الأمر بالاعتصام، والنهي عن الاختصام، ودراسة حديث تفرق الأمة إلى سبعين فرقة

الأمر بالاعتصام، والنهي عن الاختصام، ودراسة حديث تفرق الأمة إلى سبعين فرقة

                                        المقدمة:

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:

فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين، بالتوحد والاعتصام، ونهاهم عن التشتت والانفصام، فقال في كتابه الكريم :{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}[آل عمران].

خرج ابن حبان في الصحيح والحاكم (2/261) وصححه عن عبد الله قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا، وخط عن يمين ذلك الخط، وعن شماله خطا، ثم قال: «هذا صراط ربك مستقيما، وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثم قرأ: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل، فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] 

وقد بيّن الله في آيات أخرى هذا الصراط المستقيم، فقال في كتابه الكريم :{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [الفاتحة]،

ثم بين في آية أخرى هؤلاء المنعم عليهم فقال: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)}[النساء]

وقال في تبيينهم :{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}[التوبة]

ومن هذا المنطلق، فقد أحببت جمع مبحث متواضع حول التوحد ونبذ الفرقة مقسما إياه كالتالي:

المبحث الأول: مفهوم الفرق والتفرق في اللغة والقرآن.

المطلب الأول: مفهوم "الفِرق"، في اللغة، والاصطلاح:

المسألة الأولى: مفهوم لفظة "الفِرق"، وبيان معانيها وتصرفها في اللغة:

المسألة الثانية: مفهوم الفرق في الاصطلاح وتبيين أصولها، وذكر الفرق بينها وبين المذاهب، وعلاقتها بأنواع الاختلاف:

الفريق الأول: ذكر من ضل في الاعتقاد والصفات وبيان أسباب ضلاله:

الفريق الثاني: ذكر من ضل في مصادر التشريع وبيان أسباب ضلاله:

المطلب الثاني: ما ورد في لفظة :" الفرق والتفرق"، في القرآن الكريم، وبيان أضربها:

الفرع الأول: ما ورد في التفرق اللغوي:

المسألة الأولى: أدلة متفرقة لمعاني متعددة للتفرق:

المسألة الثانية : إطلاق لفظة "الفريق" على الجماعة من الناس، سواء كانوا طيبين أم أشرارا 

الفرع الثاني: ما ورد في التفرق المحمود والمذموم والمحتمل:

المسألة الأولى: ما ورد في التفرق المذموم في المسائل الخلافية:

المسألة الثانية: ما ورد في التفرق المحمود وأجناسه:

الجنس الأول: أدلة فيها الدعوة إلى التفريق المحمود بين الحق والباطل، وأن دين الله فرقان بينهما:  

الجنس الثاني: ما ورد في الأمر بالتفرق الظاهري، وفرْق الحق تدريجيا، لأجل تحقيق المصالح أو دفع المفاسد:

المسألة الثالثة : ما ورد في الأمر بالتفرق المحتمل والمقبول:

المطلب الثالث: أنواع التفرق (المحمود والمذموم والمقبول) وسبل التعايش بين المختلفين:

المبحث الثاني: أسباب التفرق والافتراق، وبيان أنواعه، وأبرز عقائد كل فرقة:

الأسباب الدينية: وبيان أهم الفرق المنبثقة بسبب ذلك وأهم عقائدهم:

الأسباب الفردية النفسية:

الأسباب الأسرية والاجتماعية.

الأسباب السياسية، وبيان أهم الفرق المنبثقة بسبب ذلك وأهم عقائدهم:

الأسباب التاريخية، وأهم الفرق المنبثقة من ذلك وأهم عقائدها:

الأسباب الثقافية وأبرز فرقها المنبثقة منها:

الأسباب الخارجية والمستجدة، وظهور الفرق الجديدة المنادية بالتجديد صراحة أو ضمنيا:

المبحث الثالث: دراسة أحاديث التفرق والافتراق:

المطلب الأول: الدراسة الإسنادية:

المطلب الثاني: الدراسة المتنية:

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المبحث الأول: مفهوم الفرق والتفرق في اللغة والقرآن.

المطلب الأول: مفهوم "الفِرق"، في اللغة، والاصطلاح:

المسألة الأولى: مفهوم لفظة "الفِرق"، وبيان معانيها وتصرفها في اللغة:

أصل هذه الكلمة يعود إلى المادة " ف ر ق "، وعندنا في هذا الرسم: الفرَق، والفَـرْق، وتوابعه: الفِرْق والفارق:

1. فأما الــفَرَق بالفتح هو الفزع والخوف، من فـرِق يفرَق فرَقا، أي فزِع يفزعُ فزَعا، وزنا ومعنى.

وقال أبو حبيب في القاموس (ص 284) :" فرِق من الحيوان - فرَقا: فزع، فهو فرق".

ومنه قوله تعالى :{ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) }[التوبة]

قال الطبري:" يقول: ولكنهم قوم يخَافونكم، فهم خوفًا منكم يقولون بألسنتهم: "إنا منكم"، ليأمنوا فيكم فلا يُقْتَلوا ".

2. وأما الفَــرْق: بفتح الفاء، وسكون الراء، له معاني كثيرة، تدور حول التميز والتباعد والتشتت والفصل بين الشيئين.

وهو مأخوذ من الفعل: فــرَق يفرُق فرْقا، على وزن أكَل يأكُل أكْلا، ويقال أيضا على وزن: ضرَب يضْرِب ضرْبا.

والمعنى: باعد بين شيئين، ومايز بينهما بفاصل،  والفارق: هو الشيء المميز الذي يتميز به الشيء عن غيره وبالتالي يبتعد معناه به عن غيره .

وفي حديث جابر :" وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ "، لكونه يفرُق بين الحق والباطل ويفصل بينهما.

وتقول أيضا: فرق شعره قسمَه وفصله،

قال الأزهري في تهذيب اللغة :" قال الليث : الفَرْق: موضع المفْرِق من الرأس، والفَرْق: تفريق بين الشيئين حتَّى ينفرق"

قال ابن السكيت:" ويقال قد فرق شعره يفرِقه ويفرُقه فرقاً ".

وقال الأزهري في تهذيب اللغة :" وفي حديث ابن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم:" إن انفَرَقتْ عَقيصتُه فَرَقَ ، وإلاَّ فلا يبلغُ شَعْرُه شحمة أذنه إذا هو وفَّره"، ويُروَى:" عَقِيقته"، أراد أنَّه كان لا يَفرِقُ شعرَه إلاَّ أن ينْفرِق هو، وكان هذا في أوّل الإسلام ثم فرَق بعدُ .

 خرج البخاري 3558 ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسدُِل شعره، وكان المشركون يفرُقون رءوسهم، فكان أهل الكتاب يسدُِلون رءوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرَق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه».

وقال أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ابن السكيت في إصلاح المنطق () :" والفرْق أن تفرُق الشعر، أو تفرُق بين الحق والباطل، والفرْق تباعد ما بين الثنيتين، ويقال هو أبين من فرق الصبح وفلق الصبح والفَرَق الخوف".

وتقول في التشتت والتفرق :" شتان ما بينهما أي بعد وعظم الفرق بينهما.

ثم كلما أضفت لهذا اللفظ شيئا من الزوائد، او غيرت ضبطه، أضاف معنى زائدا أيضا،

1. منها: الفِرْق : بكسر الراء، إذا كان الشيء المتميز عظيما ،

قال الأزهري:" والفِرق: القَطيع مِن الغَنَم العظيم"، ومنه قوله تعالى في قصة موسى:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} وقوله:{ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)}.

2. التشديد لإفادة معنى المبالغة كأن تقول: فرّقَ يفرِّق تفريقا، إذا كان فعل التفريق من شخص خارجي متعدي، كالنمّام الشديد التفريق كما سيأتي شرحه في معانيه في القرآن الكريم.

3. ومنها: إضافة تاء الافتعال في مواطن منها:

. في الأوّل مع التشديد: (تفرَّق) الشيء: إذا كان التفريق ذاتيا داخليا في نفس الشيء، لا من شيء آخر خارجي، وبالتالي يكون الفعل لازما، ومنه قولك: تفرّق شمله، أي تشتت من داخله..  

4. ومنها إضافة تاء الافتعال في الوسط لإفادة الاشتراك أيضا، مع كون التفرق داخليا أيضا، تقول: (افترق) القوم، أي تشاركوا في الافتراق، وبادروا به معا جميعا، ومنه حديث الافتراق:" افترقت اليهود..."، الآتي، ورواية :" البيّعان بالخيار ما لم يفترقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". يعني: ينبغي أن تكون المفارقة منهما معا، لا أن يشتري ثم يخرج لإيقاع لزوم البيع.

5. ومنها إضافة التاء مع ألف المشاركة: لإفادة تشارك الجميع معا ابتداءً، كأن تقول: (تفارق) القوم، أي فارق بعضهم بعضا، والكل مبادر للفراق أيضا.

6. ومنها إضافة ألف المد للمشاركة: لكن مع بدء الأمر من أحدهما، تقول فارقه، إذا وقع الفراق على شريك آخر، وكان المبتدئ به أحدهما، ومنه قولك:" فارق الزوج زوجته "، لما كان بينهما من مشاركة ومحبة ..، ثم حدث الفراق من الزوج بمبادرة منه ...

7. ومنها إضافة النون: لنفس المعنى السابق، وإفادة اللزوم كأن تقول :"انفرق الصبح"، أي انفلق وانشق.

وقد لخص أصحاب المعجم الوسيط (2/685) معاني هذا اللفظ :

" ( فرَق ) بين الشيئين فرقا وفرقانا فصل وميز أحدهما من الآخر وبين الخصوم حكم وفصل وفي التنزيل العزيز :" فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين "

( فارقه ) مفارقة وفراقا باعده.

(فرّق ) بين القوم أحدث بينهم فرقة.

فرّق القاضي بين الزوجين حكم بالفرقة بينهما

(افترق ) القوم فارق بعضهم بعضا.

( انفرق ) الشيء افترق وانشق ويقال انفرق الصبح انفلق

( تفارق ) القوم فارق بعضهم بعضا

( تفرق ) الشيء تفرقا وتفراقا تبدد والرجلان ذهب كل منهما في طريق

( التفاريق ) تفاريق الشيء أجزاؤه المتفرقة

( الفارق ) ما يميز أمرا من أمر

( الفاروق ) من يفرق الحق من الباطل ولقب به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

( الفرقة ) الطائفة من الناس

( الفريق ) الطائفة من الناس.

3. وأما التفرق: بتاء الافتعال: فهو مثله غالبا، يدور حول معاني الشتات والتشعب والتصوع والتوشق والبرْقَشة والمياط والنفر والشّعو،

لكن فرِّق بين الفرق والتفرق: إلى أن التفرق والمفارقة يكونان عن طريق المباعدة بالأبدان،

وأما الافتراق فيكون بالكلام يقال: فرقت بين الكلامين فافترقا، وفرقت بين الرجلين فتفرقا.

ومنه الحديث:" البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"، حيث ذهب جمهور السلف إلى التفرق هنا بالأبدان، خلافا لمالك، وظاهر الحديث يشهد للأول، فإن راويه ابن عمر كان إذا أراد أن يتم البيع انصرف ومشى خطوات،

والفرق الرئيسي هو أن "التفرق" غالبًا ما يشير إلى تشتت الأجساد وتبديدها، بينما "الافتراق" يمكن أن يشير إلى الانفصال عن الأجساد أو الكلام أو الانقسام في الأفكار. ومع ذلك، يرى البعض أنهما سواء في الاستخدام، أو أن أحدهما مطاوع للآخر، أو أن لكل منهما استخدامًا خاصًا به (كالتفرق للأبدان والافتراق للكلام) . 

المسألة الثانية: مفهوم الفرق في الاصطلاح وتبيين أصولها، وذكر الفرق بينها وبين المذاهب، وعلاقتها بأنواع الاختلاف:

من المقرر أصوليا أن المسائل نوعان: اجتهادية وخلافية كما سيأتي.

أما الاجتهادية فهي المختلف فيها بين السلف الطيب، فهذه لا يحل التبديع فيها ولا الإنكار....

بخلاف المسائل الخلافية: التي يُنكر فيها على المخالف، ويُلحق بهذه الفرق المتوعَّد بها في الحديث المخبر بافتراق هذه الأمة كسابقتها من الأمم من يهود أو نصارى.

وبالتالي: سنعرف الفرق باعتباريْن: عام وخاص.  

1. فأما الفِرق بالمعنى العام: هي جماعة من الناس اتفقوا على طريقة معينة في فهم نصوص الوحي.

وهذا المعنى العام يشتمل على جميع الفرق، من كل الرسالات السماوية... التي افترق أهلها بين أحد وسبعين واثنين وسبعين كما سيأتي في الحديث.

وأما الفرق الإسلامية: فهي جماعة من الناس تتبع أسلوبا معينا في طريقة التعامل مع مصادره، وفهم نصوص الوحييْن الاعتقادية الصريحة المتعلقة بالمسائل الخلافية ...

فمن كان أسلوبه في مسائل الإيمان والاعتقاد وفهم النصوص في المسائل الخلافية: موافقا لأسلوب السلف الصالح ولغتهم العربية، فهو من الفرقة الناجية، ومن خالفت طريقة فهمه لنصوص الإيمان والاعتقاد مذاهبَ السلف من أهل السنة والجماعة فهو منحرف، كما في قوله تعالى :{ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) }[البقرة]

الفريق الأول: ذكر من ضل في الاعتقاد والصفات وبيان أسباب ضلاله:

لقد كان السلف أمة وسطا بين أصحاب التأويل والتعطيل والتشبيه والتكييف أو التمثيل، فكانوا يؤمنون بآيات الاعتقاد والصفات إيمانا متساويا معلوم المعنى مجهول الكيفية... ومعنى التساوي أن القول في صفة واحدة كالقول في سائر الصفات بلا فرق ...

بخلاف الفرق الأخرى التي جنحت إلى أحد أنواع الرد المذكورة، ثم ما من فرقة ظهرت إلا وظهرت فرقة أغلى منها، وأخرى نقيضتها كردة فعل عليها:

1. فأما المؤوِّلة: فقد كانوا يقرون بالأدلة: لكنهم يصرفونها عن معناها الظاهري إلى معانيها الكنائية والمجازية، بدعوى تنزبه الله عن التجسيم، فصفة اليدين عندهم كناية عن النعمة، والسمع كناية عن العلم....

ثم تطور هذا الغلو في التأويل إلى حد التعطيل...   

2. فأما المعطلة: فطائفة منهم تترك الإيمان بأدلة الصفات جملة وتفصيلا...

وطائفة أخرى: تعطل معناها الظاهر، وتجعلها جامدة المعاني، خالية من دلالات التضمن والاستلزام اللغوية...

فالله عندهم عليم بلا علم، سميع بلا سمع وهكذا.. وهذا الاعتقاد يؤول إلى نفس اعتقاد المؤولة ....

وهذا ما دفع إلى وجود فرقة مناقضة لهما، وهم المشبهة. 

3. فأما المشبهة المجسمة: فهم من يعتقدون باعتقاد اليهود، بأن الله تعالى عبارة عن جسم، وأن صفاته تشبه صفات المخلوقين...

ولو تأملنا في طريقة فهم المؤولة والمعطلة لوجدناهم وقعوا في التشبيه الذي فروا منه، لأنهم بإنكارهم أو تعطيلهم أو تأويلهم لصفات الرب، اعتقدوا التشبيه أولا، ثم عطلوا أخيرا، ثم وقعوا في تشبيه آخر، وهو أنهم يجعلون ربهم أشبه بالعدم أو الجماد، فهو رب بلا علم له ولا سمع ولا بصر ولا كلام، ولا هو فوق ولا تحت...  

فلو قيل لك: عرِّف العدم: لكان تعريفه عين وصف المؤولة لربهم، لا هو فوق ولا تحت، بلا سمع ولا بصر ...

ولو قيل لك: عرّف الجماد، لقلت هو حجر: لا صفة له، لا سمع ولا بصر ولا علم ولا حكمة، ولا يد، ولا بصر....

فهم في المآل قد شبهوا الله تعالى إما بالعدم أو بالجماد...

4. وأما المفوضة: فمآل اعتقادهم إلى التعطيل أيضا، لأنهم يزعمون بأن الله خاطبنا ووصف نفسه لنا بألفاظ مجهولة غير معروفة المعنى، بخلاف السلف المؤمنين بالصفات إيمانا معلوم المعنى مجهول الكيفية... 

الفريق الثاني: ذكر من ضل في مصادر التشريع وبيان أسباب ضلاله:

وهؤلاء كان سبب ضلالهم هو طريقة ردهم لبعض المصادر المتفق عليها بين المسلمين، كالقرآن والسنة والإجماع، مخالفين سبيل المؤمنين ...

فمنهم القرآنيون المعتدون بالقرآن فقط، المنكرون للسنة وغيرها جملة وتفصيلا ...

ومنهم طائفة تنكر أحاديث الآحاد الصحيحة، ولا تعتد بها، مع أن معظم هذا المصدر هو أحاديث الآحاد، وتعطيلها يؤدي إلى تعطيل معظم دين الإسلام...

ومنهم المعتزلة المقدمون لمصدر العقل، على مصادر المسلمين وهي القرآن والسنة....

ومنهم التجديديون صراحة: المنادون بإلغاء القديم صراحة، وتجديد الخطاب الديني والنظر في مصادره...

ومنهم التجديديون ضمنا: فهم لا يُعلنون بذلك صراحة، لكن يعمَلون به ضمنا، قاطعين العلاقة عن الرجوع إلى كتب السلف الأولين، مقتصرين على المتأخرين، محذرين من قراءة كتب الأولين، بل وتراهم يجنحون إلى تبديع كل ما ورد عن السلف الطيب، أو ما اختلفوا فيهم، غير مراعين آداب الحوار، ولا اختلاف السلف في المسائل الاجتهادية ...

إضافة إلى إنكارهم لبقية مصادر التشريع كالإجماع والقياس والمصالح المرسلة...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المطلب الثاني: ما ورد في لفظة :" الفرق والتفرق"، في القرآن الكريم، وبيان أضربها:

ورد لفظ الفرق والتفرق على عدة معاني، منها ممدوحة وأخرى مذمومة، وأخرى لغوية متفرقة:  

الفرع الأول: ما ورد في التفرق اللغوي:

المسألة الأولى: أدلة متفرقة لمعاني متعددة للتفرق:

الدليل الأول: ما ورد في إطلاق الفِرْق على الشيء العظيم كالبحر وأمواجه:

قال تعالى :{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } [البقرة]

قال تعالى : {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)} [الشعراء]

الدليل الثاني: في وصف كثرة التفريق: كما قال الله :{ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ } {البقرة 102}، لأن السحر فيه تفريق كثير وشديد...

الدليل الثالث: ما ورد في المشاركة في التفرق بين الزوجين:

قال تعالى :{ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) } [النساء]

الدليل 4: تفريق الله بين المسلمين والكافرين يوم القيامة: 

قال الله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)}[الروم]

الدليل 5: ما ورد في فرق المقادير والحكمة وتقسيمهما ليلة القدر:

قال الله :{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)}[الدخان]

الدليل 6: وصف ملائكة الموت بالفارقات:

قال الله: { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)} [المرسلات]

المسألة الثانية: إطلاق لفظة "الفريق" على الجماعة من الناس، سواء كانوا طيبين أم أشرارا :

والأدلة على ذلك كثيرة منها:

فأما إطلاق الفريق على جماعة الأشرار:

1. فقد قال تعالى :{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) }[البقرة]

2. قال تعالى :{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}[آل عمران]

3. قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) } [آل عمران]

4. قال تعالى :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }[النساء] ...

وورد إطلاق الفرق على جماعة المؤمنين والمرسلين أيضا:

1. قال تعالى :{ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)} [البقرة]

2. قال تعالى : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام]

3. قال تعالى: { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) } [المائدة]

4. وقال تعالى: { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ}[الأعراف]

5. قال تعالى :{ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)} [هود]

5. قال تعالى :{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) }[مريم]

7. قال تعالى :{ وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) }[الشورى]

8. قال تعالى :{ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)}[الأنفال] ...

الفرع الثاني: ما ورد في التفرق المحمود والمذموم والمحتمل:

قسم الأصوليون المسائل إلى اجتهادية وأخرى خلافية، فأما الأولى: فهي التي يسوغ الاختلاف فيها، ولا يحل التبديع ولا الإنكار فيها على المخالف ومن بدع فيه فالبدعة به ألصق وهو بها أولى، لمخالفته سبيل المؤمنين، وطريقة تعاملهم مع بعضهم.  

بخلاف المسائل الخلافية الإنكارية التي يُنكر فيها على المخالف، لمخالفته النصوص وسبيل المؤمنين...

المسألة الأولى: ما ورد في التفرق المذموم في المسائل الخلافية:

  ذلك أن التفريق بين الحق وأهله وشعبه، لأجل رده، أو ضرب بعضه ببعض أمر مذموم، أو رده مع كونه في المسائل النصية الخلافية الواضحة أو المجمع عليها بين الأمة، لهو أمر منكر نهى عنه الشرع وذمّه:

الدليل الأول : ما ورد في النهي عن التفريق بين الرسل إذا كان المراد منه العصبية: قال تعالى :{ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ.. }[النساء(152)]

الدليل الثاني : قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحَِيمًا (152)}[النساء]

الدليل الثالث : قال تعالى :{ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) }[آل عمران]

الدليل الرابع: قال تعالى :{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة]

فإذا لم تكن هنالك عصبية ولا ازدراء، فلا شك أن الله فضل بعض النبيين على بعض. 

الدليل 5: ما ورد في النهي عن التفرق عن الحق:

قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا .. (103) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) }[آل عمران]

6. قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام]

7. قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) } [الأنعام]

8. قال تعالى :{ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) }[طه]

9. قال تعالى :{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }[الروم]

10. قال تعالى :{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .... وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } [الشورى]

الدليل 11: وصف الله المنافقين بالفرَق والفزع، تحذيرا من فعلهم، والتفريق وهو التشتيت، :

قال تعالى عنهم:{ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)} [التوبة]

وقال في وصفهم :{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ}[التوبة]

الدليل 12: نهي الله عن التفرق في المسائل الخلافية المنصوصة بنص شرعي أو إجماع إسلامي:

قال تعالى : { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}[النساء]، فحذرت الآية من مخالفة النصوص الشرعية، والسنن النبوية، وإجماع المؤمنين.

المسألة الثانية: ما ورد في التفرق المحمود وأجناسه:

الجنس الأول: أدلة فيها الدعوة إلى التفريق المحمود بين الحق والباطل، وأن دين الله فرقان بينهما:  

ذلك أن دين الإسلام جاء للتفريق بين الحق والباطل، وكل كتب الله فرقان بين الحق والباطل، وقد وصف نبينا عليه السلام بكونه فرقا بين الناس، وهذا هو التفريق الممدوح حتى لا يلتبس الحق بالباطل...

وأما التفريق بين الحق والباطل في المسائل الواضحة، فهم أمر قد جاءت به كل الرسالات السماوية...

1. قال تعالى :{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}[]

2. وقال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}[الأنبياء]

الدليل 3: قال تعالى : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)}[الفرقان]

4. وقال :{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة 185]

5. وقال تعالى :{ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران]

6. قال تعالى عن نبيه موسى:{ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) }[المائدة]

7. قال تعالى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[]

الدليل 8: في وصف الله الجهاد بالفرقان لتفريقه بين الكفر والإسلام:

9. قال تعالى :{ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)}[الأنفال]

10. وقال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }[الشورى]

11. وقال تعالى :{ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)} [البينة]

الدليل 12. وفيه دعوة الله إلى تكوين فرق خدمة لدين الله تعالى وعلومه وشرعه:

قال تعالى :{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} [التوبة]

الجنس الثاني: ما ورد في الأمر بالتفرق الظاهري، وفرْق الحق تدريجيا، لأجل تحقيق المصالح أو دفع المفاسد:

1. قال تعالى عن يعقوب لبنيه: { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ  67} [يوسف]

فقد قيل:

2. قال تعالى: { وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) }[الإسراء]،

حيث ذكرت الآية بأن القرآن الكريم، لم ينزل جملة واحدة إلى الأرض، بل أنزل مفرقا لأجل جلب عدة مصالح، ودفع مفاسد، منها حتى لا يفتتن الناس والمؤمنون عن الدين،... مع سهولة تقبله وتطبيقه وحفظه وحسن ترتيله ومواكبته للوقائع والأحداث ...   

المسألة الثالثة : ما ورد في الأمر بالتفرق المحتمل والمقبول:

وهذا يكون في المسائل الاجتهادية كما أسلفنا، التي يسوغ فيها الاختلاف ولا يُنكر على المخالف....

ذلك أن الإسلام جاء برفع الحرج والضيق، خاصة في باب فهم النصوص الفقهية والأحكام المختلف فيها بين المسلمين، بسبب طبيعة النصوص واختلاف الناس في الفهم وتطبيق القواعد ...

ولذلك لم ينكر النبي عليه السلام على الصحابة في فهمهم لنصوصه في الكثير من المواطن منها قوله لهم: " لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة"، ففهم بعضهم الظاهر بتعجيل الذهاب، ولو مع تأخير صلاة العصر إلى آخر الوقت، فصلوا بها.

وفهم بعضهم المغزى وهو السرعة، مع المحافظة على أول وقت الصلاة...

بل حتى الاختلاف في القراآت يمنع فيه من التعصب والإنكار، لما ورد عن ابن مسعود، قال: سمعت رجلا قرأ آيةً سمعتُ من النبي عليه السلام خلافها، فأخذته، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهية، فقال: «كلاكما محسن، لا تختلفوا»

كما أن الإسلام تسامح في بعض آثار الاختلاف، وما تولد عنه، من تهاجر وابتعاد مع مراعاة المصلحة والمفسدة، وطبيعة الشخص: 

فقد أمر الله ورسوله بمفارقة الثلاثة المخلفين، حتى تاب الله عليهم...

وأمر الزوجَ أن يهجر زوجته أو يفارقها...

فقال تعالى :{ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) }[النساء] ... وهكذا.

المطلب الثالث: أنواع التفرق (المحمود والمذموم والمقبول) وسبل التعايش بين المختلفين:

ذكرنا أن التفرق منه المذموم ومنه الممدوح ومنه المقبول المحتمل، ثم اعلموا بأنه في كل منطقة وبلدة توجد أعراق متعددة، وديانات مختلفة، فيا ترى هل من سبل للتعايش بين المختلفين؟ أم لا بد من كل اختلاف أن يؤدي إلى اقتتال؟

والجواب: لا، إذ جعل الشرع والعقل عدة أسس يتعايش بها المختلفون ومنها: 

1. أن يعلم الجميع بأن الاختلاف واقع بمشيئة الله الكونية التي لن تتغير: فهو من خلق الناس أصنافا، مختلفين أخيافا، في أفكارهم ومذاهبهم وتديّناتهم، لأجل الابتلاء كما قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ ربك} فما على المسلم إلا احترام مقومات سبل التعايش بين المختلفين وهي:

2. كون المسلم مكلفا بدعوة الناس لا محاسبتهم :

3. كون المسلم مأمورا بالعدل والإحسان وحسن الخلق مع الجميع، كما قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا..}.

4. الاعتقاد بكرامة جنس الإنسان: قال تعالى:{ولقد كرمنا بني آدم}، بل إن الإسلام أمر بتكريم كل نفسٍ ولو كانت ميتة ومشركة، فقد خرج البخاري في صحيحه عن ابْن أَبِي لَيْلَى قَال: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّة، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ـ الذِّمَّةِ ـ فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَال: أَلَيْسَتْ نَفْسًا"، فما أروع إنسانية هذا الموقف

5. عدم المساس بحقوق وحريات الآخرين، وعدم سب ديانتهم، قال تعالى: { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام 108]

6. علم المسلم بأن المسائل الشرعية على نوعين:

مسائل اختلافية إنكارية: وهي المتفق عليها بين المسلمين،

ومسائل اجتهادية بين الفقهاء: فهذه يحرم الإنكار فيها والتبديع.

7. علم الشخص بالآثار المتولدة عن الاختلاف وحسن تعامله معها: ذلك أن الاختلاف موجود ولا بد له من آثار، وهي إما إيجابية أو سلبية أو محتملة،

أ: فأما الآثار الممدوحة: فهي التي يتولد عنها تناصح وحوار ومناقشة وعرض أدلة وتزييف أخرى وتبيين خطإ كما قال تعالى :{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)}[النحل: 82]، وجاء في الوثيقة النبوية لأهل المدينة :" وإن بينهم النصيحة " .

ب: وأما المُحتملة المقبولة: فهي التي تؤدي إلى الهجر والاعتزال وترك المخالطة، ولو مع البغض القلبي على حسب مخالفة الشخص.

ج. وأما الآثار المذمومة: فهي ما ينتج عنها من سب واقتتال وإجبار فكري أو بدني، فيجب على الأفراد والدولة منعها، من أجل تحقيق التعايش السلمي الذي به تستقر الدول .

المبحث الثاني: أسباب التفرق والافتراق، وبيان أنواعه، وأبرز عقائد كل فرقة:

أمر الله تعالى عباده بالتوحد والاعتصام شرعا، لكنه قضى الاختلافَ قدرا، ثم إن هذا الاختلاف، منه الممدوح، ومنه المتحمل، ومنه المذموم.

وجعل له عدة أسباب تؤدي إليه،

 الأسباب الدينية، وبيان من ضل فيها:

ومن أبرز أسباب الضلال فيها ما يلي:

1. إرادة الله الكونية بوجود الاختلاف والتفرق: قال تعالى :{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) }[هود]

قال عمر بن عبد العزيز:" قال: «أهل الرحمة لا يختلفون».

قال مالك:" خلقهم ليكون فريق في الجنة وفريق في النار ".

والمعنى أن مشيئة الله الشرعية، هي الرحمة وترك التفرق، لكن مشيئته الكونية وجود هذا التفرق.

2. وجود الاشتباه في طائفة من النصوص الشرعية، لأجل الابتلاء: قال تعالى :{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) }[آل عمران].

خرجا في الصحيح عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه , أولئك الذين سماهم الله فاحذروهم».

وقد مر في المبحث الأول أنه قد ضل في هذا الباب فريقان:

الفريق الأول: ذكر من ضل في الاعتقاد والصفات

والفريق الثاني: ذكر من ضل في مصادر التشريع وقد ذكرنا هنالك أسباب ضلال الفريقين وبالله التوفيق.

الأسباب الفردية النفسية:

1. التعصب والعناد والبغي والاستكبار على الحق بعد مجيئه:

قال تعالى :{ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)}[الحديد]

{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) } [آل عمران]

. وقال :{ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) }[الشورى]

. وقال الله :{ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)}[الجاثية]

. قال تعالى :{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)}[فاطر]

2. اتباع الهوى المتنامي صعودا، وتقديم المصالح الشخصية: كما قال تعالى :{ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) }[ص]

3. الجهل بأصول الدين وقواعده ومناهجه، وسوء الفهم له،

4. إهمال الاستدلال العقلي والفطري واللغوي السليم:

قال تعالى :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170}[البقرة].

وقال تعالى :{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }[الأعراف]

وقال : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) }[الحج].

4. التعصب للمذهب والفرقة والحزب، ومن ثم الاعتقاد قبل الاستدلال، وبالتالي جعل الفكر أولا، ثم توظيف الدين لخدمة المذهب، لا العكس:

قال تعالى :{ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)}[المؤمنون]

قال تعالى :{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }[الروم]

5. الرياء ومحبة الظهور: حيث يخترع المبتدع مذهبا، لمحبته للرياسة والظهور أما الناس...   

الأسباب الأسرية والاجتماعية : ومن أبرزها:

التقليد الأعمى للآباء والمجتمعات: كما قال تعالى :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}[البقرة]

وقال :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[المائدة]...

الأسباب السياسية، وبيان أهم الفرق المنبثقة بسبب ذلك وأهم عقائده: ومن أبرزها:

1. محاولة الحكام عن طريق مشايخهم: توظيف هذا الدين، بما يوافق أفكارهم وقوانينهم ... وبالتالي تطويع الدين لمصالحهم، لا تطويع أنفسهم لأحكام ربهم ...

كما في الحديث الشارح للآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } عن عدي مرفوعا قال:" أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه ".  

2. الخلاف حول مسألة الخلافة والإمامة:  وقد بدأ ذلك بعد وفاة النبي عليه السلام مباشرة، واختلاف الصحابة فيمن يخلفه، ثم تجلى ذلك بعد مقتل عثمان رضي الله عنه حيث تفرقت الصحابة إلى ثلاثة فرق، فريق علي ومن معه، وفريق عائشة ومعاوية ومن تبعهما، وفريق اعتزل، ومع كل هذا الاختلاف فقد وصف نبي الإسلام بأن أمته ستفترق إلى فرقتين عظيمتين، فيهما الفاضلة، وفيهما الأفضل، وهم أتبع علي رضي الله عنه، كما سيأتي في الحديث.

ثم ذكر الحديث بأنه سيبثق على هذا الاختلاف فرق منحرفة أخرى، تهلك بسبب هذه الفتنة، ثم ما ظهرت فرقة مبتدعة في الإسلام، إلا انبثقت منها فرقة أغلى منها، وفرقة تناقضها كردة فعل عليها...

فأول فرقة ظهرت في الإسلام هم البغاة الخارجين على عثمان رضي الله عنه، فقد كانوا يعتقدون بالخروج المسلح على الحكام من غير تكفير ...

ثم انتهى الأمر بالكثير منهم إلى إنشاء مذهب الخوارج، وهم الذين يعتقدون بأن الإيمان والكفر شيء واحد لا يتشعب، ولا يزيد ولا ينقص، وبالتالي من فعل كبيرة، فليس ناقص الإسلام فقط، بل هو كافر مرتد عندهم...  

ليأتي دور ردة الفعل لهذه الفرقة، وهو المرجئة، فإنهم يوافقونهم في تعريف الإيمان وعدم تشعبه، لكن يعاكسونهم في قولهم: بأن الإيمان لا يضر معه شيء، وأن المؤمنين سواسية في الإيمان، وبالتالي سهلوا على الناس الانحراف،

ثم غلا بعضهم حتى أحدث بدعة الجهمية، وهم من يحصرون الكفر في الاستحلال والاعتقاد فقط، حتى استساغوا مسبة الله جل في علاه، ودوس المصحف، وغير ذلك من الكفريات القوقة والفعلية...

ثم ظهرت فرق الشيعة والنواصب كردة فعل عليها،

فأما الشيعة فابتدأ أمرهم بشدة موالاة أهل البيت، حتى قدموا عليا وأهل بيته في الخلافة على أبي بكر وعمر وعثمان،

ثم اشتد الأمر بجماعة منهم حتى انتهوا إلى عقيدة الروافض بمختلف فرقها وتكفير معظم الصحابة مع قذف زوجة نبينا عليه السلام في عرضها وشرفها الذي هو من شرف نبينا عليه السلام ....

كما أن جماعة من هؤلاء يقدسون بعض أمراءهم وأئمتهم ويبالغون في الدعوة إلى طاعتهم ... حتى جعلوهم معصومين...

قابل هذا التشيعَ فرقة النواصب بإعلان العداء لأهل بيت رسول الله الأطهار، زمن الأمويين، حيث أعلنوا بلعنهم وتقبيحهم، والله المستعان....

الأسباب التاريخية، وأهم الفرق المنبثقة من ذلك وأهم عقائدها:

وتتمثل في تأثير المعتقدات السابقة والعصبيات الجاهلية، والقوميات البائسة، والديانات القديمة، على المسلمين الجدد، فتراهم يحملون معهم معتقداتهم القديمة، ويلبسونها بأشباهها من هذا الدين الصافي....

فمنهم من تأثر بعقيدة التناسخ الهندوسية، ومنهم من تأثر بعقيدة الحلول النصرانية، ومنهم من تأثر بعقيدة اليهود السبئية، ومنهم من تأثر بالفلسفة اليونانية... وهكذا.

وقد أسلفنا بأنه ما من فرقة ظهرت، إلا وظهرت فرقة منبثقة عنها أشد غلوا منها، وأخرى نقيضتها كردة فعل عليها، كما بينا...

فظهور بدعة القدرية أدى إلى ظهور نقيضتها وهم الجبرية ...

فأما القدرية: فأخذوا مذهبهم تأثرا باليهود الزاعمين بأن الله تعالى لم يكتب شيئا، وأنه لا يعلم بالأمور حتى تحدث....

وأما الجبرية: فينكرون أصل الإرادة للإنسان، واخياره لأفعاله...  

بينما كان أهل السنة وسطا بين غلو هؤلاء وجفاء أولئك جميعا ...

وظهرت فرقة المجسمة المشبهة: تأثرا بتشبيهات اليهود لربهم بالبشر وغيره...

وخالفتهم فرق المعطلة النافين لصفات الرب جل في علاه...

ظهرت فرقة الحلولية تأثرا باعتقادات النصارى في حلول المسيح واتحاده بذات الرب... حتى زعموا بأن الله تعالى في كل مكان...

وخالفتهم الجهمية فزعموا بأن الله تعالى كالعدم، لا هو فوق ولا تحت....

ومن ذلك غلو المعتزلة في تقديس العقل، وتقديمه على النقل، مما أدى إلى ظهور الأشعرية الـمُـلغين للعقل تماما، حتى وصل بهم الأمر إلى إنكار التعليل في النصوص أو غيرها.... 

الأسباب الثقافية وأبرز فرقها المنبثقة منها:

وتتمثل في تأثير الثقافات والوافدات المستحدثة على الكثير من ضعاف الإيمان، فيحاول تكييفها بما يوافق فهمه من نصوص هذا الدين الكريم، فيأتي بمذهب محدث جديد، محاولا المزج بين الوافد والثابت.

وأبرز فرقة ظهرت هنا هي السبئية أتباع اليهودي المندس، عبد الله بن سبإ، فإنه فعَلَ فِعْل بوليس اليهودي في تحريف دين المسيح، غير أن هذا اللعين استطاع، بينما لن يستطيع تحريف الدين الخاتم أحد، وقد أنكر وجود هذه الشخصية الكثير من المبتدعة، لكنها ثابتة في آثار كثيرة جمعتها في مبحث مستقل...

الأسباب الخارجية والمستجدة، وظهور الفرق الجديدة المنادية بالتجديد صراحة أو ضمنيا:

حيث ظهرت فرق جديدة منحرفة بعضها يلتحق في الفهم بالفرق المتقدمة، وبعضها أحدث بدعا جديدة، فمنهم من ينكر مصادر التشريع المعروفة، فمنهم من ينكر جميع المصادر ولا يعتد إلا بالقرآن، وسموا بالقرآنيين...

وبعضهم نادى بتجديد الخطاب الديني مع قطع العلاقة بالسلف المتقدمين، وهم التنوييون، ومن يقتدي بهم بالأخذ عن المتأخرين فقط، مع إلغاء الاطلاع عن كلام السلف الصالحين...

وبعضهم لا يعترف بإجماع المسلمين، ولا بمذاهب الصالحين، ولا باختلاف المجتهدين، فتراه يتهجم عليهم، ويبدع اختلافاتهم والله المستعان...

وقد ساعد على ظهور ذلك عدة أسباب إضافة إلى شبهات الاستشراق، ومنها:

1. التأثر بالإعلام السيء، والكتب المترجمة، ومواقع التواصل، بلا تمييز ولا رصيد قبلي سليم.

2. الجهل بكيد الكائدين، ومكر المتربصين، وشبهات المستشرقين، ممن يحاولون جاهدين، تفريق المسلمين، وتحريف هذا الدين، أو صرفه عن مراد من جاء به. 

قال تعالى: { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) }[التوبة]

وقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } [المائدة] 

المبحث الثالث: دراسة أحاديث التفرق والافتراق :

المطلب الأول: الدراسة الإسنادية:

الدليل الأول: حديث أبي هريرة في الافتراق من غير تبيين من هي الفرقة الناجية :

خرجه ابن ماجه في سننه 17 - باب افتراق الأمم 3991 – وابن حبان في صحيحه باب في افتراق الأمم (6247) (6731) والحاكم (1/47) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".

لفظ ابن حبان: "إن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى على مثل ذلك، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة".

قال الحاكم:" وقد روي عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، وعوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.» وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة واتفقا جميعا على الاحتجاج بالفضل بن موسى وهو ثقة "

قال الذهبي:" ما احتج مسلم بمحمد بن عمرو منفردا بل بانضمامه إلى غيره ".

وقال الحاكم مرة أخرى: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وله شواهد » ووافقه الذهبي.

ولهذا الحديث شواهد صحيحة وحسنة وأخرى ضعيفة:

دليل ثاني: حديث علي في إثبات مجرد الافتراق:

خرج محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي المخَلِّص 158- حدثنا يحيى بنُ محمدٍ: حدثنا القاسمُ بنُ محمدٍ المروزيُّ: حدثنا محمدُ بنُ مقاتلٍ المروزيُّ: حدثنا معاذُ بنُ خالدٍ: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ مسلم عن سفيانَ مَولى سعدِ بنِ أبي وقاصٍ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَفترقُ هذه الأُمةُ على ثلاثٍ وسَبعينَ فرقةً».

سفيان ويقال سفر، ويقال سفير، مجهول العين. ما وثقه غير ابن حبان،

الدليل 3 : حديث ابن مسعود  في هلاك الفرق المتقدمة المخالفة لأنبيائها، ولم يتعرض للأمة، وفيه ثلاث خصال للفرقة الناجية، مع كون شرع من قبلنا حجة لنا:

قال ابن أبي عاصم في السنة 70 - ثنا شيبان بن فروخ ثنا الصعق بن حزن ثنا عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افترق من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة، نجا منها ثلاث وهلك سائرها» .

الصعق يهم أحيانا وهو صدوق، وعقيل منكر الحديث، وله متابع: 

قال ابن ابي عاصم 71 - حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، أخبرني بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، لم ينج منها إلا ثلاث»،

بكير مختلف في توثيقه، وهو صدوق، قال ابن القيسراني في تذكرة الحفاظ:" وَبُكَيْر هَذَا قدم دمشق، قَالَ هِشَام بن عمار: رَأَيْته، وَلم أكتب عَنهُ شَيْئا. ويروي عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ، وَهَذَا الحَدِيث بِهِ مَعْرُوف وَلم يتَكَلَّم فِيهِ ".

وعبد الرحمن سمع من أبيه ابن مسعود وأدركه.

وقد بينت صفات الفرقة الناجية في حديث آخر له، وأنها من تعمل بإحدى خصال ثلاثة:

خرجه يحيى (المرشد بالله) بن الحسين الموفق الشجري في الأمالي 2069 عن أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، قال: حدثنا إسحاق بن [إبراهيم بن] أبي حسان الأنماطي: حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم: حدثني بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا ابن مسعود، قلت: لبيك ثلاثا، قال: " هل تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: الولاية في الله، والحب في الله، والبغض في الله "

ثم قال: يا ابن مسعود، قلت: لبيك رسول الله، قال: " أي المؤمنين أفضل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إذا اختلفوا , وشبك بين أصابعه، أنصرهم للحق، وإن كان في عمله تقصير , وإن كان يزحف زحفا " ثم قال: يا بن مسعود، وهل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على اثنين وسبعين فرقة لم ينج منها , إلا ثلاث فرق:

فرقة أقامت في الملوك والجبابرة , فدعت على دين عيسى عليه السلام، فأخذت، فقُتلت بالمناشير وحرقت بالنار , فصبرت , حتى لحقت بالله،

ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لهم قوة , ولم تطق القيام بالقسط , فلحقت بالجبال، فتعبدت، وترهبت، وهم الذين ذكرهم الله تعالى {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله} [الحديد: 27]،

وفرقة منهم آمنت، فهم الذين آمنوا بي , وصدقوني , فهم الذين رعوها حق رعايتها {وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 27] ، وهم الذين لم يؤمنوا بي , ولم يرعوها حق رعايتها، وهم الذين فسقهم الله تعالى "

. وروى يحيى بن سالم عن أبي الجارود عن يحيى بن يعمر الخراساني عن ابن مسعود قال: «إن لهذه الأمة فرقة وجماعة، فجامعوها إذا اجتمعت، فإذا افترقت فارقبوا أهل بيت نبيكم، فإن سالموا فسالموا، وإن حاربوا فحاربوا، فإنهم مع الحق، والحق معهم لا يفارقهم، ولا يفارقونه».

ومن المتقرر أصوليا أن شرع من قبلنا هو شرع لنا، ما لم يرد خلافه في الإسلام، وبالتالي يُثبت مثل هذا التفرق في أمة الإسلام والله أعلم

الدليل الرابع: حديث عوف بن مالك في تعيين الفرقة الناجية وهي الجماعة، وإثبات هلاك غيرها، وتعيين متى يكون التفرق:   

خرجه ابن ماجه في سننه 17 - باب افتراق الأمم 3992 والفسوي من طرق عن عباد بن يوسف حدثنا صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار" قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: "الجماعة"

هذا إسناد حمصي حسن، وقد توبع عباد على أنه صدوق:

خرج الحاكم (1/218) وابن أبي عاصم 45 عن ابن أبي أويس ومحمد بن فليح عن كثير بن عبد الله، عن أبيه عن جده قال: كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأتاه جبريل عليه السلام بالوحي، فتغشى بردائه، ثم مكث طويلا حتى سري عنه، ثم كشف عنه فإذا هو يعرق عرقا شديدا، وإذا هو قابض على شيء في يده فقال: «أيكم يعرف كل ما يخرج من النخل؟» قالت الأنصار: نحن يا رسول الله، نعرف كل ما يخرج من النخل. قال: «ما هذه؟» ففتح يده، قالوا: هذه نواة. فقال: «نواة أي شيء؟» قالوا: نواة سنة. قال: " صدقتم، جاءكم جبريل عليه السلام يتعهد دينكم: لتسلكن سبل من قبلكم حذو النعل بالنعل، ولتأخذن بمثل أخذهم إن شبرا فشبر، فإن ذراعا فذراع، وإن باعا فباع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم فيه، ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على سبعين فرقة، كلها ضلالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم، وإنها افترقت على عيسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضلالة إلا فرقة الإسلام وجماعتهم، ثم إنكم تفترقون على اثنتين وسبعين فرقة، كلها ضلالة إلا فرقة الإسلام وجماعتهم ".

قال الحاكم:" كثير بن عبد الله المزني، ولا تقوم به الحجة»، وقد توبع:

3. خرج الطبراني في الكبير (91) 91 - حدثنا يحيى بن عبد الباقي ثنا يوسف بن عبد الرحمن المروروذي ثنا أبو تقي عبد الحميد بن إبراهيم الحمصي ثنا معدان بن سليم الحضرمي عن عبد الرحمن بن نجيح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسائرهن في النار"، قلت: ومتى ذاك يا رسول الله ؟ قال :" إذا كثرت الشرط وملكت الإماء وقعدت الحملان على المنابر واتخذوا القرآن مزامير وزخرفت المساجد ورفعت المنابر واتخذ الفيء دولا والزكاة مغرما والأمانة مغنما وتُفُقِّه في الدين لغير الله، وأطاع الرجل امرأته وعق أمة واقصى أباه ولعن آخر هذه الأمة أولها وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل اتقاء شره فيومئذ يكون ذلك، ويفزع الناس يومئذ إلى الشام تعصمهم من عدوهم ) قلت : وهل يفتح الشام ؟ قال : ( نعم وشيكا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضا حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي فإن أدركته فأتبعه وكن من المهتدين ".

. خرج أولَه الحاكم (3/631) وقاسم بن أصبغ والطبراني (90) والبيهقي في المدخل (188) من طرق عن نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال ».

تفرد نعيم بزيادة القياس في هذا الحديث، قال أبو عمر ابن عبد البر في جامع العلم (2/890): هذا عند أهل العلم بالحديث حديث غير صحيح، حملوا فيه على نعيم بن حماد، وقال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: حديث عوف بن مالك هذا لا أصل له، وأما ما روي عن السلف في ذم القياس فهو عندنا قياس على غير أصل، أو قياس يرد به أصل ".

وقال:" وروي عن يحيى بن معين أنه قال: حديث عوف بن مالك الذي يرويه عيسى بن يونس ليس له أصل، ونحوه عن أحمد بن حنبل رحمه الله ".

قال أحمد بن الحسين البيهقي:" تفرد به نعيم بن حماد , وسرقه عنه جماعة من الضعفاء , وهو منكر , وفي غيره من أحاديث الصحاح الواردة في معناه كفاية".

لكن نعيم ليس كما يقول ابن عبد البر، بل هو صدوق من ثقات المسلمين، وتفرده بإنكار القياس، محمول على القياس المذموم... وقد تكون زيادته شاذة والله أعلم، وأما أصل حديث الافتراق فله متابعات.  

الدليل الخامس: حديث أنس في إثبات دخول النار إلى فرق الضلال:

1. قال ابن أبي عاصم في السنة 64 وابن ماجه 3993 - حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو الأوزاعي حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".

هكذا رواه هشام عن الوليد عن الأوزاعي فجعله عن قتادة، تابعه عليه موسى بن عامر وأضاف قصة:

خرجها أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي المشهور بابن المقرئ في المعجم 411 - حدثنا أبو الدحداح أحمد بن محمد بن إسماعيل التميمي ثنا أبو عامر موسى بن عامر بن خريم ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي عن قتادة عن أنس قال: ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا من قوته في الجهاد والاجتهاد وفي العبادة فأقبل الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، أتى الذي في وجهه سفعة من الشيطان» ثم أقبل فسلم عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل حدثت نفسك حين أشرفت علينا أنه ليس في القوم أحد خير منك؟» قال: نعم، وذهب فاختط مسجدا، وصف قدميه، ثم صلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيكم يقوم إليه فيقتله؟ فذهب أبو بكر فوجده يصلي قال: فهاب أن قتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يقوم إليه فيقتله؟» فقام عمر فقال: أنا أذهب إليه فوجده يصلي، فصنع مثل ما صنع أبو بكر ثم رجع، فقال علي: أنا، فقال: ائته، إن أدركته فذهب فوجده قد انصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا لأول قرن يخرج من أمتي لو قتله ما اختلف اثنان من أمتي» ثم قال: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة»

هكذا رواه هشام وموسى عن الوليد عن الأوزاعي فجعلاه عن قتادة،

2. ورواه معاوية وعكرمة فجعلاه عن يزيد الرقاشي مكان قتادة وهو ضعيف، وكأنه الأقوى:

. خرجه أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن يعقوب: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح أن الأوزاعي حدثه أن يزيد الرقاشي حدثه أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة , كلهم في النار إلا واحدة» . فقيل: يا رسول الله وما هذه الواحدة؟ فقبض يده وقال: «الجماعة , فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ".

ورواه أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة حدثنا يزيد الرقاشي في حوض زمزم والناس مجتمعون عليه من قريش وغيرهم قال: حدثني أنس بن مالك قال: وذكر قصة الرجل الذي يصلي، فأمر عليه السلام بقتله، لكن الصحابة لم يقتلوه ثم قال لاحدهم :«لو قتلته - أو قتله - ما اختلف في أمتي اثنان إن بني إسرائيل تفرقوا على واحد وسبعين فرقة وإن هذه الأمة - يعني أمته - ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة» .

فقلنا: يا نبي الله: من تلك الفرقة؟ قال: «الجماعة» .

قال يزيد الرقاشي: فقلت لأنس: يا أبا حمزة وأين الجماعة؟ قال: مع أمرائكم.

مع أمرائكم ".

وهذا أصح، لكنه حديث باطل من أباطيل يزيد.

3. وله متابعة ثالثة تقوي حديث أنس:

روى متابعته محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي المخَلِّص 2429- (274) حدثنا إسماعيلُ: حدثنا حفصُ بنُ عَمرو الرَّباليُّ: حدثنا أبو سُحيمٍ: حدثنا عبدُ العزيزِ عن أنسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: «افتَرقتْ بَنو إسرائيلَ على إِحدى وسبعينَ فرقةً، وإنَّ أُمَّتى ستَفترقُ على اثنَتينِ وسبعينَ فرقةً أو ثلاثةٍ، كلُّهم في النارِ إلا السوادَ الأَعظمَ».، توبع حفص:

قال أبو يعلى 1803 - حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا مبارك، حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي تفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم».

دليل سادس: عبد الله بن عمرو في تعيين الفرقة الناجية باتباع الصحابة ولم يصح:

خرجه الحاكم (1/218) وأبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من طرق عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل , حتى لو كان فيهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك» . حديث ثابت: «إن بني إسرائيل افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة ويزيدون عليها ملة». قال في حديث ثابت: «وأمتي على ثلاث وسبعين ملة , كلها في النار إلا واحدة» . فقالوا: يا رسول الله وما هي؟ وفي حديث ثابت , فقيل له: من الواحدة؟ قال: «الذي أنا عليه وأصحابي» . وفي حديث ثابت فقال: «ما أنا عليه وأصحابي»

قال الحاكم:" قد روي هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعمرو بن عوف المزني بإسنادين تفرد بأحدهما عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، والآخر كثير بن عبد الله المزني، ولا تقوم بهما الحجة» .

الدليل 7 : حديث معاوية في الافتراق ونجاة الجماعة، ودخول النار لغيرها:

حدث به أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني في كتاب السنة 2 ...- أخبرنا ابن مصفى ثنا بقية ثنا صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن أبي عامر الهوزني أنه حج مع معاوية، فسمعه يقول: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فذكر: «أن أهل الكتاب قبلكم تفرقوا على اثنتين وسبعين فرقة في الأهواء، ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة في الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ألا وإنه يخرج في أمتي قوم يهوون هوى يتجارى بهم ذلك الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يدع منه عرقا ولا مفصلا إلا دخله».

توبع بقية وهو مدلس:

قال ابن أبي عاصم 65 - ثنا هشام بن عمار ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن أبي عامر عبد الله بن لحي عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذه الأمة ستفترق على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة» .

توبع ابن عياش:  

خرجه بطوله الحاكم (1/218) وأبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة عن يعقوب قال: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن أبي عامر عبد الله بن لحي قال: حججنا مع معاوية , فلما قدمنا مكة صلينا صلاة الظهر بمكة , ثم قام فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة , وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين ملة» , يعني الأهواء , «كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة»، وقال: «إنه سيخرج في أمتي قوم يتجارى بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله»

قال الحاكم:" «هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث".

الدليل 8:  حديث أبي أمامة في دخول الفرق إلى النار دخولا أوليا، ونجاة السواد الأعظم وهم الجماعة: 

قال أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 151 - أخبرنا عيسى بن علي أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا داود بن عمرو: حدثنا أبو شهاب عن زيد بن نافع عن عمرو بن قيس الملائي عن داود بن أبي السليك عن أبي غالب قال: كنت بدمشق زمن عبد الملك فجيء برؤوس الخوارج فنصبت على أعواد , فجئت لأنظر فيها , فإذا أبو أمامة عندها فدنوت فنظرت إليها ثم قال: «كلاب النار» - ثلاث مرات - «شر قتلى تحت أديم السماء , ومن قتلوه خير قتلى تحت أديم السماء» . قالها ثلاث مرات، ثم استبكى فقلت: «يا أبا أمامة ما الذي يبكيك؟» , قال: «كانوا على ديننا» . فذكر ما هم صائرون إليه , فقلت له: " شيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني إذا لجريء - ثلاث مرات - «لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا» - إلى السبع - " لما حدثتكموه , أما تقرأ هذه الآية في آل عمران: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106] إلى آخر الآية , ثم قال: " اختلفت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، واختلفت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، واحدة وسبعون في النار وفرقة واحدة في الجنة , فقال: تختلف هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة , اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة ". قلنا: انعتهم لنا قال: «السواد الأعظم»

ثم قال هبة الله: 152 - أخبرنا محمد بن علي بن النضر قال أخبرنا إسماعيل بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا سليم بن زرير عن أبي غالب عن أبي أمامة وكان يقال له صدي بن عجلان ... سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم» وأهوى بأصبعيه بأذنيه , «لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا» , حتى عد سبع مرار بيده , " لما تكلمت , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين , وأمتي تزيد عليها , كلها في النار إلا السواد الأعظم»

الدليل 9: حديث أبي سعيد في افتراق الصحابة على فرقتين بعد مقتل عثمان وهو محمول على الاختلاف المحتمل: 

رواه الحارث بن أبي أسامة، ثنا هوذة بن خليفة ثنا عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تفترق أمتي فرقتين فيمرق من بينها مارقة تقتلها أولى الطائفتين بالحق»،

هوذة صدوق خاصة في عوف الأعراب، وأصله في الصحيحين، والله أعلم.

المطلب الثاني: الدراسة المتنية:

أخبر هذا الحديث الشريف بوجود التفرق والاختلاف المذموم في هذه الأمة، كما حدث لمن قبلها وزيادة عليها،

وقد اختلف السلف الطيب هل هذا العد للحصر أم للتمثيل، والأصح أنه للحصر وإن جهلنا تعدادها بالضبط، وأما كونها في الواقع أكثر من ذلك، فليس كذلك، لأن الكثير من الفرق ترجع إلى أصل واحد كما أسلفنا، فتكون أصول الفرق من زمن عثمان رضي الله عنه حتى تقوم الساعة، ثلاثة وسبعون فرقة متجددة، أكثرها يندرج في العدد المذكور والله اعلم...

ثم إن هذا الحديث ورد على عدة أوجه:

فأما حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".

فإنه ذكر الافتراق من غير تبيين من هي الفرقة الناجية :

ليبين لنا حديث عوف مسألة نجاة فرقة واحدة وهي الجماعة، مع دخول عامة الفرق إلى النار دخولا أوليا أو أبديا:

فأما البدع الكفرية، فدخولها إلى النار أبدي، وأما البدع المفسقة فدخولها إلى النار أولي،

كما روى أنس وعوف بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده، لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار" قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: "الجماعة"

وقد بُيّنت هذه الجماعة وهم أصحاب محمد عليه السلام:

كما رُويَ عن عبد الله بن عمرو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وأمتي على ثلاث وسبعين ملة , كلها في النار إلا واحدة» . فقالوا: يا رسول الله وما هي؟ قال: «الذي أنا عليه وأصحابي»

وفي القرآن ما يبين ذلك كما أسلفنا، وبالله التوفيق...  

 

                                                 وفي الختام:

أسأل الله العلام أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا، ويرزقنا اجتنابه

                                وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

 

تعليقات

  1. شكرا كثيرا استاذ زماني على ما بذلته في هاذا البحث القيم

    ردحذف

إرسال تعليق

https://draft.blogger.com/blog/posts/3654001511298507959

البرهان في استحباب القراءة الجماعية للقرآن ، تأليف: الطاهر زياني

الشهب في استحباب حمل العصا في الخطب "، تأليف الطاهر زياني

النُّبذة، في أحكام العصائر والأنبذة "، تأليف: الطاهر زياني

البراهين الجِياد، على استحباب التكبير الجماعي أيام العشر والأعياد الطاهر زياني

الفرق بين الندبة المشروعة، والاستغاثة الممنوعة: الطاهر زياني

فتح المجيد في أدلة أقسام التوحيد كتابة: الطاهر زياني

المنار، في زكاة الفطر والمال والدينار، والزروع والثمار، وحسابها بالتدقيق في العصر الحديث الكاتب: الطاهر زياني

جمع الأخبار، في بقاء الجنة وزوال النار

أحكام الأضحية، بالجذعان والماشية . تأليف: الطاهر زياني