أحكام الخنثى وزينة الأنثى، وبيان غير أولى الإربة والمحرمات من النساء وإبداء زينتهن

                                 بسم الله الرحمن الرحيم                   

         

                  أحكام الخنثى، وزينة الأنثى، وبيان المحرمات منهن 

 

 

                               كتابة: الطاهر زياني

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله وبعد:

فهذا مبحث يتعلق بالمحرمية، وأحكام الخنثى وإبداء الزينة، قسمته على النحو التالي:

الفصل الأول: أحكام متفرقة عن الزواج والانفصال: 

المبحث الأول:

 

المبحث : أحكام الظهار وتحريم الزوجة:

المطلب الأول: أنواع التحريم:

النوع الأول: التحريم التشبيهي :

المسألة الأولى: التحريم التشبيهي بظهر الأم تصريحا، وشروط وقوعه: 

المسألة الثانية: التحريم بسائر الأعضاء أو ب: الذات، وبيان أنواع الظهار:  

القسم الأول: ظهار تصريحي بلفظ " عليَّ" ونحوه:

القسم الثاني: الظهار الغير الصريح:

المسألة الثالثة: التحريم التشبيهي بسائر المحارم المؤبدات:    

المسألة الرابعة: التحريم بذكر الأجنبيات، وبالمحرمات توقيتا:

النوع الثاني: التحريم الغير تشبيهي ومسائله:

المسألة الأولى: كفارة من حرم على نفسه ما أحل الله له من طيبات:

المسألة الثانية: كفارة من آلى أو حرم على نفسه زوجتَه أو أمَتَهُ من غير اقتران بلفظ التطليق: 

الفرع الأول: أدلة من قال بأن تحريم الزوجة هو يمين فيه كفارة:

الفرع الثاني: من قال بأن سبب الكفارة هو اليمين نفسه:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: آيات المحرمية، وأنواع النسوة:

المبحث الأول: آيات المحارم اللواتي يُشرع إبداء الزينة أمامهن:

 

المبحث الثاني: أنواع المحرمات من النساء

النوع الأول: المحرمات تأبيديا وبيان أصنافهن:

الصنف الأول: المحرمات بسبب النسب تأبيديا:

الصنف الثاني: المحرمات بسبب الرضاع تأبيديا:

الصنف الثالث: المحرمات بسبب الصهر تأبيدا: 

النوغ الثاني: المحرمات مؤقتا:

الصنف الأول: الجمع بين مَـحـْرمتين:

الصنف الثاني: المرأة المحصنة وهي المتزوجة والمعتدة:

الصنف الثالث: الإماء والجواري وأنواعهن:

الفرع الأول: أحكام الجواري والإماء المسلمات:

الصورة 1/ السبابا المشركات الناتجات عن حرب:

الصورة 2/ السبايا الناتجات عن بيع وشراء لهؤلاء الحربيات:

الفرع الثاني: حكم الزواج بالإماء ومتى تتحررن:

الفرع الثالث: شبهة وسم الإسلام بالعبودية والجواب عنها:

الصنف الرابع: المطلقة ثلاثا والمبتوتة:

المسألة الأولى: أحكام تطليق الزوجات والإماء:

المسألة الثانية: نكاح التحليل:

المسألة الثالثة: هل يهدم الزوج المحلل كل طلاق سابق:

الصنف الخامس: المحرمة بالحج أو العمرة حتى تحل: .

الصنف السادس: اختلاف الدين :

الصنف السابع: الزواج بالزاني والزانية:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: أحكام النظر للجنس المغاير، وحفظ الفرج وإبداء الزينة:

المبحث الأول: أحكام النظر لغير المحارم:

المذهب الأول: تحريم النظر مطلقا:

القول الثاني: جواز النظر إلى الأجانب بغير شهوة،

المبحث الثاني: أحكام النظر للمخطوبة:  

المبحث الثالث: وجوب حفظ الفرج وترك إبداء الزينة إلا الظاهرة منها، وتبيين ما هي:

المبحث الرابع: لمن تبدي الأنثى زينتها:

المطلب الأول: الصنف الأول: الزوج، وأحكام النظر والتعري بين الزوجين:

المطلب الثاني: الصنف الثاني: محارم المرأة:

المطلب الثالث: الصنف الثالث: النساء، وإبداء الزينة بينهن:

المطلب الرابع: الصنف الرابع: ملك اليمين، وإبداء الزينة بينهم

المطلب الخامس: الصنف الخامس: الأطفال الغير مميزين:

المطلب السادس: الصنف السادس:  أبناء الأزواج وإن سفلوا:

المطلب السابع: الصنف السابع: من لا إرب له بالنساء ولا يتشهيهن: كالمخنث والعنين والمجبوب وضعيف العقل:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالث: تفسير أولي الإربة وأنواع المخنثين:

المبحث الأول: أنواع المخنثين:

النوع الأول: المتشبه الكسبي (المخنث):

النوع الثاني: الخنثى الطبيعي:

المبحث الثاني: أحكام المخنثين طبيعيا وأقسامهم:

المطلب الأول: أقسام المخنثين:

التقسيم الأول: من حيث نقل تفاصيل هيأة الأنثى للذكر أو العكس:

التقسيم الثاني: من حيث وجود الشهوة من عدمها، وتفسير العنين:

التقسيم الثالث: من حيث حجم ووجود العضو الذكري والخصية من عدمهما:

القسم الأول: الخصي:

القسم الثاني: الخنثى: 

المطلب الثاني: أقسام الخنثى من حيث معرفة جنسه، وحكم العمليات الجراحية المتعلقة بذلك وأنواعها:

الحالة الأولى: المتخنث كسبيا، وهو المتشبه، وحكم (التغيير الجنسي) لِـخـِلْقته وجنسه:

الحالة الثانية: الخنثى المحقق، وحكم (التعديل الجنسي):

الحالة الثالثة: الخنثى المُشكل، وحكم (التصحيح الجنسي)، وتعديله:

المطلب الثالث: علامات معرفة جنس الخنثى المشكل والمجبوب :

المطلب الرابع: مسائل متفرقة تتعلق بالخنثى:

المسألة الأولى: ختان الخنثى المشكل، والعقيقة عنه:

المسألة الثانية: حضانة الخنثى المشكل:

المسألة الثالثة: حكم بول الخنثى، واغتساله، وتغسيله:

المسألة الرابعة: مكان صلاة الخنثى في الجماعة:

المسألة الخامسة: إمامة الخنثى المشكل، وآذانِه:

المسألة السادسة: مكان الصلاة عليه في الجنازة:

المسألة السابعة: عورة وملابس وحلي الخنثى المشكل في حياته، وبيان إحرامه، وتكفينه بعد موته:

المسألة الثامنة: ميراث الخنثى المشكل:

المسألة التاسعة: حكم الزواج بالخنثى:

المسألة العاشرة: من قال لزوجته: أنت طالق لو أنجبتِ أنثى، فولدت خنثى:

المسألة الحادية عشر: إرضاع الخنثى:

المسألة 12/ مقاتلة الخنثى وغنيمته:

المسألة الثالثة عشر: دية من قطع العضو البولي للخنثى، أو ثديِه:

المسألة الرابعة عشر: في تطبيق الحد على الخنثى:

المسألة الخامسة عشر: سفر الخنثى، والاختلاء به:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الأول: أحكام متفرقة عن الزواج والانفصال: 

المبحث الأول:

 

المبحث: أحكام الظهار وتحريم الزوجة:

المطلب الأول: أنواع التحريم:

وذلك على نوعين:

النوع الأول: التحريم التشبيهي :

ويدخل في ذلك مسائل:

المسألة الأولى: التحريم التشبيهي بظهر الأم تصريحا، وشروط وقوعه: 

وذلك بأن يُشبه الزوجُ المسلم العاقلُ الذكرُ زوجَته أو زوجاته المعقود عليهن أو المطلقة التي في عدتها، ممن أحل الله له، ثم يشبه واحدة منهن، أو يشبههن جميعا بظهر أمه التي هي من محارمه تأبيدا، كأن يقول لها: أنت عليَّ كظهر أمي، كما في قوله تعالى :{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)} [المجادلة]

فمن ظاهر زوجته التي وصفنا ثم أراد العود لمماستها لزمته الكفارة قبل أن يمسها.

وقالت الظاهرية: العوْد هو إعادة تكرير الظهار بلفظه.

فمن ظاهر من جميع نسوته، لزمته عدة كفارات قبل أن يمسهن، كلما انتهى من كفارة مس زوجة وهكذا، كما لو طلقهن جميعا فإن الطلاق يقع عليهن جميعا، وهو قول الشافعي وغيره.

وقيل يجزيه كفارة واحدة إذا ظاهر بلفظ واحد كما هو قول عمر، والصواب أنهن نساء منفصلات مظاهرات، وقعت الكفارة عليهن جميعا، بخلاف لو قال في المجلس: أنت علي كظهر أمي عشر مرات، فإنها كفارة واحدة.

وينبغي أن تكون المرأة المظاهرَة زوجة له تحت عصمته لقوله تعالى: (مِنْ نِسائِهِمْ) وهذه ليست من نسائه.

فمن ظاهر غير زوجته أو ظاهر مبتوتة، أو ظاهر زوجته بعد انتهاء عدتها، ثم تزوجها فليس ظهارا عند الجمهور، وهو ظهار معلق قد تحقق عند المالكية. 

فمن كان زوجا عاقلا ثم ظاهر فحينئذ تحرم عليه، ولا يحل لزوجها أن يمسها على قول، ولا حتى  يباشرها بلذة على قول آخر، حتى يكفر عن قوله المنكر، بالترتيب المذكور في قوله تعالى :{ لَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) }[المجادلة].

فإن وطئها قبل أن يكفر، استغفر الله تعالى وتاب إليه، ثم يُمسك عن زوجته في الحال حتى يكفر كفارة واحدة.

لما روى ابن عباس: أن رجلا ظاهر من امرأته فغشيها قبل أن يكفر فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكر ذلك له فقال:" ما حملك على ذلك؟ فقال: يا رسول الله! رأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فلم أملك نفسي أن وقعت عليها. فضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمره ألا يقربها حتى يكفر "، وعن سلمة بن صخر نحوه.

وقال عمرو بن العاص ومجاهد وقبيصة: عليه كفارتان.

وأما مظاهرة المرأة من زوجها فليس بشيء عند الجماهير.

ومذهب عطاء والأوزاعي وإسحاق والزهري أن ظهار المرأة هو تحريم لما أحل الله، فهو يمين تكفرها كما في التحريم الغير تشبيهي كما سيأتي.

المسألة الثانية: التحريم بسائر الأعضاء أو ب: الذات، وبيان أنواع الظهار:  

ذلك أن العرب يُطلقون كثيرا في كلامهم الجزءَ ويريدون به الكل، أو العكس،

ثم منهم من يسمي ذلك ظاهرا، ومنهم من يسمه مجازا.

مثال الأول قوله تعالى :{ويبقى وجه ربك..} فذات الله كلها باقية أبدية،  

ومن الثاني قوله تعالى عن الريح {تدمر كل شيء بأمر ربها}[] والمراد تدميرها للقرية الكافرة وأهلها فقط، مع إنجاء الله لغيرها كالمسلمين. 

وبهذا يتضح بأن التحريم بالظهر إنما هو من باب إطلاق الجزء، مع دخول الكل فيه، وأن الظهار على قسمين:

القسم الأول: ظهار تصريحي بلفظ " عليَّ" ونحوه:

وذلك كمن قال لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي"، أو أنت مني كظهر أمي...

وقد بينا أن الظهر كقوله أيضا:" أنت عليّ كبطن أمي، أو رأسها، أو رجلها أو غير ذلك من الأعضاء بلا تفريق بينها.

خلافا للظاهرية المقتصرين على الظهر، ولأبي حنيفة المقتصر على الأعضاء الحساسة التي لا يحل النظر إليها في المحرمات.

وكذلك القول فيمن أطلق الكل وقال: أنتِ عليّ كأمي أو أختي، فهو محمول على التحريم، لأن الخبر محذوف تقديره: محرمةٌ، بدلالة قرينة لفظ " عليَّ"، وسياق كلامه مع زوجته يدل عليه. 

بخلاف من قال: أنت كأمي أو ابنتي أو أختي، ولم يقل "عَليَّ"، كما في:

القسم الثاني: الظهار الغير الصريح:

فمن قال لزوجته:" أنت كأمي أو ابنتي أو أختي، ولم يقل "عَليَّ/ منّي"، فإن ذلك يرجع للنية والسياق، لأن الخبر المحذوفَ تقديره إما:" مقدرةٌ أو محترمة"، وقد يكون :" محرمةٌ"، فيكون إنما للزوج ما نوى منهما، كما في الحديث:" وإنما لكل امرئ ما نوى".

وكذلك من قال: أنت كعين أمي ونحو ذلك، فهو على نيته بين التقدير أو التحريم لا غير.

ولا يُعتبر ذلك من ألفاظ الطلاق لا الصريح ولا الكنائي، عند المُحَقّقين.

وزعم المالكية وآخرون أنه إن أراد الطلاق به فهو طلاق وإلّا فلا، والأصح أنه إما تقدير لامرأته، أو تحريم لها على حسب نيته وسياق مجلسه ولفظه، وليس طلاقا.

المسألة الثالثة: التحريم التشبيهي بسائر المحارم المؤبدات:    

1/ اقتصر الظاهرية ومن نحا نحوهم على التحريم بظهر الأم فقط، وهو قول للشافعية. 

2/ ذهب الجمهور إلى أن التحريم بظهر أيّة محرمة تأبيديا على الرجل، فهو كالتحريم بظهر الأم بلا فرق،

وذلك لعموم قوله تعالى أوّلا :{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}،

وإنما ذكر الأم بعدها، لأن عامة تحريم العرب قديما بظهر الأم، وإنما ذكروها لِعِظَم مكانتها بين المحارم، وعليه: فيلتحق بها غيرها في التحريم:    

فمن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو ابنتي أو أختي أو غير ذلك من ذوات المحارم تأبيديا فهو مظاهر عند الجماهير، إلا رواية عند الشافعي وأهل الظاهر.

المسألة الرابعة: التحريم بذكر الأجنبيات، وبالمحرمات توقيتا:

كمن يقول: أنت علي كظهر رجل، أو كفلانة أجنبية، أو كزوجة فلان... 

1/ مذهب الظهارية والحنفية والشافعية وقول لمالك وبعض أصحابه: أنه ليس بشيء.

2/ ومذهب أكثر المالكية أنه ظهار في لفظ الظهر باتفاقهم، لأنه شبه امرأته بمحرمة عليه، لكنهم اختلفوا في ذكر غير الظهر فقيل: ظهار وقيل: طلاق.

ومذهب الجمهور أولى، لأن العبرة في الظهار هي التحريم المؤبد لقريبة لا تُشتَهى ويُسافر معها وتُختَلى، بخلاف الأجنبية فإنها مؤقتة وتُشتهى ولا تُخْتلى.

3/ ومذهب الأوزاعي أنه يمين يكفرها كما سيأتي في التحريم الغير التشبيهي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوع الثاني: التحريم الغير تشبيهي ومسائله:

كمن قال لزوجته: أنت عليّ حرام، أو: أنتِ محرمة علي أو مني. أو أنت حرام، أو يحلف:" بالحرام" فقط من غير ذكر لفظة " والثلاث"، لأنه لو ذكر الثلاث لانصرف إلى الطلاق اتفاقا، فعليه كفارة التحريم إن راجع زوجته، مع وقوع الطلاق عليها:

المسألة الأولى: كفارة من حرم على نفسه ما أحل الله له من طيبات:

ليس الكلام هنا عن الاجتهاد، أو تعمد تغيير حكم الله، ولا الحديث عن حكم الشيء، وإنما الكلام عمن حَرَّمَ على نفسه طيبا، وهو يعلم يقينا بأنه حلال، كأن يقول عن ملبس أو طعامٍ أو زوجة أو عن أي شيء مباح:" هذا حرام عليَّ"، فهل في ذلك كفارة يمين:

1/ مذهب الجمهور أنه لا كفارة إلا في تحريم الزوجة ما لم يحلف.

2/ ومذهب ابن عباس أنه كفارة ظهار: خرج ابن حزم من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الرجل إذا قال حرام على ان آكل أو قال هذا الطعام على حرام؟ قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا"، قال: وهو قول أبى قلابة وابن جبير ووهب وأحمد.

3/ بينما ذهب الحنفية إلى عموم كفارة اليمين في تحريم أي شيء عين تحريمه على نفسه، لأن التحريم نفسه كفارة يمين، سماه الله به فقال:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}

لأن الحانث هتك اسم الله تعالى بمخالفته فيكفر، والمحرّم هتك حكم الله تعالى بمخالفته فيُكَفِّر مثله كما قال ابن القيم.

وأما إذا أطلق التحريم وقال:" الحلال حرام علي"، فقد قال أبو حنيفة: إذا أطلق حمل على المأكول والمشروب دون الملبوس، وكانت يمينا توجب الكفارة.

وقال زفر: هو يمين في الكل حتى في الحركة والكون ".

وقال ابن القيم في زاد المعاد :" وقد تبين بما ذكرنا أن من حرم شيئا غير الزوجة من الطعام والشراب واللباس أو أمته لم يحرم عليه بذلك، وعليه كفارة يمين  ".

قال ابن القيم:" فصل الثاني : أن يلزمه كفارة بالتحريم وهو بمنزلة اليمين وهذا قول من سميناه من الصحابة وقول فقهاء الرأي والحديث إلا الشافعي ومالكا فإنهما قالا : لا كفارة عليه بذلك".

قال:" والذين أوجبوا الكفارة أسعد بالنص من الذين أسقطوها فإن الله سبحانه ذكر تحلة الأيمان عقب قوله : { لم تحرم ما أحل الله لك } وهذا صريح في أن تحريم الحلال قد فرض فيه تحلة الأيمان إما مختصا به وإما شاملا له ولغيره، فلا يجوز أن يخلى سبب الكفارة المذكورة في السياق عن حكم الكفارة ويعلق بغيره وهذا ظاهر الإمتناع ..".

وإنما اختلف هؤلاء في تقديم الحنث على الفعل فقط.

وهو الصحيح لحديث عائشة وإحدى زوجات النبي عليه السلام في تواطئهما على النبي عليه السلام وتظاهرهما عليه، حتى حرم العسل على نفسه فنزلت الآية عتابا:

فقيل: هما عائشة وحفصة:

الدليل 1/ لما قاله البخاري في الصحيح باب {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم}

ثم خرج 4912 عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: «لا، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا»

ومن هذا الوجه خرجه البخاري 5267 ومسلم 1474 عن عن ابن جريج عن عطاء سمع عبيد سمع عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة: أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له» فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]- إلى - {إن تتوبا إلى الله} [التحريم: 4] لعائشة وحفصة: {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه} [التحريم: 3] لقوله: «بل شربت عسلا».

الدليل 2/ وورد أنه شرب العسل عند حفصة وأن المتظاهرتين عليه عائشة وسودة:

خرج البخاري 5268/ 6972 ومسلم عن علي بن مسهر وأبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغِرْت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير، فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك، قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: «لا» قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل» فقالت: جرست نحله العرفط، فلما دار إلي قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه» قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي ".

الدليل 3/ قال إسماعيل بن إسحاق: حدثنا المقدمي حدثنا حماد بن زيد عن صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : الحرام يمين ".

د4/ وروى ابن حزم من طريق قتادة عن الحسن قال:" كل حلال على حرام فهى يمين ".

ومن الأدلة ما ذكروه بأن الآية نزلت أيضا في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلي الله عليه وسلم فلم يقبلها وحرمها على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، قاله ابن عباس وعكرمة.

ولا مانع من تعدد أسباب النزول، فقد ورد أيضا أن الآية نزلت في تحريمه عليه السلام على نفسه أَمَتَه مارية كما في: 

المسألة الثانية: كفارة من آلى أو حرم على نفسه زوجتَه أو أمَتَهُ من غير اقتران بلفظ التطليق: 

من آلى من زوجته بأن لا يقربها فحكمه تربص أربعة أشهر، فإن فاء ورجع كفر عن يمينه، وإلا طلقت عنه. 

وأما من حرم زوجته أو زوجاته على نفسه من غير حلف ففيه خلاف:

1/ فقيل: هي كالظهار فيها كفارة الظاهر. قاله أحمد وإسحاق.

2/ وقيل: لا شيء عليه، ما لم يحلف.

3/ وقيل: هو على نيته، لأنه يحتمل التحريم بالطلاق فتكون مطلقةً، ويحتمل التحريم بالظهار فتكون مظاهَرَة قاله الشافعي.

4/ وقيل هو طلقة رجعية: قاله عمر والزهري، وقيل: بل بائنة، وقيل: ثلاث تطليقات.

5/ ومذهب الحنفية أنه على ما نوى، فإن لم ينو شيئا فهو تحريم فهو يمين.

6/ وقيل هو تحريم يلحق باليمين، فتلزمه كفارة يمين عن كل زوجة حرمها، وهو قول أبي بكر وعمر وابن مسعود وعائشة وابن عباس وعطاء...

وهو الصحيح، لأن هذا ليس من ألفاظ الطلاق مطلقا كما أسلفنا في الظِّهار، ولأن من حرم على نفسه ما أحل الله له عوقب في الدنيا بكفارة، وهي هنا كفارة اليمين كما في الآية وفي سبب نزولها من أنه عليه السلام حرم على نفسه المباح من الطعام، وحرم على نفسه مارية، أو غيرها بأن لا يدخل عليها ولا يأكل عندها، ثم حرم زوجاته، فعاتبه ربه على ذلك في سورة التحريم، ثم سمى ذلك التحريمَ يمينا فقال:" قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم".

الفرع الأول: أدلة من قال بأن تحريم الزوجة هو يمين فيه كفارة:

الدليل 1/ مضى ما خرجه البخاري 4912 عن إبراهيم عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها، فواطيت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها، فلتقل له: أكلت مغافير، إني أجد منك ريح مغافير، قال: «لا، ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا»

يحتمل هنا أنه حلف على عدم الأكل مجددا، ويحتمل أنه حلف لحفصة أن لا تخبر أحدا.

ومن هذا الوجه خرجه البخاري 5267 ومسلم 1474 وغيرهما من طرق كثيرة عن ابن جريج عن عطاء سمع عبيد سمع عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة: أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له» فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]- إلى - {إن تتوبا إلى الله} [التحريم: 4] لعائشة وحفصة: {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه} [التحريم: 3] لقوله: «بل شربت عسلا».

لم يذكر أحد منهم أنه حلف والله أعلم.

 

الدليل الثاني: خرج البخاري 5268/ 6972 ومسلم عن علي بن مسهر وأبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغِرْت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالن له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير، فإنه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك، فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك، قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: «لا» قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: «سقتني حفصة شربة عسل» فقالت: جرست نحله العرفط، فلما دار إلي قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: «لا حاجة لي فيه» قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي ".

الدليل الثالث: خرج الضياء والحاكم (2/535) وصححه عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل الله هذه الآية {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك} [التحريم: 1]".

دليل 4/ روى ابن وهب عن مالك عن زيد بن أسلم قال: حرم رسول الله صلي الله عليه وسلم أم إبراهيم فقال: (أنت علي حرام والله لا آتينك). فأنزل الله عز وجل في ذلك: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ

دليل 5/ قال سعيد: نا هشيم أنا عبيدة عن إبراهيم وجويبر عن الضحاك أن حفصة أم المؤمنين، زارت أباها ذات يوم وكان يومها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرها في المنزل، أرسل إلى أمته مارية القبطية، فأصاب منها في بيت حفصة، وجاءت حفصة على تلك الحال، فقالت: يا رسول الله، أتفعل هذا في بيتي وفي يومي؟ قال: «فإنها علي حرام، ولا تخبري بذاك أحدا» . فانطلقت إلى عائشة رضي الله عنها فأخبرتها بذلك، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] إلى قوله: {وصالح المؤمنين} [التحريم: 4] ، فأمر أن يكفر عن يمينه، ويراجع أمته "

دليل 6/ وخرج الطبراني 2316 عن موسى بن جعفر بن أبي كثير مولى الأنصار عن عمه عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال:" دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية سريته ببيت حفصة بنت عمر فوَجَدَتْها معه فقالت: يا رسول الله في بيتي من بين بيوت نسائك قال: فإنها عليَّ حرام أن أمسها يا حفصة، واكتمي هذا علي، فخرجت حتى أتت عائشة فقالت يا بنت أبي بكر ألا أبشرك فقالت بماذا؟ قالت: وجدتُ مارية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي فقلت: يا رسول الله في بيتي من بين بيوت نسائك وبي تفعل هذا من بين نسائك، فكان أول السرور أن حرمها على نفسه، ثم قال لي يا حفصة ألا أبشرك فقلت بلى بأبي وأمي يا رسول الله فأعلمني أن أباك يلي الأمر من بعده وأن أبي يليه بعد أبيك وقد استكتمني ذلك، فاكتميه فأنزل الله عز وجل في ذلك {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} أي من مارية {تبتغي مرضاة أزواجك} أي حفصة {والله غفور رحيم} أي لما كان منك، {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} يعني حفصة {فلما نبأت به} يعني عائشة {وأظهره الله عليه} أي بالقرآن {عرف بعضه} عرف حفصة ما أظهرت من أمر مارية، {وأعرض عن بعض} عما أخبرت به من أمر أبي بكر وعمر، فلم يثربه عليها {فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير} ثم أقبل عليها يعاتبها فقال {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} يعني أبا بكر وعمر {والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة فرعون وأخت نوح ومن الأبكار مريم بنت عمران وأخت موسى عليهم السلام ".

قال: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرد به هشام بن إبراهيم".

دليل 7/ خرج الدارقطني (5/75) عن عبد الله بن عمر حدثني أبو النصر مولى عمر بن عبيد الله عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن عمر قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة , فوجدته حفصة معها , فقالت له: تدخلها بيتي ما صنعت بي هذا من بين نسائك إلا من هواني عليك , فقال: «لا تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها» , قالت حفصة: وكيف تحرم عليك وهي جاريتك؟ , فحلف لها لا يقربها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تذكريه لأحد» , فذكرته لعائشة فآلى لا يدخل على نسائه شهرا فاعتزلهن تسعا وعشرين ليلة , فأنزل الله {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] الآية".

ثم خرجه عن أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال: وجدت في كتاب أبي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: وجدت حفصة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أم إبراهيم في يوم عائشة , فقالت: لأخبرنها , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «هي علي حرام إن قربتها» , فأخبرت عائشة بذلك فأعلم الله عز وجل رسوله بذلك فعرف حفصة بعض ما قالت قالت له: من أخبرك؟ , قال: " {نبأني العليم الخبير} [التحريم: 3] " فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهرا , فأنزل الله {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] الآية. قال ابن عباس: فسألت عمر: من اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ , فقال: حفصة وعائشة ".

دليل 8/ وخرج البيهقي (7/578) عن عطية بن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] إلى قوله: {وهو العليم الحكيم} [التحريم: 2] , قال: " كانت حفصة وعائشة رضي الله عنهما متحابتين وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم فذهبت حفصة إلى أبيها تتحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته , فظلت معه في بيت حفصة , وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة رضي الله عنها , فرجعت حفصة فوجدتها في بيتها فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك والله لقد سؤتني , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لأرضينك وإني مسر إليك سرا فاحفظيه " فقال: " إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضا لك " , وكانت حفصة وعائشة تظاهرتا على نساء النبي صلى الله عليه وسلم , فانطلقت حفصة فأسرت إليها سرا وهو أن أبشري , إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد حرم عليه فتاته، فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله النبي صلى الله عليه وسلم عليه فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] إلى آخر الآية".

الدليل 9/ وفيه الجمع بين سببي النزول، في الأكل وفي مارية:

خرجه البخاري 4913 عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به، قال: ثم قال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمره، إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال: فقلت لها: ما لك، ولما ها هنا وفيم تكلفك في أمر أريده، فقالت لي: عجبا لك يا ابن الخطاب، ما تريد أن تُرَاجَعَ أنت، وإن ابنتكَ لتُرَاجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بنية إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان، فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أحذرك عقوبة الله، وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم، يا بنية لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها - يريد عائشة - قال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتها فقالت أم سلمة: عجبا لك يا ابن الخطاب، دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، فأخذتني والله أخذا كسرتني عن بعض ما كنت أجد، فخرجت من عندها، وكان لي صاحب من الأنصار إذا غبت أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوف ملكا من ملوك غسان، ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب، فقال: افتح افتح فقلت: جاء الغساني، فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، فقلت: رغم أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة، وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة، فقلت له: قل: هذا عمر بن الخطاب فأذن لي، قال عمر: فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظا مصبوبا، وعند رأسه أُهُب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت، فقال: «ما يبكيك؟» فقلت: يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله، فقال: «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة»

وقد خرجه خرجه الطبراني 8750 - حدثنا مطلب بن شعيب ثنا عبد الله بن صالح ثنا الليث عن حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن رومان عن بن عباس قال:" كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن قول الله عز وجل {وإن تظاهرا عليه} فكنت أهابه حتى حججنا معه حجة فقلت: لئن لم أسأله في هذه الحجة لا أسأله فلما قضينا حجنا أدركناه وهو ببطن مرو قد تخلف لبعض حاجته فقال: مرحبا يا بن عم رسول الله ما حاجتك؟ قلت: شيء كنت أريد أن أسألك عنه يا أمير المؤمنين، فكنت أهابك فقال: سلني عم شئت فإنا لم نكن نعلم شيئا حتى تعلمنا، فقلت: أخبرني عن قول الله عز وجل {وإن تظاهرا عليه} من هما؟ فقال: لا تسأل أحدا أعلم بذلك مني، كنا بمكة لا تكلم أحدنا امرأته إنما هن خادم البيت فإذا كان له حاجة سفع برجليها فقضى منها حاجته فلما قدمنا المدينة تعلمن من نساء الأنصار فجعلن يكلمننا ويراجعننا وإني أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة فقالت امرأتي: بل اصنع كذا وكذا، فقمت إليها بقضيب فضربتها به، فقالت يا عجبا لك يا بن الخطاب تريد ألا تكلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمنه نساؤه، فخرجتُ فدخلت على حفصة فقلت: يا بنية انظري لا تكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ولا تسأليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس عنده دنانير ولا دراهم يعطيكهن، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس في مصلاه وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ثم دخل على نسائه امرأة امرأة يسلم عليهن ويدعو لهن فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها،

وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطائف أو من مكة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها يسلم حبسته حتى تلعقه منها أو تسقيه منها، وإن عائشة أنكرت احتباسه عندها، فقالت لجويرية عندها حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ما يصنع، فأخبرتها الجارية ما يصنع بشأن العسل، فأرسلت عائشة إلى صواحبها فأخبرتهن وقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنا نجد منك ريح مغافير، ثم إنه دخل على عائشة فقالت: يا رسول الله أطعمت شيئا منذ اليوم، فإني أجد منك ريح مغافير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد شيء عليه أن يوجد منه ريح شيء، فقال:" هو عسل والله لا أطعمه أبدا، حتى إذا كان يوم حفصة قالت: يا رسول الله إن لي حاجة إلى أبي إن نفقة لي عنده فائذن لي أن آتيه فأذن لها،

ثم إنه أرسل إلى مارية جاريته فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ووجهه يقطر عرقا وحفصة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: إنما أذنت لي من أجل هذا، أدخلتَ أَمتَكَ بيتي ثم وقعتَ عليها على فراشي، ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن، أما والله ما يحل لك هذا يا رسول الله، فقال: والله ما صدقت أليس هي جاريتي قد أحلها الله لي، أشهدك أنها علي حرام ألتمس بذلك رضاك، انظري ألا تخبري بهذا امرأة منهن فهي عندك أمانة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرم أمته وقد أراحنا الله منها، فقالت عائشة: أما والله لقد كان يريبني أنه يقيل من أجلها، فأنزل الله عز وجل {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وإن تظاهرا عليه} فهي عائشة وحفصة، وزعموا أنهما كانتا لا تكتم إحداهما الأخرى شيئا، وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت وغاب في بعض ضيعته حدثته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و إذا غبت في بعض ضيعتي حدثني فأتاني يوما وقد كنا نتخوف جبلة بن الأيهم الغساني –ملك نصراني- فقال: ما دريت ما كان فقلت وما ذاك لعل جبلة بن الأيهم الغساني يذكر، فقال: لا ولكنه أشد من ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فلم يجلس كما كان يجلس ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع وقد اعتزل في مشربته وقد تركت الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون فقلت يا أيها الناس كما أنتم، ثم أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته قد جعلت له عجلة فرقي عليها، فقلت لغلام له أسود وكان يحجبه: استأذن لعمر بن الخطاب، فاستأذنَ لي، فدخلتُ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مشربته فيها حصير وأُهب -جلود- معلقة، وقد أفضى بجنبه إلى الحصير فأثر الحصير في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفا، فلما رأيته بكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: يا رسول الله فارس والروم يضطجع أحدهم في الديباج والحرير، فقال: إنهم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا والآخرة لنا، ثم قلتُ: يا رسول الله ما شأنك فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض فعن خبر أتاك اعتزلتهن فقال:" لا ولكن بيني وبين أزواجي شيء فأقسمت إلا أدخل عليهن شهرا، ثم خرجت على الناس فقلت: يا أيها الناس ارجعوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل، ثم دخلتُ على حفصة فقلت: يا بنية أتكلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغيظين وتغارين عليه، فقالت: لا أكلمه بعد بشيء يكرهه، ثم دخلت على أم سلمة وكانت خالتي فقلت لها كما قلت لحفصة، فقالت: عجبا لك يا عمر بن الخطاب كل شيء تكلمت فيه حتى تريد أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم، فأنزل الله عز وجل {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} حتى فرغ منها ".

قال:" لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن رومان إلا سعيد بن أبي هلال ولا عن سعيد إلا خالد بن يزيد تفرد به الليث ".

فجمع الحديث ثلاث قصص:

أولاها: تحريم العسل على نفسه بصيغة القسم.

والثانية: تحريم مارية على نفسه بلا قسم.

والثالثة: متأخرة، وهي قسمه على هجران كل زوجاته مدة شهر.

الدليل العاشر: خرج الطبراني 11130 عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس في قوله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } قال : حرم سريته ".

الدليل 11: خرج مسلم 1473 عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس قال: «إذا حرم الرجل عليه امرأته، فهي يمين يكفرها»، وقال: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة} [الأحزاب: 21]".

الدليل 12/ وروى ابن حزم (10/126) عن الحجاج بن منهال: حدثنا جرير بن حازم: سألت نافعا مولى ابن عمر رضي الله عنه عن الحرام أطلاق هو ؟ قال : لا أوليس قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته فأمره الله عز وجل أن يكفر عن يمينه ولم يحرمها عليه ".

الدليل 13/ وخرج ابن حزم (10/125) عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذؤيب قال : سألت زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم عمن قال لامرأته أنت علي حرام فقالا جميعا : كفارة يمين".

الدليل 14/ وقال عبد الرزاق : عن معمر عن يحى بن أبي كثير وأيوب السختياني كلاهما عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قال : هي يمين يعني التحريم ".

الدليل 15/ قال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال في التحريم : هي يمين يكفرها ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفرع الثاني: من قال بأن سبب الكفارة هو اليمين نفسه:

لقد ذكرت عامة الأحاديث تحريم النبي عليه السلام إما للطيبات أو لأَمَتِه مارية، من غير ذكر أنه حلف.

أ: إلا ما ورد في رواية البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام بلفظ غير صريح: «ولن أعود له، وقد حلفت، فلا تخبري بذلك أحدا»

ب: وورد مرسلا عن مسروق وقتادة.

وروى الترمذي متصلا 1201 عن مسلمة عن داود بن علي عن عامر عن مسروق عن عائشة قالت: «آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه، وحرم، فجعل الحرام حلالا، وجعل في اليمين كفارة»

قال الترمذي: رواه علي بن مسهر، وغيره، عن داود، عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وليس فيه عن مسروق، عن عائشة وهذا أصح من حديث مسلمة بن علقمة.

ت: وأما في رواية ابن عباس فهي خطأ لا شك فيه:

ورد في عبد الله بن عمر حدثني أبو النصر مولى عمر بن عبيد الله , عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن عمر  قالت حفصة: وكيف تحرم عليك وهي جاريتك؟ , فحلف لها لا يقربها ".

ورواه يحيى بن سعيد عن أبي أبي الخزار وهو صدوق فيه لين قال: حدثني ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال :"كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يشرب عند سودة من العسل فيدخل على عائشة فقالت : إني أجد منك ريحا ثم دخل على حفصة فقالت : إني أجد منك ريحا فقال : إني أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه فنزلت هذه الآية { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك }

وهو وهم لا شك فيه عن ابن عباس، لمخالفته سائر الروايات عن ابن عباس، مع تصريحه في الصحيح بأن التحريم هو كفارة اليمين.

ث: وقال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده»: ثنا أبو قِلاَبة عبد الملك بن محمد الرَّقَاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا جرير بن حازم عن أيوب عن نافع عن ابن عمرَ عن عمرَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحفصةَ: «لا تُحدِّثي أحدًا، وإنَّ أُمَّ إبراهيمَ عليَّ حرامٌ». فقالت: أَتُحرِّم ما أحلَّ اللهُ لك؟ قال: «فوالله لا أَقرَبُهَا». قلتُ: فلم تَقِرَّ بها نفسُها حتى أخبَرَتْ عائشةَ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: آيات المحرمية، وأنواع النسوة:

المبحث الأول: آيات المحارم اللواتي يُشرع إبداء الزينة أمامهن:

وهذا الإبداء يكون بالعرف، ودرجة المحرمية، فتُبْدي المرأةُ لزوجها ما لا تبديه لإخوانها وأبيها، وهكذا تبدي لإخوانها ما لا تبدي لأبناء الإخوة والعمومة وهكذا، على حسب العرف:

قال تعالى:{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}[النور]

فذكرت الآية اثني عشر صنفا.  

وقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ/ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) }[النساء]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: أنواع المحرمات من النساء:

هن على أنواع:

النوع الأول: المحرمات تأبيديا، وبيان أصنافهن :

وهن ثلاثة أصناف، يحرمن على وجه التأبيد، وهنّ من محارم الرجل:

الصنف الأول: المحرمات بسبب النسب تأبيديا:

هن سبع محرمات تحريما تأبيديا، يجوز إبداء الزينة أماهم بالمعروف والعرف، كما في قوله :{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}

وهن سبعة أجناس أو خمسة أصناف:

1/ الأصول: الأمهات وإن علون، ويدخل فيهن: الجدات من أب أو أم.

2/ الفروع وإن نزلن: وهن البنات وبنات الأبناء ...

3/ الحواشي: وهن الأخوات الشقيقات أو من أب أو أم.

4/ بنات الحواشي: بنات الأخ وبنات الأخت وإن نزلن.

5/ حواشي الأصول: وهن العمات والخالات:

فالعمات: محرمات مطلقا، ويدخل فيهن عمات الأب الأصل وإن علون، وعمات الأم...

الخالات: كما مضى.

الصنف الثاني: المحرمات بسبب الرضاع تأبيديا:

هن أنفسهن المحرمات من النسب السابقات، لهن نفس الأحكام، كما قال تعالى :{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}

خرج البخاري (2645) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في بِنْت حمزة: «لا تحل لي، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، هي بنت أخي من الرضاعة».

الصنف الثالث: المحرمات بسبب الصهر تأبيدا: 

هن المذكورات في قوله تعالى:{ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ }

وهن أربعة أصناف:

1/ أصول الأزواح وإن علوْن: أي أم الزوجة، وأمها ولو علت، فهي مبهمة مطلقا،

وكذلك يحرم على المرأة أن تتزوج بوالد زوجها، وإن علا.

وتثبت المحرمية بمجرد العقد لأنها مبهمة مطلقة.

2/ زوجة الإبن الصُّلبي وإن نزلت، وثتبت المحرمية الأبدية بمجرد العقد.   

3/ زوجة الأب وإن علت، وتثبت المحرمية الأبدية بمجرد العقد.

4/ الربيبة: بنت الزوجة، ثم بنتها ولو نزلت، وتثبت المحرمية بالدخول بالزوجة، لا مجرد العقد كما في السابق من قولع تعالى :{ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ }[النساء 23]    

واختلفوا في الربيبة التي لا تعيش مع زوجته في بيته:

أ. فذهب ابن حزم وغيره إلى أن الربيبة مفصلة، فالتي لا تعيش معه يحل له التزوج بها وليست من المحارم، لاشتراط ذلك في الآية {اللاتي في حجورحكم}، إضافة إلى اشتراط الدخول بأمها.

والمقصود بالدخول ليس العرس، بل مجرد الدخول بالزوجة في مكان خلوة.

خرج عبد الرزاق 10834 - عن ابن جريج: أخبرني إبراهيم بن عبيد بن رفاعة - قال أبو سعيد: رأيت في كتاب غيري ابن عبيد - قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كانت عندي امرأة قد ولدت لي فتوفيت، فوجدت عليها، فلقيت علي بن أبي طالب، فقال: «ما لك؟»، فقلت: توفيت المرأة، فقال: «ألها ابنة؟»، قلت: نعم قال: «كانت في حجرك؟»، قلت: لا، هي في الطائف، قال: «فانكحها» قال: قلت: فأين قوله {وربائبكم اللاتي في حجوركم} [النساء: 23]؟ قال: «إنها لم تكن في حجرك، وإنما ذلك إذا كانت في حجرك»

ب. وذهب الأكثرون إلى أن الربيبة من المحارم والمحرمات بمجرد الدخول بأمها، ولو لم تكن في حجره. لخروج القيد مخرج الغالب، الذي لا مفهوم له كقوله تعالى «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق».

وأجيب بأن آية المنع من قتل الأبناء إنما ورد بعدها التعليل وليس التقييد بوصف، فقال:" خشية إملاق"، ف" خشيةَ" مفعول لأجله.

وأما ما خرج البخاري في الصحيح 5106 عن أم حبيبة أنه عليه السلام قال في شأن ابنة زوجته أم سلمة: «لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي، أرضعتني وأباها ثويبة، فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن».

يعني أنها ربيبة، إضافة لكونه عمها من الرضاعة.

لكن ليس فيه أن ربيبته هذه وهي درة بنت أبي سلمة كانت تعيش بعيدة عن بيته، بل ورد أنها كانت تعيش معه كما في الكثير من الروايات الصحيحة :" لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي".  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النوغ الثاني: المحرمات مؤقتا:

الصنف الأول: الجمع بين مَـحـْرمتين:

كالجمع بين المرأة وأختها، أو عمتها أو خالتها، إلا أن تنتهي العدة.

لقوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}

 

الصنف الثاني: المرأة المحصنة وهي المتزوجة والمعتدة:

كما قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ..} فحرم الله كل محصنةٍ مسلمةً كانت أو كتابيةً، ثم استثنى الإماء كما سيأني.

فالمرأة المتزوجة هي المحصنة: لا يحل خطوبتها، ولا تخبيبها عن زوجها، حتى يطلقها، أو يتوفى عنها وتنتهي عدتها، قال ابن عباس:" هن العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب"، والمحصنة محرمة تأقيتا طيلة مدة زواجها وعدتها

وأما المعتدة: فلا يحل خطبتها إجماعا إذا كانت معتدة من طلاق، حتى تنتهي عدتها،

وإن كانت معتدة من وفاة، فيحرم التصريح بخطبتها ما دامت في عدتها، لكن يصح التعريض بخطبتها كما قال تعالى : { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) } [البقرة: 235] .

والتعريض يكون بالقول وربما بالفعل، شرط أن لا يصرح لها بالزواج حالا، ولا أن يتواعد معها في السر بلفظ صريح للزواج بها مستقبلا بعد العدة، بل يُكِنّ ذلك في نفسه ويُخفيه، وإنما يكتفي بالتعريض والقول المعروف:

مثال القول المعروف:

ما روى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول في قول الله تعالى: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء} [البقرة: 235] قال: أن يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها: إنك علي لكريمة، وإني فيك لراغب، وإن الله تعالى سائق إليك خيرا أو رزقا أو نحو هذا من القول ".

وخرج الطبري عن مجاهد عن ابن عباس قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: التعريض أن يقول:"إني أريد التزويج"، و"إني لأحب امرأة من أمرها وأمرها"، يعرض لها بالقول بالمعروف ".

وخرج عن مجاهد قال: يقول:"إنك لجميلة، وإنك لنافقة، وإنك إلى خير".

ومثال الفعل أو غيره:

ما خرج الطبري عن ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء"، قال: كان أبي يقول: كل شيء كان، دون أن يعزما عقدة النكاح، فهو كما قال الله تعالى ذكره:"ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء".

وأما خطبة المخطوبة الغير منزوجة أصلا، أو المنتهية عدتها، فله حالتان: 

أ: حالة جواز للخطوبة: وذلك إذا لم يتراكنا، كأن يقول أحد الخاطبين أو أهل الخطبية: لازلت أنظر أو أستشير. 

لما خرجه مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «وإذا حللت فآذنيني» .

قالت: فلما حللت أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال: «أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة بن زيد فنكحته، فجعل الله فيه خيرا، واغتبطت به».

ب: حالة تحريم الخطوبة: وذلك إذا تراكنا، فتحرم الخطوبة حينئذ، حتى يفسخها طرف، أو يأذن بذلك.

كما خرج البخاري باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ثم خرج 5142 ن ابن عمر رضي الله عنهما، كان يقول: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب»

وخرج البخاري 2140 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد، ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها»

الصنف الثالث: الإماء والجواري وأنواعهن:

لا يحل التشارك فيهن، بل إذا باع السيد أمتَه أو منحها لغيره، فلا بد من أن يستبرئها بحيضة ولا بد، ثم تحل للآخر.  

وهن في الإسلام على صور:

الفرع الأول: أحكام الجواري والإماء المسلمات:

يأتي السبي في الإسلام على صور:

الصورة 1/ السبابا المشركات الناتجات عن حرب:

وهنّ النسوة اللاتي قدمْن لمحاربة المسلمين، أو ساعدْن الحربيين ولو تحفيزا أو قدوما مع أزواجهن، فيحل سبيهن بعد استبرائهن بحيضة.

وأما المشركات الغير الحربيات، فهن حرائر على الأصل في التحريم كالمحصنات:

قال القرطبي: أي هن محرمات إلا ما ملكت اليمين بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه وإن كان لها زوج "، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.

لما خرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقوا العدو فقاتلوهم، وظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكان ناس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ). أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن ".

وفي لفظ :"لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض".

الصورة 2/ السبايا الناتجات عن بيع وشراء لهؤلاء الحربيات:

فإن المجاهد إذا وقعت من نصيبه جارية جاز له أن يستمتع بها، كما له أن يبيعها ويستفيد من ثمنها:

قال القرطبي:" أن المراد بالآية ذوات الأزواج، أي فهن حرام إلا أن يشتري الرجل الأمة ذات الزوج"،

وأما عن كيفية تطليقها:

1/ فقيل: بيعها أو عِتقها أو التصدق بها هو طلاقها: لقوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، لأن ملك اليمين حلال بمجرد الشراء، وإذا جاز جِماعها وقع طلاقها بمجرد بيعها من سيدها، كما قال ابن مسعود، ولأن الجمع بين رجليْن للمرأة الواحدة حرام اتفاقا. 

خرج الطبري عن ابن عباس، قال: طلاق الأمة ستٌّ: بيعها طلاقُها، وعتْقُها طلاقها، وهبتُها طلاقها، وبراءتها طلاقها، وطلاق زوجها طَلاقُها".

قال القرطبي:" فإن بيْعها طلاقها والصدقة بها طلاقها وأن تورث طلاقها وتطليق الزوج طلاقها. قال ابن مسعود: فإذا بيعت الامة ولها زوج فالمشتري أحق ببضعها وكذلك المسبية ".

2/ أن بيع الأمة ليس طلاقا لها حتى يطلق صراحة، قالوا : لأن النبي عليه السلام خير بريرة بعد عتقها بين البقاء مع زوجها أو مفارقته. 

كما ثبت في الصحاح عن عائشة قالت: كاتبت بريرة على نفسها بتسع أواق في كل سنة أوقية، فأتت عائشة تستعينها، فقالت: لا إلا أن يشاءوا أن أعدها لهم عدة واحدة ويكون الولاء لي، فذهبت بريرة وكلمت بذلك أهلها فأبوا عليها إلا أن يكون الولاء لهم، فجاءت إلى عائشة، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فقال لها: «ما قال أهلها؟» فقالت: لا ها الله إذا إلا أن يكون الولاء لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا؟» فقلت: يا رسول الله، إن بريرة أتتني تستعين بي على كتابتها، فقلت: لا إلا أن يشاءوا أن أعدها لهم عدة واحدة ويكون الولاء لي، وقد ذكرت ذلك لأهلها، فأبوا عليها إلا أن يكون الولاء لهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابتاعيها واشترطي لهم الولاء وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق» ثم قام: فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " ما بال أقوام يشترطون شروطا ليس في كتاب الله يقولون: أعتق يا فلان، والولاء لي، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط "، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها، وكان عبدا، فاختارت نفسها ، قال عروة: لو كان حرا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وفي لفظ: [وأعتقت فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها فاختارت نفسها]

وفي لفظ :" فأعتقتها عائشة، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم، فخيرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده، فاختارت نفسها ".

وأما عن زوجها فقد ورد في رواية الأسود :"[وكان زوجها حرا] وهي زيادة مدرجة.

وفي رواية أخرى:[ كان زوج بريرة عبدا فأعتقت فخيرها]

قال البخاري في الصحيح :" قال الأسود: وكان زوجها حرا " قول الأسود منقطع. وقول ابن عباس: رأيته عبدا، أصح ".

 الفرع الثاني: حكم الزواج بالإماء ومتى تتحررن:

لقد حث الإسلام كثيرا على تحرير العبيد في الصدقات وحاصة الكفارات:

كما أنه لا يحل للرجل أن يتزوج أمَتَه إلا بعد أن يُعتقها، لما خرج البخاري في الصحيح 97 عن عامر عن أبي بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران ".

وأما إن كانت أمة له ثم ولدت له فإنها تصير حرة بمجرد الولادة.

الفرع الثالث: شبهة وسم الإسلام بالعبودية والجواب عنها:

يزعم المشركون بأن مِنْ عنف الإسلام دعوتُه إلى ملك اليمين وسبي النساء الحرائر، والجواب عن ذلك من أوجه:

1/ أن المشركين أشد غدرا واغتصابا للمسلمات طيلة حروبهم الدموية القديمة والحديثة، والتي لم تستثن أحدا.

2/ أن الإسلام لم يشرع سبي النساء إلا المحاربات فقط أو من أعنّ على حرب المسلمين، بخلاف حروب المشركين: فإنهم يغتصبون الجميع ثم يقتلون.

3/ أن الإسلام جعل المرأة المسبيةَ من نصيب واحد من المجاهدين، بخلاف المشركين، فإنهم يتناوبون على اغتصاب المسلمات ثم يقتلوهن.

4/ أن الرجل إذا أُمسِك في الحرب، فإما أن يُقتل أو يُسجنَ أو يُفدى به، وأما المرأة فقد خفف الله عنها، بأن لا تُقتل ولا تُسجن، بل تُسبى، لتكون من نصيب مجاهد واحد فقط.

5/ أن السبي هو تقييد نسبي لحرية المرأة، وهو أفضل لها من السجن المؤبد، لأن المسبية ستكون خادمة للبيت، لها الحرية في الحركة والمشي والتسوق واللباس...

6/ أن الشارع نهى عن تعذيب الجواري، وأمر بإكرامهن، وخفف عنهن حتى في اللباس بأن لا يحتجبن، وخفف عنهن في الحدود والعقوبات بأن تُنصف عليهن.

فأين هذا من شدة التعذيب وكثرة الاغتصاب ثم القتل الممارس على المسلمات. 

7/ أن المسبية إذا تحسنت أخلاقها وأُمن شرها أو دخلت الإسلام فييستحب عتقها، وإذا أعتقت خُيّرت كما مضى، فإن دخل زوجها الأولُ المشركُ في الدين جاز لها الرجوع إليه.

8/ كما أن الشارع منح المسبيةَ حق المكاتبة، والعمل على تحرير نفسها بمال تدفعه لسيدها.

9/ أن الشارع الكريم استحب وحض على تحرير العبيد والإماء، في الصدقات وعامة الكفارات.

10/ أن المسبية إذا ولدت من سيدها مولودا، فإنها تُعتق به، حتى لو مات إذا استهل صارخا، ويكون ولدها حرا، وهي تبع له. 

قال ابن المنذر : " وأجمعوا على أن ولد أُم الولد من سيدها : حر "

وقَالَ أَبُو عُمَرَ بن عبد البر : " أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ وَلَدَ الْحُرِّ مِنْ سُرِّيَّتِهِ : تَبَعٌ لَهُ ، لَا لِأُمُّهِ، وَأَنَّهُ حُرٌّ مِثْلُهُ " 

بخلاف ما إذا زوّج السيدُ أمته بالرجل الحر أو بالعبد، فإن ولدها يكون عبيدا لسيد تلك الأمة.

11/ أن الإسلام أعطى العبيدَ كل أنواع الحقوق الممنوحة لغيرهم، إلا طائفةً معروفة، كما جعل لهم مكانة مرموقة في الإسلام إذا حسن إسلامهم، فكان منهم الجند والقادة والمقرئون والحكام والفاتحون.

12/ أن ما حدث من ظلم في حق العبيد في تاريخ الدول الإسلامية، فهو جور محرم في الإسلام، وقد حدث مثله وأضعافه على الأحرار أيضا طيلة تاريخ الشعوب، ولا يحل الطعن في دين الرحمة والعدل، بسبب ظلم الظالمين، وتجبر المتكبرين، بل الإسلام بريء من كل ظالم ومعين.  

الصنف الرابع: المطلقة ثلاثا والمبتوتة:

أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلقَ زوجته الحرة للمرة الثالثة بفاصل، فإنها تحرم عليه مؤقتا أي حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة، واختلفوا في أمور في زواج التحليل:

المسألة الأولى: أحكام تطليق الزوجات والإماء:

1/ حكم الأَمَة المطلقة ثلاثا: والجمهور على أنها تحرم عليه كالزوجة.  

2/ كما اختلفوا في الكتابية إذا تزوجت بكتابي ثم طلقها، هل يحللها للزوج المطلق ثلاثا؟ والصحيح عند الجماهير أنه زوج يحلل.

3/كما اختلفوا في النكاح الفاسد وهو ما نقص منه شرط: فالجمهور أنه لا عبرة به، وكان الحَكَم يقول بقول الحنفية: هو زوج يحلل. 

4/ كما اختلفوا في هيأة زواج التحليل :

هل يكون بمجرد العقد والخلوة كما قال ابن المسيب وابن جبير وحدهما.

أم لا بد من الجماع وذوق العسيلة وغياب الحشقة: وهو الصحيح عند الجماهير سدا لذرية زواج التحليل المحرم، ولما هو ثابت في حديث تميمة بنت وهب زوجة رفاعة.

خرجه البخاري (2639/6084 ...) ومسلم (1433) عن عائشة رضي الله عنها:[خ: أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها] جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة، فطلقني، فأبت طلاقي، [إس: فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني ثلاث تطليقات،] [خ م: إنها كانت تحت رفاعة، فطلقها آخر ثلاث تطليقات] فتزوجتُ عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب، [نع: فلم يقربني إلا هبة واحدة فلم يصل مني إلى شيء، أفأحل لزوجي الأول] [فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً] فقال: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»، وأبو بكر جالس عنده، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له، فقال: يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه وسلم ".

وفي لفظ عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه".

والعسيلة هي الجماع، ولا بد من أن يستمتعا معا.   

فقد قال القرطبي: قال علماءنا: أي استواؤهما في إدراك لذة الجماع، وهو حجة لاحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها، لأنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها ".

قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [230 [.

قال القرطبي في تفسيره :" فَإِنْ طَلَّقَها الطلقة الثالثة فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه، واختلفوا فيما يكفى من النكاح، وما الذي يبيح التحليل .."،

المسألة الثانية: نكاح التحليل:

وأما زواج المحلل والزوجة: فلنكاحها ثلاثة أحوال:

أ: فإمّا أن يتزوجا نكاح رغبة وجِماع ومَغيب حشفة وهو المطلوب كما قال مالك وغيره.  

ب: وإما أن يتزوجا ويشترطا الطلاق: فهذا مختلف فيه، والأقرب فيه قول الشافعي، أنه إذا اشترط ذلك في وسط العقد بطل النكاح، وإن اشترطاه خارج العقد جاز، شرط أن يتم الدخول والجماع كما ذكرنا.  

ت: وإما أن ينويا ذلك ولم يصرحوا به: فهذا جائز لحديث تمسمة السابق، فإنها بيتت النية، وقال لها عليه السلام ضاحكا:" تريدين الرجوع إلى رفاعة؟" ثم اشترط عليها الجماع فقط.  

وهو قول سالم والقاسم وربيعة ويحيى بن سعيد والظاهرية وجمع كثير من السلف.

. وأما عن شرط الزوج المحلل: فيجوز كل زوج ولو صبي أو مراهق أو مجبوب كما صرح الشافعي.

  وأما جماع السيد لأمته أو جاريته المتزوجة بعبد، ثم طلقها العبد ثلاثا، فلا يحلها لزوجها، لأنه لا عبرة به عند الجمهور لأنه سيد وليس زوجا كما قال القرطبي.

ثم قال:" ويروى عثمان وزيد بن ثابت والزبير خلاف ذلك، وأنه يحلها إذا غشيها سيدها غشيانا لا يريد بذلك مخادعة ولا إحلالا، وترجع إلى زوجها بخطبة وصداق. والقول الأول أصح".

المسألة الثالثة: هل يهدم الزوجُ المحللُ كلَّ طلاق سابق:

قال القرطبي: واختلفوا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم تتزوج غيره ثم ترجع إلى زوجها الأول:

1/ فقالت طائفة: تحتسب عليه التطليقة الأولى والثانية، وتبني متمة عليه: وهو مذهيب الجمهور.

2/ أن النكاح جديد والطلاق جديد، وقول ابن عمر وابن عباس وابن مسعود وأصحابه وهو الصحيح، لما خرج أبو بكر عن عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله يقولون: أيهدم الزوج الثلاث، ولا يهدم الواحدة والاثنتين"

وخرج عن إبراهيم:" أن أصحاب عبد الله كانوا يقولون: يهدم الزوج الواحدة والاثنتين كما يهدم الثلاث "،

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصنف الخامس: المحرمة بالحج أو العمرة حتى تحل: .

اتفق العلماء على تحريم زواج المحرم وخطبته ما دام في إحرامه.

لما خرج مسلم (1409) عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:" لا يَنْكِحُ المُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ وَلا يَخْطُبُ ".

الصنف السادس: اختلاف الدين :

فلا يتزوج المسلمُ المشركةَ عدا الكتابيةَ، وأما المسلمة فلا تتزوج المشرك مطلقا.

قال تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة 10]

الصنف السابع: الزواج بالزاني والزانية:

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثاني: أحكام النظر للجنس المغاير، وحفظ الفرج وإبداء الزينة: 

المبحث الأول: أحكام النظر لغير المحارم:

المذهب الأول: تحريم النظر مطلقا:

قال ابن كثير في تفسير الآية:" ذهب كثير من العلماء إلى أنه: لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة ولا بغير شهوة أصلا.

واحتج كثير منهم بما رواه أبو داود والترمذي، من حديث الزهري عن نبهان مولى أم سلمة أنه حدثه: أن أم سلمة حَدَّثته: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، قالت: فبينما نحن عنده أقبل ابنُ أمّ مكتوم، فدخل عليه، وذلك بعدما أُمِرْنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتجبا منه" فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال: أوعمياوان أنتما؟".

هذا حديث مختلف في صحته بسبب الاختلاف في نبهان، فمن وثقه فإنما لجلالة الزهري وروايته عنه، ولأن الزهري ذكر أنه كان مولى أم سلمة مما يرفع من شأنه، وفي هذا الاستدلال نظر كبير.

فإن من جهّله، فإنما لتفرد الزهري بالرواية عنه، فهو مجهول العين كما قال ابن حزم وغيره، ولأن الزهري لم يدرك أم سلمة حتى يتيقن بأنه كان مولى لها، فإنه لم يعرف ذلك إلا من قول نبهان، وحتى ولو كان مولى لها، فإنه يوجد من موالي الصحابة من هم ضعفاء وحتى متروكون،

قالوا: ثم إنه مع قلة روايته فقد أتى بهذا الحديث المنكر وغيره، فإنه مخالف للحديث الصحيح التالي:

القول الثاني: جواز النظر إلى الأجانب بغير شهوة، عدا العورة، لأن "من" للتبعيض.

خرج مسلم 1480 عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتةَ وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: «ليس لك عليه نفقة»، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني...»

وثبت في الصحيحيْن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينظر إلى الحبشة وهم يلعبون بحرابهم يوم العيد في المسجد، وعائشة أم المؤمنين تنظر إليهم من ورائه، وهو يسترها منهم حتى مَلَّت ورجعت ...".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: أحكام النظر للمخطوبة:

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثالث: وجوب حفظ الفرج وترك إبداء الزينة إلا الظاهرة منها، وتبيين ما هي:

قال تعالى:{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) }[النور]

قال القرطبي:" في هذه الآية دليل على أن الجيب إنما يكون في الثوب موضع الصدر. وكذلك كانت الجيوب في ثياب السلف رضوان الله عليهم، على ما يصنعه النساء عندنا بالأندلس واهل الديار المصرية من الرجال والصبيان وغيرهم. وقد ترجم البخاري رحمة الله تعالى عليه (باب جيب القميص من عند الصدر وغيره".

ومعنى قوله: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } خطاب للحرائر، لا الإماء.

فالأمة لها أن تُظهرَ الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى أنصاف الساق، وقيل إلى الركبتين، لأن عمر رضي الله عنه نهى الأمة عن التقنع والتشبه بالحرائر كما في الكافي لابن قدامة (2/20).

وفي الآية دليل على أن الزينة نوعان:

ظاهرة وباطنة، فالباطنة ما يراها المحارم فقط على تفصيل، والظاهرة ما يراها عموم الناس، وهي على قسمين: زينة طبيعية كالوجه والكفين...

وزينة كسبية: كالخاتم والكحل والخضاب ... 

قال القرطبي: من الزينة ظاهر وباطن، فما ظهر فمباح أبدا لكل الناس من المحارم والأجانب، وقد ذكرنا ما للعلماء فيه، وأما ما بطن فلا يحل إبداؤه إلا لمن سماهم الله تعالى في هذه الآية، أو حل محلهم".

فيكون معنى الآية: أي: لا يُظهرْنَ شيئا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، من زينةٍ طبيعية كاليد والوجه، أو كسبيةٍ كالخضابِ والخاتم والكحل، واختلفوا في تعيين هذا المستثنى الظاهر:

القول الأول: ظاهر الزينةِ الجائزِ تبـْيينُه: منه الطبيعي كالوجه والكفّــيْن إلى نصف الذرارع.

وما يحتوي ذلك من زينة كسبية: كالخضاب والكحل، والقُلبُ والسوار والمُسكة، الذين يُلبسُون في اليد في مقدمة الذراع وراء الكوعيْن ...، وهي من الحلي الجائز إظهاره.

وفي جواز إظهارها دليل على أن محل لبسها وهو الذراع ليس بعورة كما هو مذهب الحنفية.   

قال القرطبي في تفسير {إلا ما ظهر منها}:" هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع، والقرطة والفتخ، ونحو هذا، فمباح أن تبديه المرأة لِكل من دخل عليها من الناس.

وهو قول ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة، نسبه إليهم القرطبي وغيره.

وإنما أجازوه إلى نصف الذراع، لرفع الحرج في ذلك، لأن المرأة تحتاج كثيرا إلى رفع يدها، فيهبط كمّ جيبها إلى نصف الذراع. 

وقال القرطبي:" واختلف في السوار، فقالت عائشة: هي من الزينة الظاهرة لأنه في اليدين"،

روى أبو إسحاق السَّبيعي عن أبي الأحْوَص عن عبد الله قال في قوله: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } : الزينة القُرْط والدُّمْلُج والخلخال والقلادة ".

وقال مالك عن الزهري: { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } الخاتم والخلخال ".

والقرطُ أو السَلْسُ والشّنْف: حليٌّ يعلقُ في شحمة الأذن كما في حديث عنبسة بن عبد الرحمن قال: حدثتني جدتي أنها دخلت على أم سلمة: رضى الله عنها فرَأَت في أذنيها قرْطَيْن، وفي عنقها قلادةً ".

وأما الخلخال أو الحَجْل أو الوَضَحُ فيُلبس في المخدم أسفل الساق حول الكعْب، فإذا وضعت المرأة فيه جلاجل ليُحدث صوتا أمام الأجانب فهو ممنوع.   

وفي جواز إبداء السوار ونحوه دليل على جواز إظهار محله وهو الذراع كما ذكروا، ثم استدلوا بما:

1/ قال القرطبي:" واستدل قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر آخر عن عائشة رضى الله عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر إذا عركت أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى ها هنا) وقبض على نصف الذراع".

قال الطبري حدثنا الحسن: أخبرنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قَتادة:( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: المسكتان والخاتم والكحل، قال قَتادة: وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحِلُّ لامْرأةٍ تُؤْمِنُ بالله واليَوْمِ الآخِرِ، أنْ تخْرجَ يَدَها إلا إلى هاهنا". وقبض نصف الذراع".

2/ وخرج الطبري عن القاسم: ثنا الحسين ثني حجاج عن ابن جُرَيج قال: وقالت عائشة: القُلْبُ والفتخة، قالت عائشة: دَخَلَتْ عليّ ابنة أخي لأمي عبد الله بن الطفيل مُزَيَّنةً، فدخل النبيّ صلى الله عليه وسلم فأعرض، فقالت عائشة: يا رسول الله إنها ابنة أخي وجارية، فقال: "إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلا وجهها، وإلا ما دون هذا"، وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكفّ مثل قبضة أخرى. وأشار به أبو عليّ"، قال ابن جُرَيج، وقال مجاهد قوله:( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: الكحل والخضاب والخاتم".

قال الطبري بعد أن رجح إبراز الكف والوجه:" وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل؛ لإجماع الجميع على أن على كلّ مصل أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلا ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبديه من ذراعها إلى قدر النصف. فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا، كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة، كما ذلك للرجال; لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره؛ وإذا كان لها إظهار ذلك، كان معلوما أنه مما استثناه الله تعالى ذكره، بقوله:( إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) لأن كل ذلك ظاهر منها".

وأضاف آخرون إلى الذراعِ ظهورَ القدم كما في:

القول الثاني: ظاهر الزينة: منه الطبيعي كالوجه والكفان إلى المرفقيْن، والقدمان إلى الكعبيْن، والكسبي الثياب وما يحويه الوجه واليد والقدم من خاتم وخضاب وحذاء...

وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، لأن المرأة لا تلبس في الإحرام شيئا مصنوعا على قدر قدميها.

قال ابن نجيم في البحر الرائق :" وأما المرأة فلا يباح للرجل أن ينظر إلى غير الوجه والكفين والقدم إذا كانت أجنبية ، وقد جوزوا لها كشف الذراعين للبناء مطلقا غير مقيد بعدم الرجال ".

القول الثالث: ظاهر الزينة الطبيعي: الوجه والكفان، والكسبي: الثياب الخارجية، وما يحويه الوجه واليد من خاتم وكحل وخضاب: وهو قول الجمهور.

لأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام، وستر الكفين بالقفازين، ولو كانا عورة، لم يحرم سترهما.

ولما تقرر بالإجماع على جواز كشفهما في الصلاة كما قال الطبري.

ولأن قوله:" ولا يبدين زينتهن"، المراد به الصدر والرقبة والعورة والساق والذراع، فيكون المستثى منه من جنس المستثنى، وهو الوجه والكفان.

قال ابن قدامة في المغني:" وقال مالك والأوزاعي والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة؛ لأن ابن عباس قال في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] قال: الوجه والكفين. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب.» ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، والكفين للأخذ والإعطاء ".

قال ابن عطية:" ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. ف" ما ظهر" على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفوُّ عنه ".

قال القرطبي: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما ".

وقال الزهري: لا يبدو لهؤلاء الذين سَمَّى الله ممن لا يحل له إلا الأسورة والأخمرة والأقرطة من غير حسر، وأما عامة الناس فلا يبدو منها إلا الخواتم.

روى الأعمش عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها وكفيها والخاتم.

ورُوي عن ابن عمر، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي الشعثاء، والضحاك، وإبراهيم النَّخَعي، وغيرهم - نحوُ ذلك.

وقال البغوي في تفسير الآية:" أما المرأة مع الرجل فإن كانت أجنبية حرة فجميع بدنها في حق الأجنبي عورة لا يجوز النظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين، وإن كانت أمة فعورتها مثل عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة، وكذلك المحارم بعضهم مع بعض، والمرأة في النظر إلى الرجل الأجنبي كهو معها".

وقال ابن كثير:" ويحتمل أنّ ابن عباس ومن تابعه، أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور،

بل سُئل مالك (الموطإ: باب جامع الطعام والشراب): هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها، أو مع غلامها؟ فقال: ليس بذلك بأس، إذا كان ذلك على وجه ما يعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال، وقد تأكل المرأة مع زوجها، ومع غيره ممن تؤاكله، أو مع أخيها مثل ذلك، ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل , ليس بينها حرمة ".

ومن المعلوم أن الأكل لا بد فيه من إظهار الوجه، كما قال الخرشي: ابن القطان:" فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبي إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا "اهـ .

ويُستدل له بما قاله البخاري في الأدب: باب خدمة الرجل الضيف بنفسه، ثم خرج 746 – وفي الصحيح 5183 عن سهل بن سعد أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم في عرسه وكانت امرأته خادمهم يومئذ وهي العروس، فقالت [أو قال:]: أتدرون ما أنقعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور[فلما أكل، سقته إياه] ".

وفي رواية:" لما عرس (تزوج ) أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد بلَّت  تمرات في تور ( إناء ) من حجارة من الليل فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته (مرسته) له، فسَقَتْه، تُتْحِفه بذلك ".

ولذلك قال الألباني في آداب الزفاف:" باب- قيام العروس على خدمة الرجال :

 ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين .."،

كما استدل الجمهور على جواز كشف الوجه والكف بالحديث الذي رواه قتادة لكن من وجهين:

الدليل الأول: رواه قتادة: واختلفوا عنه:

1/ فرواه أبو داود في المراسيل عن ابْن دَاوُدَ حَدَّثَنَا هِشَام عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِلِ» مرسلا.  

2/ ورواه أبو داود في سننه 4104: حدثنا يعقوب بن كعب الإنطاكي ومُؤَمَّل بن الفضل الحَرَّاني قالا حدثنا الوليد عن سعيد بن بَشِير عن قتادة عن خالد بن دُرَيك عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لمصلح أن يُرَى منها إلا هذا" وأشار إلى وجهه وكفيه".

قال أبو داود وأبو حاتم الرازي: هذا مرسل؛ خالد بن دُرَيك لم يسمع من عائشة ".

وقال  أبو حاتم:" هذا وهم ، وإنما هو: قتادة عن خالد بن دريك: أن عائشة مرسل"،

وفيه الوليد يدلس ويسوي.

3/ ورواه البيهقي عن أبي عمران الجوني حدثنا محمد بن رمح، حدثنا ابن لهيعة عن عياض بن عبد الله أنه سمع إبراهيم بن عبيد بن رفاعة الأنصاري يخبر عن أبيه أظنه عن أسماء بنت عميس أنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة بنت أبي بكر وعندها أختها أسماء بنت أبي بكر ... وفيه:" إنه ليس للمرأة المسلمة أن يبدو منها إلا هذا وهذا". وأخذ بكفيه فغطى بهما ظهر كفيه حتى لم يبد من كفه إلا أصابعه، ثم نصب كفيه على صدغيه حتى لم يبد إلا وجهه ". ولم يصح.

وقد ورد عن عائشة موقوفا وهو الأَوْلى:

4/ قال البيهقي 3217 - وأخبرنا أبو عبد الله، أنبأ عبد الرحمن بن الحسن القاضي ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا آدم بن أبي إياس ثنا عقبة بن الأصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما ظهر منها الوجه والكفان ".

ورواه أبو الأزهر ثنا روح ثنا حماد حدثتنا أم شبيب قالت: سألت عائشة رضي الله عنها عن الزينة الظاهرة فقالت:" القلب والفتخة وضمت طرف كمها ".

الدليل الثاني: ابن عباس:

رواه الأعمش عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها وكفيها والخاتم".

ورواه جعفر بن عون أنبأ مسلم الملائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] قال: "الكحل والخاتم "

قال البيهقي في الآداب:" وفيه إشارة إلى الوجه والكفين".

وقال الطبري حدثني محمد بن سعد قال ثني أَبي قال ثني عمي قال: ثني أَبي عن أبيه عن ابن عباس، قوله( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ...) إلى قوله(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) قال: كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن. وإدناء الجلباب: أن تقنع وتشد على جبينها ".

الدليل الثالث: في تغطية القدمين: ورد مرفوعا وموقوفا وهو الأصح:

خرجه الحاكم (1/380) وأبو داود 640) عن عثمان بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أبيه عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع، وخمار ليس عليها إزار؟ قال: «إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها»

صححه الحاكم وليس كما قال:

قفد رواه موقوفا: ابْنُ وَهْب وغيره أَخْبَرَنِي مَالِك وَابْنُ أَبِي ذِئْب وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ الْقُرَشِيّ حَدَّثَهُمْ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَتْ: «فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا ". قال البيهقي:" هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ "،

وقال أبو داود: روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر، وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم قصروا به على أم سلمة رضي الله عنها".

دليل رابع: في طول الجلباب شبرا، بدءا من أنصاف الساق إلى القدم، لكنه مضطرب: 

رواه الناس عن نافع واضطُرب عليه:

1/ رواه عبد الرزاق في المصنف: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه من الخيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة» . فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء يا رسول الله بذيولهن؟ قال: «يرخين شبرا» . قالت: إذا تنكشف أقدامهن. قال: «فيرخينه ذراعا، ولا يزدن عليه» صححه الترمذي.

تابعه عاصم بن هلال عن أيوب مثله، وقد سلك فيه الجادة فوهم، لأنه عن أم سلمة، ومع ذلك اختلف في وصله وانقطاعه:   

2/ فقد رواه الأوزاعي حدثنا يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذيول النساء، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترخي شبرا»، قالت أم سلمة: إذا ينكشف عنها؟ قال: «ترخي ذراعا لا تزيد عليه»

تابعهما حماد وهو ابن مسعدة، عن حنظلة هو ابن أبي سفيان عن نافع –لكنه قال-: حدثتنا أم سلمة، فصرح بالسماع بينهما، وقد خالفوه في لفظ السماع، وفي الاتصال:

3/ فقد رواه محمود الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن أبي عمرو عن نافع / عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترخي المرأة من ذيلها شبرا» قلت: إذا تنكشف؟ قال: «ذراعا لا تزيد عليه».

لم يذكر سماعا من نافع عن أم سلمة، لأنه رواه عنها بواسطة امرأة مجهولة:

4/ فقد رواه عمرو بن عثمان عن الوليد عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت نافعا يحدث قال:[ حدثني بعض نسوتنا] عن أم سلمة قالت ... فزاد بينهما امرأة مجهولة.

5/ ورواه سفيان بواسطة صفية بينهما، فقال: حدثنا أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاصي عن نافع [عن صفية] عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في الإزار ما ذكر قالت أم سلمة: فكيف بالنساء؟ قال: «يرخين شبرا»، قالت: إذا تبدو أقدامهن؟ قال: «فذراع لا يزدن عليه»

تابعه ابن إسحاق عن نافع عن صفية به، وقيل الواسطة سليمان بن يسار.  

6/ ورواه النسائي عن عبد الرحيم بن سليمان الرازي عن عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، ذيول النساء؟ قال: «ترخين شبرا» قالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: «ذراعا لا تزدن عليه»

7/ ومنهم من يرسله: كما خرج النسائي عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن عنج عن نافع: أن أم سلمة ذكرت ذيول النساء". مرسل.

8/ وروى عبد الرزاق عن معمر عن حفص بن سليمان عن الحسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم أزر فاطمة فأرخاه شبرا، ثم قال: «هكذا» قال معمر: وأخبرنا عمرو بن عبيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخاه شبرا، ثم قال: «هذه سنة للنساء في ذيولهن» .......

القول الثالث: يجب تغطية الجميع: وهو رواية عن الحنابلة:

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثني الزنجيّ بن خالد حدثنا عبد الله بن عثمان بن خُثَيْم عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة، قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن. فقالت عائشة، رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلا وإني -والله -وما رأيت أفضلَ من نساء الأنصار أشدّ تصديقًا بكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل. لقد أنزلت سورة النور: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } ، انقلب إليهن رجالهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي . قرابة، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مِرْطها المُرَحَّل فاعتجرت به، تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحْنَ وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح معتجرات، كأن على رؤوسهن الغربان".

ابن خثيم فيه كلام، وقد اختلف عنه في تعيين الراوي: 

فقد رواه  معمر عن ابن خثيم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت :" لما نزلت: {يدنين عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59]، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من الأكسية ".

الدليل الخامس: استدلوا بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) }[]،

لكن هذه الآية تنازعها الجميع:

القول الرابع: تبدي عينا واحدة:

قال الطبري حدثني عليّ: ثنا أَبو صالح ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ) أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة".

علي لم يلق ابن عباس، وقد خالفه الثقات، فرووا عن ابن عباس أن الوجه والكف ليسا بعورة.

وخرج الطبري عن محمد بن سيرين عن عبيدة في قوله ( قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ) قال: فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه ".

القول الخامس: التفريق بين الجميلة والذميمة:

قال ابن خويز منداد المالكي: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الرابع: لمن تبدي الأنثى زينتها:

القول الأول: الأعمام والأخوال يدخلون في المحارم على سبيل التأبيد:

كما أسلفنا، وبالتالي يصح إبداء الزينة الباطنة بالعرف أمامهم استدلالا بعموم قوله تعالى:{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) }[النساء]

والخطاب للذكر خطاب للأنثى، فيحرم على المرأة من النسب: أبوها وابنها وأخوها وعمها وخالها وابن أخيها وابن أختها، وكذلك الأمر في الرضاع. 

 إضافة إلى هؤلاء المذكورين في الآيات التالية:

القول الثاني: يُقتصر في إبداء الزينة على هؤلاء الأصناف الاثني عشر المذكورين في الآية:

وهي قوله تعالى :{ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}[]

فنحّى هؤلاء الأعمام والأخوال لعدم ذكرهما في الآية، والصواب إضافتهما، لأن الآية ليست لحصر الذات، وإنما لحصر الكمال، ومن المعلوم أن آي القرآن والسنة يكمل بعضها بعضا ويتممه ويفسره، لا يبطله،

وقد ذكر الله المحرمية في الأعمام والأخوال وذكرت السنة المحرمية في الرضاع كالنسب، كما قدمنا:

وإليك ذكر الأصناف الاثني عشر المذكورين في آية الزينة الأخيرة:

المطلب الأول: الصنف الأول: الزوج، وأحكام النظر والتعري بين الزوجين:

قال تعالى: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ}،

اختلف السلف في حكم التعري بين الزوجين، وفي المص واللحس:

القول الأول: تُبدي الزوجة كل زينتها لزوجها، وكذلك العكس، ويـتـعـرَّيان مطلقا بلا قيد، ويتلاحسان ويمتصان الفرج:

قالوا: وما شُرعت الزينة وكمال التمتع إلا في الزواج، فلِلمرأة أن تتعرى وتتصنع لزوجها مطلقا، ويَرَيَانِ يعضهما، لأنهما بمثابة اللباس لبعض، والمرأة حرثٌ للرجل.

قال بعض السلف:" أحب أن أتزين لزوجتي كما تتزين لي".

وقال ابن حبان في الثقات في ترجمة محمد بن حماد:" حدثنا مهران بن هارون حدثنا محمد بن حماد الطهراني قال: سمعت عبد الرزاق يقول: سُئل سفيان الثوري عن الرجل يضيق عليه فرج امرأته؟ قال: يُـوسّعه بأصبعه"،

قال:" وحكى الثوري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يوسعون بالدرهم الوصخ ".

وعن أصبغ بن الفرج أنه سأل ابن القاسم: أينظر الرجل إلى فرج امرأته إذا جامعها؟ قال: نعم!".

وخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة قال: سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: هل يفعل ذلك إلا كافر! قال روح: فشهدت ابن أبي مليكة يُسأل عن ذلك فقال: قد أردته من جارية لي البارحةَ فاعتاص عليّ، فاستعنت بدهن أو بشحم. قال: فقلت له، سبحان الله!! أخبرنا قتادة أنّ أبا الدرداء قال: هل يفعل ذلك إلا كافر! فقال: لعنك الله ولعن قتادة!".

وإنما لعنه لأنه عنده قد روى هذا الحديث المنكر والمدلّس عن ابي الدرداء.  

وقد خرجته بطرقه في كتاب: إتيان الأدبار".

وأما المص واللحس: فهو جائز معروف عند العرب كما في حديث سب العنصري:" فأعضوه بهن أبيه"،

وإذا جاز المص واللحس، جازت الرؤية أيضا:

لأن المرأة لباسٌ للرجل يرتديها ويلصقُها ببدنه، كما أنها حرث تؤتيه أنى شئت وكيف شئت.

قال ابنُ حزم في "المحلى" (10/ 33): وحلالٌ للرجل أَنْ ينظرَ إلى فرج امرأته، أو أمته التي يحل له وطؤها، وكذلك لهما أن ينظرا إلى فرجه، لا كراهية في ذلك أصلًا، برهان ذلك الأخبار المشهورة عن عائشةَ، وأُمِّ سلمةَ، وميمونة، أمهات المؤمنين رضي الله عنهُن أنهنَّ كُن يغتسلنَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الجنابةِ مِنْ إناء واحدٍ. وفي خبر ميمونة بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان بغير مئزر، لأن في خبرها أنه - عليه الصلاة والسلام - أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ على فرجه وغسل بشماله، فبطل بعد هذا أَنْ يلتفت إلى رأي أحدٍ، ومن العجب أن يبيح بعضُ المتكلفين من أهل الجهل وطء الفرج ويمنع من النظر إليه ويكفى من هذا قول الله -عَزَّ وَجَّلَّ- {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون / 5 - 6]".

ثم قال ابن حزم عن اللحس والمص والمخالطة للفرج :" أمر عزَّ وجلَّ بحفظ الفرج إلا على الزوجة وملك اليمين، فلا ملامة بين ذلك، وهذا عمومٌ في رؤيته ولمسه ومخالطته، وما نعلم للمخالف تعلقًا إلَّا بأثرٍ سخيفٍ، عن امرأةٍ مجهولةٍ".

وقال ابن العربي والقرطبي في تفسيرهما للآية:" وقد قال أصبغ من علمائنا: يجوز له أن يلحسه بلسانه".

وفي مختصر خليل وغيره:" وقد روي عن مالك: أنه قال لا بأس أن ينظر إلى الفرج في حال الجماع وزاد في رواية:" ويلحسه بلسانه"، وهو مبالغة في الإباحة ".

وقال محمد بن رشد في التحصيل: في أصل السماع عند السؤال عن نظر الرجل إلى فرج امرأته عند الوطء، قال: نعم ، ويلحسه بلسانه"،

قال:" فطرح العتبي بلفظه: ويلحسه"، لأنه استقبحه.

قال:" وفي كتاب ابن المواز ويلحسه بلسانه"، وهو أقبح،

ثم قال ابن رشد:" إلا أن العلماء يستجيزون مثل هذا إرادة البيان، وليلا يحرم ما ليس بحرام، فإن كثيرا من العوام يعتقدون أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته في حال من الأحوال.

قال:" وقد سألني عن ذلك بعضهم فاستغرب أن يكون ذلك جائزاً، وكذلك تكليم الرجل امرأته عند الوطء ، لا إشكال في جوازه ولا وجه لكراهيته ".

وقد استدل المبيحون للنظر وغيره بما يلي:

الدليل الأول: حث القرآن على مطلق التمتع بالأزواج من غير تقييد: والآيات في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لهُنَّ} [البقرة: 187]....

وقوله :{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }[البقرة 223]

الدليل 2/ حديث بهز:

صح عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي أو ما نذر؟ قال: " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمينك " قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال: " فإن استطعت أن لا يراها أحد " قال: قلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا قال: " فالله أحق أن يستحيا منه من الناس ".

قال الطحاوي في مشكله :" : ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحظر على الرجال ستر عوراتهم من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانهم".

دليل رابع: حديث سعد وعمارة:

قال هناد حدثنا عبدة عن الإفريقي عن سعد بن مسعود وعمارة بن غراب قالا: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم عثمانُ بن مظعون , فقال: يا رسول الله , ما أحب أن ترى امرأتي عورتي قال: «ولِــم؟ وقد جعلها الله لك لباسا وجعلك لها لباسا، لكن أنا يرى أهلي عورتي وأراها منهم» قال: أنتَ رسول الله قال: «نعم» فلما ولى قال رسول الله: «إن ابن مظعون لحيي ستير»،

تابعه يعلى بن عبيد واسماعيل بن عياش عن الإفريقي.

وأخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 394)، قال: أخبرنا محمد بن يزيد الواسطي ويعلي بن عبيد الطنافسي قالا: أخبرنا الإفريقي عن سعد بن مسعود وعمارة بن غراب اليحصبي أن عثمان بن مظعون ...

أعلوه بالإرسال والإفريقي: 

. أما الإفريقي فالأظهر أنه عبد الرحمان بن زياد الضعيف:  

. قال الحارث بن محمد بن أبي أسامة: ثنا إسماعيل بن أبي إسماعيل ثنا إسماعيل بن عياش عن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود الكندي: أن عثمان بن مظعون أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... لكن اسماعيل الأول المؤدب ضعيف، والثاني مختلط.

وخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن يحيى بن الْعَلَاء عَن ابْن أنعم ويحيى متهم لا عبرة به.

وكذلك رواه عيسى بن يونس: حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عمارة بن غراب وسعد بن مسعود.

وفي طبقته ولقبه معا: عبيد الله بن زحر الافريقي، مختلف فيه، وهو صدوق، معروف الرواية عن سعد بن مسعود الصدفي أيضا: 

قال البخاري في ترجمة سعد:" وقال لي عثمان عن بكر ابن مضر عن ابن زحر أن سعد بن مسعود، من أهل حمص ".

وروى يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن سعد بن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس ؟

وروى بكر بن مضر عن عبيد الله بن زحر عن سعد بن مسعود عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليت شعري، كيف أمتي حين يتبختر رجالهم، ويمزح نساؤهم ...".

. وأما الإرسال: فقد قالوا: سعد وعمارة تابعيان:

أ: فأما عمارة بن غراب فقد أخطأ من زعم أنه صحابي، وقد قال أحمد بن حنبل: ليس بشيء، وقال ابن حبان: يُـعتَبر حديثُه من غير رواية الإفريقي عنه أي كهذا الحديث، فإنه من روايته عنه ،

ب: لكن معه سعد بن مسعود يقويه، وقد اختلفوا فيه وفي صحبته:

. ففي رواية يحي بن العلاء: أنه سعد الليثي، لكن الرواي له يحيى متهم.

. وقال أبو حاتم: هو تابعي، ونقل البخاري: أنه التجيبي والكندي، وقيل: حمصي "،

وهو صدوق فاضل، قال ابن يونس: كان عمر بن عبد العزيز بعثه إلى إفريقية يفقه أهلها في الدين، وكان رجلاً صالحاً، أَسْنَدَ حديثاً واحداً "، وقال أبو بكر المالكي:" كان رجلا فاضلا مشهورا بالدين والفضل، قليل الهيبة للملوك في حق يقوله "، وكذلك وثّقه ابن حبان، وجهّله البزار. 

. وقال ابن حجر في الصحابة:" قال ابن حبّان: له صحبة، هكذا في «التجريد»، ولم يذكره ابن حبان في الصّحابة، وإنما ذكر ذلك في ترجمة سعيد بن صفوان من طبقة التابعين، وأظن أنه الكنديّ، وذكر ابن أبي حاتم في ترجمته أنه روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وعبد الرّحمن الإفريقي، وهو ابن أنعم المذكور في ترجمة الكنديّ ".

وذكر ابن أبي حاتم في ترجمته أنه روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وعبد الرّحمن الإفريقي، وهو ابن أنعم المذكور في ترجمة الكنديّ ".

وقيل: هو سعد بن محيصة بن مسعود الأنصارى الصحابي.

دليل خامس: حديث ابن عمر في النهي عن التعري إلا ما بين الأزواج:

خرج الترمذي 2800 حدثنا أحمد بن محمد بن نيزك البغدادي: حدثنا الأسود بن عامر حدثنا أبو محياة عن ليث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم»

قال:" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأبو محياة اسمه: يحيى بن يعلى ".

وقد ورد عن ليث من وجه آخر:

دليل سادس: دليل سابع: زيد:

خرجه الدقاق في الرؤية وابن بشران في الأمالي (714) والبيهقي في "شعب الإيمان" 6/ 146 (7739) من طريق سليمان بن النعمان ثنا الحسن بن أبي جعفر ثنا ليث عن محمد بن عمرو عن أبيه عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ألم أنهكم عن التعري، إن معكم من لا يفارقكم في نوم ولا يقظة، إلا حين يأتي أحدكم أهله، أو حين يأتي خلاءه، ألا فاستحيوها ألا فأكرموها".

ليث مضعف بسبب الاختلاط.

دليل سابع: رواية مجاهد والاختلاف عنه:

1/ خرج البزار كما في "كشف الأستار" (317)، والسراج كلاهما عن محمد بن عثمان –بن كرامة- ثنا عبيد الله بن موسى عن حفص بن سليمان -المكتب- عن علقمة بن مرثد عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله ينهاكم عن التعري، فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم، الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط والجنابة والغسل فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه، أو بخذمة حائط، أو ببعيره ".

قال البزار:" لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وحفص لين الحديث، وقد روي عنه، واحتمل حديثه ".

تعقبه الهيثمي فقال في المجمع:" جعفر بن سليمان من رجال الصحيح وكذلك بقية رجاله والله أعلم"،

لكن حفص غير جعفر، وحفص بن سليمان هو أبو عمرو المقرئ الثبت المعروف عن عاصم، فكأنه تصحف في طبعة المعجم، وإلا فإن الهيثمي وثق حفصا في عدة مواطن كما هنا، وقال الهيثمي في "المجمع" 4/194: فيه حفص بن سليمان القارئ، ثقه"، وقال مرة:" وفيه حفص بن سليمان وثقه أحمد وضعفه جماعة كثيرون"، وقال مرة:" وثقه أحمد وابن حبان "، وقال مرة:" وفيه حفص بن سليمان الأسدي وهو متروك ونقل عن وكيع أنه قال فيه : ثقة "، وقال:" وثقه وكيع وغيره"، وقال الخطيب:" وكان المتقدمون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش"، وأثنى عليه محمد بن عوف.

 لكن أهل الحديث ضعفوه في الحديث، منهم البخاري وأبو حاتم وابن معين وابن خراش والنسائي والساجي، واختلف قول أحمد فيه.  

وقد تابعه سفيان الثوري:

قال الدارقطني:" وروى عن الثوري عن علقمة بن مرثد عن مجاهد عن بن عباس..". ولا يصح واحد منهما ". 

لكن هذه الرواية المتصلة تقويها رواية حفص الأولى، وقد وردت مرسلة:

2/ ورواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3408 (19177) من طريق وكيع عن سفيان ومسعر عن علقمة بن مرثد عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا.

قال الدارقطني:" والصحيح عن علقمة بن مرثد عن مجاهد. اهـ.

3/ وخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 328 (538) عن الدارقطني في العلل (8/ 232) من طريق أحمد بن عبدة عن زياد البكائي عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن مجاهد عن أبي هريرة وقال إن شاء الله رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التعري فإن الكرام الكاتبين لا يفارقان العبد إلا عند الخلاء، وعند خلوة الرجل بأهله ".

دليل ثامن: حديث عائشة ولم يصح:  

قال الطحاوي في مشكل الآثار 1384 - حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد الشجري حدثني يحيى بن محمد بن عباد حدثني ابن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: " قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع عليه الباب، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا، والله ما رأيته عريانا قبله، فقبله واعتنقه ".

يحتمل أنه أراد انكشاف العروة المخففة، لا المثقلة، وإلا فهو منكر، إذْ كيف يقوم النبي عليه السلام لضيفه وهو عريان، وآفة الحديث يحيى بن محمد قال عنه الساجي والعقيلي:"  في حديثه مناكير وأغاليط وكان ضريرا فيما بلغني أنه يلقن "، ثم ذكر من منكراته هذا الحديثَ ثم قال:" لا يُعرف إلا به"، وأما أبوه إبراهيم فمختلف في توثيقه. 

الدليل 9: في الصحيحين عن عائشة:" كنتُ أغتسلُ أنا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إناءٍ بيني وبينه واحدٍ، تختلف أيدينا فيه، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان ".

قال الحافظ في "الفتح" (1/ 364): استدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه،

قال:" ويؤيده ما رواه ابنُ حبان من طريق سليمان بنِ موسى، أنَّه سُئِل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته؟ فقال: سألتُ عطاءً، فقال: سألتُ عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه. وهو نص في المسألة. والله أعلم. اهـ.

2/ القول الثاني: لا يتعريان ولا يريان بعضهما مجرّديْن، ولا يمتصان، لأن ذلك مستقبح:  

الدليل الأول: قال البزار - حدثنا بشر بن آدم: حدثنا ابن رجاء حدثنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء الحجرات، وما رئي عورته قط".

قال:" وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه متصل بأحسن من هذا الإسناد"، قال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات".

هذا الحديث حجة عليهم، لأنه صريح بأنه لم يَرَ عورته عليه السلام أجنبي قط، لأنه كان يغتسل من وراء الحجرات، وأما زوجاته فلسْن أجانب، بل كن يُقمن معه داخل الحجرات ويغتسلن معه كما في الصحيحين.

دليل2/ رواه سفيان واختلفوا  عنه:

أ. رواه عبد الرزاق 10469 - عن الثوري عن عاصم عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردان تجرد العيرين».

تابعه الثقات عن عاصم، ورواه آخرون عن عاصم عن عبد الله ولم يصح.

ب: ورواه يوسف بن أسباط: حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن جحادة عن قتادة عن أنس عن عائشة قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط"، قال: كذا قال لنا الثوري، وما كتبته إلا عنه "،

يشير إلى ان الثوري هو الذي اضطرب في هذا الحديث.

ت: قال إسحاق 1038 - أخبرنا الملائي نا سفيان عن منصور عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن مولاة عائشة عن عائشة، قالت:" ما نظرت إلى فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قالت: ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم"، تابعه أبو نعيم:

. ورواه وكيع عن سفيان: عن مولى لعائشة، بدل مولاة.

ففيه اضطراب، إضافة إلى أن هذه المولاة مجهولة، ولا يدرى هل سمع منها موسى، وقد أتت بخبر منكر سخيف كما قال ابن حزم.

ث: بينما رواه محمد بن يونس الكديمي متهم ثنا خالد بن عبد الرحمن المخزومي ثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء غطى رأسه , وإذا أتى أهله غطى رأسه» قال ابو نعيم: تفرد به عن الثوري، خالد وعلي بن حيان المخزومي "

وقد رواه علي بن حيان الجزري، ثنا سفيان الثوري عن هشام به.

قال البيهقي:" وهذا الحديث أحد ما أنكر على محمد بن يونس الكديمي، أخبرنا أبو سعد الماليني، أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ في هذا الحديث: لا أعلمه رواه غير الكديمي بهذا الإسناد، والكديمي أظهر امرئ أن يحتاج إلى أن يبين ضعفا"، لأن الكديمي متهم معروف.  

. فإن قيل: قد تابعه ابن كامل عن زيد بن الحسن حَدَّثَنَا مالك بن أنس عَنِ ابن شهاب عن عروة عن عائشة.."، والجواب أن هذا الحديثَ باطلٌ من حديث مالك تفرد عنه زيد وهو منكر الحديث.

قال الدارقطني: محمد بن كامل وزيد بن حسن ضعيفان، وَلا يصح هذا عن مالك، وَلا عن الزهري".

وقال ابن القيسراني:" غَرِيب من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنهُ عَنْهَا، وغريب من حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ، تفرد بِهِ زيد بن الْحسن المَقْبُري عَنهُ، وَلم يروه عَنهُ غير مُحَمَّد بن كَامِل بن مَيْمُون".

دليل 3/ خرج أبو الشيخ في الأخلاق 690 - أخبرنا أبو يعلى نا مجاهد بن موسى نا محمد بن القاسم الأسدي نا كامل أبو العلاء عن أبي صالح أراه عن ابن عباس قال: قالت عائشة رضي الله عنها : ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه إلا متقنعا، يرخي الثوب على رأسه ، وما رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا رآه مني ".

قال الألباني في الضعيفة:" وهذا إسناد موضوع، آفته الأسدي هذا كذبه أحمد وقال:" أحاديثه موضوعة، ليس بشيء "، وأبو صالح هو باذام و هو ضعيف.

و الشطر الثاني من الحديث قد روي من طريقين آخرين و لكنهما واهيان كما بينته في آداب الزفاف ( ص 32 - الطبعة الثانية ) وذكرت هناك عن عائشة نفسها ما يدل على بطلانه ".

دليل 4/ حديث ابن مسعود:

قال ابن أبي شيبة: حدثنا مالك بن إسماعيل ثنا مندل عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردان تجرد العيرين".

قال البيهقي في السنن (7/313):" تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي "،

وقال البزار: أخطأ فيه مندل. وذكر شريك أنه كان هو ومندل عند الأعمش، فحدثهم عاصم الأحول عن أبي قلابة بهذا الحديث مرسلا.

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: أَخْطَأَ فِيهِ مِنْدَل".

وروى العقيلي في "الضعفاء" (4/267) ، وابن عدي في "الكامل" (6/456) ، والبيهقي في "الشعب" (7405) من طريق الحسن بن أبي القاسم قال: ذكرنا لشريك حديث مندل ... فقال: كذب، أنا أخبرتُ الأعمش عن عاصم، عن أبي قلابة.

وكذلك رواه سائر الثقات عن عاصم عن أبي قلابة مرسلا وهو الأولى، ليس فيه لابن مسعود أصل.

وقد روى ليث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها"، وهذا أولى.

وفيه جواز النظر للزوجة، وتحريم النظر لأمها، لأن الجمع بينهما في الزواج أو اللذة حرام،

. وقد شذ بعضهم فجعل الحديث السابقَ عن عاصم عن ابن سرجس كما في:

5/ حديث ابن جريج والاختلاف بين زهير وبقية:

أ: أما رواية زهير: فقد رواها عَمرو بنُ أبي سلمةَ أبوحفصٍ التِّنيسيُّ: حدثنا صدقةُ بنُ عبدِ اللهِ حدثني زهير عن ابنِ جُريج عن عاصمٍ الأحولِ عن عبدِ اللهِ بنِ سَرْجسَ أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: «إِذا أَتى أَحدُكم أَهلَه فلْيُلقِ على عَجزِهِ وعَجزِها ثوباً، ولا يتجرَّدانِ تجرُّدَ العيرَينِ».

قال أبو طاهر المخلص:" كَذا رَواه عديُّ بنُ الفضلِ عن عاصمٍ الأحولِ عن عبدِ اللهِ بنِ سَرْجسَ عن رسولِ اللهِ "، وعدي متروك لا عبرة به.

وأما الطريق الأول: فقد خرجه النسائي 9029 من غير ذكر ابن جريج، بل رواه من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم قال نا عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن عبد الله عن زهير بن محمد عن عاصم الاحول عن عبد الله سرجس "، ثم قال النسائي:

"هذا حديث منكر، وصدقة بن عبد الله ضعيف، وإنما أخرجته لئلا يجعل عمرو عن زهير "،

وزهير أيضا له مناكير، فبطل الحديث.

والصواب ما رواه الثقات عن عاصم عن أبي قلابة مرسلا.

ب: وأما رواية بقية عن ابن جريج: فهي من وجه آخر:

فيها أن النظر للفرج يورث العمى:   

خرج البيهقي في السنن (7/153) عن يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي حدثنا هشام بن عمار حدثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا ينظرن أحد منكم إلى فرج زوجته ولا فرج جاريته إذا جامعها؛ فإن ذلك يورث العمى".

حسنه ابن الصلاح وحده، ووهم، فقد ضعفه الحفاظ، بل وجعلوه موضوعا:

نقل البيهقي عن أبي أحمد بن عدي الحافظ قال:" يشبه أن يكون بين بقية وبين ابن جريج بعض المجهولين أو بعض الضعفاء، إلا أن هشام بن خالد قال: عن بقية حدثني ابن جريج ".

قال ابن عدي حدثنا ابن قتيبة حدثنا هشام بن خالد حدثنا بقية حدثني ابن جريج. فذكره بمعناه.

فكأن ابنَ عدي لم يعتد برواية السماع لأنها وهْم من هشام بن خالد، ثم إن بقية معروف بتدليس الشيوخ والإسناد والتسوية، فيكون قد أسقط شيخ ابن جريج فيه، الذي لم يسمعه من عطاء،

. وإنما هو من رواية ابن جريج عن عاصم عن أبي وائل مرسلا كما مر:

ولذلك عدّه ابن حبان وابن الجوزي في الموضوعات ثم قال:" قال أبو حاتم بن حبان: كان بقية يروى عن كذابين وثقات ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه، فيشبه أن يكون سمع هذا من بعض الضعفاء عن ابن جريج ثم يدلس عنه "، قال: وهذا موضوع".

وقال ابن حبان:" وهذا يمكن أن يكون بقية سمعه من بعض شيوخه الضعفاء، عن ابن جريج فدلسه"،

وقال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عنه فقال: موضوع، وبقية مدلس "،

وكذلك قال السيوطي والألباني وغيرهما.

والصواب عن ابن عباس: ما رواه ابن رجاء حدثنا إسرائيل عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء الحجرات وما رئي عورته قط".

وقد مر أنه في عدم رؤية الأجانب له، لا الزوجات.

6/ روى الخليلي في الفوائد والأزدي عن إبراهيم الفريابي ثنا محمد بن عبد الرحمن القشيري ثنا مسعر ثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جامع أحدكم أهله فلا ينظر إلى الفرج؛ فإنه يورث العمى، وإذا جامع أحدكم فلا يكثر الكلام فإنه يورث الخرس»،

وهذا باطل غريب، أنكره الأزدي والحفاظ.

وقال الخليلي: لم يروه عن مسعر إلا محمد هذا، وهو شامي يأتي بالمناكير عنه، وعن غيره"،

وإبراهيم ساقط كما قال الأزدي.

وخرج الطبراني في مسند الشاميين (230) حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي: حدثنا أيوب بن محمد الوزان: حدثنا الوليد بن الوليد: حدثنا ابن ثوبان، عن يحيى بن الحارث عن القاسم أنَّ رجلاً قالَ لأبي هريرةَ: إنَّ رجالاً يُعرونَ نساءَهم يأمرونَهن يَمشينَ بينَ أَيديهم، ثم قالَ: سمعتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «لو استطعتُ لأَخفيتُ عورَتي مِن شِعارِي».

وهو حديث موضوع.

7/ وأما تحريمهم للمص واللحس والرؤية: بدعوى أن هذا أمر مستقبح، فالجواب أنه مستقبح في عقولهم، بينما هو لذيذ مستطاب في عقول غيرهم، وفيه شهوة زائدة وتنوع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: الصنف الثاني: محارم  المرأة:

اخلتف السلف في العم والخال، هل هما من المحارم الجائز التكشف أمامهم؟

القول الأول: ليسوا من المحارم الذين تتكشف أمامهم، وإنما محارمها هم المذكورون في قوله تعالى: { أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ }

قالوا: فهؤلاء فقط هم محارم المرأة الذين يجوز لها أن تظهر عليهم بزينتها، على حسب العرف، من غير اقتصاد وتبهرج كما هو قول جماعة.

القول الثاني: يدخل الأعمام والأخوال في المحارم، لما ذكرناه في الآية سابقا، وآي القرآن يتمم بعضها بعضا وبفسره، وهو قول الجمهور.

لأن الأدلة الشرعية قد دلّت على أن الحرمة المؤبدة بسبب نسب أو مصاهرة أو رضاع إنما هي أمور متلازمة مع جواز الخلوة، وهذا ما ينطبق على الأعمام والأخوال كغيرهم بلا فرق:

لحديث عائشة رضي الله عنها في شأن استئذان أفلح أخي أبي القعيس فقال لها: " ائذني له فإنه عمك تربت يمينك".

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم"، 

ولما روى أبو داود عن الشعبي وعِكْرمَة في هذه الآية: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } حتى فرغ منها قال: لم يذكر العم ولا الخال؛ لأنهما ينعَتان لأبنائهما ..".

ولذلك قال القرطبي:" والجمهور على أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم".

وقال البيهقي في الآداب:" فَالزَّوْجُ مَحْرَمٌ لِلْمَرْأَةِ مَا دَامَا عَلَى النِّكَاحِ، وَكُلُّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ مَحْرَمٌ لَهَا، وَيَدْخُلُ فِي هَؤُلَاءِ أَعْمَامُهَا وَأَخْوَالُهَا. وَفِي قَوْلِهِ: {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور: 31] ، تَنْبِيهٌ عَلَى الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ"

المطلب الثالث: الصنف الثالث: النساء وإبداء الزينة بينهنّ:

هل هن نساؤهن من بني جنسهن، أو من بني دينهن؟

القول الأول: جواز إبداء الزينة للمسلمات فقط:

قال ابن كثير:" قوله: { أَوْ نِسَائِهِنَّ } يعني: تُظهر زينتها أيضًا للنساء المسلمات دون نساء أهل الذمة؛ لئلا تصفهن لرجالهن، وذلك -وإن كان محذورًا في جميع النساء -إلا أنه في نساء أهل الذمة أشدّ، فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع، وأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام فتنزجر عنه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأةَ المرأةَ، تنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها". أخرجاه في الصحيحين، عن ابن مسعود.

وقال مجاهد في قوله: { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قال: نساؤهن المسلمات، ليس المشركات من نسائهن، وليس للمرأة المسلمة أن تنكشف بين يدي المشركة.

1/ وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نُسَيّ عن أبيه عن الحارث بن قيس قال: كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة: أما بعد، فإنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك، فانْهَ مَنْ قِبَلَك فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها ".

وروى عَبد في تفسيره عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: { أَوْ نِسَائِهِنَّ } ، قال: هن المسلمات لا تبديه ليهودية ولا نصرانية، وهو النَّحْر والقُرْط والوٍشَاح، وما لا يحل أن يراه إلا محرم.

القول الثاني: جواز الإبداء لمطلق النساء من بني جنسهن بالمعروف:

لمطلق قوله تعالى:{أو نسائهن}، أي من بني جنسهن، وقد تبعت الآية السياق والسجع في الانتهاء ب "هن".

1/ روى ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو عمير حدثنا ضَمْرَة قال: قال ابن عطاء عن أبيه: ولما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، كان قَوَابل نسائهم اليهوديات والنصرانيات ".

فإن قال قائل:

المرأةُ الكافرةُ قد تصف المسلمةَ للرجال، خاصة في هذا الوقت، فلربما تصورها وقد تنشر صورتها، خاصة تلك التي في الحمامات،

والجواب: أن الكثير من المسلمات الفاسقات يفعلن ذلك خاصة الآن، بل وبصورة أكثر من المشركات والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الرابع: الصنف الرابع: ملك اليمين، وإبداء الزينة بينهم:

قيل: هنّ الإماء الجواري من النساء فقط، وقيل: يدخل معهن العبيد الذكور. 

القول الأول: هن الإماء من المشركات أو المسلمات، وأما عبيد الذكور فلا يصح دخولهم على المرأة.

قال سعيد بن المسيب: لا تغرنكم هذه الآية" أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ" إنما عنى بها الإماء ولم يعن بها العبيد. وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته. وهو قول مجاهد وعطاء".

القول الثاني: يدخل عبيدها ولَوْ كانوا من الرجال: وهو قول الجمهور،

قال أشهب: قال مالك: ليس بواسع أن تدخل جارية الولد أو الزوجة على الرجل المرحاض، قال الله تعالى:" أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ". وقال أشهب عن مالك: ينظر الغلام الوغد إلى شعر سيّدته، ولا أحبه لغلام الزوج.

ومن أدلتهم:

1/ ما رواه أبو داود: حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمةَ بعبد قد وهبه لها. قال: وعلى فاطمة ثوب إذا قَنَّعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطّت به رجليْها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: "إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك".

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه من ترجمة حُدَيْج الخَصِيّ -مولى معاوية -أن عبد الله بن مَسْعَدَة الفزاري كان أسود شديد الأدمة، وأنه قد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهبه لابنته فاطمة، فربته ثم أعتقته، ثم قد كان بعد ذلك كله مع معاوية أيام صفين، وكان من أشد الناس على عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه ".

2/ وروى غير واحد عن سفيان بن عُيَيْنَة عن الزهري عن نَبْهَان عن أم سلمة ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان لإحداكن مُكَاتَب، وكان له ما يؤدي، فلتحتجب منه".

ويُفهم منه أن العبد إذا لم يكن مكاتبا بل باقيا في الرق، فإنه لا يحتجب عن سيدته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الخامس: الصنف الخامس: الأطفال الغير مميزين:

لقوله تعالى: { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء }

قال القرطبي:" يعني: لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم، وتَعَطُّفهن في المشية وحرَكَاتهن، فإذا كان الطفل صغيرا لا يفهم ذلك، فلا بأس بدخوله على النساء. فأما إن كان مراهقا أو قريبا منه، بحيث يعرف ذلك ويدريه، ويفرق بين الشوهاء والحسناء، فلا يمكن من الدخول على النساء.

وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم والدخول على النساء". قالوا: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".

المطلب السادس: الصنف السادس:  أبناء الأزواج وإن سفلوا:

لقوله تعالى: (أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ) قال القرطبي:" يريد ذكور أولاد الأزواج، ويدخل فيه أولاد أولادهم وإن سفلوا، من ذكران كانوا أو إناث، كبني البنين وبنى البنات.

ويدخل في المحرمية آباء البعولة والأجداد وإن علوا من جهة الذكران لآباء الإباء وآباء الأمهات، وكذلك أبناؤهن وإن سفلوا. وكذلك أبناء البنات وإن سفلن، فيستوي فيه أولاد البنين وأولاد البنات. وكذلك أخواتهن، وهم من ولده الإباء والأمهات أو أحد الصنفين. وكذلك بنو الاخوة وبنو الأخوات وإن سفلوا من ذكران كانوا أو إناث كبني بنى الأخوات وبنى بنات الأخوات. وهذا كله في معنى ما حرم من المناكح، فإن ذلك على المعاني في الولادات وهؤلاء محارم، وقد تقدم في [النساء «1»]".

المطلب السابع: الصنف السابع: من لا إرب له بالنساء ولا يتشهيهن: كالمخنث والعنين والمجبوب وضعيف العقل:

وبيانهم في هذا الفصل التالي:  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل الثالث: تفسير أولي الإربة وأنواع المخنثين:

قال تعالى:{ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ }[النور 31]

ورد عن ابن عباس أنه قال: «هو الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في العقل، لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن»، وقال الشعبي: «هو الذي ليس له أرب أي حاجة في النساء»، وقاله طاوس، والحسن.

المبحث الأول: أنواع المخنثين:

إن التخنث على نوعين:

النوع الأول: المتشبه الكسبي (المخنث):

بمعنى أن يخلقه الله ذكرا فيتشبه بالأنثى، أو العكس، أو يغير جنسه، وهذا الصنف ملعون، وذنبه من كبائر الذنوب، وله حكم أصله فقط، ولا يدخل في هذه الآية أبدا. 

صح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَتَشَبَّهْنَ بِالرِّجَالِ».

ويدخل فيه الذي يُفعل فيه اللواط، فإنه ملعون يجب معاقبته. 

النوع الثاني: الخنثى الطبيعي:

هو الذي خلقه الله تعالى كذلك، بلا إرادة منه ولا كسبٍ منه، وهذا الصنف لا ذنب له، ولا عليه، لأنه مريض أعطاه الشارع كل حقوقه، بناءً على معرفة جنسه كما  سنبين، عدا الدخول على النساء، فإنه يدخل عليهن ولا يحتجبن منه، لأنه داخل في عموم قوله تعالى :{ أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال } قال ابن كثير:" يعني: كالأجراء والأتباع الذين ليسوا بأكفاء، وهم مع ذلك في عقولهم وله وخوث، ولا همَّ لهم إلى النساء ولا يشتهونهن".

قال ابن عباس: هو المغفل الذي لا شهوة له.

وقال مجاهد: هو الأبله.

وقال عكرمة: هو المخنث الذي لا يقوم زبُّه. وكذلك قال غير واحد من السلف ".

قال البخاري:" قال طاوس: «الأحمق لا حاجة له في النساء».

وهذا الصنف على تقاسيم وأنواع:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الثاني: أحكام المخنثين طبيعيا وأقسامهم:

المطلب الأول: أقسام المخنثين:

التقسيم الأول: من حيث نقل تفاصيل هيأة الأنثى للذكر أو العكس:

فمن نقل الهيأة بالتدقيق فهو صنف أجنبي يُمنع دخوله على الأنثى أو التكشف أمامه:   

ورد في الصحيح من حديث الزهري عن عروة، عن عائشة؛ أن مخنثا [يقال له هيت] كان يدخل على أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينعت امرأة يقول: إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان [مع ثغر كالأقحوان، إذا قعدت تبنت، وإذا تكلمت تغـنّت]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أرى هذا يعلم ما هاهنا، لا يدخلن عليكن" فأخرجه، فكان بالبيداء يدخل يوم كل جمعة يستطعم"

التقسيم الثاني: من حيث وجود الشهوة من عدمها، وتفسير العنين:

من وجد الشهوة من غير أولى الإربة، أو كان ينقل تفاصيل الهيأة لغيره، فهو أجنبي، ومن ليس لديه شهوة ولا هو ناقل، فله الدخول لعموم الآية:

قال أشهب: سئل مالك أتلقى المرأة خمارها بين يدي الخصى وهل هو من غير أولي الإربة ؟ فقال نعم، إذا كان مملوكا لها أو لغيرها، وأما الحر فلا. وإن كان فحلا كبيرا وغدا تملكه، لا هيئة له ولا منظر فلينظر إلى شعرها". ويدخل فيه:

العِنّين:

وهو العاجز عن الوطء تماما، فلا ينتصب ذكره، وقيل: يعرض، أي يعن له الجماع والشهوة لكن لا يستطيع الجماع، وقد يمني.

وهذا فيه قسمان: يشتهي ولا.

فأما من كان يتشهى فالأحوط مجانبته للنساء، وأما من عدم الشهوة فله الدخول عليهن، لأن عموم الرخصة تدل على جواز دخوله على النساء كما قال ابن العربي في أحكام القرآن:" الذي لا يقوم له شيء، وهذا له حكم المجبوب ".

التقسيم الثالث: من حيث حجم ووجود العضو الذكري والخصية من عدمهما:

القسم الأول: الخصي:

المخصي من لا خصية له، لكن يستطيع الجماع بلا إمناء، فهذا أجنبي كالرجل العادي.

القسم الثاني: الخنثى: وله أنواع كثيرة بيانها في:  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: أقسام الخنثى من حيث معرفة جنسه، وحكم العمليات الجراحية المتعلقة بذلك وأنواعها:

هنالك فرق كبير بين تحويل الجنس أو تعديله، وعملياتِ التجميل، والفرق بين التغيير الجنسي والتعديل الجنسي والتصحيح الجنسي، وهذا الفرق ناتج عن معرفة أحوال المخنثين من حيث الجنس:

الحالة الأولى: المتخنث كسبيا، وهو المتشبه، وحكم (التغيير الجنسي) لِـخـِلْقته وجنسه:

وذلك كالذكر المتشبهِ يتحول إلى أنثى، أو العكس، فهذا الفعل من كبائر الذنوب المغلظة، لأنه تشبه وتخنث وتغيير لخلق الله تعالى، وهو ما يسمى ب (التغيير الجنسي).   

الحالة الثانية: الخنثى المحقق، وحكم (التعديل الجنسي):

إذا تحققنا بكونه ذكرا، بعلامات الذكورة الآتية، كمكان البول والهرمونات وميول الخنثى...، وبان بأنه ذكر، لحق بحكمه، وأخذ كل حقوقه كذكر، ولا يحل تحويله إلى أنثى.  

وإنما يجوز له تغيير ما يبدو عليه من ملامح الأنثى إلى الذكر، كتصغير الثدي وتناول الهرمونات الذكرية، وعمليات التعديل التجميلية ...الغير الضارة، لأن في ذلك إرجاعا للشيء إلى أصله، لا تغييرا له، وهو ما يسمى ب (التعديل الجنسي).

وهكذا من تُحُقق بكونها أنثى لحق بحكمها، وأخذت كل حقوقها كأنثى، وجاز لها قطع عضوها الذكري ونتف شعرها وما يشبه ذلك، لأنه تشوهٌ خارج عن الأصل، وعليه:

فعملية التجميل أو تناول الهرمونات الأنثوية، إنما ذلك إرجاع للأصل، لا تغيير للخلقة.

وذلك مثلا كمن له عضو أو أصبع زائد، فيجوز له التخلص منه، لأنه زائد عن الأصل، لا تغيير للأصل... 

وعليه: فمن بانت بأنها أنثى، فلها كل أحكام الأنثى من حجاب وحيض وميراث وزواج... كما سنبين.

الحالة الثالثة: الخنثى المُشكل، وحكم (التصحيح الجنسي)، وتعديله:

من الخناثى من تظهر فيه علامات الذكورة أو الأنوثة في وقت مبكر، ومنهم من لا يظهر أمرهم إلا عند البلوغ، فمن بانت فيه علامات جنس معينٍ لحق بحكمه، وصار خنثى محققا.

وأما من لم يَبِنْ منه شيء من العلامات، ولا تغلّبت عليه، فهو الخنثى المشكل:

لكن: هل يمكن أن تستوي العلامات في شخص؟

وإن تساوت فهو الخنثى المشكل حقا.

والأظهر أن يُنتظر به البلوغ، لإمكانية تغلب أحد العلامات على الأخرى، وإجراء تحاليل طبية أدق، ظاهرة وباطنة كما سنبين،

فمن الظاهرة التي تحدث مع البلوغ: الإمناء: فمن أمنى من ذَكره فهو ذكر، وإن حاض أو تفلك ثديه فهو أنثى، وكذلك إن كان لديه مبايض ورحم، أو حمل،

وأما إن حدثوا معا، فيُنظر في ميوله ورغبته، ليُبنى الحكم على ذلك، كما سنذكر.

وأما الباطنة: فهي التحاليل الطبية، وقد قَلَّ أو انعدم في هذا الزمان عدم التمييز بين الذكر والأنثى في حالة الخنثى، بسبب التطور العلمي الكبير، خاصة بعد البلوغ. 

فمن بان منه أكثر العلامات بأنه ذكر فله حكم الذكور، ويجوز له أن يُعدل خلقته (التعديل الجنسي) أو يرجع خِلقته إلى طبيعتها وأصلها، وهو ما يسمى ب (التصحيح الجنسي) ، وكذلك الأمر في الأنثى.

  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: علامات معرفة جنس الخنثى المشكل والمجبوب :

أما المجبوب: فهو من وُلد بلا عضوٍ، وهذا الذي له أحكام غير أولي الإربة في الآية.  

وأما مقطوع العضو: فهو أمر طارئ، لذلك فهو ذكر لا يدخل في الآية.

فإن عدم الشهوة دخل على النساء وإلا فلا. 

وأما الخنثى المشكل: فهو الذي له فرجان، ذكري وأنثوي، فبم يُلحق وكيف يُعرف؟.

يعتقد الكثير من الأولياء بأن لهم الحق في تحديد جنس ابنهم الخنثى، وقد يُجبران ولدهما على جنس معين مخالف لخِلقته، فيحدث ذلك فيه أثرا نفسيا رهيبا، بل قد ينتهي بهم الأمر إلى التبرإ من أمره أو طرده للشارع لينال منه الفساق، وكل ذلك حرام. 

لأنه لا حق للوالدين بتحديد جنس الخنثى شرعا ولا طبا، خاصة إذا بلغ.

وإنما مَن له الحق في ذلك هو الشرع ثم الطبّ، وذلك عن طريق ظهور العلامات التالية التي هي من وضع الشارع الحكيم: 

فمن بانت فيه علامات جنس معين لحق بحكمه، وصار خنثى محققا، لا يحل له ولا لوالديه ولا لغيرهما أن يغيرا جنسه، ولا أن يعطياه هرمونات ذكرية بينما هو أنثى، ليجعلاه ذكرا، ولا العكس، بل إن ذلك يُحدث فيه سرطانا جلديا لن يزيله إلا تناول الهرمونات المناسبة لجنسه كما أثبت الأطباء والتجارب والله المستعان.

وأما العلماء فقد اختلفوا فيه، هل يُلحق بالذكر أم الأنثى في الميراث وغيره:

ثم ذهبوا لتحديد جنسه بالعلامات التالية:

العلامة الأولى: تحديد الجنس بمكان البول:

1/ فمن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل، وله أحكام الرجل.

2/ وإن بال من حيث تبول المرأة ورث ميراث المرأة، وأخذ حكمها، وهو قول العامة.

وفي الحالتيْن يبقى له أحكام الخنثى غير أولي الإربة.

قال الدردير:" ثم ذكر ما يزول به إشكال الخنثى من العلامات الدالة على أنوثته أو ذكورته بقوله: (فإن بال) الخنثى (من واحد) من فرجيه دون الآخر فلا إشكال فيه إذ بوله من ذكره دليل على ذكورته وبوله من فرجه دليل على أنوثته ". 

3/ إن بال منهما معا: فالنظر إلى الأسبقية: قال القرطبي: فإن بال منهما معا فالمعتبر سبق البول، قاله سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق. وحكي ذلك عن أصحاب الرأي.."، وسعيد بن المسيب .

قال أشهب في المدونة: قلت: أرأيت الخنثى ما قول مالك فيها، أينكح أم تنكح أم تصلي حاسرة عن رأسها أم تجهر بالتلبية أم ما حالها؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئا وما اجترأنا على شيء من هذا. قلت: فهل سمعته يقول في ميراثه شيئا؟ قال: لا ما سمعناه يقول في ميراثه شيئا، وأحب إلي أن ينظر في مباله فإن كان يبول من ذكره فهو غلام، وإن كان يبو من فرجه فهي جارية؛ لأن النسل إنما يكون من موضع المبال وفيه الوطء فيكون ميراثه وشهادته وكل أمره على ذلك ".

4/ فإن بال منهما معا في نفس الوقت: ففيه خلاف:

قيل: هو نصف ذكر ونصف أنثى، فيرث نصيبا لأنه أنثى أو نصف ذكر، ويرث الربع أي نصف نصيب الأنثى وهو قول المالكية.

وقيل: العبرة بالأكثر، قاله يعقوب ومحمد والأوزاعي.

وذهب الشافعي: إلى اعتباره بأقل النصيب، وهو الأنثى، حتى يتبين أمره عند البلوغ.

. وقد روى البيهقي (6/428) عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن مولود له قُبُلٌ وذكرٌ من أين يورث ؟ قال : من حيث يبول"،

قال:" الكلبي لا يحتج به ولا بأبي صالح هذا ".

وفي الباب عن علي.

العلامة الثانية: الحيض والحبل والإمناء:

الخيض والحمل من علامات الأنثى، لكن قد يختلف ذلك مع البول:

وقال يحيى بن آدم: إذا بال من حيث يبول الرجل ويحيض كما تحيض المرأة ورث من حيث يبول ".

وأما الحبل فهو من علامات الأنثى وبها يُلحق.

وأما الإمناء فقد ذكروا أنه من علامات الذكر، وليس بدليل لحديث أم سلمة لما سألته امرأة:" يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال: نعم...". 

وإنما الصواب في الفرق بينهما حديث أنس أن أم سليم سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" إذا رأت ذلك فأنزلت، فعليها الغسل، فقالت أم سلمة: يا رسول الله أيكون هذا؟ قال: "نعم، ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فأيهما سبق أو علا، أشبهه الولد".

فمن أمنى من ذكره فهو غليظ أبيض، ومن أمنى من فرجه فهو رقيق أصفر في المرأة.

العلامة الثالثة: عدد الأضلاع:

قال القرطبي:" إن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب رجل، روي ذلك عن علي رضي الله عنه- لخلق حواء من أحد أضلاعه "،

وهذا كلام لا دليل عليه، وإنما هو مأخوذ من التوراة، وقد أثبت العلمُ الحديث تساويهما في الأضلاع والله أعلم.

العلامة الرابعة: تحديد الجنس بالعلامات الظاهرة: وهي اللحية والثدي.

فاللحية من علامات الذكر، وتفلك الثدي عند البلوغ من علامات الأنثى، إضافة للحيض. 

العلامة الخامسة: العلم الحديث والتقرير الطبي:

من الخناثى من تظهر فيه علامات الذكورة أو الأنوثة في وقت مبكر، لكن الأكثرين لا يظهر أمرهم إلا عند البلوغ، فمن بانت فيه علامات جنس معينٍ لحق بحكمه، وصار خنثى محققا.

وأما من لم يَبِنْ منه شيء من العلامات، ولا تغلّبت عليه، فهو الخنثى المشكل:

وهو من استوت فيه العلامات، كمن له عضوان، عضو الذكر والأنثى معا، أو لا عضو له إلا الثقب،

 وهذا ناتج عن اندماج خليتيْن منويتيْن: إحداهما تحمل كروموسوم X والأخرى تحمل كروموسوم Y، مما يؤدي إلى تولد شخص لديه أعضاء تناسلية مزدوجة.

أو أن ذلك ناتج من عبور ونشاط عامل تحديد الخصية من الكروموسوم Y إلى الكروموسوم X أثناء الانقسام المنصف في مناطق معينة فقط، فيما لا تتنشط مناطق أخرى (ما يسبب نمو أنسجة المبيض). وبالتالي، ستظهر كل من أنسجة الخصية والمبيض في نفس الفرد.

ذلك أن كل كل إنسان يتكون من 46 خلية صبغية، 23 منها من الأب، و23 من الأم،

منها 22 خليه صبغية جسدية، بينما الزوج الأخير 23، فهو يتكون من صبغيين جنسيين:

متماثلين عند الأنثى ويدعيان  XX، وأما عند الذكر فمختلفان XY.

وأمر الخنثى مشكل بمن يُلحق؟

إلا أنّ الخطبَ سهل في هذا الزمان، وذلك بإجراء التحاليل الطبية على الصبغيات والغدد الجنسية والأعضاء التناسلية والهرمونات،

1/ فأما الصبغيات: فالذكر يحمل مستوى كروموسومي XY، أما المرأة فتحمل مستوى كروموسومي XX، 

2/ وأما الغدد الجنسية: فتتكون ابتداء من الأسبوع الخامس من تلقيح البويضة، وهي المسؤولة عن تكوين الخصية للذكر أو المبيض للأنثى.

3/ وأما الأعضاء التناسلية: فهي إما ظاهرة معروفة، أو باطنة يعرفها الطب،

فالظاهرة للذكر: هي القضيب والخصيتان وكيس الصفن والبربخ، 

وأما الباطنة من الحبل المنوي والحويصلة المنوية والبروستاتا وغدد كوبر

بينما تتكون الأعضاء التناسلية الباطنة للأنثى من المبيضين والرحم وقناتي الرحم والمهبل،

فيم الظاهرة هي: الشفران الكبيران والصغيران، والبظر، والفرج

4/ وأما الهرمونات: فمتى تغلبت الذكرية فهو ذكر، ومتى تغلبت الأنثوية فهو أنثى،

لكن: هل يمكن أن تستوي الهرمونات أو هذه المذكورات في شخص؟ الله أعلم، وإن تساوت فهو الخنثى المشكل حقا.

والأظهر أنه يُنتظر به البلوغ، لإمكانية تغلب أحد العلامات على الأخرى، فإن أمنى من ذَكره فهو ذكر، وإن حاض أو تفلك ثديه فهو أنثى، وكذلك إن كان لديه مبايض ورحم، أو حمل، وأما إن حدثوا معا، فيُنظر في ميوله ورغبته، ليُبنى الحكم على ذلك، كما سنذكر.

وقَلَّ أو انعدم في هذا الزمان عدم التمييز بين الذكر والأنثى في حالة الخنثى، بسبب التطور العلمي الكبير. 

فمن بان منه أكثر العلامات الظاهرة والباطنة بأنه ذكر فله حكم الذكور، ويجوز له أن يُعدل خلقته (التعديل الجنسي) أو يرجع خِلقته إلى طبيعتها أو أصلها، وهو ما يسمى ب (التصحيح الجنسي) ، وكذلك الأمر في الأنثى.

كما لا يحل  لوالديه ولا لغيرهما أن يغيرا جنسه، ولا أن يُعنفوه أو يُجبروه على تبني جنس، ولا أن يعطوه هرمونات ذكرية بينما هو أنثى، ليجعلاه ذكرا، ولا العكس، بل إن ذلك يُحدث فيه سرطانا جلديّا لن يُــزيله إلا تناول الهرمونات المناسبة لجنسه كما أثبت الأطباء والتجارب والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الرابع: مسائل متفرقة تتعلق بالخنثى:

يلحق الخنثى عموما بالأنثى في عامة الأحكام والمسائل:

المسألة الأولى: ختان الخنثى المشكل، والعقيقة عنه:

قال النفراوي في شرح الرسالة:" سكت المصنف عن بيان حال الخنثى الذي له ذكر، وله فرج هل يختن أو يخفض؟ قال الفاكهاني: لم أر في ذلك لأصحابنا نصا، وللشافعية في ذلك قولان: يختن بعد البلوغ وينظر حينئذ من يتولى ختانه قبل اتضاحه، وقيل: لا حتى يتبين، وهو الأظهر عندهم،

ابن ناجي: لا يختن لما علمت من قاعدة تغليب الحظر على الإباحة أي؛ لأن الختان سنة، والنظر لعورة الكبير المراهق أو البالغ حرام لقول اللخمي: المراهق ككبير، ولا يرتكب محرم لفعل سنة"،

قال:" ويظهر لي أنه يؤمر بختن نفسه؛ لأن  المكلف مأمور بفعل ما يكمل به إسلامه، وقد تقدم أن به كمال الإسلام ".

وأما العقيقة: فعند جماعة من الشافعية أنه يُعق عنه بشاتين كالذكر، احتياطا،

جاء في حاشية البيجرمي:" ( قَوْلُهُ : وَخُنْثَى ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخُنْثَى مُلْحَقٌ بِالذَّكَرِ فِي هَذِهِ احْتِيَاطًا".

بينما قال في حاشية الجمل :( وَسُنَّ لِذَكَرٍ شَاتَانِ وَغَيْرِهِ ) مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى( شَاةٌ)". وهو الأوْلى.

المسألة الثانية: حضانة الخنثى المشكل:

يرى المالكية والجمهور أنه كالأنثى في وجوب حضانته كالبنت حتى كبره، وتبين أمره، ولو بعد البلوغ.

المسألة الثالثة: حكم بول الخنثى، واغتساله، وتغسيله:

أما الغسل: فقد ورد في الحديث: «يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ»

وأما الخنثى المشكل فيلحق بالأنثى ملطلقا، ولو تحققنا من مخرج بوله/ ولو كان ذكرا، فقد ذكر الأنصاري في أسنى المطالب :"أَمَّا بَوْلُ الصَّبِيَّةِ، وَالْخُنْثَى فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْغَسْلِ ... وَأُلْحِقَ بِبَوْلِهَا بَوْلُ الْخُنْثَى مِنْ أَيِّ فَرْجَيْهِ خَرَجَ".

وأما التغسيل لمن لم يجد محرما:

أ: فقيل يُيمم كما في حالة موت امرأة بين الرجال، أو العكس، لأنه بمثابة عادم الماء:

خرج أبو داود في المراسيل وعبد الرزاق عن محمد عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها والرجل مع النساء ليس معهن رجل غيره، فإنهما ييممان، ويدفنان، وهما بمنزلة من لا يجد الماء»

وجاء في الفواكه الدواني عن الخنثى المشكل:" فإنه يُيمم ويدفن، وينبغي إذا يممه رجل أن ييممه إلى كوعيه احتياطا، وإن يممته امرأة يممته إلى مرفقيه بالأولى من الرجل المحقق".

قالوا: ولأن المرأة لا تغسله لاحتمال كونه ذكرا، وكذلك لا يغسله الذكر، لاحتمال كونه أنثى.

ب: وقيل: يُغسل كالمرأة فوق ثيابه من غير لمس، ويُدفن كما هو. 

وقيل: يغسل مباشرة ويُلمس فيما سوى العورة، وأما في محل العورة فوق الركبة فإنه يُغسل بخرقة ولا يُباشر.  

المسألة الرابعة: مكان صلاة الخنثى في الجماعة:

قال ابْنُ عَرَفَةَ : يُسْتَحَبُّ وُقُوفُ الرَّجُلِ عَنْ يَمِينِ إمَامِهِ وَاثْنَانِ خَلْفَهُ وَالْخُنْثَى خَلْفَ الرَّجُلِ مُطْلَقًا وَالْأُنْثَى خَلْفَ الْخُنْثَى ".

المسألة الخامسة: إمامة الخنثى المشكل، وآذانِه:

اتفقوا على عدم صحة إمامته لأنه كالأنثى، فله حكمها، وكذلك لا ينبغي أن يؤذن لأن صوته كالأنثى. 

جاء في أسنى المطالب عن أذان المرأة:" أَمَّا أَذَانُهَا لِلرِّجَالِ أَوْ لِلْخَنَاثَى فَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ".

المسألة السادسة: مكان الصلاة عليه في الجنازة:

يكون بعد الرجل، وقبل الأنثى، فيقف الإمام عند رأس الذكر، ووسط الأنثى، وما بينهما عند الخنثى.

وأما المكان الذي يقف عليه الإمام في صلاة الجنازة، فقد ورد في مواهب الجليل:" في محل وقوف الإمام في الصلاة عليه لم أر فيه نصا والظاهر أنه يقف عند منكبيه احتياطا وهذا على جهة الأولى".  

المسألة السابعة: عورة وملابس وحلي الخنثى المشكل في حياته، وبيان إحرامه، وتكفينه بعد موته:

اختلف السلف في عورته: هل هو كالأنثى في لزوم التستر والاحتياط، أم هو كالرجل؟

1/ مذهب المالكية وغيرهم أن له حكم الأنثى في التستــّر، قال ابن أبي زيد في الفواكه:" وتلبس المرأة": وكذا الخنثى المشكل الخفين": ولو مع وجود النعلين. "والثياب": والحلي في حال "إحرامها": بالحج أو العمرة " "

وقال:" واعلم أنّ إحرام المرأة حرة أو أمة، وكذا الخنثى المشكل في وجهها وكفيها ".

وفي فتح الرحمان عن كفن المرأة:" والأفضل للمرأة- أي: والخنثى-: خمسة؛ رعاية لزيادة الستر فيهما، والزيادة على الخمسة مكروهة في الذكر وغيره؛ وهي إزار، ثم قميص، ثم خمار، ثم لفافتان بيض، والإزار والمئزر: ما تستر به العورة، والخمار ما يغطى به الرأس؛ لخبر أبي داوود: أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الغاسلات في تكفين أبنته أم كلثوم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر".

قال الرعيني:" قال ابن عرفة عن بعض التعاليق: إنه يلبس ما تلبس المرأة ويفتدي، ابن عرفة: ظاهره يلبس ما تلبسه المرأة ابتداء والأظهر أن ذلك فيما يجب على المرأة ستره، وفي غيره لا يفعله ابتداء فلا يلبس إلا لحاجة انتهى. وهذا هو الظاهر، وقال سنيد: وإذا لم يجد يوم عرفة مركوبا يقف عليه للدعاء دعا جالسا كالمرأة ولا يقف كالرجل انتهى. قاله في باب الحج ".

وأما التجمل: فقد قال بعضهم: ويحرم على الخنثى التجمل والتزين بالخضاب، لأن المراد منها فعل ذلك للزوج، والخنثى لا يتزوج.  

لكن الأصل أن له إذا أُلحق بالأنثى أن يلبس ذلك ويتزين، لكن من غير إبداء الزينة للذكور الأجانب كالحال في الأنثى.

2/ ومن الناس من يلحقه بالذكر في لبس الذهب والحرير فيمنعه، لتجنب الفتنة، ولاحتمال ذكوريته أيضا، كما أنه لا يتزوج فيتزين:

جاء في فتح الرحمان:" والخنثى في كل من حلي الرجل والمرأة كالآخر، فيحرم عليه ما يحرم على كل منهما احتياطاً...

قال:" ويحرم على الرجل؛ أي: والخنثى استعمال الخالص من القز أو الحرير "، وكذلك الذهب،

وهو قول الجمهور كما نقل النووي كما في المجموع:" (فرع)  كل حلي حرمناه على الرجل حرمناه علي الخنثى المشكل، وكذلك الحرير، هذا هو المذهب وبه قطع الاكثرون منهم القاضى أبو الفتح وصاحب التهذيب والبيان والرافعي وغيرهم ".

وأما الحنابلة: فالخنثى عندهم كالرجل في العورة مطلقا:

قال ابن قدامة في الكافي:" عورة الخنثى المشكل كعورة الرجل، لأن الأصل عدم وجوب الستر ، فلا نوجبه بالشك، وإن قلنا: العورةُ الفرجان، لزمه ستر قُبُلِه وذَكَرِه ، لأن أحدهما واجب الستر ، ولا يتيقن ستره إلا بسترهما ".

المسألة الثامنة: ميراث الخنثى المشكل:

القول الأول: الخنثى يعطى أقل ما يصيبه الذكر أو الأنثى، ويقسم الباقي بين الورثة ولا يوقف شيء من الميراث، وهو مذهب الحنفية، لأن الأقل ثابت بيقين، والأكثر فيه شك.

 

القول الثاتي: يعطى الأقل من النصيب، لكن يوقف الباقي حتى يتبين أمره أو يصطلحوا فيما بينهم، وهو مذهب الشافعية

القول الثالث: إذا كان صغيراً، أعطي اليقين، ويوقف الباقي حتى يتخقق، فإن مات قبل بلوغه أو بلغ مشكلاً دون أن تظهر علاماته، يعطى نصف ميراث الذكر ونصف ميراث الأنثى وتقسم بقية التركة على الوارثين. وذهب إليه الحنابلة.

القول الرابع: يعطى نصف ميراث الذكر، ونصف ميراث الأنثى، وهو مذهب المالكية.

قال الدردير:" أي يأخذ نصف نصيبه حال فرضه ذكرا، وحال فرضه أنثى، لا أنه يعطى نصف نصيب الذكر المحقق الذكورة المقابل له، ونصف نصيب الانثى المحققة الانوثة المقابلة له، فإذا كان له على تقدير كونه ذكرا سهمان وعلى تقدير كونه أنثى سهم، فإنه يعطى نصف نصيب الذكر وهو سهم ونصف نصيب الانثى وهو نصف سهم، ومجموع ذلك سهم ونصف، وهذا إذا كان يرث بالجهتين(جهة الذكورة وجهة الأنوثة)، وكان إرثه بهما مختلفا، كابن أو ابن ابن،

قال:" وأما لو ورث بالذكورة فقط كالعم وابنه فله نصفها فقط، إذ لو قدر عمة لم ترث"،

قال:" وإن ورث بالأنوثة فقط كالاخت في الاكدرية أعطي نصف نصيبها، إذ لو قدر ذكرا لم يعل له ولو اتحد نصيبه على تقدير ذكورته وأنوثته ككونه أخا لأم أو معتقا أعطى السدس، إن اتحد، والثلث مع غيره إن تعدد في الأول، وأخذ جميع المال في الثاني، وقد يرث بالأنوثة أكثر كزوج وأخ لأم وأخ لأب خنثى، فمسألة الذكورة كما ذكر المصنف من ستة والانوثة كذلك وتعول لسبعة.

والحاصل منهما اثنان وأربعون يضرب في حالتيه بأربعة وثمانين وقد يشعر بالقيدين المذكورين

قوله نصيبي ذكر وأنثى وقوله الآتي على التقديرات

قال:" وقد علم مما ذكرنا أن له خمسة أحوال: حال يرث بالجهتين إلا أن إرثه بالذكورة أكثر لكونه ابنا أو أخا شقيقا أو لاب،

الثاني: أنه يرث على أنه ذكر فقط لكونه عما.

والثالث: عكسه

والرابع: مساواة إرثه ذكورة وأنوثة.

والخامس: إرثه بالأنوثة أكثر....".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة التاسعة: حكم الزواج بالخنثى:

الخنثى المحقق يصح تزويجه بغير جنسه، فمن تيقنا بكونها أنثى تزوجت بذكر، وكذلك العكس.

وأما الخنثى المشكل الذي لم يتبين جنسه: ففيه خلاف:

1/ فذهب الحنفية إلى أن زواجه موقوف لا يفسد ولا يبطل، حتى يستبين حاله، فإن تزوج من امرأة؛ فظهرت عليه علامات الرجال، صح النكاح، وإن ظهرت علامات النساء لم يصح النكاح.

كذلك الأمر لو تزوج خنثى بخنثى، ولا يعلم حالهما، فإن تبين أن أحدهما ذكراً والآخر أنثى صح النكاح، وإلا فلا.

2/وذهب الجمهور إلى أن نكاح الخنثى المشكل حرام حتى يتضح أمره، كما هو الأمر في الأخت المشكوكة من الرضاع.

قال الدردير في الشرح الكبير:" ولا يُتَصوّر شرعا أن يكون أبا أو أما أو جدا أو جدة أو زوجا أو زوجة لانه لا يجوز مناكحته ما دام مشكلا".

وفي أسنى المطالب :" أَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ".

وذكر شهاب الدين الرملي الشافعي في فتح الرحمان (746):" فالخنثى المشكل لا يصح أن يكون زوجاً وإن بان بعد العقد ذكراً، ولا زوجةً وإن بان بعده أنثى ".

3/ وذهب طوائف من الحنابلة إلى الاعتداد بميوله فقط، فلو طلب الزواج من أنثى لكان ذكرا، فله ذلك.

المسألة العاشرة: من قال لزوجته: أنت طالق لو أنجبتِ أنثى، فولدت خنثى:

يرى ابن حزم بعدم وقوع الطلاق المعلق أبدا، لأنه بدعي، وأما على قول الجمهور، فيقع إن ولدث خنثى مؤنثا محققا، وأما الخنثى المشكل فأمره موقوف حتى يستبين الخنثى بالعلامات المعروفة، كما في أسنى المطالب (3/313). 

المسألة الحادية عشر: إرضاع الخنثى:

لو أن خنثى له ثدي، وأرضع صبيا، هل تنتشر به المحرمية كالأنثى؟:

1/ يرى المالكية بانتشار المحرمية، لأننا تيقنا حصول اللبن في فم الرضيع.

2/ ويرى الجمهور بالتوقف فقط حتى يستبين أمر الأنثى، فلو كان رجلا لم يدخل في مسمى الأم {وأمهاتكم من الرضاعة}  

المسألة 12/ مقاتلة الخنثى وغنيمته:

قال النفراوي:" وسكت عن الخنثى المشكل إذ قاتل بعد بلوغه الثماني عشرة، وقاتل أو حضر القتال، وفيه خلاف. فقيل: له ربع سهم الذكر، ولا وجه له، وقيل: له نصف سهم الذكر، وهو الظاهر؛ لأنه إن قدر أنثى لا شيء له، وإن قدر ذكرا فله سهم، فيستحق نصف نصيبه كالميراث إذا كان يرث بتقدير دون آخر".

المسألة الثالثة عشر: دية من قطع العضو البولي للخنثى، أو ثديِه:

الأعضاء إما موحدة، كاللسان والأنف...، ففي قطعها الدية كاملة، وإما مثناة كالعينين والأذنيْن ...ففي أحدها نصف الدية، وفي قطعهما الدية كاملة، وإما زائدة، كوجود شبه الذكر في فرج الأنثى، أو الخنثى المؤنثة .... ففيها حكومة.

أما العضو البولي: فهو عضو موحد ، ففي قطعِه الدية كاملة في الحالة العادية، وأما في حالة الخنثى:  

فقد جاء في حاشية الدسوقي:" وَفِي ذَكَرِ الْخُنَثى الْمُشْكِلِ نِصْفُ دِيَةٍ وَنِصْفُ حُكُومَةٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى احْتِمَالِ ذُكُورِيَّتِهِ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَعَلَى احْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ فِيهِ حُكُومَةٌ ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكُومَةِ هُنَا مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ لِهَذَا الْعَدَاءِ لَا مَا سَبَقَ فِي تَقْوِيمِهِ ؛ لِأَنَّ قَطْعَ ذَكَرِ الْمَرْأَةِ لَا يُنْقِصُهَا " 

وأما إن كان الخنثى أنثى ففي قطع ذكره حكومة فقط ...، لأنه قطع شيئا زائدا عن الأصل.

وأما الأعضاء المثناة: كالثدييْن، ففي الثدي نصف الدية، إن كانت أنثى، وإن كان ذكرا ففيه حكومة، وإن كان خنثى مشكلا لم يتبين ففي بتر ثديه ربع الدية، وربع حكومة. 

وأما ابن حزم فإنه أبعد النجعة فقال:" مسألة : من قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه ؟ فسواء قال : أنا امرأة , أو قال : أنا ذكر : القود واجب ; لأنه عضو يسمى ذكرا وأنثيين - وكذلك لو قطعت امرأة شفريه ولا فرق . ومن كانت له سن زائدة أو إصبع زائدة فقطعها قاطع اقتص له منه , من أقرب سن إلى تلك السن , وأقرب إصبع إلى تلك الإصبع، لأنها سن وأصبع ولا فرق بين أن يبقى المقتص منه ليس له إلا أربع أصابع , ويبقى لمقتص له خمس أصابع , وبين أن يقطع من ليست له إلا السبابة وحدها - سبابة سالم الأصابع ؟ لا خلاف في أن القصاص في ذلك , ويبقى المقتص ذا أربع أصابع ويبقى المقتص منه لا أصبع له , وهكذا القول في الأسنان ولا فرق , وبالله تعالى التوفيق"

المسألة الرابعة عشر: في تطبيق الحد على الخنثى:

ذكروا أنه يلحق بالأنثى بالحد وفي الأفعال الشنيعة، لأن الشارع أجاز له الدخول على الأنثى، ورؤية زينتها، وعليه:

فلو زنى مع ذكر، لجُلد جالسا ملتف الثياب كالأنثى،

وأما لو فعل الخنثى المشكل مع امرأة، فالأظهر أنه سحاق يُعزَّر، فقد ورد في حاشية إعانة الطالبين قوله عن أصناف المحدودين بالجلد:" وخرّج الخنثى المشكل إذا أولج آلة الذكورة في فرج فلا يحد لان إيلاجه لا يسمى زنا لاحتمال أنوثته وكون هذا عضوا زائدا ".

المسألة الخامسة عشر: سفر الخنثى، والاختلاء به:

ذكرنا أن الخنثى في الغالب له أحكام الأنثى لضعفه ودخوله عليها،

قال في «المجموع»: والخنثى المشكل يشترط في حقه من المحرم ما يشترط في المرأة، فإن كان معه نسوة من محارمه كأخواته وعماته .. جاز، وإن كن أجنبيات .. فلا؛ لأنه يحرم عليه الخلوة بهن، ذكره صاحب «البيان» وغيره".

وأما في الخلوة فالاحتياط أن لا يخلو بامرأة ولا بذكر.

قال السرخسي:" وإذا خلا الخنثى برجل، فمن الجائز أنه امرأة فتكون هذه خلوة رجل لمرأة أجنبية، وإذا خلا بامرأة فمن الجائز أنه ذكر خلا بأجنبية، والمراهقة في المنع من هذه الخلوة كالبالغة، لأن المنع لخوف الفتنة ".

وقال الشربيني:" ولا يجوز أن يخلو به أجنبي ولا أجنبية، ولو كان مملوكاً لامرأة ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


                     وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

 

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني