المأثور في مشروعية المواعظ والرثا والدعاء في القبور الطاهر زياني

                            المأثور في مشروعية المواعظ والرثا والدعاء في القبور

                                            الطاهر زياني

 

بسم الله وبعد:

تعتبر المواعظ وتعليم الناس في أمور دينهم مع استغلال تجمعاتهم، من أبرز وسائل الدعوة المحمدية إلى الله، ولذلك كان النبي عليه السلام يستغل تجمعات الناس والمشركين، ليدعوهم إلى دين رب العالمين، ويعلمهم أحكام الدين، وكان يتحين الوفود القادمة إلى مكة، للحج أو التجارة ونحوها، فيدعوهم إلى الله جل في علاه... وكذلك كان السلف والدعاة إلى الله يفعلون...

وقد بوب البخاري في الصحيح: باب من جعل للعلم أياما معدودة،

ولم ينكر أحد من السلف تخصيص ذلك، أو استغلال تجمعات الناس لدعوتهم لدين الله، ومن ذلك استغلال الموت وتجمع المسلمين فيه لتذكيرهم بربهم.    

حتى ظهرت هذه الفرقة التبديعية العلمانية المارقة المحاربة لدين الله والدعاة إليه، فبدعوا كل شيء.

واحتجوا كعادتهم على التبديع والتضليل والتشنيع، بأن ذلك لم يثبت ولم يرد، ثم اختلفوا في التبديعات:

. فبالغ بعضهم في تبديعاتهم حتى زعموا بأن التعليم ووعظ الناس والدعاء للأموات، ولو بكلمات يسيرات بدعة ضلالة مطلقا.

. وذهب آخرون إلى فعلها أحيانا فقط، لأن النبي عليه السلام لم يكن من هديه المواضبة عليها، وأنه لم يفعلها إلا مرة واحدة فقط.

موافقين في ذلك مذهب المعتزلة والجهمية المنكرين لدلالة خبر الآحاد على الفعل، المشترطين للتواتر والكثرة، وأما أهل السنة فيثبتون السنية ولو بالحديث الواحد، من غير اشتراط التواتر والكثرة للحديث.

فإن قالوا: لم يفعلها النبي عليه السلام دوما إلا مرة، طولبوا بالدليل على النفي، لأنه كما الإثبات يحتاج إلى دليل فكلك النفي يحتاج إلى تدليل.

. ثم غلا بعض المجيزين أحيانا: فبدّعوا القيام أثناء الموعظة، مشترطين الجلوس فيها، لأنهم من جهلهم ما عرفوا إلا حديثا واحدا وهو حديث البراء في جلوس النبي عليه السلام والناس حوله، مع أن أفعاله عليه السلام لا تكون للوجوب باتفاق السلف، وإنما تكون للاستحباب فقط.

. وزعم طائفة منهم بأن الموعظة يجب أن تكون قبل الدفن، مخالفين في ذلك إجماع السلف الجاعلين أفعال النبي عليه السلام للاستحباب لا للوجوب، مع استحباب الاستمرارية فيها، مع ورود ذلك في السنة.

. ومن ردّهم للسنن ما سيقولون بعد أن نأتيهم بالأدلة على مشروعية الوعظ في عدة مواعظ:

أنه لا ينبغي أن يزيد الواعظ على الكلمات اليسيرات،... ونحو ذلك من الحماقات، وقد علم كل مسلم أن النبي عليه السلام كان يختصر خطبه لأنه أوتي جوامع الكلم، وكان أصحابه من أعلم الناس باللغة والبيان، يفهمون الشيء اليسير والكلمات المعدودات، بخلاف غيرهم فإنهم يحتاجون للشروح تلو الشروح.

. ومن ضلالهم وإفكهم زعمهم بأن الدعاء الجماعي للميت بدعة ضلالة، وأن رفع اليدين للجبار، منكر ضلالة، ولو كان الداعي وحده.   

وقد رددت على تبديعاتهم للدعاء في كتاب" الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء".

وكتاب" المأثور في رفع اليدين في الدعاء للميت والمقبور ".

لنذكر هنا الأدلة على مشروعية الوعظ عند القبر جلوسا أو قياما، سواء أكانت الموعظة طويلة أم بكلمات يسيرات، قبل الدفن أو بعده، ثم أنتقل لذكر بعض ما ورد عن السلف الطيب في ذلك،

وقد قسمته كالتالي:

المطلب الأول: ما ورد في القيام عند القبر لأجل الدعاء والتلاوة وإيناس الميت:

المطلب الثاني: ما ورد في الوعظ والتعليم قياما أو جلوسا تطويلا أو قِصرا، أثناء أو بعد الدفن:

المطلب الثالث: ما ورد من وعظ ورثاء عند القبر عن السلف:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الأول: ما ورد في القيام عند القبر لأجل الدعاء والتلاوة وإيناس الميت:

الدليل الأول: وفيه الأمر بالقيام عند قبور المسلمين للاستغفار والدعاء لهم. 

قال الله عز وجل :{ولا تصلِّ عَلَى أحدٍ مِنهُمْ ماتَ أبَدا ولا تَقُمْ عَلَى قَبره إنهم كَفَروا بالله ورَسوله ومَاتوا وَهم فَاسقون} [التوبة 84]

قال ابن كثير رحمه الله:"ولما نهى الله عز وجل عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، كان هذه الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين، فشرع ذلك وفي فعله الأجر الجزيل".

الدليل الثاني: مفسر للآية السابقة، وقد ورد بلفظ الجمع، لتبيين مشروعية الدعاء الجماعي للميت:

قال ابن كثير بعد تفسيره للآية السابقة:" وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فروى أبو داود 3221 عن عثمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل"، انفرد بإخراجه أبو داود رحمه الله،

طلبنا تفسير السلف لهذا الحديث وفهمهم له فوجدنا:

ما قاله إمام السلف الآجري أبو بكر محمد بن الحسين في كتاب النصيحة: يستحب الوقوف بعد الدفن قليلا والدعاء للميت مستقبل وجهه بالثبات، فيقال: اللهم هذا عبدك وأنت أعلم به منا ولا نعلم منه إلا خيرا وقد أجلسته لتسأله، اللهم فثبته بالقول الثابت في الآخرة كما ثبته في الحياة الدنيا، اللهم ارحمه وألحقنه بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولا تضلنا بعده ولا تحرمنا أجره"،

قال: وحدثنا أبو عبد الله الترمذي: الوقوف على القبر وسؤال التثبيت في وقت دفنه مدد للميت بعد الصلاة، لأن الصلاة بجماعة المؤمنين كالعسكر له، قد اجتمعوا بباب الملك يشفعون له، والوقوف على القبر لسؤال التثبيت مدد للعسكر، وتلك ساعة شغل للميت، ولأنه يستقبله هول المطلع وسؤال وفتنة فتاني القبر".

وقال أبو بكر بن علي بن محمد الحدادي الحنفي في الجوهرة النيرة :" ويستحب إذا دفن الميت أن يجلسوا ساعة عند القبر بعد الفراغ بقدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها يتلون القرآن ويدعون للميت ".

وفي الحاشية على مراقي الفلاح:" قوله ( تتمة الخ ) مما يلحق بذلك أنهم إذا فرغوا من دفنه يستحب الجلوس عند قبره بقدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه يتلون القرآن ويدعون للميت فقد ورد أنه يستأنس بهم وينتفع به ".

وقال في فقه العبادات: "يسن أن يقف جماعة بعد دفنه يدعون للميت ويستغفرون له ويقرؤون عنده شيئا من القرآن وختمه أفضل ويسألون الله له التثبيت لما روى عثمان رضي الله عنه قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ووقف عليه قال:استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل "،

وقال القرطبي في التذكرة: باب الوقوف عند القبر قليلا بعد الدفن والدعاء بالتثبيت له "،

دليل ثاثث : وفيه فضيلة الاجتماع للدعاء للميت بعدما يُدفن:

أخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على القبر بعدما يسوى عليه فيقول : اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا خلف ظهره اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة به"،

وخرجه سحنون في المدونة عن أنس بن عياض عن إسماعيل بن رافع المدني عن رجل قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود يقول إذا أتي بالجنازة استقبل الناس فقال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" كل مائة أمة ولن تجتمع مائة لميت فيجتهدون له بالدعاء إلا وهب الله ذنوبه لهم وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم فاجتهدوا له بالدعاء"، ثم استقبل القبلة، فإن كان رجلا قام عند وسطه وإن كانت امرأة قام عند منكبيها ثم قال: اللهم إنه عبدك وابن عبدك أنت خلقته وأنت هديته للإسلام وأنت قبضت روحه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئنا شفعاء له اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة اللهم أعذه من فتنة القبر وعذاب جهنم اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه"،

قال: يقول هذا كلما كبر وإذا كانت التكبيرة الآخرة قال مثل ذلك ثم يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات"، ثم ينصرف،

قال إسماعيل: قال إبراهيم : كان ابن مسعود يعلم الناس هذا في الجنائز وفي المجالس، قال: وقيل له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على القبر إذا فرغ منه ؟ قال : نعم كان إذا فرغ منه وقف عليه ثم قال: اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا وراء ظهره ونعم الزوال به أنت اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه"،

وله متابع فيه تعليم الناس لدينهم أثناء الجنائز:

وقال أبو ذر الهروي نا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي نا أبو علي أحمد بن محمد بن رزين ثنا علي بن خشرم ثنا أنس بن عياض عن اسماعيل بن رافع عن رجل قال سمعت إبراهيم النخعي يقول كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا أتي بجنازة استقبل الناس وقال: يا أيها الناس سمعت رسول الله يقول:" لكل مائة أمة ولم يجتمع مائة لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا وهب الله ذنوبه لهم، الخبر، وفيه:قال إبراهيم:" كان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز وفي المجلس، قال: وقيل له: أكان رسول الله يقف على القبر إذا فرغ منه؟ قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه ثم قال اللهم نزل بك صاحبها وخلف الدنيا وراء ظهره ونعم المنزول به اللهم ثبت عند المسألة منطقة ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه كلما ذكر"،

دليل أو الدليل الرابع: وفيه وصية أصحاب محمد عليه عليه السلام للناس بالدعاء لهم قياما عند قبورهم بلفظ الجمع:

قال الطبراني في الكبير 3171 حدثنا عبدان بن أحمد ثنا حميد بن مسعدة ح وحدثنا محمد بن خالد الراسبي ثنا محمد بن عبيد بن حساب قالا ثنا محمد بن حمران عن عطية الرعاء عن الحكم بن الحارث السلمي أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث غزوات قال: قال لنا : إذا دفنتموني ورششتم على قبري الماء فقوموا على قبري واستقبلوا القبلة وادعوا لي"،

قال الهيثمي:" رواه الطبراني في الكبير، وفيه عطية الدعاء، ولم أعرفه".

وهو عطية بن سعد ذكره ابن حبان وابن قطلوبغا في الثقات.

الدليل الخامس: في تقدير مدة البقاء عند القبر لأجل الدعاء له، وإعانته على مراجعة الملائكة:

خرج مسلم 121 في الصحيح عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقة الموت، يبكي طويلا، وحوّل وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه، فقال:...

فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة، ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي ".

وفي رواية أبي عوانة في مستخرجه على مسلم:" فإذا دفنتموني في قبري فسنوا علي التراب سنا"،

بوب عليه النووي في الرياض:" باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره".

وقال في شرح مسلم:" وفي قوله فشنوا علي التراب استحباب صب التراب في القبر... وفيه استحباب المكث عند القبر بعد الدفن لحظة نحو ما ذكر لما ذكر وفيه أن الميت يسمع حينئذ من حول القبر ".

ونقل النووي عن أصحابه كما في المجموع:" قالوا ويستحب أن يقرأ عنده شئ من القرآن وإن ختموا القرآن كان أفضل وقال جماعات من أصحابنا يستحب أن يلقن..".

وقال في الأذكار :" ويستحب أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها ، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن ، والدعاء للميت ، والوعظ ، وحكايات أهل الخير ، وأخبار الصالحين.

".

قال الإشبيلي في العاقبة في ذكر الموت ص184 :" يُرِيد أَن يسْتَأْنس بدعائهم لَهُ وبذكرهم الله عز وَجل عِنْده ".

قال الرافعي:" قوله ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن فيقال يا عبد الله يا ابن أمة الله اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ...".

قال ابن حجر في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/310) :" له شواهد منها:

ما رواه سعيد بن منصور من طريق راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وغيرهما قالوا إذا سوي على الميت قبره وانصرف الناس عنه كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله قل أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مرات قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ثم يصرف.

وقال الأثرم: قلت لأحمد: هذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت يقف الرجل ويقول يا فلان بن فلانة. قال:" ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام حين مات أبو المغيرة يروى فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه، وكان إسماعيل بن عياش يرويه يشير إلى حديث أبي أمامة".

وبوب عليه القرطبي في التذكرة:" باب الوقوف عن القبر قليلاً بعد الدفن والدعاء بالتثبيت له".

دليل أو الدليل السادس : وفيه تبيين صفة المراجعة والتذكير للميت حتى يراجع رسل الله منكر ونكير:

قال الطبراني في الكبير والدعاء 1214 - حدثنا أبو عقيل أنس بن سلم الخولاني، ثنا محمد بن إبراهيم بن العلاء الحمصي الزبيدي ثنا إسماعيل بن عياش ثنا عبد الله بن محمد القرشي عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد بن عبد الله الأودي، قال: شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النزع، قال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه ولا يجيب، ثم يقول يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا، ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشد رحمك الله ولكن لا تشعرون، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق ما نقعد عند من قد لقن حجته، فيكون الله عز وجل حجيجه دونهما، فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال: «ينسبه إلى حواء عليها السلام، يا فلان ابن حواء»

قال الهيثمي ( 2 / 324 ) : " وفيه من لم أعرفه جماعة "، وضعفه ابن القيم والألباني وتعقب ابن حجر على التحسين.

قال الحافظ ابن حجر في التلخيص:" وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه وأخرجه عبد العزيز في الشافي والراوي عن أبي أمامة سعيد الأزدي بيض له ابن أبي حاتم ولكن له شواهد ".

وقال ابن الملقن: "إسناده لا أعلم به بأساً"

وفي هذا الحديث: اسماعيل بن عياش روى عنه غير واحد من أهل الشام قبل الاختلاط هذا الحديث،

ولحديثه متابعتان:

فقد خرجه الخلعي منتقيا ومحسنا له في الفوائد المتقاة الحسان ر1003، والقرطبي في التذكرة عن أبي الدرداء هاشم بن يعلى الأنصاري حدثنا عتبة بن السكن الفزاري الحمصي عن أبي زكريا عن حماد بن زيد عن سعيد الأزدي قال: دخلت على أبي أمامة الباهلي وهو في النزع فقال لي: يا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا. فإنه قال: «إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيسمع.

فليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً..".

لكن عند الخلعي: عن أبي زكريا عن جابر بن سعيد الأودي، قال: دخلت على أبي أمامة الباهلي...

وخرجه الضياء في المتقى محسنا له عن عبد الله بن محمد القرشي عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد الأودي عن أبي أمامة مثله.

فعلة هذا الحديث سعيد الأودي اختلفوا في تسميته كما في هذا الحديث، قيل هو سعيد بن عبد الله بن ضرار بن الأزور وهذا وثقه ابن حبان، وقال ابو حاتم: ليس بقوي".

وقيل: هو الأزدي وهو مجهول،

 وقيل: هو تصحيف وإنما هو جابر عن سعيد .  

وقيل: جابر بن سعيد شخص آخر فيكون متابعا لسعيد،

ويشهد له أيضا الحديث السابق في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو:" إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأعلم ماذا أراجع رسل ربي".

ومع أن بعض السلف قد ضعفوا الحديث، لكنهم استحسنوا العمل به، وقووه لشواهده.  

قال ابن الصلاح:" ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام به قديماً".

وقال النووي: "فهذا وإن كان ضعيفاً فيستأنس به "،

وأول من بدع هذا الفعل هو الصنعاني في سبل السلام، وما أسرع التبديع عند التبديعيين خاصة إن وجدوا أحدا ولو كان من المتأخرين.

دليل 7: وفيه الدعاء للميت منفردا:

قال الحارث في مسنده 2311 حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا نافع بن يزيد حدثني ابن أبي أسيد عن عطاء الخراساني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قبر رجل من أصحابه حين فرغ منه فقال :إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم نزل بك خير منزول به جافي الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه واقبله منك بقبول حسن وثبت عند السائل منطقه"،

وقال الطبراني في الشاميين 2311 حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري ثنا سعيد بن أبي مريم فذكر مثله،

ومن طريقه خرجه أبو نعيم في الحلية من باب عطاء بن ميسرة الخراساني ثم قال: غريب من حديث عطاء لم نكتبه إلا من حديث نافع"،

الدليل الثامن: الدعاء للميت مع رفع اليدين:

قال أبو نعيم في الحلية حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر ثنا محمد بن حفص ثنا اسحاق بن إبراهيم ثنا سعد بن الصلت ثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبدالله قال:" والله لكأني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر عبد الله ذي البجادين، وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم، يقول: أدليا مني أخاكما، وأخذه من قبل القبلة حتى أسنده في لحده ثم خرج النبي الله صلى الله عليه وسلم وولاهما العمل فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه يقول: اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه وكان ذلك ليلا فو الله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمسة عشر سنة"،

هذا وقد تكاثر الدعاء للميت عند قبره مع رفع اليدين كما ذكرته في كتابي:" الوعاء".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: ما ورد في الوعظ والتعليم قياما أو جلوسا تطويلا أو قِصرا، أثناء أو بعد الدفن:

اتفق السلف على أن أفعال النبي عليه السلام للتأسي والاستحباب، ولذلك لم يقل أحد منهم بوجوب الوعظ جالسا،

كما اتفقوا على أن الفعل إذا نقله راوي واحد فهو سنة، ولم يشترط أحد منهم التواتر ونقل ذلك عن الكثير إلا هؤلاء المبتدعة التبديعية.

ومع ذلك فقد ثبت الوعظ والتذكير في عدة أحاديث، إضافة إلى الأمر بالدعاء للأموات عند قبورهم:

الدليل الأول: وفيه استحباب الوعظ، وجواز الجلوس عند القبر خلافا لمن كره الجلوس،

قال سيد المحدثين وقدوة المسلمين:" باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله

ثم خرج (1362) عن علي رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: «ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتب شقية أو سعيدة» فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، قال: «أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة» ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} [الليل: 6] الآية

واعجب بجهل التبديعيين المشترطين للجلوس أثناء الوعظ، فإن أفعاله عليه السلام لا تدل على الوجوب اتفاقا، خاصة مع وجود أحاديث في النهي عن الجلوس عند القبر، وفي بعضها حتى يُدفن الميت، فيكون هذا الحديث دليلا على جواز الجلوس وأن النهي ليس للتحريم، وذهب بعض السلف إلى التفصيل في هيآت الجلوس، بعضها مكروه وبعضها جائز.  

وأما الوعظ قياما فلم يبدعه أحد من السلف كما يفعله التبديعيون الأفاكون، وتبويب البخاري صريح في مطلق الوعظ في المقابر ولو مع الجلوس.  

وقد أقره كل السلف وشراح صحيح البخاري، حاشا هؤلاء التبديعيون الضالون.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح:" وهذه التفاسير أوردها لتعلقها بذكر القبر استطرادا ولها تعلق بالموعظة أيضا قال الزين بن المنير مناسبة إيراد هذه الآيات في هذه الترجمة للإشارة إلى أن المناسب لمن قعد عند القبر أن يقصر كلامه على الإنذار بقرب المصير إلى القبور ثم إلى النشر لاستيفاء العمل ".

وقال ابن الملقن:" فيه جواز الجلوس عند القبور والتحدث عندها بالعلم والمواعظ، ونكته صلى الله عليه وسلم بالمخصرة في الأرض: هو أصل تحريك الأصبع في التشهد، قاله المهلب".

وقال العيني في شرحه :" وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَن الْجُلُوس مَعَ الْجَمَاعَة عِنْد الْقَبْر، إِن كَانَ لمصْلحَة تتَعَلَّق بالحي أَو الْمَيِّت لَا يكره ذَلِك، فَأَما مصلحَة الْحَيّ فَمثل أَن يجْتَمع قوم عِنْد قبر وَفِيهِمْ من يَعِظهُمْ وَيذكرهُمْ الْمَوْت وأحوال الْآخِرَة، وَأما مصلحَة الْمَيِّت فَمثل مَا إِذا اجْتَمعُوا عِنْده لقِرَاءَة الْقُرْآن وَالذكر، فَإِن الْمَيِّت ينْتَفع بِهِ ".

وقال القسطلاني في شرحه :" والوعظ: النصح والإنذار بالعواقب (و) باب (قعود أصحابه) أي أصحاب المحدث (حوله) عند القبر لسماع الموعظة والتذكير بالموت وأحوال الآخرة. وهذا مع ما ينضم إليه من مشاهدة القبور، وتذكر أصحابها، وما كانوا عليه، وما صاروا إليه من أنفع الأشياء لجلاء القلوب، وينفع الميت أيضا لما فيه من نزول الرحمة عند قراءة القرآن والذكر. قال ابن المنير: لو فطن أهل مصر لترجمة البخاري هذه لقرت أعينهم بما يتعاطونه من جلوس الوعاظ في المقابر، وهو حسن، إن لم يخالطه مفسدة".

فهل ترى أحدا من السلف اشترط ثبوت هذا الفعل عدة مرات، حتى يثبت به السنية، ومع ذلك سنأتي للتبديعيين بالكثير من الأدلة والأدلة علهم يتقون، ولمذهب السلف يرجعون.

الدليل الثاني: الوعظ والتحذير عند قبر بعد دفنه ولو بأمد:

خرجه البخاري 1361 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه مر بقبرين يعذبان، فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، ثم أخذ جريدة رطبة، فشقها بنصفين، ثم غرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ فقال: «لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا»

الدليل الثالث: وفيه مشروعية الموعظة الطويلة أثناء الدفن مع الدعاء، وجواز الجلوس:

قال عبد الله في السنة: حدثني أبي نا أبو معاوية نا الأعمش عن منهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:" خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر و لما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثة ثم قال:" إن العبد إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ قال فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، قال: حتى ينتهون بها السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في مكانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد البصر ويأتيه رجل حسن الثياب طيب الريح فيقول له: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله عز وجل وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض فيصعدون بها ولا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط"، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فيطرح روحه طرحا ثم قرأ:" ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق"، فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة"،

حدث البراء بهذا الحديث أصحابه عند القبر كما فعل رسول الله

قال عبد الله ثني أبو الربيع الزهراني نا حماد بن زيد نا يونس بن خباب عن المنهال بن عمرو عن زاذان أبي عمر قال: خرجنا على جنازة فحدثنا البراء بن عازب يومئذ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة و جلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير فنكس رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ثم رفع رأسه ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر قالها ثلاث مرات"،

رواه الحفاظ عن المنهال وهو صدوق، وهو أصل في استحباب المواعظ المطولة والتذكير بفتنة القبر أثناء الدفن،

كما وردت المواعظ المختصرة من هديه عليه السلام، وإنما كان يختصرها لأنه أوتي جوامع الكلم، وأصحابة كانوا يفهمون الكلمات اليسيرات بخلاف زمان الناس هذا الذين يحتاجون لشروح وشروح.  

دليل ثالث: وفيه الموعظة أثناء الدفن مع الجلوس، مع جواز القيام، لأن أفعاله عليه السلام للتأسي وليست للوجوب:

قال أحمد في مسنده (5/407): ثنا موسى بن داود ثنا محمد بن جابر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما انتهينا إلى القبر، قعد على شفته، فجعل يرد بصره فيه ثم قال: يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر نارا، ثم قال: ألا أخبركم بشر عباد الله الفظ المستكبر، ألا أخبركم بخير عباد الله الضعيف المستضعف ذو الطمرين لو أقسم على الله لأبر الله قسمه"،

ومن هذا الوجه خرجه عبد الله في السنة وتمام عن محمد بن سليمان لوين نا محمد بن جابر ...  

وقد أعل بعلتين:

قال ابن الجوزي في الموضوعات: هذا حديث لا يصح، محمد بن جابر، قال يحيى: ليس بشيء، وقال أحمد: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه"،

وقال ابن حجر في القول المسدد في الذب عن المسند متعقبا ابن الجوازي:" وأبو البختري اسمه سعيد بن فيروز لم يدرك حذيفة، ولكن مجرد هذا لا يدل على أن المتن موضوع فإن له شواهد، أما القصة الأولى فشاهدها في أحاديث كثيرة لا يتسع الحال لاستيعابها، وأما القصة الثانية فشاهدها في الصحيحين"،

الدليل الرابع: وفيه تذكير الناس بعذاب القبر ولو واقفا أو قاعدا بموعظة يسيرة:

قال الطبراني في الكبير ح12975 حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا حسان بن غالب ثنا ابن لهيعة عن أبي النضر المديني عن زياد مولى ابن عياش عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم توفي سعد بن معاذ وقف على قبره ثم استرجع ثم قال: لو نجا من ضغطة القبر أحد لنجا سعد لقد ضغطه ثم رخي عنه"،

توبع ابن لهيعة: 

قال الطبراني في الكبير 10827 حدثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص ثنا أبي ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن زياد مولى ابن عياش عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم دفن سعد بن معاذ وهو قاعد على قبره قال : لو نجا أحد من فتنة القبر لنجا سعد بن معاذ ولقد ضم ضمة ثم رخي عنه"،

قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والوسط ورجاله موثقون"،

وقَالَ فِي الْأَوْسَط حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا خَالِد بن خِدَاش حَدثنَا ابْن وَهْب عَنْ عمرو بن الْحَرْث عَنْ أَبِي النَّضْر بِهِ.

وقد توبع عمرو بن الحارث على ثقته:

فقال يعقوب بن سفيان في التاريخ حدثني أبو صالح حدثني الليث حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي النضر عن زياد بن أبي عياش عن ابن عباس أن رسول الله قعد على قبر سعد بن معاذ ثم استرجع فقال: لو نجا أحد من فتنة القبر أو لمه أو ضمه لنجا سعد بن معاذ لقد ضمه ضمة ثم رخي عنه"، خرجه عنه البيهقي في عذاب القبر ر112،

توبع أبو النضر:

فقال الحكيم الترمذي حدثنا سفيان عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن زياد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لو أفلت أحد من فتنة القبر أو ضمه لنجا سعد ولقد ضم ضمة ثم رخي عنه"،

وله شاهد من حديث ابن عمر،

قال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل الهندي ثنا عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا، وكان آخرهم، خرج من قبره النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"إن سعدا ضغط في قبره ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه"، ولعطاء متابع،

قال النسائي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عمرو بن محمد العنقزي ثنا بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه"،

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد نزل لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه سبعون ألف ملك ما وطئوا الأرض قبلها، وقال حين دفن: " سبحان الله لو انفلت أحد من ضغطة القبر لانفلت منها سعد

قال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، وورد من حديث جابر،

الدليل الخامس: وفيه التسبيح والتكبير الجماعي مع الواعظ، أثناء أو بعد الدفن، مع التذكير بفتنة القبر:

. قال الطبراني 5346 حدثنا أبوشعيب الحراني ثنا أبوجعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني معاذ بن رفاعة عن محمد بن عبد الرحمن ابن عمرو بن الجموح عن جابر بن عبد الله قال: لما دفن سعد بن معاذ ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح فسبح الناس معه طويلا، ثم كبر فكبر الناس معه، فقالوا : يارسول الله مم سبحت ؟ قال : لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره حتى فرجه الله برحمته "، وهذا بعد الدفن.

. وقال الإمام أحمد (3/360) ثنا يعقوب ثنا أبي عن بن إسحاق حدثني معاذ بن رفاعة الأنصاري ثم الزرقي عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى سعد بن معاذ حين توفي قال: فلما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع في قبره وسوى عليه سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبحنا طويلا ثم كبر فكبرنا فقيل: يا رسول الله لم سبحت ثم كبرت؟ قال: لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عز وجل عنه"،

وقد رواه ابن إسحاق في السيرة وعنه اشتهر:

قال ابن إسحاق في السيرة حدثني معاذ بن رفاعة بن رافع اخبرني محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح عن جابر بن عبد الله قال: "لما وضع سعد بن معاذ في حفرته سبح رسول الله وسبح الناس معه وكبر وكبر القوم معه، قيل: يا رسول الله مم سبحت؟ فقال: هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عنه"، خرجه عنه البيهقي في إثبات عذاب القبر،

قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه محمود بن محمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح قال الحسيني : فيه نظر، قلت: ولم أجد من ذكره غيره"،

لكنه معروف وقد وثقه أبو زرعة وابن حبان، وقال ابن حجر في القول المسدد: رجال الإسنادين ثقات وابن إسحاق قد رواه بصيغة التحديث فانتفت تهمة التدليس ومعاذ بن رفاعة قد سمع من جابر بغير واسطة"،

وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل ابن إسحاق ومحمود ويقال : محمد بن عبد الرحمن لم يرو عنه غير معاذ بن رفاعة ووثقه أبو زرعة"،

وقد توبع ابن إسحاق على ثقته:

، فقال الإمام أحمد في مسنده حدثنا محمد بن بشر ثنا محمد ابن عمرو ثنى يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي ويحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة الزرقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش وتفتحت له أبواب السماء شدد عليه ففرج الله، الحديث،

وقال الحافظ البيهقي في الدلائل حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبي وشعيب بن الليث قالا حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبد الله قال:" جاء جبريل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سعد بن معاذ قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره وهو يدفن فبينما هو جالس إذ قال سبحان الله مرتين فسبح القوم ثم قال الله أكبر الله أكبر فكبر القوم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبت لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له"،

وقد ذكر ابن حجر أن معاذا سمعه من جابر أيضا كما مضى،

ويروى مرسلا بزيادة غريبة، ولم تصح:

قال هناد بن السرى في الزهد حدثنا ابن فضيل عن أبي سفيان عن الحسن قال:" أصاب سعد بن معاذ رضي الله عنه جراحه فجعله النبي صلى الله عليه وسلم عند إمرأة تداويه فمات من الليل فأتاه جبرائيل فأخبره فقال: لقد مات الليلة فيكم رجل اهتز العرش لحب لقاء الله تعالى إياه فإذا هو سعد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره فجعل يكبر ويهلل ويسبح، فلما خرج قيل: يا رسول الله ما رأيناك صنعت هكذا قط؟ قال: إنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة، فدعوت الله أن يرفع عنه، [وذلك أنه كان لا يستبرىء من البول]"،

قال ابن الجوزي: مرسل وأبو سفيان طريف بن شهاب متروك"،

وقد ذكر فيه زيادة منكرة في البول وغيره، وقال ابن حجر: الجمهور على أنه ضعيف ولم يتهم بالوضع واهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ ثابت في الصحيحين، وأما ضغطته فقد جاءت من طرق صحاح"، لكن ذكر البول فيه منكر.

دليل أو الدليل السادس: التحذير من ضمة القبر في القبر بعد الدفن:   

قال الطبراني في الكبير 3858 - حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهما أن صبيا دفن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أفلت أحد من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي

قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح"،

صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5 / 195) وقال: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير التستري هذا... وكان من الحفاظ".

وخالفه إبراهيم بن الحجاج السامي فقال : حدثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس به . أخرجه الطبراني في الأوسط (1/82 / 1 ) و ابن عدي في الكامل  والضياء في المختارة (70/1) وقال :" رواه أبو سلمة موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل .

قال الألباني: وقد رواه غير واحد متصلا كما أخرجناه ، منهم المؤمل بن إسماعيل والعلاء بن عبد الجبار و الله أعلم "

دليل سابع: وفيه تعليم المشيعين لأحكام الدين جلوسا أثناء الدفن.

رواه محمد بن عبد الرحمن المخلص 1971 حدثنا عبدُ اللهِ قالَ: حدثنا محرزُ بنُ عونٍ قالَ: حدثنا القاسمُ بنُ محمدٍ عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عقيلٍ عن جابرٍ قالَ: خَرجنا مع جنازةٍ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حتى إِذا جِئنا القبرَ إذا هو لم يُفرَغْ مِنه، قالَ: فجلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على شفيرِ القبرِ وجلسْنا مَعه، فأَخرجَ الحفارُ عظماً ساقاً أو عَضداً، فذهبَ ليكسرَها، فقالَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا تكسرْها، فإنَّ كسرَكَ إيَّاه ميتاً ككسرِكَ إيَّاه حياً، ولكنْ دسَّه في جانبِ القبرِ»

الدليل الثامن: وفيه الموعظة القصيرة أثناء الدفن من حديث البراء نفسه:

خرجه ابن ماجه و البيهقي في الكبرى (3/517) من طرق عن إسحاق بن منصور عن أبي رجاء عبد الله بن واقد عن محمد بن مالك عن البراء بن عازب قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة؛ فلما انتهينا إلى القبر حثا على القبر فاستدرت فاستقبلته؛ فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: " إخواني، لمثل هذا اليوم فأعدوا ".

 وخرجه أبو بكر بن هارون الروياني الحافظ في مسنده 422 - نا محمد بن إدريس نا الربيع بن يحيى أنا عبد الله بن واقد عن محمد بن مالك قال: قال البراء: بينما نحن نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أبصر جماعة من الناس فقال: «علام اجتمع هؤلاء؟» قالوا: اجتمعوا على قبر يحفرونه، قال: ففزع النبي صلى الله عليه وسلم، فبدر بين أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر واستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا فقال: «إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا»

تابعه البخاري في التاريخ قال لي إسماعيل بن أبان: حدثنا عبد الله بن واقد ... به.

تفرد به عبد الله بن واقد وهو ثقة صالح، ومحمد بن مالك هو مولى البراء وخادمه سمع منه، وفيه كلام وهو صدوق لا بأس به كما قال أبو حاتم، وقد تنافض فيه ابن جبان.

الدليل التاسع: وفيه مشروعية تأخير الموعظة والتذكير إلى ما بعد الدفن:

قال الطبراني في الكبير 2329 حدثنا علان بن عبد الصمد ثنا محمد بن عمر الهياجي ثنا عبيد الله بن موسى ثنا أبو حمزة الثمالي ثابت بن سعيد عن أبي اليقظان عن زاذان عن جرير قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رواحلنا من المدينة وهي آكلة النوى فرفع له شخص فقال: هذا رجل لا عهد له بالطعام، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم السير وأسرعنا معه فإذا فتى شاب قد استلقت شفتاه من أكل لحى الشجر فسأله: من أين أقبلت؟ فقال: أريد محمدا صلى الله عليه وسلم لأبايعه، قال: فأنا محمد أنا رسول الله، فقال: السلام عليك دلني على الإسلام يا رسول الله؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وتقر بما جاء من عند الله، قال: أقررت، قال: وتقيم الصلاة، قال: أقررت، قال: وتصوم رمضان، قال: أقررت، قال: وتحج البيت، قال : أقررت، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال جرير: وازدحمنا عليه حين أنشأ يصف له الإسلام ننظر إلى أي شيء ينتهي صفته، ثم انصرف وانصرفنا فوقعت يد بكره في أخافيق الجرذان فاندقت عنقه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليَّ الرجل، فوجدناه قد انثنت عنقه فمات، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه ثم أعرض عنه بوجهه فقال: احملوه إلى الماء، فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم قال:" احفروا له والحدوا لحدا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا"، وجلس على قبره لا يحدثنا بشيء ثم قال: ألا أحدثكم بحديث هذا الرجل ؟ هذا ممن عمل قليلا وأجر كثيرا، ممن قال الله عز وجل { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } إني أعرضت عنه وملكان يدسان في فمه ثمار الجنة"،

توبع الهياجي:

فقال ابن نصر في الصلاة حدثنا يوسف بن موسى القطان نا عبيدالله بن موسى العبسي ثنا أبو حمزة الثمالي عن أبي اليقظان عثمان بن عمير البجلي عن زاذان عن جرير بن عبد الله قال:" خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على رواحلنا وهي آكلة النوى من المدينة فرفع له شخص فقال هذا رجل لا عهد له بأنيس منذ كذا وكذا وإياي يريد، فأسرع إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأسرعنا حتى استقبله فإذا فتى شاب قد انسلقت شفتاه من أكل لحي الشجر ... وفيه:

قال جرير: وازدحمنا عليه حين أنشأ يصف الإسلام ننظر إلى أي شيء ينتهي صفته وكنا نهاب أن نسأله وجعلنا إذا زحمنا بكره رغا ونحر على أكلة نوا، ثم انصرف فانصرفنا معه وتقع يد بكره في أخافيق الجرذان فأنثنت عنقه فمات، فقالوا: قد مات، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علي الرجل، فانحط عمار وحذيفة بن اليمان فوجداه قد انثنت عنقه فمات، قالوا: قد مات، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليه ثم أعرض بوجهه عنه وقال: احملوه إلى الماء فأمرنا فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم قال: احفروا له وألحدوا له ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لأهل الكتاب، وجلس على قبره لا يحدثنا بشيء ثم قال: ألا أحدثكم حديث هذا الرجل هذا ممن عمل قليلا وأجر كثيرا هذا ممن قال الله:" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" إني أعرضت عنه آنفا وملكان يدسان في شدقه من ثمار الجنة"، يعرفنا أن الرجل كان جائعا".

الدليل العاشر: وفيه قضاء صلاة الجنازة على الميت في قبره، مع الوعظ فيه والدعاء له:

قال عثمان بن سعيد الدارمي ثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة أن إنسانا أسود أو إنسانة سوداء كانت تقم المسجد أو يقم فماتت أو مات ففقدها رسول الله فقال: ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا: ماتت أو مات، قال: فهلا كنتم آذنتموني بها أو به؟ وكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها فأتى قبرها فصلى عليها ثم قال:" إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليهم"،

خرجه مسلم في صحيحه (956) وفيه:" فقال: دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم"،

وكذلك رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع مثله،

وشك فيه عفان، فقال أحمد نا عفان عن حماد به، وقال ثابت عند ذاك أو في حديث آخر:" إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليهم"،

الدليل الحادي عشر: وفيه التعليم عند القبر، وإخبار النبي عليه السلام بمغيبات منها وجود المراكب:

خرجه أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي في مسنده 1520 والطبراني في الكبير 587 - حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا القعنبي ثنا محمد بن صالح التمار عن يزيد بن زيد عن أبي أسيد الساعدي قال:" أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر حمزة بن عبد المطلب فجعلوا يجرون النمرة على وجهه فتنكشف قدماه ويجرونها على قدميه فينكشف وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر قال : فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه فإذا أصحابه يبكون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصيبون بها مطعما ومسكنا ومركبا أو قال مراكب، فيكتبون إلى أهليهم: هلم إلينا فإنكم بأرض مجاز جَدوبة، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ولا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة ".

قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن"، وحسنه المنذري، وقد توبع علي:

تابعه ابن سعد في الطبقات (3/15) أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال أخبرنا محمد بن صالح عن يزيد بن زيد عن أبي أسيد الساعدي، قال: أنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على قبر حمزة، فجعلوا يجرون النمرة فتنكشف قدماه ويجرونها على قدميه فينكشف وجهه، فقال: رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر، قال فرفع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأسه فإذا أصحابه يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قيل: يا رسول الله لا نجد لعمك اليوم ثوبا واحدا يسعه، فقال: إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصيبون فيها مطعما وملبسا ومركبا، أو قال: مراكب، فيكتبون إلى أهلهم: هلموا إلينا فإنكم بأرض جردية، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كانت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ".

الدليل الثاني عشر: موعظة أهل الميت ومواساتهم عند القبر :  

وقبح الله من بدع ذلك:

خرج ابن حبان في الصحيح 2948 والترمذي وحسنه 1021 والبغوي عن حماد بن سلمة، عن أبي سنان قال: دفنت ابني سنانا وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال: ألا أبشرك؟ حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا مات ولد العبد قال اللّه لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ قالوا: نعم، قال: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ قالوا: نعم، قال: فماذا قال عبدي؟ قالوا: استرجع وحمدك، قال: ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد».

المطلب الثالث: ما ورد من وعظ ورثاء عند القبر عن السلف:

وجاء مثل ذلك عن السلف الطيب، منهم عمر بن الخطاب:  

الأثر لأول: وفيه رثاء الميت عند القبر ومشروعية الوقوف:

قال ابن أبي عاصم في المثاني 1944 حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب نا عاصم بن سويد قال: سمعت عبيدة بنت عويم بن ساعدة تقول: قال عمر بن الخطاب وهو واقف على قبر عويم بن ساعدة:" لا يستطيع أحد من أهل الأرض أن يقول إنه يقول إنه خير من صاحب هذا القبر،ما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم راية إلا وعويم تحت ظلها".

الأثر الثاني: ومنهم علي رضي الله عنه، رثا عند قبر زوجته:

خرج ابن عساكر في تاريخه في ترجمة علي: من طريق عبد الله بن محمد البلوي نا شيبان بن فروخ المسمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه قال: وقف علي بن أبي طالب على قبر فاطمة فأنشأ يقول:

ذكرت أبا أروى فبت كأنني °برد الهموم الماضيات وكيل

لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي قبل الممات قليل

وإن أفتنادي واحدا بعد واحد * دليل علي أن لا يدوم خليل

سيعرض عن ذكري وتنسى مودتي * ويحدث بعدي للخليل خليل

إذا انقطعت يوما من العيش مدتي * فإن غناء الناكبات قليل

الأثر الثالث: وفيه الرثاء عند القبر وقوفا:

ذكر المزي في ترجمة الحسن بن علي من طريق  عمر بن علي بن أبي طالب قال: لما قبض الحسن بن علي بن أبي طالب وقف على قبره أخوه محمد بن علي فقال: يرحمك الله أبا محمد، فإن عزت حياتك لقد هدت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمنه بدنك، ولنعم البدن بدن تضمنه كفنك، وكيف لا يكون هكذا وأنت سليل الهدى وحليف أهل التقى وخامس أصحاب الكساء، غذتك أكف الحق وربيت في حجر الإسلام ورضعت ثدي الإيمان وطبت حيا وميتا، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك فلا نشك في الخيرة لك يرحمك الله، ثم انصرف عن قبره".

الأثر الرابع: الموعظة اليسيرة في القبر:

قال ابن أبي الدنيا في قصر الأمل 139 - حدثني محمد بن الحسين حدثنا بشر بن عمر الزهراني حدثنا عبد الواحد بن صفوان قال: كنا مع الحسن في جنازة، فقال :« رحم الله امرأ عمل لمثل هذا اليوم، إنكم اليوم تقدرون على ما لا يقدر عليه إخوانكم هؤلاء من أهل القبور، فاغتنموا الصحة والفراغ، قبل يوم الفزعة والحساب".

5/ ومن ترجمة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، خرج ابن عساكر عن الدوري نا سعيد بن عامر عن حزم بن أبي حزم يعين القطعي قال: لما قدم عمر بن عبد العزيز ابنه قام على قبره فقال: مازلت مسرورا بك منذ بشرت بك وما كنت قط أسر لي منك اليوم ثم قال: اللهم اغفر لعبد الملك بن عمر ولمن استغفر له"،

ومن طريق إسماعيل بن عليه نا زياد بن أبي حسان أنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن ابنه عبد الملك قال لما سوي عليه جعلوا في قبره خشبتين من زيتون إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه، فلما سوي عليه قام على قبره وطاف به ـ بعمرـ الناس فقال: يرحمك الله يا بني قد كنت برا بأبيك وما زلت مذ وهبك الله لي بك مسرورا ولا لله ما كنت قط أشد سرورا ولا أرجى لحظي من الله فيك مذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله إليه فرحمك الله وغفر لك ذنبك وتجاوز لك عن سيئة ورحم الله كل شافع يشفع لك بخير من شاهد وغائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره والحمد لله رب العالمين، ثم انصرف"،

6/ وروى حامد بن يحيى البلخي عن سفيان بن عيينة قال: لما مات ذر بن عمر بن ذر قعد عمر بن ذر على شفير قبره وهو يقول: يا بني شغلني الحزن لك عن الحزن عليك فليت شعري ما قلت وما قيل لك؟ اللهم إنك أمرته بطاعتك وأمرته ببري فقد وهبت له ما قد قصر فيه من حقي فهب له ما قصر فيه من حقك"، وقال إسحاق بن منصور عن ابن السماك: لما دفن عمر بن ذر ابنه وقف على قبره فبكى وقال اللهم إني أشهدك أني تصدقت بما تثيبني عليه من مصيبتي فيه عليه فأبكى من حضر، ثم قال: شغلنا الحزن لك عن الحزن عليك، ثم ولى وهو يقول انطلقنا وتركناك ولو أقمنا ما نفعناك، ولكن نستودعك أرحم الراحمين"

7/ وذكر الخطيب من ترجمة داود الطائي عن خالد بن أبي الصقر السدوسي قال: قال أبي لما مات داود بن نصير الطائي: جاء ابن السماك فجلس على قبره ثم قال: أيها الناس إن أهل الزهد في الدنيا تعجلوا الرواح على أبدانهم مع يسير الحساب غدا عليهم، وإن أهل الرغبة تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب عليهم غدا،  والزهادة راحة لصاحبها في الدنيا والآخرة والرغبة تتعب صاحبها في الدنيا والآخرة رحمك الله يا أبا سليمان ما كان أعجب شأنك ألزمت نفسك الصبر حتى قومتها عليه، أجعتها وإنما تريد شبعها وأظمأتها وإنما تريد ريها، أخشنت المطعم وإنما تريد أطيبه، وخشنت الملبس وإنما تريد لينه، يا أبا سليمان أما كنت تشتهي من الطعام طيبة ومن الماء باردة ومن اللباس لينه بلى ولكنك أخرت ذلك لما بين يديك فما أراك إلا قد ظفرت بما طلبت وما إليه رغبت فما أيسر ما صنعت وأحقر ما فعلت في جنب ما أملت، فمن سمع بمثلك عزم عزمك أو صبر صبرك، آنس ما تكون إذا كنت بالله خاليا وأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس سمعت الحديث وتركت الناس يحدثون تفهمت في دين الله وتركتهم يفتون لا تذللك المطامع ولا ترغب إلى الناس في الصنائع ولا تحسد الأخيار ولا تعيب الأشرار ولا تقبل من السلطان عطية ولا من الأخوان هدية سجنت نفسك في بيتك فلا محدث لك ولا ستر على بابك ولا قلة تبرد فيها ماءك ولا قصعة تثرد فيها غذاءك وعشاءك فلو رأيت جنازتك وكثرة تابعك علمت أنه قد شرفك وكرمك وألبسك رداء عملك فلو لم يرغب عبد في الزهد في الدنيا إلا لمحبة هذا النشر الجميل والتابع الكثير لكان حقيقا بالاجتهاد فسبحان من لا يضيع مطيعا ولا ينسى لأحد صنيعا وفرغ من دفنه وقام الناس".

8/ وعن بكر بن خلف قال حدثنا إسحاق بن منصور السلولي قال: لما مات داود الطائي شيع جنازته الناس فلما دفن قام ابن السماك على قبره فقال: يا داود كنت تسهر ليلك إذا الناس ينامون، فقال القوم جميعا: صدقت، وكنت تربح إذا الناس يخسرون، فقال الناس جميعا: صدقت، وكنت تسلم إذا الناس يخوضون، فقال الناس جميعا: صدقت، حتى عدد فضائله كلها فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي فحمد الله ثم قال: يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله"،

9/ وذكر ابن عساكر من ترجمة محمد بن سليمان عن ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن سهل قال: وقف جعفر بن سليمان على قبر أخيه محمد لما دفن فقال: اللهم إنا نخافك عليه ونرجوك له، فحقق رجاءنا وآمن خوفنا إنك على كل شيء قدير"،

 

                 وآخر دعوانا أن الحمد لله ب العاملين

 

 

 

تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني