صلاة الأهوال والخسوف، والزلازل والكسوف

 

بسم الله وبعد:

فهذا مبحث في صلاة الآيات والزلازل والبراكين والخسوف والكسوف،

وقد اختلف الناس في كيفيتها بسبب اختلاف الأحاديث، في ذلك،

فذهب طائفة إلى وقوع الخسوف مرة واحدة في عهده عليه السلام، وبالتالي مالوا إلى الترجيح وتصحيح بعض الأحاديث وتعليل الأخرى بدعوى الاختلاف والشذوذ،

والصحيح علميا وسندا أن الخسوف قد تعدد طيلة العهد النبوي، وكل هيأة هي محمولة على وقتٍ منها، ولذلك مال الأكثرون إلى أنها تطول بحسب طول الخسوف والأهوال حتى الانجلاء، إن شاء جهر وهو الأولى خاصة في الصلاة الجماعية، وإن شاء أسر إن كان وحده، يبدأ المؤذن بنداء الناس:"الصلاة جامعة"، ثم يصلي بهم الإمام طويلا ويخطب أيسر خطبة بكلمات يسيرات:

المسألة الأولى: ما ورد في الإكثار من  دعاء الله عند رؤية الآيات والأهوال:

الصورة الأولى: أن يُكبر تكبيرةَ الإحرام ثم يكثر من الدعاء، ويصلي حتى تنجلي الشمس:

خرج النسائي عن النعمان بن بشير قال: "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت" .

الصورة الأولى: أن يصلي ركعتين  ثم يخطب:

خرج البخاري  عن أبي بكرة قال: "خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه, حتى انتهى إلى المسجد, فثاب الناس فصلى بهم ركعتين, فانجلت الشمس, فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, وإنهما لا يخسفان لموت أحد, وإذا كان ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم", وذلك أن ابنا للنبي صلى الله عليه وسلم مات, يقال له: إبراهيم, فقال ناس في ذلك".

وأما عدد الركعات والركوعات فبيانها في الصور التالية:

المسألة الثانية: صفة صلاة الكسوف والآيات:

الشق الأول: صور صلاة الخسوف والكسوف:

الصورة الاولى: أن يصلى ركعتين, في كل ركعة ركوعان وقراءتان:

وهذا في كسوف الشمس خاصة، ويُعمم إلى غيره:

بحيث يكبر ويدعو ثم يقرأ، ثم يركع ثم يرفع حامدا،

ثم يقرأ ثانية، ثم يركع ثم يرفع فيقول: "سمع الله لمن حمده"

ثم يسجد سجدتين. ثم يقوم فيركع أخرى, في كل ركعة ركوعان, كما سبق, ثم يسجد سجدتين, ثم يجلس ويتشهد ويسلم. وهو قول مالك, والشافعي, وأحمد, وأبي ثور.

1/ خرج البخاري عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس قال: "انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياما طويلا نحوا من قراءة سورة البقرة, ثم ركع ركوعا طويلا, ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول, ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول, ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول, ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول, ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول, ثم سجد ثم انصرف". ...

وبها قال جمهور السلف والخلف.

الصورة الثانية: أن يصلي ركعتين في كل ركعة ثلاث ركوعات وقراآت كما سيأتي في صلاة الآيات.

وأما ما روى أبو داود عن عبد الملك عن عطاء عن جابر في قصة موت إبراهيم: بلفظ « صلى ست ركعات في أربع سجدات»، وهذا وهم بزيادة قصة إبراهيم فإنها بركوعين وقراءتين.  

وهذا رواه الثقات من غير قصة إبراهيم وهو الصواب:

معاذ بن هشام: حدثني أبي، عن قتادة، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ست ركعات في أربع سجدات ". قلت لمعاذ بن هشام: أهو عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بلا شك ولا مرية ".

الصورة الثالثة: أن يصلي ركعتين في كل ركعة أربع ركوعات وقراآت:

كما في السابق لكن بزيادة ركوع.

خرج مسلم 908 عن الثوري عن حبيب هو ابن أبي ثابت عن طاووس عن ابن عباس قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك".

وفي رواية له بنفس الإسناد:" عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه صلى في كسوف, قرأ ثم ركع, ثم قرأ ثم ركع, ثم قرأ ثم ركع, ثم قرأ ثم ركع, ثم سجد" , قال: والأخرى مثلها".

وكذلك رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت أنه صلى في كسوف الشمس ركعتين, في كل ركعة أربع ركعات"، من فِعله كما روى، ولا يعد ذلك اضطرابا بل تنوعا.

فقد رواه عبد الرزاق عن ابن جريج أن سليمان الأحول أخبره أن طاووسا أخبره أن ابن عباس: صلى إذ كسفت الشمس على ظهر صفة زمزم ركعتين في كل ركعة أربع ركعات ".

وعن علي رضي الله عنه مثل ذلك.

الصورة الرابعة: أن يصلي ركعتين, في كل ركعة خمس قراءات وركوعات:

خرج أحمد من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم، فقرأ بسورة من الطول، ثم ركع خمس ركعات وسجدتين، ثم قام الثانية فقرأ بسورة من الطول، ثم ركع خمس ركعات وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها ".

أبو جعفر فيه كلام، وقد ورد موقوفا عن علي:

خرجه أبو بكر 2/217 حدثنا هشيم أخبرنا يونس عن الحسن «أن عليا صلى في الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات»

وخرجه ابن حزم من طريق وكيع عن المبارك بن فضالة عن الحسن البصري: أن علي بن أبي طالب صلى في كسوف عشر ركعات في أربع سجدات ".

لكن في هذه الصورة نظر، فقد ورد الجمع بين كل تلك الصور على حسب آخر صلاة، وأعلى صلاة هي الرباعية فقط كما في:

الصورة الخامسة: أن يصلي كأحدث صلاة وآخرها:

فإن كسفت بعد الصبح صلى ركعتين، وإن كسفت بعد الظهر أو العصر صلى أربعا، وإن خسف بعد المغرب صلى ثلاثا، وبعد العشاء يصلي أربعا.

1/ حديث النعمان وقبيصة: ورد من طرق:

أ. خرجه ابن خزيمة في التوحيد 2/889) والنسائي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر ثوبه فزعا, حتى أتى المسجد, فلم يزل يصلي بنا حتى انجلت فلما انجلت قال: "إن ناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء, وليس كذلك, إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته, ولكنهما آيتان من آيات الله تعالى, وإن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة".

توبع خالد:

فخرج الطبراني في الكبير (204) عن معاذ بن هِشامٍ، حدثني أبي عن قتادةَ عن أبي قِلابةَ عن النعمانِ بنِ بَشيرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كُسِفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ» .

قال ابن خزيمة :" أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَا نَعْلَمُهُ سَمِعَ مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ بِشْرٍ شَيْئًا وَلَا لَقِيَهُ ".

ب. وخرجه أبو داود (1185) والحاكم (1/482) عن وهيب عن أيوب عن أبي قلابة [عن قبيصة الهلالي] قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعا يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين، فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، فقال: «إنما هذه الآيات يخوف الله بها فإذا رأيتموها - يعني - فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة» قال:" هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، والذي عندي أنهما عللاه بحديث ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب، عن أبي قلابة، [عن هلال بن عامر] عن قبيصة، وحديث يرويه موسى بن إسماعيل، عن وهيب لا يعلله حديث ريحان وعباد "

وكذلك قال ابن حزم:" فإن قيل: إن أبا قلابة قد روى هذا الحديث، عن رجل، عن قبيصة العامري قلنا: نعم, فكان ماذا؟ وأبو قلابة قد أدرك النعمان فروى هذا الخبر عنه، ورواه أيضا عن آخر، فحدث بكلتا روايتيه, ولا وجه للتعلل بمثل هذا أصلا، ولا معنى له".

ت. وهذا خرجه الطبراني وابن أبي عاصم عن ريحان عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة [عن هلال بن عامر]، عن قبيصة الهلالي رضي الله عنه حدثهم قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت النجوم وأنا يومئذ بالمدينة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بنا فأطال الصلاة فلما فرغ قال: «إن كسوف الشمس والقمر تخويف من الله عز وجل إن رأيتموه فصلوا مثل أحدث صلاة صليتموها ".

ورواية خالد الحذاء ومن معه من الثقات أصح، لأنهم أكثر وأوثق من عباد بن منصور ففيه كلام.

ولذلك قال الحاكم :" وحديث يرويه موسى بن إسماعيل، عن وهيب لا يعلله حديث ريحان، وعباد ".

ث: ومما يؤكد صحة الحديث وعدم اضطرابه أنه رواه حماد بن زيد على الوجهين معا:

فقد خرجه أبو بكر البخاري في معاني الأخبار عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير وقبيصة بن المخارق رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان بموت أحد، ولكن الله إذا تجلى لشيء من خلقه خشع، فإذا انكسف واحد منهما فصلوا كأحدث صلاة مكتوبة صليتموها».

وخرجه الطحاوي عن عبيد الله بن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي أو غيره: أن الشمس، كسفت ..."، نحوه.

وله شاهد خرجه البزار  1371 - حدثنا نصر بن علي أنا زياد بن عبد الله نا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها».

الشق الثاني: صلاة الآيات والأهوال من زلزلة وفياضانات وخسوف وأهوال في الطبيعة:

وهي كما مضى في الخسوف، وأوْلاها بأن يصلي ركعتيْن: في كل ركعة ثلاث ركوعات,

يكبر الله قيل أربعا كالجنازة، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، ثم يركع،

ثم يرفع فيقرأ ثم يركع,

ثم يرفع فيقرأ ثم يركع, ثم يرفع فيقول: "سمع الله لمن حمده".

ثم يسجد سجدتين: ثم يقوم للركعة الثانية فيفعل مثلها أي ثلاث ركوعات، ثم يرفع ثم يسجد, ثم يجلس ويتشهد ويسلم".

والأدلة على ذلك: عموم الأدلة وخصوصها مع فهم السلف الصالح:

الدليل الأول: عموم الحديث المتواتر بلفظ الآيات :"  : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة ".

وفي لفظ للبخاري 5785 :" «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم منها شيئا فصلوا، وادعوا الله حتى يكشفها»

وخرجه البخاري 1059 ومسلم 912 عن أبي بردة عن أبي موسى قال: خسفت الشمس، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا، يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد، فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: «هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله به عباده، فإذا رأيتم شيئا من ذلك، فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره»

وخرجه ابن خزيمة في صحيحه 1371 وأبو نعيم في مستخرجه الصحيح على مسلم 2047 نحوه.

الدليل 2/ خرج أحمد بن شعيب النسائي 1867 أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن قتادة في صلاة الآيات، عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات في أربع سجدات".

ورواه إسحاق في مسنده 1180 عن وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة أم المؤمنين قالت: صلاة الآيات ست ركعات في أربع سجدات ".

الدليل الثالث:

رواه حماد بن سلمة: أنا قتادة، عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس أنه صلى في زلزلة بالبصرة, قام بالناس فكبر أربعا ثم قرأ ثم كبر وركع, ثم رفع رأسه فكبر أربعا, ثم قرأ ما شاء الله أن يقرأ, ثم كبر فركع ".

ومن طريق معمر، عن قتادة وعاصم الأحول كلاهما عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس أنه صلى بالبصرة في الزلزلة فأطال القنوت, ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت, ثم ركع ثم رفع رأسه فأطال القنوت, ثم ركع, ثم سجد, ثم صلى الثانية كذلك, فصار ثلاث ركعات في أربع سجدات. وقال: هكذا صلاة الآيات قال قتادة: صلى حذيفة بالمدائن بأصحابه مثل صلاة ابن عباس في الآيات ثلاث ركعات ثم سجد سجدتين, وفعل في الأخرى مثل ذلك".

وخرجه الطحاوي في معانيه (1/328) حدثنا سليمان بن شعيب ثنا الخصيب: ثنا همام عن قتادة عن عبد الله بن الحارث قال: زلزلت الأرض على عهد ابن عباس رضي الله عنهما فقال: ما أدري أي أرض يعني ما كان به من التفرس هكذا ذكر الخصيب أو زلزلت الأرض. فقيل له: زلزلت الأرض فخرج فصلى بالناس فكبر أربعا , ثم قرأ فأطال القراءة , وكبر فركع , ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ثم كبر أربعا , فكبر فأطال القراءة , ثم كبر فركع , ثم قال: «سمع الله لمن حمده» ثم كبر أربعا , فقرأ فأطال القراءة , ثم كبر , فركع , ثم سجد , ثم قام ففعل مثل ذلك. فلما سلم قال: «هكذا صلاة الآيات , وقرأ في الركعة الأولى بسورة البقرة , وفي الأخرى سورة آل عمران»

وبالله التوفيق.

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني