أحكام السمسرة والوكالة والأمانة، والودائع البنكية، وبيع الفضولي كتابة الطاهر زياني

 

                    أحكام السمسرة والوكالة، والودائع البنكية، وبيع الفضولي

 

                                    كتابة: الطاهر زياني

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله وبعد: 

فهذا مبحث فقهي حديثيّ يتعلق بحديث بيع الفضولي، وحكم السمسار والوكالة والودائع البنكية وغيرها، وقد قسمته على النحو التالي:

 المطلب الأول: متى تصح الوكالة ومتى لا تصح ؟:

المسألة الأولى: في مجال العبادات وحقوق الرب:

المسألة الثانية: في مجال العقوبات والكفارات:

المسألة الثالثة : في مجال المعاملات:

القسم الأول: الأبعاض:

القسم الثاني: المعاملات المالية وحقوق الآخرين:

 

المطلب الثاني: بيع الفضولي الوكيل وحكم التصرف في الوديعة (الأمانة):

المسألة الأولى: الوديعة وأحكامها:

الفرع الأول: تعريفها أقسامها وأدلتها: 

الفرع الثاني: استعمال الوديعة ومصاريفها:

المسألة الثانية: حكم تصرف الفضولي وبيعه وغلته وبيان أدلته:

المطلب الثالث: مسائل متفرقة في الوكالة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الأول: متى تصح الوكالة ومتى لا تصح ؟:

الأصل الشرعي: أن لا يتكلم أحد عن أحد، ولا أن يفعل بدلا عنه، ولا ينوبه في شيء .

وهكذا الأصل أن يبيع الإنسان ما يملكه فقط، وأنه عمله يرجع إليه أو عليه فقط، لقوله تعالى :{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }[البقرة 285]، وقوله {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) }[النجم] ...

إلا أن الشارع الحكيم أرخص في النيابة في بعض الأمور رفعا للحرج عن هذه الأمة ، مما يدخل في المقاصد الحاجية بمختلف مجالاتها التعبدية أو مجال الآداب والمعاملات أو العقوبات .

المسألة الأولى: في مجال العبادات وحقوق الرب:

لا تصح النيابة في حقوق الرب: كالإسلام والتوبة والصلاة والذكر بقاءً على الأصل . 

وأما في الزكاة والصدقات: ففيها مزج بين حقوق الرب والآخرين، وعليه فلا بأس من النيابة في مطلق القيام على الأموال،

فقد تواتر عن النبي عليه السلام أنه كان يرسل عُمّاله لأخذ الصدقات وتفريقها، وكان له نظار على صدقاته وأراضيه، وعن عقبة بن عامر الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أعطاه غنما يقسمها بين أصحابه "...

وأما الصوم : فلا يصام عن الحي، لأنه إما أن يكون المكلفُ صحيحا مقيما فيصوم بنفسه ولا بد، وإن كان معذورا فيقضي ولا بد ، ومن كان مُقعدا أو يائسا فيُطعم على خلاف في ذلك .

وأما إن مات ولم يقض بعد: فلا بأس من قضاء الديْن عليه لتكاثر الأدلة بذلك .

وأما الحج : فتجوز الوكالة والنيابة في الحج أو في بعض أعماله ومناسكه كما هو معروف، لكن المال من المعني، والأداء من الوكيل، كما هو الأمر في سائر الوكالات.

ومن ذلك عبادة الذبح: فتجوز النيابة في النحر والتذكية، فقد أمر النبي عليه السلام عليا رضي الله عنه أن يقوم على بدنه ويتصدق منها ...

المسألة الثانية: في مجال العقوبات والكفارات:

الأصل العام أن مَنْ فعَل ذنبا متعمدا فلا يوثغ إلا نفسه، ومن أصاب كفارة فالأصل أن يُكَفِّر عن نفسه فقط، ومن ماله الخاص.

خاصة إذا كان الذنب أو الكفارة فيما يتعلق بحقوق الرب، كالحنث والظهار وكفارة الجماع.

لكن من مات جاز لوليّه أن يُكفر عنه.

وأما في حقوق الغير: فإن العقوبة على الجاني وحده، وأما تطبيقها أو إقامة الحدود وطلب القصاص والحقوق وإعطائها، فلا بأس من النيابة في ذلك، لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم إرسالَ الولاة لإقامة الحدود، ورد الحقوق على الناس ...

المسألة الثالثة : في مجال المعاملات:

وتنقسم إلى أبعاض وأموال:

القسم الأول: الأبعاض:

إن مجال النيابة فيها أضيق من باب المعاملات المالية، فإن بابها واسع كبير.

فأما الأبعاض: كالزواج والطلاق:

فالأصل أن يتزوج الإنسان المكلف ويختار بنفسه، وكذلك أن يطلق بنفسه وإرادته، لكن اختلف السلف في الوكالة في ذلك:

فالزواج مثلا: له أركان معروفة، من حضور ولي وعاقديْن ..، ففي حالة الصحة والإقامة لا بد من حضور المعنيين في الأركان.

وأما في حالة السفر أو العجز: فـيُمكن للزوج العاقد أن يوكل شخصا آخر ويُنيبه في تزويجه، لكن هل تصح الإنابة مع كونه صحيحا حاضرا ؟

وهل يمكن للولي أن يُنيب عنه وليا آخر دونه في الرتبة، ليليه في تزويج مولَيَته، مع كونه أيضا صحيحا حاضرا ؟

فإذا عرفنا أن الأصل هو أن يتزوج الإنسان المكلف ويختار بنفسه، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل، وعليه:

فلا يمكن النيابة للصحيح المقيم، لأن الأصل هو حضوره، بل حضوره ركن من أركان هذا الزواج، ولا يمكنه أن ينيب أحدا عنه إلا بدليل، ولا يوجد إلا في حالة الغياب أو العجز والمرض والله أعلم.

ولأنّا وجدنا أنّ العلماء قد رتبوا مراتب أولياء المرأة، فوليها الأول هو إبنها، إن كانت أرملة أو مطلقة ، ثم يأتي وَليها الثاني وهو أبوها، ثم أب الأب ، ثم جهة الأخوة ، ثم أبناء الإخوة، ثم الأعمام .. ثم القاضي ، على خلاف في بعض ذلك.

القسم الثاني: المعاملات المالية وحقوق الآخرين:

كالبيوع والتجارات فالأمر فيها سهل وواسع من حيث الإنابة والتوكيل:

إلا أنه لا يحل للوكيل مخالفة ما أمره به موكله، ويضمن إن خالف وخسر، وأما إن ربح فهل ينفذ فعله أم لا؟، في ذلك خلاف بين السلف الطيب - كل ذلك إن كانت لديه وكالة معينة من المالك -.  

وتأصيل المسألة: أن نعلم بأن الأصل في هذه المعاملات، إن لم يملك الشخص شيئا، بل كان ملكا لغيره، فإنه لا يحق له التصرف إلا بوكالة محددة الجنس والنوع والثمن من المالك، لتواتر الأدلة على ذلك:

لكن اختلف السلف في بيع الفضولي وهو الذي لديه وكالة معينة، لكن تجاوزها كما ذكرنا:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: بيع الفضولي الوكيل وحكم التصرف في الوديعة (الأمانة):

المسألة الأولى: الوديعة وأحكامها:

الفرع الأول: تعريفها أقسامها وأدلتها:

الإيداع: توكيل في الحفظ تبرعا، فهي أمانة من الأمانات لها أحكامها.

والوديعة لغة : من ودع الشيء إذا تركه , سميت بذلك لأنها متروكة عند الـمُودع،

وتطلق في الشرع على صور: .

1/ اسم للمال المودَع عند من يحفظه بلا مقابل ولا ضمان منه ما لم يفرط، على أن يسترجعه صاحبه متى شاء.

فأركانها إذا:

الشخص المودع الملك للشيء.

والشخص المستودَع أو الوديع: وهو الأمين البالغ القادر على حفظ الأمانات.

والمال الموْدوع.

والدليل على مشروعيتها قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء 58]

وخرج البيهقي عن عائشة في هجرة النبي ﷺ إلى المدينة قالت: وأمر ﷺ عليًا أن يتخلف عنه بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس ".

وأما دليل عدم الضمان لمن لم يفرط: فلما خرج ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم :" من أودع وديعةً فلا ضمان عليه".

وخرج الدارقطني:" ليس على المستودع غير المغل ضمان"، والمغل: هو الخائن المفرط,

2/ فإن دفع له المال أو السلعة ليحفظها أو يصلحها بمقابلٍ فهو ضامن.

كمن يدفع سلعته أو متاعه أو أنعامَه لأجير ليصلحها أو يحرسها، لأن المال المدفوع مقابل الانتباه والاحتراز على السلعة.

وبجواز دفع الأجرة للوديع قالت الجماهير.

3/ هي مال أو ملك يضعه المالك المودِع في عهدة مصرِف أو شخص مستودَع، لحفظه أو لاستثماره أو رهنه، على أن يستردّه صاحبه متى شاء.

واستثنى الشافعية حالة الضرر بأحد الطرفين نتيجة الفسخ والردّ.

4/ الوديعة المرهونة: هي أن يترك الراهن المودع ماله أو متاعه عند المرتهن، مقابل ديْن ونحوه.

قال البغوي في شرح السنة (8/183) :" واختلفوا فيمن ينتفع به:

1/ فذهب أحمد وإسحاق إلى أن للمرتهن أن ينتفع من الرهن بالحلب والركوب دون غيرهما بقدر النفقة،

قالوا كلهم: لكن لا يستعمله فيما يضره أو يُنقص قيمته.

2/ وقال أبو ثور: إن كان الراهن ينفق عليه لم ينتفع به المرتهن، وإن كان لا ينفق عليه، وتركه في يد المرتهن فأنفق عليه، فله ركوبه واستخدام العبد، وقال إبراهيم: يركب الضالة بقدر علفها وتحلب، والرهن مثله.

3/ وذهب الأكثرون، إلى أن منفعة الرهن للراهن، وعليه نفقته، وهو قول الشعبي، وابن سيرين، وإليه ذهب الشافعي، لأن الفروع تابع للأصول، والأصل ملك للراهن، بدليل أنه لو كان عبدا، فمات، كان كفنه عليه، ويدل عليه ما:

رواه مالك وابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه».

وقد وصله ابن عياش وابن أبي أنيسة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة مرفوعاً بلفظ: " لا يغلق الرهن , لصاحبه غنمه , وعليه غرمه ".

قال البغوي:" فيه دليل على أنه إذا هلك في يد المرتهن، يكون من ضمان الراهن، ولا يسقط بهلاكه شيء من حق المرتهن، وبه قال جماعة من أهل العلم، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد".

وبالتالي يكون له غنمه وثمره وما تولد منه، فإنه كله خارج عن الرهن، راجع إلى مالكه الأول.

وقال الحنفية بأن المتولدات منه مرهونة مثله.

الفرع الثاني: استعمال الوديعة ومصاريفها:

إن الأصل في الأمانة والوديعة والرهن ألّا تُستعمل إلا بإذن مالكها، فإن استعملها بغير إذن صاحبها وهلكت، أو خلطها بغيرها حتى اختلطت، ضمن مطلقا.

وكذلك الأمر في الوديعة التي تحتاج إلى مصاريف كالأنعام مثلا، فإن تكلفتها على مالكها المودع، أو راهنها الأول كما أسلفنا.

فإن أذن مالكها للوديع كما هو الشأن في الودائع البنكية، أو لم يصرف عليها هذا المالك المُودِع، وترك عبء المصاريف عنها على الطرف الثاني المستودَع جاز له أخذ ثمرتها وغلتها.

وجاز له أن يعطي لمالكها المودع هامشا من المنافع كما يفعل البنك.

وجاز له أن يتقاسمه، كما يجوز له أن يعطي كل الربح لمالكه الأول على سبيل التكرم والتفضل لا غير.

كما في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار وفيه:"  ثم قال الثالث اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيتهم أجورهم غير رجل واحد منهم ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري قلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي فقلت: لا أستهزئ بك فاحرز ذلك كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا من الغار يمشون ".

وأما الوديعة التي لا تحتاج إلى مصاريف ولم يأذن صاحبها باستعمالها، فهي ومنافعها لمالكها المودِع.

فإن تصرف بها المستودَع، فهو كتصرف الفضولي:

المسألة الثانية: حكم تصرف الفضولي وبيعه وغلته، وبيان أدلته:

الفضولي من لديه أمانة أو وكالة معينةٌ - لشراء شيء ونحو ذلك - وتعداه لغيره، بنية الصلاح ونماء المال لموكله.

ومن ذلك البنك الذي يودع الناس فيه أماناتهم، فإنه غالبا ما يتصرف بها أو بمثلها في مختلف المعاملات المالية بإذنهم، ثم يعطيهم هامشا قليلا من الربح، على أن جنسها موجود متى ما طالب بها صاحبها.

فإن تصرف بها بغير إذن أصحابها ضمنها كما أسلفنا.

وأما في حالة الربح: فلم يحدد الشارع في ذلك شيئا مشروطا، وإنما أعطى الربح للمالك المودع على سبيل التكرم كما في حديث أصحاب الغار السابق؟ن مع حديث الفضولي اللاحق.  

وقد اختلف السلف في حكم فعل الفضولي، وفي تصرفاته وآثاره:

1/ فقال ابن حزم في المحلى (8/245) :" ولا يحل للوكيل تعدي ما أمره به موكله فإن فعل لم ينفذ فعله، فإن فات ضمن لقول الله تعالى {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} "، وهو قول الجمهور . 

2/ وقيل بـجوازه إذا كان لمصلحة المالك، وذلك بأن يجد فرصة سامحة للربح: 

واستدلّـوا بحديث الفضولي التالي، وقد ورد اضطرابا عن صحابيين :

الدليل الأول: حديث الفضولي: هو عبارة عن قصة واحدة وردت عن صحابييْن:

حديث أول: من رواه عن عروة: له طريقان:

أ. قال البخاري في الصحيح 3642 ولم يخرجه- حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان حدثنا شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يحدثون عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه»،

إلا أن البخاري علّله فقال:

قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة فأتيته، فقال شبيب إني لم أسمعه من عروة، قال: سمعت الحي يخبرونه عنه،

ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة» قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسا ".

وقال الحميدي: قال سفيان: وكان الحسنُ بن عمارة سمعته يحدثه، فقال فيه: سمعت شبيبا يقول: سمعت عروة، فلما سألت شبيبا، قال: لم أسمعه من عروة، حدثنيه الحي عن عروة ".

وقد ظن قوم بأن البخاري قد خرجه في الصحيح، وليس كذلك، بل مقصوده تخريج حديث الخيل الذي بعده، وأما الأول فمعلول عنده وعند غيره لعدة أمور:

أولاهما: أن البخاري أعله بعدم سماع شبيب من عروة، ثم وهَّم الحسن بن عمارة في ادعائه السماع بتصريح شبيب نفسه.

والثاني: أن البخاري لم يخرجه أصالة بل أسنده لأنه وقع له تبعا للحديث الذي بعده . 

والثالث: أنّ تبويب البخاري وسياقته للأحاديث المتقدمة عنه، واللاحقة بعده، وفي كتاب بدء الخلق والمغيبات يؤكد أن البخاري أراد إخراج الحديث الثاني الصحيح " الخيل معقود .. "، فقط، ثم ذكر الأول معه لأنه تابع له.

والرابع: لو كان البخاري محتجا به لذكره في باب الوكالة والفضول، لا في أبواب بداية الخلق.

والخامس: مخالفته للأصول والأدلة الكثيرة في النهي عن بيع ما ليس عندك، ثم ورود أدلة أخرى باستثناء الوكالة فقط، وأما بدونها فالبيع باطل.

ثم وجدتُ بأنّ ابن القطان قال في الوهم والإيهام مثل ذلك (5/167) :" فأورد به حديث عروة وما بعده واعتمد فيه إسناد سفيان عن شبيب بن غرقدة قال: سمعت عروة، وجرى في سياق القصة من قصة الدينار ما ليس من مقصوده ولا على شرطه مما حدث به شبيب عن الحي عن عروة فاعلم ذلك ".

وكذلك نقله الزيلعي في نصب الراية (4/91) :" قال ابن القطان في كتابه ردا على عبد الحق في قوله، وأخرجه البخاري في صحيحه، فقال: واعلم أن نسبة هذا الحديث إلى البخاري كما ينسب إليه ما يخرجه من صحيح الحديث خطأ، إذ ليس من مذهبه تصحيح حديث في إسناده من لم يسم، كهذا الحديث، فإن الحي الذين حدثوا به شبيبا لا يُعرفون، فإن هذا الحديث هكذا منقطع، وإنما ساقه البخاري جارا لما هو مقصوده في آخره، من ذكر الخيل، ولذلك أتبعه الأحاديث بذلك من رواية ابن عمر، وأنس، وأبي هريرة، كلها في الخيل، فقد تبين من هذا أن مقصد البخاري في الباب المذكور إنما هو سوق أخبار تتضمن أنه عليه السلام أخبر بمغيبات تكون بعده، فكان من جملة ذلك حديث: الخيل في نواصيها الخير ..."،

 والحمد لله على الموافقة.

وحتى لو صح فليس فيه البيع بلا وكالة، بل هذا له وكالة، لكنه تجاوزها لمصلحة مُوَكله، أو هو محمول عند الجمهور أنه كانت له وكالة تفويضٍ مطلقةٍ للجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة والكثيرة في اشتراط الوكالة والإذن، فكيف وهو لم يصح والله أعلم . 

فإن قيل : قد وردت له متابعة أخرى تُقويه :

ب. خرج الترمذيّ عن سعيد بن زيد وهو ضعيف، وهارون بن موسى القاري الأعور كلاهما عن الزبير بن الخريت البصري عن أبي لبيد لمازة بن زبار البصري عن عروة به.

قيل: شرط المتابعة تعدد المخرج، وأما لمازة فهو من ذلك البعض المذكور، فصارت المتابعة ترجع إلى طريق واحد، لأنه قال في الحديث السابق :" سمعت الحي "،

ولمازة هذا مختلف في توثيقه، فقد وثقه أحمد وابن سعد ومن تبعهما، فكأن ذلك لأنهم لم يعرفوا حاله وتفسير جرحه، فهو مجروح العدالة، فقد كان همازا لمازا سبابا في عليّ رابع أفضل خلق الله بعد أنبياء الله وكان يفتخر بذلك، بل كان يمدح قتلة سيد شباب أهل الجنة الحسين، فلا كرامة لحديثه، ولا كرامة له، ولا رحمة الله عليه، ولذلك قال عنه ابن حزم: غير معروف العدالة "،

وقال ابن معين :" لا رحمه الله ولا صلى عليه إن كان شتم عليا أو أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال وهب بن جرير عن أبيه عن أبي لبيد: وكان شتاماً، وقال الدارقطني:" كان منحرفا عن علي"، والعجب كل العجب هو دفاع الحافظ ابن حجر عن أمثال هذه الغالي الناصبي، ولذلك انتقد المعلقون على ابن حجر هذا الخطأ الشنيع، ودفاعه عن هذا الرجل الفضيع، الذي يبغض عليا، ولا يبعضه إلا منافق كما صح في الحديث، وحتى الترمذيّ لم يصحح له هذا الحديث بل سكت عنه .

وقد ضعف الشافعي هذا الحديث، وكذلك ضعفه ابن حزم في المحلى (8/437)، وعلله البخاري كما مضى، ثم إن نفس القصة وردت عن صحابي آخر مما يعزز من اضطرابه:

حديث ثان: من رواه عن حكيم:

1. قال أبو داود 3386 - حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان حدثني أبو حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له أضحية، فاشتراها بدينار، وباعها بدينارين، فرجع فاشترى له أضحية بدينار، وجاء بدينار، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتصدق به النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له أن يبارك له في تجارته»، تابعه ابن مهدي عن سفيان:

أبو حصين هو عثمان بن عاصم ثقة لكنه مدلِّس وقد عنعن عن مبهم، وهو الشيخ المدني، فكأنه هو الذي وهم في الحديث فجعله عن حكيم.

2. فإن قيل: قدْ عُين المبهم وهو حبيب:

خرّج ذلك الترمذي (1257) عن أبي كريب، والطبراني في الكبير 3133) عن إسحاق بن إبراهيم الشهيدي كلاهما عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام به، لكن ضعفه الترمذي، فقد قال :" لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام"،

وفيه أبو بكر مختلط، وهو ثقة يهم، وحصين مدلس وقد عنعن، وحبيب أكثر تدليسا منه ولم يسمع من حكيم، وقد اضطُرِبَ عليه في الإسناد:

3. فقد خرجه الطبراني في الأوسط (8/184) عن عمير بن عمران العلاف - وفيه كلام- نا الحارث بن عتبة عن حبيب بن أبي ثابت عن عمرو بن واثلة أو عامر بن واثلة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشتري به أضحية فاشترى فجاءه من أربحه فباع ثم اشترى ...".  

الحارث غير معروف، وحبيب يدلس عن الضعفاء، ولا يبعد أن يرجع إلى نفس الطريق السابقة.

الدليل الثاني: قالوا: ويصح إسقاط التوكيل لما ورد في حديث أصحاب الغار أن أحدا منهم قال:" اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجيرا بفرق أرز، فلما أمسيت عرضت عليه حقه فأبى أن يأخذه، وذهب فثمَّرْتُهُ له حتى جمعْتُ له بقرا ورعاءها، فلقيني، فقال: أعطني حقي، فقلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها، فذهب فاستاقها ".

والجواب أنه لا يدخل في مسألة الفضولي، لأنّ الفضولي مُوكل بعمل أو شراء معين، وأما هذا الحديث، فإن مالك المال قد ذهب ولم يرجع أبدا، بل أبى أن يأخذ ماله في أول الأمر، وتنازل عنه غضبا، عندها استثمره له مستعمله، ثم لما رجع بعد مدة أرجعه له مع الغلة.

ولذلك كان مذهب الجمهور هو الصواب للأدلة الكثيرة في المنع من بيع ما ليس عندك، إلا في الوكالة، ولذلك ورد عن ابن عمر أنه سئل عن رجل استبضع بضاعة فخالف فيها، فقال ابن عمر: " هو ضامن، وإن ربح فالربح لصاحب المال "، فلم يجعل له الربح وضمنه، وما ذاك إلا لأنه مخالف لما أُمِر به والله أعلم وبالله التوفيق .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثالث: مسائل متفرقة في الوكالة: 

المسألة الأولى: ولا يبطل الوكالة فيما لو قال الموكل : اشتر لي كذا بدينارين، فوجدها بأقل، فإن له أن يشتريها لأنه موكل على شراء تلك السلعة بذلك الثمن، وما دونه من باب أولى، لكن إن وجدها أكثر فلا يفعل وإلا يضمن . 

المسألة الثانية: وهل تصح المرابحة أو الربح المطلق أو المشاع للوكيل: والجواب: لا، لأن الربح المطلق يكون للمالك، والمشاع يكون لمن يتحمل الخسارة، وعليه فلا يأخذ إلا أجرة أو ثمنا معلوما فقط إن أراد المالك والله أعلم .

    

                       كتبه أبو عيسى الطاهر الزياني

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني