البيان في مصير الصبيان، إلى الجنان أم الامتحان والنيران / كتابة الطاهر زياني

             البيان في مصير الصبيان، إلى الجِنان أم الامتحان والنيران    

 

                                  كتابة الطاهر زياني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله وبعد :

فهذا مبحث في تِبيان مصير أهل الفترة والمعْتوهين، ووِلْدان المسلمين والمشركين، هل هم في الجنان والنعيم؟ أم في النيران والجحيم؟ أم أنهم سيُمتحنون يوم الدين ؟ أم الله وحده أعلم بما كانوا عاملين ... ؟

وقد تكاثرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة في أن الله تعالى لا يعذب أحدا حتى يبعث إليه رسولا ويقيم عليه حجة ، ولذلك تواردت الآيات القرآنية وفسرتها الأحاديث النبوية في أن أموات مواليد المشركين يكونون يوم القيامة في الجنة خدما لأهلها .

وقد اختلفت الأحاديث في ذلك اختلافا كثيرا وتعارضت، حتى ضعّف بعضهم كل ما ظنه مخالفا لما يعتقده من قول صحيح،

وقد وقع في حديث باطل يخالف هذه الأصول والأدلة الكثيرة ومع ذلك فقد اغتر به البعض فصححه، وهذا ما جعلني أجمع طرقه وأبين بطلانه بعون من الله تعالى فأقول :

خرج ابن بطة في الإبانة (4/80) من طريق محمد بن أحمد بن سيار الأزدي قال: حدثنا أحمد بن سنان القطان ومحمد بن الوليد البسري قالا : حدثنا أبو أحمد الزبيدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الوائدة والموءودة في النار»،

وسأحاول بعون الله تعالى في هذا البحث أن أجمع أحاديث الباب مقسّما إياه إلى عدة مباحث ومطالب ، كل مبحث يحتوي على مذهبٍمعتبرٍ للسلف الطيب، وما ذكروه من أدلة ، محاولا تتبع التسلسل المنطقيّ والجمعيّ بين مختلف تلكم الأحاديث المتعارضة في هذا الباب .

نعم أصعب شيء في هذا الباب هو طريقة الجمع وكيفية ترتيب الأحاديث المتعارضة التي مكثت فيها أمدا طويلا أنشط حينا وأكسل حينا، وأستريح حينا، أُقَدّم مرة وأُؤخر أخرى ، وربما لا أزال أفعل ذلك في المستقبل، وقد صار الآن تقسيمه على النحو التالي :

المبحث الأول: نبذة عن الفطرة والأصل في خلق الإنسان: الخير أم الشر:

المطلب الأول: الفطرة الإنسانية بين الاستقامة والانحراف :

المطلب الثاني: تعريف الفطرة:

المبحث الثاني : مصير الغير المكلفين، وعموم الوِلْدَان والحمقى والمعتوهين ونحوهم :

المطلب الأول: القول الأول: أن عموم الوِلْدَان والحمقى والمعتوهين ونحوهم يُمتحنون يوم القيامة:

المطلب الثاني : القول الثاني: ذِكر من قال بأن أطفال المشركين مع آبائهم في الأحكام الدنيوية والأخروية معا:

المطلب الثالث: القول الثالث: أن جميع الولدان في مشيئة الله تعالى، والله أعلم بما كانوا سيعملون :

المسألة الأولى: ذكر ما ورد في التوقف في أطفال المسلمين ووجه تأويلها

المسألة الثانية :ذكر من توقف في أولاد المشركين أيضا، وقال : الله اعلم بما سيعملون :

المطلب الرابع: القول الرابع: الصبيان كلهم في الجنة، وذكر الجمع بين الأدلة المتعارضة :

المسألة الأولى: ما ورد أن مواليد المسلمين في الجنة مع آبائهم:                                    

المسألة الثانية : ما ورد أن أطفال المشركين في الجنة خدم:

المسألة الثالثة: تبيين أن أولاد المشركين في الجنة وأنهم الغلمان الخدم لأهل الجنة:   

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول: نبذة عن الفطرة والأصل في خلق الإنسان: الخير أم الشر:

وفيه عدة مباحث أكتفي منها بنبذة مستخلصة من مبحث آخر لي فأقول :

المطلب الأول: الفطرة الإنسانية بين الاستقامة والانحراف :

إذا أردنا معرفة الأصل الأول في ميول البشر بين الاستقامة أو الانحراف، ففي أي نوع من أنواع البشر نجري دراسة على صفاته لمعرفة ذلك؟

والجواب أن ذلك في ثلاثة أجناس:

الجنس الأول: آدم عليه السلام وأهله:

والجنس الثاني: المواليد الصبيان في أول حياتهم قبل أن تتغير بتوجيهات الوالدين والإعلام والمجتمع.

والجنس الثالث: في العقل البشري السليم: هل يعرف الخير من الشر، أم لا؟

أما الجنس الأول: فهو أصل خلق البشر وهو آدم عليه السلام وأهله، فقد كانوا على التوحيد والخير، دل على ذلك الوحي والعلم ...

وأما الجنس الثاني:  فهو التأمل في فطرة الصبيان وصفاتهم قبل التغير، فالصبي الصغير مفطور على الحياء والصدق والطاعة ومحبة الأهل والعدل، وحب التعلم والخير لنفسه، وعدم الحقد والكراهية، وحب العمل وتقليد الكبار وتكوين الأسرة للمرأة ويتجلى ذلك في طريقة لعب البنات والبنين.

وقد تكاثرت الأدلة على أن الله تعالى قد خلق كل عباده على الفطرة كما في قوله تعالى :{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) } [الروم]، وقوله أيضا : { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) } [البقرة] .

وخرج البخاري (1358) ومسلم في الصحيح (2658) عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟» ثم يقول: أبو هريرة واقرءوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} [الروم: 30]"،

وقد دلت هذه الأدلة على أن الله تعالى قد خلق عباده كلّهم منذ أول خلقهم على هذه الفطرة، إلا أنّ الناس قد اختلفوا في تفسير هذه الفطرة ؟ وهل هي مقيدة بالمسلمين أم عامة للخلق أجمعين، إلى عدة مذاهب كما سنبين:

ويبقى الإشكال المطروح : هل كل الناس مولودين على هذه الفطرة، وهل هي جبلّية فطرية أم كسبية، وبيان كيفية اكتسابها ؟

والسّؤال المهم: إذا كان الله تعالى قد خلق أفعالَ عباده ، فهل خلقَ الشرَّ والكفرَ وسوءَ القيم أيضا في أنفس الصبيان وغرز ذلك في فطرهم أم لا ؟ وهلْ جعلَ كلّ ذلك في أنفس البشرية وعقولهم أم لا ؟ أم أنّ الله تعالى إنما فطر عباده أَوَّلًا على الخير ، ثم طرأ عليهم الشر عند الكِبَر ؟

فلو قلنا بأن الله تعالى غرز معرفته وحب الخير والقيم في أنفس الصبيان لاستلزم ذلك أن يكون مصير الأموات من المواليد والصبيان في النعيم والجنان، ولو قلنا غير ذلك لكان مصيرهم إما للامتحان ، أو للعذاب والنيران ؟

وخلاصة قول أهل السنة أن الله تعالى هو الذي فطر عباده على قبول الخير والتوحيد ، وجبلهم على الخير وقدر عليهم كل شيء وخلقه، وجعل لهم في ذلك كسبا واختيارا إلا أن هذا الكسب لا يخرج عن مشيئة الله تعالى .

وهذا التّعريفُ السابق والأخير للفطرة يحتوي على عناصرها الأساسية الثلاثة وهي النفس والعقل والصبيان، وهكذا على الأمور الرئيسة التي تدركها الفطرة وهي قبول الخير وصالح القيم ومعرفة الرب وتوحيده,

ولذلك كان مذهب الجمهور أن كل مولود يولد على الفطرة التي هي الإسلام والتوحيد والخيْر وصالح القيم، وبالتالي فكل الموتى من الصّبيان إما أن يكونوا من أهل الجنة أو من خدمها كما سيأتي بالترتيب التسلسلي الذي ذكرته :

وأما الجنس الثالث: فهو العقل البشري الذي يميز الكثير والكثير من أمور الخير من الشر، والنفع والضر، ومع اختلاف الناس في التفكير، فإنهم يتفقون في إنكار الكثير من المنكرات التي يدل عليه العقل.   

كما أن العقل يدل على وجود الله من خلال مبدإ السببية، ويدل على التوحيد، والغائية، من خلال مبدإ اللوازم والأحدية، ويدل على البعث، من خلال الواقع المعيش والأدلة العلمية والعقلية، كما ذكرت في كتاب التوحيد.

 https://elzianitaher.blogspot.com/2018/06/blog-post_5.html

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: تعريف الفطرة:

الفطرة في اللغة هي البداءة والخلق والايزاع والإلهام. والفاطر: المبتدئ،

وأما في الشرع فقد اختلف فيها الناس:

فمن قائل بأنها الإسلام والحق، وقائلٍ بأنها مقيدة للمسلمين، وقائلٍ بل هي معرفة توحيد الربوبية لا غير، ومن قائل بأنها البداءة والتهيئة على السعادة والشقاء، ومن قائل بأنها التهيئة على قبول التوحيد والخير ... 

قال الإمام القرطبي في تفسيره للآية الكريمة :" واختلف العلماء في معنى الفطرة المذكورة في الكتاب والسنة على أقوال متعددة، منها الإسلام، قاله أبو هريرة وابن شهاب وغيرهما، قالوا: وهو المعروف عند عامة السلف ... وقال آخرون: الفطرة هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها، أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ ... وقالت فرقة: ليس المراد بقوله تعالى:" فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها" ولا قوله عليه السلام: (كل مولود يولد على الفطرة) العموم، وإنما المراد بالناس المؤمنون، إذا لو فطر الجميع على الإسلام لما كفر أحد ... وقالت طائفة من أهل الفقه والنظر: الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود في المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقه البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفته... قال: قال ابن عطية: والذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها الخلقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي معدة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله تعالى، ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به ... ثم قال: وقال شيخنا في عبارته: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول وعلى تلك الأهلية أدركت الحق ودين الإسلام وهو الدين الحق"، ثم قال القرطبي :" وقد دل على صحة هذا المعنى قوله: (كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملا بريئا من العيوب " . 

وقد عرّفها السلف بعدة تعاريف مظانها في المبحث المذكور .

والمختار الجامع من تلكم التعاريف والله أعلم أن نعرفها على المذهب الجامعِ بين أصل الخلقة على الصلاح، إضافة إلى تهيئة المرء عليه تهيئة تامة يدخل فيها نفسه وعقله منذ بداية خلقه فنقول :

والفطرة في الشرع: هي الخلقة الأولى، والهيأة التي هُيِّء عليها آدم والمولود والنفس والعقل من قبول للخير، ومعرفة بالرب وتوحيده وعظمته .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

المبحث الثاني : مصير الغير المكلفين، وعموم الوِلْدَان والحمقى والمعتوهين ونحوهم :

اختلف السلف في مصيرهم يوم القيامة إلى عدة أقوال:

المطلب الأول: القول الأول: أن عموم الوِلْدَان والحمقى والمعتوهين ونحوهم يُمتحنون يوم القيامة:

وأما نجاح امتحانهم من عدمه فهو ما سيتبين في أدلتهم التالية :

الدليل الأول :حديث أبي هريرة: وفيه امتحان الكبار من أهل الجاهلية: من المجانين والكبار والمعتوهين والصم البكم، ولم يذكر منهم من ينجح في هذا الامتحان ومن لا ينجح ، كما لم يذكر مصير الولدان :

1/. خرجه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال : « إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ، ثم يرسل رسولا إليهم أن يدخلوا النار »، قال : « فيقولون : كيف ولم يأتنا رسول ؟ ، قال :" وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ، ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه"، قال : ثم قال أبو هريرة : فاقرءوا إن شئتم { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}"،

تابعه ابن زنجويه ثنا عبد الرحمن عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله ، أورده عنه ابن القيم في أحكام أهل الذمة .

وخرجه ابن جرير في قوله تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ) عن محمد بن ثور وأبي سفيان مَعْمَر عن همام عن أبي هريرة موقوفًا أيضا.

وكذلك خرجه أحمد في المسند (4/24) نا علي ثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن [قتادة]عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثل هذا – حديث الأسود التالي- غير أنه قال في آخره:" فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها"،

2/ بينما رفعه علي بن زيد وَوَهِم فيه، لأن الصوابَ أنه صحيح موقوف،

لكن هل له حكم الرفع ؟

والجواب الأظهر: لا، لأمور:

لاحتمال أخذ ذلك من كتب الإسرائيليين ونحوهم.

كما أن الأمر بدخول نار جهنم مع شدة هولها ولهيبها من التكليف بما لا يُطاق،

كما أن الآخرة دار جزاء لا تكليف،

أضف إلى ذلك مخالفته لكل الأحاديث الآتية،

ثم إن هذا أمر عقدي مخالف للأصول، فلا بد أن يحتاج إلى إثبات يقينيٍّ، إذ يحتمل أن يكون أبو هريرة قد رواه عن الكتب السابقة والله أعلم .

فإن قيل: يقوي احتمال الرفع الشواهد التالية، والجواب أن فيها احتمالان :

أولاهما : أن يكون الرواة ممن يُقبل حديثهم في الاعتبار فيصح بذلك الحديث مرفوعا .

والثاني: أن يكون رواتها من الواهين أو المغفلين، ممن يجدون أقوالا للسلف أو غيرهم، فيضعُون لها طرقا أخرى، يريدون بذلك غفلةً منهم أو عمدا أن يُبَيّنوا بأن لهذا الحديث أصل من السنة .

فيا تُرى : أي نوع من الرواةِ هؤلاء الرواة المتابعون ؟

هذا ما سنتدارسه في هذا العرض بعون الله،

وقبل أن نبدأ فيه لا بأس أن نذكر إجمالا بأن أحاديث الامتحان كلها أحاديث ضعيفة معلولة، ومختلفة المتون، مرجعها إلى الضعفاء ممن أرادوا ولو غفلةً أن يبينوا بأن لهذا الحديث أصل من السنة كما سيتبين :

دليل ثاني :حديث الأسود أو أبي هريرة والاختلاف فيهما:

وفيه من الفقهِ امتحانُ أهل الجاهلية والمجانين والكبار والمعتوهين والصم البكم، ولم يذكر من ينجح منهم في هذا الامتحان ومن من لا ينجح ، ولم يذكر الولدان :

وهو حديث مداره على معاذ بن هشام واختلف عنه :

الله أعلم هل حفظه معاذ من هذه الطرق كلها وهو أمر مستبعد، أم أن الأمرَ شكٌّ من معاذ، فإنه صدوق، وهذا هو الأظهر،

فقد قال ابن عدي :" ولمعاذ عن أبيه عن قتادة حديث كثير وله عن غير أبيه أحاديث صالحة وهو ربما يغلط في الشئ بعد الشئ وأرجو أنه صدوق "،

وقد غلط ههنا واختلط عليه حديث أبي هريرة السابق بحديث الأسود فأدمجه فيه، والصواب أنه عن أبي هريرة، وليس للأسود فيه أصل محفوظ كما سيتبين :

1/ فقد رواه علي وغيره ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن [قتادة] عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة كما سبق وأن رواه طاوس وهمام – مع أبي رافع - عن أبي هريرة .

2/ ورووْه مرة أخرى عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن [الأحنف بن قيس] عن الأسود بن سريع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

وفي الإسناد الأوّل - في المسند وإسناد ابن حبان (الزوائد 7357) - لم يذكر أحمدُ وإسحاقُ عن معاذ " قتادة"، وقد قيل أنه سقْطٌ فقط .

3/ بينما رواه البزار عن محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الأسود بن سريع به، لم يذكر الأحنف بن قيس .

4/ ورواه أخرى (الكشف2174 ) عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة [عن الحسن] عن الأسود بن سريع به، فجعله عن الحسن بدلَ الأحنف .

فإذْ قد اضطرب فيه معاذ على الأرجح، وربما أبوه أو قتادة، فأي الطرق أصح ؟؟

ومنْ لها متابع خارجي ؟

والجواب أنه محفوظ عن معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن [قتادة] عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة فقط :

فقد رواه علي بن زيد كذلك لكن رفعه :

5/ فخرجه إسحاق (514) وغيره عن حماد عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال: " أربع كلهم يدلي على الله بحجة وعذر: رجل مات في الفترة، ورجل مات هرما، ورجل معتوه، ورجل أصم أبكم، فيقول الله لهم: إني أرسل إليكم رسولا فأطيعوه، فيأتيهم فيتأجج لهم نارا فيقول: اقتحموها من دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يقتحمها حقت عليه كلمة العذاب "،

وقد وَهِمَ علي بن زيد في رفعه، وأما متنه فصحيح من قوْل أبي هريرة لمتابعاته السابقة .

وأما رواية معاذ التالية عن الأسود فهي وهْم وإدماج لعدم المتابع لها والله أعلم :

6/ فقد خرجها إسحاق (41) وأحمد (2/24) عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:"أربعة [يحتجون] يوم القيامة: رجل أصم لايسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب، قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، أما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاما".

وحتى إن لم يكن الاختلاف من معاذ ولا أبيه فقد يكون من قتادة، وقد رماه جمعٌ بالتدليس وقد عنعن واختُلف عنه كما بينا .

وأما الوِلْدان : فليس لهم ذِكْرٌ في الحديث السابق لا عن الحسن ولا قتادة ولا عن أبي هريرة:

بل قد روى معمر عن قتادة عن الحسن أن سلمان قال: أولاد المشركين خدم أهل الجنة"،

قال الحسن: ما تعجبون! أكرمهم الله وأكْرِمْ بهم "،

وورد نحوه عن أبي هريرة كما سيأتي .

وأما حديث الأسود فالمحفوظ عنه في هذا الباب ما :

7/ قاله الطبراني في الكبير (826) حدثنا بشر بن موسى ثنا يعلى بن عباد بن يعلى حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فبلغ من قتلهم أن قتلوا الذرية من المشركين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال:" ما بال أقوام بلغ من قتلهم أن قتلوا الذرية من المشركين ؟ فقالوا : يا رسول الله وذكر كلمة بعدها فقال:" أو ليس خياركم أولاد المشركين ؟ والذي نفسي بيده ما مولود يولد إلا على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه". 

تابعه قتادة وأشعث والمعلى والسري بن يحيى أبي الهيثم عن الحسن عن الأسود بن سريع نحوه، وقد سمعه الحسن من الأسود فصح الحديث كما سيأتي .

دليل ثالث: حديث أبي سعيد : وهو الكلبي الضعيف وليس بالصحابي:

وفيه امتحان أهل الجاهلية والولدان والمجانين والمعتوهين، وأن منهم من ينجح في هذا الامتحان ومنهم من لا ينجح فيدخل النار: فهو مخالف لسابقه:

خرجه الطبري في تفسير الآية، والبزار والبغوي في مسند علي بن الجعد (2038) والذهلي عن ابن موسىوسعيد بن سليمان وغيرهما عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الهالك في الفترة والمعتوه والمولود قال: يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول، ثم تلا هذه الآيات {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)} [طه: 134]، ويقول المعتوه: لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا، ويقول المولود: رب لم أدرك الحلم قال: فترفع لهم نار، فيقال: رِدُوها أو ادخلوها قال: فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدا، لو أدرك العمل قال: ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل قال: فيقول: إياي عصيتم، فكيف برسلي بالغيب أتتكم؟ " قال محمد بن جعفر: إياي عصيتم فكيف لو أتتكم رسلي"،

قال البزار (الكشف2176):" لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من حديث فضيل "،

وهو حديث لا عبرة به، لأنه معلول بأربعة علل :

أولاها: تفرد عطية به وهو ضعيف مدلس في الشيوخ وقد دلّس هنا.

والثانية : أنه قد اضطرب، فرواه بعضهم عن فضيل عنه موقوفا .

قال البيهقي والعراقي والقرطبي :" ويروى موقوفا عن أبي سعيد قوله"،

ثم أعله القرطبي في التذكرة (1041) وقال:" قال أبو عمر – في التمهيد -: من الناس يوقف هذا الحديث على أبي سعيد ولا يرفعه، منهم أبو نعيم الملائي ".

قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/1143): " قال محمد بن نصر ورواه أبو نعيم الملائي عن فضيل عن عطية عن أبي سعيد موقوفا ".

والعلة الثالثة :أن أبا سعيد اثنان، وليس هو الصحابي بل هو الكلبي الضعيف، وقد كان عطية يروي تفسير الآيات - كما هنا - عن أبي سعيد الكلبي فيتوهم بعضهم بأنه الصحابي وليس كذلك:

فقد قال الإمام مسلم بن الحجاج: قال أحمد: وذكر عطية العوفي فقال: هو ضعيف الحديث ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد "،

وقال أحمد وحدثنا أبو أحمد الزبيري سمعت [الثوري سمعت] الكلبي يقول:" كناني عطية أبو سعيد "،

قال ابن حجر :" وقال ابن حبان في الضعفاء بعد أن حكى قصته مع الكلبي بلفظ مستغرب فقال :" سمع من أبي سعيد أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته، فإذا قال الكلبي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول حدثني أبو سعيد فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد الكلبي"، قال:" لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب، ثم أسند إلى أبي خالد الأحمر قال لي الكلبي قال لي عطية: كنيتك بأبي سعيد فأنا أقول حدثنا أبو سعيد ".

وعليه فأبو سعيد هذا هو الكلبي، وقد ضعفه أكثر النقاد واتهمه آخرون، ولم يصح أنه كان كذابا، بل شيخه أبو صالح هو الذي قال له: ما رويتُ عن ابن عباس فهو كذب"،

فجعل يقول للناس عن حسن قصد وتحذير :" ما رويته عن لأبي صالح فهو كذب"،

فظنوه هو الكذاب وهو صادق علامة في التفسير ،

ولعل هذا الحديث قد رواه عن أبي صالح المذكور، وخلاصة القول فيه ما قال ابن عدي :" وللكلبي غير ما ذكرت من الحديث أحاديث صالحة، وخاصة– أي يستثنى- عن أبي صالح"، قال:" وهو رجل معروف بالتفسير وليس لأحد تفسير أطول، ولا أشبع منه وبعده مقاتل... وحدث عن الكلبيِّ الثوريُّ وشعبة ... وغيرهم من ثقات الناس ورضوه بالتفسير، وأما في الحديث فخاصة – أي استثنوا - إذا روى عن أبي صالح عن ابن عباس ففيه مناكير، ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه ".

والعلة الرابعة : مخالفة متنِهِ كلِّه للأصول والأدلة المذكورة ، وخاصة في زيادة امتحان الأطفال: فقد قال القرطبي:" ويضعفه من جهة المعنى أن الآخرة ليست بدار تكليف وإنما هي دار جزاء ثواب وعقاب.

قال:" وقال الحليمي: وهذا الحديث ليس بثابت وهو مخالف لأصول المسلمين لأن الآخرة ليست بدار الامتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة ولا مجنة مع الضرورة، ولأن الأطفال هناك لا يحلو من أن يكونوا عقلاء أو غير عقلاء فإن كانوا مضطرين إلى المعرفة فلا يليق بأحوالهم المحنة وإن كانوا غير عقلاء فهم من المحنة أبعد.

دليل رابع :حديث أنس : وفيه امتحان أهل الجاهلية والولدان والمجانين والكبار ، وأن منهم من ينجح في هذا الامتحان ومنهم من لا ينجح فيدخل النيران :

وقد ورد عن أنس من وجهين متناقضين:

1/ خرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة، والبزار 2177) حدثنا يوسف بن موسى كلاهما قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث بن أبي سليم عن عبد الوارث عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يؤتى بأربعة يوم القيامة : بالمولود، والمعتوه ، ومن مات في الفترة ، وبالشيخ الفاني ، كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الله تبارك وتعالى لعنق من جهنم - أحسبه قال - : ابرزي ، فيقول لهم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم ، فإني رسول نفسي إليكم ، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء : يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفرق، ومن كُتب له السعادة ، فيمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال : فيقول الله : قد عصيتموني، وأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية ، قال : فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ".

وهذا له ثلاثة علل تبطله :

الأولى: تفرد عبد الوارث وهو مجهول ضعيف .

والثانية : تفرد ليث عنه وكان صدوقا ثم اختلط، والأكثرون على ضعفه مطلقا ولم يتميز، وعلى كل حال فقد أدركه جرير الراوي عنه بعد زيادة اختلاطه وتخليطه، فقد ضعفه تلميذه جرير، فيما قال عثمان بن أبي شيبة: سألت جريرا عن ليث ويزيد بن أبي زياد وعطاء بن السائب؟ فقال كان يزيد أحسنهم استقامة، ثم عطاء، وكان ليث أكثر تخليطا "، قال أحمد: أقول كما قال".

والعلة الثالثة: أن الثابت من حديث أنس من عدة طرق أن مواليد - حتى المشركين - هم من خدم أهل الجنة :

2/ قال أبو داود الطيالسي 2225: حدثنا الربيع عن يزيد - بن أبان- قال: قلنا لأنس: يا أبا حمزة، ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها، فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة، هم من خدم أهل الجنة"، وله طرق كثيرة عن أنس وغيره ستأتي .

دليل خامس : حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: وفيه امتحان أهل الجاهلية والولدان والمجانين ، وأنهم لا ينجحون في هذا الامتحان، ثم يدخلون النار :

خرجه الطبراني في الشاميين (2205) وابن عبد البر في التمهيد وأبو نعيم في الحلية (5/127) وابن عدي في الكامل (ترجمة عمرو) عن عمرو بن واقد عن يونس بن – ميسرة بن - حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن معاذ بن جبل عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :"يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرًا. فيقول الممسوخ: يا رب، لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد مني -وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك-فيقول الرب عز وجل: إني آمركم بأمر فتطيعوني؟ فيقولون: نعم، فيقول: اذهبوا فادخلوا النار -قال: ولو دخلوها ما ضرّتهم-فتخرج عليهم قوابص، فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعًا، ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك، فيقول الرب عزّ وجل: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون، وعلى علمي خلقتكم، وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار"،

تفرد به عمرو وهو منكر الحديث كما قال البخاري، وهذاالحديث باطل غير محفوظ عدّه ابن عدي من منكرات عمرو، ثم قال ابن عدي :" ولعمرو بن واقد غير ما ذكرت من الحديث وهذه الأحاديث التي أمليتها بإسناد واحد كلها غير محفوظة إلا من رواية عمرو بن واقد عن يونس، عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل، وهو من الشاميين ممن يكتب حديثه مع ضعفه "، وقال ابن طاهر : رواه عمرو بن واقد عن ... وعمرو ليس بشيء "،

وقال ابن الجوزي في العلل :"هذا حديث لا يصح، وفي إسناده عمرو بن واقد، قال ابن مسهر ليس بشيء، وقال الدارقطني: متروك، وقال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك "،

وقال ابن عبد البر :" وهي كلها أسانيد ليست بالقوية ولا يقوم بها حجة وقد ذكرناها بأسانيدها في التمهيد، وأهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب ". أي أحاديث الامتحان.

دليل سادس: حديث ثوبان: وفيه امتحان أهل الجاهلية فقط، وأنهم لا ينجحون في هذا الامتحان، ثم يدخلون النار :

له طريقان :

1. قال البزار 4169- حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم عظم شأن المسألة قال: إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم تبارك وتعالى فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولا ولم يأتنا لك أمر، ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيقولون: نعم فيأمرهم أن يعمدوا جهنم فيدخلونها فينطلقون حتى إذا دنو منها وجدا لها تغيظا وزفيرا فرجعوا إلى ربهم فيقولون: ربنا أخرجنا منها، أو أجرنا منها فيقول لهم ألم تزعمون أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول: اعمدوا لها فادخلوها فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا فرجعوا فقالوا: ربنا فرقنا منها، ولا نستطيع أن ندخلها فيقول: ادخلوها داخرين فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما ".

قال البزار :" وهذا الحديث عن ثوبان لا نحفظه إلا من هذا الطريق الذي ذكرناه، ولا نعلم رواه عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان إلا عباد بن منصور، ولا عن عباد إلا ريحان بن سعيد "، وريحان فيه لين وكذلك عباد ،

قال:" ولا نعلم حدث بحديث أبان إلا إسحاق بن إدريس، وهو غريب عن أيوب، وعن يحيى بن أبي كثير وهذا الحديث فمتنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير معروف إلا من هذا الوجه "، ثم خرجه من طريق يحيى بن أبي كثير فكأنه لم يعتد بهذه المتابعة ، لأن فيها إسحاق وهو متروك وقيل وضاع كما سيأتي :

1.فأما الإسناد الأول : وهو إسناد ريحان، ففيه علل أربعة : 

أولاها : تفرد ريحان وهو مختلف فيه، فقد قال عنه ابن معين والنسائي :" ليس به بأس"، وقال الدارقطني: "بصري يحتج به"، قال أبو عيسى : ورأيت محمدا يستغرب أحاديث ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب ويرضى به "،

بينما قال أبو حاتم: "شيخ لا بأس به، يكتب حديثه، ولا يحتج به"، ولم يرضه أبو داود وابن قانع، فخلاصة أمره أنه صدوق فيه ضعف يسير يعتبر به .

والعلة الثانية : روايته عن عباد منكرة : فقد قال البرديجي:"فأما حديث ريحان عن عباد، عن أيوب، عن أبي قلابة فهي مناكير". وقال العجلي:"يروي عن عباد منكر الحديث"، وقال ابن حبان :" يعتبر حديثه من غير روايته عن عباد بن منصور"،

والعلة الثالثة : شيخه عباد وهو ضعيف أيضا، ثم لما كبر تغير ازداد ضعفا، وكثرة المناكير في رواية ريحان عنه تدل على أنه روى عنه أيضا بعد الاختلاط.

والعلة الرابعة : أنه مدلس أيضا وقد عنعن : بل إنه يدلس عن الكذابين، فقد قال أبو حاتم: كان – عباد - ضعيف الحديث يُكتب حديثه، ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة"، وقال علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد قلت لعباد بن منصور: سمعتَ حديث ما مررت بملا من الملائكة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكحل ثلاثا يعني من عكرمة؟ فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة ".

فاجتمعت فيه أربعة علل قادحة جدا فأبطلته .

2. وأما الإسناد الثاني ففيه متروك لا يُعتبر به ، وقد يرجع حديث عباد له فيكون دلسه عنه، وليس فيه إلا ذكر امتحان أهل الجاهلية من غير ذكر مصيرهم النار:

. فقد خرجه الحاكم (4/496) والبزار (4170) عن إسحاق بن إدريس (متهم) ثنا أبان بن يزيد ثنا يحيى بن أبي كثير ثنا أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي حدثني أبو أسماء الرحبي، أن ثوبان حدثه ... قال: وزعم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم عظم شأن المسألة، وأنه إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم، فيسألهم ربهم عز وجل: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولا، ولم يأتنا أمر ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك لك، فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر أتطيعوني؟ قال: فيقولون: نعم. قال: فيأخذ مواثيقهم على ذلك، فيأمرهم أن يعمدوا لجهنم فيدخلونها، قال: فينطلقون حتى إذا جاءوها رأوا لها تغيظا وزفيرا، فهابوا فرجعوا إلى ربهم، فقالوا: ربنا فرقنا منها، فيقول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعوني، اعمدوا لها فادخلوا، فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا فرجعوا، فقالوا: ربنا لا نستطيع أن ندخلها، قال: فيقول: ادخلوها داخرين " قال: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما»، صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وهو وهْم لأن إسحاقا متهم بالكذب، فبقيت طريق ريحان عن عباد غريبة وربما ترجع إليها بسبب تدليسه عن الكذابين .

ولذلك ضعّف البزار كلا الطريقين – مع أنه يُحَسن نسخة أحاديث ريحان - فقال: " ولا نعلم حدث بحديث أبان إلا إسحاق بن إدريس، وهو غريب عن أيوب، وعن يحيى بن أبي كثير، وهذا الحديث فمتنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير معروف إلا من هذا الوجه "، ولذلك قال الهيثمي :" رواه البزار بإسنادين ضعيفين ".

وخلاصة القول في هذا الباب : أن حديث أبي هريرة موقوف ليس له حكم الرفع، ولا تقويه تلكم الأحاديث الباطلة فإنها شديدة الضعف كما بينا ، وهي أحاديث منكرة المتون يخالف بعضها بعضا، فبعضها فيه أنهم لا ينجحون في هذا الامتحان، وبعضها فيه من ينجح ومن لا ينجح، وبعضها فيه ذكر الولدان، وبعضها لا، كحديث أبي هريرة والأسود ، وبعضها فيه امتحان أهل الجاهلية وعدم نجاحهم .

ثم جميعها مخالف للكثير من الأدلة القرآنية والنبوية من أن الله لن يعذب أحدا حتى يبعث له رسولا، وأن الأحاديث الصحيحة والكثيرةَ تبين أن الآخرة دار جزاء لا عمل، وأن ولدانَ المسلمين في الجنة يتنعمون، وولدان المشركين لِأَهل الجنة يخدمون، كما سيتبين في المطالب التالية.

ولذلك قال النووي :" وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب الأولى ".

وخلاصة القول عنها ما قاله ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 114):" .. وقد روي عن أنس بن مالك عن النبي مثل معنى هذا الحديث، وقد روي أيضا من حديث معاذ بن جبل مثله ومعناه، وهي كلها أسانيد ليست بالقوية ولا يقوم بها حجة .. ،

قال:" وأهل العلم ينكرون أحاديث هذا الباب لأن الآخرة دار جزاء وليست دار عمل ولا ابتلاء، وكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها ... والطفل ومن لا يعقل أحرى بأن لا يمتحن بذلك".

قال القرطبي:" ويضعفه من جهة المعنى أن الآخرة ليست بدار تكليف وإنما هي دار جزاء ثواب وعقاب"،

قال:" وقال الحليمي: وهذا الحديث ليس بثابت وهو مخالف لأصول المسلمين، لأن الآخرة ليست بدار الامتحان، فإن المعرفة بالله تعالى فيها تكون ضرورة ولا محنة مع الضرورة، ولأن الأطفال هناك لا يخلو من أن يكونوا عقلاء أو غير عقلاء فإن كانوا مضطرين إلى المعرفة فلا يليق بأحوالهم المحنة وإن كانوا غير عقلاء فهم من المحنة أبعد "،

وقد تعقبهم ابن حجر في الفتح فقال :" وأجيب بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار وأما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك وقد قال تعالى {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} وفي الصحيحين أن الناس يؤمرون بالسجود فيصير ظهر المنافق طبقا فلا يستطيع أن يسجد"،

ويُجاب عنه بأن هذا الأمر بالسجود ليس من باب الامتحان ولا العمل الذي يُثاب عليه صاحبه، لأن وقت الثواب والعمل قد انقطع بالاتفاق، وإنما هذا أمر بالسجود حتى يُعرف صنفان مجرمان من الناس كانوا يدعون الإسلام :

صنف كانوا لا يُصلون ولا يسجدون في الدنيا، فيُدعون للسجود فلا يستطيعون فعل ذلك في الآخرة كما في القرآن .

وصنف منافقون كانوا يسجدون رياءا ، فيُفتضح أمرهم في الآخرة .

وقد أشرت إلى أن الأحاديث الصحيحة والكثيرةَ تبين أن الولدانَ في الجنة يتنعمون، وأما ولدان المشركين فلِأَهْل الجنة يخدمون، وهذا ما سأبينه في هذا المطالب التالية ، مراعيا فيها التسلسل المنطقي الذي به يظهر الجمع بين الأحاديث كما فعل السلف والله المستعان : 

فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شارحا صنيع البخاري لما قال:" باب ما قيل في أولاد المشركين"، قال ابن حجر : " هذه الترجمة تشعر أيضا بأنه كان متوقفا في ذلك، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي تحريره، وقد رتب أيضا أحاديث هذا الباب ترتيبا يشير إلى المذهب المختار، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك ".ونظرا لتداخل مدلولات بعض هذه الأحاديث المتعارضة فقد أكررها على حسب الترتيب المنطقي بعون الله تعالى :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني : القول الثاني: ذِكر من قال بأن أطفال المشركين مع آبائهم في الأحكام الدنيوية فكذلك الأخروية مثلها:

بمعنى أنهم معهم في النار،

وقد استدلوا بأحاديث كلها تدل على أنهم مع آبائهم في الأحكام الدنيوية فقط، لا الأخروية :

دليل أو الدليل الأول : خرجه الحاكم (4/551) وليّنه، والترمذي (2191) وحسنه من طريق حماد بن سلمة نا علي زيد - وهو مختلف فيه - عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ... ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا و يحيى كافرا و يموت كافرا، ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا، ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا..".

إلاّ أنّ المقصود من الحديث لو صح هو التكلم عن الأحكام الدنيوية للصبيان وأنهم فيها تبع لوالديهم، ويحتمل أنه يتكلم عن علم الله تعالى وما كتبه في الألواح والقدر من حال ومآل، وخواتيمَ أعمال, لا أنه يتكلم عن نفس الكفر في حالة الصغر، ولا عن الجنة ولا النار للمواليد.

الدليل الثاني : ما ذكره ابن عبد البر عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أطفال الكفار:" هم من آبائهم"،

إلا أن هذا الحديثَ مختصرٌ، وهو محمول عند العلماء أيضا على الأحكام الدنيوية من ميراث ودفن وإلحاق وغارة، بدليل ما خرجه الطبراني في الكبير (7455) عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه قال: يا رسول الله أطفال المشركين نصيبهم في الغارة بالليل؟ قال : لا تعودوا ذلك ولا حرج فإن أولادهم منهم".

دليل ثالث :حديث أبي ذر: خرجه ابن بطة نا المتوثي نا أبو داود نا مسدد بن مسرهد: حدثنا عبد الله بن داود عن عمر بن ذر بن أمية عن رجل عن البراء قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين فقال: «هم مع آبائهم» فقيل: إنهم لم يعملوا، قال: «الله أعلم» .

وهم فيه ابن داود ،

فقد خالفه أبو نعيم الفضل بن دكين فقال نا عمر هو ابن ذر قال: حدثني يزيد بن أمية القرشي: أن عازب الأنصاري أرسل مولى له إلى عائشة فقال: أقرئها مني السلام ... ",

وهو الأصوب، كما سيأتي في :

دليل أو الدليل الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها :

حيث سئل عليه السلام عن ذراري المؤمنين، فقال: هم مع آبائهم، فقلت: بلا عمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بما كانوا عاملين، وعن ذراري المشركين، فقال: هم مع آبائهم، قلت: بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين "،

وهذا فيه شقان :

شق يتكلم عن الجانب الدنيوي من إلحاق ودفن وإرث ومعاملة .. كالآباء وذلك في قوله :" هم مع آبائهم"،

والشق الثاني يتكلم عن الجانب الأخروي وذلك في قوله :" الله أعلم بما كانوا عاملين "،

وهذا هو الصواب فيه كما سيتبين، وقد فهم بعضهم من لفظة " هم مع آبائهم "،

أنهم معهم في النار وليس كذلك كما بينا .

وهذا الحديث له طرق بعضها قوية وأخرى لينة ، وأخرى فيها زيادات منكرة :

1. فقد خرجه البيهقي في الاعتقاد (618) من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين نا عمر هو ابن ذر قال: حدثني يزيد بن أمية القرشي: أن عازب الأنصاري أرسل مولى له إلى عائشة فقال: أقرئها مني السلام, وسلْها هل حفظتِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا في الأطفال؟ فانطَلَقَ إليها فبلّغها عنه السلام، وقال: إن ابنك عازبا يسألك هل حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا في الأطفال؟ فقالت: نعم , سألته عن أطفال المشركين , قلت: أين أطفال المشركين؟ قال: «مع آبائهم» قلت: يا رسول الله بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت: يا رسول الله فأين أطفال المؤمنين؟ قال: مع آبائهم , قلت: بلا عمل؟ قال: قد علم الله ما كانوا عاملين "،

وهذا حديث ضعيف جدا، فيه يزيد بن أمية مجهول العين وقد اضطرب، وهو منقطع، وحديثه هذا لا عبرة به ، وهذا المولى المبعوث هو عبد الله بن أبي قيس كما سيتبين ، وهذا الحديثُ قد يرجع إلى الطريق التالية:

فقد ذكروا في ترجمة يزيد: أنه روى سعيد بن الصلت عن يزيد بن أمية عن محمد بن زياد الألهاني حديثا فلا يُدرى هو ذا أو غيره "، وهو عيْنه والله أعلم :

فقد رواه بقية عن الألهاني لكن اختلف عنه :

فرواه كثير بن عبيد عن بقية معضلا ومرسلا إلى خديجة كما سيأتي .

ورواه بعضهم عن بقية بإسناده إلى عائشة، لكنهم اختلفوا، والاختلاف من بقية أو من عبد الله بن أبي قيس أو معا وهو الأظهر :

2. قال إسحاق في مسنده 1671 - أخبرنا بقية بن الوليد حدثني محمد بن زياد الألهاني عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألتُ عائشة عن ذراري المؤمنين، وذراري المشركين، فقالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذراري المؤمنين، فقال: هم مع آبائهم، فقلت: بلا عمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بما كانوا عاملين، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: هم مع آبائهم، قلت: بلا عمل؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين "،

وهذا رجاله ثقات، لكن اضطرب فيه ابن أبي قيس ، وربما بقية بن الوليد :

4. فقد قال إسحاق 1672 أخبرنا بقية بن الوليد حدثني عتبة بن ضمرة بن حبيب حدثني عبد الله بن أبي قيس [ عن عازب بن مدرك] قال: سألت عائشة أم المؤمنين عن ذراري المشركين؟ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هم مع آبائهم، فقلت: بلا عمل؟ فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين "،

كذا قال بقية عن عتبة واضطرب وقد يكون حفظه على الوجهين، فيكون الاضطراب من عبد الله بن أبي قيس، وهو الذي مرة يقول : سألتُ عائشة، وهذا يعني صحة الحديث، ومرة يقول : عن عازب هو الذي سأل ، وهذا يعني ضعف الحديث، فيا ترى، أي الروايتين أصح ؟  

فقيل: الأولى المتصلة هي الأصح وهو الأظهر لما يلي :

5. فقد قال أبو داود (4712) ونا موسى بن مروان الرقي وكثير بن عبيد قالا: نا محمد بن حرب – مع بقية - عن محمد بن زياد عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله: ذراري المؤمنين؟ فقال: «من آبائهم» فقلت: يا رسول الله , بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت: يا رسول الله فذراري المشركين؟ قال: «من آبائهم» قلت: بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»

ورواه أبو المغيرة كذلك وأن عبد الله هو السائل :

6. فقال أحمد (6/84) حدثنا أبو المغيرة حدثنا عتبة يعني ابن ضمرة بن حبيب قال: حدثني عبد الله بن أبي قيس مولى غطيف أنه أتى عائشة أم المؤمنين، فسلم عليها، فقالت: من الرجل؟ قال: أنا عبد الله مولى غطيف بن عازب، فقالت: ابن عفيف؟ فقال: نعم، يا أم المؤمنين، فسألها عن الركعتين بعد صلاة العصر، أركعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت له: " نعم "، وَسَأَلَها عن ذراري الكفار، فقَالَتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هم مع آبائهم "، فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال:" الله عز وجل أعلم بما كانوا عاملين "،

وهذه مثل رواية بقية ومحمد بن حرب ، وتظهر أنها صحيحة ، لكنها معلولة بعلة خفية، إذ يبدو عليها الإرسال:

وذلك في قول عتبة :" وَسَأَلَها عن ذراري الكفار، فقَالَتْ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هم مع آبائهم"، فلو كان متصلا، لكان من قول عبد الله بن أبي قيس ولقال:" فسألتُ عائشة ..."،

وقد يحتمل أن تكون متصلة لكنها مروية بالمعنى فقط .

وقد روى بقية بأن عائشة هي التي سألت النبي عليه السلام عن الأطفال، وروى بعضهم بأن السائلة هي خديجة رضي الله عنهما .

. ورواه محمد بن سليمان بن أبي جميلة وهو مقبول واختلف عنه :

7. فقد خرجه البخاري في تاريخه عن يحيى بن صالح الوحاظي عن محمد بن أبي جميلة الحمصي سمع عبد الله بن أبي قيس قال: سألتُ عائشة عن أولاد المشركين، فقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هم من آبائهم"، متصلا صحيحا .

وكل هذه الروايات فيها أن عبد الله هو الذي سأل أم المؤمنين عن حكم ذراري المؤمنين في الدنيا، فأخبر عليه السلام بأنهم تبع لآبائهم، لم يتطرق أحد منهم إلى أنهم من أهل النار ، ثم بعد أن أخبرهم عليه السلام بأنهم مع آبائهم في الدنيا حكما، أخبرهم بالحكم الأخروي وهو أن :" «الله أعلم بما كانوا عاملين». فتوقف في حكمهم الأخروي ،

وإني أحمد الله ربي أن وفقني بعد مدة وطول بحث وتعب لهذا الجمع في هذا الحديث الغريب .

ثم وجدت بأن البيهقي قال في الاعتقاد :" فهذا أيضا يدل على أن أولاد المشركين لم يولدوا على الإسلام قطعا , وأنه جعل حكمهم حكم آبائهم , ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا "، وهذا الاحتمال الثاني هو الصواب قطعا، وأما رواية أنهم في النار، فقد تفرد بزيادتها رجل ضعيف ، واختلطت عليه مع حديث آخر لخديجة فبانت العلة والحمد لله، فتأمل :

8. فقد قال الطبراني في مسند الشاميين (1576)حدثنا خطاب ثنا نصر – وهو ضعيف - ثنا أبي– محمد بن سليمان - ثنا عبد الله بن أبي قيس قال: أرسلني مولاي عطية بن الحارث إلى عائشة أم المؤمنين أسألها عن الوصال، في الصيام , وعن الركعتين، بعد العصر , وعن أولاد المشركين؟ فأتيتها , فقلت: السلام عليك يا أم المؤمنين ورحمه الله وبركاته , فقالت: وعليك , من أنت؟ قلت أنا عبد الله بن أبي قيس , أرسلني مولاي عطية بن الحارث ,.... قلت: يا أم المؤمنين أولاد المشركين؟ قالت: في النار , سَأَلتْ خديجةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أولادها في الجاهلية؟ فقال: «في النار» , فقالت يا رسول الله بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»،

وهذه الزيادة باطلة منكرة من مناكير نصر.

وقدخالفه يحيى الوحاظي عن محمد بن أبي جميلة سمع عبد الله بن أبي قيس قال: سألتُ عائشة عن أولاد المشركين، فقالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هم من آبائهم"، كما روى الناس .

وروى هذاالحديثَ شعبة عن يزيد بن خمير قال سمعت عبد الله بن أبي موسى (قيس) قال : أرسلني مدرك أو بن مدرك – بدل عطية - إلى عائشة أسألها عن أشياء قال فأتيتها ... فذكر نفس الحديث والأسئلة التي ذكرها نصر ، لكن لم يذكر مواليد المشركين أصلا ، وكذلك رواه معاوية بن صالح عن عبد الله .

9. وأما ما خرجه الطيالسي (1681) عن أبي عقيل عن بهية عن عائشة قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين فقال: « هم في النار يا عائشة » قلت: فما تقول في أطفال المسلمين ؟ قال: « هم في الجنة يا عائشة » قلت : وكيف ولم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم الأقلام ؟ قال:« ربك أعلم بما كانوا عاملين »،

ورواه وكيع عند أحمد (6/208) عن أبي عقيل مختصرا بلفظ:" إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار "،

إلا أنه حديث منكر ساقط، فيه أبو عقيل وهو متروك تالف، وبهية مجهولة، ولا يعتبر به ، وهو مع الحديث السابق الذي رواه نصر بن محمد بن سليمان كلاهما وهْمٌ لاختلاطهماعلى رواتهما بحديث خديجة التالي :

دليل رابع : حديث خديجة : له طرق : 

1. فخرجه ابن بطة (1488) حدثنا محمد بن أحمد أبو عبد الله المتوثي حدثنا أبو داود حدثنا كثير بن عبيد حدثنا بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير وراشد بن سعد قال: قالت خديجة: يا رسول الله أين أولادي منك؟ قال: «في الجنة» قالت: بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قالت: فأولادي من المشركين؟ قال: «في النار» قالت: بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»، فيه تدليس بقية ثم هو مرسل بل معضل .

2.قال أبو يعلى في مسنده (الزوائد 1160) حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا سهل بن زياد الحربي بصري ثقة قال: حدثني الأزرق بن قيس عن عبد الله بن نوفل أو عن عبد الله بن بريدة شك سهل عن خديجة بنت خويلد قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: بأبي أين أطفالي منك ؟ قال: «في الجنة»، قالت: وسألته أين أطفالي من أزواجي من المشركين؟ قال: «في النار»، قلت: بغير عمل ؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»،

تفرد به سهل وفيه جهالة وقد وثقه تلميذه، ثم هو شك منه، كما أنه منقطع جدا ، فقد قال الهيثمي: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجالهما ثقات إلا أن عبد الله بن الحارث بن نوفل وابن بريدة لم يدركا خديجة "،

وبينهما أمد طويل جدا ، وقد وردت هذه الواسطة من حديث محمد ، فلئن كان صدوقا أو عدلا فالحديث به يصح، وإن كان ممن لا يُعتبر به فالحديث باطل، لأن محمدا أراد أن يضع هذه الواسطة ليُدلل على أصْل ومخرج الحديث :

3. قال ابن أبي عاصم في السنة (213) ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا محمد بن فضيل عن محمد عن زاذان عن علي قال: سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هم في النار» . فلما رأى ما في وجهها قال: «لو رأيت مكانهم لأبغضتهم» . قالت: قلت: فأولادي منك؟ قال: «في الجنة، والمشركون وأولادهم في النار» . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم.} [الطور: 21]"،

تُرى من محمد هذا ؟ قال الشيخ الألباني :" إسناده ضعيف رجاله ثقات غير محمد وهو ابن عثمان كما وقع في المسند على ما يأتي بيانه وهو مجهول... قال الذهبي في الميزان:" لا يدري من هو؟ فتشت عنه في أماكن وله خبر منكر، ثم ذكر له هذا الحديث "،

ثم قال الألباني :" فهذا منكر بل باطل لمخالفته لظاهر قول الله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} فإذا كان لا يُعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العقل عن الأولاد من باب أولى ولمخالفته أيضا لعديد من الأحاديث الدالة على أن أولاد المشركين في الجنة فضلا من الله ورحمة، وهذا هو اختيار أهل التحقيق من العلماء

وإذ هو مجهول العين وقد ضعفه الأزدي أيضا، فلا يُعتبر به، فسقط الحديث.

وقد قال ابن الجوزي :" في إسناده محمد بن عثمان لا يقبل حديثه ولا يصح في تعذيب الأطفال حديث ".

ومن زعم أنه هو محمد بن عثمان بن أبي سويد - وهو أشد منه ضعفا - فقد وهِم، لأن هذا متأخر جدا في طبقة شيوخ ابن عدي، وأقدم من روى عنه الفراهيدي ، ومهما كان معمرا فيستحيل أن يكون عاش أكثر من قرْنين ، ولم يذكر أحد أنه روى عن زاذان ولا طبقته، فإن زاذان متقدم أدرك زمن عمر ومات سنة اثنتين وثمانين .

والصواب من حديث زاذان ما رواه المحاربي عن الأعمش عن عثمان بن قيس عن زاذان عن علي في قوله عز وجل {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين} قال:" هم أطفال المؤمنين ". ولم يزد.

دليل خامس: حديث : « الوائدة والموءودة في النار»،

 

وهو حديث باطل يخالف هذه الأصول والأدلة الكثيرة ومع ذلك فقد اغتر به البعض فصححه، وهذا ما جعلني أجمع طرقه وأبين بطلانه بعون من الله تعالى فأقول :

1/ خرج ابن بطة في الإبانة (4/80) من طريق محمد بن أحمد بن سيار الأزدي قال: حدثنا أحمد بن سنان القطان ومحمد بن الوليد البسري قالا : حدثنا أبو أحمد الزبيدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الوائدة والموءودة في النار»، وهو حديث منكر لوجوه :

أولاها مخالفته للآيات القرآنية والأحاديث الكثيرة النبوية كما سبق وأن أشرت .

والثاني: أنه حديث مضطرب سندا ومتنا ، وقع فيه اختلاف كثير في كل من سنده ومتنه .

والثالث : أنه حديث مختصر من حديث فيه قصة حدث فيها إدماج وإدخال بين حديثين متغايريْن . 

2/ فقد رواه محمد الأزدي بإسناده إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص كما سبق،

3/ بينما رواه البزار (1605) فزاد فيه علقمة، فقال: حدثنا أحمدُ بنُ سنان القطان ثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا مثله»،

وأبو إسحاق مدلس ومختلط، وقد حدث عنه زكريا بعد الاختلاط، كما أن الزبيدي قد اختُلف عنه في الإسناد، وليس هذا من حديثِ أبي الأحوص عن عبد الله أصلا، وإنما وقع فيه إدخال بين حديث أصحاب عبد الله من غير ذكر الموؤودة، وبين حديث علقمة والشعبي مرسلا  بذكر الموؤوة كما سيتبين :   

4/ فقد رواه زكريا بن أبي زائدة فزاد فيه عامرا الشعبي، وجعله عن علقمة عن عبد الله :  

خرج ذلك أبو داود في سننه مرسلا، فمُدلّسا، (4717)، فالمرسل من طريق إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا ابن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الوائدة والموؤودة في النار"، ثم قال: قال يحيى بن زكريا قال أبي: فحدثني أبو إسحاق أن عامراً حدثه بذلك عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والرواية الأولى المرسلة أصحّ، لأن الثانية فيها عنعنة أبي إسحاق وهو مدلس ثم هو مختلط،

وقد خالفَه أصحاب عبد الله فرووا الحديثَ من غير زيادة " الوائدة والموؤودة في النار "،

وإنما الزيادة وقعت في مرسل علقمة وحده ، حدّث بها عنه عامر الشعبي الذي اختلف عليه في وصلها وإرسالها، وكل من وصلها عنه فقد وهم ، وزكريا بن أبي زائدة ممن سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط، وقد خولف في الإسناد أيضا:

5/ فرواه ابن بشران (1470) عن عبد الله بن عمر حدثنا عبيدة بن الأسود عن مجالد عن عامر عن سلمة بن مليكة به، بدل علقمة عن ابن مسعود متصلا أو عن علقمة مرسلا. 

6/ وخالفهم داود بن أبي هند فرواه عن عامر الشعبي عن علقمة بن قيس قال: حدثني ابنا مليكة معا به، خرج ذلك البيهقي في القدر (620) قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد أنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز نا أحمد بن عبد الجبار نا حفص بن غياث عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة بن قيس قال: حدثني ابنا مليكة الجعفيان قالا: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله أخبرنا عن أم لنا ماتت في الجاهلية ، كانت تصل الرحم ، وتصدق وتفعل ، وتفعل ، هل ينفعها ذلك شيئا ؟ قال: « لا» قالا : فإنها وأدت أختا لنا في الجاهلية، فهل ينفع ذلك أختنا ؟ قال: « لا الوائدة والموءودة في النار، إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم » فلما رأى ما دخل عليهما قال: « وأمي مع أمكما »،

واختلف فيه على داود أيضا : 

7/ فرواه حفص عن داود عن الشعبي عن علقمة قال : حدثني ابنا مليكة فجعله متصلا عنهما معا،

8/ وخالفه ابن أبي عدي وعبيدة بن حميد عن داود عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي وحده، وقال فيه أيضا :" فإنها وأدت أختاً لها في الجاهلية فهل ذلك ينفع أختها "،

وهذه الرواية مخالفة لما سبق في تعيين المودوءة ، أهي أختهم أم خالتهم ؟

9/ بينما أرسله إسماعيل بن إبراهيم فقال: نا داود بن أبي هند قال: قدمت دمشق فسألوني عن أولاد المشركين فحدثتهم عن الحسن عن أبي هريرة أنه قال:" كل مولود يولد على الفطرة"، وحدثتهم عن الشعبي عن علقمة : أن ابني مليكة قالا: يا رسول الله إن أمنا وأدت موؤودة في الجاهلية.."، خرج ذلك ابن عساكر (17/117)، وهذا المرسل أصح .  

10/ ورواه شيبان عن جابر عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد وحده أيضا مرفوعا ومختصرا كما في معجم الطبراني (6320)، وزاد فيه عبيدة وحده:" وأدت أختا لنا لم تبلغ الحنث"،

وهي زيادة منكرة أيضا، حيث قال ابن حزم في الفصل (4/62) :" وهذه اللفظة يعني "لم تبلغ الحنث" ليست بلا شك من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها من كلام سلمة بن يزيد الجعفي وأخيه فلما أخبر عليه السلام بأن تلك الموءودة في النار كان ذلك إنكاراً وإبطالاً لقولهما أنها لم تبلغ الحنث وتصحيحها لأنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظنهما، ثم قال:" وقد صحت أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن أطفال المشركين في الجنة قال الله تعالى: { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت} فنص تعالى على أنه لا ذنب للموءودة فكان هذا مُبيَّنا، لأن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن تلك الموءودة في النار أخبار عن أنها قد كانت بلغت الحنث بخلاف ظن أخويها "، ثم ذكر بأن الرواة لم يذكروا هذه اللفظة .

11/ بيْنما روى الحديثَ معتمر عن داود عن الشعبي عن علقمة مرسلا،

مثل رواية اسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة،

وكذلك هي رواية ابن أبي زائدة حدثني أبي عن عامر الشعبي مرسلا،

وتابعهم على إرساله منصور فرواه عن إبراهيم عن علقمة مرسلا ، حدث به عنه محمد بن كثير وغيره عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال : جاء ابنا مليكة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا : إن أمنا ماتت حين رعد الإسلام وبرق ، فهل ينفعها أن نصلي لها مع كل صلاة صلاة ، ومع كل صوم صوما ، ومع كل صدقة صدقة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الوائدة والموءودة في النار » قال : فلما وليا قال : « ساءكما أو شق عليكما، أمي مع أمكما في النار»،

وهذه الطرق المرسلة هي الأصح لجلالة رواتها، وعدم اختلافهم فيها، وعليه فالحديث مرسل ومضطرب، ومما يؤكد ضعفه أن الوأد كان من فعل الرجال، لا من فعل النساء,

وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة في أن الموؤودة وأبناء المشركين في الجنة وأنهم من خدمة أهلها كما سيأتي .

12/ وقد روى هذا الحديثَ سائر أصحاب عبد الله لم يذكر أحد منهم زيادة:"الموءودة في النار"،

فرواه علي بن الحكم عن عثمان بن عمير عن أبي وائل عن ابن مسعود قال:" جاء ابنا مليكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله إن أمنا كانت تحفظ على البعل وتكرم الضيف وقد ماتت في الجاهلية فأين أمنا؟ قال: أمكما في النار فقاما وقد شق ذلك عليهما فدعاهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجعا فقال: أمي مع أمكما..."،

وكذلك رواه عن عثمان بن عمير عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله به بغير الزيادة أيضا. 

13/ وللحديث شاهد آخر بالزيادة لكنه ساقط جدا: خرجه الطبراني (10236) عن علي بن عبد العزيز نا يحيى بن عبد الحميد الحماتي نا محمد بن أبان عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: [جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا : إن أمنا كانت تقري الضيف، وإنها وأدت موءودة في الجاهلية] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الوائدة والموءودة في النار »،

وفيه محمد بن أبان متفق على ضعفه ووصفه ابن حبان بقلب الأخبار.

14/ وللحديث شاهد لكنه يرجع إلى ما سبق ، رواه شيبان عن جابر عن يزيد بن مرة، واختلف عنه فيه أيضا :

فرواه الطبراني (6320) عن معاوية بن هشام عن شيبان عن جابر عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي به فرجع الحديث إلى طريق الشعبي عن علقمة كما مضى .

ورواه أبو داود الطيالسي (1402) نا سليمان بن معاذ عن عمران بن مسلم عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : إن أمي ماتت وكانت تقري الضيف، وتطعم الجار واليتيم ، وكانت وأدت وأدا في الجاهلية، ولي سعة من مال أفينفعها إن تصدقت عنها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا ينفع الإسلام إلا من أدركه ، إنها وما وأدت في النار » قال : ورأى ذلك قد شق علي فقال : « وأم محمد معهما فما فيهما خير »،

قال الدارقطني كما في أطراف الغرائب لابن القيسراني (3/114):" غَرِيب من حَدِيث عمرَان بن مُسلم الْجعْفِيّ عَن يزِيد عَنهُ "، وجابر ضعيف وعمران لا أدري من هو، ويزيد بن مرة ضعيف ومع ذلك لم يسمع من سلمة كما قال البخاري في التاريخ:" يزيد بن مرة الحنفي عن شريح العراقي عن سلمة بن يزيد ولا يصح حديثه روى عنه جابر"، وقال الحسيني: فيه نظر".

. وفي الحديث علة أخرى وهي أن ابنا أبي مليكة لم تثبت صحبتهما والله أعلم ، لعدم وجود الدليل على ذلك، ويقال أنهما قد ارتدا، كما خرج ابن سعد في الطبقات (1/324) أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وعن أبي بكر بن قيس الجعفي قالا: كانت جعفي يحرمون القلب في الجاهلية، فوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان منهم، قيس بن سلمة ..، وسلمة بن يزيد ..، وهما أخوان لأم، وأمهما مليكة .. فأسلما، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلغني أنكم لا تأكلون القلب؟ قالا: نعم، .. وفيه:" ثم قالا: يا رسول الله إن أمنا مليكة بنت الحلو كانت تفك العاني وتطعم البائس وترحم المسكين، وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرةً فما حالها؟ قال: الوائدة والموؤودة في النار، فقاما مغضبين، فقال: إلي فارجعا! فقال: وأمي مع أمكما، فأبيا ومضيا وهما يقولان: والله إن رجلاً أطعمنا القلب، وزعم أن أمنا في النار، لأهل أن لا يتبع! وذهبا، فلما كانا ببعض الطريق لقيا رجلاً من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معه إبل من إبل الصدقة فأوثقاه وطردا الإبل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلعنهما فيمن كان يلعن في قوله: لعن الله رعلاً وذكوان وعصية ولحيان وابني مليكة بن حريم ومران".

وكذلك أعله ابن الوزير في العواصم والقواصم (7/249) ثم ذكر عن السبكي تصحيح الحديث ثم قال:" لكنه غيرُ عامٍّ، وإنما هو نصٌّ في موؤودة بعينها"،

ثم ذكر له توجيهات أخرى فقال:" وقد قيل: لعله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على أن سِنَّ تلك الموؤودة بلغت التكليف، ولم يلتفت إلى قول السائل: لم تبلُغِ الحنثَ، لجهله بوقت البلوغ الشرعي، أو يكون التكليف في ذلك الوقت منوطاً بالتمييز، والسائل يجهله، وليس كون التكليف في ذلك الوقت منوطاً بالتمييز في ذلك الوقت من الأمور المحتاج إلى معرفتها حتَّى يبيِّنَه للسائل".

ثم قال:" وقد بالغتُ بالبحث عن صحة هذا الحديث حتى وجدت ما يمنع القطع بصحته، فسقط الاحتجاج به ولله الحمد، وذلك ما ذكره ابن الجوزي في مسند سلمة بن يزيد من جامع المسانيد، فإنه قال بعد رواية الحديث هذا:.. ثم ذكر قصة ارتدادهما، وقوْل ابن الجوزي:" فظاهرُ هذا كفرهما، وظاهر ما روينا أنهما عادا إلى الدين، ورويا الحديث، والحديث ما رواه إلاَّ سلمة، وما علمت لأخيه روايةً أصلاً، وقوله: إنَّ الطاهر رجوعهما عن الرِّدَّة، واستدلاله على ذلك بمجرد رواية الحديث عن سلمة من غير نقلٍ صحيحٍ، بل ولا ضعيفٍ، لا يفيد شيئاً، ومثل هذا لا يثبت معه حديثٌ"،

وقال البيهقي في القدر:" وهذه أخبار لا تبلغ أسانيدها في الصحة مبلغ حديث أبي هريرة وابن عباس ويحتمل إن كانت صحيحة أن تكون خارجة مخرج الأغلب ، وحديث أولاد خديجة ومليكة قضية في عين ، ونحن لا نعلم من ذلك ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بالوحي ، فالأولى أن يكون أمرهم موكولا إلى الله تعالى ",

والخلاصة أن هذا الحديث مرسل، مضطرب الإسناد منكر المتن مضطربه أيضا، يكفي في ردّه قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15]، وتواتر الأحاديث بأن المواليد في الجنة وأنهم على الفطرة والحمد لله رب العالمين، على فضله الكريم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: القول الثالث: أن جميع الولدان في مشيئة الله تعالى، والله أعلم بما كانوا سيعملون:

وفي هذا مسألتان:

المسألة الأولى: ذكر ما ورد في التوقف في أطفال المسلمين ووجه تأويلها:

حيث وردت أحاديث فيها التوقف في أمرهم وأن اللهَ وحده أعلم بما سيعملون ؟ وقد كان هذا الجنس من الأحاديث في أول الأمر قبل أن يُعلم عليه السلام بمصيرهم كما سيتبين :

الحديث الأول : حديث عائشة أم المومنين :

خرجه مسلم في الصحيح 2662 عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن خالتها عائشة أم المؤمنين قالت: توفي صبي فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك، يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم».

ورواه عن عائشة بنت طلحة كل من : طلحة بن يحيى وفضيل بن عمرو ويحيى بن إسحاق ثلاثتهم عن عائشة بنت طلحة به ، وكل من تكلم في هذا الحديث الصحيح – كالإمام أحمد وابن عبد البر - ، فإنما لظنه بمعارضته لسائر الأحاديث الدالة على أن الصبيان في الجنة كما سيأتي ، مع عدم علمه بوجْه الجمع بينه وبين غيره كما سيأتي من كلام من صححه وجمع بينه وبين تلك الأحاديث المتعارضة، والجمع أولى من الترجيح عند السلف، ومن باب أولى فالجمع أوْلى من تضعيف حديث صحيح مشهور،

واعجب بقوم يردون حديثا في صحيح مسلم، ويقدمون هوًى منهم تضعيفَه على صحة الجمع بينه وبين غيره، تقليدا منهم لمجتهد مخطئ مغفور له . 

على أن ابن عبد البر قد اضطرب في تضعيفه لهذا الحديث، فتارة يضعفه لتفرد طلحة ومخالفته لما ذكرنا، وتارة يقويه ويقول :" وزعم قوم أن طلحة بن يحيى انفرد بهذا الحديث وليس كما زعموا وقد رواه فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة كما رواه طلحة بن يحيى سواء "، وتارة يقول بأن بعض أهل العلم فقط لا يعتمد عليه، فقال في الاستذكار (3/109) :" وليس ممن يعتمد عليه عند بعض أهل الحديث "،

وهذا البعض هو الإمام أحمد وحده، وأما جمهورهم وعلى رأسهم الإمام مسلم فيعتمد عليه، وأدخله السلف في كتب الاعتقاد واحتجوا به على القدرية وغيرهم من أهل البدع، ولا يحل لمسلم أن يرد حديثا ثابتا في كتاب الصحيح الذي اتفقت الأمة على قبوله وصحته، وعذر الإمام أحمد أنه كان قبل الإمام مسلم، أو أنه لم يطلع على سائر متابعاته، وأما بعد مسلم فقد انعقد الإجماع على قبول الصحيحين، ولا يحل فتح باب الشر في الطعن على أحاديث الصحيحين، وإني بعون الله قد تتبعت كثيرا من تعليلات المتطفلين على أحاديث أنكروها من الصحيحيْن ولا زلت أفعل ذلك نصرة لله وسنة رسول الله وما اتفق عليه السلف وأولياء الله فأقول :

هذا الحديث صحيح مشهور رواه عن عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين كل من : طلحة بن يحيى وفضيل بن عمرو ويحيى بن إسحاق ثلاثتهم عن عائشة بنت طلحة به  كما سيتبين :

الطريق الأول : فأما رواية طلحة بن يحيى عن عائشة :

فقد قال مسلم في الصحيح (2662) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين – خالتها - قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك، يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم»،

تابعه جمع كبير عن طلحة به .

ورواه الثوري عن طلحة بن يحيى قال: حدثتني عائشة بنت طلحة قالت أخبرتني عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين قالت : ... مثله .

وقد صححه مسلم وغيره من الحفاظ، بينما جعله الإمام أحمد من مفاريد طلحة ووهَّمَه فيه، لأنه مخالف لغيره من الأحاديث التي فيها بأن الصبيان في الجنة يتنعمون كما سيأتي . 

ففي العلل للخلال : قال الميموني : فسمعت أبا عبد الله غير مرة يقول: هذا حديث! وذكر فيه رجلا ضعفه: طلحة، وسمعته غير مرة يقول: وأحد يشك أنهم في الجنة، هو يرجى لأبيه، كيف يشك فيه؟! إنما اختلفوا في أطفال المشركين ".

وقال ابن رجب :" قد ضعف أحمد هذا الحديث من أجل طلحة بن يحي ..".

لكن قال أحمد مرة أخرى عن طلحة :" صالح، حدث بحديث عصفور من عصافير الجنة"، والقول في ذلك قول مسلم ومن معه بلا شك، لأنه لم يتفرد به، فقد تابعه عليه قومٌ آخرون :

الطريق الثاني : رواية فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة : وهي أيضا مشهورة من طريق العلاء عن فضيل وهي مشهورة عنه :  رواها عنه كل من محمد بن فضيل وجرير وخلف :

1 . فأما رواية محمد بن فضيل عن العلاء :

- فقد رواها أبو الفضل الزهري في جزئه (267) نا أحمد بن عبد الله بن سابور نا واصل بن عبد الأعلى نا ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: مات صبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت له: طوبى له، عصفور من عصافير الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولا تدرين يا عائشة أن الله تعالى خلق الجنة , فخلق لها أهلا، وخلق النار فخلق لها أهلا ؟ »،

وهذا حديث متصل صحيح برواية الثقات، وهكذا قال فيه واصل وهو ثقة .

 - بينما قال أحمد في العلل - مذاكرةً - (1380) حدثنا بن فضيل عن العلاء أو حبيب بن أبي عمرة، والشك هنا من الإمام أحمد لا من ابن فضيل، لرواية واصل السابقة بلا شك .

ثم قال عبد الله: قال أبي: وما أراه سمعه إلا من طلحة، يعني بن فضيل"،

لكنّ ابن فضيل ليس بمدلس، ولم يتفرد به عن العلاء ، فقد تابعه عليه أيضا كلٌّ من جرير وخلف أيضا، ثلاثتهم عن العلاء به .

2. وأما رواية جرير عن العلاء :

فقد قال الإمام مسلم في الصحيح (2662) حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: توفي صبي، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو لا تدْرين أن الله خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا ».

وقال إسحاق 1016 - أخبرنا جرير عن العلاء بن المسيب عن الفضيل بن عمرو به مثله »، وقد توبع جرير متابعة ثالثة، وهي :

3 . متابعة خلف عن العلاء :

فقد خرجها الطبراني في الأوسط (5/6) 4515 - حدثنا عبدان بن محمد المروزىنا الحسين بن سيار الحراني نا خلف بن خليفة عن العلاء بن المسيب عن الفضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت ... به ، وفيه الحراني، قال عنه أبو عروبة: اختلط علينا أمره، وظهر في كتبه مناكير، فترك أصحابنا حديثه "، وقال عنه ابن تغري: كان إماما عارفا بتعبير الرؤيا، .. وروى عنه جماعة كثيرة "،

وللحديث طريق آخر :

الطريق الثالث : يحيى بن إسحاق عن عائشة :

قال الطيالسي في مسنده 1679: حدثنا قيس بن الربيع عن يحيى بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي من الأنصار ليصلى عليه، فقلت: يا رسول الله طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا قط، ولم يدر به، فقال: «يا عائشة أولا تدرين أن الله عز وجل خلق الجنة، وخلق لها أهلا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم ».

رجاله ثقات صدوقون غير يحي وأظنه يحيى بن اسحاق بن عبدالله المدني فإنه في طبقته وهو ثقة، وربما لقي قيسا في الرحلة والله أعلم . 

وقد حاول بعضُ من أبطل هذا الحديثَ الصحيحَ تمويهًا منه بعدم المتابع، فادعى بوجود تصحيف أو تحريف في المسند، وهذا تدليس غريب لأنه لا علاقة ل : طلحة بن يحيى، ب : يحيى بن إسحاق هذا، لا في الصورة ولا في الرسم، والله المستعان من فتح باب إبطال أحاديث الصحيحين بمجرد التكهن والظنون والاستماتة في الطعن في السنن .

وبهذه الطرق يتبين صحة الحديث وأن القول في ذلك هو قول مسلم، وعذْر الإمام أحمد أنه كان قبل الإمام مسلم، وأما بعده وبعد كتاب الدارقطني فقد اتفق السلف على تلقي كتابه بالقبول والتصحيح والكف عن فتح هذا الباب الخطير على صاحبه لا على دين الله . 

وقد قال البغوي في شرح السنة:" هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة"، وكذلك صححه البيهقي في المعرفة وابن حبان .

وللحديث شواهد أخرى صحيحة ومنها :

الدليل الثاني : حديث عائشة أيضا :

خرجه أبو داود (4712) عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله:ذراري المؤمنين فقال: «من آبائهم» فقلت: يا رسول الله , بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت: يا رسول الله فذراري المشركين؟ قال: «من آبائهم» قلت: بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»، وقد مضى أنه عليه السلام أخبرهم عن أحكامهم الدنيوية بقوله: «من آبائهم»، ثم أخبر عن أحكام الآخرة فقال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

دليل أو الدليل الثالث : حديث ابن عباس في التوقف في أمر الأولاد:

قال ابن أبي عاصم في السنة 214 - ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال: قال ابن عباس: أتى علي زمان وأنا أقول: أطفال المشركين مع المشركين، وأطفال المسلمين مع المسلمين، حتى حدثني فلان عن فلان [زاد الطيالسي (539): فلقيت الذي حدثني عنه فحدثني أن رسول الله] صلى الله عليه وسلم سئل عنهم؟ فقال:« الله أعلم بما كانوا عاملين» ، فلقيت فلانا فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم فأمسكت "،

ورواه روح عن حماد عن عمار عن ابن عباس قال: حدثني أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

قال الألباني في تعليقه على السنة : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم "، ورواية الصحابي عن الصحابي المبهم لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول.

وَرَوَى نحو هذا الحديث عكرمةُ عن ابن عباس في السؤال عن أطفال المشركين فقط ، وحماد أو عمار ثقة مأمون ، وله شاهد آخر :

الدليل الرابع: وهو قصة الخضر مع موسى عليهما السلام في قتل الصبي ابن المسْلمَيْن الصالحيْن:  

حيث قال الله تعالى في شأن الصبي المقتول: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)} [الكهف]، وقد خرج القصةَ البخاريُّ في صحيحه (4725) من حديث ابن عباس عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها:" ثم خرجا من السفينة فبينا هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا). (قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا) قال: وهذه أشد من الأولى"، وفي لفظ له بعده:" {لقيا غلاما فقتله} قال: وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين،{قال: أقتلت نفسا زكية بغير نفس} لم تعمل بالحنث، قال: وكان ابن عباس قرأها زكية (زاكية): مسلمة"،  ثم فسرت الأخبار سبب قتل الصبي، حيث قال الله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) }، ولأحمد (5/119) في الحديث السابق:" وكان أبواه مؤمنين، وكان كافرا، فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فيحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه، {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} قال: هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر".

وخرج مسلم في الصحيح (2661) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا»

قال البيهقي في الاعتقاد :" فهذا الحديث يمنع من قطع القول بكونهم في الجنة، وحديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلام الذي قتله الخضر أنه طبع كافرا يدل على ذلك فقد كان أبواه مؤمنين "...

قالوا : فدل ذلك على أن هذا الصبيّ على غير فطرة الإسلام وصالح القيم والأعمال . 

ويُشكل عليه : أنْ لا يلزم من وصفه بالكفُر، أن يكون كافرا في ذلك الوقت والحال ، ولم يقل في الحديث بأنه في النار، وإنما الله أعلم بمصيره، وكُلّ ما فيه هو علم الله تعالى السابق بكفر ذلك الصبي في المآل لو عاش كما في قوله تعالى: {فخشينا أن يُرهقهما..}، وأما وهو صغير فهو مسلم بريء على الفطرة، بدليل الآية { أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ }، وفي رواية البخاري:" قال: وكان ابن عباس قرأها زكية (زاكية): مسلمة"، وهذا يؤيد رأي الأصوليين القائلين بأن العبرة بالحال لا بالمآال، فحال الصبيّ على الفطرة إلا أن مآله الذي سبق في علم الله هو الكفر:   

كما خرج مسلم (2661) والطحاوي في مشكل الآثار (8/144) من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو أدرك لأرهق أبواه طغيانا وكفرا ".

قال النووي (16/ 207): أجمع من يعتد به على أن من مات من أطفال المسلمين فهو في أهل الجنة لأنه ليس مكلفا، وتوقف فيه بعض من لا يعتد به لهذا الحديث، وأجاب العلماء عنه بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع كما أنكر على سعد في قوله إني لأراه مؤمنا قال أو مسلما"،

وقال السيوطي في الديباج (6/ 25):" ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة فلما علم قال ذلك"....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية :ذكر من توقف في أولاد المشركين أيضا، وقال : الله اعلم بما سيعملون :

استدلوا بما مضى وب:  

الدليل الأول : حديث ابن عباس الماضي: وفيه: قال ابن عباس: أتى علي زمان وأنا أقول: أطفال المشركين مع المشركين، وأطفال المسلمين مع المسلمين، حتى حدثني فلان عن فلان [زاد الطيالسي (539): فلقيت الذي حدثني عنه فحدثني أن رسول الله] صلى الله عليه وسلم سئل عنهم؟ فقال:« الله أعلم بما كانوا عاملين»، ورواه روح عن حماد عن عمار عن ابن عباس قال: حدثني أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

قال الألباني في تعليقه على السنة : إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم "، ورواية الصحابي عن الصحابي المبهم لا تضر لأن الصحابة كلهم عدول.

2. وَرَوَى نحو هذا الحديث عكرمةُ عن ابن عباس في السؤال عن أطفال المشركين فقط ، وحماد أو عمار ثقة مأمون ، وله متابعة ثالثة :

3. خرجها ابن بطة عن الحسن بن عرفة والدورقي حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»

4. وخرجه البخاري في الصحيح (6597) شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» .

الدليل الثاني : حديث أبي هريرة :

1. خرجه البخاري في الصحيح (6599) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها؟» قالوا: يا رسول الله: أفرأيت من يموت وهو صغير؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»

2. وخرجه أيضا عن عطاء أنه سمع أبا هريرة يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين».

الدليل الثالث : حديث عائشة الماضي :

خرجه أبو داود (4712) عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله:ذراري المؤمنين فقال: «من آبائهم» فقلت: يا رسول الله , بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» قلت: يا رسول الله فذراري المشركين؟ قال: «من آبائهم» قلت: بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»، وقد مضى أنه عليه السلام أخبرهم عن أحكامهم الدنيوية بقوله: «من آبائهم»، ثم أخبر عن أحكام الآخرة فقال : «الله أعلم بما كانوا عاملين».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الرابع: القول الرابع: الصبيان كلهم في الجنة، وذكر الجمع بين الأدلة المتعارضة :

لقد اختلف السلف وأجادُوا القول في كيفية الجمع بين الأحاديث التي فيها التوقف في الولدان، والأحاديث التي فيها أنهم في الجنة :

فأما الأحكام الدنيوية فكلٌّ يُلحق بأبيه كما أسلفنا .

وأما الأحكام الأخروية فقد قال عليه السلام في أول الأمر " الله أعلم بما سيعلمون"، وهذه إجابة تحتمل معنيين:

أولاهما: إرجاع علمهم إلى الله تعالى وحده، وعدم إخباره عليه السلام الناس بذلك مجانبة للتزكية والتواكل.

والثاني : أن يكون عليه السلامُ علم بحكمهم الدنيوي وأنهم مع آبائهم، بينما جهل أمرهم الأخروي في أول الأمر، ثم أُعْلِم بحالهم وأنهم في الجنة .

قال ابن حبان في صحيحه (138) بعد أن خرج حديث عائشة السابق :" أراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله هذا ترك التزكية لأحد مات على الإسلام، ولئلا يشهد بالجنة لأحد وإن عرف منه إتيان الطاعات والانتهاء عن المزجورات، ليكون القوم أحرص على الخير وأخوف من الرب لا أن الصبي الطفل من المسلمين يخاف عليه النار وهذه مسألة طويلة قد أمليناها بفصولها، والجمع بين هذه الأخبار في كتاب فصول السنن وسنمليها إن شاء الله بعد هذا الكتاب في كتاب الجمع بين الأخبار ونفي التضاد عن الآثار إن يسر الله تعالى ذلك وشاء ".

وقال ابن حزم في الفصل :" إنما قال هما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه أنهم في الجنة وقد قال تعالى آمراً لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " قبل أن يخبره الله عز وجل بأنه قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه:" وما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي"، وكان هذا قبل أن يخبره الله عز وجل بأنه لا يدخل النار من شهد بدر أو هو عليه السلام لا يقول إلا ما جاء به الوحي، كما أمر الله عز وجل أن يقول " أن اتبع إلا ما يوحى إلي " فحكم كل شيء من الدين لم يأت به الوحي أن يتوقف فيه المرء فإذا جاء للبيان فلا يحل التوقف عن القول بما جاء به النص "،

قال :" وقد صح الإجماع على أن ما علمت الأطفال قبل بلوغهم من قتل أو وطئ أجنبية أو شرب خمر أو قذف أو تعطيل صلاة أو صوم فإنهم غير مؤاخذين في الآخرة بشيء من ذلك ما لم يبلغوا وكذلك لا خلاف في أنه لا يؤاخذ الله عز وجل أحداً بما لم يفعله .. ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الأولى: ما ورد أن مواليد المسلمين في الجنة مع آبائهم:                                    

الدليل الأول: حديث معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه ؟ فقال: أحبك الله كما أحبه يا رسول الله، فتوفي الصبي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين فلان؟ فقالوا: يا رسول الله، توفي ابنه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما ترضى أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاء حتى يفتحه لك، فقالوا: يا رسول الله، أَلَهُ وحده أم لكلّنا ؟ فقال: لا بل لكلكم".

الدليل الثاني: فيه أن أولاد المسلمين في البرزوخ في الجنة:

1/ خرجه الحاكم (1/541) وصححه عن مؤمل بن إسماعيل ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة ".

مؤمل سيء الحفظ، وقد خالفه الثقة وكيع، فرواه عن سفيان الثوري به موقوفا، ولم يرفعه، خرجه عنه أبو بكر، وهو الصواب.

2/ وخرجه أحمد بالشك في رفعه: عن عبد الرحمن بن ثابت عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن مرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم شك موسى - قال: " ذراري المسلمين في الجنة، يكفلهم إبراهيم ".

 3/ وخرجه ابن حبان في صحيحه 7446 عن محمد بن يزيد وفيه ضعف عن زيد بن الحباب قال: حدثني بن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم في الجنة".

والصواب أنه موقوف، وقد ورد في قصة المعراج في صحيح البخاري أن إبراهيم يكفل جميع الولدان في جنة البرزخ وهو الصحيح.

دليل 3/ خرجه الضياء في المختارة 454 عن هارون هو ابن إسحاق ثنا المحاربي عن الأعمش عن عثمان بن قيس عن زاذان عن علي في قوله عز وجل {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين} قال هم أطفال المؤمنين ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية : ما ورد أن أطفال المشركين في الجنة خدم:

الدليل الأول: خرجه ابن أبي حاتم قال: حدثني أبو عبد الله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس: أطفال المشركين في الجنة، فمن زعم أنهم في النار فقد كذب، يقول الله عز وجل: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } قال ابن عباس: هي المدفونة"، ذكره عنه ابن كثير في تفسيره للآية المذكورة .

فقد أخبر الله تعالى هنا على أن الموؤودة ماتت على فطرتها السليمة، بلا ذنب منها ارتكبته حتى تقتل لأجله ، فكيف تدخل النار عليه وهي لم تفعله !! ؟؟

الدليل الثاني: قال البزار (الكشف 3/30) حدثنا محمد بن معاوية البغدادي حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: من في الجنة ؟ فقال: النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، والموءودة في الجنة"،

قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وروي عن غيره من وجوه"، وقال الهيثمي (7/ 219): رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن معاوية بن صالح، وهو ثقة"، وهذا الحديثُ بصحته يرد حديث ابنا مليكة السابق، ومع ذلك فله شواهد كثيرة :

الدليل الثالث: رواه محمد بن إسحاق عن مختار بن أبي مختار عن عبد الوارث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المولود في الجنة، والموءودة في الجنة".

الدليل 4/ قال أحمد في مسنده (5/58) حدثنا إسحاق الأزرق أخبرنا عوف حدثتني حسناء ابنة معاوية الصُّرَيمية عن عمها قال: قلت: يا رسول الله، من في الجنة؟ قال: "النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموءودة في الجنة"، وله شاهد مرسل:

الدليل 5/ فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة سمعت الحسن يقول: قيل: يا رسول الله، من في الجنة؟ قال:" الموءودة في الجنة"، ومن المعلوم أن كل الموءودات إنما هنّ من بنات المشركين، ويلزم من كوْنهِنّ في الجنة أن تكون عقيدة التوحيد وكل القيم الفاضلة مغروزة في أنفس الصبيان جميعا، إذ لو لم يكونوا موحدين لَمَا فازوا في البرزخ، ولَمَا دخلوا الجنة وكانوا من خدمة أهلها :  

الدليل السادس: قال الطبراني في الكبير (826) حدثنا بشر بن موسى ثنا يعلى بن عباد بن يعلى حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فبلغ من قتلهم أن قتلوا الذرية من المشركين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال:" ما بال أقوام بلغ من قتلهم أن قتلوا الذرية من المشركين ؟ فقالوا : يا رسول الله وذكر كلمة بعدها فقال:" أو ليس خياركم أولاد المشركين ؟ والذي نفسي بيده ما مولود يولد إلا على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه".

تابعه قتادة وأشعث والمعلى والسري بن يحيى أبي الهيثم عن الحسن عن الأسود بن سريع نحوه، وقد سمعه الحسن من الأسود فصح الحديث :  

دليل ذلك ما قاله النسائي في الكبرى (8616) 8562 - أخبرني زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن قال: حدثنا الأسود بن سريع قال: .. فذكر القصة والحديث.

وقال أبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/14) 1396 حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس حدثنا حسين بن يونس الزيات - قال أبو جعفر: وهو الكوفي وهو مشهور ثقة-، وحدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا الأشعث عن الحسن أن الأسود بن سريع حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا .. فذكره، ثم قال الطحاوي:" فبان لنا بهذين الحديثين أن الحسن حدث بما فيهما وبما في الحديث الذي قبلهما من حديث الأسود عن الأسود سماعا ".

الدليل السابع : خرجه البخاري في الصحيح (1359) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء» ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} [الروم: 30]،

وقد ورد تفسيره بلفظ أصْرَح في التعميم، وكون الفطرة هي التوحيد والإسلام، وصالح القيم وخير الأعمال، كما في : 

الدليل الثامن : حديث سمرة:

خرجه البخاري (1386) عن سمرة بن جندب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: «من رأى منكم الليلة رؤيا؟» قال: فإن رأى أحد قصها، فيقول: «ما شاء الله» فسألنا يوما فقال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» قلنا: لا، قال: «لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة..، وفيه:" قالا: انطلق، فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة، وفي أصلها شيخ وصبيان، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة، وأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب، ونساء، وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل فيها شيوخ، وشباب، قلت: طوفتماني الليلة، فأخبراني عما رأيت، قالا: نعم، ... والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس.."،

وخرجه أيضا (7047) بلفظ:" وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة"، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأولاد المشركين". 

وخرجه البرقاني في مستخرجه الصحيح على صحيح البخاري من حديث أبي رجاء العطاردي عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مولود يولد على الفطرة " فقال الناسُ : يا رسول الله، وأولاد المشركين ؟ قال: " وأولاد المشركين "،

وهذا نص صريح في دخول أولاد المشركين في فطْرت الله تعالى .

وقال البزار (الكشف 2172) حدثنا عمرو بن علي حدثنا عيسى بن شعيب حدثنا عباد بن منصور عن أبي رجاء عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أطفال المشركين ، فقال : هم خدم أهل الجنة.

قال البزار : رواه عوف وجماعة منهم : عباد ، وزاد على عوف : سئل عن أطفال المشركين ، فقال : هم خدم أهل الجنة " وقال : كل مولود يولد على الفطرة ، ورواه أبو خلدة عن أبي رجاء عن سمرة وزاد فيه : فاستقبلنا بوجهه، ولم يكن عند جرير بطول حديث عوف ولا عباد ، هذا أطول ، ولا نعلم روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا سمرة ، ولا عنه إلا أبو رجاء ".

ثم بينت السنن الأخرى أنهم يدخلون الجنة ليكونوا خدما لأهلها :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثالثة: تبيين أن أولاد المشركين في الجنة وأنهم الغلمان الخدم لأهل الجنة:

الدليل التاسع: حيث أخبر الله تعالى في عدة مواطن من أن أبناء المشركين سيدخلون الجنة، لكن يكونون من خدَمَة أهلها تكرمةً من الله لهم، كما قال تعالى :{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)}[الطور]،

وقوله: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)}[الواقعة]،

وقوله: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)}[الإنسان]،

يزيد ذلك بيانا ويوضحه ما يلي :

الدليل العاشر: خرجه الطبراني في الكبير  6993 حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عتبة بن مكرم الضبي ثنا عيسى بن شعيب عن عباد بن منصور عن أبي رجاء عن سمرة بن جندب قال:" سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أطفال المشركين ؟ فقال : هم خدم أهل الجنة"،

تابعه عمرو بن علي عن عيسى به كما في الكشف، وفيه: قال البزار : رواه عوف وجماعة منهم عباد ،

وزاد على عوف: سئل عن أطفال المشركين؟ فقال : هم خدم أهل الجنة " وقال: كل مولود يولد على الفطرة "،

وخرجه البرقاني في مستخرجه على البخاري من حديث عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي به، وله شاهد آخر :

الدليل 11: حديث أنس : وله عدة طرق :

1. قال الطبراني في الأوسط  (5355) حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة حدثنا عيسى بن شاذان ثنا الحر بن مالك العنبري ثنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أنس أحسبه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" أطفال المشركين خدم أهل الجنة"،

تابعه الحجاج بن نصير حدثنا مبارك به ورفعه جزما بغير شك،

ورواه معلى بن عبد الرحمن عن مبارك به فأوقفه، خرجه عنهما البزار كما في الكشف (3/31)، وله متابعات أخرى :

2. قال أبو داود الطيالسي 2225: حدثنا الربيع عن يزيد - بن أبان- قال: قلنا لأنس: يا أبا حمزة، ما تقول في أطفال المشركين؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها، فيكونوا من أهل النار، ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من ملوك أهل الجنة، هم من خدم أهل الجنة"، وله طرق أخرى:

3. وقال الطبراني في الأوسط (2972) حدثنا إسماعيل بن محمد النيسابوري ثنا إبراهيم بن أحمد الخزاعي ثنا الحكم بن ميسرة عن مقاتل بن سليمان عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أولاد المشركين خدم أهل الجنة ".

ورواه أيضا عثمان بن مقسم ومقاتل عن قتادة عن أنس, وإسناده ضعيف.

4. ورواه قبيصة بن عتبة ثنا سفيان الثوري عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون بها فيدخلون النار ولم تكن لهم حسنة يجازون بها فيكونوا من ملوك الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم خدم أهل الجنة»، خرجه عنه أبو نعيم في الحلية (6/308).

5. وكذلك رواه الأعمش عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأطفال خدم أهل الجنة "،

ورواه أبو حازم ومحمد بن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي اللاهين من ذرية البشر ألا يعذبهم , فأعطانيهم» يعني الصبيان "، زاد أبو حازم :" فهم خدم أهل الجنة ". 

6. قال ابن يونس :" روى ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أبي مالك قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين، فقال: " هم خدم أهل الجنة " . أخرجه ابن منده وأبو نعيم، لكن قال أبو نعيم: المشهور عن يزيد عن سنان، عن أنس بن مالك "، وهو الصواب .

7. ورواه أبو يوسف القاضي نا الربيع نا أبو عوانة عن قتادة عن أبي مراية [ماوية] العجلي عن سلمان , قال: «أطفال المشركين خدم أهل الجنة» .

 

                                  وبالله التوفيق . 

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني