ترجمة الإمام ابن بطة العكبري: عبيد الله بن محمد بن حمدان وبيان ثقته والرد على من طعن فيه. كتابة: أبو عيسى الطاهر زياني

المسألة الأولى: تسمية ابن بطة

هو أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيُّ، مات في المحرم من سنة سبع وثمانين وثلاث مائة، إمام سني ثقة حافظ، ما طعن فيه غير الجهمية والمعتزلة، فوقع في شراكهم بعض أهل السنة كالخطيب والذهبي فلينوه، وقد تقرر أن من ثبتت عدالته بيقين، قلا يقبل فيه إلا جرح مفسر من إمام معتبر، وهو ما لم يتوفر في الإمام ابن بطة رحمه الله الذي أطبق أهل السنة على إمامته:

المسألة الثانية: من أثنى عليه:

قال ابن الجوزي في المنتظم منتقدا من طعن فيه:" وأثنى عليه العلماء الأكابر ".

وقال: قد ثبت صدقه".

وقال ابن الجوزي في التحقيق :" ودليلنا ما روى ابن بطة بإسناده و جمهور تلك الأحاديث في الصحاح "

وكذلك ردّ ابن كثير في البداية على من ضعفه، وأثنى عليه ووثقه،

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11/368) :" أحد علماء الحنابلة، وله التصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلوم، سمع الحديث من البغوي وأبي بكر النيسابوري وابن صاعد وخلق في أقاليم متعددة، وعنه جماعة من الحفاظ "،

قال:" وقد تصدى الخطيب البغدادي للكلام في ابن بطة والطعن عليه وفيه بسبب بعض الجرح في ابن بطة الذي أسنده إلى شيخه عبد الواحد بن علي الأسدي المعروف بابن برهان اللغوي، فانتدب ابن الجوزي للرد على الخطيب والطعن عليه أيضا بسبب بعض مشايخه والانتصار لابن بطة ".

وقال ابن كثير في كتابه من تفسير قوله تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ } عن حديث تفرد به ابن بطة:

وقد قال الفقيه الإمام أبو عبد الله بن بطة، رحمه الله: حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل".

قال ابن كثير:" وهذا إسناد جيد، فإن أحمد بن محمد بن مسلم هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثقه، وباقي رجاله مشهورون ثقات "،

وهذا توثيق صريح لكل رواته ومنهم ابن بطة رحمه الله.

وكذلك فعل في تفسير {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)} 1/193) :"

قال الإمام عبيد الله بن بطة: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن سلم ...

قال: وهذا إسناد جيد، وأحمد بن مسلم هذا وثقه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح ".

وكذلك صحح له الشيخ ابن تيمية هذا الحديث واحتج به في كتبه .

وقال ابن تيمية في منهاج السنة 2/ 22 :" وروى ابن بطة بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي ...

قال:" وروى ابن بطة بالإسناد الثابت من حديث الزنجي بن خالد ...

: وروى ابن بطة بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد ...".

وقال ابن تيمية في الاقتضاء (2/140) :" روى ابن بطة في الإبانة بإسناد صحيح عن معاذ بن معاذ....

 

وَقَالَ عَنْهُ ابْنُ الْأَثِيرِ: كَانَ إِمَامًا فَاضِلًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ ".

وأثنى عليه سراج الدين القزويني، وذكر أنه روى عامة كتبه عنه، فقال في مشيخته مثلا:" كتاب (ذم الغناء) ، تأليف الإمام المجاب الدعوة أبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري رحمة الله عليه....

ثم ذكر أسانيده لابن بطة ثم قال: وكذلك أروي جميع تصانيف الإمام أبي عبد الله ابن بطة، وجميع مروياته بهذا العلو المذكور في الطريقين الآخرين بالإجازة الصحيحة المتصلة إليه، ومن مصنفاته: (الإبانة الكبيرة) ، و (الإبانة الصغيرة) ، وغيرهما "

وقد ورد في رثائه البيت المشهور من قصيدة لتلميذه الإمام ابن شهاب فقال موثقا له واصفا إياه بالثبْت:

من للحديث وحفظه برواية ... منقولة إسنادها منقول؟

من فعله الثبت السديد موافق ... للقول منه حيث صار يقول

هيهات أن يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل

وقال ابن حجر في اللسان: وقال أبو الفتح القواس: ذكرت لأبي سعد الإسماعيلي ابن بطة وعلمه وزهده، فخرج إليه، فلما عاد قال لي: هو فوق الوصف ".

فجعله فوق ما يصفه بالمدح من زكاه، وهذا توثيق رفيع.

وقال الخطيب أخبرنا العتيقي قال: سنة سبع وثمانين وثلاث مائة فيها توفي بعكبرا أبو عبد الله بن بطة في المحرم، وكان شيخا صالحا مستجاب الدعوة ".

قال الخطيب:" حدثني عبد الواحد بن علي العكبري، قال: لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة ".

قال الخطيب حدثني القاضي أبو حامد أحمد بن محمد الدلوي، قال: لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، فلم ير يوما منها في سوق، ولا رؤي مفطرا إلا في يوم الأضحى والفطر.

وكان أمارا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره"،

وقال ابن ناصر الدين في المشتبه :" هُوَ عبيد الله بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حمدَان بن مُحَمَّد بن عمر بن بطة أحد الْعلمَاء الزهاد ".

وقال أبو محمد الطيب الهِجراني :" سمع أبا القاسم البغوي وغيره، وكان أحد العلماء المحدثين الزهاد"،

وقال السمعاني في الأنساب عن (عكبرى):" خرج منها جماعة من العلماء والمحدثين... ثم ذكر منهم: العكبريّ، المعروف بابن بطة وقال عنه:" الإمام المصنف، وزرت قبره بعكبرا ".

وقال في ترجمته:" صنف التصانيف، وكان فاضلا زاهدا، حدث عن أبى القاسم البغوي وأبى بكر بن أبى داود ". 

وقال أيضا:" كان إماما فاضلا عالما بالحديث وفقهه، أكثر من الحديث وسمع جماعة من أهل العراق، وكان من فقهاء الحنابلة، صنف التصانيف الحسنة المفيدة "،

وقال ابن العماد العَكري في شذرات الذهب من ترجمته:" وفيها الإمام الكبير الحافظ ابن بطّة، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطّة العكبري، الفقيه الحنبلي، العبد الصالح..".

وقال ابن ناصر الدّين: كان أحد المحدّثين العلماء الزهّاد، ومن مصنفاته «الإبانة في أصول الديانة»

وقال اليافعي في مرآة الجنان:" الفقيه الإمام أبو عبد الله ابن بطة الحنبلي".

وقال شمس الدين أبو المعالي محمد بن عبد الرحمن بن الغزي في ديوان الإسلام:" ابن بطة: عبيد الله بن محمد بن محمد. الإمام الحبر الفقيه الزاهد أبو عبد الله العكبري الحنبلي. صاحب التصانيف الكثيرة الحافلة منها: كتاب الإبانة الكبرى ".

وقال أبو محمد الطيب بن عبد الله بن أحمد بن علي بامخرمة، الهِجراني ا في قلادة النحر :" وكان أحد العلماء المحدثين الزهاد، ومن مصنفاته «الإبانة في أصول الديانة»

المسألة الثالثة: من طعن فيه وتفسير جرحه:

بعد كل هذا الثناء تأملنا فيمن ليّنه، فوجدناه الإمام الذهبي الذي تبع الخطيب والذي تبع فيه بعض مشايخه من الجهمية، والعجب أنهم لينوه بعد اعترافهم بإمامته وسعة علمه، فكان عليهم أن يتثبتوا في جرحه، والسند المنقول عنه،  

قال الذهبي: إمام في السنة، يهم ويغلط ".

المسألة الرابعة: تفسير جرحه، والرد عليه:

نظرنا في قول من اتهمه فوجدنا بأن سببه المبطن هو كون ابن بطة على مذهب السلف، داعيا إليه، وأما من اتهمه فهو مبتدع جهمي أو أشعري ممن يختلق الكذب لنصرة الباطل، كما قال الحافظ ابن عقيل وابن الجوزي وابن كثير، فغفل عن ذلك الخطيب والذهبي ووقع فيه تبعا لنقل مكذوب أورده الخطيب كما سنبين في مناقشة التهم المنسوبة إليه: 

التهمة الأولى: كذب المعتزلة على الدارقطني ودعواهم أنه طعن في بعض سماع ابن بطة:

ورد ذلك من طريقين عن الجهمية الطعانين في أهل السنة:

1/ قال الخطيب: كتب إليّ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي من مكة، يذكر أنه سمع نصرا الأندلسي قال: وكان يحفظ ويفهم ورحل إلى خراسان، قال: خرجت إلى عكبرا فكتبت عن شيخ بها عن أبي خليفة، وعن ابن بطة، ورجعت إلى بغداد، فقال أبو الحسن الدارقطني: أين كنت؟ قلت: بعكبرا، فقال: وعمن كتبت؟ فقلت: عن فلان صاحب أبي خليفة، وعن ابن بطة، فقال: وإيش كتبت عن ابن بطة؟ قلت: كتاب السنن لرجاء بن مرجي، حدثني به ابن بطة عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجي، فقال: هذا محال، دخل رجاء بن مرجي بغداد سنة أربعين، ودخل حفص بن عمر الأردبيلي سنة سبعين ومئتين، فكيف سمع منه ؟!".

ففي هذه الرواية تشكيك في سماع حفص عن رجاء كتاب السنن له.

ثم نظرنا في سند هذه القصة، فإذ هي عن نصر الأندلسي، ونصر هذا مجهول العين، لا يُعرف في تلاميذ الدارقطني ولا ابن بطة، فإذ هو مجهول العين فمن المحتمل جدا أن يكون من الجهمية أو الأشعرية المبغضين لأئمة أهل السنة والمستجيزين للكذب لأجل الطعن فيهم كما ذكر ابن الجوزي وابن كثير.

إضافة إلى أن ابا ذر الهروي مع حفظه فقد كان أول أمره أشعريا مبغضا لابن بطة بسبب اتباعه مذهب السلف ورده على الأشعرية، فكان يثني على كل من تكلم فيه،

ولذلك تعقبه ابن الجوزي في المنتظم فقال مدافعا عن ابن بطة:" وقد تعصب له الخطيب بعد أن نقل عن مشايخه الاكابر مدحه فغمزه بأشياء منها أنه قال: كتب إلى أبو ذر عبد بن أحمد الهروى من مكة يذكر أنه سمع نصرا الأندلسي ...

ثم قال ابن الجوزي:" وجواب هذا أن ابا ذر كان من الأشاعرة المبغضين، وهو أول من أدخل الحرم مذهب الاشعرى ولا يقبل جرحه لحنبلى يعتقد كفره ".

ثم إن أبا ذر تاب إلى الله من التمشعر، وانتحل مذهب السلف في الصفات وألف في ذلك كتابه المشهور في السنة والصفات.

ومن الدليل أيضا على كذب هذه القصة وسرقتها أنها وردت عن راو آخر، وبإسناد جهمي:

2/ قال الخطيب: حدثني أبو القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي قال: حدثني الحسن بن شهاب أن ابن بطة قدم بغداد، ونزل على ابن السوسنجردي فقرأ عليه أبو الحسن بن الفرات كتاب السنن لرجاء بن مرجي الحافظ، وكتبه ابن الفرات عنه، عن حفص بن عمر الأردبيلي الحافظ، عن رجاء، فأنكر ذلك أبو الحسن الدارقطني، وزعم أن حفصا ليس عنده عن رجاء وأنه يصغر عن السماع منه، فأبردوا بريدا إلى أردبيل، وكان ابن حفص بن عمر حيا هناك، وكتبوا إليه يستخبرونه عن هذا الكتاب، فعاد جوابه: بأن أباه لم يرو عن رجاء بن مرجى، ولا رآه قط، وأن مولده كان بعد موته بسنين".

فنقل أبو القاسم أن الدارقطني لم يثبِت السماع بين حفص ورجاء، ومن المعلوم أن المثبت مقدم على النافي، ولا يعد هذا طعنا ولا تضعيفا لو صح، كيف والقصة مختلقة من أبي القاسم المعتزلي، وهذا الإمام الدارقطني صاحب كتب العلل والصفات ورؤية الله...، وهذه كتبه في الجرح والتعديل معروفة، لم يطعن في أحد منها في الإمام ابن بطة، والسند إليه ضعيف, 

3. بل إن أبا القاسم المعتزلي وسّع الحكاية المكذوبة لتتماشى مع مذهبه وطعنه في ابن بطة كما في:

التهمة الثانية: اتهامه بالتحريف والكذب والتزوير عافاه الله من ذلك:

فقال أبو القاسم الجهمي :" فتَتَبّع ابنُ بطة النسخَ التي كُتبت عنه وغيَّر الرواية وجعلها عن ابن الراجيان، عن فتح بن شخرف عن رجاء، ولما مات ابن بطة رأيت نسخته بالسنن وقد غير أول كل جزء منها وجعله رواية ابن الراجيان، عن فتح بن شخرف عن رجاء "،

وهذا كلام مكذوب من جهمي كذاب متهم مبتدع في دين الله،

فقد كان جهميا معتزليا ينكر صفات الرب وله بدع مكفرة، وكان يفتري على أصحاب الحديث، فانطلت هذه الحيلة على الإمام الذهبي وغيره ممن وقع فيه، إضافة إلى أن الخطيب البغدادي مذكور أيضا بالتحامل على أئمة الحنابلة.

قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/339) :" وأنكر ذلك ابن الجوزي وقال: ما زال هذا دأب الخطيب في أصحاب أحمد بن حنبل.

قال: وشيخ الخطيب الذي حكي عنه هذا هو أبو القاسم عبد الواحد بن أسد العكبري لا يعتمد على قوله، فإنه كان معتزليا وليس من أهل الحديث، وكان يقول بأن الكفار لا يخلدون في النار ".

قال: وعنه حكى الكلام عن ابن بطة أيضا ".

التهمة الثالثة: زعمهم أنه لم يسمع من البغوي، وبالتالي الطعن في كتاب معجم الصحابة للبغوي من سماع ابن بطة وهو كتاب تلقته الأمة بالقبول:

1. قال الخطيب: قال [يقصد شيخه الكذاب أبا القاسم عبد الواحد بن علي الأسدي]: وقال لي الحسن بن شهاب: سألت أبا عبد الله بن بطة: أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد؟ فقال: لا.

قال الخطيب: قال أبو القاسم: وكنت قد رأيت في كتب ابن بطة نسخة بحديث علي بن الجعد قد حككها وكتب بخطه سماعه فيها، فذكرت ذلك لابن شهاب فعجب منه ".

وهذا كله من رواية أبي القاسم عبد الواحد بن برهان الأسدي الكذاب، وقد كناه الخطيب مرة أخرى بالتنوخي، وهو تدليس الاستكثار من الشيوخ لدى الخطيب: .

. قال الخطيب: حدثني أبو القاسم التنوخي، قال: أراد أبي أن يخرجني إلى عكبرا، لأسمع من ابن بطة كتاب معجم الصحابة نصنيف أبي القاسم البغوي، فجاءه أبو عبد الله بن بكير، وقال له: لا تفعل، فإن ابن بطة لم يسمع المعجم من البغوي، وذلك أن البغوي حدث به دفعتين، الأولى منهما قبل سنة ثلاث مائة في مجلس عام، والأخرى بعد سنة ثلاث مائة في مجلس خاص لعلي بن عيسى وأولاده، ففي أي المرتين سمعه ابن بطة"؟

وهذا الطعن لم يرضه حتى الخطيب نفسه، فقد قال:" قلت: وفي هذا القول نظر، لأن محمد بن عبيد الله بن الشخير قد روى عن البغوي المعجم، وكان سماعه بعد الثلاث مائة بسنين عدة، ولعل ابن بكير أراد بالمرتين قبل سنة عشر وثلاث مائة وبعدها، وأحسب البغوي روى المعجم قبل العشر، فسمعه منه ابن الشخير وغيره.

ورواه بعد العشر لعلي بن عيسى وأولاده خاصة، ومما يدل على ذلك أن أبا حفص بن شاهين كان من المكثرين عن البغوي وكذلك أبو عمر بن حيويه، وأبو بكر بن شاذان، ولم يكن عند واحد منهم عنه المعجم، فهذا يدل على أن روايته العامة كانت قبل العشر بسنين عدة، فلم يسمعوا هؤلاء منه المعجم لذلك، والله أعلم ".

2. قال الخطيب حدثني أحمد بن الحسن بن خيرون قال: رأيت كتاب ابن بطة بمعجم البغوي في نسخة كانت لغيره، وقد حك اسم صاحبها وكتب اسمه عليها، قال لي أبو القاسم الأزهري: ابن بطة ضعيف، ليس بحجة، وعندي عنه معجم البغوي ولا أخرج منه في الصحيح شيئا.

قلت له: فكيف كان كتابه بالمعجم؟ فقال: لم نر له أصلا به، وإنما دفع إلينا نسخة طرية بخط ابن شهاب فنسخنا منها "،

وهذه كلها نقول مدارها على أبي القاسم الجهمي هذا، وفيها نفي نسبة الكتاب للبغوي، واتهام ابن بطة بسرقة الحديث والكتاب، من غير دليل،

ولو صحت فمثبت السماع مقدم على نافيه، حتى باعتراف الخطيب بإمكانية السماع له،  

قال ابن الجوزي:" وجواب هذا من ثلاثة اوجه احدها ان التنوخى كان معتزليا يميل الى الرفض فكيف يقبل قوله فى سنى والثانى ان هذه الشهادة على نفى فمن اين له انه لم يسمع واذا قال ابن بطة سمعت فالاثبات مقدم والثالث من اين له انه ان كان لم يسمع انه يرويه فمن الجائز انه لو مضى اليه قال له ليس بسماعى وانما ارويه اجازة فما ابله هذا الطاعن بهذا انما وجه الطعن ان يقول قد رواه وليس بسماعه".

ثم قال:" ... فاذا كان ابن بطة يقول سمعت المعجم وقد ثبت صدقه وروى سماعه فكيف يدفع هذا بنفى فيقال ما سمع فالقادح بهذا لا يخلوا ما ان يكون قليل الدين او قليل الفهم فيكون مارأى سماعه فى نسخة او مارآه حاضرا مع طبقته فينفى عنه السماع ".

وأبو القاسم هذا لمزه ابن الجوزي وابن كثير واتهموه بالشذوذ الجنسي وبالكفر ونفي صفات الرب فكيف يقبل قوله في مسلم فضلا عن عالم.

وقال ابن عقيل:" كان ابن برهان يختار مذهب مرجئة المعتزلة وينفى الخلود فى حق الكفار ويقول دوام العقاب فى حق من لا يجوز عليه التشفى لا وجه له مع ما قد وصف به نفسه من الرحمة وهذا انما يوجد فى الشاهد لما يعترى الغضبان من طلب الانتقام وهذا يستحيل فى حقه قال ابن عقيل وهذا كلام نرده على قائله ما قد ذكره وذلك أنه اخذ صفات البارى من صفات الشاهد ".

قال ابن الجوزي:" فمن كان اعتقاده يخالف اجماع المسلمين فهو خارج عن الاسلام فكيف يقبل قوله وقال محمد بن عبد الملك الهمذانى كان ابن برهان يميل الى المرد الملاح ويقبلهم ".

ثم كيف نترك قول الإمام الصدوق ابن بطة الذي أكد أنه سمع المعجم وهو صغير مع بعض الأشخاص، ثم نصدق جهميا كذابا متهما بالشذوذ.

قال الشيخ أبو عبد الله ابن بطة كما في طبقات الحنابلة:" ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلاثمائة قال: وولد ابن منيع سنة أربع عشرة ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمائة.

وقال الشيخ أبو عبد الله: كان لأبي رضي الله عنه ببغداد شركاء وكان فيهم رجل يعرف بأبي بكر فقال لأبي ابعث بابنك إلى بغداد ليسمع الحديث فقال: إنه صغير فقال أبو بكر: أنا أحمله معي فحملني إلى بغداد فجئت إلى ابن منيع وهو يقرأ عليه الحديث فقال لي بعضهم: سل الشيخ أن يخرج إليك معجمه لتقرأه عليه ولم أعلم أن له معجماً فسألت ابنه أو ابن ابنته في باب المعجم فقال: إنه يريد دراهم كثيرة فقلت لأمي طاق ملحم فآخذه منها وأبيعه ثم قرأنا عليه كتاب المعجم في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة".

التهمة الرابعة: نفي سماعه من محمد بن عزيز:

قال الخطيب:" وقرأنا عليه -أبو القاسم- شاهدت عند حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق نسخة بكتاب محمد بن عزيز في غريب القرآن وعليها سماع ابن السوسنجردي من ابن بطة، عن ابن عزيز فسألت حمزة عن ذلك، فأنكر أن يكون ابن بطة سمع الكتاب من ابن عزيز وقال: ادعى سماعه ورواه".

وهذا من رواية كذاب متهم في الدين كما سبق، والمثبت للسماع مقدم على النافي لأن معه زيادة علم كما هو معروف، ونفس الشيء يقال عن:  

التهمة الخامسة: نفي السماع من النجاد عن العطاردي الذي أثبته ابن بطة:

. قال الخطيب: قال أبو القاسم -وهو الجهمي الكذاب-: وروى ابن بطة عن أحمد بن سلمان النجاد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي، نحوا من مائة وخمسين حديثا، فأنكر ذلك عليه علي بن محمد بن ينال، وأساء القول فيه، وقال: ابن النجاد لم يسمع من العطاردي شيئا، حتى همت العامة أن توقع بابن ينال فاختفى، قال: وكان ابن بطة قد خرج تلك الأحاديث في تصانيفه، فتتبعها وضرب على أكثرها وبقي بقيتها على حاله.

قال الجهمي: وابن ينال بغدادي نزل عكبرا، وتعلم الخط على كبر السن، وسمع الحديث، ورزقه الله من المعرفة والفهم به شيئا كثيرا ".

وتزكية هذا الجهمي لا عبرة بها كالحال في طعنه، ويبقى ابن ينال مجهولا، لأن من ترجمه إنما ذكر ثناء هذا الجهمي عنه فقط، إضافة إلى أن الناقل عنه جهمي كذاب مبغض لأهل السنة.

التهمة السادسة: اتهامه بالكذب وادعاء السماع لكتب ابن قتيبة، وتفرده بالرواية عن ابن أبي مريم:

. قال الخطيب:" وكذلك ادعى سماع كتب أبي محمد بن قتيبة ورواها عن شيخ سماه ابن أبي مريم، وزعم أنه دينوري حدثه عن ابن قتيبة،

قال الخطيب:" وابن أبي مريم هذا لا يعرفه أحد من أهل العلم ولا ذكره سوى ابن بطة، فالله أعلم ".

وهذا أسمج طعن في إمام محدث صدوق، وتكذيب له من غير مبرر ولا حجة، لأن الرواة الثقات الذين رووا عن الوحدان كثيرون جدا، بل ألف الكثير من أئمة الحديث كتب الوحدان والمفاريد الذين رووا عن واحد فقط، ولم يطعنوا في أحد منهم بسبب ذلك، غير ما فعله الخطيب بسبب غيضه على الحنابلة.

المسألة الخامسة: مناقشة الأحاديث التي طعنوه بها:

الحديث الأول:

قال الخطيب: حدثني عبد الواحد بن علي الأسدي قال: قال لي محمد بن أبي الفوارس: روى ابن بطة عن البغوي عن مصعب بن عبد الله عن مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " طلب العلم فريضة على كل مسلم "

قال: وهذا الحديث باطل من حديث مالك، ومن حديث مصعب عنه، ومن حديث البغوي عن مصعب، وهو موضوع بهذا الإسناد، والحمل فيه على ابن بطة، والله أعلم".

قال الذهبي متعقبا تعنت الخطيب :" أفحش العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط ودخل عليه إسناد في إسناد.

وقال الذهبي :لابن بطة مع فضله أوهام وغلط ".

وقال الذهبي : وكان صاحب حديث، ولكنه ضعيف من قبل حفظه.

وقال الذهبي: إمام لكنه ذو أوهام. مع قلة إتقان ابن بطة في الرواية - فكان إماما في السنة، إماما في الفقه، صاحب أحوال وإجابة دعوة رضي الله عنه ".

وهذا الحديث الذي طعنوا به في ابن بطة، لم يروه ابن بطة في كتبه، ولا رواه عنه أحد إلا ابن برهان الجهمي الكذاب ليشوهه به، فانطلت هذه الحيلة الجهمية على الخطيب وعلى الذهبي معا، بينما تفطن لها ابن الجوزي والإمام ابن كثير وابن المقرئ، الذي ذكر بأنهم وضعوا هذا السند على ابن بطة ليتهموه به.

فقال ابن الجوزي متعقبا الخطيب:" وجواب هذا من وجهين احدهما: أن هذا لا يصح عن ابن برهان، قال شيخنا ابو محمد عبد الله بن على المقرئ: شاهدت بخط الشيخ أبي القاسم بن برهان، وكان الخط بيد الشيخ ابى الكرم النحوى بما حكاه عني احمد بن ثابت الخطيب من القدح في الشيخ الزاهد ابى عبد الله ابن بطة لا أصل له وهو شيخى وعنه أخذت العلم فى البداية".

ثم قال ابن الجوزي وهو يذم الخطيب على تصديقة لجهمي كذاب، يطعن في إمام سني :" والثانى انه لو صح فقد ذكرنا القدح فى ابن برهان، فيقال حينئذ للخطيب: لم قبلت قول من يعتقد مذهب المعتزلة وان الكفار لا يخلدون، فيخرج بذلك الى الكفر بخرقه الاجماع، فيمن شهدت له بالسفر الطويل وطلب العلم وحكيتَ عن العلماء انه الصالح المجاب الدعوة، أفلا تستحيى من الله ان تجعل الحمل عليه فى حديث ذكره عنه ابن برهان ولا تجعل الحمل على ابن برهان نعوذ بالله من الهوى"، وغفر الله للخطيب وللذهبي على تصديق طعن كذاب جهمي في إمام سني والله المستعان.

الحديث الثاني:

قال الخطيب حدثني أحمد بن محمد العتيقي بلفظه من أصل كتابه وكتبه لي بخطه، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن حمدان الفقيه بعكبرا، قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: حدثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر[و] قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا "، الحديث.

قال الخطيب:" وهذا الحديث أيضا باطل من رواية البغوي عن مصعب ولم أره عن مصعب عن مالك أصلا فالله أعلم ".

ثم روى الخطيب عن شيخه الجهمي الكذاب عبد الواحد بن علي، قال لي الحسن بن شهاب:سألت ابن بطة: أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد؟ قال: لا...

واعجب به وبالذهبي، ممن يتركون رواية الثقات عن ابن بطة عن البغوي سماعا كما قال ابن الجوزي، ليؤدها برواية معتزلي كذاب.

 

وأما هذا الطريق عن مالك فهو مشهور عنه:

فقد رواه ابن بطة من طرق عن مالك بهذا السند خرجها عنه أبو طاهر السلفي كما في الطيوريات:

فرواه أبو طاهر أيضا أخبرنا عبيد الله -ابن بطة- حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا محمد بن سليمان لوين حدثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو...

ثم قال أخبرنا عبيد الله، حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي، أخبرني ابن وهب، أن مالكا أخبره عن هشام ...

واعجب من تعنت الخطيب على لوم ابن بطة على ما حفظ من طرق عن مالك، وقد رواه الكثير من الثقات عن مالك كما روى ابن بطة.

ورواه البغوي في التفسير عن محمد بن إسماعيل ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا مالك عن هشام عن أبيه عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «إن اللّه لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه ..."

ورواه ابن ماجه عن علي بن مسهر ومالك بن أنس، وحفص ابن ميسرة، وشعيب بن إسحاق؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص

قال المعلمي:" : الحديث في (الصحيحين) وغيرهما من رواية جماعة عن مالك ولا يبعد أن يكون عند مصعب أيضا فلا يرويه عنه إلا البغوي،

ثم قال:" لكن يبعد جدا أن يكون الحديث كان عند البغوي من هذا الوجه العالي فلا يرويه عنه إلا ابن بطة الذي حمل إليه وهو صغير ولم يطل مقامه عنده فالحكم بوهم ابن بطة في هذا واضح ".

وقد ذكر ابن بطة عن نفسه أنه كان يروي الحديث وهو صبي صغير، وذكر العلماء أن سن التحمل يبدأ مع التمييز لا مع الكبر، كما ذكروا في ترجمته أنه تصدر للفتوى والتدريس وهو ابن ست عشرة سنة فقط، فكيف نكب العدول ونصدق الجهمية.

الحديث الثالث:

يتفرد به خلف بن خليفة واختلفوا عنه:

أولا: مرويات الحسن بن عرفة عن خلف:

1. روى ابن بطة في (الإبانة 307): حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار وأبو محمد الحسن بن علي بن زيد بن حميد العسكري، قالا: حدثنا الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلم الله موسى يوم كلمه عليه جبة صوف وكساء صوف، وبرنس صوف، ونعلان من جلد حمار غير ذكي، [فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ قال: أنا الله ]".

وقد اشتهر موسى عليه السلام بلبس الجبة الصوفية، والنعلين الجلديين، وقد أمره ربه بخلع نعليه في الواد المقدس طوى.

وهذا حديث يتفرد بروايته خلف بن خليفة وقد اختلفوا عنه في تعيين شيخه حميد هل هو بن قيس الثقة، أم هو ابن عبد الله أو علي المنكر، كما اختلفوا في رفعه ووقفه وبعض زياداته:

فرفعه الأكثرون عن خليفة وبزيادة نعل غير ذكي، لا كما زعم الذهبي بتفرد ابن بطة بوقفه وبهذه اللفظة:

قال البيهقي في الصفات: أخبرنا أبو علي الروذباري في آخرين قالوا: أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا الحسن بن عرفة ثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم كلم الله عز وجل موسى عليه السلام كانت عليه جبة صوف , وسراويل صوف , وكساء صوف , وكمة قلنسوة صوف , ونعلاه من جلد حمار غير ذكي». توبع ابن عرفة على رفعه:

ثانيا: متابعات للحسن بن عرفة: 

1.           فمن المرفوعة:

قال عبد الله في السنة حدثني أبو معمر، نا خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما كلم موسى عليه السلام ربه عز وجل كان عليه جبة صوف وعمامة صوف ونعلان من جلد حمار غير زكي».

وقال سعيد: نا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «يوم كلم الله موسى عليه السلام، كان عليه جبة صوف، وكساء صوف، وسراويل صوف، وكمة صوف، ونعلان من جلد حمار غير ذكي»

ومن الموقوفة:

ما أوقفه بعضهم عن حميد، وجعلوه حميد بن قيس الأعرج لشهرته وكونه في نفس الطبقة، وإنما هو حميد بن علي المنكر الضعيف والله أعلم:

. قال مسدد حدثنا إبراهيم الهروي حدثنا خلف بن خليفة الأشجعي عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود قال : يوم كلم الله موسى كان عليه جبة صوف ، وكساء صوف ، وسراويل صوف ، وكمة صوف ، ونعلان من جلد حمار غير مذكى ".

ورفعه الآخرون متابعة لابن بطة، كما قال ابن العربي:" ورواه ابن عرفة عن خلف بن خليفة بمثله مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".  

لكن الذهبي شنّع على ابن بطة فقط بتفرده برفع هذا الحديث ووقوع الزيادات فيه، ووهم في ذلك وهما شنيعا، بسبب تسرعه في الحكم على الرجل من غير تحقق:

فقال الذهبي:" تفرد به ابن بطة برفعه، وبهذه الزيادة في آخره، وهو في جزء ابن عرفة بدونهما".

وقال أيضا:" فتفرد ابن بطة برفعه، وبما بعد (غير ذكي...).

لكن قد توبع ابن بطة بكثرة على قوله :" غير ذكي...

كما توبع كثيرا على رفعه، فخفي كل ذلك على الذهبي، بسبب متابعته للخطيب من غير تريث:

لكن ابن الجوزي طعن في راويه حميد وتفطن إلى أنه حميد الضعيف لا الثقة، وبرأ ساحة ابن بطة منه، فقال: هذا لا يصح وكلام الله لا يشبه كلام المخلوقين والمتهم به حميد واختلف في اسم أبيه فقيل على وقيل عطاء وقيل عمار، وليس بحميد بن قيس الاعرج صاحب الزهري فإنه مخرج عنه في الصحيحين.

قال الدارقطني: حميد هذا متروك.

قال أبو حاتم بن حبان يروى عن عبدالله بن الحرث عن عبدالله بن مسعود نسخة كأنها موضوعة لا يحتج بخبره إذا تفرد ".

وأصاب ابن الجوزي.

لكن تعقبه ابن حجر فقال في اللسان:" : كلا والله بل حميد بريء من هذه الزيادة المنكرة ".

قلت: وهِم ابن حجر تبعا للذهبي في تعيين حميد، وجعلاه الثقة، ثم تناقض ابن حجر مرة أخرى ونسي قوله، وقال بأنه الضعيف،

ثم إن الذهبي صب لسانه على ابن بطة وحمل النكارة عليه، وإنما هي على حميد بن علي الضعيف:

وما ذكره ابن الجوزي هو الصواب وقد وافقه عليه الطبري والحاكم زابن حجر مرة أخرى، لأن المتهم به حميد وليس هو الأعرج الثقة بل آخر، كما توبع ابن بطة في قوله: غير ذكي"، لا كما ادعى الذهبي.

ثالثا: تبيين حميد هل هو بن قيس الثقة، أم الآخر الضعيف، وبيان أنه هو آفة هذا الحديث:

. قال الطبري في تفسير قوله تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) }[]

1. قال الطبري: ولو كان الخبر الذي حدثنا به بشر قال: ثنا خلف بن خليفة عن حميد عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَوْمَ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى، كانَتْ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وكساءُ صُوفٍ، و سَرَاوِيلُ صُوفٍ، وَنَعْلانِ مِنْ جِلْدِ حِمارٍ غيرِ مُذَكّى"، صحيحا لم نعده إلى غيره، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه ".

فها قد رفعه بشر وزاد فيه غير مذكى، وشكك الطبري في صحة الحديث، لأن حميد عنده ليس هو بن علي ويقال له: بن عبد الله أو بن عطاء المنكر الضعيف.

2. وكذلك قال الحاكم في المستدرك (1/81) حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أنبأ بشر بن موسى ثنا سعيد بن منصور ثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم كلم الله موسى كان عليه جبة صوف، وسراويل صوف، وكمة صوف، وكساء صوف، ونعلان من جلد حمار غير ذكي» .

قال الحاكم:" قد اتفقا جميعا على الاحتجاج بحديث سعيد بن منصور، وحميد هذا ليس بابن قيس الأعرج، قال البخاري في التاريخ: حميد بن علي الأعرج الكوفي منكر الحديث، وعبد الله بن الحارث النجراني محتج به، واحتج مسلم وحده بخلف بن خليفة، وهذا حديث كبير في التصوف والتكلم، ولم يخرجاه، وله شاهد من حديث إسماعيل بن عياش ".

وقال الترمذي :" حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث حميد الأعرج ، و حميد هو ابن علي الكوفي، قال : سمعت محمدا يقول : حميد بن علي الأعرج منكر الحديث ، و حميد بن قيس الأعرج المكي صاحب مجاهد ثقة ".

وقال ابن حجر في إتحاف المهرة:" هو حميد بن علي، قال البخاري : منكر الحديث ، وضعفه غير واحد ".

وقال مهنا : سألت أحمد عن حديث خلف بن خليفة عن حميد الأعرج .. فذكره فقال :منكر ليس بصحيح ، أحاديث حميد عن عبد الله بن الحارث منكرة " .

وقال ابن حبان : يروي عن ابن الحارث عن ابن مسعود نسخة كأنها كلها موضوعة"، فالحمل عليه لا على ابن بطة.

بل قد قال الذهبي نفسه في ترجمته من " الميزان :" يروي عنه خلف بن خليفة، واه".

وقد ورد حميد مبينا من غير رواية خليفة، وأنه هو بن عبد الله الضعيف:

3. قال مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا حميد بن عبد الله عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كانت نعلا موسى من جلد حمار ميت ".

وقال ابن حجر:" : أما رفع الحديث فلم يتفرد به ابن بطة كما زعم الذهبي".

4. بينما نسي الحاكم مرة أخرى وروى أنه الثقة:

قال الحاكم أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن إسحاق، أنبأ محمد بن غالب، ثنا عمر بن حفص بن غياث ثنا أبي وخلف بن خليفة عن حميد بن قيس عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوم كلم الله موسى كانت عليه جبة صوف، وكساء صوف، وسراويل صوف، وكمه صوف، ونعلاه من جلد حمار غير ذكي»

قال:" هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه "

قال الذهبي: بل ليس على شرط البخاري".

وعمر بن حفص بن غياث غير معروف الرواية عن خلف، وليس لهذا الحديث أصل عن حفص عن خليفة عن حميد بن قيس، وإنما هو من أفراد خلف عن حميد الأعرج فقط من غير تعيين، فوهم فيه عمر بن حفص أو من دونه، فعين فيه حميد بن قيس، وجعله بمتابعة أبيه لخليفة.  

ويحتمل أن يكون الوهم من الحاكم نفسه، فقد قال السيوطي في اللآلئ الموضوعة عن ابن حجر قوله:" ورواهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك ظنًّا مِنْهُ أَن حميد الْأَعْرَج هُوَ حميد بْن قيس الْمَكِّيّ الثِّقَة وَهُوَ وهم مِنْهُ، وَقد رواهُ من طَرِيق عَمْرو بْن حَفْص بْن غياث عَن أَبِيهِ وَخلف بْن خَليفَة جَمِيعًا عَن حميد بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة ".

رابعا : تفرد ابن بطة بزيادة قول موسى: [فقال: من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟ قال: أنا الله "].

مرت رواية من رواه بغيرها،

وكذلك رواه ابن حجر في اللسان عن إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عَن حُمَيد الأعرج، عَن عَبد الله بن الحارث، عَن عَبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم كلم الله تعالى موسى كانت عليه جبة صوف وسراويل صوف وكساء صوف وكمه صوف ونعلاه من جلد حمار غير ذكي ".

من غير زيادة قول موسى :" من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟

قال: أنا الله "].

قال ابن حجر:" وكذلك رواه الترمذي، عَن عَلِيّ بن حجر عن خلف بن خليفة بدون هذه الزيادة.

وكذا رواه سعيد بن منصور عن خلف دون هذه الزيادة.

وكذا رواه أبو يَعلَى في مسنده عن أحمد بن حاتم عن خلف بن خليفة بدون هذه الزيادة...

قال ابن حجر: قد رويناه من طرق ليس فيها هذه الزيادة وما أدري ما أقول في ابن بطة بعد هذا فما أشك أن إسماعيل بن محمد الصفار لم يحدث بهذا قط والله أعلم بغيبه "، ثم ذكر ثناء العلماء عليه.

ورحم الله ابن حجر، فلم يجد فعلا ما يقول في ابن بطة بعد اطلاعه على ثناء العلماء عليه، وليته تذكر بأن حميد ليس هو بن قيس الثقة، بل هو الضعيف، ليجعل الحمل فيه عليه، لا على ابن بطة كما فعل ابن الجوزي، رحم الله الجميع. 

 

 

 

 


تعليقات

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

المأثور في القراءة في القبور، وعلى المقبور

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

الترويح في عدد صلاة التروايح كتابة: الطاهر زياني