديث.   

قال السمعاني:سمعت ابن ناصر يقول:سمعت إبراهيم بن سليمان يقول:سمعت أبا العز بن كادش يقول: وضعت حديثا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقر عندي بذلك ".

قال الذهبي في الميزان: " أقر بوضع حديث وتاب وأناب".

وذكره برهان الدين الحلبي الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث فقال:" مشهور من شيوخ بن عساكر أقر بوضع حديث وتاب لتضادهما انتهى وهذا لا ينبغي أن يذكر مع هؤلاء لأنه تاب".

وهذا ليس بصريح في أنه تعمد الكذب، بل يحتمل أنه روى حديثا موضوعا دلسه عن كذاب، ثم رأى من نفسه الإثم لأنه قد ساهم في نشره فتاب منه، وقد وثقه تلاميذه وهم أعرف به من ابن النجار، إذا صرح بالسماع.

فقد قال السمعاني عن هذه التهمة:" فذكرت هذا لأبي القاسم الدمشقي –ابن عساكر-، فأنكره غاية الإنكار، وقال:كان صحيح السماع، ورأيت سماعه لهذا الكتاب في الأصل مثبتا، وأثنى على أبي العز ".

وقد خرج له ابن عساكر الكثير من الأحاديث في تاريخه ويحتج به، وصحح مسموعاته، مما يبين لك أن المراد بالوضع هو التدليس عن الكذابين،

وكذلك وثقه تلميذه أبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ ابْنُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُوْرٍ بنِ النَّقُّوْرِ البَغْدَادِيُّ، البَزَّازُ فخرج له في كتابه:" الفوائد الحسان عن الشيوخ الثقات " عدة أحاديث.

وقال ابن الجوزي في المنتظم:" وكان مكثرا ويفهم الحديث واجاز لي جميع مسموعاته قد اثنى عليه جماعة منهم أبو محمد بن الخشاب ".

قال ابن الأثير: وكان محدثا مكثرا".

قال الذهبي:" وأما أبو القاسم ابن عساكر وأبو محمد ابن الخشاب فأثنيا عليه".

وقال في التاريخ:" روى الكثير، وأثنى عليه جماعة، قال ابن الجوزيّ: كان مُكْثِرًا ويفهم الحديث".

وقال ابن السّمعانيّ: شيخ مُسْنِد سمع بنفسه، وكان يفهم، وأجاز لي، وحدثنا عنه جماعة".

وأثنى عليه ابن كثير وشكك في اتهامه فقال في النهاية:" سمع الحديث الكثير، وكان يفهمه ويرويه وهو آخر من روى عن الماوردي، وقد أثنى عليه غير واحد، منهم أبو محمد بن الخشاب، وكان محمد بن ناصر يتهمه ويرميه بأنه اعترف بوضع حديث فالله أعلم ".

وقال ابن الغزي في ديوانه:" الإمام المحدث المسند أبو العز السلمي العكبري".

قال الذهبي في السير: الشيخ الكبير.. وطلب الحديث، وقرأ على المشايخ، ونسخ بخطه الرديء المعقد جملة، وجمع وخرج"،

وقال في التاريخ:" روى الكثير، وأثنى عليه جماعة، قال ابن الجوزيّ: كان مُكْثِرًا ويفهم الحديث".

وأما عبد الوهاب الأنماطي ففي كلامه تصحيف: إما قال: كان مخلطا، أو كان مخلّصاً أو مخْلِصا.

ويزعم الذهبي أنه ليس هو نفسه محمدا، لأن محمدا أخاه وكنيته أبو ياسر.

وهذا قد ذكره ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة: مفيد أهل بغداد. وُلد سنة سبع وعشرين وأربعمائة: وسمع، وكتب الكثير وأفاد الناس. وسمع الطلبة والغرباء بقراءته وإفادته الكثير... روى عنة السمرقندي، والسلفي وقال عنه: كان قارىء بغداد، والمستملي بها على الشيوخ، ثقة، كثير السماع ت 496".

وذكره ابن المِبْرَد الحنبلي في جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر قي جمع من الشيوخ الأجلاء الرادين على الأشعرية: وَمِنْهُمْ أَبُو يَاسِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَادِش الْحَنْبَلِيُّ الْمُحَدِّثُ , كَانَ مُجَانِبًا "، فالله أعلم.

 وأما الحسن بن محمد فهو أبو علي الجازريّ. [المتوفى: 452 هـ]راوي كتاب " الجليس والَأنيس " عن مُصنِّفه المعافى بن زكريا الجريريّ، قال الخطيب:" كتبت عنه، وكان صدوقا"،

والمعافى ثقة.

محمد بن القاسم بن بشار الأنبارىّ، صاحب كتاب الأمالي، أحد عيون العلماء باللغة والعربية وأشعار العرب وأيامها، وكذلك أبوه القاسم؛

قال الذهبي: الإمام، الحافظ اللغوي ذو الفنون، وألف الدواوين الكبار مع الصدق والدين، وسعة الحفظ "، وقد توبع كل هؤلاء:

2/ قال ابن الجوزي في المنتظم: أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا المبارك بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ الْمَرْزُبَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ :

لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ ... وفيه:

تَعَالَى عَلَوْا فَوْقَ عَرْشِ إِلَهَنَا ... وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلا وَأَعْظَمَا".

فأسقط منه محمد بن القاسم الأنباري، وقد يحتمل أنه رواه عنه أيضا بالسماع:  

والأنباري قد اشتهر بالرواية عن شيخه النحوي اللغوي المترجِم للكتب: محمد بن المرزبان أبو العباس، وقد قال عنه ياقوت الحموي في معجم الأدلباء: أبو العباس الدميري، كان فاضلاً بليغاً مؤرخاً عالماً بمجاري اللغة، تصدر عنه الكتاب الكبار ... أخذ ابن المرزبان عن الزبير بن بكار والرمادي، وروي عنه أبو عمر بن حيوة وجماعة، وتوفى سنة تسع وثلاثمائة ".

فهو في طبقة الطبراني وشيوخه، وللطبراني شيخ اسمه محمد بن المرزبان الآدمي الشيرازي، قال الألباني: لم أجد له ترجمة ، ويظهر أنه من شيوخه المعروفين"، 

وقد ذكروا أن مشايخ الطبراني من الثقات، إذا لم يوجدوا في الميزان.

وأما أبو عبد الرحمن الجوهري: عبد الله بن عمر بن أحمد بن علَّك المروزي الجوهري المحدث الثقة، قال الذهبي:" محدث مرو ومسندها، روى عن الفضل الشَّعراني، ومحمد بن أيوب بن الضريس "، قال الخليلى: مات بعد الستين وثلاث مائة".

وعبيد الله بن الضحاك روى عنه الجوهري والغلابي، فهو مجهول الحال. 

والهيثم بن عدي متروك، وهو آفة هذا الحديث، بيد أنه كان من رواة أشعار العرب له مزيد اهتمام بها، يرويها عن الأديب عوانة. .

وعوانة هو بن الحكم من علماء الشعر والنسب الثقات، وكان فصيحاً ضريراً صاحب كتاب ديون العرب بأمر من عبد الملك بن مروان.

فإما أن يكون هذا الحديث محفوظا في هذا الكتاب، أو لا؟ .

3/ فقد نسبه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى حسان بن ثابت، فقال في منهاج السنة 2/356:" ومن هذا قول حسان بن ثابت رضي الله عنه ... تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما .. قال ابن تيمية:" مع علم حسان وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله غنى عن كل ما سواه وما سواه من عرش وغيره محتاج إليه وهو لا يحتاج إلى شيء وقد أثبت له مكانا

وقال ابن تيمية في درء التعارض 2/297:" وأيضا فهو سبحانه خلق ذلك المكان العالي والجهة العالية والحيز العالي إذا قدر شيئا موجودا كما لو جعل ذلك اسما للعرش وجعل العرش هو المكان العالي كما في شعر حسان: تعالى علوا فوق عرش إلهنا ... وكان مكان الله أعلى وأعظما". قال: فالمقصود أنه خلق المكان وعلاه وبقوته صار عاليا.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: ذكر أدلة أخرى شديدة الضعف على إثبات المكان:

عهدنا بالجهمية أنهم يستدلون بكل حديث ولو آحاد أو مضطرب أو منكر يوافق أهواءهم، بينما يردون كل حديث صحيح يخالف شركهم، ولو كان متواترا.

وقد أتت عدة أحاديث ضعيفة جدا، تؤكد الأدلة السابقة الصحيحة على إثبات المكان العلي لله العلي الأعلى:

دليل 1/ خرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ر21) عن أبي نعيم في الحلية (2/387) وابن حبان في المجروحين والضياء في المنتقى من مسموعاته من طرق عن يحيى بن خذام بن منصور ثنا محمد بن عبد الله بن زياد أبو سلمة الأنصاري: ثنا مالك بن دينار عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني جبريل عن الله تعالى أن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي ووحدانيتي، وفَاقَةِ خلْقي إليَّ، واستوائي على عرشي، وارتفاع مكاني، إني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام ثم أعذبهما " ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي عند ذلك فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: «بكيت لمن يستحيي الله منه ولا يستحيي من الله تعالى».

وعللوه بمحمد الأنصاري متهم، وقد تابعه أصرم متهم مثله:

فخرجه البيهقي في شعبه 3/343 وابن حبان في المجروحين من طريق محمد بن [عبد العزيز] يحيى الأزدي حدثنا أصرم بن حوشب حدثنا محمد بن يونس الحارثي عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا كان ليلة القدر نزل جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة..، وفيه قول الله: وعزتي وجلالي وكرمي وعلوي وارتفاع مكاني لأجيبنهم.."،

دليل 2/ وقال الطبراني في الكبير 12/145 ر12719 حدثنا عبيد بن كثير التمار ثنا محمد بن الجنيد ثنا عياض بن سعيد الثمالي عن عيسى بن مسلم القرشي عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" يقول الله عز و جل : من عادى لي وليا فقد ناصبني بالمحاربة، وماترددت عن شيء أنا فاعلة كترددي عن موت المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، وربما سألني وليي المؤمن الغنى فأصرفه من الغنى إلى الفقر، ولو صرفته إلى الغنى لكان شرا له وربما سألني وليي المؤمن الفقر فأصرفه إلى الغنى ولو صرفته إلى الفقر لكان شرا له، إن الله عز و جل قال: "وعزتي وجلالي وعلوي وبهائي وجمالي وارتفاع مكاني لايؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا أثبتت أجله عند بصره وضمنت السماء والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر "،

قال قال الهيثمى (10/270): رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم"، عيسى بن مسلم الطهوي قال عنه أبو زرعة: كوفيّ لين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وعياض قال عنه العقيلي: مجهول، والتمار قال عنه الدارقطني: متروك، وله متابعة:

خرج ابن عساكر من طريق إسماعيل بن عيسى العطار نا إسحاق بن بشر أبو حذيفة أخبرني جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن آدم عليه السلام طلب التوبة مائتي سنة حتى أتاه الله الكلمات ولقنه إياها...، وفيه:" فقال الله عز وجل: انطلق يا جبريل إلى ادم فقل يا ادم ألم أخلقك بيدي قال بلى يا رب قال ألم أنفخ فيك من روحي قال بلى يا رب قال ألم أسجد لك ملائكتي قال بلى يا رب قال ألم أسكنك جنتي قال: بلى يا رب، قال: ألم آمرك فعصيتني؟ قال: بلى يا رب، قال: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا ادم قد سبقت رحمتي غضبي"،

أبو حذيفة وضاع وجويبر مجروح،  

دليل 3/ وفي الباب ما خرجه الديلمي عن أبي سعيد  قال موسى النبي: يا رب إنك تغلق على عبدك المؤمن الدنيا، ففتح الله له بابا من أبواب الجنة ، فقال: هذا ما أعددت له ، قال : وعزتك وجلالك وارتفاع مكانك..."، فالله أعلم به، وإن كان قد ورد ذلك عن السلف الطيب:

المبحث الثاني: إثبات المكان لله تعالى عن السلف الطيب من أصحاب القرون المفضلة:

المطلب الأول: كلام السلف الأولين:

الأثر الأول والثاني: قول محمد بن كعب والخليفة الراشد عمر، وتصديق له، وللصحابي العباس في شعره:

1/ قال ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: { سلام قولا من رب رحيم }: حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب حدثنا حَرْمَلة عن سليمان بن حُمَيد قال: سمعت محمد بن كعب القُرَظِي يحدّث عن عمر بن عبد العزيز قال: إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار، أقبل في ظُلَل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام، قال القرظي: وهذا في كتاب الله {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } فيقول: سلوني. فيقولون: ماذا نسألك أيْ ربّ؟ قال: بلى سلوني. قالوا: نسألك أيْ رب رضاك. قال: رضائي أحلكم دار كرامتي. قالوا: يا رب، فما الذي نسألك، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك، لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم، لا ينقصنا ذلك شيئًا. قال: إن لديَّ مزيدًا. قال فيفعل ذلك بهم في درجهم، حتى يستوي في مجلسه. قال: ثم تأتيهم التحف من الله عز وجل، تحملها إليهم الملائكة.."،

قال الطبري: حدثنا ابن سنان القزاز ثنا أبو عبد الرحمن ثنا حرملة نحوه، وقد تابعهما بشر بْن مُوسَى ومحمد بْن مسلمة قالا: نا حرملة عن سليمان بْن حميد نحوه، وقال أبو يعلى: هؤلاء ثقات عدول لا نعلم أحدا طعن عليهم وَلا قدح فِي عدالتهم وَلا امتنع من الرواية عنهم".

2/ ومر شعر موقوف عن الصحابي العباس، ويقال: حسان بن ثابت الذي قُرئ علة عمر بن العزيز وصدقه:

وهو قول العباس بن مرداس السلمي:

تعالى علوًّا فوقَ عرشٍ إلهُنَا ... وكان مكانُ الله أعلى وأعظما ..

الأثر الثالث: قول شيخ التابعين والمفسرين مجاهد: قال أبو الشيخ في العظمة 2/690: حدثنا الوليد حدثنا محمد بن عمار حدثنا يحيى حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: (وقربناه نجيا)، قال: « بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب: حجاب نور، وحجاب ظلمة، وحجاب نور، وحجاب ظلمة ، فما زال موسى عليه السلام يقرب حتى كان بينه وبينه حجاب ، فلما رأى مكانه وسمع صريف القلم، قال: ( رب أرني أنظر إليك)"،

توبع يحيى:

فقال البيهقي في الصفات 824 وأخبرنا أبو عبد الله ثنا أبو العباس ثنا محمد بن إسحاق أنا روح ثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال: أراه عن مجاهد، ( وقربناه نجيا) قال: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، حجاب نور، وحجاب ظلمة، وحجاب نور ، وحجاب ظلمة ، فما زال يقرب موسى حتى كان بينه وبينه حجاب واحد ، فلما رأى مكانه وسمع صرير القلم قال: رب أرني أنظر إليك)"،

وقد صححه الألباني كما في مختصر العلو.

الأثر الرابع: قول شيخ المحدثين وإمام السلف حماد بن زيد:

قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي (229) :" وقال سليمان بن حرب سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال : يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء : ينزل الله إلى السماء الدنيا يتحول من مكان إلى مكان ، فسكت حماد ، ثم قال : هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء"،

وقد ورد متصلا صحيحا، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية (5/376):" قال الخلال فى كتاب السنة حدثنا جعفر بن محمد الفريابى ثنا أحمد بن محمد المقدمى ثنا سليمان بن حرب قال: سأل بشرُ بن السري حمادَ بن زيد فقال: يا أبا اسماعيل الحديث الذي جاء" ينزل ربنا الى سماء الدنيا" يتحول من مكان الى مكان؟ فسكت حماد بن زيد ثم قال:" هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء"،

قال ابن تيمية: ورواه ابن بطة في كتاب الإبانة فقال حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلى حدثنا ابو حاتم الرازي حدثنا سليمان بن حرب قال سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال يا أبا اسماعيل الحديث الذى جاء" ينزل الله الى سماء الدنيا" أيتحول من مكان الى مكان؟ فسكت حماد بن زيد ثم قال:" هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء...

وذكرها الذهبي في السير من ترجمة بشر بن السري:" قال العقيلي: وحدثنا الفريابي حدثنا أحمد بن محمد المقدمي حدثنا سليمان بن حرب قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد عن حديث: (ينزل ربنا...) أيتحول؟ فسكت، ثم قال:" هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف شاء ".

ثم قال ابن تيمية :" وهذه والتي قبلها حكايتان صحيحتان رواتهما أئمة ثقات، فحماد بن زيد يقول: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء .."،

وخرجه العقيلي في ترجمة بشر بن السري وهو من الثقات الذين رموا بالجهمية، لكن قد روى هذا الحديث مما قد يدل على عدم جهميته.

قال العقيلي: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا أحمد بن محمد المقرى حدثنا سليمان بن حرب قال سأل بشر بن السرى حماد بن زيد قال يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء ان الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا يتجول من مكان إلى مكان فسكت حماد ثم قال هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء".

قال الذهبي في السير من ترجمة بشر متعقبا طعن الحميدي فيه بأنه كان جهميا:

بل حديثه حجة، وصح أنه رجع عن التجهم ".

وقال عبد الرحمن ابن أبي حاتم: حدثني أحمد بن نصر قال : كنت عند سليمان بن حرب فجاء إليه رجل كلامي من أصحاب الكلام فقال له : تقولون إن الله على عرشه لا يزول ؛ ثم تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ؟ فقال : عن حماد بن زيد : إن الله على عرشه ولكن يقرب من خلقه كيف شاء . قال عبد الرحمن : ومن زعم أن حماد بن زيد وسليمان بن حرب أرادا بقولهما يقرب من خلقه كيف شاء ؛ أرادا أن لا يزول عن مكانه ؛ فقد نسبهما إلى خلاف ما ورد في الكتاب والسنة ".

وقال الشيخ ابن تيمية في المجموع (5/385:" قال عبد الرحمن ـ ابن منده ـ :"ومن زعم أن حماد بن زيد وسليمان بن حرب أرادا بقولهما يقرب من خلقه كيف شاء أرادا أن لا يزول عن مكانه فقد نسبهما الى خلاف ما ورد فى الكتاب والسنة"، ثم ذكر بسند ابن منده أثر الفضيل الآتي:

الأثر الخامس: قول الشافعي وأصحابه ومشايخه:

قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (في الرد على الجهمية) حدثنا أبو شعيب وأبو ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال:" القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الاقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء ".

ذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (94)

وخرجه عنه ابن قدامة في إثبات العلو ر92 قال: قال شيخ الإسلام الكاري: وأخبرنا أبو يعلى الخليل بن عبد الله الحافظ، أنبأ أبو القاسم بن علقمة الأبهري ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي عن أبي شعيب وأبي ثور، عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه قال: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أصحابنا عليها، أهل الحديث الذين رأيتهم فأخذت عنهم، مثل سفيان، ومالك، وغيرهما، الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (وذكر شيئا ثم قال: وأن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وأن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء وذكر سائر الاعتقاد ".

قال عبد الرحمن وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي يقول:" وقد سئل عن صفات الله وما يؤمن به فقال لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته لا يسع أحدا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها لأن القرآن نزل بها وصح عن رسول الله القول بها فيما روى عنه العدول فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر أما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ولا يكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها وتثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه فما نفى التشبيه عن نفسه فقال ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ".

الأثر السادس: قول شيخ الزهاد والسلف الفضيل بن عياض:

قال شيخ الإسلام في المجموع 5/377:" ونظيره ما رواه أبو بكر الأثرم في السنة قال: حدثنا ابراهيم بن الحارث يعنى العبادى قال حدثنى الليث بن يحيى سمعت ابراهيم بن الاشعث يقول سمعت الفضيل بن عياض يقول:" إذا قال الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء .."،

ومن طريق الأثرم خرجه ابن بطة في الإبانة 3/205 فقال: ثنا الحسين بن مهران حدثني أبو بكر الأثرم ثنا إبراهيم به بلفظ:" إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا لا أكفر برب يفعل ما يشاء"،

وقد علقه الإمام البخاري في خلق أفعال العباد 36 فقال:" وقال الفضيل : إذا قال لك جهمي أنا أكفر بربّ يزول عن مكانه، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء"،

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : وحدثنا عبد الصمد بن محمد المعاصمي ببلخ أنبأنا إبراهيم بن أحمد المستملي قال أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حراش قال حدثنا أحمد بن الحسن بن زياد حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : إذا قال لك الجهمي : أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه فقال له أنا أومن برب يفعل ما يشاء .

قال : رواه جماعة عن فضيل بن عياض .

نقله ابن تيمية في المجموع (5/385)

الأثر السابع: قول إمام المغازي والسير ابن إسحاق: قال أبو الشيخ في العظمة 2/475 :" حدثنا محمد بن الحسين الطبركي حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال: ... وقد وصف الله عز وجل ذلك من علوه تبارك وتعالى في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بصفة صدق وحق ، فقال وهو يذكر غرة الجاهلين به ، وعظم شأنه ، وعلو مكانه : ( سأل سائل بعذاب واقع ) أي دعا داع بعذاب واقع ( للكافرين ليس له دافع) إلى قوله: ( فاصبر صبرا جميلا) فسبحان ذي الجلال والإكرام ، لو سخر بنو آدم في مسافة ما بين الأرض إلى مكانه الذي به استقل على عرشه ، وجعل به قراره...:"،

الأثر الثامن: قول الحافظ زكريا الساجي:

قال أبو عبد الله بن بطة حدثنا أبو الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى الساجي قال قال أبي القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم أن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء ثم ذكر بقية الاعتقاد".

كذلك نقله الذهبي في تذكرة الحفاظ من ترجمة الامام الحافظ محدث البصرة الساجي أبي يحيى زكريا بن يحيى.

وهذا الحافظ هو الذي تاب على يديه الإمام أبو الحسن الأشعري ورجع بسببه إلى مذهب السلف، وكتب مقالات الإسلاميين، كما قال ابن تيمية وغيره.

قال ابن تيمية:" : زكريا بن يحيى الساجي أخذ عنه أبو الحسن الأشعري ما أخذه من أصول أهل السنة والحديث وكثير مما نقل في كتاب " مقالات الإسلاميين " من مذهب أهل السنة والحديث وذكر عنهم ما ذكره حماد بن زيد من أنه فوق العرش وأنه يقرب من خلقه كيف شاء ".

9/ قال الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرين نقول: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة الصحيحة من صفاته"

10/ قال محمد بن مصعب الصوفي العابد: « من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة فهو كافر بوجهك ولا يعرفك ، أشهد أنك فوق العرش ، فوق سبع سموات ، ليس كما يقول أعداؤك الزنادقة »

11/ قال أبو عبد الله الحافظ وهو الحاكم صاحب المستدرك: قال الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الفقيه: «قد تضع العرب» في «بموضع» على " قال الله عز وجل: {فسيحوا في الأرض} [التوبة: 2] وقال: {لأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71] ومعناه: على الأرض وعلى النخل، فكذلك قوله: {في السماء} [البقرة: 144] أي على العرش فوق السماء، كما صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: كلام السلف من أهل الحديث والتفسير:

مرّ أثناء البحث طائفة من أقوالهم وهذه الآن طائفة أخرى:

قال الطبري في تفسير قوله تعالى:{وهو العلي العظيم}:" وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه، لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم"، فنقل إثبات المكان عن السلف من المفسرين وارتضى تفسيرهم رحمهم الله تعالى.

وقال الإمام الدارمي في نقضه على المريسي 1/509:" وقال الله:{الرحمن على العرش استوى} فقد أخبر اللهُ العبادَ أين الله وأين مكانه، وأَيَّنه رسول الله في غير حديث فقال:" من لم يرحم من في الأرض لم يرحمه من في السماء"،

وقال الدارمي في نقضه على المريسي الجهمي (1/229) : وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدُّوه بذلك إلا المريسي الضال وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوه بذلك إذا حزب الصبي شيء يرفع يديه إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها فكل أحد بالله تعالى وبمكانه أعلم من الجهمية"،

وقال 1/449:" ويحك هذا المذهب أنزه لله من السوء، أم مذهب من يقول فهو بكماله وجلاله وعظمته وبهائه فوق عرشه فوق سمواته وفوق جميع الخلائق في أعلى مكان وأطهر مكان، حيث لا خلق هناك من إنس ولا جان، فتكفر أي الحزبين أعلم بالله وبمكانه وأشد له تعظيما وإجلالا"،

وكذلك نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية وأقره (ص 142) وأقره. 

وقال الدارمي في نقضه على الجهمي 1/215:" وأما دعواك أن تفسير القيوم الذي لا يزول من مكانه ولا يتحرك، فلا يقبل منك هذا التفسير إلا بأثر صحيح مأثور عن رسول الله أو عن بعض أصحابه أو التابعين، لأن الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرك إذا شاء ويهبط ويرتفع إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك كل حي متحرك لا محالة وكل ميت غير متحرك لا محالة، ومن يلتفت إلى تفسيرك وتفسير صاحبك مع تفسير نبي الرحمة"،

قال الدارمي في نقضه على المريسي 1/225:" ولكن يؤمن بالحد ويكل علم ذلك إلى الله، ولمكانه أيضا حد، وهو على عرشه فوق سماواته فهذان حدان اثنان، وسئل ابن المبارك بم نعرف ربنا قال بأنه على العرش بائن من خلقه، قيل: بحد؟ قال: بحد"،

ثم قال الدارمي: فمن ادعى أنه ليس لله حد فقد رد القرآن وادعى أنه لا شيء لأن الله حد مكانه في مواضع كثيرة من كتابه فقال:{ الرحمن على العرش استوى}.. قال: فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد"، وكذلك أُعجِب الإمام أحمد بكلام ابن المبارك وارتضاه، وفيه إثبات الحد لله تعالى، بمعنى أنه بائن عن خلقه، ومن نفى الحدّ فإنما أراد نفي الحدّ المحصور لأننا لا نعلم كيفية هذا الحد لله تعالى.

وقال الشيخ ابن تيمية في المجموع (6/165):" قال ابن حامد: فإذا تقرر هذا الأصل في نزول ذاته من غير صفة ولا حد، فإنا نقول إنه بانتقال من مكانه الذي هو فيه، إلا أن طائفة من أصحابنا قالت: ينزل من غير انتقال من مكانه كيف شاء، قال: والصحيح ما ذكرنا لا غيره"،

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كما في فتاويه 4/287:" وفي حديث الجارية من صفات الله: إثبات المكان لله وأنه في السماء.

نضيف هنا ما ذكره ابن رجب الحنبلي في ذيل طبقات الحنابلة من ترجمة الحافظ علي بن الحسين العبكري:" قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: أنبأنا أبو موسى المديني الحافظ قال: رَأيتُ بخط ابن البناء - وقرأته على ابن ناصر بإجازته من ابن البناء - قال: حكى أبو الحسن علي بن الحسين بن جَدا العكبري قال: سمعت أبا مسعود أحمد بن محمد البجلي الحافظ قال: دخل ابن فَورك على السلطان محمود، فتناظرا، قال ابن فورك لمحمود: لا يجوز أن تصف الله بالفوقية، لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتية. لأنه من جاز أن يكون له فوق جاز أن يكون له تحت.

فقال محمود: ليس أنا وصفته بالفوقية، فتُلْزِمني أن أصفه بالتحتية، وإنما هو وَصَفَ نفسه بذلك. قال: فبهت "، زاد غيره:" فبهت وانشقت مرارته فمات".

وقد أورد هذه القصة الصحيحةَ الإمامُ الذهبي في تاريخه وفي سير أعلام النبلاء من ترجمة السلطان السني محمود الغزنوي.

والرهاوي إمام حافظ سني صاحب تصانيف كالأربعين وغيرها، وبقية رجال الإسناد من الأئمة الثقات المشاهير.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: نقول الإجماع على إثبات المكان اللائق بالله تعالى:

مر نسبةُ الفضيل وغيره من السلف منكرَ المكان إلى فرقة الجهمية والمتكلمين،

كما قال أبو بكر الأثرم: ثنا إبراهيم بن الحارث العبادي: حدثني الليث بن يحيى: سمعت إبراهيم بن الأشعث: سمعت الفضيل بن عياض يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا لا، أكفر برب يفعل ما يشاء

وذكر الإمام القرطبي في أحكامه من تفسيره لقوله تعالى:{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، أن المتكلمين هم من أنكر الجهة والمكان لله تعالى ثم نقل اتفاق السلف على القول بهما، فقال:".. ويلزم على المكان والحيزِ الحركةُ والسكونُ للمتحيز، والتغير والحدوث، هذا قول المتكلمين، وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة".

وقال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية 2/113 :" ولا خلاف بين المسلمين الذين يقولون انه مستو عليه أو مستقر أو متمكن عليه، والذين لا يقولون ذلك ان العرش مفتقر الى الله والله غني عن العرش، بل هم متفقون على أن الله بقدرته الذي يمسك العرش وحملة العرش وسائر المخلوقات، هذا مع ما جاء في الآثار من إثبات مكانه تعالى كالحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ان الشيطان قال: وعزتك يارب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في اجسادهم، فقال الرب تعالى: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لا ازال اغفر لهم ما استغفروني"، قال ابن تيمية: وفي شعر حسان ... تعالى علوا فوق عرشٍ إلهنا ... وكان مكان الله أعلا وأرفعا"،

ومن خالف الإجماع وأنكر المكانَ للهِ العظيم، فإنه لاحقٌ بالجهمية أعداء الدين، مخالف لدين المرسلين،

 كما قال الإمام الدارمي في رده على الجهمية 214:" ولكنا نكفرهم بما تأولنا فيهم من كتاب الله عز وجل، وروينا فيهم من السنة ، وبما حكينا عنهم من الكفر الواضح المشهور، الذي يعقله أكثر العوام، وبما ضاهوا مشركي الأمم قبلهم بقولهم في القرآن ، فضلا على ما ردوا على الله ورسوله من تعطيل صفاته ، وإنكار وحدانيته ، ومعرفة مكانه ، واستوائه على عرشه بتأويل ضلال.."، نعوذ بالله من متابعة الجهمية الكفار، والله ولي السلف الأبرار.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الرابع: القول في الجهة لله تعالى:

وأما عن لفظ الجهة وإن لم يوجد عليها دليل منطوق، فإنها من باب الإخبار عن مكان الله تعالى، وهي مأخوذة من الأدلة بدلالة التضمن واللغة العربية التي نزل بها القرآن، وأن الجهة الثابتة التي تليق بذات الله تعالى هي الجهة العليا الغير محصورة، وأن الجهة المنفية هي المحصورة، لأن الله تعالى لا يحصره شئ، فهو بكل شئ محيط. 

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع 3/41 عن لفظ الجهة:" فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحدا على إثبات لفظه أو نفيه حتى يعرف مراده، فإن أراد حقا قبل وإن أراد باطلا رُدّ...، قال: فيقال لمن نفى الجهة أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق فالله ليس داخلا في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم فلا ريب أن الله فوق العالم مباين للمخلوقات، وكذلك يقال لمن قال الله فى جهة أتريد بذلك أن الله فوق العالم أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات، فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثانى فهو باطل"،

ولا ريب أن السلف متفقون على إثبات هذا المعنى الصحيح، وأن الله تعالى في جهة العلو فوق العالم، لا يحويه شئ، بل هو المحيط بكل شيء "،

وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية: قول الشيخ الإمام العارف قدوة العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه ، وقال في كتابه الغنية:" أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن تعرف وتتيقن أن الله واحد أحد، إلى أن قال: وهو بجهة العلو مستو على العرش"،

وكذلك نقله أحمد بن إبراهيم في شرح قصيدة ابن القيم 1/433: قال الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو محمد عبد القادر فذكره.

وقال أحمد بن إبراهيم في شرح قصيدة ابن القيم 1/434:" وقال الناظم ـ ابن القيم ـ في كتابه إغاثة اللهفان 2/258 :" قال أبو الوليد ابن رشد في كتاب الكشف عن مناهج الأدلة (ص 66 ):" القول في الجهة، أما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر بثبوتها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشاعرة...، إلى أن قال:" "وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفق جميع الشرائع على ذلك، ثم ذكر تقرير ذلك بالمعقول وبين بطلان الشبهة التي لأجلها نفتها الجهمية ومن وافقهم، إلى أن قال:" فقد ظهر لك من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل وأن إبطاله إبطال الشرائع كلها"،

ومر كلام القرطبي في نقل الاتفاق على إثبات الجهة.

قال القرطبي:" وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله: الاستواء معلوم- يعني في اللغة- والكيف مجهول ...".  

وفي "رسالة الشيخ سليمان بن سمحان في الرد على بشرف نزيل البحرين ".

جاء فيها:

أما الجهات التي ستا لها ذكروا ... فالله بالفوق منها كان متصفا

وسائر الخمس لم يوصف بها فإذا ... عنها ننْزهه إذ نتبع الصحفا

لكنما علمه سبحانه أبدا ... لم يخل منه مكان عند من عرفا....

وقال الشيخ ابن باز كما في فتاويه 1/257 :" قال جماعة من المفسرين في هاتين الآيتين:ـ { أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} إن (في) للظرفية, وأن السماء المراد بها: العلو, واحتجوا بذلك على أن الله سبحانه في جهة العلو فوق العرش".

وقال الشيخ ابن عثيمين 10/1131:" فالجهة إثباتها لله فيه تفصيل، أما إطلاق لفظها نفيا وإثباتا فلا نقول به ؛ لأنه لم يرد أن الله في جهة، ولا أنه ليس في جهة، ولكن نفصل ، فنقول : إن الله في جهة العلو؛ لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « قال للجارية: (أين الله؟) » وأين يستفهم بها عن المكان؛ فقالت: في السماء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالث: صفة نزول الرب الفعلية إن شاء: 

المبحث الأول: ما ورد في نزول الرب إن شاء: 

حيث ينزل الرب جل في علاه إلى سمائه الدنيا في ثلث الليل الآخر وعرفة وشعبان وغير ذلك:

والأحاديث بذلك متواترة بعدة ألفاظ، فيها أن الله تعالى لا يزال في السماء الدنيا حتى يطلع الفجر ويصلي الناس الصبح التي يشهدها الله، ويُفهم من ذلك بطريق المُخالفة أنه إذا صُلي الصبح صعد، لأن مفهوم المخالفة إذا كان بصيغة الغائية" حتى"، و"إلى"، ونحوهما، فهو حجة قطعا كما هو مذهب الجمهور، يبين ذلك: 

المطلب الأول: نزول الرب جل في علاه إلى سمائه الدنيا في ثلث الليل الآخر:

الدليل الأول: فقد رواه جماعة بلفظ:" حتى يطلع الفجر"، ورواه فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. فيكون كذلك حتى يصبح"،

ورواه سليمان بن بلال واسماعيل بن جعفر والمعتمر ويزيد بن زريع عن محمد بن عمرو نا أبو سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا لنصف الليل الآخر أو ثلث الليل الآخر فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ حتى يطلع الفجر أو ينصرف القارئ من صلاة الصبح »، بالشك في زمن الصعود، وهو صلاة الصبح قطعا

كما رواه زيادة بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء وفيه:".. فيقول: هل من مستغفر أغفر له ؟ وهل من داع أجيب ؟ حتى تكون صلاة الفجر، وَلِذَلِكَ يَقُول:{ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} فَيَشْهَدُهُ اللَّهُ وَمَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار"،

وخالف كل الثقات إبراهيم بن عبد السلام المخزومي المكي فروى الحديث عن ابن أبي ذئب عن القاسم عن نافع بن جبير عن أبي هريرة بلفظ:" فلا يزال كذلك حتى تترجل الشمس» وهو وهم، وقد دلت هذه الأحاديث بمنطوقها على نزول الله في كل ليلة إلى صلاة الفجر، ودلت بمفهومها على أنه إذا قُضيت صلاة الفجر ارتفع تعالى وعلا على عرشه، وأنه لا يبقى هنالك دوما في السماء الدنيا، وإلا لما كان هنالك نزول في الليالي التالية، فعُلم بذلك أنه يصعد قطعا، وقد ورد ذلك منطوقا في عدة أحاديث:

 

الدليل العاشر وما بعده: وهو حديث أبي هريرة وأبي سعيد معا: قال الدارقطني في النزول حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد الفقيه نا عباس بن محمد بن حاتم بن شبابة نا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن الأغر أبي مسلم قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه أنه قال:« إن الله عز وجل يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل يهبط إلى هذه السماء ، ثم أمر بأبواب السماء ففتحت ففتحت، ثم قال: هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من مستغيث أغيثه ، هل من مضطر أكشف عنه ضره، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر في كل ليلة من الدنيا، ثم يصعد إلى السماء»،

قال الدارقطني: زاد فيه يونس بن أبي إسحاق زيادة حسنة"، وهي زيادة الصعود، وهذا حديث صحيح كل رجاله ثقات، وقد سمعه أبو إسحاق من الأغر، كما توبع يونس:

فقال أبو عوانة في مستخرجه الصحيح على مسلم: باب الترغيب في قيام الليل والدعاء فيه، حدثنا أبو البختري بن شاكر ثنا حسين بن علي الجعفي ثنا فضيل عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم  عن أبي هريرة وأبي سعيد ح وحدثنا أبو عمر الإمام بحران ثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي ثنا جرير عن منصور ح وحدثنا أبو أمية الطرسوسي ثنا محمد بن الصباح البزاز ثنا أبو حفص الأبار عمر بن عبد الله عن منصور كلهم قالوا : ثنا أبو إسحاق حدثني الأغر أبو مسلم قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة يشهدان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:« إذا ذهب ثلث الليل الأوسط هبط الرب تعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داع ؟ هل من سائل ؟ هل من مستغفر ؟ هل من تائب ؟ حتى يطلع الفجر ثم يصعد»، وهذا لفظ فضيل وأبي حفص، أما حديث جرير فقال: « حتى إذا ذهب ثلث الليل بمثله، «حتى ينفجر الفجر»، وهذا حديث صحيح توبع عليه أبو إسحاق:

فقال ابن أبي عاصم في السنة ر501 ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي صاحب الخلنج بالرملة ثنا مالك بن سعير ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد، وعن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد، وعن حبيب بن أبي ثابت عن أبي مسلم الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إن الله تبارك وتعالى يمهل حتى إذا ذهب شطر الليل نزل إلى سماء الدنيا، فيقول: من يستغفرني فأغفر له ؟ هل من سائل فأعطيه ؟ حتى ينشق الفجرُ ثم يرتفع»، ثم قال: ثنا ابن نمير ثنا محاضر عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، وعن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:« إن الله تعالى يمهل، ثم ذكر مثله"، قال الألباني: إسناده جيد.

وقال الدارقطني في النزول حدثنا محمد بن العباس بن محمد أنا محمد بن أبي بكر الواسطي أنا محمد بن عبد الله المقدسي أنا مالك بن سعيد أنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد ، وعن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد، وعن حبيب بن أبي ثابت عن الأغر عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله عز وجل يمهل حتى إذا ذهب شطر الليل نزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر فأغفر له ، هل من داع فيستجاب له ، هل من تائب فأتوب عليه ، حتى ينشق الفجر أو يرتفع »

الدليل الثاني عشر: قال الدارقطني في الرؤية: حدثنا أبو بكر النيسابوري ثنا يزيد بن سنان ثنا أبو بكر الحنفي ثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني المقبري عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، إذ جاء رجل من بني سليم .. فذكر الحديث وقال في آخره: أي صلاة المتطوعين أفضل؟ قال:« حين يذهب ثلث الليل، أو قال: حين ينتصف الليل، فتلك الساعة التي ينزل فيها الرحمن عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مذنب يستغفرني فأغفر له ، هل من سائل يرغب إلي فأعطيه سؤله ، أم هل من عان يرعن إلي فأفك عنه، حتى إذا فرق الفجر صعد الرحمن عز وجل العلي الأعلى»، هذا حديث رجاله ثقات، ويزيد بن سنان هو أبو خالد البصري وليس هو أبو فروة الرهاوي الذي فيه لينٌ ، أما البصري فثقة، وقد قطع هذا الحديث، وتابعه على قطعه الليث، وخالفهما محمد بن يونس فجعله متصلا:

أما متابعة الليث فقد قال أبو نعيم في الحلية من ترجمة عون:" ورواه الليث بن سعد عن سعيد عن عون مقطعاً ولم يقل عن أبي، قال: حدثناه إبراهيم بن محمد بن يحيى في جماعة قالوا: حدثنا محمد بن إسحاق ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: جاء رجل من بني سليم فذكر نحوه منقطعا، 

وأما رواية محمد بن يونس المتصلة: فقد قال أبو نعيم أيضا: حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن جعفر العطار ثنا محمد بن يونس بن موسى ثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد - يعني ابن جعفر نا سعيد المقبري عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن ابن مسعود قال: جاء رجل من بني سليم يقال له عمرو بن عبسة إلى المدينة ولم يكن رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بمكة، فقال: يا رسول الله علمني ما أنت به عالم وما أنا به جاهل، علمني ما ينفعني ولا يضرني، أي صلاة الليل التطوع أفضل؟ قال: " نصف الليل فإنها ساعة ينزل فيها الله تعالى إلى سماء الدنيا فيقول: لا أسال عن عبادي أحداً غيري، فيقول: هل من داع يدعوني فأستجيب له؟ هل من مستغفر فيستغفرني فأغفر له؟ هل من عان يدعوني فأفك عانه حتى ينفجر الفجر ثم يصعد الرحمن

قال أبو نعيم: غريب من حديث عون تفرد به عنه سعيد.."، وهذا حديث صحيح رجاله ثقات، محمد بن يونس إن كان هو النسائي كما وقع لأبي نعيم في الصحابة من ترجمة عمرٍو، فهو ثقة، فقد قال المزي في ترجمته:" روى عنه أبو داود، وقال: كان ثقة"، وهو نفسه الكديمي كما هو مبين عند أبي داود، لكن نفى المزي أن يكون هو الكديمي وقال: والظاهر أن هذا من زيادات الراوي على أبي داود فإن أبا داود كان سيء الرأي في الكديمي"، وليس كما قال لتبيينه عند أبي داود، وكذلك صرح به أبو نعيم في الصحابة فقال حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعطَّار ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيّ ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِي فذكر هذا الحديث، فتعين أنه هو نفسُه محمد بن يونس بن موسى الكديمي وهو صدوق ثقة، وأما نفي المزي وابن حجر بأن يكون هو، بدعوى أن أبا داود كان يتهمه، فليس بجيد لأنه تراجع عن اتهامه له فوثقه، كما تراجع موسى الحمال، فقد قال عنه الخليلي: الكديمي منهم من يطعن عليه، ومنهم من يحسن القول فيه"، وقال عنه الخطيب: وكان حافظا كثير الحديث، وقال أحمد: حسن الحديث حسن المعرفة به"، وبيَّن أن سبب الطعن فيه مخالطته للشاذكوني، وكذلك أثنى عليه أبو الأحوص وعبدان وغيرهم، وقال الخطيب: لم يزل الكديمي معروفا عند أهل العلم بالحفظ مشهورا بالطلب مقدما في الحديث حتى أكثر روايات الغرائب والمناكير فتوقف إذ ذاك بعض الناس عنه ولم ينشطوا للسماع منه"، ثم ذكر أنه وهاه أبو أحمد واتهمه أبو داود والدارقطني، وقد تراجع موسى الحمال عن اتهامه وأثنى عليه، لأن ما اتهموه به وُجد فيه أن القول قوله، والقدح فيمن روى عنه لا منه كما بين الخطيب، لذلك قال جعفر الطيالسي: الكديمي ثقة ولكن أهل البصرة يحدثون بكل ما يسمعون"، وكذلك وثقه اسماعيل الخطبي، ولم يأت ابن حبان بمقنعٍ على اتهامه، والحديث صحيح من الوجهين والله أعلم. 

وأما قول أبي نعيم: واختلف على سعيد المقبري في هذا الحديث، فروى عنه من رواية عون على ما ذكرنا من اختلافه، وروى عنه - يعني سعيد - عن أبي هريرة، وروى عنه أبوه عن أبي هريرة، وروى عنه عطاء مولى أم حبيبة عن أبي هريرة وأسلم الروايات وأصحها عن أبيه عن أبي هريرة"اهـ، فإن هذا تعليل بما لا يُعل به، لأن هذا حديث مستقل عن الآخر في قصة عمرو بن عبسة، وأما حديث أبي هريرة الآخر فهو حديث منفصل عن هذا كما بينا سابقا، وفي الباب غير ذلك:   

الدليل الثالث عشر: قال الطبراني في الأوسط 6079 حدثنا محمد بن عثمان بن أبي سويد نا عبد الرحمن بن المبارك العيشي نا فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأخير فيقول: ألا عبدٌ من عبادي يدعوني فأستجيب له، ألا ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له، ألا مقتر عليه رزقه ألا مظلوم يذكرني فأنصره، ألا عان يدعوني فأعينه، قال: فيكون كذلك إلى أن يضيء الصبح فيعلو ربنا عز وجل على كرسيه

قال الهيثمى (10/154):" يحيى بن إسحاق لم يسمع من عبادة ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح"، وقد توبع الطبراني، فخرج الحديثَ أبو يعلى في إبطاله ر254 نا أَبو الْفَرَجِ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَرَ أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْجَوَالِيقِي نا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ الزَّارِعُ الْقُرَشِي نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَك نا الْفُضَيْل بْنُ سُلَيْمَان نا مُوسَى بْنُ عُقْبَة عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيد عَنْ عُبَادَةَ به مثله، وقال:" فَيَكُونُ كَذَلِكَ، حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ ثُمَّ يَعْلُو رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُرْسِيِّه"،

وهذا حديث حسن لغيره، لأن إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى هو ابْنِ أَخِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِت وثقه ابن حبان، وقال ابن حجر: قال البخاري: أحاديثه معروفة"، إلا أن اسحاق لم يلق عبادة"، قلت: قُتل إسحاق سنة إحدى وثلاثين ومائة، بينما مات عبادة سنة سنة أربع وثلاثين، ولحديثه شواهد أخرى مع ما مضى:

الدليل الرابع عشر: قال ابن منده في الرد على الجهمية ص 42 أخبرنا عبد العزيز بن سهل الدباس ثنا محمد بن الحسن الخرقي البغدادي ثنا محفوظ بن أبي توبة عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله جل وعز ينزل إلى سماء الدنيا، وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل إلى سماء الدنيا جلس على كرسيه، ثم مد ساعديه فيقول: من ذا الذي يقرض غير عادم ولا ظلوم، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، من ذا الذي يتوب فأتوب عليه، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه

قال ابن منده: هكذا رواه الخرقي عن محفوظ عن أبي توبة عن عبد الرزاق، وله أصل عند سعيد بن المسيب مرسل"،

والدباس هو عبد العزيز بن عبد الرحمن شيخ للحاكم أيضا وصحح له كثيرا، والخرقي لم أعرفه، ومحفوظ ضعفه أحمد لأنه لم يكتب أحاديثه، ووثقه ابن حبان، وقد ورد الحديث متصلا ومرسلا:

فقال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية 55: وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه..بلفظ:".. فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه"،

قال ابن القيم: رواه أبو عبد الله في مسنده، وروي عن سعيد مرسلا وموصولا، قال الشافعي: مرسل سعيد عندنا حسن".

الحديث الخامس عشر: قال ابن بطة في الإبانة: 2569 حدثنا القافلائي ثنا محمد بن إسحاق ثنا حجاج ثنا أبو أحمد الزبيري ثنا إسرائيل عن ثوير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو الخطاب أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوتر؟ فقال:« أحب أن أوتر نصف الليل، إن الله يهبط من السماء العليا إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مذنب ؟ هل من مستغفر ؟ هل من داع ؟ حتى إذا طلع الفجر ارتفع »

وعن ابن عباس نحوه"،

وقال عبد الله في السنة نا حجاج بن يوسف عن الزبيري فذكره، وقد توبع الزبيري،

فقال ابن سعد 6/57 أخبرنا الفضل بن دكين ثنا إسرائيل حدثني ثوير سمعت رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له أبو الخطاب وسئل عن الوتر؟ مثله وقال:" حتى إذا طلع الفجر ارتفع

وفيه ثوير بن أبي فاختة قيل متروك، لأنه كان رافضيا، لكن قال عنه البزار: وَثُوَيْرٌ قَدْ حَدَّثَ عَنه شُعْبَة وإِسْرَائِيل وَغَيْرهما وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَه"، ووثقه العجلي، وهذا يعني أن حديثه يُقبل في الشواهد وهي موجودة بكثرة.

دليل سادس عشر: قال الدارقطني في النزول: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المصري نا مالك بن يحيى بن مالك السودسي نا علي بن عاصم أنا عثمان البتي عن عبد الحميد عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« يهبط الله عز وجل ثلث الليل إلى سماء الدنيا فيبسط يده ألا داع يدعوني فأستجيب له، ألا تائب يتوب فأتوب عليه، ألا مستغفر فأغفر له، حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر صعد » 

عبد الحميد وأبوه مجهولان والله أعلم.  

دليل سابع عشر: قال الدارقطني في الرؤية والنزول: حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة وعبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الهمداني قالا: ثنا إبراهيم بن الحسين الهمداني ثنا محمد بن إسماعيل الجعفري ثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا لثلث الليل فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني فأستجيب له أو ظالم لنفسه يدعوني فأغفر له، ألا مقتر عليه فأرزقه، ألا مظلوم يستنصر فأنصره، ألا عان يدعوني فأفك عنه ، فيكون ذلك مكانه حتى يصلى الفجر ثم يعلو ربنا عز وجل إلى السماء العليا على كرسيه"،

قال ابن حجر في الفتح: هو من رواية محمد بن إسماعيل الجعفري عن عبد الله بن سلمة بن أسلم وفيهما مقال"، أما الجعفري فقد وثقه ابن حبان ولم يطعن فيه أبو حاتم،

وأما عبد الله بن سلمة فقد قال عنه أبو زرعة وهو من المتشددين: منكر الحديث، بينما قال ابن ماكولا: في حديثه لين"،

وهو الصواب لما خرجه الخطيب في الكفاية عن محمد بن إسماعيل الجعفري حدثني عبد الله بن سلمة بن أسلم  قال: ما كنا نتهم أن أحدا يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمدا، حتى جاءنا قوم من أهل المشرق فحدثوا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا عندهم بأحاديث لا نعرفها ، فالتقيت أنا ومالك بن أنس فقلت : يا أبا عبد الله، والله إنه لينبغي لنا أن نعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هو، وعمن أخذناه ، فقال: صدقت يا أبا سلمة ، فكنت لا أقبل حديثا حتى يسند لي، وتحفظ مالك .. فحدثته ـ عبد الله ـ بعض ما حفظت فعجب له وقال : أصبت يا ابن أخي ، فزادني في ذلك رغبا "، فعلم أنه يُقبل في المتابعات وهي موجودة بكثرة:

الدليل الثامن عشر: وهو مرسل جيد، قال ابن القيم في الإجتماع:" قول عبيد بن عمير رحمه الله تعالى ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب السنة من رواية حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال:" ينزل الرب عز و جل شطر الليل إلى السماء فيقول من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز و جل".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: نزول الرب يوم عرفة

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: نزول الرب ليلة النصف من شعبان: 

ورد من طرق بعضها ساقطة، وبعضها قوية تتقوى ببعض:

الدليل الأول: حديث أبي بكر رضي الله عنه: 

1/ قال ابن أبي عاصم في السنة: باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ومطلعه إلى خلقه:

ثم خرجه (ر509...) هو والبزار، والدارقطني في النزول والدارمي في الرد على الجهمية من طرق عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك بن عبد الملك عن المصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن عمه أو عن أبيه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلا إنسان في قلبه شحناء أو مشرك بالله عز وجل".

قال الدارمي في الرد على الجهمية (باب النزول ليلة النصف من شعبان) حدثنا الأصبغ بن الفرج المصري : أخبرني ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن عبد الملك عن مصعب بن أبي الحارث عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه ، أو عن عمه عن جده أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ينزل ربنا تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لكل نفس إلا مشرك بالله ومشاحن ».

وخرجه ابن خزيمة في التوحيد (ر200) حدثناه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثني عمرو بن الحارث مثلهم.

قال البزار:" وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه وقد روي عن غير أبي بكر، وأعلى من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وإن كان في إسناده شيء فجلالة أبي بكر تحسنه، وعبد الملك بن عبد الملك ليس بمعروف، وقد روى هذا الحديث أهل العلم ونقلوه واحتملوه فذكرناه لذلك".

قال ابن حجر في أماليه:" هذا حديث حسن إن كان من رواية القاسم عن عمه وهو عبد الله الرحمن بن أبي بكر فإنه سمع منه وسمع عبد الرحمن من أبيه ولم يسمع القاسم من أبيه ولا أبوه من جده أخرجه الدارقطني في كتاب السنة عن عبد الله بن سليمان على الموافقة ".

وقال الألباني: حديث صحيح وإسناده ضعيف بعبد الملك بن عبد الملك والمصعب ابن أبي ذئب لا يعرفان كما في الجرح والتعديل بل قال البخاري في الأول منهما في حديثه نظر يعني هذا كما في الميزان فقول المنذري لا بأس بإسناده فيه تساهل ظاهر ومثله الهيثمي، وعبد الملك بن عبد الملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه وبقية رجاله ثقات".

قلت: وظاهر كلام ابن حجر أنه يوثقهم، وكذلك فال أبو يعلى في إبطال التأوبلات:" رواه الثقات..."،

قال الألباني:" وكأنه لم يرجع إلى ترجمة المصعب في المكان المشار إليه من الجرح ولو أنه فعل لوجد فيها ما ذكرنا من تجهيله إياه مع الراوي عند عبد الملك هذا والقاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق وعمه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق".

قال:" وإنما صححت الحديث لأنه روي عن جمع من الصحابة بلغ عددهم عندي الثمانية وقد خرجت أحاديثهم في الصحيحة ".

وخرج عبد الله في السنة عن عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث، «إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان» قلنا: إن قوما ينكرون هذه الأحاديث، قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها، فقال: إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم رمضان فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث "

ومن الأئمة من يضعفه:

كما خرج الصابوني في عقيدة السلف عن محمد بن سلام، سألت عبدالله بن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان، فقال عبد الله: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل يا أبا عبدالله! كيف ينزل؟ أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف يشاء ".

دليل ثاني: رواية ابن لهيعة، والاختلاف عنه:

1/ حديث أبي موسى:

رواه ابن لهيعة واضطربوا في تعيين شيخه:

أ: قال ابن أبي عاصم حدثنا محمد بن مسكين ثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن [الربيع ابن سليمان] عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ينزل ربنا تبار وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن ".  

قال الألباني:" حديث صحيح وإسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن وهو ابن عزوب وضعف ابن لهيعة، والحديث أخرجه ابن ماجه من طريقين آخرين عن ابن لهيعة به إلا أن أحدهما لم يقل في إسناده عن أبيه ",.

ب: وخرجه الدارقطني عن الربيع بن سليمان الجيزي يقول : أنا أبو الأسود قال: أنا ابن لهيعة عن [الزبير بن سليم] عن الضحاك بن عبد الرحمن وهو ابن عزوب عن أبيه قال : سمعت أبا موسى يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأهل الأرض إلا مشركا أو مشاحنا ".

كذلك خرجه ابن ماجه عن النضر بن عبد الجبار حدثنا ابن لهيعة عن الزبير بن سليم، عن الضحاك بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي، نحوه.

ت: وخرجه ابن ماجه 1390 عن الوليد عن ابن لهيعة عن [الضحاك بن أيمن] عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن"

2/ وورد عن ابن لهيعة عن عبد الله :

قال أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا لاثنين: مشاحن، وقاتل نفس".

فسقط حديث ابن لهيعة بسبب ضعفه مع اضطرابه فيه.

دليل أو الدليل الثالث: حديث ثعلبة أو غيره: مداره عن مكحول له فيه عدة طرق مضطربة: 

1/ فخرجه الدارقطني في النزول وابن أبي عاصم عن عيسى بن يونس وابن حرب عن الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب/ عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا كان ليلة النصف من شعبان يطلع الله عز وجل إلى خلقه فيغفر للمؤمنين ويترك أهل الضغائن وأهل الحقد بحقدهم ".

قال الألباني:" حديث صحيح ورجاله ثقات غير الأحوص بن حكيم فإنه ضعيف الحفظ كما في التقريب فمثله يستشهد به فيتقوى بالطريق التي بعده وبشواهده المتقدمة وغيرها مما سبقت الإشارة إليه ".

واختلفوا في تسمية شيخه: فقيل هو حبيب بن صهيب، وقيل المهاجر أو المهاصر.

وقد سقط من سنده مكحول:

2/ ورواه بعضهم بزيادة مكحول، لكن اضطربوا عن مكحول:

أ: فخرجه البيهقي والدارقطني عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأحوص بن حكيم عن المهاصر بن حبيب [عن مكحول] عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله عز وجل يطلع إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه »

قال الدارقطني : اختلف على مكحول في إسناد هذا الحديث، فقال أبو خليد عن الأوزاعي عن مكحول، وعن ابن ثوبان عن مالك بن يخامر عن معاذ ،

وقال المحاربي ، عن الأحوص بن حكيم عن المهاصر بن حبيب عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني.

وقال الحجاج بن أرطاة: عن مكحول عن كثير بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الفريابي : عن أبي ثوبان عن أبيه عن مكحول عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة من قوله.

وقال زيد بن أبي أنيسة : عن جنادة بن أبي خالد عن مكحول عن أبي إدريس الخولاني قوله.

وقال هشام بن الغار : عن مكحول عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال عتبة بن أبي حكيم : عن مكحول بهذا مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال برد بن سنان: عن مكحول أراه عن كعب الأحبار ".

3/ وخرجه ابن حبان في صحيحه والدارقطني وابن أبي عاصم عن أبي خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي وابن ثوبان عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يطلع الله إلى خلقه ليل النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن ".

قال أبو حاتم: هذا حديث منكر بهذا الإسناد، ولم يرو بهذا الإسناد عن أبي خليد ولا أدري من أين جاء به"، وهو شيخ ".

قال الألباني: حديث صحيح ورجاله موثقون لكنه منقطع بين مكحول ومالك بن يخامر ولولا ذلك لكان الإسناد حسنا ولكنه صحيح بشواهده المتقدمة وهو مخرج في الصحيحة كما سبقت الإشارة إلى ذلك ".

قلت: لكن فيه الاضطراب السابق واللاحق على مكحول فسقط هذا الطريق كسابقه.

4/ وخرجه الدارقطني عن النيسابوري قال : سمعت محمد بن عبد الملك الواسطي ، وأنبأ القاسم بن إسماعيل ، أنا أبو عبيد ، أنا الحسن بن يحيى الجرجاني ، قالا : أنبأ يزيد بن هارون ، أنا الحجاج عن مكحول عن كثير بن مرة الحضرمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لمن استغفر إلا لمشرك ، أو مشاحن »

5/ وخرجه عن محمد بن خلف العسقلاني ، يقول : أنا محمد بن يوسف عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة أنه قال : « يطلع الله عز وجل في كل ليلة النصف من شعبان إلى أهل الأرض فيغفر لهم إلا مشركا أو مشاحنا »

6/ وخرجه الدارقطني مرسلا عن عمرو بن عثمان أنا بقية قال: عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني مكحول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله عز وجل يطلع في كل ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لكل عبد له إلا مشركا ومشاحنا ".

7/ وخرجه عن عمار بن أبي شيبة يقول : أنا جرير قال : أراه عن برد وأبي العلاء الشامي، أراه عن مكحول أراه عن كعب قال : « إن الله عز وجل يطلع إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لهم جميعا إلا لمشرك أو مشاحن ».

الدليل الرابع: عائشة في زيارة المقبرة ليلة النصف: له طرق:

1/ خرجه الترمذي 739 وابن ماجه 1389 وإسحاق في مسنده 850 والدارقطني في النزول من طرق عن عن الحجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عن عائشة قالت : « فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فخرجت فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء ، فقال لي : أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ » قالت : قلت : ماذا يا رسول الله ، ولكن ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ".

وروا أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة، عن عائشة، قالت: كنت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ففقدته فاتبعته فإذا هو بالبقيع رافعا يديه يدعو، فقال: «يا ابنة أبي بكر أحسبت أن الله يحيف عليك ورسوله، إن الله ينزل في هذه الليلة النصف من شعبان فيغفر فيها من الذنوب أكثر من عدد شعر معز كلب»

والحجاج مدلس وقد عنعن،

قال الترمذي مضعفا له:" «حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج»، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير ".

وورد عن محمد بن ربح به عن يزيد عن حجاج عن يحي مرسلا، والصحيح الموصول.

لكن الحجاجَ قد توبع:

2/ فقد خرجه البيهقي في الدعوات 1530 والدارقطني: عن محمد بن عباد[ة] أنا حاتم بن إسماعيل عن نضر بن كثير عن يحيى بن سعيد عن عروة عن عائشة قالت : لما كانت ليلة النصف من شعبان انسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرطي ، ثم قالت : والله ما كان مرطها من خز ، ولا قز ، وما كان كرسفا ، ولا صوفا ، قلنا سبحان الله ، فمن أي شيء كان ؟ قالت : إن كان سداه لمن شعر ، وإن كان لحمته وبرا ، فأحسست نفسي أن يكون أتى بعض نسائه ، ثم ذكره نحوه.

النضر ضعيف.

3/ وخرجه الطبراني في الدعاء 606 والدارقطني: عن بكر بن سهل ، أنا عمرو بن هاشم البيروتي أنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي ، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ، فلما كان في جوف الليل فقدته ، فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة ، فتلفعت بمرطي ، أما والله ما كان خزا، ولا قزا ، ولا حريرا ، ولا ديباجا ، ولا قطنا ، ولا كتانا ، قيل : وما كان ؟ قالت : كان سداه شعرا ولحمته من أوبار الإبل ، وطلبته في حجر نسائه فلم أجده ، فانصرفت إلى حجرتي ، فإذا به الثوب الساقط على وجه الأرض ساجدا وهو يقول في سجوده : « سجد لله سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي ، هذه يدي وما جنيته بها على نفسي يا عظيم رجاء لكل عظيم ، اغفر الذنب العظيم ، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ، ثم رفع رأسه فعاد ساجدا ، فقال : أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقابك ، وبك منك ، أنت كما أثنيت على نفسك ، أقول كما قال أخي داود عليه السلام أعفر وجهي في التراب لسيدي وحق له أن يسجد ، ثم رفع رأسه فقال : اللهم ارزقني قلبا تقيا من السوء ، نقيا ، لا كافرا ، ولا شقيا ثم انصرف ، فدخل معي في الخميلة ، ولي نفس تعالى ، فقال : ما هذا النفس ؟ فأخبرته . فطفق يمسح بيده على ركبتي ، ويقول : » وليس هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ، ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده إلا لمشرك ومشاحن ".

آفته سليمان بن أبي كريمة أشد ضعفا من النضر.

قال ابن حجر في أماليه:" هذا حديث غريب ورجاله موثوقون إلا سليمان بن أبي كريمة ففيه مقال، وقد رواه بطوله النضر بن كثير عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عروة، أخرجه البيهقي في فضائل الأوقات من طريقه والنضر بن كثير أيضا فيه مقال لكنه أصلح حالا من سليمان ".

قال:" وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن عائشة رضي الله تعالى عنهما طرفا من هذا الحديث مختصرا جدا "،

4/ ورواه أبو بكر الاسماعيلي في معجمه (1/408) حدثنا أبو جعفر الأشناني من كتابه إملاء، حدثنا عباد بن أحمد بن عبد الرحمن العرزمي حدثني عمي عن أبيه عن مطرف عن الشعبي عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينزل في النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيعتق من النار عدد معزى كلب - أو قال: شعر معزى كلب - وينزل أرزاق السنة، ويكتب للحاج، ولا يترك أحدا إلا غفر له، إلا قاطع رحم، أو مشركا، أو مشاحنا ".

وهذا طريق ساقط سقوط العزرمي وآله.

5/ وقد تابعه علي بن ثابت الجزري مولى بني هاشم أخبرني عمرو [بن عبد الله] أبو عبد الله عن مطرف بن طريف عن عامر الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن ليلة النصف من شعبان يعتق الله من النار عدد شعر غنم كلب، وينزل أرزاق السنة , ويكتب الحاج ولا يترك أحدا إلا غفر له إلا قاطع رحم، أو مشركا، أو مشاحنا»

عمرو بن عبد الله لم أعرفه، وعلي الجزري يروي عن المتروكين والله أعلم.

دليل خامس: بيان من أخبر عائشة بكون النبي عليه السلام في المقبرة:

رواه الزينبي عن دعلج بن أحمد أخبرهم قال: حدثنا إبراهيم ابن أبي طالب النيسابوري قال: ثنا عبد الله بن الجراح قال: حدثنا سعيد بن عبد الكريم الواسطي، عن أبي نعمان السعدي، عن أبي رجاء العطاردي عن أنس بن مالك، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة، رضي الله عنها، فقلت: أسرعي، فإني تركت رسول الله صلى الله عليه يحدثهم بحديث ليلة النصف من شعبان، فقالت: يا أنيس، اجلس حتى أحدثك عن ليلة النصف من شعبان، قالت: كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي، قالت: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل معي في لحاف، قالت: فانتبهت من الليل فلم أجده، قالت: فطفت في حجرات نسائه فلم أجده، قالت: قلت: ذهب إلى جاريته مارية القبطية، قالت: فخرجت فمررت في المسجد، فوقعت رجلي عليه وهو ساجد، وهو يقول: «سَجَدَ لَكَ خَيَالِي وَسَوَادِي، وَآمَنَ بِكَ فُؤَادِي، وَهَذِهِ يَدِيَ الَّتِي جَنَيْتُ بِهَا عَلَى نَفْسِي، فَيَا عَظِيمُ، هَلْ يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إِلا الرَّبُّ الْعَظِيمُ، اغْفِرْ لِيَ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ» قَالَتْ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَبْ لِي قَلْبًا تَقِيًّا نَقِيًّا مِنَ الشَّرِّ بَرِيًّا، لَا كَافِرًا وَلَا شَقِيًّا» قَالَتْ: ثُمَّ عَادَ فَسَجَدَ فَقَالَ: " أَقُولُ لك كَمَا قَالَ أَخِي دَاوُدُ عليه السلام: أُعَفِّرُ وَجْهِيَ فِي التُّرَابِ لِسَيِّدِي، وَحَقَّ لِوَجْهِ سَيِّدِي أَنْ تُعَفَّرَ الْوُجُوهُ لِوَجْهِهِ " قَالَتْ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَنْتَ فِي وَادٍ وَأَنَا فِي وَادٍ، قَالَتْ: فَسَمِعَ حِسَّ قَدَمِي فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَقَالَ: «يَا حُمَيْرَاءُ، أَمَا تَدْرِينَ مَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ، هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إِنَّ لِلَّهِ عز وجل فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ بِعَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» .

قَالَتْ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَمَا بَالُ غَنَمِ كَلْبٍ؟ قَالَ: " لَيْسَ الْيَوْمَ فِي الْعَرَبِ قَوْمٌ أَكْثَرُ غَنَمًا مِنْهُمْ، لا أَقُولُ فِيهِمْ سِتَّةُ نَفَرٍ: مُدْمِنُ خَمْرٍ، وَلَا عَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَلَا مُصِرٌّ عَلَى رِبًا أَوْ زِنًا، وَلَا مُصَارِمٌ، وَلَا مُصَوِّرٌ، وَلَا قَتَّاتٌ "

توبع عبد الله بن الجراح: 

فرواه إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ الْغَسِيلِيُّ، نا وَهْبٌ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ السَّعْدِيِّ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: ...

قال الأزدي الحافظ: سعيد بن عبد الكريم متروك".

وأبو النعمان السعدي لم أعرفه.

دليل سادس: حديث علي:

خرجه الفاكهي في أخبار مكة (3/64) عن عبد الرزاق قال: أنا ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله عز وجل ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: " ألا مستغفر فأغفر له؟ ألا مسترزق فأرزقه؟ ألا مبتلى فأعافيه؟ " ألا كذا، حتى يطلع الفجر ".

ابن أبي سبرة متروك متهم.

دليل سابع: حديث أبي الدرداء:

خرجه عبد الغني الجماعيلي عن هشام بن عمار ثنا محمد بن مسروق ثنا أبو العطوف الجراح بن المنهال عن عبد الله بن يزيد عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليلة النصف من شعبان يهبط الرحمن عز وجل إلى سماء الدنيا فينظر إلى أعمال العباد فيغفر للمستغفرين ويتوب على التوابين ويستجيب للسائلين ويكفي المتوكلين، ويدع أهل الصغائر لا يفعل بهم شيئا من ذلك، ويغفر الذنوب جميعا لمن يشاء إلا لمشرك أو قاتل نفس حرمها الله عز وجل أو مشاحن»

محمد بن مسروق مجهول العين، والجراح قال عنه الإمام مسلم: منكر ... مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله..".

وقد أنكر عبد الله بن المبارك هذه الأحاديث كما مر.

ومنهم من قواها كالبزار.

خرج عبد الله في السنة عن عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث، «إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان» قلنا: إن قوما ينكرون هذه الأحاديث، قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها، فقال: إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم رمضان فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث "

وقال الفاكهي في أخبار مكة (3/64):" ذكر عمل أهل مكة ليلة النصف من شعبان واجتهادهم فيها لفضلها وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان، خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلوا، وطافوا، وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام، حتى يختموا القرآن كله، ويصلوا، ومن صلى منهم تلك الليلة مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بالحمد، وقل هو الله أحد عشر مرات، وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة، فشربوه، واغتسلوا به، وخبؤوه عندهم للمرضى، يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة، ويروى فيه أحاديث كثيرة ".

وقال ابن تيمية في الاقتضاء :" من هذا الباب : ليلة النصف من شعبان ، فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها ، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة . ومن العلماء : من السلف من أهل المدينة ، وغيرهم من الخلف ، من أنكر فضلها ، وطعن في الأحاديث الواردة فيها ، كحديث : « إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب » . وقال : لا فرق بينها وبين غيرها .

لكن الذي عليه كثير من أهل العلم ، أو أكثرهم ، من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها ، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها ، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الرابع: ذكر نزول الله إلى أرض المحشر ثم انطلاقه بالمؤمنين وهم وراءه إلى الجنة، ومن ثَمَّ صعوده على عرشه: 

الدليل التاسع عشر وتوابعه: وهو حديث عظيم تضمن كثيرا من صفات الله جل في علاه، منها نزوله يوم القيامة إلى عباده لفصل الحساب في أرض المحشر، ثم تجليه لعباده ببعض صفاته منها الساق والأضراس واللهاة، ومن ثم انطلاقه تعالى بالمؤمنين ومُرورُه وهم من ورائه على الصراط، فيمشي الله على ناره واضعا فيها قدمه حتى تنزوي ويترك لذلك أثرا ، ثم يصعد بهم إلى جنات الخلد، لأنها فوق أرض المحشر ،

1/ قال الله عن نفسه بأنه يجيء:{ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)}[النبأ]

وقال الجهمي المشرك: لا يستطيع الرب المجيء.

وقال تعالى بأنه يأتي لفصل الحساب:{ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) }[البقرة]

وقالت الجهمية: نكفر برب يأتي، ونحن نؤمن به.

وقال تعالى: { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا}،

2/ وأخبر رسول الإسلام عن ربه بأنه ينزل ويهبط لفصل الحساب، وقالت الجهمية والأشاعرة: نحن ننزه الله عن النزول:

خرج الترمذي وصححه (2382) وابن خزيمة في الصحيح (2482) وابن حبان في صحيحه (408) عن عقبة بن مسلم أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أسألك بحق وبحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكثنا قليلا ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم أفاق فمسح وجهه فقال: أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خارا على وجهه فأسندته علي طويلا، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء , فقد قيل ذاك "، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: «يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة»

وقال الوليد أبو عثمان: فأخبرني عقبة بن مسلم «أن شفيا، هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا» قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم، أنه كان سيافا لمعاوية فدخل عليه رجل، فأخبره بهذا عن أبي هريرة، فقال معاوية: " قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا حتى ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشر، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 16]

3/ قال الطبري في تفسيرها: نا القاسم ثنا الحسين ثنا معتمر بن سليمان عن عبد الجليل عن أبي حازم عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله حين يهبط، وبينه وبين خلقه سبعون حجابا، منها النور والظلمة والماء، فيصوّت الماء صوتا تنخلع له القلوب"،

وإنما يهبط الله في ظلل من الغمام كما:

4/ قال عبد الله بن أحمد في السنة 2/521 حدثني إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني أبو أحمد أملاه علينا إملاء في دار كعب حدثني محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع قال حدثنا عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال: فينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولي كل إنسان منكم ما كان يتولى ويعبد في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم ؟ قالوا: بلى قال: فلينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا قال: فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان والحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون قال : ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال: فيتمثل الرب جل وعز فيأتيهم فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا إلها. فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه ؟ فيقولون بيننا وبينه علامة إذا رأيناه عرفناها فيقول: ما هي ؟ يقولون يكشف عن ساقه قال: فعند ذلك يكشف الله عن ساقه فيخر كل من كان بظهره طبق ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يدعون إلى السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ثم يقول ارفعوا رءوسكم قال : فيرفعون رءوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه فيضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه فمشى وإذا أطفئ قام، قال: والرب جل وعز أمامهم حتى يمر في النار، ويبقى أثره كحد السيف دحض مزلة، ويقول: مروا فيمرون على قدر ذنوبهم منهم من يمر كطرفة العين..."،

هذا حديث صحيح مسلسل بالحرانيين، وهو شبه المتواتر،

وقد خرجه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن أحمد به،

وقال أيضا  9763 حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان ثنا عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاني عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ـ نفسه .

وفي الباب عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه ذكر الصورة،

وقد خرجه البخاري بطوله وفيه:" إنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُم"،

ورواه الزهري عن عطاء عن أبي هريرة بلفظ:" فيأتيهم الله في غير صورته التي كانوا يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه « قال : » فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم ، فيقولون أنت ربنا فيتبعونه"،

ومعنى قوله: يأتيهم الله في صورة، ثم يأتيهم في صورة أخرى"، فإنه ليس فيه أن الله تعالى يُغير ذاته وصورته، وإنما هو محمول على وجهين:

أحدهما: أن هذا التمثل والتغير إنما هو في العين، لا في الحقيقة ونفس الأمر، كما قال الدارمي في نقضه على المريسي الجهمي (1/389):" ويلك إن الله لا تتغير صورته ولا تتبدل ولكن يمثل في أعينهم يومئذ أولم تقرأ كتاب الله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم} ..."، وقال أَبو عاصم النبيل: ذَلِكَ تغير يقع فِي عيون الرائين كنحو ما يتخيل إلى الإنسان الشيء بخلاف ما هو به فيتوهم الشيء عَلَى الحقيقة"، وعن ابن الماجشون مثله. 

والثاني: أن المؤمنين يوم القيامة لا يرون كل ذات الله تعالى في أول الأمر والحال، وإنما يرون جزءا منه وشيئا من صفاته فقط، ويسمعون من كلامه، فلا يتعرفون عليه بأنه هو ربهم، من هول الفزع، وشدة الخوف، من أن يتبعوا إلها غير الله فيهلكوا، لذلك فلا يتبعونه إذا جاء على هذه الحالة والصورة، وقد عرّفنا الله ورسوله في سنته الآن بأن لا نتبع أحدا غير الله، ثمّ بين لنا أن العلامة عليه هي الكشف عن ساقه الكريمة، وتجليه لعباده ضاحكا ومتكلما حتى يبدو منه أضراسه ولهاته، وهو في ذلك لا عِدل له ولا نظير، فإذا أتانا الله على هذه الحال والصورة عرفناه، وإذا أتانا بغير هذه الصورة كأن يُرينا شيئا من ذاته فقط فلا نعرفه، كما قال أبو يعلى في الإبطال 1/154:" أما تغير الصورة فليس بتغير، لأنه لا يمتنع أن يكون جميع ذَلِكَ صفات له يحجبهم عن النظر إلى شيء منها فِي حال، ويريهم إياها فِي حال أخرى، كما جاز أن يريهم ذاته فِي حال ويمنعهم ذَلِكَ فِي حالة أخرى، وإذا كان كذلك لم يجز منه ما قالوه من تغير الصور عليه"، وهذه بعض الأدلة على ما ذكرت، 

أما دليل ذكر الساقِ: فهو روايةُ عبد الله بن مسروق عن ابن مسعود السابقة وفيها:" فيتمثل الرب جل وعز فيأتيهم فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا إلها. فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون بيننا وبينه علامة إذا رأيناه عرفناها فيقول: ما هي ؟ يقولون يكشف عن ساقه قال: فعند ذلك يكشف الله عن ساقه فيخر كل من كان.."،

وكذلك رواية عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:" وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيقال لهم ما لكم ذهب الناس وبقيتم، فيقولون: لنا رب لم نره بعد، قال: يقول ، هل تعرفونه ؟ فيقولون : إن بيننا وبينه علامة ، فإذا رأيناه عرفناه، فيكشف لهم عن ساق، فيخرون له سجدا.."،

أما دليل تجليه لنا بذاته ضاحكا فهو حديث جابر رضي الله عنه في الورود رفعه قال:"... فيقولون: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم تبارك وتعالى يضحك [حتى تبدو أضراسه ولهاته]، فينطلق بهم ويتبعونه يعطى كل إنسان منهم منافق ، أو مؤمن نورا ثم يتبعونه على جسر جهنم..."،

وهو صحيح قد ذكرته بطرقه في مبحث"إثبات الضرس واللهاة لله تعالى، وإني أستخير الله في إخراجه للناس، أم كتمه،

وأما عن دليل أنه لا عِدل له في ذلك كله: فحديث أبي موسى وفيه:" فيقول: وهل تعرفونه؟ فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه، ولم تروه؟ فيقولون: نعم، إنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكا.."، وروى الناس عن إسماعيل بن رافع وهو ضعيف عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة مرفوعا قال:« إن الله عز وجل لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور  فأعطاه إسرافيل... وفيه:" حتى ينزل الجبار تبارك وتعالى في ظلل من الغمام، والملائكة، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة ...، فيضع الله كرسيه حيث شاء من أرضه، ثم يهتف بصوته، فيقول:.. ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، ما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم وهو الله فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناس، فالحقوا بآلهتكم، وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فيكشف عن ساقه، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون به أنه ربهم، فيخرون سجدا.."،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الخامس: ذكر نزول الله تعالى إلى كرسيه إلى الواد الأفيح في الجنة، كل جمعة ليراه المؤمنون، ثم صعوده على عرشه:

الدليل العشرون: وهو حديث المرآة البيضاء في الجمعة في نزول الرب جل في علاه من على عرشه إلى كرسيه وجلوسه عليه، وتجليه إلى عباده في جنة خلده، ثم صعوده على عرشه وذلك كل جمعة، وهذا النظر إلى ذات الله بعد دخول الجنة، هو غير النظر الذي كان في أرض المحشر، لأن ذاك نظرٌ لكنه مشوب بالفزع والخوف من الهلاك، أما هذا فهو نظر عينٍ قد اطمأنت بنعيم ربها وجنانه، 

وحديث المرآة صحيح بل شبه المتواتر، إن كان القوم يُنكرون حديث الآحاد، وعدد طرقه خمس عشرة طريقا عن أنس هذا بيانها:

طريق أول: قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى :{ ولدينا مزيد} قال الشافعي في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد ثني موسى بن عبيدة حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أنس بن مالك يقول: أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه ؟ فقال: هذه الجمعة، فُضّلتَ بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى، ولكم فيها خير، ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له، وهو عندنا يوم المزيد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، وما يوم المزيد؟" قال: إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور...، وفيه" وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش، وفيه خلق آدم، وفيه تقوم الساعة"،

هذا إسناد ضعيف لضعف إبراهيم وشيخه موسى بن عبيدة، وقد رواه الثقات والناس أن الله تعالى هو نفسُه الذي ينزل بذاته:

طريق ثان: قال الطبراني في المعجم الأوسط 6717 حدثنا محمد بن أبي زرعة الدمشقي نا هشام بن عمار ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن سالم بن عبد الله أنه سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" أتاني جبريل وفي يده كهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء فقلت ما هذه يا جبريل قال هذه الجمعة بعث بها ربك إليك تكون عيدا لك ولأمتك بعدك فقلت ما لنا فيها فقال لكم خير كثير أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه أياه فقلت ما هذه النكتة السوداء قال هذه الساعة تقوم يوم الجمعة وهو سيد الأيام ونحن نسميه يوم المزيد قلت يا جبريل ما المزيد قال ذلك أن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة يهبط الرب تبارك وتعالى عن عرشه إلى كرسيه وحف الكرسي بمنابر من نور فجلس عليها النبيون وحفت المنابر بكراسي من ذهب فجلس عليها الشهداء ويهبط أهل الغرف من غرفهم فيجلسون على كثبان المسك لا يرون لأهل الكراسي والمنابر عليهم فضلا في المجلس ويبدو لهم ذو الجلال والإكرام فيقول سلوني فيقولون نسألك الرضا يا رب فيقول رضائي أحلكم داري وأنالكم كرامتي ثم يقول سلوني فيقولون بأجمعهم نسألك الرضا فيشهدهم على الرضا ثم يقول سلوني فيسألونه حتى ينتهي كل عبد منهم ثم عليهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"، هذا إسناد رجاله ثقات من حديث الدمشقيين، والوليد مدلس، وسالم بن عبد الله إن كان ابن عمر فهو ثقة وقد قدم الشام كما قال ابن عساكر، وإن كان المحاربي الدمشقي فصدوق، وقد قال أبو زرعة: سالم بن عبد الله عداده في قضاة التابعين، وقد توبع:

طريق ثالث: قال أبو يعلى الموصلي 4118 حدثنا شيبان بن فروخ ثنا الصعق بن حزن ثنا علي بن الحكم البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أتاني جبريل بمثل المرآة ...، وفيه" فإذا كان يوم الجمعة ينزل الله فيه ، فوضعت فيه منابر من ذهب للأنبياء ، وكراسي من در للشهداء ، وينزلن الحور العين من الغرف فحمدوا الله ومجدوه، قال: «ثم يقول الله: اكسوا عبادي ، فيكسون ، ويقول: أطعموا عبادي، فيطعمون، ويقول : اسقوا عبادي ، فيسقون، ويقول: طيبوا عبادي فيطيبون، ثم يقول: ماذا تريدون؟ فيقولون: ربنا رضوانك»، قال: « يقول: رضيت عنكم ، ثم يأمرهم فينطلقون ، وتصعد الحور العين الغرف، وهي من زمردة خضراء، ومن ياقوتة حمراء»، قال ابن أبي حاتم في علله: وَسَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَة عَنه، فقال أبو زُرْعة: هَذَا خَطَأ، رَوَاهُ سَعِيدُ بْن زَيْد عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَم عَنْ عثمان بْنِ عُمَيْر عَنْ أَنَس عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم"، قَالَ أَبِي: نَقَص الصَّعْقُ رَجُلا منَ الْوَسَط"،

كذا قالا، وحديث الصعق مختصر منفصل في الإسناد عن حديث عثمان بن عمير المُطول، لذلك صححه البوصيري، وقال الهيثمى (10/421): رواه البزار والطبرانى فى الأوسط بنحوه، وأبو يعلى باختصار، ورجال أبى يعلى رجال الصحيح، وأحد إسنادى الطبرانى رجاله رجال الصحيح ، غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد وثقه غير واحد وضعفه غيرهم"، وقال ابن كثير في النهاية: وهذه طرق جيدة عن أنس، شاهدة لرواية عثمان بن عمير"،

وقد بيَّنَ عثمان بن عمير ومن تابعه في روايتهم أنه بعد نزول الرب جل في علاه إلى ذلك الوادي، فإنه يصعد إلى عرشه مرة أخرى رغم أنف الجهمية، فقد روى هذا الحديثَ جماعة كبيرة عن أنس، منهم علي بن الحكم وابن مير وسالم بن عبد الله كما مضى، بالإضافة إلى عثمان بن عمير وعُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمٍ وأبي عمروا الجوني وقتادة وعمر مولى غفرة والرقاشي وحميد ويزيد وأبي صالح وابن بريدة وإبراهيم بن الجعد وصفوان في آخرين هذا بيانهم:

الطريق الرابع: أما رواية عثمان بن عمير وهو ابن أبي حميد نفسُه عن أنس: فهي مشهورة عنه رواها الجم عنه:

1ـ أما رواية ليث بن أبي سليم عن عثمان بن أبي حميد: فقد حدث بها عنه جم كبير:

قال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ثنا أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد بن هارون الأصبهاني ومحمد بن جعفر بن أحمد المطيري ومحمد بن علي بن إسماعيل الأيلي قالوا: ثنا عبد الله بن روح المدائني ثنا سلام بن سليمان ثنا ورقاء وإسرائيل وشعبة وجرير بن عبد الحميد كلهم قالوا: حدثنا ليث عن عثمان بن أبي حميد عن أنس بن مالك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« أتاني جبريل عليه السلام وفي كفه كالمرآة البيضاء يحملها فيها كالنكتة السوداء، فقلت: ما هذه التي في يدك يا جبريل ؟ فقال : هذه الجمعة، قلت : وما الجمعة ؟ قال: لكم فيها خير، قلت: وما يكون لنا فيها ؟ قال: يكون عيدا لك ولقومك من بعدك ، ويكون اليهود والنصارى تبعا لكم، قلت: وما لنا فيها ؟ قال : لكم فيها ساعة لا يسأل الله عبد فيها شيئا هو له قسم إلا أعطاه إياه، أو ليس له بقسم إلا ذخر له في آخرته ما هو أعظم منه، قلت : ما هذه النكتة التي فيها ؟ قال هي الساعة ونحن ندعوه يوم المزيد، قلت: وما ذلك يا جبريل؟ قال: إن ربك اتخذ في الجنة واديا فيه كثبان من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين عز وجل على كرسيه ، فيحف الكرسي بكراسي من نور، فيجيء النبيون حتى يجلسوا على تلك الكراسي وتحف الكراسي بمنابر من نور ومن ذهب مكللة بالجوهر ، ثم يجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا على تلك المنابر، ثم ينزل أهل الغرف من غرفهم حتى يجلسوا على تلك الكثبان ثم يتجلى لهم عز وجل، فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي، وأتممت عليكم نعمتي ، وهذا محل كرامتي فاسألوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم في ذلك ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وذلك بمقدار منصرفكم من الجمعة، ثم يرتفع على كرسيه عز وجل ويرتفع معه النبيون والصديقون والشهداء، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم، وهي لؤلؤة بيضاء، أو زمردة خضراء ، أو ياقوتة حمراء، غرفها وأبوابها منها أنهارها مطردة فيها، وأزواجها وخدامها، وثمارها متدلية فيها ، فليسوا إلى شيء أحوج إليهم منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم ، ويزدادوا منه كرامة ».

وقال ابن أبي الدنيا في صفة الجنة: حدثنا أبو خيثمة وإسحاق ـ بن اسماعيل ـ قالا: ثنا جرير عن ليث عن عثمان بن أبي حميد عن أنس بن مالك وفيه:" نزل عن كرسيه أو نزل من عليين على كرسيه... ثم يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبيون والصديقون والشهداء"،

تابعه عثمان بن أبي شيبة في العرش عن أبيه عن جرير نحوه. وقال الطبري حدثنا ابن حُمَيد ثنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن أنس عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم نحو حديث عليّ بن الحسين"، وفيه ذكر الصعود والنزول.

وقال الدارقطني: حدثنا أبو طالب الكاتب علي بن محمد بن أحمد بن الجهم وعبد الله بن الهيثم بن خالد الخياط وغيرهما قالوا: ثنا الحسن بن عرفة ثنا عمار بن محمد ابن أخت سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن عثمان عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أتاني جبريل وفي كفه كالمرآة... وفيه: فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى على كرسيه في عليين ثم حف الكرسي بمنابر من ذهب مكللة بالجوهر...، وفيه:" ثم يرتفع على كرسيه ، فيرتفع معه النبيون والصديقون والشهداء ، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم في درة بيضاء ليس فيها فصم ولا قصم ...»

وقال ابن بطة في الإبانة الكبرى: حدثنا القافلائي ثنا محمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ثنا عبد الرحمن بن محمد عن ليث عن عثمان عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. 

وقال أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه 5560 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِي عَنْ لَيْث عَنْ عُثْمَان عَن أَنَس قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَتَانِي جِبْرِيلُ ... به.

وقال الدارقطني في الرؤية: حدثنا محمد بن إبراهيم بن نيروز ثنا أبو عاصم عمران بن محمد حدثنا عبد الله بن هارون بن أبي عيسى ثنا أبي عن محمد بن إسحاق ثني ليث بن أبي سليم عن عثمان بن عمير عن أنس بن مالك بالحديث. 

وقال ابن منده في الرد على الجهمية أخبرنا محمد بن حاتم بمرو ثنا عبد الله بن روح المدايني ثنا سلام بن سليمان عن شعبة وغيره عن ليث عن عثمان بن عمير عن أنس،

ثم قال: هذا حديث مشهور عن عثمان بن عمير"، وقد توبع ليث من طرف عنبسة وأبي طيبة: 

2 ـ أما طريق عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير: فقال الدارقطني: ثنا محمد بن نوح الجنديسابوري ثنا علي بن حرب الجنديسابوري نا إسحاق بن سليمان نا عنبسة بن سعيد عن عثمان بن عمير عن أنس بالحديث .

3 ـ وأما طريق أبي طيبة فقد اختلف عنه في ذكر معاوية أو عاصم في الإسناد: فقال الطبري في تفسير آية المزيد: حدثنا عليّ بن الحسين بن أبجر ثنا عمر بن يونس اليمامي ثنا جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل ثني أبو طيبة عن معاوية العبسي عن عثمان بن عمير عن أنس بن مالك قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : "أتانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي كَفِّه مِرْآةٌ بَيْضَاءُ، فِيها نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَقُلْتُ: يا جِبْرِيلُ ما هَذِهِ؟ قالَ: هَذِهِ الجُمُعَةُ، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ النُّكْتَةُ السَّوْدَاءُ فِيها؟ قالَ: هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الأيَّامِ عِنْدَنا، وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ; قُلْتٌ: وَلِمَ تَدْعُونَ يَوْمَ المَزِيدِ قالَ: إنَّ رَبَّكَ تَبارَكَ وَتَعالى اتَّخَذَ فِي الجَنَّةِ وَاديا أفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أبْيَضَ، فإذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ نزلَ مِنْ عِلِّيِّين على كُرْسِيِّه، ثُمَّ حَفَّ الكُرْسِيَّ بِمنَابِرَ مِنْ نُورٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّونَ حتى يَجْلِسُوا عَلَيْها ثُمَّ تَجِيءُ أهلُ الجَنَّةِ حتى يَجْلِسُوا على الكُثُبِ فَيَتَجَلَّى لَهمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ حتى يَنْظُرُوا إلى وَجْهِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أنا الَّذِي صَدَقْتُكُم عِدَتِي، وأتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي، فَهَذَا مَحلُّ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسألُونهُ الرِّضَا، فَيَقُولُ: رِضَايَ أحَلَّكُمْ دَارِي وأنالَكُم كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسأَلُونهُ حتى تَنْتَهِيَ رَغْبتهُمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذلكَ ما لا عين رأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمعَتْ، وَلا خَطَر على قَلْبِ بَشَرٍ، إلى مِقْدَارٍ مُنْصَرَف النَّاسِ مِنَ الجُمُعَة حتى يَصْعَدَ على كُرْسِيِّه فَيَصْعَدُ مَعَهُ الصدّيقُونَ والشُّهَدَاءُ، وَتَرْجِعُ أهْلُ الجَنَّةِ إلى غُرَفِهِمْ دُرَّةً بَيْضَاءَ، لا نَظْمَ فِيها ولا فَصْمَ، أوْ ياقُوتَةً حَمْرَاءَ، أوْ زَبْرَجَدَةً خَضْرَاءَ، مِنْها غُرَفُها وأبْوَابُها، فَلَيْسُوا إلى شَيْءٍ أحْوَجَ مِنْهُمْ إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ، لِيَزْدَادُوا مِنْهُ كَرَامَةً، وَلِيَزْدَادُوا نَظَرًا إلى وَجْهِهِ، وَلِذَلكَ دُعِيَ يَوْمَ المَزِيدِ"،

هكذا رواه عليّ بن الحسين عن عمر بن يونس عن جهضم ثني أبو طيبة عن معاوية العبسي عن عثمان،

وخالفه عمرو بن أبي قيس فجعله عن عاصم،

وخالفهما عبد الأعلى ومحمد بن المثنى فلم يذكرا فيه لا معاوية ولا عاصم وهو الأصح:

فقال الدارقطني: حدثنا محمد بن نوح الجنديسابوري ثنا موسى بن سفيان بن زياد السكري ثنا عبد الله بن الجهم الرازي ثنا عمرو بن أبي قيس عن أبي ظبية عن عاصم عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« أتاني جبريل عليه السلام وفي يده كالمرآة البيضاء فيها كالنكتة السوداء .... فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا... وفيه:" ثم يرتفع رب العزة ويرتفع معه النبيون والشهداء...»

وقال عبد الله في السنة حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي نا عمر بن يونس عن جهضم بن عبد الله النفيسي حدثنا أبو طيبة عن عثمان بن عمير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أتاني جبريل وفي كفه مرآة بيضاء ..، وفيه:" فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه...، فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه عز وجل...، ثم يصعد على كرسيه فيصعد معه الصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم..».

تابعه البغوي وعلي بن إسحاق بن زاطيا عن عبد الأعلى،

وقال الآجري في الشريعة: قال لنا ابن أبي داود: وأبو ظبية؛ اسمه رجاء بن الحارث ثقة قال: وعثمان بن عمير يكنى أبا اليقظان"،

وكذلك هي رواية ابن المثنى كرواية عبد الأعلى وهي الصواب: 

فقال البزار (الكشف 4/195) حَدَّثنا مُحَمد بن المثنى ثنا عُمَر بن يُونُس اليمامي ثنا جهضم بن عَبد الله حَدَّثنا أبو طيبة عن عثمان بن عمير عَن أَنَس بن مالك قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل... وفيه:" فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه , ثم حف الكرسي منابر من نور... ثم يصعد تبارك وتعالى على كرسيه فيصعد معه الشهداء والصديقون..."،

قال البزار: وهذا الحديث قد رواه جماعة منهم إبراهيم بن طهمان ومُحَمد بن فضيل وغيرهما عن ليث عَن عثمان بن عمير عَن أَنَس.."، قال البزار: وعثمان ـ بن عمير ـ صالح "،

وكذلك وثقه الحاكم وحسن له الترمذي، وضعفه الباقون لتشيعه، وأثنى على روايته آخرون أيضا، فنقل ابن عدي عن ابن أبي داود قال: سألت يحيى بن سعيد عن أبي اليقظان قال هو عثمان بن عمير قلت له فكيف حديثه فقال: صالح"، واستحسن حديثه، لكنه لم يرض شخصه لتشيعه، وكذا قال عنه البزار وابن شاهين في الثقات: صالح، وصحح له الحاكم وحسن له الترمذي، وخلاصة القول فيه ما قال ابن عدي:".. على أن الثقات قد رووا عنه، وله غير ما ذكرت ويكتب حديثه على ضعفه"، فصار هذا الحديث حسنا لغيره،

وقد توبع عليه عثمان بن عمير كما في:

الطريق الخامس: وهو متابعة عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمٍ وهو ثقة عن أنس: قال ابن تيمية (6/402) و(6/413) :" وَرَوَاه أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْنُ إسْحَاقَ السَّرَّاج ثنا عَلِي بْنُ أَشْيَبَ ثنَا أَبُو بَدْرٍ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خيثمة عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: أَبْطَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمَّا خَرَجَ قُلْنَا : لَقَدْ احْتَبَسْت قَالَ : فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي وَفِي كَفِّهِ كَهَيْئَةِ الْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاء...، وفيه:" يَنْزِلُ اللَّهُ إلَيْهِ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَيُوضَعُ كُرْسِيُّه...، ثُمَّ يَتَبَسَّمُ اللَّهُ إلَيْهِم... ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إلَى غُرَفِهِمْ وَيَعُودُونَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَة.."،

فذكر مثله ولم يذكر ارتفاع الرب نصًّا، لكن ذكر ما يدل عليه وهو قوله:" ثم يعودون"،

فإن الضمير يرجع إلى الجميع، الرب وعباده، وهو حديث صحيح كل رجاله أئمة ثقات، أبو بدر هو شجاع بن الوليد ثقة كبير، وأما علي بن أشيب فهو تصحيف لا شك فيه لأنه ليس يوجد في الرواة علي بن أشيب، أو أنه وهم من شيخ الإسلام لأنه أخبر كما هو ظاهرٌ من أنه كتب الحديث من حفظه، والصواب علي بن إشكاب، ورسمهما متقارب، وهو علي بن الحسين بن إبراهيم بن الحر ووالده الحسين مُلقب بإشكاب، كما ذكر المزي وغيره،

يؤكد ما قلت أن السراج خرج في مسنده من باب الالتفات في الصلاة قال: حدثنا علي بن الحسين بن الحر بن أشكاب ثنا أبو بدر فذكر حديث النهي عن الإلتفات، فتعين أنه هو، واسمه علي بن الحسين بن إبراهيم أبو الحسن بن إشكاب وهو الذي يروي عن أبي بدر وهو ثقة صدوق، والحديث صحيح وله متابعات أخرى في: 

الطريق السادس: وهو متابعة أبي عمران الجوني ـ وهو عبد الملك ثقة ـ عن أنس: فقال الطبراني في المعجم الأوسط 2084 حدثنا أحمد بن زهير نا محمد بن عثمان بن كرامة نا خالد بن مخلد القطواني نا عبد السلام بن حفص عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال:" عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ... وفيه" ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد وذلك أن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل من عليين فجلس على كرسيه، وحف الكرسي بمنابر من ذهب...، ثم يتجلى لهم فيقول: أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه الرضا فيقول رضاي أحلكم داري وأنالكم كرامتي فسلوني فيسألونه الرضا الرضا فيشهد عليهم على الرضا ثم يفتح لهم ما لم تر عين ولم يخطر على قلب بشر إلى مقدار منصرفهم من الجمعة وهي زبرجدة خضراء أو ياقوتة حمراء مطردة فيها أنهارها متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها فليس هم في الجنة بأشوق منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا نظرا إلى ربهم عز وجل وكرامته ولذلك دعي يوم المزيد"،

ومن طريقه خرجه الضياء في الاحاديث المختارة، وهو حديث صحيح رجاله ثقات، وابن زهير هو التستري شيخ لابن عدي وابن حبان، خرج له كثيرا في صحيحه ووصفه هو والطبراني بالحافظ في غير ما موضع، وقال الذهبي في العبر: حافظ كبير، وقال في تذكرة الحفاظ والسير: إمام حافظ حجة علم الحفاظ، ووثقه إسحاق وابن المقري .

الطريق السابع: وهي متابعة قتادة عن أنس: وقد ذكرت حديثه في مبحث إثبات الصوت لله تعالى، قال الدارقطني في الرؤية 82: حدثنا محمد بن مخلد ثنا أبو الحسن عبد الرحمن بن الأزهر بن خالد الأعور ومحمد بن سعيد القرشي حدثنا حمزة بن واصل المنقري ح، وحدثنا أبو عبد الله بن عبد الصمد بن المهدي ثنا عبد الرحمن بن معاوية بن أبي القاسم العتبي حدثنا محمد بن حاتم المصيصي ثنا محمد بن سعيد القرشي ثنا حمزة بن واصل المنقري أخبرنا قتادة بن دعامة ثنا أنس بن مالك قال: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «أتاني جبريل عليه السلام، وفي يده كالمرآة ... وفيه:" فإذا كان يوم الجمعة ينزل ربنا عز وجل على كرسيه إلى ذلك الوادي...، وفيه:« ثم يحمل عرش ربنا تبارك إلى العليين، معهم الملائكة والنبيون ، ثم يؤذن لأهل الغرفات فيعودون أو يرجعون إلى غرفهم ، وهما غرفتان زمردتان خضراوان، فليسوا إلى شيء أشوق منهم إلى يوم الجمعة لينظروا إلى ربهم عز وجل ، وليزيدهم من مزيد فضله وكرامته » قال أنس رضي الله عنه : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيني وبينه أحد"،

قال محمد بن سعيد: أمرنا حماد بن سلمة أن نسمع هذا الحديث من هذا الرجل، وهو حمزة بن واصل، وقد قال عنه العقيلي مجهول وحديثه غير محفوظ، لكن قد روى عنه اثنان، وأمر حماد بن سلمة أصحابه بكتابة هذا الحديث عنه،

وخرجه العقيلي عن محمد بن سعيد القرشي قال حدثنا حمزة بن واصل المنقري وكان يلزم مسجد حماد بن سلمة وحماد أمرنا أن نكتب عنه.."، وحماد بن سلمة من أصحابه فهو أعرف الناس به، من العقيلي أو غيره، وقد أمر بالكتابة عنه، فصار الحديث حسنا وله متابعات أخرى: 

الطريق الثامن: وهو متابعة عمر مولى غفرة عن أنس: قال الدارقطني في الرؤية 84: حدثنا أبو بكر النيسابوري أخبرني العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني محمد بن شعيب أخبرني عمر مولى غفرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « جاءني جبريل عليه السلام وفي كفه كمرآة بيضاء فيها نكتة سوداء...، وفيه:" قلت له : ولم تسمونه يوم المزيد يا جبريل ؟ قال: ذلك لأن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الجبار عز وجل عن عرشه إلى كرسيه إلى ذلك الوادي، وقد حف الكرسي بمنابر من نور...، وفيه:" فيرتفع الجبار إلى عرشه ، فيفتح عليهم بعد انصرافهم من يوم الجمعة ما لا عين رأت ...»،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع 6/416:" ورواه أَيْضًا الدارقطني بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ إلَى الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيد"، وقد توبع العباس:

فقال أبو سعيد الدارمي في الرد على الجهمية 90: حدثنا هشام بن خالد الدمشقي وكان ثقة ثنا محمد بن شعيب وهو ابن شابور أنبأ عمر بن عبد الله مولى غفرة سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أتاني جبريل وفي يده كهيئة المرآة البيضاء....، قلت: وما المزيد يا جبريل؟ قال : ذلك بأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الرب تبارك وتعالى عن عرشه إلى كرسيه، وحف الكرسي بمنابر من نور...، ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام...، وفيه: " ثم يرتفع الرب عن كرسيه إلى عرشه، ويرتفع أهل الغرف إلى غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء...»، توبع ابن شابور متابعتين تامتين:

فقال ابن القيم في الزاد:1/353 : وقال الحسن بن سفيان النسوي في مسنده حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق ثنا الحسن بن يحيى الخشني ثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة ثني أنس مثله.. وفيه:" ذلك بأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الرب عز و جل من عرشه إلى كرسيه ويحف الكرسي بمنابر من النور...، ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى ...، ثم يرتفع الجبار من كرسيه إلى عرشه ويرتفع أهل الغرف إلى غرفهم..."،

وقال ابن أبي الدنيا في صفة الجنة: حدثنا الحكم بن موسى ثنا إسماعيل بن عياش ثني عمر بن عبد الله مولى غفرة بن شيبة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« جاءني جبريل عليه السلام في كفه كالمرآة البيضاء فيها كالنكتة السوداء ، فذكر نحو المعنى،   

وهذا حديث حسن فيه عمر مولى غفرة، وثقه ابن سعد والإمام أحمد والبزار وابن شاهين وابن خلفون والساجي ، وذكره العجلي في الثقات وقال: يكتب حديثه وليس بالقوي، وذكره البرقي في الثقات ممن لا يتقن جيدا، وحسن له الترمذي والحاكم، وصدقه مالك لكن ترك حديثه، ووثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى هو والنسائي والدولابي وأخطأ في حقه ابن حبان، وخلاصة القول فيه أنه من جملة من يكتب حديثهم كما قال أبو حاتم وابن عدي، وهو إلى درجة الصدوق أقرب، على أن مالكا إنما تركه من باب الاحتياط وأقر بصدقه هو والساجي، فقد قال أبو يحيى الساجي: عمر مولى غفرة أخت بلال من أهل الصدق تركه مالك بن أنس: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن صالح الأزدي ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا مطرف بن عبد الله قال: قال مالك: أدركت رجالًا من أهل الصدق وما أحدث عنهم شيئًا قيل: لأي شيء تركتهم وهم أهل الصدق والفضل؟ قال: خشية الزلل منهم"، ومع ذلك فقد توبع عليه:

الطريق التاسع: وهي متابعة يزيد الرقاشي ـ وهو ضعيف ـ عن أنس: فقال شيخ الإسلام في المجموع 6/415 رَوَاه  أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الزَّاهِدُ غُلَامُ ثَعْلب ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الدميك الْمَرْوَزِي نا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَّانِي نا ضِرَارُ بْنُ عَمْرو عَنْ يَزِيدَ الرقاشي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَذَكَر الْحَدِيث بِأَبْسَط مِمَّا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَحْضُرْنِي سِيَاقُهُ وَلَكِنْ أَظُنُّ فِيهِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَة، ثم قال:" وَهَذَا الْإِسْنَادُ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ يَزِيدَ الرقاشي وَضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو ؛ لَكِنْ هُوَ مَضْمُومٌ إلَى مَا تَقَدَّم"،

قلت: وقد توبع ضرار: فقَالَ نعيم بن حماد في الفتن وأَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَس نحوه مختصرا.

الطريق العاشر: وهي متابعة حميد عن أنس: قال شيخ الإسلام ابن تيمية 6/415: رَوَاه أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِين ثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّد الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا جدي عَبْد اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ سَمِعْت عَاصِمًا أَبَا عَلِيٍّ يَقُول سَمِعْت حميدا الطَّوِيلَ سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُول سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: إنَّ اللَّهَ يَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّ يَوْم على كثيبٍ كافورا أبيض"، قال ابن تيمية: وقيل أن جعفرا وجده وعاصما مجهولون وهذا لا يمنع المعارضة".

الطريق الحادي عشر: وهي متابعة يزيد بن خمير عن أنس: قال أبو بكر: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْحِمْيَرِي ثنا الضَّحَّاك بْنُ حُمْرة عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْر عَنْ أَنَس نحوه.

الطريق الثاني عشر: وهي متابعة أبي صالح عن أنس: قال ابن القيم في الزاد:" رواه أبو نعيم في صفة الجنة.."، وقد خرجه في أخبار أصبهان من ترجمة الحسين بن عبد الله بن حمران الرقي وفيه ضعف، قال: حدثنا حبيب بن الحسن ثنا محمد بن يحيى أبو سهل الدينوري ثنا الحسين بن عبد الله بن حمران ثنا عصمة بن محمد ثنا موسى بن عقبة عن أبي صالح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« جاءني جبريل عليه السلام وفي كفه كالمرآة البيضاء وفي وسطها كالنكتة السوداء ، فقلت : ما هذه ؟ قال : هذه الجمعة » فذكر قصة الرؤية والتجلي"،

ومن طريقه خرجه الخطيب من ترجمة  محمد بن يحيى أبو سهل الدينوري، قال: حدثنا أبو نعيم الحافظ ثنا حبيب بن الحسن بن داود القزاز حدثنا محمد بن يحيى به .

الطريق الثالث عشر: وهي متابعة عبد الله بن بريدة عن أنس: قال أبو محمد عبد الرحمن بن عمر التجيبي ابن النحاس في كتاب الرؤية: نا أبو القاسم سليمان بن داود بن سليمان البزار العسكري إملاء نا أبو يزيد يعني القراطيسي نا أسد بن موسى نا يعقوب بن إبراهيم أنا صالح بن حيان عن عبد الله بن بريدة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« أتاني جبريل بمثل المرآة، فقلت: ما هذه ؟ فقال: الجمعة ، وأرسلني الله عز وجل بها إليك ، وهو عندنا سيد الأيام ، وهو عندنا يوم المزيد ، إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض ، فإذا كان يوم الجمعة نزل عن كرسيه، ونزل معه النبيون والصديقون والشهداء...، وفيه:" ثم ارتفع على كرسيه جل وعز، وارتفع أهل الغرف إلى غرفهم في خيمة بيضاء من لؤلؤة، لا فصم فيها ولا نظام"، توبع أبو القاسم البزار:

فقال الطبراني في الطوال: حدثنا أبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي المصري ثنا أسد بن موسى ثنا يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضي ثنا صالح بن حيان عن عبد الله بن بريدة عن أنس بن مالك مثله وفيه:" فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ، ونزل معه النبيون والصديقون والشهداء...، وفيه:" ثم ارتفع عن كرسيه وارتفع أهل الغرف عن غرفهم في خيمة بيضاء..."، توبع القراطيسي:

فقال الطبري في تفسيره: حدثنا الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا يعقوب بن إبراهيم عن صالح بن حيان عن ابي بُرَيدة عن أنس بن مالك عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بنحوه، وكذلك رواه القاسم بن الحكم نا أبو يوسف عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أنس"، وعلته صالح بن حيان ضعفه النقاد، وهو ممن يُستشهد به، فقد قال العجلي في الثقات:" صالح بن حيان جائز الحديث يكتب حديثه وليس بالقوي في عداد الشيوخ"، وكذلك قال أبو حاتم، فصار حديثه حسنا لغيره.

الطريق الرابع عشر: وهي متابعة إبراهيم بن الجعد عن أنس: قال ابن القيم في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح  (313):" رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول وجمل به الشافعي مسنده... قال الشافعي أنبانا إبراهيم ثني أبو عمران إبراهيم ابن الجعد عن أنس شبيها به وزاد فيه أشياءا.

الطريق الخامس عشر: وهي متابعة صفوان عن أنس: قال ابن القيم: ورواه محمد بن خالد بن جني حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي الباب عن جماعة أخرى من أصحاب النبي عليه السلام ممن روى هذا الحديث أو أجزاء منه وهم كُثُر ذكر بعضهم شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما، وقد ذكرا أنه صنف في جمع طرقه بعض السلف، وليس هذا مجال تقصيها والله الميسر لذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: ذكر كلام العلماء والسلف في تصحيح ووجوب الإيمان والأخذ بهذه الأحاديث:

المطلب الأول: بيان تواتر أحاديث النزول وتصحيحها وتلقيها بالقبول:

قال ابن القيم في حادي الأرواح (313):" رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول وجمل به الشافعي مسنده"،

وقال ابن القيم في روضة المحبين 434 :" رواه عن أنس جماعة منهم عثمان بن عمير بن اليقظان ومن طريقه رواه الشافعي في مسنده وعبدالله بن الإمام أحمد في السنة ومنهم أبو صالح والزبير بن عدي وعلي بن الحكم البناني وعبد الملك بن عمير ويزيد الرقاشي وعبدالله بن بريدة كلهم عن أنس وصححه جماعة من الحفاظ"،

وقال البوصيري في اتحاف الخيرة المهرة عن هذا الحديث: رواه أبو بكر بن أبي شيبهّ والحارث وأبو يعلى والطبراني مختصرًا بسند جيد، ورواه أبو يعلى أيضًا بسند صحيح"،

وقال المنذرى (4/311): رواه ابن أبى الدنيا والطبرانى فى الأوسط بإسنادين، أحدهما جيد قوى، وأبو يعلى مختصرًا، ورواته رواة الصحيح"،

وقال الهيثمى (10/421): رواه البزار والطبرانى فى الأوسط بنحوه، وأبو يعلى باختصار، ورجال أبى يعلى رجال الصحيح، وأحد إسنادى الطبرانى رجاله رجال الصحيح، غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وقد وثقه غير واحد، وضعفه غيرهم وإسناد البزار فيه خلاف"، وكذلك صححها ابن خزيمة لأنه اشترط أن لا يخرج إلا الصحيح من حديث الثقات العدول،

وقال ابن كثير في النهاية في الفتن:" وهذه طرق جيدة عن أنس، شاهدة لرواية عثمان بن عمير..، وقال الحافظ الضياء: وقد روي من طريق جيد عن أنس بن مالك..،

قال ابن كثير: وقد رواه غير أنس من الصحابة، ولذلك قوى هذه الأحاديث ابن تيمية وصححه الألباني كما مر، كيف وقد ورد من طرق أخرى كثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: كلام السلف عن النزول، وقرب الرب ومجيئه وحكم مخالفة ذلك:

المسألة الأولى: إثبات السلف للنزول الحقيقي لذات الرب:

مر أثناء البحث ذكر كلام الصحابة ومن بعدهم، وعلماء السلف حول إثبات صفة الصعود والعلو الإرتفاع والإنطلاق لله تعالى، وفي الباب طائفة أخرى من كلام السلف،

وقال ربيعة ومالك:" الإستواء معلوم"، أي أنه العلو والإرتفاع،

خرج  ابن بطة وغيره عن الوليد بن مسلم، قال: سألت الأوزاعي، والثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد عن الأحاديث التي، في الصفات وكلهم قال:  «أمروها كما جاءت بلا تفسير»

ثم خرج ابن بطة عن حنبل بن إسحاق قال: قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا؟ قال: «نعم» قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟ قال: فقال لي: «اسكت عن هذا» وغضب غضبا شديدا، وقال: «ما لك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف»

وقال أبو عبد الله بن بطة حدثنا أبو الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى الساجي قال قال أبي :"القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم أن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء

وذكر الشافعي عن الإمام مالك وسفيان مثله تماما كما سيأتي.

وخرج ابن أبي يعلى في الإبطال 1/51، وابن بطة عن النجاد عن الطيالسي عن ابن معين قال: إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل ؟ فقل: كيف صعد"،

وخرج ابن بطة عن الفضيل بن عياض: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل أنت: أنا لا أكفر برب يفعل ما يشاء".

وقال ابن القيم في اجتماع الجيوش: قول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: قال الأثرم في كتاب السنة حدثنا إبراهيم بن الحارث يعني العبادي حدثنا الليث بن يحيى سمعت إبراهيم بن الأشعث قال أبو بكر صاحب الفضيل سمعت الفضيل بن عياض يقول:" ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف، لأن الله وصف نفسه فأبلغ فقال:{ قل هو الله أحد..}، فلا صفة أبلغ مما وصف الله به نفسه وكذا النزول والضحك والمباهات والاطلاع كما شاء أن ينزل وكما شاء أن يباهي، وكما شاء أن يطلع وكما شاء أن يضحك فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف وإذا قال لك الجهمي أنا كفرت برب ينزل عن مكانه فقلت أنت أنا أومن برب يفعل ما يشاء"، وقد ذكر هذا الكلام الأخير عن الفضيلِ البخاريُّ في كتاب خلق الأفعال"،

وقال ابن تيمية في المجموع 5/386 :" ثم روى ـ ابن منده ـ بإسناده عن الفضيل بن عياض: إذا قال الجهمى أنا أكفر برب ينزل ويصعد، فقل:" آمنت برب يفعل ما يشاء"،

وقال الذهبي في تاريخه (7/89): وعن اسحاق بن راهوية قال: إذا قال لك الجهمي كيف ينزل ربنا إلى السماء الدنيا؟ فقل: كيف صعد"،

ومن المعلوم أن التكلم في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وأن الكلام على بعض الصفات، كالكلام على جميعها لأنهم جميعا سواء في الإثبات، فمن أثبت بعضها لزمه أن يُثبت سائرها سواءا بسواء، لذلك لما أنكر صفة الانطلاق والحركة بعضهم ألزمه أهل السنة بأن غيرها مثلها،

وقال أبو يعلى 1/51 :" ذكَر أَحْمَد بْن عَلِيٍّ الأَبَّار أَن عَبْد اللَّهِ بْنَ طَاهِر قال لإِسْحَاقَ بْنِ رَاهُوَيْه: مَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تُحَدِّثُ بِهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَاللَّهُ يَصْعَدُ وَيَتَحَرَّكُ ؟ فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ وَيَصْعَدَ وَلا يَتَحَرَّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ تُنْكِرُ؟"،

يعني لأنهم جميعا سواء، فلماذا تثبت شيئا وتنكر غيره ،

وقال أبو يعلى:" فإن قيل: يُحْمَل قوله:" ثم يعلو" المراد به ملائكته، قيل: هَذَا غلط لأنه قَالَ فِي الخبر:" ثم يعلوا عَلَى كرسيه"، وليس هَذِهِ صفة للملائكة لأن الكرسي مضاف إليه، وكذلك قوله: " ثم يرتفع" لا يصح حمله عَلَى الملائكة لأن هاء الكناية ترجع إلى المذكور"،

وهو الله تعالى، وقد ورد ذلك نصا في سائر الأحاديث كما سبق، وهو صعود معلوم المعنى مجهول الكيفية، ومن أنكره أو بالباطل تأوله فهو جهمي مبتدع.

وخرج البيهقي في شعبه (1/249) عن أَبي عُثْمَان سَعِيد بْن إِسْمَاعِيل وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {تَبَارَكَ } [الأعراف: 54] فَقَالَ: " ارْتَفَعَ وَعَلَا".

وقال أَبُو الشَّيْخ ابْن حبَان فِي (كتاب السّنة) ذكر فِيهِ: عَن أبي زرْعَة، قَالَ: هَذِه الْأَحَادِيث المتواترة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ينزل كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا، قد رَوَاهُ عدَّة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي عندنَا صِحَاح قَوِيَّة. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ينزل) وَلم يقل: كَيفَ ينزل، فَلَا نقُول: كَيفَ ينزل؟ نقُول، كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الحَدِيث من أَحَادِيث الصِّفَات، مَذْهَب السّلف فِيهِ الْإِيمَان بهَا وإجراؤها على ظَاهرهَا وَنفي الْكَيْفِيَّة عَنهُ: لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير

وقد صنف أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن محمد بن منده مصنفًا سماه: "الرد على من زعم أن الله في كل مكان، وعلى من زعم أن الله ليس له مكان، وعلى من تأول النزول على غير النزول".

 

وقال إمام الجرح والتعديل: عثمان الدارمي في الرد على الجهمية (93) بعد أن خرج الحديث: فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا ، لا ينكرها منهم أحد ولا يمتنع من روايتها، حتى ظهرت هذه العصابة ـ الجهمية ـ فعارضت آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم برد ، وتشمروا لدفعها بجد، فقالوا : كيف نزوله هذا ؟ قلنا : لم نكلف معرفة كيفية نزوله في ديننا، ولا تعقله قلوبنا، وليس كمثله شيء من خلقه فنشبه منه فعلا أو صفة بفعالهم وصفتهم ، ولكن ينزل بقدرته ولطف ربوبيته كيف يشاء ، فالكيف منه غير معقول ، والإيمان بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزوله واجب ، ولا يسأل الرب عما يفعل كيف يفعل وهم يسألون ، لأنه القادر على ما يشاء أن يفعله كيف يشاء ، وإنما يقال لفعل المخلوق الضعيف الذي لا قدرة له إلا ما أقدره الله تعالى عليه: كيف يصنع ؟ وكيف قدر ؟ ولو قد آمنتم باستواء الرب على عرشه ، وارتفاعه فوق السماء السابعة بدءا إذ خلقها ، كإيمان المصلين به ، لقلنا لكم : ليس نزوله من سماء إلى سماء بأشد عليه ، ولا بأعجب من استوائه عليها إذ خلقها بدءا ، فكما قدر على الأولى منهما كيف يشاء ، فكذلك يقدر على الأخرى كيف يشاء . وليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى:( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) ومن قوله : (وجاء ربك والملك صفا صفا) فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك".

وقال ابن بطة بعد إخراجه حديثَ:" حتى إذا طلع الفجر ارتفع"، وعن ابن عباس نحوه، قال: وقد اختصرت من الأحاديث المروية في هذا الباب ما فيه كفاية وهداية للمؤمن الموفق الذي شرح الله صدره للإسلام وأمده ببصائر الإيمان وأعاذه من عناد الجهمية وجحود المعتزلة، فإن الجهمية ترد هذه الأحاديث وتجحدها وتكذب الرواة، وفي تكذيبها لهذه الأحاديث ردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاندة له، ومن رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رد على الله.."،

وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي 231 ناقلا مذهبَ أهل السنة:" والقول بإثبات النزول مع كونه فوق العرش غير معقول، وكذلك القول بأنه يحاسب الناس يوم القيامة في الأرض، وأنه يجيء ويقبل ويأتي وينطلق ويتبعونه، وأنه يمر أمامهم ، وأنه يطوف في الأرض ويهبط عن عرشه إلى كرسيه أو غيره، ثم يرتفع إلى عرشه كما ورد هذا كله في الحديث.."،

لكن الله هو الهادي وحده إلى اتباع سبيل المؤمنين والسلف الصالحين.

المسألة الثانية: إثبات السلف بأن نزول الرب للسماء يلزم منه القرب: 

بل قد صرح السلف بأن نزول الرب ومجيئه يعني قربه كيف يشاء من خلقه، مع كونه فوق العرش:

قال الإمام ابن عبد الهادي في الرد على السبكي :" واعلم أن السلف الصالح ومن سلك سبيلهم من الخلف متفقون على إثبات نزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا وكذلك هم مجمعون على إثبات الإتيان والمجيء ، وسائر ما ورد من الصفات في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، ولم يثبت عن أحد من السلف أنه تأول شيئاً من ذلك ، وأما المعتزلة الجهمية فإنهم يردون ذلك ولا يقبلونه ، وحديث النزول متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال عثمان بن سعيد الدارمي : هو أغيظ حديث للجهمية ،

ثم ذكر أقوال السلف: قالوا :" وأما نحن فنقول لا يخلو منه العرش إذا نزل ، بل هو فوق عرشه يقرب من خلقه كيف شاء وإن كنا قد نقول إنه غير موصوف بالاستواء حال النزول ، فإن الاستواء علو خاص ،وهو أمر معلوم بالسمع، وأما مطلق العلو فإنه معلوم بالعقل ، وهو من لوازم ذاته ، فقربه إلى خلقه حال نزوله لا ينافي مطلق علوه على عرشه "،

وكذلك ذكر ابن رجب في فتح الباري (2/334):" وهكذا القول في أحاديث النزول إلى سماء الدنيا فإنه من نوع قرب الرب من داعيه وسائليه ومستغفريه، وقد سئل عنه حماد بن زيد فقال : هو في مكانه يقرب من خلقه كما يشاء ".

وقال ابن حامد: (فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْأَصْلُ فِي نُزُولِ ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ وَلَا حَدٍّ، فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ بِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، إلَّا أَنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَتْ: يَنْزِلُ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ مِنْ مَكَانِهِ كَيْفَ شَاءَ. وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا لَا غَيْرَهُ ".

وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين عن السلف:" ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال: " وجاء ربك والملك صفاً صفاً " ، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "

ومن المعلوم أن الأشعري تتلمذ أخيرا على يد الإمام زكريا الساجي وصار من أكبر تلاميذه، وعنه أخذ اعتقاد السلف.

قال أبو عبد الله ابن بَطَّة صاحب الإبانة الكبرى في عقيدة السلف:" حدثنا أحمدُ بن زكريا بن يحيى السَّاجي قال أبي: القولُ في السنةِ الَّتي رأيتُ عَلَيها أهلَ الحديثِ الَّذِين لَقِيتُهم: أنَّ اللهَ عَلَى عرْشِهِ في سمائِهِ يَقْرُبُ من خلقِه كيفَ شَاءَ، وذكرَ سائرَ الاعتقادِ ".

وهم بدورهم قد أخذوها عن السلف:

قال الذهبي في الأربعين في صفات رب العاملين ص42:" وقال الشافعي في عقيدته وفي وصيته: القول في السنة التي أنا عليها، ورأيت أهل الحديث عليها: أن الله على عرشه في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء ".

وذكر الشافعي أنه أخذها عن الإمام مالك وسفيان وغيرهما كما كما سيأتي.

وهم  بدورهم أخذوها عن السلف: حماد بن زيد وغيره:

قال العقيلي في ترجمة بشر السري، وهو ثقة مشهور. حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا أحمد بن محمد المقرى حدثنا سليمان بن حرب قال سأل بشر بن السرى حماد بن زيد قال يا أبا إسماعيل الحديث الذي جاء ان الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا يتجول من مكان إلى مكان فسكت حماد ثم قال هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء ".

هذا أثر صحيح، وبشر بن السري ثقة اتفاقا وما أظنه بجهمي كما اتهموه، لروايته هذا الحديث المخالف للجهمية.

ولذلك قال الذهبي في ترجمته :"حديثه حجة، وصح أنه رجع عن التجهم ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: تفنيد شبه الجهمية وكذبهم عن الإمام مالك:

المطلب الأول: تفنيد شبه الجهمية في تأويلهم الأحاديث:

الشبهة 1: قالوا: الانتقال من صفات المحدثات:

قلنا: الجمود من صفات الجماد، والمتحرك عقلا وحسا أفضل من الساكن الذي لا يقدر على الحركة.

وقد مر عن الفضيل بن عياض يقول : إذا قال لك الجهمي : أنا لا أؤمن برب يزول عن مكانه فقال له أنا أومن برب يفعل ما يشاء ".

الشبهة2 / قالوا: يتنزل أمره أو علمه ورحمته في الثلث الأخير، وغلا آخرون فقالوا: أي ينزل مَلَك بدلا عنه:

قلنا: فهل أمره وعلمه هو الذي يتكلم ويقول: هل من داع فأستجيب له ؟!!!

وهل يجوز لملك أن يعبد الرب أن يقول للناس ادعوني مكان الرب ؟!!!

وهل يجوز ترك متواتر الروايات الصحيحة والكثيرة في قول الرب لما ينزل: هل من مستغفر فأغفر له ....

سبحان الله عما يفترون لأجل تعطيل فعل يسير على الرب وهو النزول كيف شاء،

فإن الحديث نص في أنه يتكلم بذاته هذا الكلام، وينزل هذا النزول. .

ثانيا: أن أمر الله ينزل في كل مكان وزمان، ورحمته وسعت كل شيء، في كل زمان، وعلمه محيط بكل زمان ومكان، ولا يحل لمسلم أن يزعم بأن المراد بتخصيص أمره أو علمه في هذا الوقت، هو زيادة العلم، لأن الله عليم منذ الأزل، وأمره نافذ مطلقا إلى الأبد.

أن في قوله ينزل إلى السماء، صريح في أنه فعله يفعله في هذا الوقت، وأما أمر الله فإنه ينزل في وقت، ولا يتوقف في السماء، بل أمره نافذ في كل وقت في السماوات جميعا إلى الأرضين جميعا وما بينهن وما تحت الثرى والبحار، كما قال الجبار: {الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن}  وقال: { يُدَبّرُ الأمر مِنَ السماء إِلَى الأرض } []

قال ابن عبد البر في الاستذكار () :" وقد قال قوم إنه ينزل أمره وتنزل رحمته ونعمته وهذا ليس بشيء لأن أمره بما شاء من رحمته ونقمته ينزل بالليل والنهار بلا توقيت ثلث الليل ولا غيره ".

قال الإمام الطبري في التبصير 146 في معرض رده على الجهمية المعطلة:" إن كنتم لم تعقلوا عالماً إلا له علمٌ، وقادراً إلا له قدرةٌ، فما تنكرون أن يكون صائباً لا مجيء له، وهابطاً لا هبوط له ولا نزول له، ويكون معنى ذلك وجوده هناك مع زعمكم أنه لا يخلو منه مكانٌ!

قال الطبري: فإن قال لنا منهم قائلٌ: فما أنت قائلٌ في معنى ذلك؟ قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا للخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا -جل جلاله- يوم القيامة والملك صفاً صفاً، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلةٍ، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره؛ بل نقول: أمره نازلٌ إليها كل لحظةٍ وساعةٍ وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودةً. ولا تخلو ساعةٌ من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقتٍ، ما دامت موجودةً باقيةً.

وكالذي قلنا في هذه المعاني من القول: الصواب من القيل في كل ما ورد به الخبر في صفات الله عز وجل وأسمائه تعالى ذكره بنحو ما ذكرناه ".

وقال الدارمي في نقضه على الجهمي:" فادعى المعارض أن الله لا ينزل بنفسه إنما ينزل أمره ورحمته، وهو على العرش بكل مكان، من غير زوال؛ لأنه الحي القيوم، والقيوم بزعمه من لا يزول.

فيقال لهذا المعارض: وهذا أيضا من حجج النساء والصبيان ومن ليس عنده بيان، ولا لمذهبه برهان؛ لأن أمر الله ورحمته ينزل في كل ساعة ووقت وأوان، فما بال النبي صلى الله عليه وسلم يحد لنزوله الليل دون النهار؟ ويوقت من الليل شطره أو الأسحار؟ أفبأمره ورحمته يدعو العباد إلى الاستغفار؟ أو يقدر الأمر والرحمة أن يتكلما دونه، فيقولا: "هل من داع فأجيب؟ هل من مستغفر فأعفر له؟ هل من سائل فأعطي؟ "، فإن قررت مذهبك لزمك أن تدعي أن الرحمة والأمر اللذين يدعوان إلى الإجابة والاستغفار بكلامهما دون الله، هذا محال عند السفهاء، فكيف عند الفقهاء؟ وقد علمتم ذلك ولكن تكابرون.

وما بال رحمته وأمره ينزلان من عنده شطر الليل، ثم لا يمكثان إلا إلى طلوع الفجر ثم يرفعان؛ لأن رفاعة يرويه يقول في حديثه: "حتى ينفجر الفجر".

وقد علمتم إن شاء الله أن هذا التأويل أبطل باطل، لا يقبله إلا كل جاهل".

وقال ابن بطة في الإبانة :" فإذا قامت الحجة على الجهمي وعلم صحة هذه الأحاديث ولم يقدر على جحدها، قال: الحديث صحيح، وإنما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا في كل ليلة» ينزل أمره، قلنا: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ينزل الله عز وجل»، «وينزل ربنا» ولو أراد أمره لقال: ينزل أمر ربنا. فيقول: إن قلنا: ينزل، فقد قلنا: إنه يزول والله لا يزول ولو كان ينزل لزال؛ لأن كل نازل زائل، فقلنا: أو لستم تزعمون أنكم تنفون التشبيه عن رب العالمين؟ فقد صرتم بهذه المقالة إلى أقبح التشبيه، وأشد الخلاف؛ لأنكم إن جحدتم الآثار، وكذبتم بالحديث، رددتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله، وكذبتم خبره، وإن قلتم: لا ينزل إلا بزوال، فقد شبهتموه بخلقه، وزعمتم أنه لا يقدر أن ينزل إلا بزواله على وصف المخلوق الذي إذا كان بمكان خلا منه مكان لكنا نصدق نبينا صلى الله عليه وسلم ونقبل ما جاء به فإنا بذلك أمرنا وإليه ندبنا، فنقول كما قال: «ينزل ربنا عز وجل» ولا نقول: إنه يزول بل ينزل كيف شاء، لا نصف نزوله، ولا نحده ولا نقول: إن نزوله زواله، قال شريك: إنما جاء بهذه الأحاديث من جاء بالسنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام والزكاة والحج وإنما عرفنا الله وعبدناه بهذه الأحاديث ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: تفنيد كذبهم عن قتادة وعن الإمام مالك، وبيان الصحيح عنه:

المسألة الأولى: تفنيد كذبهم عن الإمام مالك،

خرج البخاري 1145 حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وأبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له "

هكذا روى الثقات من أصحاب مالك وغيره هذا الحديث، لم يذكر أحد منهم تفسيرَ مالك لهذا الحديث تفسير مالك "ينزل أمره"، إلا ما ورد في روايات المجهولين والكذابين، مخالفين بذلك روايات الثقات الذين أثبتوا النزول حقيقة عن مالك:

أثر 1/ قال ابن عبد البر في التمهيد:" وقد روى محمد بن علي الجبلي وكان من ثقات المسلمين بالقيروان قال حدثنا جامع بن سوادة بمصر قال حدثنا مطرف عن مالك بن أنس أنه سئل عن الحديث "إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا" فقال مالك يتنزل أمره ".

قال ابن تيمية في المجموع :" ذكرها ابن عبد البر وفي إسنادها من لا نعرفه ".

قال ابن تيمية (16/405) : لكن هذا من رواية حبيب كاتبه وهو كذاب باتفاقهم، وقد رُويت من وجه آخر لكن الإسناد مجهول".

قلت: هذا حديث موضوع مكذوب عن الإمام مالك، معلول بعدة علل:

أولاها: أنه معلق بين ابن عبد البر والجبلي، وبينهما رواة مجهولون، والحديثُ المعلق لا يقبل حتى في الصحيحين، فكيف بغيرهما.

والثانية: جامع بن سوادة يروي الأباطيل والمنكرات، قال الذهبي وابن حجر في ترجمته: أتى بخبر باطل في الجمع بين الزوجين، كأنه آفته ".

قال البخاري: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: كذاب،

وأما ابن نمير فنفى عنه تهمة الكذب ووضْع الحديث، لكن قال:" يُوضَع له الحديث فيرويه، ولا يدرى".

وقد عدُّوا له أحاديث قليلة، كلها موضوعة، مما يدل على شدة غفلته أو تهمته. 

قال الدارقطني عن حديث له:" هذا الحديث باطل وجامع ضعيف".

وحتى ابن عبد البر لم يصححه، فقد قال في الاستذكار (8/ 152): وقد قال قوم: إنه ينزل أمره، وتنزل رحمته ونعمته، وهذا ليس بشيء؛ لأن أمره - بما شاء من رحمته ونقمته - ينزل بالليل والنهار، بلا توقيت ثلث الليل، ولا غيره، ولو صح ما روي في ذلك عن مالك؛ كان معناه: أن الأغلب من استجابة دعاء من دعاه من عباده في رحمته وعفوه يكون ذلك الوقت".

دليل ثاني: ذكروا ما رُوي عن حبيب بن حبيب كاتب مالك عن مالك أنه قال: ينزل أمره في كل سحر، فأما هو فهو دائم لا يزول وهو بكل مكان".

وهذا ذكروه عن ابن عدي قال: حدثنا محمد بن هارون بن حسان حدثنا صالح بن أيوب حدثنا حبيب بن أبي حبيب حدثني مالك قال: يتنزل ربنا - تبارك وتعالى - أمره، فأما هو، فدائم لا يزول ".

وفي رواية: يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ فِي كُلِّ سَحَرٍ، فَأَمَّا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهُوَ دَائِمٌ لا يَزُولُ وَهُوَ بِكُلِّ مَكَانٍ ".

قال صالح: فذكرت ذلك ليحيى بن بكير، فقال: حسن والله، ولم أسمعه من مالك ". وهذا أثر مكذوب أضل من سابقه.

فيه صالح بن أيوب مجهول العين ما روى عنه غير محمد بن هارون، قال ابن حجر: جهَّله المؤلف (الذهبي)، ولا يعرف له إلا هذا الأثر المنكر.

وما يكون إلا جهميا روى كذبا ما يؤيد بدعته لينشرها.

وفيه علة أخرى وهي أن حبيب كذاب متهم كما قال أبو داود وابن حبان، وقال الحاكم:" له عن مالك أحاديث موضوعة"، أورده سبط العجمي في الوضاعين"، واتهمه الذهبي  

ولذلك قال ابن تيمية عن أثره في المجموع (16/405) : لكن هذا من رواية حبيب كاتبه وهو كذاب باتفاقهم . وقد رويت من وجه آخر لكن الإسناد مجهول ".

وسبحان الله على من يستدل برواية كذابين مجاهيل عن الإمام مالك، ويترك ما رواه الثقات عن مالك وغيره من السلف:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: بيان الصحيح عن مالك أنه يثبت النزول كالسلف:

الأثر الأول: أورد ابن تيمية وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية، وابن قدامة في إثبات صفة العلو ص 180 ، وشمس الحق في عون المعبود:

عن الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي – في كتاب السنة وكتاب الرد على الجهمية- قال: حدثنا أبو شعيب وأبو ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال:" القول في السنة التي أنا عليها ورأيت أصحابنا عليها أهل الحديث الذين رأيتهم وأخذت عنهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الاقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء ".

وهذا أثر غاية في الصحة وثقة الرجال، فاعجب بقوم يتركون أحاديث الثقات المعروفين عن مالك، من روايات المتهمين، ووالله لأن شعرة في جسد الإمام الشافعي أفضل من رواية حبيب المتهم بالكذب والله المستعان.

ومع جلالة الشافعي، فقد تابعه الثقات الآخرون على مذهب السلف:

الأثر الثاني:

قال ابن أبي زَمَنِين في أصول السنة () وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن زهير بن عباد قال: كل من أدركت من المشايخ: مالك وسفيان وفضيل بن عياض وعيسى وابن المبارك ووكيع كانوا يقولون: النزول حق ".

وهذا أثر صحيح رجاله ثقات.

الأثر الثالث:

قال أبو بكر الخلال الفقيه: أخبرني أحمد بن محمد بن واصل المقرئ، حدثنا الهيثم بن خارجة، أخبرنا الوليد بن مسلم قال: سألت مالكا، والثوري، والليث، والأوزاعي عن الأخبار التي في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت".

الأثر الرابع: رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل: [حدثني أبي] نا سريج بن النعمان: نا عبد الله بن نافع قال: قال مالك:" الله في السماء، وعلمه في كل مكان".

الأثر الخامس: ما تواتر عن الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". وقد ذكرته بطرقه في كتاب التوحيد.

تلكم هي الآثار الصحيحة عن الإمام مالك السني الكبير، وبئس من استدل بالموضوعات وترك الثقات لأجل نصرة الباطل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثالثة: بيان تدليسهم عن قتادة في قوله: علم أن ربه دائم لا يزول ".

حيث جعلوا قوله ذلك ردا له للنزول، والصحيح أنه كذب عليه، لأن كلام قتادة حق، ومن أسماء الرب الباقي، ومن صفاته الدائم الذي لا يزول، وقد قاله قتادة في تفسير قول إبراهيم ومحاجته لقومه، لكن القوم يدلسون لنصرة الباطل:

خرج الطبري عن سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: إي والله، ابتلاه بأمر فصبر عليه: ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر، فأحسن في ذلك، وعرف أن ربه دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما كان من المشركين؛

وفعلا فالله تعالى دائم لا يزول، ولا يُشبه بالقمر ولا بالشمس الزائلتيْن عن شطر الأرض تماما، باحتجابهما في الجهة الأخرى، حتى لا يبقى لها صلة بذلك الجزء، وكذلك يزول أثرهما بوجود السحاب ونحوه. 

 

                     وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

                         كتبه أبو عيسى الطاهر زياني

                  

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني