أحكام وقت الصبح والأذان والسحور كتابة الطاهر زياني

 

                     أحكام وقت الصبح والأذان والسحور                 

          

                            كتابة: الطاهر زياني

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله وبعد:

فهذا مبحث في مواقيت الصلاة والسحور قسمته على النحو التالي:

المسألة الأولى: وقت صلاة الصبح، وأذانه، وبيان ابتداء وقته من ظهور الفجر الصادق، أو تبيّنه:

المسألة الثانية: حكم الاستعانة بالساعات الحديثة وعلم الفلك في تحديد مواقيت الصلوات والسحور والصيام:

المسألة الثالثة: من شك في طلوع الفجر هل يمسك احتياطا؟ أم يأكل بناء على استصحاب الليل؟:

ح1/ في حالة اختلاف المراقبين للفجر، هل بدأ في الطلوع أم لا؟

ح2/ في حالة عدم مراقبة الفجر، أو كان المرء في بيته، أو في يوم غيْم:

المسألة الرابعة: حكم إكمال الشربة وبلع الطعمة إذا أذن الأذان الثاني وكان على وقت الفجر الصادق:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الأولى: وقت صلاة الصبح، وأذانه، وبيان ابتداء وقته من ظهور الفجر الصادق، أو تبيّنه:

اتفق السلف على تحريم أي عبادة موقوتة قبل وقتها إلا بدليل، ومن ذلك وقت صلاة الفجر وانتهاء السحور، حيث اتفقوا على عدم الاعتداد بالفجر الكاذب العمودي من السماء إلى الأرض، كما أنه لا يعتد في الوقت بالمناطق الغير المعتدلة، كتلك المناطق الواقعة بين جبلين عظيمين، فإن وقتها هو وقت أقرب منطقة معتدلة إليها. 

وإنما العبرة بالفجر الصادق الأفقي الممتد على أفق الأرض وسهولها في الأماكن المعتدلة، ثم اختلفوا في هذا الفجر الصادق المحرم للأكل، المبيح للصلاة، هل هو مع بداية ظهور الفجر الصادق، أم لا بد من انتظار تبينه؟

كما اختلفوا في الأذانيْن للصبح، ومتى يكونان؟:   

1/ ظاهر مذهب الشافعي تعيُّن الأذان الأول للصبح الذي قبل وقت الفجر؟ وجواز الاكتفاء به عن الثاني، مع لزوم الانتظار بعده حتى ظهور الفجر لأجل الصلاة مع عدم وجوب الأذان الثاني للوقت، وأن التغليس بالصلاة أفضل.   

قال الشافعي في الأم:"  فالسنة أن يؤذن للصبح بليل ليدلج المدلج ويتنبه النائم فيتأهب لحضور الصلاة –عن الأول-، وأحب إلي لو أذن مؤذن بعد الفجر، ولو لم يفعل لم أر بأسا أن يترك ذلك، لأن وقت أذانها كان قبل الفجر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يؤذن لصلاة غير الصبح إلا بعد وقتها، لأني لم أعلم أحدا حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أذن له لصلاة قبل وقتها غير الفجر، ولم يزل المؤذنون عندنا يؤذنون لكل صلاة بعد دخول وقتها إلا الفجر، ولا أحب أن يترك الأذان لصلاة مكتوبة انفرد صاحبها أو جمع، ولا الاقامة في مسجد جماعة كبر ولا صغر، ولا يدع ذلك الرجل في بيته ولا سفره وأنا عليه في مساجد الجماعة العظام أحظ

قال:" وإذا أراد الرجل أن يكمل الأذان لكل صلاة غير الصبح بعد دخول وقتها فإن أذن لها قبل دخول وقتها أعاد إذا دخل الوقت وإن افتتح الاذان قبل الوقت ثم دخل الوقت عاد فاستأنف الاذان من أوله، وإن أتم ما بقى من الأذان ثم عاد إلى ما مضى منه قبل الوقت لم يجزئه ولا يكمل الأذان حتى يأتي به على الولاء وبعد وقت الصلاة إلا في الصبح، ولو ترك من الأذان شيئا عاد إلى ما ترك ثم بنى من حيث ترك لا يجزيه غيره ".

وأما الصلاة فقد قال الشافعي : فقلنا : إذا انقطع الشك في الفجر الآخر وبان معترضا فالتغليس بالصبح أحب إلينا ، وقال بعض الناس : الإسفار بالفجر أحب إلينا ".

وقال في اختلاف الحديث :" فلما دلت السنة ، ولم يختلف أحد ، أن الفجر إذا بان معترضا فقد جاز أن يصلى الصبح ، علمنا أن مؤدى الصلاة في أول وقتها أولى بالمحافظة عليها من مؤخرها".

2/ وذهب مالك وغيره إلى لزوم الأذانين معا، وأن الأول تنبيهي يكون بليل ولا بد.

وأما الثاني أذان الصلاة فيكون بعد دخول وقت الفجر وانتهاء السحور، وذلك بأول ظهورٍ للفجر الصادق، ولو لم يمتد ويتبين في جميع الأفق، وفضلوا التغليس بالصلاة:

روى ابن بكير قال: قال مالك: لم يزل الصبح ينادى له قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها ".

وقد فهم بعض العوام أن هذا الأذان الليلي هو الثاني للصلاة، وهو خطأ، بل هو الأذان الأول أو تكرير الأذان هو الذي اختلف السلف فيه، وقد كان عمل أهل المدينة وغيرهم عليه.

فقد ذكر الإمام مالك لما سألوه عن الحديث المقلوب الذي ورد بأن بلالا أذن بليل فأمره عليه السلام بإعادة الأذان، ثم ذكر مالك بأنه مخالف لما روى هو والثقات من أن بلالا كان فعلا يؤذن بليل.

كما روى حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - ثنا شعيب بن حرب قال: قلت لمالك بن أنس - رحمه الله -: أليس قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن يعيد الأذان؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا"، فقلت: أليس قد أمره أن يعيد الأذان؟ قال: لا، لم يزل الأذان عندنا بليل ".

فتبين بهذا أنهم كانوا يرون الأذان الأول بليل، وأما الثاني، فمع بداية ظهور الفجر ولو قبل تبينه جدا، وقد استدلوا بعدة أدلة:

لأن النبي عليه السلام كانوا ينصرفون من صلاة الصبح بغلس.

1/ خرج مسلم 646 جابر بن عبد الله، فقال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحيانا يؤخرها، وأحيانا يعجل، كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر، والصبح كانوا - أو قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس "

2/ وخرج البخاري 372 عائشة، قالت: لقد «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد»

3/ وروي عن عبد الرحمن بن زياد، عن زياد بن نعيم الحضرمي أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي قال: لما كان أول أذان الصبح أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - فأذنت، فجعلت أقول: أقيم يا رسول الله، فجعل ينظر إلى ناحية المشرق فيقول: "لا". حتى إذا طلع الفجر نزل فبرز، ثم انصرف إلي وقد تلاحق أصحابه - يعني فتوضأ - فأراد بلال أن يقيم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخا صداء أذن، ومن أذن فهو يقيم" قال: فأقمت ".

وهذا باطل لم يصح.

2/ وذهب آخرون إلى أن انتهاء السحور وبداية الصلاة لا يكون إلا بعد تبين الفجر واحمراره واسفراره مستطيرا مع الأفق الأرضي الذي تشرق منه الشمس. 

الدليل 1/ مواصلة التسحر حتى تبيين الفجر، وبيانه:

خرج البخاري 1917 عن سهل بن سعد، قال: " أنزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض، من الخيط الأسود} [البقرة: 187] ولم ينزل {من الفجر} [البقرة: 187]، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {من الفجر} [البقرة: 187] فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار "

وفي لفظ:" «إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار»

الدليل 2 و3/ أنواع الفجر:

خرج ابن خزيمة في صحيحه 356 عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام ويحل فيه الصلاة، وفجر يحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام» وقد اختلفوا في رفعه عن سفيان:

3/ ورواه ابن وهب: أخبره ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"هما فجران؛ فأما الذي كأنه ذنب السرحان، فإنه لا يحل شيئاً ولا يحرمه، وأما المستطيل الذي يأخذ بالأفق، فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام".

الدليل 4/ أحاديث تأذين بلال بليل:

حيث روى الثقات والأثبات أن بلالا يؤذن بليل وابن أم مكتوم عند الفجر، بينما روى الضعاف العكس، وقد حاول بعضهم الجمع بالتناوب، لكن هذا يسلم لهم لو كانت الأحاديث متساوية في الصحة، أما وأنها ليست متساوية فهي منكرة لمخالفتها للصحاح:

1/ خرج مسلم عن سمرة بن جندب يخطب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر"

2/ ورواه أبو داود ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن حدثتني عمتي أنيسة قالت: كان بلال وابن أم مكتوم يؤذنان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". فكنا نحبس ابن أم مكتوم عن الأذان فنقول: كما أنت حتى نتسحر، كما أنت حتى نتسحر، ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا ".

كذلك رواه محمد بن يونس الكديمي عن أبي الوليد عن شعبة وهو الصحيح.

بينما قلبه محمد بن أيوب قال: نا أبو الوليد وأبو عمر، قالا: ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن، قال: سمعت عمتي أنيسة تقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن ابن أم مكتوم ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال ".

ورواه آخرون عن شعبة بالشك.

3/وخرج البخاري 621 عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعن أحدكم - أو أحدا منكم - أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن - أو ينادي بليل- ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم، وليس أن يقول الفجر - أو الصبح -» وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا وقال زهير: «بسبابتيه إحداهما فوق الأخرى، ثم مدها عن يمينه وشماله»

إلى غير ذلك من روايات الأثبات:

4/ وخرج البخاري 617 وغيره عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، ثم قال: وكان رجلا أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصْبحتَ ".

5/ وخرج البخاري 1918 ومسلم وغيرهم من طرق عن نافع عن ابن عمر،

وعن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها: أن بلالا كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر»، قال القاسم: ولم يكن بين أذانهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا ".  

أ: لكن قلبه أبو يوسف القاضي من حديث عائشة وأدرجه في حديث آخر.

وكذلك رواه عبد 780وغيره عن حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: إن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، فرجع فنادى: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام.

هذا حديث خطأ وهم فيه حماد كما قال ابن المديني وغيره، وقال أبو داود :" وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة ".  

وذلك لأن الصحيح أن بلالا يؤذن بليل، كما قال أبو عيسى الترمذي: ولوكان حديث حماد صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى ".

فاختلط على الراوي بقصة أخرى رواها اين أبي رواد واختلفوا عنه:

فروها إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر مثل رواية حماد على التوهم.

بينما خرجها أبو داود "532" ثم قال أبو داود: حدثنا أيوب بن منصور حدثنا شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد أخبرنا نافع عن مؤذن لعمر يقال له: مسروح: "أذن قبل الصبح فأمره عمر أن يعيد الأذان".

وهذا أصح كما قال أبو داود والحفاظ، ولم يصح أيضا:

فقد قال الترمذي:" وهذا لا يصح، لأنه عن نافع، عن عمر منقطع، ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث ".

ب: وقد توبع حماد من طرف سعيد بن زربي، وهو ضعيف،

ت: وفي الباب عن أنس:

تفرد به أبو يوسف القاضي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس أن بلالا أذن قبل الفجر، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصعد فينادي: إن العبد نام. ففعل، وقال:

ليت بلالا لم تلده أمه ".

أبو يوسف فيه لين، وقد تابعه بعض الكذابين، بينما خالفه الثقات فأرسلوه عن قتادة أن بلالا.

واضطرب فيه أبو يوسف فرواه مرة كما سبق:

وقال أبو يوسف مرة أخرى نا محمد بن أبي بكر ثنا عمر بن علي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد قال: قالت لي عائشة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أوتر من أول الليل رجع إلى فراشه، فإذا أذن بلال قام، وكان بلال يؤذن إذا طلع الفجر، فإن كان جنبا اغتسل، وإن لم يكن توضأ ثم صلى ركعتين.

وقد خالفه الأوثق منه فلم يذكروا بلالا، رواه أبو داود ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت الأسود يقول: سألت عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل، فقالت: كان ينام أول الليل، فإذا كان السحر أوتر، ثم يأتي فراشه، فإن كانت له حاجة إلى أهله ألم بهم ثم ينام، فإذا سمع النداء - وما قالت: الأذان - وثب - وما قالت: قام - فإن كان جنبا أفاض عليه الماء - وما قالت: اغتسل - وإن لم يكن جنبا توضأ، ثم خرج إلى الصلاة ".

وقد ورد في الصحيحين عن عائشة وغيرها أن بلالا هو من يؤذن بليل.  

ث: وفي الباب أقبح من ذلك ضعفا، وكله معلول لم يصح، ومنكر لمخالفته ما صح من تأذين بلال بليل، وابن أم مكتوم فجرا.   

دليل 5/ وفيه التسحر بعد الأذان المخطئ بليل، حتى يطلع الفجر:

رواه عبد الرحمن بن شريك عن أبيه، عن أشعث بن سوار يحيى بن عباد عن أبيه عن جده قال: أتيت مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغدى، فقال: "هلم إلى الغداء"، قال: فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أصوم. قال: "وأنا أريد أن أصوم، إن مؤذننا في عينه سوء، وإنه أذن قبل أن يطلع الفجر"  

وقد خالفه حفص بن غياث عن أشعث عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن جده شيبان، لم يذكر فيه أباه .

وفي قوله :" مؤذننا في عينه سوء"، يحتمل أنه عن مؤذن صحيح العين، فيكون خرج مخرج الذم للبصير الذي تقول له:" كأن في عينيك السوء"، وهو الأظهر.

ويحتمل أنه ابن أم مكتوم، لكنه كان أعمى تماما، ولا يؤذن حتى يقولون له أصبحتَ   

الدليل6/ وفيه مقدار التوقيت بين السحور والإقامة،

حيث ورد التسحر ثم الخروج بسرعة إلى الصلاة مع النبي عليه السلام لإدراك السجود معه: 

 خرج البخاري 1920 عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: «كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»

الدليل 7/ وفيه مقدار التوقيت بين السحور والإقامة، وأنه مقدار قراءة خمسين آية : 

قال البخاري في الصحيح :" باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر "، ثم خرج 1921 عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة»، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ " قال: «قدر خمسين آية»

وقد خرج البخاري باب من انتظر الإقامة 626 عن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأولى من صلاة الفجر قام، فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر، بعد أن يستبين الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن للإقامة»

وقد دلس فيه بعض الناس فجعلوه محمولا على ترك الأكل قبل الأذان الثاني بعشرة دقائق، مع أنه صريح في ترك السحور قبل الإقامة بهذه المدة المتوافقة مع الكف عن الأكل عند الأذان الثاني بعد الفجر الصادق،

وفيه أيضا: دليل على انتظار الإقامة هذه المدة بين الأذان الثاني والإقامة.

الدليل 8/ عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن أنس: (أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تسحر هو وزيد بن ثابت، وهو عليه السلام يريد الصوم، ثم صلى الركعتين ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة)

دليل 9/ خرجه الدارقطني عن ملازم بن عمرو ثنا عبد الله بن النعمان السخيمي قال: أتاني قيس بن طلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السحور لخوف الصبح فطلب مني بعض الإدام , فقلت: أيا عماه لو كان بقي عليك من الليل شيء لأدخلنك إلى طعام عندي وشراب , قال: عندك فدخل فقربت إليه ثريدا ولحما ونبيذا فأكل وشرب وأكرهني فأكلت وشربت وإني لوجل من الصبح , ثم قال: حدثني طلق بن علي , أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:  «كلوا واشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر» , وأشار بيده قيس بن طلق ليس بالقوي ....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: حكم الاستعانة بالساعات الحديثة وعلم الفلك في تحديد مواقيت الصلوات والسحور والصيام:

أما في أمور الهلال كدخول رمضان وخروجه: فهي غير  منضبطة التحديد بسبب اختلاف عدد أيام الشهر الهلالي، لكن يُستأنس بها...

وأما العلامات المتعلقة بالشمس كأوقات الصلوات، كما قال تعالى:{ أقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ } [الإسراء]

فهذه أكثر انضباطا وتوافقا مع علم الفلك والساعات الحديثة، ولذلك ينبغي الاستعانة بها، وجعلهما علامات تقريبية جدا لدخول الأوقات،

لكن كيف يتم ذلك؟

والجواب: أنه بعد تعيين الفلكيين لمواقيت الصلاة، حدث اختلاف في أهم وقت وهو وقت الفجر الذي يتعلق به عبادة الصلاة والصيام.

حيث لاحظ الكثيرون أن الوقت الفلكي المحدد الآن قبل وقت الفجر من ربع ساعة إلى قريب من نصفها، على حسب الفصول، وبالتالي فهم يؤذنون بليل أو عند طلوع الفجر الكاذب.

بينما يقول المتقيدون بالمواقيت الموافقة للوزارة بأن الوقت حقيقي.         

وللخروج من هذا الخلاف:    

يجب أن نعلم بأن الصلاة كتاب موقوت من الرب، يجب إخراجها عن رضا الحكام وموافقتهم، بل يجب البحث عن الحقيقة، وذلك  عن طريق تعيين لجان مستقلة من أناس يخشون الله ويبتغون مرضاة الله، لمراقبة الوقت الشرعي الطبيعي والفلكي، ومدى توافقه مع الساعات الحديثة، خاصة وقتي الفجر والمغرب.

فإذا ثبت مثلا عن طريق مراقبة الفجر بأنهم يؤذنون مع الوقت فينبغي الالتزام بذلك.

وإذا ثبت مثلا أنهم يؤذنون ليلا، بربع ساعة قبل ظهور الفجر كما هو الغالب الآن، فعلينا جعل تلك الربع الساعة بعد الأذان المحدد، هي العلامة على دخول وقت الصلاة وانتهاء السحور، وبالتالي يتعين على المسؤولين إعادة النظر في توقيت العبادة بناء على ذلك.

فإذا خرج الثقات لمراقبة الفجر، ومراقبة مدى تطابقه مع الساعات الحديثة ، ثم اختلفوا في بداية ظهور الصادق أو في تبيّنه، فهل يعملون بالاحتياط أم بالاستصحاب،

تأمل المسائل التالية:         

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثالثة: من شك في طلوع الفجر هل يمسك احتياطا؟ أم يأكل بناءً على استصحاب الليل؟:

في ذلك أحوال:

ح1/ في حالة اختلاف المراقبين للفجر، هل بدأ في الطلوع أم لا؟

إذا اختلف المراقبون للفجر هل بزغ أم لم يبزغ بعد؟ هل يُعمل بالاحتياط أم بالاستصحاب، وهو أن الأصل بقاء ما كان –هنا الليل- على ما كان، حتى يثبت غيره.

1/ فقد قال قوم يعمل بالاحتياط في الصوم فيمسك، وبالاحتياط في الصلاة فيؤخرها حتى يستبين الفجر. 

وإنما يكون هذا الاحتياط ببداية ظهور الفجر الصادق  ولو لم يتبين كثيرا.

2/ بينما كان الجمهور والصحابة يعملون بالأصل والاستصحاب لبقاء الليل، حتى يثبت الفجر ويتبين جدا،

فقد كان الصحابة لا يصلون الصبح حتى يتبين الفجر، وأما في السحور فقد كانوا يستمرون يأكلون في هذه الحالة حتى يتيقنوا طلوع الفجر للأدلة الكثيرة في ذلك:

روى وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول الازدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر ".

ح2/ في حالة عدم مراقبة الفجر، أو كان المرء في بيته، أو في يوم غيْم:

كمن يستيقظ في بيته، أو من لم يتمكن من المراقبة بسبب من الأسباب، فهل في هذه الحالة يبني على الاحتياط فيمسك؟

أم على الاستصحاب فيأكل؟

أم أن وجود الساعات الحديثة هو المعيار؟ شرط أن تكون مبنية على الوقت الصحيح الذي أسلفناه.   

1/ فقال قوم بالعمل بالاحتياط وترك الأكل كما قدمنا.

2/ بينما كان الصحابة والجمهور يعملون باس تصحاب الليل حتى يتبين الفجر.

فإذا اسيقظوا وشكوا فيه، بسبب وجود غيم  أو عدم مراقبة سابقة أو نحو ذلك، فقد كانوا يتسحرون بسرعة ثم يمسكون.

روى ابن حزم من طريق أبى احمد الزبيري عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن هلال ابن يساف عن سالم بن عبيد قال: كان أبو بكر الصديق يقول لى: قم بينى وبين الفجر حتى أتسحر! *

ومن طريق ابن أبى شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال ابن يساف عن سالم بن عبيد الاشجعى قال: قم فاسترني من الفجر، ثم أكل *

قال ابن حزم:" سالم بن عبيد هذا أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه أصح طريق يمكن أن تكون *

قال:" وقد روينا من طريق وكيع وعبد الرزاق، قال وكيع، عن يونس بن أبى إسحق عن أبى السفر، وقال عبد الزراق: عن معمر عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة، قالا جميعا: كان أبو بكر الصديق يقول: أجيفوا الباب حتى نتسحر".

وإلإيجاف: الغلق *

3/ لكن فعلهم محمول على الزمن القديم حيث لم تكن هنالك ساعة زمنية تساعد على تقريب معرفة وقت الفجر الصادق، أو على شخص يسكن الآن في بادية بدائية بعيدة عن التحضر:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الثانية: حكم الاستعانة بالساعات الحديثة وعلم الفلك في تحديد مواقيت الصلوات والسحور والصيام:

المسألة الثالثة: من شك في طلوع الفجر هل يمسك احتياطا؟ أم يأكل بناءً على استصحاب الليل؟:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المسألة الرابعة: حكم إكمال الشَّربة وبلع الطعمة في الفم، إذا أذن الأذان الثاني وكان على وقت الفجر الصادق:

فإذا كانت في فمه فله بلعها وإتباعها بالماء ثم الانكفاف دفعا للحرج والعنت.

خرج أحمد (2/510) وأبو داود 2350 باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده، والدارقطني باب وقت السحور والحاكم (1/320...) عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه» .

قال حماد: وحدثنا عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة مثله.

قال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»

فإن قال قائل: يحتمل أن يكون هذا الحديث محمولا على من أذن قبل الوقت،

والجواب من أوجه:

1/ أنه محمول على الأذان الثاني بعد طلوع الفجر، فقد كانوا يؤذنون على الوقت.  

فقد زاد فيه محمد بن أحمد الرياحي ثنا روح، ثنا حماد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه " [وكان المؤذنون يؤذنون إذا بزغ الفجر.] خرجه عنه البيهقي في السنن.

وقال عمار في طريق منفصلة أخرى وهو أحد رواته:" وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر "،

والوجه الثاني: تطبيق أبي هريرة لحديثه:

روى ابن حزم من طريق حماد بن سلمة: ثنا حميد عن أبى رافع أو غيره عن أبى هريرة: أنه سمع النداء والاناء على يده فقال: أحرزتها ورب الكعبة ".

3/ أنه قد تكاثرت الأحاديث أن الفجر فجران والأذان أذانان، فجر كاذب عمودي وهو الذي كان يؤذن فيه بلال للتنبيه، وفجر صادق أفقي مستطير، وهو الذي كان يؤذن فيه ابن أم مكتوم، فكان لا يؤذن حتى يقولوا له: أصبحت أصبحت".

وبالله التوفيق.

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني