علم التفسير وغريب القرآن الكريم وتطوره
علم التفسير وغريب القرآن الكريم وتطوره
إعداد
الأستاذ: أبو عيسى الطاهر زياني
الحمد
لله رب العالمين، منزل الكتاب المبين، رحمة ونورا وبيانا للعالمين، أنزله بالحق
المبين، ووعد بحفظه من دسائس المندسين، وتحريفات المحرفين، فقال جل وعلا: {إِنَّا
نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر 9].
فيسر
حفظه في الصدور، وكتابته في السطور، والرق المنشور، ليبقى خالدا إلى يوم النشور.
ثم
يسر فهم كتابه المتين، ولفظه الحكيم، فمنهم من فسر ألفاظه وجمله، ومنهم من بين
متشابهه ومجمله، ومنهم من قفا إعرابه وغريبه، فأوقف من
شاء على ما شاء من أسراره، وفهم مراده، فسبحان من فهّم وألهم، وحكم فأحكم ، وحلل
وحرم ، وعرف وعلّم، وعلم الإنسانَ ما لم يعلم، فهو الرب الأكرم، وبلغة العرب قد
تكلم، وبهذا القرآن قد علّم، فأنزله مفرقا زمن أفصحهم، متحديا إياهم على
الإتيان بمثله، بلاغة وإعجازا وبيانا، فوقفوا متحيّرين، وردّوه مكابرين أو
مستهزئين، كحال العاجزين،
ومن
هذا المنطلق فقد أحببت جمع بحث يتعلق بفهم غريب كلام الله جل في علاه، وكيفية
استنباط أسراره:
مبتدئا
البحث بتعريفات حول الغريب، مع ذكر أمثلة تطبيقية على بعض قواعد الغريب شرحا
وتدليلا وتطبيقا،
وقد
جنحت في تقسيمه وتقسيم مراحل ظهوره وأمثلته، على حسب أقسام علم التفسير لكونه جزءا
منه، مبتدئا بتفسير الغريب بالمأثور زمن النبي عليه السلام ثم زمن أصحابه
والتابعين، ثم انتقلت إلى المرحلة الثانية وهي التفسير بالرأي والمعقول، مقسما
إياه على النحو التالي:
المقدمة:
الباب
الأول: مفهوم غريب القرآن وبيان أهميته وأسباب ظهوره، ومناهج التأليف فيه:
الفصل
الأول: مفهوم غريب القرآن وأهميته ومناهج التصنيف فيه:.
المبحث الأول: المفهوم اللغوي للغريب:
المبحث
الثاني: الغريب في الاصطلاح، ومعرفة مدلولات الكلمات:
المبحث الثالث: مقياس غرابة الكلمة:
المبحث الرابع: أهمية هذا العلم وأسباب ظهوره:
المبحث الخامس: مناهج التأليف في
غريب القرآن:
المنهج الأول: المنهج المصحفي:
المنهج الثاني: المنهج
المعجمي:
المنهج الثالث: المنهج الموضوعي:
المنهج الرابع: المنهج الجمعي:
المنهج الخامس: المنهج النظمي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب
الثاني: مراحل ظهور علم غريب الحديث وعلاقته بالتفسير، وبيان أقسامه وتدوينه وأبرز
مصادره ومراجعه:
الفصل الأول: أقسام التفسير، وإسقاطها على تقسيم غريب القرآن، وبيان
مراحله:
المبحث الأول: القسم الأول: تفسير غريب القرآن
بالمأثور، وبيان أضربه (في زمن النبي عليه السلام):
المطلب الأول: الضرب الأول:
تفسير غريب القرآن بالقرآنِ، وبيان قِدده:
القِدة
الأولى: تفسير غريب القرآن بآيات أخرى منه:
القدة
الثانية: تفسير قراءة قرآنية بقراءة أخرى، وتوجيه الأحرف السبعة:
الجنس الأول: اختلاف اللغات في اللهجات والنطق:
الجنس الثاني: الاختلاف في الإعراب ـ أي الشكل فقط ـ
:
الصورة الأولى: مع اتحاد المعنى:
الصورة الثانية: مع اختلاف المعنى:
الجنس الثالث: القلب والإبدال في حرف بآخر:
الصورة الأولى: مع اتحاد الصورة والمعنى:
الصورة 2: مع اتحاد الصورة واختلاف المعنى :
الصورة 3: مع الاختلاف في الصورة واتحاد المعنى:
الصورة 4: مع الاختلاف في الصورة والمعنى معا:
الجنس الرابع:
القلب والإبدال في كلمة بأخرى: 1. مع اتحاد المعنى: 2. مع اختلافه
الجنس
الخامس: الاختلاف بالزيادة والنقصان:
الصورة الأولى: الاختلاف بالزيادة والنقصان مع
بقاء المعنى نفسه أو تأكيده أو تقييده:
الصورة الثانية: الاختلاف بالزيادة والنقصان مع الاختلاف في المعنى:
الجنس
السادس: الاختلاف في التصريف:
الصورة الأولى: التغييرات اللفظية وأنواعها:
الصورة الثانية: التغييرات الإدغامية:
الصورة الثالثة: التغييرات التصريفية للأفعال: من
ماض ومضارع وأمر:
الصورة
الرابعة: التغيرات الصرفية بين المصدر واسم الفاعل ونحوها:
الجنس السابع: الاختلاف بالتقديم
والتأخير:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثاني: الضرب الثاني: تفسير غريب القرآن بالسنة
النبوية (في زمن النبي عليه السلام):
الوجه الأول: تفسير غريب القرآن بالسنة الموافقة للقرآن
والمؤكدة لمعانيه:
الوجه الثاني: السنة المبينة لمجمل غريب القرآن والمفسرة
له:
القسم
الأول: المجمل بسب نقل معانيه:
القسم
الثاني: المجمل بسب تعدد معانيه المتدافعة:
الوجه الثالث: تفسير الألفاظ المشتركة من القرآن بالسنة
الذاكرة لبعض أجزاء المشترك:
الوجه الرابع: تفسير القرآن بالسنة المقيدة لألفاظ
القرآن:
الوجه الخامس: تفسير القرآن بالسنة المخصصة لعمومه:
الوجه السادس: تفسير القرآن بالسنة المستقلة أو المضيفة
على القرآن:
الصورة الأولى: إضافة السنة لأحكام ومعاني جديدة على آية
كانت محصورة مخصوصة:
الفرع الأول: أن تكون السنة مضيفة على ما حصره القرآن،
حتى تعممه:
الفرع الثاني: أن تكون السنة مضيفة
لمعنى آخر، عممه القرآن من غير التقيد به أو التخصيص:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثالث: الضرب
الثالث: تفسير غريب القرآن بآثار الصحابة والتابعين (وهو المرحلة الثانية: في
القرن الأول والثاني):
الفرع
الأول: ما ورد من تحذير الصحابة من تفسير القرآن بغير علم:
الفرع الثاني: ما ورد من تفسير
الصحابة والتابعين لغريب القرآن الكريم:
الصنف الأول: ما له حكم المرفوع في الاعتقاد:
الصنف الثاني: ما له حكم المرفوع في أسباب النزول:
الصنف الثالث: تفسير السلف لغريب القرآن وألفاظه:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني: القسم
الثاني: تفسير
غريب القرآن بالرأي والمعقول:
المطلب الأول: مفهومه ومن صنف فيه:
المطلب
الثاني: شرح الصنف الأول: تفسير غريب القرآن بما وافق اللغة العربية:
المطلب
الثالث: شرح الصنف الثاني: تفسير غريب القرآن بما وافق الإعجاز العلمي المبني على
المأثور واللغة والمعقول:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الباب
الأول: مفهوم غريب القرآن وبيان أهميته وأسباب ظهوره، ومناهج التأليف فيه:
الفصل الأول: مفهوم غريب القرآن وأهميته
ومناهج التصنيف فيه:
المبحث الأول: المفهوم اللغوي للغريب:
لهذه
المادة (غ ر ب) معاني كثيرة جدا في قواميس اللغة، نكتفي منها بما له علاقة بهذا
العلم:
وهو
البعد والانقطاع والمجانبة،
والشيء
الغريب هو الغير مألوف.. والغريب المدهش.. والشخص الغريب المنقطع عن أهله.
قال الإمام أبو سليمان الخطابي في شرح معنى الغريب
واشتقاقه:" أن الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كالغريب من
الناس ".
ومن
مرادفاته ما يلي:
النزيع:
لما خرجه أحمد (1/398) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء"، قيل:
ومن الغرباء؟ قال: النُّزَّاع من القبائل ".
قال
في غريب الحديث (1/175) :" النزاع جمع نزيع وهو الغريب الذي قد نزع من أهله
وعشيرته ".
قال
الهروي: أراد بذلك المهاجرين الذين هجروا أوطانهم إلى الله، وسمى الغريب نازعاً
ونزيعاً لأنه نزع عن أهله وعشيرته وبَعُدَ عن ذلك ".
ومنها
الشطير: قال ابن الأثير في تفسير الشطير (3/!56):" لشَّطِير: وسمي شطيرًا
لبعده عن أهله, يقال: مكان شطير: أي بعيد، يريد إذا كان معه أجنبي جازت شهادته
".
وذلك
في أثر قتادة في شهادة الأخ قال: "إذا كان معه شَطِيرٌ جازت
شَهَادَتُهُ"
.
ومنها : الغامض: كما قال أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي البصري
في كتاب العين (4/411) :" الغَريبُ: الغامض من الكلام، وغربت الكلمة غرابة،
وصاحبه مُغْرِبٌ. والغاربُ أعلى الموج، وأعلى الظهر ...".
. ومنها: الغريب
المتواري عن النظر بعدا: كما قال أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي في المصباح المنير
في غريب الشرح الكبير (230) (غ ر ب) :" غَرَبَتِ الشمس تغرب
"غُرُوبًا": بعُدت وتوارت في مغيبها، و"غَرُبَ" الشخص بالضم
"غَرَابَةً" بعد عن وطنه فهو "غَرِيبٌ" فعيل بمعنى فاعل وجمعه
"غُرَبَاءُ"، و"غَرَّبْتُهُ" أنا "تَغْرِيبًا"
"فَتَغَرَّبَ"، و"اغْتَرَبَ"، و"غَرَّبَ" بنفسه
"تَغْرِيبًا" أيضا، و"أَغْرَبَ" بالألف: دخل في
"الغُرْبَةِ" مثل أنجد إذا دخل نجدا، و"أَغْرَبَ" جاء بشيء
"غَرِيبٍ"، وكلام "غَرِيبٌ" بعيد من الفهم،
و"الغَرْبُ" مثل فَلْس: الدلو العظيمة يستقى بها على المانية،
و"الغَرْبُ" المَغرِبُ، و"المَغْرِبُ" بكسر الراء على الأكثر
وبفتحها والنسبة إليه "مَغْرِبِيٌّ" بالوجهين، و"الغَرْبُ"
الحدة من كلّ شيء نحو الفأس والسكين حتى قيل اقطع "غَرْبَ" لسانه أي
حدته..".
.
والتغريب: النفي لمكان بعيد. قال ناصر بن عبد السيد المطرزي في المغرب في ترتيب
المعرب :" ( وَيُقَالُ) غَرَّبَهُ إذَا أَبْعَدَهُ (وَمِنْهُ ):" جَلْدُ
مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ"، ( وَغَرُبَ بِنَفْسِهِ ) بَعُدَ ( وَمِنْهُ )
هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ عَلَى الْإِضَافَةِ وَهُوَ الَّذِي جَاءَ مِنْ
بَعِيدٍ ".
.
والغربة والاغتراب: هي الانقطاع عن الأهل في مكان بعيد،
قال
الجوهري: "الغربة: الاغتراب، تقول فيه: غرب، واغترب بمعنى، فهو: غريب...
والغرباء: الأباعد" ،
وقال
ابن منظور: "الغرب: الذهاب والتنحي عن الناس" .
وقال
زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر في مختار الصحاح (225) :"
(الْغُرْبَةُ الِاغْتِرَابُ) تَقُولُ: (تَغَرَّبَ) وَ (اغْتَرَبَ) بِمَعْنًى
فَهُوَ (غَرِيبٌ) وَ (غُرُبٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَالْجَمْعُ (الْغُرَبَاءُ)،
وَالْغُرَبَاءُ أَيْضًا الْأَبَاعِدُ. وَ(اغْتَرَبَ) فُلَانٌ إِذَا تَزَوَّجَ
إِلَى غَيْرِ أَقَارِبِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «اغْتَرِبُوا لَا تُضْوُوا»
وَتَفْسِيرُهُ مَذْكُورٌ فِي [ض و ى] وَ (التَّغْرِيبُ) النَّفْيُ عَنِ الْبَلَدِ.
وَ (أَغْرَبَ) جَاءَ بِشَيْءٍ غَرِيبٍ. وَأَغْرَبَ أَيْضًا صَارَ غَرِيبًا.
وَأَسْوَدُ (غِرْبِيبٌ) بِوَزْنِ قِنْدِيلٍ أَيْ شَدِيدُ السَّوَادِ. فَإِذَا
قُلْتَ: (غَرَابِيبُ) سُودٍ كَانَ السُّودُ بَدَلًا مِنْ غَرَابِيبَ لِأَنَّ
تَوْكِيدَ الْأَلْوَانِ لَا يَتَقَدَّمُ. وَ (الْغَرْبُ) وَ (الْمَغْرِبُ)
وَاحِدٌ. وَ (غَرَبَ) بَعُدَ. يُقَالُ: (اغْرُبْ) عَنِّي أَيْ تَبَاعَدْ. وَ
(غَرَبَتِ) الشَّمْسُ وَبَابُهُمَا دَخَلَ. وَ (الْغَرْبُ) بِوَزْنِ الضَّرْبِ
الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ. وَ (غَرْبُ) كُلِّ شَيْءٍ أَيْضًا حَدُّهُ. وَ
(الْغَارِبُ) مَا بَيْنَ السَّنَامِ إِلَى الْعُنُقِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ:
حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ: أَيِ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْتِ. وَأَصْلُهُ أَنَّ
النَّاقَةَ إِذَا رَعَتْ وَعَلَيْهَا الْخِطَامُ أُلْقِي عَلَى غَارِبِهَا
لِأَنَّهَا إِذَا رَأَتْهُ لَمْ يَهْنِئْهَا شَيْءٌ .
المبحث
الثاني: الغريب في الاصطلاح، ومعرفة مدلولات الكلمات:
يختلف الغريب باختلاف
العلم الذي يُدرَسُ فيه، فلأهل الحديث الغرابة في السند والمتن، ولأهل اللغة
الغرابة في اللغة والشعر،
وأما غريب القرآن: فهو
تتبع الكلمات الغامضة البعيدة الفهم عن عموم الناس، لأجل شرحها بشواهدها، لتيسير
معناها .
قال أبو سليمان محمد بن محمد
الخطابي في شرح معنى الغريب واشتقاقه أن الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد
من الفهم كالغريب من الناس،
وقال: إن الغريب من الكلام يستعمل
على وجهين:
أحدهما أن يراد أنه بعيد المعنى
غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر،
والوجه الاخر أن يراد به كلام من
بعدت به الدار ونأى به المحلل من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت الكلمة من لغاتهم
استغربناها "
نقله عنه محقق غريب الحديث من
كتاب غريب الحديث لابي سليمان الخطابي مخطوطة الجامعة العثمانية.
قال الزركشي في البرهان (291) :" النوع الثامن عشر معرفة غريبة وهو معرفة
المدلول ".
وقال أبو حيان الأندلسي: " ألفاظ القرآن الكريم ليست على درجة واحدة من
حيث وضوح المعنى، قال أبو حيان: «لغاتُ القرآن العزيز على قسمين: قسمٍ يكادُ يشترك
في فَهْمِ معناهُ عامَّةُ المستعربة وخاصتهم، كمدلول السماء والأرض، وفوق وتحت.
وقسمٍ يَختصُّ بمعرفته مَنْ له اطلاعٌ وتبحرٌ في اللغة العربية، وهو الذي صنَّفَ
أكثرُ الناس فيه، وسَمَّوهُ غريبَ القرآن» (تحفة الأريب 27.)"
وقد ذكر في علم غريب القرآن (ص22) عدة تعاريف ثم جنح
إلى تقسيم التعريف بين تعريف غريب القرآن، وعلم غريب القرآن فقال:
:" غريب القرآن هو الكلمات التي قد يصعب فهمها
من كلام الله جل وعلا"
وعلم غريب القرآن: هو بيان مدلول
الكلمات القرآنية التي قد يصعب فهمها مع ذكر كيفية الدلالة عليه أحيانا ".
المبحث الثالث: مقياس غرابة الكلمة:
تنقسم
كلمات القرآن إلى مشهورة المعنى عند العامة كدلالة السماء والأرض والكواكب والنجوم
والشمس والأنعام ونحوها على مسمياتها.
وأخرى
غريبة: يختص بمعرفتها من له اطلاع بالشرع واللغة ونحوهما.
ويختلف
ذلك باختلاف الزمان والمكان والأشخاص، فرب كلمة مشهورة في مكان أو زمان أو عند
أشخاص هي غريبة عند غيرهم.
وفي
هذا قال الشافعي رحمه الله في أحكام القرآن (1/23):" «وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ:
إنَّ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ لِسَانِ الْعَرَبِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ خَاصًّا يَجْهَلُهُ بَعْضُ
الْعَرَبِ. وَلِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ مَذْهَبًا، وَأَكْثَرُهَا
أَلْفَاظًا، وَلَا يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلْمِهِ إنْسَانٌ غَيْرُ نَبِيٍّ.
وَلَكِنَّهُ لَا يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ،
كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ الْفِقْهِ: لَا نَعْلَمُ رَجُلًا
جَمَعَهَا فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا جُمِعَ عِلْمُ
عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا أُتِيَ عَلَى السُّنَنِ.
وَاَلَّذِي يَنْطِقُ الْعَجَمَ بِالشَّيْءِ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ،
فَلَا يُنْكَرُ- إذَا كَانَ اللَّفْظُ قِيلَ تَعَلُّمًا، أَوْ نُطِقَ بِهِ
مَوْضُوعًا- أَنْ يُوَافِقَ لِسَانَ الْعَجَمِ أَوْ بَعْضَهُ، قَلِيلٌ مِنْ
لِسَانِ الْعَرَبِ» . فَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ"
المبحث الرابع: أهمية هذا العلم وأسباب ظهوره:
لهذا العلم أهمية كبيرة وآثار إيجابية
على جميع المجالات الدنيوية والأخروية:
الأسباب الدينية:
.
نزول القرآن على سبعة أحرف ولهجات من لهجات العرب، فرب كلمة مفهومة في لهجة قوم،
غريبة في لهجة آخرين.
وبالتالي
تكمن الأهمية في الإحاطة بمعاني كلام الله وأحرفه، والتدبر في آياته، ولذلك كان
الصحابة رغم سعة فهمهم بلغة العرب يسألون النبي عليه السلام عن الكثير من
الآيات.
.
توسيع المعاني اللغوية للقرآن الكريم وضبطها، لتسهيل استنباط حِكمه وأحكامه
ومعانيه.
.
فهم القرآن الكريم فهما حسنا، يؤدي إلى حسن تدبره.
.
تجنب الخوض في كلام الله تعالى بالتخرص والظنون.
الأسباب اللغوية:
تعدد
مدلولات كلمات القرآن، وتنوع معناها على حسب السياق الواردة فيه.
وجود
الإجمال والتشابه والغريب في كلام الله تعالى.
تنوع
دلالات الألفاظ بين العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والاشتراك والمنطوق والظاهر
والمفهوم ونحو ذلك.
اختلاف
الشكل والإعراب يؤدي إلى تغير المعنى وغرابته، فلا بد من ضبط ذلك.
الأسباب التاريخية والاجتماعية:
اتساع
الخلافة الإسلامية أدى إلى دخول العجم في دين الله تعالى، وبالتالي دخول العجمة
على اللغة العربية، عن طريق امتزاج الحضارات والمجتمعات والألسن مما أدى إلى صعوبة
فهم معاني كلام الله ورسوبه، مما جعل العلماء يصرفون عنايتهم إلى شرح صعاب هذا
العلم.
المبحث الخامس: مناهج
التأليف في غريب القرآن:
المنهج
الأول: المنهج المصحفي:
وهو تتبع كلمات غريب القرآت مرتبة على ترتيب المصحف
الشريف، كما هو الشأن في علم التفسير، مما يسهل الوصول إلى المعلومة، ومعرفة
مكانها.
وذلك ككتاب مجاز لقرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى،
وغريب القرآن لابن قتيبة ومكي بن أبي طالب وابن الملقن.
المنهج الثاني: المنهج
المعجمي:
وهو تتبع كلمات غريب القرآن مرتبة على حروف المعجم،
كما هو الشأن في كتب المعاجم اللغوية ونحوها.
ثم منهم من يرتب الكلمات بعد تجريدها من الزوائد
ككتاب مفردات القرآن للراغب الاصبهاني.
ومنهم من يرتبها كما هي من غير تجريد ككتاب نزهة
القلوب للعزيزي.
ومنهم من يرتبها على حسب الحرف الأخير كغريب القرآن
للرازي.
المنهج الثالث: المنهج
الموضوعي:
هو جمع كلمات القرآن التي تتحدث عن نفس المعنى
والموضوع في مكان واحد، من أجل المقارنة بينها ومعرفة مدلولاتها.
مثل كتاب الأسماء والصفات لابن قتيبة ومعجم أعلام
القرآن للتونجي.
هو الجمع بين غريب القرآن والحديث، أو بين عدة كتب من
كتب غريب القرآن الكريم مثل كتاب الغريبين للهروي، وكتاب غريب القرآن والحديث لابن
الخراط.
المنهج الخامس: المنهج
النظمي :
هو كتابة ألفاظ الغريب منظومة في أبيات حسب الأوزان
الشعرية
مثل أرجوزة غريب القرآن للهوزني، والألفية في غريب
القرآن للعراقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لهذا العلم علاقة وطيدة بعلوم التفسير، فهو جزء
لا ينفك عنها، إذ يختص بالكلمات المستغربة في كتاب الله تعالى.
وإذ من المعلوم أن التفسير ينقسم إلى تفسير
بالمأثور وبالمنقول وبهما معا:
الفصل الأول: أقسام التفسير، وإسقاطها على تقسيم غريب القرآن، وبيان
مراحل:
أما التفسير في اللغة: فهو الكشف والبيان والإيضاح، وأما التأويل فمن الأول
والمآل وهو العاقبة والمصير،
وأما اصطلاحا: فهو فن يعرف به معاني كلام
الله تعالى واستخراج حكمه وأحكامه، بناء على تلك الأصول والقواعد".
ويفترق التفسير عن التأويل: في اختصاص
التفسير بالمأثور المنقول، والتأويل بالرأي والمعقول.
وأما علم الغريب فهو جزء من هذا العلم
الجليل، لا ينفك عنه.
وبناء عليه، فما يقال من تقسيم للتفسير يقال
نفسه عن علم الغريب، فهو ينقسم إلى تفسير بالمأثور وبالمنقول وبهما معا:
المبحث الأول: القسم الأول: تفسير غريب القرآن
بالمأثور، وبيان أضربه (في زمن النبي عليه السلام):
هو شرح كلام الله تعالى عن طريق الرواية
والنقل والسماع.
وقبل التطرق إلى
التفاصيل لا بد من معرفة أسباب دخول الغرابة في كلام الله تعالى، وهي غالبا تعود
إلى ثلاثة أسباب:
أولاها: كون نفس
القرآن هو كلام الله تعالى المعجز الذي تحدى به أفصح العرب، فوقفوا عاجزين، وعن
مجاراته خائبين..
والثاني: هو نقل
الشارع للعديد من الكلمات من المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي، وذلك كنقله {أقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة} إلى المعاني الشرعية المعروفة.
أو نقله الألفاظ
الدنيوية إلى المعاني الأخروية، ذلك أن نعيم الآخرة أو عذابها، وإن اشترك في أصل
المعنى، فإنه يختلف في حقيقته، فالفاكهة الموصوفة في الجنة، تشترك مع الموجودة في
الدنيا في أصل المعنى والشكل، لكن حقيقة اللذة والوصف، لا يخطر على بال بشر، وهكذا
ما ورد من عذاب ونحو ذلك ...
والثالث: دخول العجَم
والعُجمة على اللغة العربية، وهذا ما دفع المسلمين إلى محاولة تقريب معاني كلام
الله لعموم المسلمين، مبتدئين بتفسير كلام الله بعضه ببعض، ثم بكلام رسوله ثم
بآثار السلف الطيب، ومن ههنا نستنتج بأن التفسير بالمأثور على اضرب ثلاثة:
المطلب
الأول: الضرب الأول: تفسير غريب القرآن بالقرآنِ، وبيان
قِدده:
أشرف التفاسير هو
تفسير كلام الله تعالى بكلامه نفسه. لكن لماذا؟
والجواب: لأن الله أعلم بمراده،
فما أُجْمِلَ فيه أو أُطلق في مكَانٍ أو قراءة، فهو مبسوط في مَوْضِعٍ آخرَ،
ومن ههنا نستنتج بأنه ينقسم إلى ضربيْن:
إما تفسير آية بآية
أخرى، أو تفسير قراءة بقراءة أخرى لتلك الآية.
القِدة الأولى: تفسير
غريب القرآن بآيات أخرى منه:
مثال ذلك قوله تعالى:{
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ} فإنه لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذِهِ
الْكَلِمَات، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهَا فِي سُورَة الْأَعْرَاف بِقَوْلِه:{ قَالَا
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }،
ومن ذلك: لو تأملت مثلا في قوله تعالى {
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)}[الصافات] لوجدت فيه كلمتان
غريبتان: الشوب والحميم.
فأما الشّوب فهو الخلط
والمزج بين أمرين لغة، لكن ما المراد بهما في الآية؟
والجواب: أن الله تعالى بين بأن
الشوب هنا: هو الجمع بين الأكل من شجرة الزقوم حتى يغصون، كما قال تعالى {وطعاما
ذا غصة}، ثم يضطرون إلى الشرب من الحميم، شرب الهيم، لأجل دفع الغصة، كما قال
تعالى: { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا
الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
}[الواقعة]
ثم تأملنا في لفظة
الحميم نفسها في مختلف آي القرآن الأخرى، فوجدنا بأنها تطلق على أمرين:
أحدهما: الصديق الحميم وهو
القريب المشفق، كما في قوله تعالى :{ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا
صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)}[الشعراء]، وهذا المعنى غير مراد هنا.
والثاني: هو المراد من الآية، وهو الماء
الساخن، ومنه سمي الحمام حماما لسخونة مائه، فهذه السخونة تطاق في الدنيا، لكن
الشريعة نقلت الحميم من هذا المعنى الداخل تحت الطاقة والتحمل، إلى الماء الجهنمي الذي انتهى حره بحيث لا يُطاق الذي جعله الله تعالى
نزلا للمشركين، لصهره للأمعاء شربا، وصهره للجلود صبا،
قال تعالى :{
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ
حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) }[الواقعة]
ثم فسر الله تعالى هذا النزل
والضيافة السيئة، بالشراب منه، وكذلك الصب عليهم منه:
فقال تعالى في شأن الشراب منه:{
لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}[الأنعام] [يونس 4]
ثم فسره بأن هذا الشراب يغلي في
البطن حتى يقطع الأمعاء، كما في قوله {
وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} [محمد]
وقوله: {
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)}[]
وأما الصب فقد قال تعالى فيه: {
فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ
رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)}[الحج]
القدة الثانية: تفسير قراءة قرآنية بقراءة أخرى، وتوجيه
الأحرف السبعة:
أنزل الله تعالى القرآن
الكريم على سبعة أحرف: تخفيفا على أمته في النطق والفهم، وهذا الاختلاف التنوعي
يؤدي إلى الاختلاف في المعنى، أو توسيعه، أو تفسير لفظ بأخر، أو تخصيص قراءة
بقراءة، أو تقييدا بها، وقد يكون الاختلاف للتيسير في النطق فقط دون تغيير كبير في
المعنى، وكل واحدة من هذه الأوجه إنما هو تعبير عن حرف من أحرف القرآن السبعة وإليك
التمثيل:
الجنس الأول: اختلاف اللغات في اللهجات والنطق:
وهذا لا أثر له في علم
التفسير، ولا في المعاني، إلا في باب الوصل والوقف، وإنما سبب تنزيله هو تسهيل
الله تعالى على عباده في النطق بأحرف القرآن الكريم، كل على حسب لهجته، من فتحٍ
وإمالة، وترقيق وتفخيم، وتحقيق وتسهيل، وإدغام وإظهار، ومد وقصر ونحو ذلك
وهذا النوع لا يؤثر على
المعنى البتة أبدا، إلا باب الوقف والسكت، فلو وقفت على آية، فإنك تبين نهاية
الجملة السابقة والعطف عليها أو التبع لها، ثم تشرع في تلاوة الآية التي بعدها
بمعنى مستقل كقوله تعالى { وَمَا يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ . يَقُولُونَ آمَنَّا
بِهِ
...} تكثيرا للمعاني وتنويعا لها.
وأما الباقي فلا يتغير
المعنى:
مثل قوله تعالى:{والضحى}
بالفتح والإمالة...
وقوله: {تكبيرا}ْ
بالتفخيم أو الترقيق.
وقوله: {سأَلَ } بتحقيق
الهمزة، أو بإبدالها ألفا: {سَالَ }....
الجنس الثاني: الاختلاف في الإعراب ـ أي الشكل فقط ـ
:
وهذا الجنس له صورتان:
فإما أن يتحد المعنى به، أو يختلف:
الصورة الأولى: مع اتحاد المعنى:
فإذا كان اختلاف الشكل في
أثناء الكلمة، فلا يغير لا المعنى ولا الإعراب، مثل قوله تعالى: {
فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }[البقرة ] بنصب السين، وبضمها (ميسُرة).
وأما إذا كان الاختلاف في
آخر الكلمة، فإنه لا يغير المعنى غالبا، لكن يغير الإعراب،
كقوله تعالى في قصة لوط: {
هؤلاء بناتي هن أطهرُ لكم} [هود 78] بضم الراء على أنه خبر، وبفتح الراء شذوذا: (أطهرَ) حال لفعل مقدر
محذوف، أو حال من اسم الإشارة, والمعنى في الجميع أن بنات لوط عليه السلام كلهن
طاهرات عفيفات.
الصورة الثانية: مع اختلاف المعنى:
لا بد من التنويه على أنه
لا يوجد في القرآن الكريم اختلاف تضاد، إنما كل ما فيه هو اختلاف تنوع لتكثير
المعاني وزيادتها باللفظ الواحد، خاصة المقروء بوجهين، فإنه يحمل على جميع معانيه
وأشملها ما لم تكن متدافعة،
فأما إذا كانت المعاني
تبدو متدافعة، فإننا نعمل في كل قراءة بوجه من الوجوه، فنحمل هذه القراءة على صورة
معينة، وتلك على صورة أخرى، لا أن نحمل قراءة على قراءة فنقيدها بها، لأن هذا
تعطيل لأحد القراءتين، لأن الأصل هو شمولية كلام الله تعالى، وكثرة معانيه كما
يستبين ذلك في أنواع الاختلاف التالية، ومنها هذا الجنس المتعلق بالاختلاف في
الشكل..
أ: فمن أمثلة حمل اللفظ
على توسيع المعاني والجمع بينها: قوله تعالى :{
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ .... وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَـِـكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ }[المائدة 6] وردت بنصب اللام وجرها، ولكل منهما توجيهاته اللغوية
والفقهية.
فمن قرأ بنصب اللام
[أرجلَكم] فإنما هو عطف على "وجوهَكم "، والعامل فيه هو فعل الأمر
"اعسلوا"، فيكون المراد هو الأمر بغسل الرجلين.
وهي قراءة نافع وابن عامر
وعاصم .
قال أشهب: سئل مالك عن الآية، أهي:"
أرجلَكم" أو"أرجلِكم"؟ فقال: إنما هو الغسل وليس بالمسح، لا تُمْسح
الأرجل، إنما تُغسل. قيل له: أفرأيت من مسح أيحزيه ذلك؟ قال: لا ".
قال الطبري:" وتأول قارئو
ذلك كذلك، أن الله جل ثناؤه: إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها"
وأما من قرأ بكسر اللام {أرجلِكم}،
إنما هو عطف على "برؤوسِكم" والعامل فيه هو فعل الأمر "
امسحوا"، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وشعبة عن عاصم.
وقد اختلف المحتجون
بقراءة الكسر في تأويل الآية:
. فذهبت طائفة إلى أن المسح
على الرجلين مباشرة، إنما يكون لمن أراد تجديد الوضوء عند كل صلاة فقط، بمعنى أنه
كان متوضئا من قبل، ثم جدد وضوءه فقط، فإنه يمسح على رجليه مسحا.
روى
الطبري عن النزال، قال، رأيت عليًّا صلى الظهر ثم قعد للناس في الرَّحْبة، ثم
أتِيَ بماء فغسل وجهه ويديه، ثم مَسَح برأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدِث
".
. وجنح آخرون إلى المسح على
الأرجل مطلقا، أو غسلها، قال الطبري:" وتأول قارئو ذلك كذلك: أنّ الله إنما
أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وجعلوا "الأرجل" عطفا
على" الرأس"، فخفضوها لذلك".
وكان أنس إذا مسح قدميه بلَّهما،
وقال: نزل القرآن بالمسح، والسنة الغسلُ.
وقد رجح الطبري هذا القول
فقال:" والصواب من القول عندنا في ذلك، أن الله عزّ ذِكْرُهُ أمر بعموم مسح
الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم. وإذا فعل
ذلك بهما المتوضئ، كان مستحقًّا اسم "ماسحٍ غاسلٍ"،
لأن"غسلهما" إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء.
و"مسحهما"، إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما. فإذا فعل ذلك بهما
فاعل فهو"غاسل ماسح".
ورجح قوله بأن العطف إنما يكون
على أقرب مذكور وهو المسح.
.
وجمع آخرون بين القولين فقالوا:
من
لبس نعليه أو خفيه على طهارة فليمسح على نعليه، حتى تنتهي المدة المؤقتة بيوم
للمقيم وثلاث للمسافر،
فإذا
انتهت المدة فيتعين عليه حينئذ الغسل.
وكذلك
من لبسهما على غير طهارة ففرضه غسل رجليه.
وإنما
قال الله {وامسحوا ... وأرجلِكم} والمراد بها النعل الذي على الأرجل، من باب إطلاق
الحال على المحل، أو العكس، كما في قوله تعالى {واسأل القرية} والمراد أهلها.
ولذلك
ورد الحديث بلفظين:
عن
حذيفة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سُبَاطة قوم فبال عليها قائما، ثم
دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه"
وروى
أوس بن أبي أوس قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سُبَاطة قوم،
فتوضأ ومسح على قدميه".
فالمراد بالقدم هو النعل
والخف وما يلبس على الأرجل، وهؤلاء هم أسعد الناس بالقراءتين، لما فيهما من توسيع
المعاني كما بينا، لا تقييد أحد القراءتين بالأخرى، وبالله التوفيق.
ب: ومن أمثلة تغير الحركة لأجل توسيع المعنى وتنويعه
وحمله على الجميع: قوله تعالى: { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا }[طه15] وردت بضم المهزة وفتحها.
فأما بالضم
"أُخفيها": فهي مشتقة من الفعل الثلاثي: خفِي يُخفي بالضم: بمعنى سرّ
واستتر واندس، تقول: أنا أُخفي بالضم أي أستر وأسر السر،
ومنه قراءة الضم في قوله
{أكاد أُخفيها } أي أسترها عن نفسي، مبالغة في إخفائها.
وعلى قراءة النصب: فقد
دخلت عليها همزة السلب فصارت من الرباعي" أَخفَى ، يَخفي " بالفتح،
فانقل المعنى من أسرّ إلى: أظهر، من الظهور.
قال الطبري:" قال
آخرون: إنما هو:( أكادُ أَخْفِيها) بفتح الألف من أخفيها بمعنى: أظهرها ".
وهذا كقوله تعالى
:{وأسروا الندامة} قيل أخفوها، وقيل أظهروها لأنه يوم إظهار للسرائر، وأن الآيات
أخبرت بإعلانهم الندم ...{يا ليتني...}
والمعنى هنا المبالغة في
الحديث عنها وعن علاماتها حتى إنه تعالى يكاد يطرها للناس من كثرة تبيين علاماتها
لهم، والحديث عنها.
وكلا المعنيين صحيح أتت
بهما الآية، فلا معنى للترجيح أو حمل قراءة على قراءة أخرى، فالله تعالى من شدة
المبالغة في إخفاء الساعة قال : أُخفيها" بالضم.
ومن كثيرة الحديث عنها
حتى يكاد يظهرها فقال {أَخفيها} بالنصب.
. ومن ذلك قوله تعالى ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج: 15]، قرئ برفع "الْمَجِيدُ"
عطفا على ذو وهو الله، أو بالكسر صفة للعرش.
ج. ومن أمثلة حمل القراءتين على المعنى الأشمل: لما فيه من إعمالهما
معا: قوله تعالى :{ولا تقربوهن حتى يطهرن} وردت بالشدة من فعل المرأة، وبلا شد من
فعل الرب.
فقرأ حمزة والكسائي وخلف
وشعبة {يطّهّرن} بالتشديد فيهما، أي أن فعل التطهّر صادر من المرأة وهو الاغتسال،
ومن المعلوم أنها لا تغتسل إلا بعد أن تطهر من الله تعالى، فيكون هذا التطهر
والاغتسال هو المعنى الأشمل بين القراءتين، ثم يتم الاقتراب منهن كما هو مذهب
الجمهور.
قالوا: فتكون الآية
بعدها: {فإذا تطهرن فاتوهن} إنما تكون مؤكدة للشرط السابق.
وقرأ الباقي {يطْهُرن} أي
من فعل ربهن بهن، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها، وبالتالي إذا ذهب عنهن الدم حل
غشياهن كما هو قول الحنفية.
لكن هذه القراءة اشترطت
انقطاع الدم، والثانية اشترطت التطهر، وهو الأشمل، لما فيه من إضافة شرطين في
الذكر، وهو الصحيح.
بخلاف الحنفية الحاملين
لتقييد أحد القراءتين بالأخرى، فإن التقييد بها إبطال لما سواها... زالجمع على
المعنى الأشمل أو المضيف أولى من تقييد قراءة بقراءة..
. ومن ذلك كذلك قراءة
{فلا رفثَ ولا فسوق ولا جدال} بالنصب في الجميع، أو الضم المنون في الأوليين،
للاختلاف بين نفي الجنس والوحدة.
فالقراءة الأولى بنصب
الجميع، محمولة على نفي الجنس المقتضي عموم النفي لكل أنواع الرفث والفسوق
والجدال، وهي من النفي بمعنى النهي، أو الأسلوب الخبري المراد به الإنشاء،
وبالتالي لا يفيد الفساد، بل من ارتكب فيه هذه المحظرات فعليه كفارة هدي...
وأما بالضم: فالنفي
للوحدة، وهو نفي فسوق خاص ورفث خاص، وهو المنفي المبطل للحج مما كان أهل الجاهلية
يفعلونه من إلمام بالنساء وشرك بالله....
فأنت ترى بأننا قد حملنا
كل قراءة على معنى معين...
الجنس الثالث: القلب والإبدال في حرف بآخر:
|
|
|
|
الصورة الأولى: مع اتحاد الصورة والمعنى:
مثل قوله تعالى :{
وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة259]
قرأ نافع وأبو جعفر وابن
كثير وأبو عمرو ويعقوب بالراء من النشوز. بمعنى نعلوها ونركبها بعد موتها.
وقرأ الباقون بالراء، من
النشور وهو البعث بعد الموت.
ومن ذلك كذلك قراءة
الغائب والمخاطب في الكثير من الآيات كقوله تعالى {ومن يقنت} و {من تقنت}
[الأحزاب] {والذين يدعون}{تدعون} ... فإنها لا تغير المعنى، بل تزيده بديعا وجمالا
وإثراء لغويا فقط، وأما المعنى فهو نفسه.
الصورة 2: مع اتحاد الصورة واختلاف المعنى :
لا يوجد في القرآن الكريم
اختلاف تضاد، إنما كل ما فيه هو اختلاف تنوع لتكثير المعاني وزيادتها باللفظ
الواحد، خاصة المقروء بوجهين، فإنه يحمل على جميع معانيه ما لم تكن متدافعة، كما
أسلفنا:
ففي قوله تعالى :{ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ}[يونس]
قرأ حمزة والكسائي وخلف
{تتْلو} بالتاء، وقرأ الباقون بالباء.
فأما قراءة التاء {تتلو}
أي كل نفس تعاين وتقرأ كتابها، كما فسرت ذلك آيات أخرى.
ومن قرأ بالباء: {تبلو}
بمعنى: تمتحن أو تُخبر من الإخبار، حيث يخرج الله لكل نفس كتابا تلقاه منشورا،
فيخبرها بما فعلت حتى تمر ببلاء عصيب، وليس هذا البلاء من باب الامتحان والاختبار
في الآخرة، إنما هو عذاب ومشقة الحساب.
فهل يا ترى نحمل آية على
آية؟ أم نعمل بالجميع على عدة أوجه كما أسلفنا وهو الصحيح.
الصورة 3: مع الاختلاف في الصورة واتحاد المعنى:
كتب الصحابة في عهد
عثمان رضي الله عنه، عدة مصاحف تشتمل على أحرف القرآن، بحيث إذا كانت صورة الرسم
لا تشتمل على القراآت، فإنهم يكتبونها مرة بككلمة، ومرة أخرى بكلمة أخر
وهكذا...
وذلك كقوله تعالى : :{ بصطة} (بسطة)
وبالزي إشماما، لأن حروف الصفير تنناوب.
ومن ذلك قوله تعالى
:{الصراط} و (السراط} والزراط إشماما
الصورة 4: مع الاختلاف في الصورة والمعنى معا:
وذلك كقراءة العامة {وطلح منضود} [الواقعة 29]، والطلح هو الموز.
بينما قرأ عليٌ شذوذا: {طلع منضود} من طلع النخيل، واستدل لها بقوله
تعالى { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ
لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق10]
وأقرب ما وجدت لها من
المتواتر: قوله تعالى :{ كَانُوا
هُمْ أَشَدَّ
مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ}[غافر21]
قرأ ابن عامر بضمير المخاطب
على الالتفات {منكم}
وقرأ الباقون بضمير الغائب
{منهم}
مع أن الاختلاف بين
المخاطب والغائب لا يوجد له تأثير كبير على المعنى والله أعلم..
الجنس الرابع: القلب والإبدال في كلمة بأخرى: فيه صورتان:
1. مع اتحاد المعنى: وهذه تكون من باب تفسير قراءة بقراءة أخرى كما بينا:
مثل قوله
تعالى :
{إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا 94} وفي الحجرات.
قرأ حمزة والكسائي " فتثبتوا"
وقرأ الباقون " فتبينوا "
فالتبين هو النظر والكشف، والتثبت هو
التروي حتى كشف الأمر، وكلاهما يؤديان نفس الدور والمعنى في الأخير.
ومما
ورد في القراآت الشاذة: {إن كانت إلا (زقية واحدة )} فهي لفظة غريبة مفسرة
بالقراءة المتواترة {إلا صيحة واحدة}
ومن ذلك قوله تعالى { وَتَكُونُ
الجبال كالعهن المنفوش } كلمة غريبة فسرتها قراءة ابن مسعود:{ كالصوف المنفوش }.
وقد
وردت بعض الأدلة بجواز إبدال بعض أسماء الله ببعض، وأن ذلك كان توقيفيا في أحرف
سابقة.
ولذلك
اختلف السلف فيها:
فمذهب
الجمهور أنها قراآت منسوخة اللفظ.
وذهب
جماعة إلى الاستدلال بها على مسألتين:
1:
أن للقارئ أن يبدل ويجمع بين هذه القراءات الثابتة تيسيرا عليه، فيجمع في نفس
التلاوة بين قراءة هذا وذاك،
2:
واستدل بها آخرون على جواز القراءة بها عند الضرورة واختلاط الآيات عليه عند
القراءة مشافهة، فبدل أن يسكت أو يتوقف، له أن يقرأ بإبدال أسامي الله ما لم يحل
المعنى من رحمة إلى عذاب أو العكس... وذلك كقوله :{غفور رحيم} {عفو غفور} / {عزيز
حكيم} ... ونحوها،
فمنع
من ذلك عامة أهل العلم والقراء، وجعلوا هذا التبديل من قبيل الأحرف المنسوخة
بالعرضة الأخيرة.
وأجاز
ذلك آخرون: وجعلوه من باب الضرورة، لا أنه من القرآن، وهو نص عنهم فلا معنى لتأويل
كلامهم بالتكلف.
الصورة
2: مع اختلاف المعنى... ولا يحضرني فيه مثال صريح...
الجنس الخامس: الاختلاف بالزيادة والنقصان:
وهذا الجنس هو الذي جعل الصحابة يكتبون عدة مصاحف، حتى تشتمل
على هذه الأحرف والقراآت جميعا.
الصورة الأولى: الاختلاف بالزيادة والنقصان مع بقاء
المعنى نفسه أو تأكيده أو تقييده:
أ: فقد تكون الزيادة في
القراءة مع اتحاد الرسم: كقوله تعالى في الفاتحة{ مالك} {ملِك}، فقد كتبوها في
المصحف {ملك} حتى تشتمل على الحرفين معا.
ب: اختلاف الأسماء من إفراد، وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث: مثل قوله تعالى :{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ راعُونَ} [المؤمنون:8] فقد قرئت بالإفراد (لأمانتهم).
وكقوله {إن صَلَواتكَ}
نفس الرسم قرئ بالإفراد "صلاتك" وبالجمع "صَلَوَاتِك ".
ب: وقد تكون الزيادة لحرف
واحد كقوله تعالى :{ وما عملت أيديهم}
وقراءة: {وما عملتــه أيديهم}.
قوله تعالى: {وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: ١٣٣] قرئت بواو العطف، وبحذفها
ومثل قراءة {الصابين}
{الصابئين} بزيادة الهمزة على الأصل أو بحذفها تخفيفا والمعنى نفسه.
ج: وقد تكون الزيادة
لكلمة كقوله تعالى {إن الله هو الغني }
وورد في قراءة سعد بن
أبي وقاص: (وله أخ أو أخت (من أم) في سورة النساء،
وقرأ عبدالله بن مسعود
وأبو الدرداء: (والذكر والأنثى) في قوله تعالى: ﴿ وَمَا
خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾[اليل: 3]
الصورة الثانية: الاختلاف بالزيادة والنقصان مع الاختلاف
في المعنى:
وذلك إذا كانت الزيادة
من باب تقييد المطلق بالمقيد كقوله تعالى في قراءة ابن مسعود {فصيام ثلاثة أيام متابعات}
وكقراءة عائشة
{والوالدات يرضعن أولادهن [خمس رضعات]}
فإن الآيات الأولى مطلقة،
والثانية مقيدة...
الجنس السادس: الاختلاف في التصريف:
علم الصرف: هو علم يُعنى بأبنية الكلمة المجردة وصيغها وهيئتها وأوزانها
وما يلحقها من تغييرات وتحويلات مثال التحويلات: تحويل الكلمة الواحدة إلى
صيغ متعددة لِفَوَائِدَ معنوية مختلفة، مثل:
تحويل الفعل الماضي إلى مضارع ومصدر
واسم فاعل ومفعول وصفة مشبهة وغيرها.
الصورة الأولى: التغييرات اللفظية
وأنواعها:
أ: القلب (إبدال حرف بحرف آخر)/ وقد
مرت أمثلته.
ب: الإعلال (تغيير حروف العلة): يفيد
هذا العلم بمعرفة أصول الأفعال المعتلة،
مثال الإعلال بالحذف قوله تعالى: { قُو أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ } [التحريم 6] قو: فعل أمر للفعل
المعتل اللفيف المفروق :" وقى يقي، قِ "، والجمع: قُوا، ففهمنا أنه من
الوقاية للنفس والأهل ...
وكقوله تعالى {قال له صاحبه}، من
المعتل الأجوف، قال، أصله واوي "قَوَل"، ومنه نعرف أن المصدر هو القول.
وقوله
{قم فأنذر} من قام يقُوم، قُوْمْ، فحذف حرف العلة لالتقاء الساكنين.
الصورة الثانية: التغييرات الإدغامية: وقد مرت أمثلته
كقوله تعالى: { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا
وَإِنْ تَظَاهَرَا
عَلَيْهِ} بتخفيف الظاء وتشديدها {تظّاهرا} وأصلها تتظاهرا.
ومثل قراءة {تساءلون 2} [النساء]
فقد قرأ عاصم وحمزة بتخفيف السين، بحذف
تاء الافتعال للتخفيف {تَسَاءلون}.
وقرأ الباقون بالتشديد {تسَّاءلون}
بالشدة من الأصل تتساءلون، ثم أدغمنا التاءين.
وكقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ
يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا }
فقد قرأ ابن كثير وابن عامر ونافع {يصًَالحا}
بالشد.
بينما قرأ الباقون {يُصلحا} بالمضارع، من
أصلح إصلاحا، وهو المصلح المبادر للصلح، وهو أفضلهما.
{يصَّالحا} يتشاركا معا في الصلح بينهما،
وأصلها: يتصالحا، فأدغمت التاء في الصاد .
الصورة الثالثة: التغييرات التصريفية للأفعال: من ماض ومضارع وأمر، وفعل الاشتراك بالألف
والانفراد بدونها:
مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا
بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا﴾ [سبأ: 19]، قرئت بالألف في فعل الأمر، من باعد يباعد
باعد، وقرئت بالشدة: (ربّنا بعّد)
بالتضعيف وحذف الألف من بعَّد يُبعِّد.
وقوله {واعدنا} للمشاركة.
{وعدنا} من فاعل واحد وهو الله. وقراءة {تفادوهم} {تُفْدُوهم}
وكقوله {فأزلّهما} بمعنى
أدخلهما الشيطان في الزلل وهو الخطيئة، وقراءة {فأزالهما} بالتخفيف من الزوال
والتنحية من الجنة، وكلا الفعلين بهمزة التعدية، لأنهما من فعل الشيطان. .
ويصح أن يكون هذا من باب
إبدال كلمة بأخرى، لأن الفعلين متغايرين.
الصورة الرابعة: التغيرات الصرفية بين المصدر
واسم الفاعل ونحوها:
قال تعالى {
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا }[النمل 1]
قرئت بالمد {ضاحكا} على أنه حال منصوب،
ووردت بالمصدر بغير مد {ضحكا} على أنه مفعول مطلق، فيكون التبسم
من جنس الضحك، فتكون هذه القراءة حجة للظاهرية في إبطال الصلاة بالتبسم، لأنه من
جنس الضحك.
ومن ذلك قوله
تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }[البقرة 143]. وقرئت بغير
مد: رؤفٌ.
قال
ابن زنجلة في توجيهه :" قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر (شعبة) «إن
الله بالناس لرؤف على وزن "رعُفٌ"، وحجتهم أن هذا أبلغ في المدح، كما
تقول: رجل حذق ويقظ للمبالغة...
الجنس السابع: الاختلاف بالتقديم والتأخير:
ولها حالتان: إما أن القراءتين يحتملها رسم
المصحف الواحد أو لا.
1/ فأما ما يحتمله رسم المصحف الواحد: كقوله
تعالى:{ فيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُون} وعكسها :{فيُقتلون ويَقتلون}، ولا تأثير لها
على المعنى.
2/ وأما ما لا يحتمله رسم المصحف الواحد:
فإنه قد كتبت في مصحفين مختلفين، وهذا مما يدل على أن الصحابة كتبوا جميع الأحرف
التي صحت بها العرضة الأخيرة، وذلك كقوله تعالى:{ وجاءت سكرة الحق بالموت} [ق]،
وقوله:{ سكرة الموت بالحق}،
وقوله تعالى : ﴿وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا﴾: قرأت بتقديم (وقُتِلُوا) وتأخير (وقاتلوا).
وفي سورة المطففين: ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ﴾ بتقديم الخاء ثم التاء على الألف، قرئت بتقديم الألف
على التاء (خاتَمُهُ).
وقد يشتبه على ما ورد في سورة البقرة: ﴿وَمَآ
أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله﴾: قرئت
بهذا الشكل، وفي سورة المائدة جاءت ﴿وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ﴾.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطلب الثاني: الضرب
الثاني: تفسير غريب القرآن بالسنة النبوية (في زمن النبي عليه السلام):
فإنها تأتي إما مؤكدة
للقرآن أو شَارِحة له، أو مفسرة لمجمله، أو مقيدة لمطلقه، أو مخصصة لعمومه، أو
مضيفة عليه، كما قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }، وبالتالي تقع معه على هذه الأوجه الخمسة:
الوجه الأول: تفسير غريب
القرآن بالسنة الموافقة للقرآن والمؤكدة لمعانيه:
حيث ترد السنة بتقرير شيء قرره القرآن الكريم، من باب
تأكيد المعنى وتنويعه وتثبيته في الأنفس..
المثال الأول: وهو أمر الله تعالى بالأكل من الطيبات
والإنقاق منها، وتأكيد النبي عليه السلام على ذلك:
وذلك كقوله تعالى {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) }[البقرة]
وقوله :{
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}[البقرة]
وقوله {
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف157]
ثم نجد أن الله تعالى أمر أنبياءه
بنفس هذا الفعل الذي أمر به أنبياءه، مبينا أن الخطاب للمؤمنين هو خطاب للنبي عليه
السلام أيضا، وأنه عليه السلام جاء أيضا بتأكيد ما ورد في القرآن، كما خرج مسلم
1050 عن
أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا
يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل
كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51] وقال: {يا
أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يطيل
السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام،
وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ ".
وهكذا جميع الآيات التي
تدل على وجوب طاعة الله ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج ثم تأتي
السنة بتأكيد وجوبها.
ومن ذلك مجيء القرآن
بتحريم الكبائر كالشرك والقتل والزنا والعقوق والتطفيف والغش، ثم تأتي السنة
لتأكيد النهي عن هذه الأمور.
الوجه الثاني: السنة المبينة لمجمل
غريب القرآن والمفسرة له:
المجمل: هو المبهم،
بسبب نقل معانيه، أو تعددها من غير تبيين بنفسها،
ومن ههنا نستنتج بأنه
على قسمين:
القسم الأول: المجمل بسب
نقل معانيه:
ذلك أن الشريعة نقلت الكثير من
الألفاظ من معانيها اللغوية إلى المعاني الشرعية،
المثال الأول: وله تعالى :{
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ }[المزمل 20] وقوله تعالى :{
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران]
فإن الصلاة والزكاة والحج، معاني
معروفة في اللغة، لكنها مجملة غريبة في الشرع تحتاج إلى تفسير نبوي، ولولا سنة
النبي عليه السلام لما عرفنا كيفية صلاة ولا نصاب زكاة ولا هيأة حج وهكذا.
وقد كان الصحابة لا يعرفون ذلك حتى
عرفهم النبي عليه السلام عليها:
وكمثال على ذلك ما خرج مسلم 537 عن
معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ
عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما
شأنكم؟ تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني
سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله
ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»
وعلم
المسيء صلاته كيف يصلي...
وعلم
أمته الصلاة والمواقيت، وقال لهم :" صلوا كما رأيتموني أصلي".
المثال الثاني: ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :{
وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ}[البقرة 108]
فالإيمان في اللغة هو التصديق،
والكفر هو الجحود، وقد نقلتهما الشريعة من عمل القلب إلى قول اللسان وعمل الجوارح،
مع زيادة ذلك ونقصانه.
المثال الثالث: قوله تعالى: { وَلَا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ
جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُورًا (33)} [الإسراء]
قوله " إلا بالحق"، لفظ معلوم في اللغة لكنه غريب في الشرع، فما هو
هذا الحق المبيح للقاضي أن يقتل المسلم به.
والجواب في تفسير السنة: فيما خرجه
البخاري في الصحيح (6878) عن
عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم،
يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب
الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة "
وكذلك في قوله :" جعلنا لوليه سلطانا"، حيث بينت السنة أنه لأولياء
الميت أن يطالبوا بالقصاص أو الدية، ولا يزيدون عليه، ثم أبطل النبي عليه السلام
دماء الجاهلية من ثأر وانتقام ونحوهما.
كما في حديث خطبة الوداع الذي خرجه مسلم (1218) عن جابر .... فأتى بطن الوادي، فخطب
الناس وقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في
بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة،
وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته
هذيل ..."،
المثال الرابع: خرج الترمذي وصححه (2429)
في تفسير {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)}[الزلزلة] أنه قرأ هذه الآية ثم
قال : « أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، فقال : إن أخبارها أن تشهد
على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها ، تقول عمل كذا يوم كذا وكذا ، قال فهذه
أخبارها ".
المثال الخامس: تفسير
الغيبة والبهتان:
قال
تعالى :{ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}[الحجرات12]
خرج
مسلم 2589 عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أتدرون ما
الغيبة؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل أفرأيت إن كان
في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته»
القسم الثاني: المجمل بسب تعدد
معانيه المتدافعة:
يختلف اللفظ على المشترك على
المحمل، بكون المشترك هو اللفظ الدال على جميع معانيه الغير المتدافعة.
بينما المجمل: هو اللفظ الدال على
عدة معاني متناقضة، لا يمكن الترجيح بينها إلا بدليل.
ومن ههنا يأتي دور السنة النبوية
المبينة لمحمل القرآن وغريبه.
مثال ذلك قوله تعالى :{
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ }[البقرة 228]
فإن لفظ القرء غريب المعنى، مجله،
يحتمل أن يُحمل لغة على الطهر كما قالت الحنفية، أو على نقيضه وهو الحيض كما زعم
الجمهور ..
وقد طلبنا تفسيرها فوجدنا مأنه محمول شرعا الحيض، بدليل ما خرجه مسلم 1471 عن سالم
أن عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه
وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «مره فليراجعها حتى تحيض حيضة
أخرى مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يطلقها، فليطلقها طاهرا
من حيضتها قبل أن يمسها، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله»، وكان عبد الله طلقها
تطليقة واحدة، فحسبت من طلاقها، وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله
عليه وسلم،
وخرج ابن ماجه (625) والترمذي (126) عن أبي اليقظان
عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المستحاضة:
«تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة،
وتصوم وتصلي»،
ثال الترمذي:" هذا
حديث قد تفرد به شريك، عن أبي اليقظان، وسألت محمدا عن هذا الحديث، فقلت: عدي بن
ثابت، عن أبيه، عن جده، جد عدي، ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه، وذكرت لمحمد قول
يحيى بن معين: أن اسمه دينار، فلم يعبأ به."
وخرج ابن ماجه (625) وغيره من طرق
عن عن عروة بن الزبير عن جده عن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: "المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ
لكل صلاة، وتصوم وتصلي".
رواه
عروة واختلفوا عنه:
قال
أبو داود: ورواه قتادة، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أم سلمة، أن أم حبيبة بنت
جحش استحيضت، " فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم: أن تدع الصلاة أيام
أقرائها، ثم تغتسل وتصلي ".
قال
أبو داود: وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق، عن عائشة «المستحاضة تترك الصلاة أيام
أقرائها، ثم تغتسل» وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه إن النبي صلى الله عليه
وسلم «أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها»
وروى
أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت
جحش استحيضت، فذكر مثله. وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وسلم «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي»
وخرج
الطبراني في الصغير (1187) عن عبد الله بن شبرمة القاضي، عن قمين امرأة مسروق عن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في المستحاضة: «تدع
الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل مرة , ثم تتوضأ إلى مثل أيام أقرائها؛ فإن رأت صفرة
انتضحت وتوضأت وصلت»
فبينت هذه السنة على أن المراد
بالقرء هو الحيض، فتعين على المطلقة أن تعتد بثلاث حيض تنتهي بها عدتها.
الوجه الثالث: تفسير
الألفاظ المشتركة من القرآن بالسنة الذاكرة لبعض أجزاء المشترك:
يختلف المجمل عن المشترك اللفظي،
بكون المجمل مبهما في نفس لفظه، لا يمكن أن يتبين إلا بقرينة، بحلاف اللفظ المشترك
فإنه
اللفظ المفهوم الواسع الدال معنيين أو أكثر،
وقد ذكر السلف أن اللفظ المشترك يحمل على جميع
معانيه ما لم تكن متدافعة متضادة من كل وجه، كما ذكروا أن النبي عليه السلام
والسلف كانوا في أغلب الأحايين يفسرون الكلمة ببعض معناها المشتهر وقتئذ من غير
إبطال لسائر المعاني اللغوية التي يحتملها هذا اللفظ:
المثال الأول: قوله تعالى : {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ
فَارْغَبْ (8)}،
فقد دلت هذه الآية على طلب النصْب والرغَب إلى الله
تعالى بعد الفراغ، لكن من ماذا؟
هل هو الفراغ
بعد الأعمال الدنيوية، أم بعد الفراغ من الأعمال التعبدية الأخروية؟ ثم ما هي هذه
الأعمال التعبدية، هل هي الصلاة وحدها؟ أم يدخل معها الجهاد وسائر العبادات ؟
ثم ما معنى
الرغَب بعد الفراغ من الصلاة والعبادات؟ هل هو اللجوء إلى الله، أم هو دعاء الله
تعالى مع رفع اليدين رغبة إلى الله.
كل جزء من ذلك المعنى قال جماعة من السلف، وإنما
تحمل الآيات على الجميع واختلاف التنوع ...
فأما التفسير الأول:
فقد ذكر بعض السلف على أن من ذلك الفراغ من الأعمال الدنيوية:
وخرج المروزي والطبري وغيرهم عن مجاهد في
قول الله تعالى: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} [الشرح: 8] قال: " إذا
فرغت من دنياك، فانصب في صلاتك ".
وأما التفسير بالفراغ من العبادات:
فقد عينها مجاهد مرة أخرى بالفراغ من
الصلاة: قال المروزي في القيام:" قال في رواية أخرى:" إِذَا فَرَغْتَ
الصَّلَوَاتَ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكَ فِيهَا وَارْغَبْ"،
فأنت ترى أن السلف كل مرة يفسرون اللفظة
بجزء من معانيها المشتركة.
وقال الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
أَمَرَهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ غَزْوَةٍ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعِبَادَةِ ".
وخرج المروزي في القيام عن عَبْد اللَّهِ
قَالَ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ
".
وخرج المروزي في القيام عَنِ
الضَّحَّاكِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَسَلَّمْتَ
فَانْصَبْ فِي الدُّعَاء ".
وخرج المروزي َعَنْ قَتَادَةَ: إِذَا
فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكَ فِي دُعَائِكَ ".
قال المروزي:" وفي رِوَايَةٍ:
أَمَرَهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي دُعَائِهِ ".
فأكثر السلف على
أن المراد هو الفراغ من الصلاة، لكن من غير إبطال لغيرها من العبادات والأعمال، لأن
لفظة "فرغت" تشتمل على ذلك كله،
ثم قال بعدها
" فانصب" "فارغب"،
فما المراد
بالنصب هنا:
أما في اللغة
فالمراد به الرفع تقول: نصب
الشيء بنصيه نصبا: رفعه وأقامه، ومنه قوله تعالى :{ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ}[الغاشية
19]
وفي قوله تعالى: {والأنصاب} [المائدة:
90] هي حجارة كانت تنصب قائمة فتعبد.
قال الحموي: و"نَصَبْتُ"
الخشبة "نَصْبًا" من باب ضرب: أقمتها، و"نَصَبْتُ" الحجر:
رفعته علامة "،
فيا ترى ماذا يرفع يعد الفراغ من
العبادات أو الصلاة؟ أو إلى أين يرتفع ؟
قال الشنقيطي في
التفسير:" وقد
يكون النصب للدنيا أو للآخرة ، ولم يبين المراد بالنصب في أي شيء ، فاختلف فيه ،
ولكنها أقوال متقاربة .
فقيل
: في الدعاء بعد الفراغ من الصلاة ....".
ولذلك
الصواب حمل الآية على الجميع، بحيث يرتفع ويقوم بعد فراغه من أعماله الدنيوية إلى
أعماله الأخروية.
كما
أنه إذا فرغ من أعماله الأخروية ارتفع وقام إلى أعمال أخرى.
وكذلك
إذا فرغ من عبادة الصلاة، فإنه يرفع يديه راغبا إلى ربه.
وأقوى التفاسير
هي تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بآثار السلف، وكلها متظافرة في هذا الباب:
فأما
الرغب إلى الله فهو دعاءه جل في علاه بعد الفراغ من الصلاة وغيرها، ناصبا يديه إلى
ربه.
وأقوى التفاسير
هي تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بآثار السلف، وكلها متظافرة في هذا الباب:
. قال الله
تعالى في تفسير الرغب:{
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}،
وقوله: رغبا
ورهبا: إما منصوب على الحال لبيان هيئة الدعاء، أو أنه مفعول لأجله، أي يدعوننا
لأجل الرغب والرهب، وقد بين النبي عليه السلام هيأة هذا الرغب.
كما فسره السلف
الطيب برفع اليدين على هيآت معينة:
قال ابن العربي في شرح موطإ
مالك:" (3/309) :" ذكر ابنُ حبيب قال: كان مالك يرى رَفْعَ اليَدَيْنِ
في الاستسقاءِ للنّاسِ والإمامِ وبطونهما إلى الأرض، وهو الرَّهَبُ. وأمّا عند
الرَّغْبَّةِ والمسألة فَتُبسَطُ الأيدي وهو الرَّغْبُ، وهذا أيضًا معنى قوله
تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} الآية".
قال العيني في شرح البخاري من
باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء: "وكان مالك يرى رفع اليدين في
الاستسقاء وبطونهما إلى الأرض، وكذلك العمل عند الاستكانة والخوف وهو الرهب، وأما
عند الرغبة والسؤال فبسط الأيدي وهو الرغب، وهو معنى قوله تعالى (يدعوننا رغبا
ورهبا) "،
وقال الفاسي في المدخل:"
قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} أَنَّ
الرَّغَبَ تَكُونُ بُطُونُ الْأَكُفِّ إلَى السَّمَاءِ وَالرَّهَبُ بُطُونُهُمَا
إلَى الْأَرْضِ"،
وقال المناوي في فيض القدير عن
حديث:" إذا دعوت الله فادع الله ببطن كفيك"، الباء للآلة أو للمصاحبة:
أي اجعل بطنهما إلى وجهك وظهرهما إلى الأرض حال الدعاء، لأن عادة من طلب من غيره
شيئا أن يمد كفيه إليه متواضعا متذللا ليضع المسؤول فيها، "ولا تدع
بظهورهما"،
لأنه إشارة إلى الدفع فإن دعا
بدفع بلاء أو قحط أو غلاء جعل ظهرهما إلى السماء ..
ونقله القاضي
عياض عن جميع المفسرين فقال في إكمال المعلم:" وهو الذى فسَّره مفسرون بالرَّهب فى قوله تعالى:
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}، قالوا: وأما عند المسألة والرغبة فبسط الأيدى
وظهورها إلى الأرض، وهذا الرغب.
قال القرطبي في
تفسيره للآية:" قيل:
الرغب رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب رفع ظهورها، قاله خصيف، وقال ابن عطية:
وتلخيص هذا أن عادة كل داع من البشر أن يستعين بيديه فالرغب من حيث هو طلب يحسن
منه أن يوجه باطن الراح نحو المطلوب منه، إذ هو موضع إعطاء أو بها يتملك، والرهب
من حيث هو دفع مضرة يحسن معه طرح ذلك، والإشارة إلى ذهابه وتوقيه بنفض اليد
ونحوه".
وجاء في حاشية
الطحطاوي على مراقي الفلاح :" ثم السنة في كل دعاء لسؤال شيء وتحصيله
أن يجعل بطون كفيه نحو السماء، ولرفع بلاء كالقحط يجعل بطونهما إلى الأرض وذلك
معنى قوله تعالى {ويدعوننا رغبا ورهبا} كذا في شرح البدر العيني على الصحيح، وفي
التحفة والمحيط الرضوي والتجريد: إنْ رَفَعَ يديه نحو السماء فحسن، وإن لم يفعل
وأشار بأصبعه السبابة من يده اليمنى فحسن، وذكره في المبسوط والبدائع وغيرهما عن
أبي يوسف، لكن من غير تقييد الأصبع بالسبابة، قال ابن أمير حاج: وقد ورد الكل في
السنة" اهـ.
قال
المناوي في كشف المناهج (2/258):" قال المنذري: وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه استسقى وأشار
بظهر كفيه إلى السماء، من رواية أنس بن مالك، وهو اختيار جماعة من العلماء
واستحبوه، وهو الذي فسره المفسرون بالرهب في قوله تعالى: {يَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا} قالوا: فأما عند المسألة والرغبة فيبسط الأيدي وظهورها إلى الأرض وهو
الرغب".
وعكس العراقي ذلك فقال في تخريج
الإحياء:" ورواه الحاكم عن ابن عباس
مرفوعاً:" إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورهما وامسحوا
بهما وجوهكم"، ويستثنى من ذلك ما يشتد فيه الأمر ففي صحيح مسلم أنه صلّى الله
عليه وسلم لما استسقى أشار بظهر كفيه إلى السماء وهو المراد بالرهب في قوله تعالى
(يدعوننا رغباً ورهباً) قالوا: الرهب بسط الأيدي وظهورهما إلى الأرض والرغب بسطهما
وظهورهما إلى السماء".
هذا عن تفسير السلف للآية، وأما عن تفسير
السنة الذي أشار إليه ابن أمير ففي ذلك أدلة وبراهين:
دليل ثاني مفسر للرغب: ذكره السيوطي في الدرر المنثور والشوكاني في فتح القدير
قالا: أخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن قول الله سبحانه:{ ويدعوننا رغبا ورهبا} قال: رغبا هكذا ورهبا هكذا وبسط كفيه
يعني جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة"، تفسير ابن مردويه مفقود،
وهذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم لهيأة الرغب المذكورة في القرآن يوقي تفسير
السلف.
الدليل الثالث المفسر للرغب: ما سيأتي من حديث أبي كنانة عن أبي موسى رضي الله عنه
لما خطب الناس يوم العيد وقال لهم:" إن هذا يوم لا يرد فيه الدعاء فارفعوا أرغبتكم إلى الله عز
وجل وسلوه حوائجكم، ورفع يديه لا يجاوز بهما أذنيه ثم دعا"، يقويه أيضا:
دليل أو الدليل الرابع المفسر للرغب: وفيه
تفسير الرغب والرهب، بالخفض والرفع لليد:
خرجه البيهقي في الشعب، والحاكم في مستدركه (3/18)
عن
إبراهيم بن محمد الشافعي، ثنا الوليد بن مسلم، وضمرة بن ربيعة عن حماد بن أبي حميد
عن مكحول عن عياض بن سليمان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« خيار أمتي فيما أنبأني الملأ الأعلى قوم
يضحكون جهرا في سعة رحمة ربهم عز وجل، ويبكون سرا من خوف شدة عذاب ربهم عز وجل،
يذكرون ربهم بالغداة والعشي في البيوت الطيبة - المساجد - ويدعونه بألسنتهم رغبا
ورهبا، ويسألونه بأيديهم خفضا ورفعا، ويقبلون بقلوبهم عودا وبدءا..."، رجاله
ثقات، غير حماد، وقد أعل هذا الحديث بعلتين:
.
الأولى: ما قاله الذهبي:" هذا حديث عجيب منكر وعياض لا يدرى من هو"، لكن
قال ابن النجار:" ذكره أبو موسى المدينى في الصحابة".
.
والثانية: ما قال البيهقي: تفرد به حماد بن أبي حميد وليس بالقوي في الحديث عند أهل العلم به والله
تعالى أعلم "، لكنه قد توبع:
فقد
رواه
سلمة بن شبيب حدثنا الوليد بن إسماعيل الحراني حدثنا
شيبان
بن مهران، عن خالد بن المغيرة بن قيس عن مكحول، عن عياض بن غنم، خرجه عنه أبو نعيم
(1/16)، وفيه مجاهيل.
وقال العراقي: ولم ينفرد به حماد كما قال
البيهقي بل روى أيضاً من رواية خالد بن المغيرة بن قيس عن مكحول رواه أبو نعيم في
الحلية وخالد بن المغيرة لم أر له ذكراً في مظان وجوده، وكذلك رواه عنه شيبان بن
مهران والله أعلم اهـ".
وقد
فسر السلف بأن الرهب تخفض الأكف للأسفل، بينما في الرغب ترفع بطون الأكف
للسماء.
دليل خامس في تفسير الرغب: وهو قوله صلى الله عليه
وسلم لبني هاشم:" وإن لكم دعوة مجابة فأقيموا فيها جميعا بينكم، قال: فرفع يده ورفعوا
أيديهم، قال: فلما قضى رغبتهم جعل يسأل من يليه بماذا دعوت .. وقد حضر ذلك
أبو الدرداء فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يده فأقبل حتى حضر معهم
الرغبة "، وقد خرجته في كتاب
الوعاء في رفع اليدين في الدعاء.
الدليل السادس في تفسير الرغب: قال السيوطي في الدرر: أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال « صليت صلاة
رغباً ورهباً، ودعوت دعاء رغباً ورهباً، حتى فرج لي عن الجنة ، فرأيت عناقيدها
فهويت أن أتناول منها شيئاً فخوفت بالنار ، فسألت ربي ثلاثاً فأعطاني إثنتين وكف
عني الثالثة ، سألته أن لا يظهر على أمتي عدوها ففعل، وسألته أن لا يهلكها بالسنين
ففعل، وسألته أن لا يلبسها شيعاً ولا يذيق بعضها بأس بعض فكفها عني»
الوجه الرابع: تفسير القرآن بالسنة
المقيدة لألفاظ القرآن:
(المطلق) هو لفظ نكرة
يدَلّ على فرد شائع غير معين في جنسه،
وبهذا يختلف عن اللفظ
المشترك الشامل لكل جزئياته كما أسلفنا،
مثال المطلق: قوله تعالى: قوله تعالى :{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]،
لفظ " فدية"،
"صيام" "صدقة " "نسك " ألفاظ مطلقة غريبة شرعا.
قد قيّدها ما خرجه
البخاري من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه حين أتاه النبي صلى الله عليه
وسلم يعوده فرأى القمل يمشي على وجهه، فقال:" ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما
أرى، تجد شاة؟ فقلت: لا، قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف
صاع ".
فقيد الصيام بثلاثة أيام، وقيد الإطعام والصدقة
بستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وقيد الهدي بشاة.
ومن ذلك قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ([المائدة:38)، فـ (اليد) في الآية مطلقة غير مقيدة، بكونها اليمين
أو الشمال، فهي بالمنظور الشرعي غريبة المعنى؟
ثم جاءت السنة النبوية
وقيدت لفظ (اليد) المطلق، بكون اليد المقطوعة هي الكوع من اليد اليمنى.
ومن ذلك قوله تعالى {
وَلكن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ }[المائدة 89]
فلفظ
"مساكين" و" رقبة "، هنا واضحان غير مجملين، مطلقين غير
مقيدين بوصف أو غيره، فيقعان على أي مسكين أو رقبة غير معينة، لأن عموم المطلق
بدلي يقع على أي مسكين أو رقبة مهما كانت،
وقد ورد تقييد الرقبة في القرآن بالإيمان، لكن
مع اختلاف الحكم والسبب.
ثم وردت السنة
النبوية، بتقييد العتق بوصف الإيمان، في مطلق الرقاب:
خرج مسلم (537) عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا
أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم ... قال: وكانت لي
جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من
غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: «ائتني
بها» فأتيته بها، فقال لها: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت:
أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة»
ولو كان عتق الكافرات المحاربات
مشروعا لما تثبت من إيمانها، وطالبه بإحضارها لامتحان إيمانها بربها ومعرفتها به.
الوجه الخامس: تفسير القرآن
بالسنة المخصصة لعمومه:
حيث ورد في القرآن الكريم آيات
عامة، ثم تأتي السنة النبوية فتخصص هذا العموم، وهنا قد يدخل الإشكال على البعض
فيرد السنة الصحيحة بدعوى مخالتها للقرآن، وليس هذا من اختلاف التضاد من كل وجه،
بل هو تخصيص من السنة، لتبيين وجه غريب الآية، وإذا كان يجوز تخصيص عموم القرآن
بالعقل واللغة والعرف كتخصيص قوله تعالى {تدمر كل شيء} بالإسناد العقلي، حيث أنها
لم تدمر كل الأرض بل تلك المنطقة المخصوصة التي يقطنها الكفرة، ومن ههنا يكون
التخصيص بالسنة مشروعا من باب أولى، وفي ذلك عدة أدلة:
المثال الأول: قال تعالى : {يوصيكم الله في
أولادكم} [النساء 10] فلفظ أولادكم
عام يشمل كل الأولاد، وعمومه شمولي لكلهم، لا بدلي لأحد منهم أو بعضهم كما في
المطلق.
ثم خصص هذا العموم بما خرج البخاري (4283) عن
أسامة بن زيد، أنه قال زمن الفتح: يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ قال النبي صلى الله
عليه وسلم: " لا يرث المؤمن الكافر، ولا يرث الكافر المؤمن»
المثال الثاني: ومن ذلك عموم قوله تعالى
: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ([المائدة:38)،
فـالأمر بالقطع عام في كل سارق وما سرق من أموال، وقد خصصت السنة هذا المال في
قوله عليه السلام :" " لا قطع إلا في ربع دينار
فصاعدا ".
المثال الثالث: ومن ذلك قوله تعالى في
شأن المطلقات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ
حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا
عَلَيْهِنَّ}
[الطلاق 6] فعممت الآية السكنى لكلّ مطلقة،
لكن النبي عليه السلام استثنى من هذه السكنى المبتوتة، فيما خرج مسلم (1480) عن
فاطمة بنت قيس، أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها
نفقة دون، فلما رأت ذلك، قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن
كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئا، قالت: فذكرت
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا نفقة لك، ولا سكنى».
وخرجه الدارمي عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، أن زوجها
طلقها ثلاثا «فلم يجعل لها النبي صلى الله عليه وسلم نفقة، ولا سكنى» قال سلمة:
فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: قال عمر بن الخطاب: لا ندع كتاب ربنا، وسنة نبيه، بقول
امرأة: فجعل لها السكنى والنفقة ".
وقد خاض خائضون في هذا الحديث
الصحيح حتى اتهموا الصحابية رضي الله عنها، وزعموا أن تخصيص القرآن بالسنة لا
يجوز، وفيما ذكرنا رد عليهم، وهذا الحديث يبين أن السكنى والنفقة إنما هو لمن كانت
في عدتها في الطلاق الرجعي أو البائن بينونة صغرى، فهو لا يعارض القرآن بل خصصه
فقط، فاستثنى المطلقات ثلاثا من السكنة والنفقة وهو الصحيح.
وأما إنكار غيرها عليها كما في
صحيح البخاري (5323) عن عائشة، أنها قالت: «ما لفاطمة، ألا تتقي الله» يعني في
قولها: لا سكنى ولا نفقة ".
وكذلك
إنكار عمر لقولها ثم قوله:" لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة..."، فهو
اجتهاد منهم، وظن بأنها أخطأت وهي المصيبة فيما روت وحضرت لهذه القصة بنفسها ووقعت
لها، فهي أدرى بما روت.
ومما يؤكد وقوع هذا النوع هو هذا
الوجه التالي:
الوجه السادس: تفسير القرآن بالسنة
المستقلة أو المضيفة على القرآن:
وهذا النوع مما يؤكد تخصيص السنة
بالقرآن، لأنه عكسه،
فقد يضيف النبي عليه السلام أحكاما
عامة جديدة على آية كانت محصورة مخصوصة، أو لها معاني لغوية محدودة.
وقد يضيف معاني جديدة إضافة إلى
المعاني اللغوية المعروفة.
وقد تستقل السنة بأحكام لم تذكر في
القرآن أصلا.
الصورة الأولى: إضافة
السنة لأحكام ومعاني جديدة على آية كانت محصورة مخصوصة:
الفرع الأول: أن تكون السنة مضيفة
على ما حصره القرآن، حتى تعممه:
حيث ورد في القرآن الكريم آيات قد
تبدو مخصوصة أو محصورة بأشياء، ثم تأتي السنة النبوية فتضيف عليها أشياء كثيرة، فتعمم
ما حصره القرآن، وهنا قد يدخل الإشكال على البعض فيرد السنة الصحيحة بدعوى مخالتها
للقرآن، وليس هذا من اختلاف التضاد من كل وجه، بل هو زيادة تبيين من السنة، لتبيين
وجه غريب الآية:
1/ مثال ذلك قوله تعالى :{
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ
فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) }[الأنعام]
فحصرت الآية المحرمات من الطعميات
في هذا الأشياء، وأضافت السنة ما أعم من ذلك؟ فيكون هذا النفي أو الحصر محمول على
حصر الكمال، أي الذنوب الكاملة الإثم وهي هذه الكبائر، من غير نفي لما سواها من
المحرمات التي أضافها النبي عليه السلام.
خرج مسلم 1932 عن
أبي ثعلبة قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السبع».
ثم خرجه بلظ:" كل ذي ناب من
السباع فأكله حرام»
ثم خرجه عن ابن عباس، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير»،
المثال الثاني: ومن ذلك حصر المحرمات من النسب
والصهر والرضاع فيما يلي:
قال تعالى :{
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ
وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ
وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ
اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ
وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) }[النساء]
وقد أضاف النبي عليه السلام لذلك
النهي عن الجمع بين كل محرمتين:
كما خرج مسلم (1408) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها»
الفرع الثاني: أن تكون
السنة مضيفة لمعنى آخر، عممه القرآن من غير التقيد به أو التخصيص:
مثال ذلك قوله تعالى :{ إنا أعطيناك
الكوثر 1 فصل لربك وانحر 2} [الكوثر]
فالكوثر لفظ غريب عند الكثير، وهو في اللغة معروف على وزن الفوْعل الدال على
الكثرة، والمراد به عموم الخير
المفرط الكثير في الدنيا والآخرة،
ثم وجدنا بأن النبي عليه السلام حمله على
الكوثر الذي هو نهر في الجنة، وهو معنى جديد لم يكن معروفا بينهم، وليس هذا من باب
التقييد ولا التخصيص، بل هو من باب إضافة الخير إلى خير آخر وهو هذا النهر.
خرج مسلم (400) عن
أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم
رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله قال: «أنزلت عليّ آنفا سورة» فقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر}
[الكوثر: 2] ثم قال: «أتدرون ما الكوثر؟» فقلنا الله ورسوله أعلم، قال: "
فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة،
آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: رب، إنه من أمتي فيقول: ما تدري ما
أحدثت بعدك ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنهم أدْرَى بالقرآن
الكريم، لمشَاهَدتهم للتنزيل، وعلمهم باللغة والتأويل، وحضورهم لأسباب النزول، مع
مصاحبة الرسول، واستخدام أشعار العرب ..
وقد اهتم الإمام عبد
الرزاق وابن أبي حاتم وابن منصور والطبري وغيرهم بجمع آثار السلف الصالح حول
تفسيرهم لآي القرآن الكريم وغريبه، ثم منهم من صنف مصنفات مستقلة حول غريب القرآن
الكريم.
كما
كان الصحابة يسألون النبي ﷺ عما أشكل عليهم من فهم لما ورد في القرآن الكريم، ويحذرون
من تفسير القرآن الكريم بالرأي المذموم من غير علم:
الفرع
الأول: ما ورد من تحذير الصحابة من تفسير القرآن بغير علم:
الأثر الأول: قال أبو بكر في المصنف (6/ 136) باب
من كره تفسير القرآن: حدثنا علي بن مسهر، عن
الحسن بن عمرو، عن الشعبي قال: أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي وليس هم لشيء من
العلم أكره منهم لتفسير القرآن، قال: وكان أبو بكر يقول: «أي سماء تظلني، وأي أرض
تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم».
وهو محمول على التفسير المخالف
لظاهر الآيات الكريمات،
الأثر الثاني: خرج أبو بكر في المصنف (6/136) وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل
القرآن: من طريق العوام بن حَوشَب، عن إبراهيم التَّيمي
قال: سُئِلَ أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، عن قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا
) فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم ".
فإذا قال هذا في الأبّ، وهو عشب
المراعي، فكيف الأمر بمن يخوض في صفات الله تعالى تعطيلا وتأويلا وتشبيها وتكييفا
والله المستعان.
الأثر الثالث: قال أبو بكر (6/136) حدثنا
يزيد بن هارون أخبرنا حميد عن أنس أن عمر قال على المنبر: {وفاكهة وأبا} [عبس:
31]، ثم قال: «هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟»، ثم رجع إلى نفسه، فقال: «إن هذا
لهو التكلف يا عمر»
الأثر الرابع: أخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله تعالي: {وَحَنَانًا
مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13]، فقال: سألت عنها ابن عباس، فلم يجب فيها شيئاً.
وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لا والله، ما أدري ".
هذا منقطع بين التيمي وأبي بكر.
الأثر الرابع: قال أبو بكر حدثنا
وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: «كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها،
فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين»
الفرع الثاني: ما ورد من
تفسير الصحابة والتابعين لغريب القرآن الكريم:
علم التفسير والغريب يختلف باختلاف الزمان والمكان،
فرب كلمة مفهومة في عصر هي غريبة في عصر آخر، وفي زمن الصحابة لم يفسروا كل كلام
الله تعالى، لكون الكثير من الكلمات والمعاني مفهومة عندهم بمجرد قراءتها والتدبر
فيها، لكنهم فسروا العديد من الكلمات للتابعين، حتى لا يخطئوا في الفهم، وقد برز
في ذلك حبر الأمة ابن عباس وابن مسعود وعلي وغيرهم
هذا وتتنوع تفاسير الصحابة بين الموقوف وما له حكم
الرفع:
الصنف الأول: ما له حكم
المرفوع في الاعتقاد:
وهو ما لا يمكن إدراكه بالعقل البشري، كأمور العقيدة
والصفات ونحوها.
المثال الأول: ما خرجه الدارمي في
النقض (1/399) وابن خزيمة في التوحيد (157) وابن منده في الرد على الجهمية (ر20)
وغيرهم من طرق عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : « الكرسي موضع القدمين ، ولا يقدر قدر العرش
شيء »
رواه
شجاع بن مخلد ثنا أبو عاصم فذكره مرفوعا ووهم فيه.
وقد
رواه إسحاق بن يسار وأحمد بن منصور ومحمد بن معاذ وغيرهم من حديث ابن عباس موقوفا.
كذلك
هي رواية وكيع وابن مهدي عن سفيان عن عمار الدهني عند ابن خزيمة في التوحيد (157)
وعبد الله في السنة (ص303)
كذلك رواه إبراهيم بن يوسف بن أبي
إسحاق، عن أبيه، عن عمار الدهني، عم مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس
رضي الله عنهما، قال: «إن الكرسي الذي وسع السماوات والأرض لموضع القدمين، وما
يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه، وإن السماوات في خلق الرحمن تبارك وتعالى مثل قبة
في صحراء» خرجه عنه أبو الشيخ في العظمة (2/552).
وخرجه عبد الله بن أحمد في السنة
(303) عن عمارة بن عمير عن أبي موسى قال: «الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل».
الصنف الثاني: ما له حكم
المرفوع في أسباب النزول:
سبب النزول: هو فهم الآيات بناءً
على الأحداث والوقائع التي نزلت فيها أو من أجلها،
والقاعدة الأساسية في هذا
الباب: أن العبرة
لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، مما يجعل حكم الآية شاملاً لكل الأمة
لا يقتصر على أصحاب الحادثة،
ومن فوائده توضيح الغموض الموجود في بعض
الآيات، أو تفسير بعض الآيات الغامضة أو المبهمة والكشف عن
أحكامها وحكمها ووقائعها.
مثال
ذلك أن السعي بين الصفا والمروة واجبان، وقيل: هما ركن، إلا أن الآية الدالة
عليهما أتت بلفظ غريب قد يُفهم منه عدم الوجوب:
المثال
الأول: قال تعالى :{ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ
حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا
وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) }[البقرة]
فإذا
عرفت سبب نزولها زالت الغرابة:
فقد
كان الصحابة في بداية الإسلام يعتقدون أن السعي بين الصفا والمروة من شعائر
الجاهلية التي يجب تركها، لأنهم كانوا يضعون عليها أصناما، فتحرجوا من السعي
معارضة للمشركين، فأزال الله تعالى هذا الحرج ووضح لهم أن الصفا والمروة من شعائر
الله التي أمر الله بالسعي بينها في الحج والعمرة، وأن فعلها لا إثم فيه.، ولا
يوجد تشبه فيمات أمر الله به.
ثم إن فهم الصحابي لسبب النزول وتخصيصه به، لا يقبل منه مطلقا، فإذا اختلفوا
أو خالفوا أصلا عاما وهو أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا يقبل تقييد
أحدهم بأنه مخصوص إلا بنص مرفوع صراحة، كما في :
المثال الثاني: قال تعالى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى
يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا
أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}[البقرة 196]
فيه مسألتان:
أولاهما: في كفارة من ترك محظورا أو أخل بواجب:
{ ففدية مِنْ صِيامٍ
أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وقد فسرها النبي عليه السلام فيما خرج البخاري
عن كعب بن عجرة قال: «حملت إلى النبيء والقمل يتناثر على وجهي، فقال ما كنت أرى
الجهد قد بلغ بك هذا، أما تجد شاة؟ قلت: لا، قال: صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة
مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام واحلق رأسك، فنزلت هذه الآية في خاصة وهي لكم
عامة اهـ»
والثانية: حكم حج التمتع: وهو التحلل بعمرة قبل الحج، بأن
يتمتع بالطيب والحلق والملابس والنساء بينهما، فقد أنكرها جماعة وفضلها آخرون.
فأما من منعها فقد حصر نزولها بأصحاب محمد عليه السلام:
قال الأثرمُ في " سننه
": وذكر لنا أحمدُ بن حنبل أن عبد الرحمن بن مهدي حدثه عن سفيان، عن الأعمش،
عن إبراهيم التيمي، عن أبي ذر في متعةِ الحجِّ كانت لنا خاصة. فقالَ أحمدُ بن
حنبل: رَحِمَ اللهُ أبا ذر، هِيَ في كتاب الله عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}.
وروى الحارثُ بنُ بلال عن أبيه
هلال بن الحارث أنّ فَسْخَ الحجِّ إلى العُمرة كان خاصّاً بأصحابِ النّبيِّ - صلى
الله عليه وسلم ". والحارث غير معروف.
وللطحاوي عن َيزِيد بْن شَرِيكٍ
التَّيْمِيُّ عَنْ عُثْمَانَ : مُتْعَةُ الْحَجِّ كَانَتْ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ.
وروى كثير بن عبد الله المزني عن
بكير بن عبد الله المزني عن عبد الله بن هلال صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: ليس لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخ بعمرة ". حسنه ابن الملقن.
وقد خرج البخاري 7363 جابر بن عبد الله في أناس معه قال:
أهللنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج خالصا ليس معه عمرة ...
".
لكن تكملة الحديث يدل على جواز
المتعة:" ، فلما قدمنا أمرنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن نحلَّ، وقال:
"أحلوا، وأصيبوا من النساء"،
فرد عليهم المانعون بأنها كانت
رخصة في أصحاب النبي عليه السلام خاصة، وفيهم نزلت فقط كما هو مذهب عمر وعثمان ومن
تبعهما.
وقال علي لعثمان: لقد علمت أنا قد تمتعنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عثمان: أجل ، ولكنا كنا خائفين" .
فردّ عليهم الآخرون بأن هذا الفهم
على أنها في الصحابة خاصة إنما هو فهم خطأ:
خرج في الصحيح عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : أُنْزِلَتْ
آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهَا , وَلَمْ يَنْهَ
عَنْهَا حَتَّى مَاتَ . قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ .
ونظرا لهذا الاختلاف بين الأصحاب
فإننا نعمل بالقاعدة أن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب، فيكون حج التمتع عاما
للجميع.
خرج مسلم من حديث سراقة بن مالك
قال : قلت يا رسول الله : فسخ الحج في العمرة ألنا خاصة أم للأبد؟ فقال : « بل
لأبد أبد ، بل لأبد أبد » .
الصنف الثالث: تفسير
السلف لغريب القرآن وألفاظه:
مر أن السلف الطيب كانوا يفسرون القرآن بجزء من معناه
على ما قررناه في اللفظ المشترك، وأمثلة ذلك في القرآن الكريم كثيرة جدا نكتفي
منها بما يلي:
وقد أشكل على ابن عباس معنى آية،
فلم يعرف معناها حتى سمع الأعراب؛ يقول - رضي الله عنه -: «كنت لا أدري ما
{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال
أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها».
.
وعنه رضي الله عنه قال: «ما كنت أدري ما قوله: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} (5)، حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: تعال أفاتحك،
تعني: أقاضيك»
وأما ما عرفوه فقد كانوا في الغالب يفسرونه ببعض معناه:
المثال الأول: قال الله عز وجل:{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}،
[الكوثر]،
وهذه الآية لفظ عام مشترك شامل لمعاني متعددة
فيها أربعة أقوال
مشهورة للسلف:
منهم من حملها على صلاة العيد، ثم النحر يوم العيد،
ومنهم من حملها على وضع اليدين على النحر في الصلاة،
ومنهم من حملها على رفع اليدين إلى النحر أثناء الركوع
والرفع منه في الصلاة،
ومنهم من حملها على رفع اليدين بعد الصلاة،
وقد تقرر في الأصول والتفسير أن السلف كانوا يفسرون
الآية ببعض أجزائها، وأن ألفاظ القرآن المشتركة تشتمل على جميع المعاني ما لم تكن
متضادة كما هنا.
وقد لخص ههذ الأقوالَ أبو العباس
القرطبي في تفسير هذه الآية، فقال في المُفْهِم لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تلخيصِ كتابِ
مُسْلِم من كتاب الضحايا:" أما الآية: فلأنها محتملة لأمور متعددة ولذلك
اختلفت أقوال العلماء فيها ".
وقال الطبري: اختلف
أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا
الخطاب"،
وفي تفسيرها أربعة أقوال مشهورة للسلف :
أولاها: صلِّ لوجه ربك فقط، ثم سلْه وادْعه
رافعا يديك إلى نحرك": والنحر فوق الصدر في الرقبة، ولفظ الصلاة شامل لصلاة الفريضة والنافلة.
قال الحربي في غريب الحديث(2/443)
مادة:" نحر"، حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود ثنا أبو رجاء الكليبي عن عمرو
بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: (فصل لربك وانحر) قال: وضع يده عند
النحر"،
وهذا يشمل رفع اليد إلى النحر في
الدعاء بعد الصلاة، وفي التكبير أثناءها والله أعلم.
قال الطبري:" وقال آخرون: بل
معنى ذلك: فصل وادع ربك وسله"، ثم خرج عن الضحاك( فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ ) قال: صلّ لربك وسل ".
وقال الضحاك: أي: ادع ربك وأسأله.
قال
القرطبي في المفهم :" عن سعيد بن جبير أنه قال عن معنى الآية:" ادع لربك
وارفع يديك إلى نحرك عند الدعاء"،
فهذا
سعيد بن جبير من أبرز من أخذ التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه، قد فسر هذه الآية
بالدعاء والرفع، وتبعه على ذلك جماعة من السلف.
قال
القرطبي في تفسيره:" أي أقم الصلاة المفروضة عليك، كذا رواه الضحاك عن ابن
عباس.
وقال
سليمان التيمي: يعنى وارفع يدك بالدعاء إلى نحرك"، ذكره القرطبي.
ونقل الألوسي والرازي في تفسيره
تأويل المفسرين لهذه الآية وقال:" خامسها: روي عن الضحاك وسليمان التيمي
أنهما قالا: {وانحر} معناه ارفع يديك عقيب الدعاء إلى نحرك"،
وقال القرطبي في أحكام القرآن
والشوكاني في فتح القدير: قال سليمان التيمي: يعني وارفع يدك بالدعاء إلى
نحرك".
وقال البيهقي في المعرفة :" وروينا
عن محمد بن علي بن الحسين، {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2] قال: رفع اليدين".
وقال الرازي في تفسيره للآية:"
أي فاعبد لي، وسل الظفر بعد العبادة، فإني أوجبت على كرمي أن بعد كل فريضة دعوة
مستجابة، كذا روى في الحديث المسند، فحينئذ أستجيب فيصير خصمك أبتر"،
الثاني:
وضْع اليمين على الشمال في
الصلاة عند النحر "، رُوِي ذلك عن علي وابن
عباس ومحمد بن كعب، وقد أُنكر هذا القول ولم يصح ، لأن اليد إنما توضع فوق الصدر
أو تحته، لا فوقه، وكره جماعة السلف وضع اليد عند النحر في القيام، ورأه من
التكلف.
والثالث: رفع اليدين إلى النحر في تكبيرات
الصلاة: لما روي عنه
عليه السلام قال :" ليست
بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا رفعت رأسك من
الركوع، وإذا سجدت"،
والرابع: صل لربك صلاة العيد، ثم انحر أضحية العيد.
قال الواحدي: أصل هذه الأقوال كلها من النحر الذي هو الصدر، يقال
لمذبح البعير النحر لأن منحره في صدره حيث يبدو الحلقوم من أعلى الصدر فمعنى النحر
في هذا الموضع هو إصابة النحر ".
والحاصل أن هذه اللفظة :" صل لربك وانحر"، من
قبيل اللفظ المشترك العام الشامل لجميع معانيه ما لم تكن متناقضة، ومن المعلوم عند
المفسرين أن السلف كانوا يفسرون الآية، كلٌّ ببعض معناها، فتكون الآية من قبيل اللفظ
العام والمشترك الشامل لجميع المعاني ما لم تكن متناقضة كما هنا، لأنَّ لفظَ
الصلاةِ شامل للفريضة والنافلة وصلاة العيد،
قال
ابن عبد البر في التمهيد (2/299): "وللصلاة في كلام العرب وجوه، قال أبو بكر بن الأنباري:
الصلاة تنقسم في لسان العرب على ثلاثة أقسام: تكون الصلاة المعروفة التي فيه
الركوع والسجود كما قال تعالى (فصل لربك وانحر).."،
وأورد ابن العربي في أحكام القرآن أربعة أقوال عن معنى
قوله تعالى"فصل لربك" وقال: الثاني: صل الصلوات الخمس"، وقال
القرطبي: أي أقم الصلاة المفروضة عليك، كذا رواه الضحاك عن ابن عباس"، وقال
آخرون أنها صلاة العيد أيضا.
وأما قوله تعالى:{وانحر}، فهو شامل أيضا لنحيرة العيد،
ولرفع اليدين إلى النحر أثناء الصلاة بالتكبير، وبعدها في الدعاء والمسألة،
قال القرطبي:" أما الآية: فلأنها محتملة لأمور
متعددة "،
فتعين
حملها عليها جميعا، وقد ورد ما يؤيد رفع اليدين بعد الفراغ من العبادات.
المثال الثاني: تفسير
غريب "فاطر"
قال
أبو بِشْر محمد بن أحمد بن حماد في الكنى 447 - حدثني الحسن بن علي بن عفان قال:،
ثنا قبيصة بن عقبة , عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال: " كان ابن
عباس لا يدري ما {فاطر السموات} حتى جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: يا
أبا عباس بئري أنا فطرتها، فقال: خذها يا مجاهد {فاطر السموات}
رواه
أبو عبيد عن يحي عن سفيان به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني: القسم
الثاني: تفسير غريب القرآن بالرأي والمعقول:
المطلب الأول: مفهومه ومن صنف فيه:
هو ما اعتمد فيه على الاجتهاد العقلي
المستنِد إلى الأصول الشرعية واللغوية والعلمية، وهذا هو الممدوح.
وتعليل وجوده: دخول العجمة على
اللغة، كما أن القرآن الكريم كلماته ثابتة، ومعانيه مرنة غير متناهية،
وهذا بدوره ينقسم إلى:
أ: تفسير تحليلي: شرح كلمات الله بمفرداتها كلمة كلمة
وجملة جملة
ب: التفسير التخصصي: منهم من تخصص في أحكامه
أو لغته أو بديعه أو إعجازه، أو بلاغته وعلومه أو قواعده كما هو الحال هنا.
ج: تفسير موضوعي: هو جمع الآيات المتفرقة المتشابهة المتحدثة
على نفس الموضوع، ثم تفسيرها وترتيبها والتنسيق بينها، لكتابة موضوع عنها "
اليهود في القرآن" ...
ومن
أبرز الأئمة الخائضين في هذا الباب:
1-
آبان بن تغلب.
2-
نورج بن عمر السدوسي.
3-
النضر بن شميل.
4-
محمد بن المستنير الشهير بقطرب.
5-
يحيى بن زياد الشهير بالفراء.
6-
أبو عبيدة معمر بن المثنى.
7-
الأخفش.
8-
الكسائي، وسواهم.
ومن أبرز المصادر المعتمدة في هذا الباب :
كتاب
«معاني القرآن» للفراء
وكتاب
مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمى (المتوفى : 209هـ)
وكتاب
تفسير غريب القرآن للإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة (276)
وكتاب
غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب للإمام محمد بن عُزير السجستاني، أبو بكر
العُزيري (المتوفى : 330هـ)
الغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (المتوفى 401 هـ)
كتاب
مفردات غريب القرآن لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
(المتوفى : 502هـ)
وكتاب
تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن
حيان أثير الدين الأندلسي (المتوفى: 745هـ)
التبيان في تفسير غريب القرآن المؤلف: أحمد بن محمد بن عماد الدين بن علي، أبو العباس،
شهاب الدين، ابن الهائم (المتوفى: 815هـ)
غرائب
القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري.
قال
الزكشي في البرهان (291) :" النوع الثامن عشر معرفة غريبة وهو معرفة المدلول
وقد
صنف فيه جماعة منهم أبو عبيدة كتاب المجاز
وأبو
عمر غلام ثعلب يا قوتة الصراط، ومن أشهرها
كتاب ابن عزيز والغريبين للهروي، ومن أحسنها كتاب المفردات للراغب وهو يتصيد
المعاني من السياق لأن مدلولات الألفاظ خاصة قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح وحيث
رأيت في كتب التفسير قال أهل المعاني فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن
كالزجاج ومن قبله وفى بعض كلام الواحدى أكثر أهل المعاني الفراء والزجاج وابن
الأنباري قالوا كذا انتهى".
قال:"
ومن الكتب المطولة كتاب الأزهري والموعب بعد لابن التيانى والمحكم لابن سيده وكتاب
الجامع للقزاز والصحاح للجوهري والبارع لأبى على القالى ومجمع البحرين للصاغاني
يقول ومن الموضوعات في الأفعال كتاب ابن القوطية وكتاب ابن طريف وكتاب السرقسطى
المنبوز بالحمار ومن أجمعها كتاب ابن القطاع ومعرفة هذا الفن للمفسر ضروري وإلا
فلا يحل له الإقدام على كتاب الله تعالى قال يحيى بن نضلة المدينى سمعت مالك بن
أنس يقول لا أوتى برجل يفسر كتاب الله غير عالم بلغة العرب إلا جعلته نكالا وقال
مجاهد لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن
عالما بلغات العرب ".
وقد
جمع الشيخ إبراهيم في كتابه غريب القرآن مراحله ومناهجه، الكثير من المؤلفين في
هذا المجال عبر العصور.
وأما
الدراسات الحديثة فكثير منها: كتاب علم غريب القرآن الكريم لإبراهيم بن عبد
الرحمن.
ثم
اعلم بأنه من السلف من تخصص في أحكام القرآن كالشافعي وابن العربي والقرطبي
والجصاص
ومنهم
من تخصص في لغته أو بديعه أو إعرابه، أو بلاغته وعلومه أو قواعده.
وإليك
البيان ببعض التمثيل من الصنفين التاليين:
المطلب الثاني:
شرح الصنف الأول: تفسير غريب القرآن بما وافق اللغة العربية:
نزل
القرآن الكريم بلغة العرب ، وبالتالي يجب على من أراد فهمه أن يكون ملما بلغة
العرب ومعانيها وقواعدها، ولذلك صنف الكثير من العلماء في مسائل التفسير باللغة
العربية من حيث إعراب القرآن أو بديعه وبيانه ومجازه...
ومنهم من
تخصص في تفسير القرآن بناء على القواعد اللغوية كما فعل الشيخ خالد عثمان السبت في
كتابه" قواعد التفسير"، حيث ذكر الكثير من القواعد اللغوي التي يعرف بها
فهم معاني غريب كتاب الله تعالى.
المثال
الأول: {الرحمن على العرش استوى}
حيث اتفق
اللغويون بأن الفعل استوى إذا تعدى ب على كام معناه العلو والارتفاع.
يمتاز
القرآن الكريم بالثبات والمرونة، فكلماته ثابتة محدودة، إلا أن معانيه مرنة غير محدودة،
فلا تنقضي عجائبه، ولا تنحصر معانيه، ولا يختص بوقت دون غيره، بل هو باق إلى قيام
الساعة بإعجازه من كل وجه، بداية من الإعجاز اللغوي والعلمي والبلاغي.... إلى ما
لا حد له.
شرط ألا
يخرج المفسر على مدلولات اللغة العربية،
وألا يتكلف إدخال أشياء لا تحتملها الآية.
المثال
الأول: قوله تعالى: {والعاديات ضبحا فالموريات قدحا....}
فالعدو هو السير
بسرعة، قال الطبري:" قال بعضهم: عُني بالعاديات ضبحا:
الخيل التي تعدو، وهي تحمحم ”،
وقال
آخرون: هي الإبل: وهو قول عبد الله وعلي وأصحابهما.
وقال
آخرون: هي عامة في كل الدواب العادية، ثم خرج الطبري عن عطاء قال: "ليس شيء من الدوابّ
يضبح غير الكلب والفرس ".
والسؤال
المطروح: هل يدخل في عموم هذه الآيةِ وسائلُ العدو والركوب وآلات الحرب الحديثة؟
والجواب:
نعم لأمور:
أولاها:
أن العبرة بعموم الألفاظ مع شموليتها لكل زمان ومكان.
والثاني:
أن من معاني "ضبحا": من الضبح وهو اشتعال أعلى الشيء ومؤخرتِه بالنار، كما تُوري القداحةَ أي تُشعلها، كما في الآية: {أفرآيتم النار
التي تورون}. بل إن هذا الضبحَ
مجازيٌّ في الخيل، حقيقي على الصواريخ
والطائرات النفاثة وغيرها، فإنها تترك في مؤخرتها نارا ودخانا، من شدة العدْو والسرعة.
فقد ذكر
ابن فارس في مقاييس اللغة أن :" (ضبح) فيها أصلانِ صحيحان:
أحدهما صوتٌ، -كما سيأتي-... وأمَّا الأصل الثاني فالضَّبْح: إحراقُ أعالي العُود
بالنار. والضِّبْح: الرَّماد. والحجارة المضبوحة هي قَدَّاحة النّار، التي كأنها
محترقة".
وكذلك ذكر ذلك ابن سيده وابن منظور وابن عباد وغيرهم من أهل اللغة، قالوا: "
ضَبَحَ العود بالنار يضْبَحُه ضَبْحا، أحرق شيئا من أعاليه، [وكذلك اللحم وغيره.
وضَبَح
القدْح بالنار، لوّحه. قال الشاعر: وأصْفَرَ
مَضْبوحٍ نظَرْتُ حوارَهُ ... على النَّارِ واستودعتُه كَفَّ مُجْمدِ أصفر، قدح، وذلك أن القدح إذا كان فيه عوج ثقف بالنار حتى يستوي].
وقال
الليث : ضبحتُ العودَ في النار إذا أَحْرَقْت من أعاليه شيئاً.
وقال ابن
عباد وغيره من أهل اللغة:" ضبَحْتُ العُوْدَ بالنّار: أحْرَقْتُ شَيْئاً من
أعَالِيْه، فهو مَضْبُوْحٌ. والأضْبَحُ من القِدَاح: الذي أَصَابَتْه النّارُ
فَضَبَحَتْه "
والثالث:
ما قالوا أن من معاني الضبح:” حجرُ الحرة السوادء. والضَّبْحُ:
الرماد".
ومن المعلوم
أن الآلات العادية الحديثة تترك المدينة رمادا كالحجارة السوداء.
والأمر
الرابع: أن الضبح يُطلق على آثار النار التي يُولدها السهم المحترق ونحوه
من الآليات الحديثة، من أجل إلهاب
الخصم وإحداث حريق في معسكره، كما قال ابن دريد في الجمهرة مادة "السهم”: والسرائح أيضاً: آثار فيه كآثار النار، فإن كانت من
آثار النار فهي ضبْح، وسهم ضبيح ومضبوح،[ وتسمّى السريحة: الشريحة أيضاً]".
والأمر
الخامس: أن الضبح يُطلق أيضا على عدة أصواتٍ منها: صوت الحيوان، والصياح، وكل الأصوات العالية، وعلى الصدى، وكذلك صوت السهام المنبعثة، وما يقاس عليها من أصوات جميع
آليات الحروب المنبعثة بسرعة.
فقد
مرقول ابن فارس في مقاييس اللغة أن :(ضبح) فيها أصلانِ صحيحان: أحدهما صوتٌ، والآخَرُ تغيُّرُ لون من فعلِ نار".
وقال ابن
سيده:" وضَبَح الأرنب، والأسود من الحيات، والبوم، والصدى، والثعلب، والقوس،
يَضْبَح ضُباحا وضبيحا: صوت.
وأنشد
أبو حنيفة في وصف قوس:
حَنَّانَةٌ
من نَشَمِ أو تَأْلَبِ ... تَضْبَحُ في الكَفِّ ضُباحَ الثعلَبِ
وقال
سويد بن أبي كاهل:
نَفَى
الأُسْدَ حتى إنما بِبِلادِه ... ثعالبُ منهُنَّ الضَّبيحُ التَّناصُرُ
قال:"
وضَبَحَت الخيل في عدوها، تَضْبَحُ ضَبْحا: أسمعت من أفواهها صوتا ليس بصهيل ولا
حمحمة.
وقيل: هو
عدو دون التقريب،
وفي
التنزيل: (و العادياتِ ضَبْحا) وكان علي عليه السلام يقول: هي الإبل، يذهب إلى
وقعة بدر. وقال: ما كان معنا يومئذ إلا فرس كان عليه المقداد".
الأمر
السادس: ومن الأدلة على إطلاق الضبح على الأصوات المرتفعة:
ما قاله
ابن قتيبة في حديث أبي هريرة: " تَعِس عَبدُ الدينارِ والدّرْهمِ، الذي إن
أُعْطِىَ مَدَحَ وضَبَح، وإن منع قبح وكلح، تعس فلا انتعش، وشيك فلا انتقش "
معنى ضَبَح، صاح. وهذا كما يقال: فلان يضبح دونك ..."، وهكذا يطلق النقع على كل الصّارخ بصوته، فتقول: نقع ينقَع نَقْعاً ، وأنقَعَ صوتَه: إذا تابعه كما قال ابن
سيده. ومن
المعلوم ان الآليات الحديثة تُحدث
أصواتا مرتفعة مرعبة تثير التراب وكل شيء، بل تكاد تقطع
الأذن.
وأما
قوله تعالى :( فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ) : فهو مؤكد لما سبق:
فقد قال
الطبري :" اختلف أهل التأويل، في ذلك، فقال بعضهم: هي الخيل توري النار
بحوافرها"، وقيل:
الناس
يورون النار في الحرب وبعدها.
قلت: وإن
كان هذا المعنى الأولُ مجازًا في
الخيل، فهو حقيقةٌ في آليات الحرب الحديثة، فإنها توري النار من خلفها من سرعة عدوها
وانطلاقها، ثم توري النار من بعدها تاركة البنيان
خرابا وحريقا، تشبيها بالقداحة التي تشعل النار.
يؤكد ذلك
قولهم:" قدَح النَّارَ من الزنْد: أخرجها منه، وأشعلها بالاحتكاك ".
وأما
قوله تعالى: ( فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا ): فالمقصود أن الخيول تثير الغبار بعدْوها
في ساحة المعركة، ومن المعلوم أن آليات الحرب الحديثة أشد إثارة للغبار والدخان
معا.
وهي أشد
تدميرا للنقاع الأرضية...
وأما
قوله:( فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا ) :فهو
تبيين لنتيجة المعركة والإغارة، وفتح البلاد، وتوسّط الجموع، كما قال الطبري:" يقول تعالى: فوسطن بركْبانهن جمع القوم.
ومن
المعلوم أن الآلياتِ الحديثةِ أشد وأفتك وأسرع دخولا بين أوساط جموع الخصوم.
وفي
الختام تشترك كل هذه الوسائل في الإغارة على العدو، وأفضل أوقات الإغارة على العدو: بعد صلاة الصبح كما قال تعالى :{فالمغيرات صبحا} وبالله
التوفيق.
المثال الثاني: التفسير
العلمي لقوله تعالى :{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ
الصَّدْعِ (12)} الطارق:11].
وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا
السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) }
[الأنبياء]
أخبر القرآن الكريم بأن السماء
سقف يحفظ الكون، وأنها طبقات، لكل طبقة منها وظائف في الإرجاع؟
فهل يا ترى سنكتفي بما ذكره المتقدمون من أنها ترجع البخار أم أمطارا وأرزاقا،
وذكر ابن زيد أنها ترجع أشعة الشمس والقمر...
أم أن معاني كلام الله تعال أوسع من فهم أي
إنسان؟
لقد ذكر العلماء المحدثون أن هذه
الآية تحتوي على الكثير من الحقائق العلمية الفضائية التي اكتُشفت في هذا القرن،
فتأمل ماذا تُرجع السماء، ومم تحفظنا؟
وصفت المنظمة الدولية للأرصاد
الجوية wmo، عام 1962،
الغلاف الجوي، البالغ سمكه 35 ألف كيلومتر، وذلك عن طريق تقسيمه من خمس إلى سبع
طبقات، كل طبقة لها وظيفة في الحفظ والإرجاع.
فما هي هذه الطبقات؟ وماذا تُرجع
السماء؟ ومم تحفظنا؟
1.الطبقة المناخية
المعروفة (التروبوسفيرTroposphere:يبلغ
علوها إلى 10 كم فوق سطح البحر،
وتمتاز باضطراب مناخها وكثافتها وتياراتها وجاذبِيتها، فكلما صعدتَ أكثر شعرتَ
بالاختناق، كما قال تعالى {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا
يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}، ثم تأمل ماذا تُرجع؟ إنها تُرجع المطر والبرد والبرق..؟
تقوم الشمس بإرجاع مياهِ الأرضِ
بخارا متصاعدا فيتشكل السحاب ثم تقوم الرياح بنقله والتأليف بين شحناته الموجبة
والسالبة، فترى المطر يخرج من خلاله، فإذا تراكمت كالجبال خرج منها البَرَد والبرق
(دورة الطبيعة).
2.الطبقة الغازية
الأوزونية: ستراتوسفيرStratospher: يتراوح ارتفاعها بين 10 إلى 50 كم، تقوم
بامتصاص 99% من طاقة الأشعة فوق البنفسجية المهلكة، وأشعة
x الصادرة من الشمس، بينما تترك الأشعة
المفيدة لتصل إلى الأرض، وتُرجع غيرها للفضاء، ويقال بأنها تُنقي الهواء الملوث من
الأرض وتُرجعُه هواء نقيا في وقت تنفس الصبح. تمتاز باستقرار الهواء وانخفاض
كثافته، حيث تحلق فيها الطائرات بلا ضغط.
3. طبقة
الميزوسفير المتكور الباردMesophere: ارتفاعها بين 50 ـ 85 كم، تمتاز
ببرودتها، من جراء امتصاص برودة الجو والفضاء، مع امتصاص حر الشمس وتحويلهما إلى
برودة تسمح باعتدال جو الأرض،
. وأحيانا ما تنفذ الجسيمات العالية البرودة
إلى المجال المغناطيسي للأرض، خاصة في القطبيْن، وفي الشتاء، مولّدة برودة إضافية
في فصل الشتاء، وهو الزمهرير نفس جهنم الثاني.
كما تتساقط فيها الشهب المحترقة
القادمة من فوق آخر طبقة -الماغنوسفير- فتُبردُها، ثم تحوّلها إلى ذرات حديد
ومعادن، ثم ترجع أو تنزل إلى الأرض كما قال تعالى :{وأنزلنا الحديد ...}.
4.طبقة الثرموسفير: المتكور
الحراري Thermosphere layer: من
ارتفاع 80 كم إلى 200 كم فأكثر، ومع استمرار الجهل بها، فإنها تمتاز بغازها
المشحون، وحرارتها لأجل امتصاص الحرارة
القادمة من الفضاء والطاقة الشمسية العالية والأشعة فوق البنفسجية المسماة XUV أو EUV والسينية، ثم تحطيمها وتحويلها إلى أيونات
مشحونة ناقلة، وبرودة تسمح باعتدال جو الأرض.
. وأحيانا ما تنفذ الجسيمات العالية الطاقة
إلى المجال المغناطيسي للأرض، وتتفاعل مع المناطق العليا من الغلاف الجوي مولدة
حرارة إضافية في فصل الصيف، وهو نفس جهنم في حر الصيف.
. كذلك الأمر إن اخترقته الجسيمات الباردة
جدا شتاءً، وهو الزمهرير نفس جهنم الثاني.
كما ذكر العلماء أنّ هذه الأرض
عرضة لكثير من الأعاصير والعوامل المناخية الباردة والحارة القادمة من النجوم
والشمس والفضاء اتجاه الأرض، وأنها يمكن أن تخترق جزيئات منها الغلاف الجوي.
فهل يوافق هذا قوله صلى الله عليه
وسلم: " اشتكت النار إلى ربها وقالت: أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين، نفسا في
الشتاء، ونفسا في الصيف، فأما نفسها في الشتاء
فزمهرير، وأما نفسها في الصيف فسموم “
5/ طبقة الأثير الأيونوسفيرIonosphere:: وهي
تابعة لسابقتها، تمتد من ارتفاع 85 إلى 700 كم وتحتوي على أيونات موجبة،
وإلكترونات حرة سالبة، بسبب أشعةx الشمسية المؤينة، والباقية بالطبقة، وفيها يتكون
الشفق، ويتأين الغاز ويُشحن، فينقل الكهرباء والموجات اللاسلكية ويُرجعها إلى
الأرض، عن طريق جعل الإشعاع الكهرطيسي قابلا للانعكاس، بمعنى أنها تُرجع الإشعاعَ
الضارّ إلى نافع.
وهي مقسمة إلى ثلاث طبقات
داخلية D.E.Fولكل
منها خصائصه المميزة خاصة في مجال إرجاع موجات الرادار والبث الإذاعي
والاتصال اللاسلكي عبر الأقمار الاصطناعية، إلى المستقبلات الأرضية، بل إلى
المسافات الطويلة حتى الكواكب والمجرات عبْر ما يسمى بالرياح الشمسية الناقلة
للتموجات.
6. طبقة الإكسوسفير (الغلاف
الخارجي)Exosphere: يتراوح ارتفاعها بين 700 كم إلى 35000
كم، وهي الطبقة الأخيرة، وما بعدها تابع لها، وهي الدرع الواقي للكرة الأرضية من
الإلكترونات القاتلة، والأشعة المميتة، والأجرام الفتاكة، وهناك بعض الشهب تمر
بسرعة منها الرجوم لكن يتم صهرها وتحويلها إلى ذرات معدن في طبقة الميزوسفير كما
أسلفنا.
7/ طبقة الماجنتوسفيرMagnetospher: تابعة لما سبقها،
وتمتد إلى مسافة 60000 كم، وبهذا تصل إلى حوالي نصف مسافة القمر، وبها تنتهي
جاذبية الأرض، والتي تساعد المركبات الفضائية الرجوع إلى الأرض اعتمادا على
الجاذبية من غير طاقة.
وفي الختام: أسأل الله العلام، أن يتقبل منا
ويغفر لنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو عيسى
الزياني
تعليقات
إرسال تعليق